إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [15]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحدث الشيخ في لقائه هذا عن فقه صلاة الكسوف وهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم عند الكسوف، وذكر حكمة الله سبحانه وتعالى من هذا الكسوف، وأقسام الناس تجاه هذا الأمر، وتكلم عن مسائل مهمة حول صفة صلاة الكسوف.

    1.   

    فقه صلاة الكسوف

    الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى توفاه الله عز وجل، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإننا في هذا اليوم الخميس، السادس عشر من شهر جمادى الآخرة، نلتقي وإياكم اللقاء الثالث لهذا الشهر عام (1413هـ) ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله لقاءً مباركاً نافعاً.

    كنا نتكلم في تفسير القرآن الكريم من أول سورة النبأ إلى آخر القرآن، نظراً لكون المسلمين يستمعون إلى هذه السور كثيراً، لكثرة قراءتها في الصلوات، ولكننا هذا اليوم سوف نتكلم عن مناسبة حصلت البارحة ألا وهي كسوف القمر.

    فزع المصطفى صلى الله عليه وسلم عند الكسوف

    والكسوف كما نعلم أمر غير عادي يقدره الله عز وجل إنذاراً للعباد وتخويفاً لهم، وقد وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كسوف الشمس -مرة واحدة في التاسع والعشرين من شهر شوال سنة عشر من الهجرة، وقد وقع هذا الكسوف أول النهار حين ارتفعت الشمس قدر رمح أو رمحين، وكان كسوفاً عظيماً كلياً للشمس حتى صارت كأنها قطعة نحاس- ففزع الناس لذلك فزعاً عظيماً، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً يجر رداءه. قال الراوي: يخشى أن تكون الساعة، وأمر صلى الله عليه وسلم أن ينادى لها: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس رجالاً ونساءً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فأقام لهذا الكسوف صلاة غريبة، صلاة لا نظير لها في بقية الصلوات، وذلك لأنها كانت لها مناسبة لا نظير لها، فالظهر تصلى عند زوال الشمس كما هو معتاد، والمغرب عند غروب الشمس كما هو معتاد، لكن الكسوف غير معتاد فصلاتها غير معتادة.

    صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه، وجهر فيها بالقراءة؛ لأن الصلاة صلاة جمع، يجتمع فيها الناس، ولهذا قال العلماء: ينبغي أن يجتمع الناس في صلاة الكسوف في الجوامع، وألا تقام في كل مسجد بل السنة أن يجتمع الناس في الجوامع؛ لأنه أكثر عدداً وأقرب إلى الإجابة والرحمة، فإنه كلما كثر جمع المسلمين كانوا أقرب إلى رحمة الله، كما جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله عباداً من النار من يوم عرفة) وذلك لأنه يوم يضم أكثر جمع من المسلمين في موقف واحد، يرجون ثواب الله تعالى ويخشون عذابه.

    اجتمع الناس في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وقرأ بهم جهراً قراءة طويلة طويلة، حتى كان بعضهم يسقط من قيامه من شدة التعب، أما النبي صلى الله عليه وسلم فلا غرابة أن يقف هذا الوقوف، لأنه صلى الله عليه وسلم من عادته أنه كان يطيل القيام حتى تتورم قدماه، بل حتى تتفطر قدماه، فقيل له في ذلك: (أما قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أفلا أكون عبداً شكوراً)، وأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع إطالة طويلة، ثم رفع فقرأ الفاتحة، ثم قرأ قراءة طويلة طويلة إلا أنها دون الأولى، ثم ركع ركوعاً طويلاً لكنه دون الركوع الأول، ثم رفع بعد الرفع من الركوع بدون قراءة، لكن بحمد وتسبيح وتعظيم لله عز وجل، وأطال هذا القيام بقدر إطالة الركوع، ثم هوى ساجداً صلى الله عليه وسلم، وأطال السجود نحواً من ركوعه، ثم رفع من السجود الأول فقعد وأطال القعود بمقدار إطالة السجود، ثم سجد السجدة الثانية وأطال كالسجود الأول، ثم قام إلى الركعة الثانية وصلاها كالأولى، لكنها أقل قراءة وأقل إطالة في الركوع والسجود ثم انصرف، فقام في الناس خطيباً صلى الله عليه وسلم وخطب خطبة بليغة قال فيها: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد، ولا لحياة أحد) لأن الحوادث الأرضية ليس لها أثر في الفلك، الأفلاك تجري بأمر الله، ولا علاقة لها بما يحدث في الأرض، فهي تتغير بأمر الله عز وجل، لا لفقدان عظيم، ولا لوجود عظيم.

    والنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة البليغة: ذكر أنه عرضت عليه الجنة ورأى ما فيها من النعيم، وتقدم قليلاً ليأخذ منها قطفاً من العنب، وقال: (لو أني أخذته لبقي لكم ما بقيت الدنيا) ولكن الله سبحانه وتعالى حال بينه وبينه؛ لأن الوقت لم يأت بعد، إذ أن نعيم الجنة لا يتنعم به الناس إلا يوم القيامة، ثم عرضت عليه النار، حتى تقهقر صلى الله عليه وسلم وخاف من لفحها، ورأى فيها من يعذب، رأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قُصبه في النار -أمعاءه والعياذ بالله- لأنه أول من أدخل الشرك على العرب، فهو أول من أدخل الأصنام وسيب السوائب، وأدخل على العرب أنواعاً من الشرك والفسوق فرآه النبي صلى الله عليه وسلم يعذب في نار جهنم، ورأى فيها امرأة تعذب في هرة حبستها، فلا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض، ولا هي أطعمتها بشراب ومأكول، حتى ماتت الهرة فعذبت بها.

    ورأى صلى الله عليه وسلم صاحب المحجن يعذب فيها، وصاحب المحجن رجل يسرق الحجاج بمحجنه، والمحجن عصاً لها رأس منحنٍ فيمر بالحاج فيخطف متاعه، فإن فطن له قال: هذا الذي جذبه المحجن، وإن لم يتفطن له سار به وأخذه والعياذ بالله، فرآه يعذب في نار جهنم، وقال صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة: (يا أمة محمد! ما من أحد أغير من الله عز وجل أن يزني عبده أو تزني أمته) أي: الله سبحانه وتعالى له غيرة عظيمة، إذا زنا العبد الرجل أو الأمة المرأة، ولهذا حرم سبحانه وتعالى الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

    ولما نزلت هذه الآية وهي قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:4] قال سعد بن عبادة وكان سيد الخزرج، وكان غيوراً رضي الله عنه حتى إنه من غيرته كان لا يتجاسر أحد أن يتزوج امرأته بعد فراقه لها، فقال: (يا رسول الله! أرأيتَ إن رأيتُ لكع بن لكع -وهذا وصف ذم- على امرأتي أذهب حتى آتي بأربعة شهداء، والله لأضربنه بالسيف غير مصفح -يعني أضربه بحد السيف لا بصفحته فأقتله- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تعجبون من غيرة سعد، والله إني لأغير من سعد، وإن الله لأغير مني) عليه الصلاة والسلام.

    فبين صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الله يغار من زنا الرجل أو زنا المرأة، وأن ذلك من أسباب سخط الله وعقابه، وقال في هذه الخطبة العظيمة: (يا أمة محمد! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) أي: لو أيقنتم كما أوقن لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولكنه ليس عندنا من اليقين ما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    الحكمة من الكسوف

    هذا الكسوف بين النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة أن الله تعالى يحدث من أمره ما شاء، ومنه الخسوف أو الكسوف، فالخسوف للقمر والكسوف للشمس، وربما قيل الكسوف لهما جميعاً.

    يحدث ذلك سبحانه وتعالى ليخوف بذلك عباده، فالكسوف إنذار من الله لعقوبة انعقدت أسبابها، وليس هو عذاباً لكنه إنذار، كما قال صلى الله عليه وسلم: (يخوف الله بهما عباده) ولم يقل: يعاقب الله بهما عباده، بل هو تخويف، ولا ندري ما وراء هذا التخويف، قد تكون هناك عقوبات عاجلة أو آجلة في الأنفس أو الأموال أو الأولاد أو الأهل، عقوبات عامة أو خاصة ما ندري، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله) ما قال: قوموا، وما قال: صلوا..اذكروا الله، ولكن قال: افزعوا، افزعوا إلى ذكر الله واستغفاره، وكبروا وتصدقوا وصلوا وأعتقوا، كل هذه أشياء تدل على عظم هذا الكسوف، مع أنه بسبب موت القلوب في عصرنا هذا صار يمر وكأنه أمر طبيعي، كأن كسوف الشمس غروبها فنقوم نصلي المغرب، تكسف فنقوم نصلي صلاة الكسوف من غير وجل ولا خوف، نسأل الله أن يلين قلوبنا لذكره.

    الحقيقة أن الأمر خطير، وكون الكسوف يأتي ويمضي بهذه السهولة وكأن شيئاً لم يكن، هذا يدل دلالة واضحة على أن القلوب بها بلاء كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ [المطففين:14-17].

    أقسام الناس بالنسبة للكسوف

    هذا الكسوف ينقسم فيه الناس إلى قسمين:

    - قسم يؤمن بما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك لتخويف العباد؛ فيحذر ويخاف ويفزع ويلجأ إلى الله عز وجل، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هذا القسم.

    - وقسم آخر يقول: هذه الأمور طبيعية ليس لها أثر، بل الكسوف سببه حيلولة الأرض بين القمر والشمس، فهذا الجزء المظلم من القمر هو ظل الأرض، حيث حالت بينه وبين الشمس كما يكون ظل السحاب على الأرض إذا حال بين الشمس وبين الأرض، فيقول هذا أمر طبيعي وليس هو للتخويف، ويستدل على ذلك بقوله: إن الناس يعلمون بالخسوف قبل أن يقع، ويحددونه بالساعة والدقيقة ابتداءً وتوسطاً وانتهاءً، إذاً لا حاجة أن نفزع ولا حاجة أن نخاف، وهؤلاء طبع الله على قلوبهم والعياذ بالله فلم يتفطنوا للوحي، ولم يتفطنوا أن الذي قدر هذا السبب هو الله عز وجل.

    من يستطيع أن يجعل الأرض تحول بين الشمس والقمر؟! من يستطيع في كسوف الشمس أن يجعل القمر يحول بين الشمس والأرض؟! من يستطيع هذا إلا الله عز وجل؟!

    فإذا قدره فإنما يقدره لحكمة، وهي تخويف العباد، والمؤمن العاقل يستطيع أن يجمع بين السبب الشرعي والسبب الكوني، وذلك أن الكسوف له سببان:

    السبب الأول: التخويف: تخويف العباد إذا كثرت الذنوب، ورانت المعاصي على القلوب، نسأل الله العافية.

    والسبب الثاني: كوني قدري: وهو ما يذكره الناس من أن سبب الكسوف حيلولة القمر بين الشمس والأرض، وسبب الخسوف حيلولة الأرض بين الشمس والقمر، ولا يمتنع أن يجعل الله عز وجل أسباباً طبيعية لتخويف العباد، أرأيتم الصواعق والفيضانات؟ هل لها أسباب كونية قدرية؟

    الجواب: نعم. لها أسباب كونية قدرية لكن من الذي خلق هذه الأسباب؟ الله عز وجل خلقها يخوف بها العباد: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ [الرعد:12-13].

    إذاً: علينا أن تكون قلوبنا واسعة تسع السبب الكوني وهو القدري، والسبب الشرعي، ونقول: يقدر الله تعالى هذه الأسباب من أجل أن يخوف العباد.

    1.   

    مسائل في صلاة الكسوف

    في صلاة الكسوف عدة مسائل:

    السبب في كون صلاة الكسوف ليست مثل الصلوات الأخرى

    أولاً: لماذا جعلت الصلاة على هذا الوصف، ولم تكن كالصلوات الأخرى؟ لماذا كان فيها ركوعان في ركعة واحدة؟

    الجواب: لأن سببها ليس أمراً معتاداً حتى تكون كالصلاة المعتادة، فغروب الشمس سبب لصلاة المغرب، تصلي المغرب على عادتك لكن هذا سبب غير معتاد، آية من آيات الله، فناسب أن تكون الصلاة على غير الوجه المعتاد لتكون أيضاً آية من آيات الله، لكن الصلاة آية شرعية والكسوف آية كونية شرعية.

    الجهر في صلاة الكسوف نهاراً

    ثانياً: لماذا يجهر في صلاة الكسوف إذا وقعت نهاراً؟

    الجواب: لأنها صلاة جامعة، ونحن نرى أن الصلوات الجامعة النهارية تكون قراءتها جهرية، الجمعة صلاة نهارية، يجهر فيها بالقراءة لماذا؟ لأنها جامعة، العيد صلاة نهارية يجهر فيها بالقراءة لأنها جامعة، الاستسقاء كذلك، لهذا نقول: صارت صلاتها جهرية لأنها صلاة جامعة.

    مكان أداء صلاة الكسوف

    ثالثاً: أين تشرع هذه الصلاة هل هي في كل مسجد؟

    الجواب: في الجوامع، هذا هو الأفضل، لكن لو فرض أن الناس تكاسلوا وصلى كل إنسان في مسجده فلا بأس، لكن الأفضل أن تكون في الجامع كما ذكر ذلك أهل العلم، وكما هو ظاهر السنة حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادى لها: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس.

    أسباب إطالة القراءة في صلاة الكسوف

    رابعاً: لماذا تطال هذه الصلاة في القراءة وفي الركوع، والقيام والسجود.

    الجواب: لأنها صلاة رهبة يحتاج الإنسان فيها إلى الرجوع إلى الله عز وجل والتوبة، وأيضاً فإن الكسوف قد تطول مدته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم) ورسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف بقي حتى تجلت الشمس، فما انصرف من صلاته إلا وقد تجلت، وقد ذكرنا في أول كلامنا أن الكسوف الذي وقع في عهده كان كسوفاً كلياً للشمس، وهذا في العادة يستغرق وقتاً طويلاً، وقد ذكرت أن بعض الصحابة وقع من التعب والإرهاق من طول القراءة.

    إذاً: تطال لأن الغالب أن زمن الكسوف يطول، فإذا قدر أننا لم نعلم بالكسوف إلا حين بدأ بالتجلي، وهو إذا بدأ بالتجلي أحياناً ينجلي سريعاً فهل نصلي أو لا نصلي؟

    الجواب: نصلي؛ لأنها صلاة ذات سبب قيدت بغاية، فتتقيد الغاية بغايتها، فإن لم نعلم بالكسوف إلا بعد أن تجلت نهائياً فهل نقضيها؟ لا نقضيها؛ لأن هذه الصلاة لسبب زال، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم).

    من فاته الركوع الأول في صلاة الكسوف

    خامساً: ومن المسائل التي ترد على صلاة الكسوف أن فيها ركوعين في كل ركعة، فهل إذا جاء رجل مسبوق ودخل مع الإمام بعد الركوع الأول هل يكون مدركاً للركعة؟

    الجواب: لا. لأن الركعة لا تدرك إلا بإدراك الركوع الأول، فلو جئت والإمام في الركعة الأولى وقد رفع من الركوع الأول فقد فاتتك الركعة الأولى، فإذا سلم تقوم وتقضي ركعة كاملة بركوعين وسجودين؛ لأن إدراك الركعة في صلاة الكسوف لا يكون إلا بإدراك الركوع الأول، وهذه مسألة تخفى على كثير من الناس، كثير من الناس إذا أدرك الركوع الثاني ظن أنه أدرك الركعة وليس كذلك؛ لأنه بقي عليه ركوع في الركعة، كيف تكون مدركاً للركعة وأنت قد فاتك ركوع؟

    خطبة الكسوف من الخطب الراتبة

    سادساً: ومما يسأل عنه: هل الخطبة في صلاة الكسوف من الخطب الراتبة أو من الخطب العارضة؟ لو أن الكسوف وقع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثاً، فخطب في إحدى المرات، وترك في إحدى المرات.

    قلنا: هذه من الخطب العارضة، لأنه فعل وترك، لكنه لم يقع إلا مرة واحدة وخطب، ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله، هل هي من الخطب الراتبة؟ بحيث نقول: يشرع للإمام أن يخطب في الناس على كل حال. أم هي من الخطب العارضة التي إن شاء قام بها وإن شاء لم يقم؟ والذي يتبين لي أنها من الخطب الراتبة، وأنه يسن لكل إمام عنده قدرة أن يخطب الناس، لما في ذلك من إثارة الشعور، وبيان عظم هذا الحادث حتى لا ينصرف الناس عن هذا المكان بدون موعظة، فالذي أراه أنها من الخطب الراتبة التي تسن بكل حال، فكلما صليت صلاة الكسوف وكان الإمام عنده قدرة فليتكلم في الناس ويعظهم، فإن لم يقدر وكان في القوم من هو قادر فليطلب منه ويقول: يا فلان! قم حدثنا، فيحدث الناس بمثل ما حدثهم به النبي صلى الله عليه وسلم.

    التكبير لصلاة الكسوف

    سابعاً: ومن المسائل التي ترد على صلاة الكسوف أنه: إذا أذن لها هل يكبر ويتشهد؟

    الجواب: لا. بل يقول الصلاة جامعة، وكم يكررها؟ يكررها ثلاثاً أو أربعاً، أو خمساً، ولكن الأفضل أن يقرأها على وتر، ويكررها بحسب الحاجة، فمثلاً إذا وقع الكسوف في وقت يقظة الناس وانتباههم فهنا لا يحتاج إلى تكرار طويل، لأن الناس مستيقظون ومنتبهون، لكن إذا وقع في أثناء الليل كما في كسوف القمر البارحة فإنه يكرر حتى يغلب على ظنه أنه قد أبلغ؛ لأن الناس نائمون، وفي الغالب أنهم في أيام الشتاء يكونون في الحجر المغلقة عليهم فلا يسمعون، فتكرار النداء لصلاة الكسوف بحسب الحاجة، إن احتاجوا إلى التكرار الكثير فعل وإلا فلا.

    نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يتعظ بآيات الله، وينتفع بها، وأن يحيينا وإياكم حياة طيبة، ويتوفانا على الإيمان ويجعلنا من عباده المخلصين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    1.   

    الأسئلة

    مدة المسح على الخفين حال السفر

    السؤال: فضيلة الشيخ: المسح على الخفين في السفر هل ورد في مدته زيادة على ثلاثة أيام؟

    الجواب: صحت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المسح للمسافر ثلاثة أيام بلا قيد، وورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يمسح ما شاء، لكن الصحيح الأول، وأنها مقيدة بثلاثة أيام للمسافر ويوم وليلة للمقيم، إلا أن يكون هناك ضرورة، كما لو كان في بلاد باردة، ويخشى إن خلع الجوارب أو الخفين أن تتضرر أصابعه وتتألم فهذا لا بأس أن يستمر.

    حكم التخلف عن صلاة الكسوف

    السؤال: ما رأي فضيلتكم فيمن سمع الإمام يقرأ في الليل في صلاة الكسوف، ولكنه أكمل نومه وما خرج لصلاة الكسوف فهل يلحقه إثم في ذلك؟

    الجواب: إذا سمع الرجل صلاة الكسوف وهو على فراشه فإن الأفضل له أن يقوم من فراشه ويصلي مع المسلمين، فإن لم يفعل فقد حرم نفسه خيراً كثيراً، وقد أثم عند من يرى من أهل العلم أن صلاة الكسوف فرض عين، والصحيح أنها فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين، وكانت في حق الآخرين سنة وليست بواجبة.

    حكم الترخص برخص السفر لمن يسافر يومياً

    السؤال: نحن ثلاثة أشخاص نسافر يومياً (70كم)، وفي أيام الاختبارات نرجع وتدركنا صلاة الظهر قبل الوصول إلى البلد، هل يجوز لنا القصر أم لا؟

    الجواب: إذا كنتم تسافرون يومياً (70كم) فإنكم غير مسافرين؛ لأن المسافر هو الذي يحمل الزاد ويتأهب للسفر، ومثل هذه المدة القصيرة في مسافة قصيرة أيضاً لا تبلغ المسافة التي حددها أكثر العلماء، فإنكم لستم مسافرين بل عليكم أن تتموا الصلاة ولا تجمعوا.

    تعيين شيء معين من القرآن في صلاة الكسوف

    السؤال: ما الذي يشرع من القرآن لصلاة الكسوف؟

    الجواب: صلاة الكسوف لا يشرع فيها قراءة سورة معينة، بل المشروع فيها الإطالة، لكن لو أتى مثلاً بسورة فيها مواعظ كثيرة فالوقت مناسب، وكان بعض مشايخنا يستحب أن يقرأ سورة الإسراء؛ لأن فيها آيات مناسبة، منها قوله تعالى: وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً [الإسراء:59] المهم أن يقرأ ما تيسر، ولكن يطيل القراءة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

    مسائل حول الدعوة والغربة والكتب

    السؤال: سمعت بعض الدعاة يقول: إن الإنسان إذا دعا الله سبحانه وتعالى في بلاده قد ينـزل الله سبحانه وتعالى الهداية في بلاد أخرى، وكذلك قولهم: إن هذه الكتب هي ألفاظ الدين وليست الدين، يعني: الدين هو الحركة، وكذلك قولهم: إن الغربة الآن هي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، فهم يقولون: إن الغريب الآن ليس هو الذي يصلي ويصوم ويحج وليس في ذلك غرابة، وإنما الغريب الآن هو الداعي إلى الله سبحانه وتعالى، فما صحة هذه الأقوال؟

    الجواب: لا صحة لذلك؛ لأنك إذا دعوت الله دعاء محدداً تقول: اللهم اهد هؤلاء، اللهم اهد أهل هذه البلدة، فإما أن يستجيب الله دعاءك ويهتدي هؤلاء، وإما أن يصرف عنك وعن أهل البلد من السوء ما هو عظيم، وإما أن يدخر لك أجرها إلى يوم القيامة، أما أن يهتدي قوم في محل آخر لم تدع الله لهم فإن دعاءك ليس سبباً لهدايتهم.

    السائل: فضيلة الشيخ! إنما أقصد زيارتهم في بيوتهم ودعوتهم إلى الله ولم أقصد الدعاء لهم؟

    الشيخ: كيف ذلك؟ كيف إذا دعوت مثلاً أهل بلد معينة، كيف يهتدي قوم ما دعوتهم؟

    السائل: يستدل أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا أهل مكة ثم اهتدى الأنصار في المدينة؟

    الشيخ: هذا ليس بصحيح؛ لأن هداية الأنصار لها سبب غير دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل مكة، السبب أن عندهم أناساً من اليهود، واليهود عندهم كتاب، وعندهم علم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم سيبعث في مكة، وسيهاجر للمدينة، يعرفون ذلك كما يعرفون أبناءهم، كما في القرآن، والأنصار -الأوس والخزرج- لهم اختلاط باليهود في المدينة وكانوا يسمعون هذا، فلما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم سافروا إليه وبايعوه بيعتي العقبة، والأمر في هذا مشهور، فهداية الأنصار سببها أنهم كانوا يعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيبعث وأن وقته قد حان فذهبوا إليه وبايعوه.

    أما المسألة الثانية:

    قولهم إن هذه الكتب في ألفاظ الدين، والدين هو الحركة والدعوة إلى الله، يعني من الناس الآن ربما يأتي من الجامعة ويذكر الناس فلا يستفيدون؛ لأن ما قاله ألفاظ الدين، ولكن إذا أخذت الإنسان وسافرت به، وتحركت به ربما يكون في هذه الحركة الفائدة المطلوبة.

    هذا أيضاً جهل منه، فكتاب الله عز وجل القرآن أشرف الكتب، سماه الله تعالى كتاباً ولا شك أنه الدين، تلاوته دين، وتأمل معناه دين، والعمل به دين، فالكتب هذه وسيلة لتَعَلُّم الناس الدين، وقراءتك للقرآن دين، وقراءتك للكتب التي فيها فائدة دين، وقراءتك للوسائل التي تدلك على معاني كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم كلها دين.

    أما الحركة فنعم هي من الدين فالعمل الصالح لا شك أنه من الدين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) مع أن الله قال: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإسْلامُ [آل عمران:19] فهذا هو الإسلام، لكن إطلاق أن الكتب ليست من الدين هذا خطأ وقصور، هي دين لأنها تدل على الدين.

    السائل: يقال: إن الغرباء الآن هم أهل الدعوة أو الدعاة؛ لأن المصلي والحاج ليس غريباً، والذي يصوم ليس عليه غرابة الآن بين الناس، ولكن الداعي تتوجه إليه الأنظار في غرابة؟

    الشيخ: الآن والحمد لله لا غرابة لذلك في بلادنا فالداعي يدعو، والمصلي يصلي، والمتصدق يتصدق، والعابد يعبد الله، وليس في ذلك غرابة، ولكن قد يوجد في بعض بلاد المسلمين من يستغرب أكثر من يصلي مع الجماعة، ويستغرب من يتصدق الآن، فالغرابة معناها الشيء الغريب، كالرجل الذي ليس من أهل الوطن يعتبر غريباً، والغربة عندنا في بلادنا والحمد لله ليست موجودة، لا في الدعوة ولا في الصلاة.

    وأما مسألة نظرة الناس إليه، فالناس ينظرون إلى المتصدق كثيراً، والذي يصلي ينظرون إليه كثيراً، ويحترمونه .. وهكذا.

    حكم تغيير المرأة لون شعر رأسها

    السؤال: هل يجوز تغيير شعر المرأة من الأسود إلى الأحمر مثلاً بصبغة؟

    الجواب: الجواب على صبغ المرأة شعرها الأسود بغير الأسود ينبني على قاعدة مهمة، وهي أن الأصل في الأشياء الحل والإباحة هذا هو الأصل، وأن الإنسان يلبس ما شاء ويتجمل بما شاء ما لم يرد منعه في الشرع، فالصبغ مثلاً بالأسود ممنوع منه شرعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد) وغير الأسود قد يكون مأموراً به كتغيير الشيب بالحناء والكتم، وقد يكون مسكوتاً عنه، فالألوان ثلاثة:

    قسم مأمور به كالحناء لتغيير الشيب، وقسم منهي عنه وهو السواد لتغيير الشيب، وقسم مسكوت عنه، وما سكت الله عنه مما الأصل فيه الحل، فهو حلال، وعلى هذا فنقول: هذا الصبغ الذي تصبغه النساء حلال، إلا إذا كان لا يصبغ به إلا النساء الكافرات فلا يجوز؛ لأنه يكون من باب التشبه بالكفار، والتشبه بالكفار محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) ولأن التشبه بهم نوع من الولاية، وتولي الكفار حرام، ووجه كون التشبه بهم نوعاً من الولاية، أنهم إذا رأوا الناس يتشبهون بهم قووا في باطلهم، وقالوا: الناس تبع لنا، فينشطون على باطلهم ويستذلون من تشبه بهم؛ لأن المتشبه بغيره يوحي تشبهه بأنه يرى نفسه أدنى بذلك من غيره، ولذلك اتبعه، ومن ثم نقول: تشبه بعض المسلمين بالكفار اليوم نوع من الولاية والذل، وهو أيضاً نوع من الكفر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) فإذا كانت هذه الألوان التي اتخذتها النساء مما يختص بشعور الكافرات صار حراماً من أجل التشبه.

    حكم زكاة مال مات صاحبه قبل أن يحول عليه الحول

    السؤال: فضيلة الشيخ! رجل مات وترك مالاً ولم يحل عليه الحول، وظل هذا المال فترة لم يوزع على الورثة، فهل إذا حال الحول عليه تخرج زكاته؟

    الجواب: أما بالنسبة للميت الذي مات قبل أن يتم الحول فلا زكاة عليه؛ لأنه مات قبل الوجوب، كما لو مات قبل رمضان بيومين فإنه لا يقضى عنه.

    أما بالنسبة للورثة فالذي يبلغ نصيبه نصاباً عليه الزكاة إذا تم الحول على موت مورثه، والذي ماله قليل لا يبلغ النصاب وليس عنده ما يكمله به فإنه لا زكاة عليه.

    حكم إتلاف المال باللهو

    السؤال: بعض الشباب يذهبون للبر في تجمعات كبيرة ويقومون بالصعود على الكثبان الرملية المرتفعة مما يسبب إتلاف السيارات، فهل عملهم هذا جائز، ومن يشاهدهم هل يكون آثماً؟

    الجواب: أولاً: المشاهدة تنبني على الفعل، هل هو جائز أم لا؟ فنقول: خروج الشباب إلى البر على هذا الوجه ربما يفضي إلى المفاسد، منها: تركهم للجماعات في المساجد، وبعدهم عن أهلهم، ومنها أن فيه كما أشرت إليه إتلافاً للمال؛ لأن السيارات تتلف بهذا الاستعمال، وهو إجبار السيارات على أن تصعد إلى كثبان الرمل، وإذا تضررت كان في هذا إتلاف للمال، وإتلاف المال لغير مصلحة شرعية دينية أو دنيوية محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، ثم إني أسمع كثيراً من الناس يشكون من هذه السيارات، يشكون منها حيث إنها تفسد الأرض وتفسد النبات، ومعلوم أنه إذا كثر تردد السيارات على أرض بعينها فإنها ستتلف، ويحصل في هذا ضرر على المواشي.

    وإذا تبين أن مثل هذا العمل مضيعة للوقت ومضيعة للمال، وقد يكون سبباً لأمور محظورة كان تشجيعه والخروج للتفرج عليه محرماً؛ لأنه إقرار للمحرم ومساعدة عليه، وقد قال سبحانه وتعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] ويدلك أيضاً على أن هذا العمل سفه، أن مثل هؤلاء لا يمكن أن يقوموا بهذا العمل أمام شرفاء الناس ووجهائهم؛ لأنهم يستحيون منه، وفي الحكمة القديمة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت، والحياء شعبة من الإيمان).

    السائل: فضيلة الشيخ! إن بعضهم يحتج بوجود بعض المتدينين؟

    الشيخ: بعض المتدينين قد يخفى عليهم الأمر، ولو تأملوا لعرفوا أنهم ليسوا على شيء، فربما يخفى على بعض الناس أشياء عند التأمل يتبين لهم أنها غير مناسبة.

    حكم بيع المستدين سلعة بأقل من سعرها ليستفيد من ثمنها

    السؤال: في كتابكم المداينة في القسم الخامس كان عن مسألة التورق، وكان جوابكم: ولكن نظراً لحاجة الناس اليوم وقلة المقرضين ينبغي القول بالجواز بشروط، وكان الشرط الرابع ألا يبيعها المستدين إلا بعد قبضها وحيازتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلع قبل أن يحوزها التجار إلى رحالهم، فإذا تمت هذه الشروط الأربعة فإن القول بجواز مسألة التورق متجهٌ كي لا يحصل تضييق على الناس، وليكن معلوماً أنه لا يجوز أن يبيعها المستدين على الدائن بأقل مما اشتراها به، والسؤال يا شيخ: هل عليه شيء إذا أراد أن يبيعها لشخص آخر بأقل مما اشتراها به؟

    الجواب: الغالب في هذا أنه إذا باعها على شخص آخر فإنه يبيعها بأقل لاشك؛ لأن الدائن قد رفع سعرها بمناسبة تأجيل الثمن، فإن بيع الحاضر ليس كبيع المؤجل، فهو لن يبيعها إلا بأقل من ثمنها ما لم ترتفع الأسعار؛ لأنه أحياناً يشتريها بخمسين ألفاً مؤجلة، وقيمتها حاضرة أربعون ألفاً، ثم يرتفع السعر في يومين أو أقل حتى تبلغ هذه السلعة ستين ألفاً نقداً، فإذا كان ذلك فهذا ليس فيه إشكال، نقول: إذا باعها على غير من استدانها منه فله أن يبيعها بأقل وله أن يبيعها بأكثر، وله أن يبيعها بمثل ما اشتراها به حسب الحال.

    حكم الإكرام بالعقيقة للمسلم والكافر

    السؤال: شخص يقول: عندي عقيقة ذبحتها فأكرمت العمال وبينهم مسلم وكافر، فهل يجوز لي إكرامهم أم لا؟

    الجواب: أولاً العقيقة ذبيحة لله عز وجل ولا يجوز أن يدفع بها الإنسان مذمة عن نفسه، ولا أن يجلب لنفسه بها مصلحة، فإذا كان قد أكرم بها العمال من أجل أن يزيدوا في عملهم وينصحوا له فهذا لا يجوز، أما إذا أكرم العمال بها؛ لأنهم فقراء فهذا لا بأس به، سواء كانوا من المسلمين أو غير المسلمين، وسواء كان معهم مسلم أم لم يكن؛ لأن الله تعالى قال في كتابه: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8].

    حكم أداء السنة الراتبة القبلية قبل دخول الوقت

    السؤال: هل يشترط للسنة الراتبة التي قبل الظهر وقبل الفجر دخول وقت الصلاة؟

    الجواب: السنة الراتبة القبلية التي تكون قبل الصلاة لابد أن تكون بعد دخول الوقت؛ لأنها راتبة لصلاة لا تصح إلا بعد دخول الوقت، فلو فرض أن الإنسان صلاها قبل دخول الوقت ظاناً أن الوقت قد دخل ثم تبين أنه لم يدخل فليعدها وتكون الأولى نافلة نفلاً مطلقاً لا راتبة.

    الفرق بين الدَّين والقرض والسَّلم

    السؤال: ما الفرق بين الدين، والقرض، والسلم؟

    الجواب: الدين عند الفقهاء كل ما ثبت في الذمة، سواء كان قرضاً أو ثمن مبيع أو كان أجرة لم يسلمها المستأجر أو غير ذلك، كل ما ثبت في الذمة فإنه دين عند أهل العلم، وعلى هذا يكون القرض والسلم نوعين من الدين.

    أما العامة فالدين عندهم هو: أن يبيع سلعة بثمن مؤجل أكثر من ثمنها حاضرة، من أجل أن يبيعها المشتري، وينتفع بثمنها، هذا هو الدين عند العامة، أما في الشرع وعند العلماء فالدين: كل ما ثبت في الذمة من ثمن مبيع، أو قرض، أو سلم، أو غير ذلك.

    وسائل تحديد جهة القبلة في الصحراء

    السؤال: بالنسبة لتحديد اتجاه القبلة في الصحراء: نرى بعض الناس يجعلون الشمس عن يسارهم فهل هذه الوسيلة صحيحة أم هناك وسائل لتحديد اتجاه القبلة في الصحراء؟

    الشيخ: في أي محل هم؟ هل هم هنا في القصيم ؟

    السائل: أي صحراء يا شيخ!

    الشيخ: إذا كانت الصحراء المقصود بها العموم فإن هذه الوسيلة لا تصلح؛ لأننا إذا قدرنا أنهم في الشام فكيف يجعلون الشمس عن يسارهم؟

    السائل: هم في أي مكان يا شيخ! يجعلونها عن يسارهم ويصلون.

    الجواب: هذا غلط كبير، حتى عندنا مثلاً هنا في نجد ليست الشمس على اليسار، الشمس عن اليمين دائماً في صلاة العصر، لكنها في الشتاء تكون عن اليمين قريبة، وفي الصيف تكون بعيدة، تكاد تكون عن يمينك رأساً (100%)، لكن في الشتاء لا تكون كذلك؛ لأنها تنصرف إلى الجنوب.

    أما في الظهر فالظهر في الصيف عند انتهاء طول النهار تكون على رأسه عند الزوال، أما في الشتاء فتكون عن يمينه هذا في نجد ، ويختلف أيضاً الجنوب والشمال والوسط منها.

    أما الوسائل لتحديد القبلة فقد حدثت الآن آلات ولله الحمد تدل الإنسان، آلات مرقمة بأرقام معينة، وآلات مركبة على خطوط الطول والعرض وغير ذلك، ومن أحسن ما رأيت ساعة تسمى ساعة العصر تدلك على أوقات الصلاة وعلى القبلة لكن لها برنامج يحتاج الإنسان إلى معرفته كي تدله على القبلة.

    الخروج للنزهة وقصر الصلاة فيها

    السؤال: خرجت مجموعة من مقر سكنهم ليتمشوا في البر، فهل يجوز أن يقصروا الصلاة؟

    الجواب: إذا خرج الإنسان من بلده للتجارة أو طلب العلم أو العمرة أو الحج أو الصيد أو النزهة أو غير ذلك من المقاصد فهو مسافر، لكن الذي يخرج يتمشى في أول النهار ويرجع في آخره فهذا ليس بمسافر.

    الغائب عن أهله وحكم صلته لأرحامه وكيفية ذلك

    السؤال: أنا لي والحمد لله ثلاث سنوات أدرس في بريدة ولكن الأهل والأصدقاء والأقارب يلومونني على عدم الاتصال بهم ويقولون عني: قاطع الرحم، وبعض الشباب يرمونني بهذا، علماً أنني لا أستطيع أن أتصل بهم جميعاً؟

    الجواب: أما الغائب عن أهله الأقربين كالأم والأب والأخ فلا ينبغي أن يقطع عنهم أخباره، فالهاتف ولله الحمد يقرب البعيد، وتستطيع أن تتصل بوالديك كل أسبوع مرة.

    أما الأصدقاء فكما أن لهم حقاً عليك فلك حق عليهم، قل لهم أنتم أولى أن تتصلوا بي لأني يشق علي وأنتم لا يشق عليكم، أما الأقربون فلابد أن تتصل بهم كل يوم جمعة أو كل يوم اثنين حسب ما يتيسر لك.

    نصائح لجماعة الدعوة والتبليغ

    السؤال: هل دعوة التبليغ في باكستان دعوة حقيقية، وهل تشجعنا على أن نذهب إلى باكستان رغم ما يقوله بعض الناس: إن هذه ليست صحيحة وفيها شبهة، ونريد منكم أن تدلونا على ما فيه الخير؟

    الجواب: أولاً: الذين يسمون أنفسهم جماعة التبليغ هم الذين يذهبون إلى باكستان وغيرها للدعوة إلى الله ونحن لا نتهمهم بسوء النية والقصد، وهم لا يريدون بالذهاب إلا الخير لا شك، لكن هذا الذهاب صار سبباً ووسيلة للقدح في هذه الجماعة، وصاروا يقولون: إنهم يذهبون إلى هناك ليأخذوا العلم والإيمان عن قوم هناك، وعندنا والحمد لله من هم أعلم منهم، ومن هم أقوى إيماناً، ثم إن هؤلاء القوم فيهم شبهة؛ لأنهم بنوا أصولهم على غير الأصول التي بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها الدين، فهم بنوا أصولهم على أمور ستة، من يقرأها لنا؟

    1- تحقيق لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

    2- الصلاة ذات الخشوع والخضوع.

    3- العلم مع الذكر.

    4- إكرام المسلمين.

    5- تصحيح النية.

    6- الدعوة إلى الله والخروج في سبيله.

    لو أنهم بنوا هذا الأمر على ما بناه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم لكان خيراً لهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) ولا أظن أحداً يكون في قلبه أدنى شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بما يبنى عليه الإسلام، وأنه أنصح الخلق، وأنه أفصح الخلق، وقال: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خير وشره) وقال: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

    لهذا أنا أنصح إخواني من أهل التبليغ، وأكرر عليهم النصيحة ألا يذهبوا إلى باكستان أولاً: دفعاً عن أعراضهم؛ لأن الكثير من الإخوة إذا أثنينا على جماعة التبليغ ، وقلنا: إن لهم تأثيراً لم يقم به أحد غيرهم، وتأثيرهم واضح، كم من ضال اهتدى على أيديهم، وكم من فاسق أطاع على أيديهم، بل وكم من كافر آمن على أيديهم، قالوا: هؤلاء فيهم وفيهم، ومن جملة ما يجعلونه سبباً للقدح سفرهم إلى باكستان .

    فأنا أكرر نصيحتي لإخواني الذين يوجدون في الجزيرة بألا يذهبوا إلى باكستان ، ويجتمع بعضهم مع بعض والحمد لله في مكة في الحج أو في العمرة، في رمضان أو في غير رمضان، أما أن يذهبوا إلى بلاد اشتبه حقيقة ما هم عليه، ومن يديرون دفة الأمر فيها، فهذا لا ينبغي.

    شيء آخر أنصح به إخواننا جماعة التبليغ وهو: الحرص على العلم، والتعلم بقدر ما يستطيعون، فبقدر ما يجتهدون في الدعوة إلى الله، والاتصال بالناس، وزيارتهم، ودعوتهم إلى الحق جزاهم الله خيراً ونفع بهم، نقول: بقدر ذلك لابد أن يتعلموا، فيحضرون مجالس العلماء الذين وهبهم الله سبحانه وتعالى علماً وتعليماً ولو في الأسبوع مرة، ليعرفوا شيئاً مما يجهلونه كثيراً؛ لأن هذا أيضاً مما ينقمه الناس عليهم بأنهم بعيدون عن العلم، وإن كان بعضهم يقول: إنهم لا يحبون المناقشة في العلم إطلاقاً بل يحبون أن تمشي الأمور على ما هي عليه، وهذا لا شك أنه نقص شديد ومأخذ على جماعة التبليغ ، فلو أنهم يحرصون أيضاً على العلم لكان خيراً.

    العلم ليس في كتب الفضائل فقط، كتب الفضائل تنمي الإيمان وتزيد في قوته، لكنها ليست هي العلم، لابد من معرفة الأحكام كما نعرف الرقائق التي ترقق القلوب، فهذا أيضاً مما ينقم عليهم.

    وأما مسألة تحديد الخروج بثلاثة أيام، أو أربعة أيام، أو شهر، أو شهرين، فأنا لا أنقمه على جماعة التبليغ لأن هذا قد يكون من باب الوسائل، أي من باب أنهم يرون أن تحديد المدة وسيلة لاستصلاح الرجل الخارج معهم والوسائل ليس لها حد شرعي، فكل ما أدى إلى المقصود فهو مقصود ما لم يكن منهياً عنه بعينه، فإن كان منهياً عنه بعينه فلا نقربه.

    فلو قال قائل: أنا أريد أن أدعو شخصاً بالغناء والموسيقى؛ لأنه يطرب لها ويستأنس بها وربما يكون هذا جذباً له فأدعوه بالموسيقى والغناء هل نبيح له ذلك؟ لا. لا يجوز أبداً، لكن إذا كانت وسيلة لم ينه عنها ولها أثر فهذه لا بأس بها، فالوسائل غير المقاصد، وليس من اللازم أن ينص الشرع على كل وسيلة بعينها يقول: هذه جائزة وهذه غير جائزة، لأن الوسائل لا حصر لها، ولا حد لها، فكل ما كان وسيلة لخير فهو خير.

    لذلك أنا أكرر مرة أخرى: أن يحرص إخواني من جماعة التبليغ على أن يتلقوا العلم ويقرءوا كتب من يثقون بعلمه ودينه حتى ينتفعوا بها، وأما مجرد الاقتصار على الرقائق التي ترقق القلوب فهذا لا شك أن فيه خيراً، لكنه لا يكفي في ثقافة المسلم.

    حكم التكبير والتسليم لسجود التلاوة

    السؤال: سجود التلاوة هل له تكبير وتسليم؟

    الجواب: سجود التلاوة ليس له تكبير عند السجود وليس له تكبير عند الرفع من السجود؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، مالم يكن الإنسان في صلاة، فإن كان في صلاة وجب أن يكبر إذا سجد وأن يكبر إذا قام.

    حكم استثمار التبرعات الخيرية

    السؤال: هناك بعض الشباب أرادوا القيام بمشروع خيري فجمعوا تبرعات وبعدما جمعوا التبرعات رأوا أن هذه التبرعات لا تنتهي، فقالوا: نقتطع جزءاً من هذه التبرعات ننفقه فيما جمعناه له وجزءاً ندخره حتى يتكون رأس مال نقيم به مشروعاً، ودخل هذا المشروع في نفس الهدف الذي جمع له المال الأصل، فهل ادخارهم لهذا المال بدون الإذن جائز شرعاً مع أن عمل المشروع ربما يحتمل الخسارة وربما يحتمل الربح؟

    الجواب: إذا جمع الإنسان تبرعاً لشيء معين فيجب أن يصرفه في ذلك الشيء المعين، ولا يصرفه في غيره إلا إذا فوض إليه الأمر أو استأذن، ولنضرب لهذا مثلاً لشخص يجمع للصومال فجمعوا أموالاً كثيرة، وقالوا: من الممكن أن نأخذ نصف ما جمعناه نعمر به عمائر أو نشتري به دكاكين لتكون غلته لهؤلاء وتستمر، فنقول: هذا لا يجوز؛ لأن المقصود بجمع المال دفع حاجة الموجودين الآن.

    أما الذين لم يوجدوا فإننا لم نجمع لهم كما أنه ربما يحال بيننا وبين إيصال هذا المال إليهم في المستقبل ولا ندري أهذا أمر يمكن تحقيقه في المستقبل أم لا. كما أن في ذلك أيضاً ظلماً للموجودين، فدفع حاجة الموجودين عاجلة لابد أن نعطيهم ما جمعنا لهم، لكن إذا فوض الأمر إليك أو استأذنت فهذا لا بأس به.

    السائل: وماذا عن هذا المال لو حال عليه الحول؟

    الجواب: لا زكاة فيه؛ لأنه خارج عن ملك أصحابه، كل الأموال المجموعة للصدقات أو لغيرها ليس فيها زكاة، ومن ذلك أيضاً ما تجمعه بعض العائلات إذ يجمعون أموالاً فإذا حصل لأحد نكبة ساعدوه، فهذا أيضاً ليس فيها زكاة؛ لأنها خرجت عن ملاكها، ولهذا لو أراد الإنسان أن يستردها ما أمكنه ذلك ولو مات لم تورث عنه.

    حكم التحية العسكرية وحكم التحية بالإشارة

    السؤال: ما حكم التحية العسكرية مع العلم أنها إلزامية على الجندي؟

    الجواب: الجمع بين السلام القولي والإشارة لا بأس به، مثل أن يقول: السلام عليكم، لكن الضرب بالرجل هذا ليس له أصل إطلاقاً، ولا ينبغي أن يضرب بالرجل، فربما يؤثر على رجله أو يؤثر على الأرض التي تحته إذا كانت من خشب أو ما أشبه ذلك، ولكن نرجو الله سبحانه وتعالى أن يهدي المسلمين إلى إلغاء مثل هذه الأمور، وإلى أن ينظروا إلى من سبقهم من هذه الأمة لا إلى من تخلف عنهم من الأمم الحاضرة، نحن مسلمون والأولى بنا أن نقتدي بهدي المسلمين، إذا مر قال: السلام عليكم، وإذا كان بعيداً جمع بين الإشارة والقول، وإذا كان أصم جمع له أيضاً بين القول والإشارة، أما بدون ذلك مثل أن نقتصر على الإشارة فقط فهذا غلط.

    ثم إني رأيت بعض الجنود صاروا يسلمون تسليماً غريباً يعكف يده على صدره، نسأل من الله أن يهدي المسئولين إلى اتباع هدي السلف الصالح، إذا مر الضابط عليه أن يسلم فيقول: السلام عليكم؛ لأن أخاه هذا مسلم، وإن كان أقل منه رتبة، والثاني يقول: وعليكم السلام، والله لو فعلوا هذا كان هذا دعاء وعبادة وثواب وأجر، الآن الجيش كلهم معتادون الدعاء لهم بالسلامة، فهل أفضل أن نقول: السلام عليكم؛ لأنهم كلهم يريدون السلامة، فنرجو الله تعالى أن يفطن المسئولون لهذا الأمر، وأن يكون لهم شعار خاص وهو الشعار الذي كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767961308