أما بعد:
فهذا هو اللقاء الأخير في شهر صفر عام (1414هـ) في يوم الخميس، وبه نختتم ما بقي من سورة الانشقاق.
فالقسم في قوله: فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ [الانشقاق:16] قد يظن الظان أن معنى (لا أقسم) نفي، وليس كذلك؛ بل هو إثبات و(لا) هنا جيء بها للتنبيه ولو حذفت في غير القرآن لاستقام الكلام، ولها نظائر مثل قوله: لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد:1].. لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [القيامة:1].. فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ [المعارج:40].. فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ [الحاقة:38] وكلها يقول العلماء: إن (لا) فيها للتنبيه، وأن القسم مثبت.
أما المُقسِم فهو الله عز وجل، وأما المُقسَم به في الآية فهو الشفق وما عُطف عليه، فإن قال قائل: لماذا يقسم الله على خبره وهو سبحانه الصادق بلا قسم؟ وكذلك يقسم النبي صلى الله عليه وسلم على خبره وهو صادق بلا قسم؟ قلنا: إن القسم يؤكد الكلام، والقرآن نزل باللسان العربي.
وإذا كان من عادة العرب أنهم يؤكدون الكلام بالقسم، صار هذا الأسلوب جارياً على لسانهم.
وقوله: (بالشفق) الشفق هو: الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس وإذا غابت هذه الحمرة خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء، هذا قول أكثر العلماء، وبعضهم قال: إذا غاب البياض -وهو يغيب بعد الحمرة بنحو نصف ساعة- لكن الذي عليه الجمهور ويقال: إن أبا حنيفة رحمه الله رجع إليه هو أن الشفق هو الحمرة، وإذا غاب هذا الشفق فإنه يدخل وقت العشاء ويخرج وقت المغرب.
الليل معروف، فما معنى (ما وسق)؟ أي: ما جمع؛ لأن الليل يجمع الوحوش، والهوام، وما أشبه ذلك، فتجتمع وتخرج، تبرز من جحورها وبيوتها، وكذلك ربما يشير إلى اجتماع الناس بعضهم إلى بعض وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ [الانشقاق:18] القمر معروف، ومعنى إذا اتسق، أي: إذا اجتمع نوره وتم وكمل، وذلك في ليالي الإبدار، فأقسم الله عز وجل بالليل وما وسق، أي: ما جمع، وبالقمر؛ لأنه آية الليل.
أحوال الزمان نعرف أنها تتنقل وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] فيوم يكون فيه السرور والانشراح وانبساط النفس، ويوم آخر يكون بالعكس حتى إن الإنسان ليشعر بهذا من غير أن يكون هناك سبب معلوم وفي هذا يقول الشاعر:
فيوم لنا ويوم علينا ويوم نُساءُ ويوم نُسرَّ |
وهذا شيء يعرفه كل شخص منا بنفسه، تصبح اليوم مستأنساً فرحاً مسروراً، وفي اليوم الثاني تكون بعكس ذلك بدون سبب، لكن هكذا لابد أن الإنسان يركب طبقاً.
كذلك في أحوال الأمكنة: ينزل الإنسان هذا اليوم منزلاً، وفي اليوم الثاني منزلاً آخر، وثالثاً ورابعاً إلى أن تنتهي به المنازل في الآخرة، ومن قبل الآخرة في القبور، وهي منازل مؤقتة، القبور ليست هي آخر المنازل؛ بل هي مرحلة.
وسمع أعرابي رجلاً يقرأ قول الله تعالى: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2] فقال الأعرابي: والله ما الزائر بمقيم، إن الأعرابي بفطرته عرف أن وراء هذه القبور شيئاً يكون المصير إليه؛ لأننا نعرف أن الزائر يزور ثم يرتحل.
وبهذا نعرف ما نقرأه في الجرائد: (فلان توفي ثم نقلوه إلى مثواه الأخير) أن هذه الكلمة خطأ كبير، ومدلولها كفر بالله عز وجل وكفر باليوم الآخر؛ لأنك إذا جعلت القبر هو المثوى الأخير؛ فهذا يعني أنه ليس بعده شيء، وهذا كفر بالبعث.
الذي يرى أن القبر هو المثوى الأخير وليس بعده مثوى؛ فهو كافر، والمثوى الأخير إما جنة وإما نار.
أحوال الأبدان: الأبدان يركب الإنسان فيها طبقاً عن طبق، واستمع إلى قول الله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم:54].
أول ما يخلق الإنسان يكون طفلاً صغيراً، يمكن أن تجمع يديه أو رجليه بيد واحدة منك وتحمله بهذه اليد، يكون كائناً ضعيفاً، ثم لا يزال يقوى رويداً رويداً حتى يكون شاباً جلداً قوياً، ثم إذا استكمل القوة عاد فرجع إلى الضعف مرة ثانية، وقد شبه بعض العلماء حال البدن بحال القمر، يبدو هلالاً ضعيفاً، ثم يكبر شيئاً فشيئاً حتى يمتلئ نوراً، ثم يعود ينقص شيئاً فشيئاً حتى يضمحل، نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة، نعم هذه حال الأبدان.
أما أحوال القلوب وما أدراك ما أحوال القلوب! أحوال القلوب هي البلية.. هي المصيبة.. هي النعمة.. هي النقمة، كل قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فإن شاء أزاغها، وإن شاء هداها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث قال: (اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).
القلوب لها أحوال عجيبة، تارة يتعلق القلب بالدنيا، وتارة يتعلق بشيء من الدنيا كالمال، فيكون المال أكبر همه، وتارة يتعلق بالنساء، وتكون النساء أكبر همه، وتارة بالقصور والمنازل، ويكون ذلك أكبر همه، وتارة يتعلق بالمركوبات والسيارات، ويكون ذلك أكبر همه، وتارة يكون مع الله عز وجل، دائماً يتعلق بالله سبحانه وتعالى، ويرى أن الدنيا كلها وسيلة إلى عبادة الله، وإلى طاعة الله؛ فيستخدم الدنيا؛ لأنها خُلقت له، ولا يجعل الدنيا تستخدمه، فانظروا -يا إخواني- أصحاب الدنيا هل تظنون أن الدنيا تخدمهم أم يخدمونها؟
هم الذين يخدمونها، هم الذين أتعبوا أنفسهم في تحصيلها، لكن أصحاب الآخرة هم الذين استخدموا الدنيا وخدمتهم الدنيا، ولذلك لا يأخذونها إلا عن طريق رضى الله، ولا ينفقونها إلا في رضى الله عز وجل، فاستخدموها أخذاً وصرفاً، لكن أصحاب الدنيا الذين تعبوا بها سهروا الليالي يراجعون الدفاتر، ويراجعون الشيكات، ويراجعون المصروفات، ويراجعون المدفوعات، ويراجعون ما أخذوا وما صرفوا.. هؤلاء في الحقيقة استخدمتهم الدنيا ولم يستخدموها، لكن الرجل المطمئن الذي جعل الله رزقه كفافاً يستغني به عن الناس، ولا يشقى به عن طاعة الله، هذا هو الذي خدمته الدنيا.
أحوال القلوب هي أعظم الحالات الأربع، ولهذا يجب علينا جميعاً -وأقول ذلك لنفسي قبلكم- أن نراجع قلوبنا كل ساعة وكل لحظة، أين يعيش القلب؟ بماذا ينشغل؟ لماذا ينصرف عن الله؟ لماذا يلتفت يميناً وشمالاً؟ ولكن نعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وغلب على كثير من الناس حتى إنه ليصرف الإنسان عن صلاته، التي هي رأس ماله بعد الشهادتين، فتجده إذا دخل في صلاته ذهب قلبه يميناً وشمالاً، حتى يخرج من صلاته ولم يعقل منها شيئاً، والناس يصيحون يقولون: صلاتنا لا تنهانا عن الفحشاء والمنكر، أين وعد الله؟ حينها يقال: يا أخي! هل صلاتك صلاة؟ إذا كنت من حين تكبر تفتح لك أبواب هواجس لا نهاية لها، فهل أنت مصلٍّ؟ صليت بجسدك لكن لم تصل بقلبك، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل لينصرف من صلاته وما كتب له إلا عُشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها) حسب ما يعقل منها، إذن فالقلوب تركب طبقاً عن طبق.
ومن علامات الخضوع لله عز وجل عند قراءة القرآن: أن الإنسان إذا قرأ آية فيها سجدة سجد لله ذلاً وخضوعاً، وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب السجود -أي: سجود التلاوة- وقالوا: إن الإنسان إذا مر بآية سجدة ولم يسجد كان آثماً، والصحيح أنها ليست بواجبة وإن كان هذا القول -أعني: القول بالوجوب- هو مذهب أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لكن هذا قول مرجوح.
وذلك أنه ثبت في الصحيح أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس يوماً فقرأ سورة النحل فلما وصل إلى آية السجدة نزل من المنبر فسجد ثم قرأها من الجمعة الثانية فمر بها ولم يسجد، فقال رضي الله عنه: [إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء] وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد، وسنته رضي الله عنه من السنن التي أُمرنا باتباعها، وعلى هذا فالقول الراجح أن سجود التلاوة ليس بواجب لكنه سنة مؤكدة.
فإذا مررت بآية فاسجد في أي وقت كنت، في الصباح، أو في المساء، أو في الليل، أو في النهار، تكبر عند السجود وإذا رفعت فلا تكبر ولا تسلم، هذا إذا سجدت خارج الصلاة، أما إذا سجدت في الصلاة فلا بد أن تكبر إذا سجدت، وأن تكبر إذا نهضت؛ لأنها لما كانت في الصلاة كان لها حكم سجود الصلاة.
قال الله تعالى: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ [الانشقاق:22-23] ونقتصر على هذا؛ لأن الوقت الباقي نجعله للأسئلة وبقية السورة فإننا نتركها للجلسة القادمة، إن شاء الله.
الجواب: لنا رسالة صغيرة في أحكام التعزية وما يتعلق بها لو أخذت منها شيئاً يكون نافعاً، التعزية ليست تهنئة كما يهنأ الإنسان القادم، التعزية يراد بها أننا إذا رأينا شخصاً مصاباً متأثراً نكلمه بما يهون عليه المصيبة هذا هو المقصود منها، فنقول له -مثلاً- كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لإحدى بناته: (اصبري واحتسبي فإن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى) ولا حاجة إلى الاجتماع في البيت، فإن الاجتماع في البيت خلاف ما كان عليه السلف الصالح، حتى قالوا: كنا نعد الاجتماع عند أهل الميت، وصنعة الطعام من النياحة، والنياحة من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة.
ولكن إذا سمعنا أن شخصاً من الناس تأثر بموت قريبه، أو صديقه، أو ما أشبه ذلك؛ فإننا نحرص على أن نصل إليه ونقول: اصبر واحتسب، أما مجرد أن يموت القريب نجتمع ويجتمع الناس، وربما توقد الأنوار، ونأتي بالقراء فهذا لا يجوز، كان الناس إلى عهد قريب لا يفعلون هذا إطلاقاً، يموت الميت للإنسان، فإذا فرغوا من دفنه ورأوا أخاه أو أباه متأثراً عزوه ورجعوا إلى أهلهم، ثم من وجده في السوق أو في المسجد عزاه، وأما الاجتماع فلا شك أنه بدعة، وأنه ينهى عنه لا سيما إن صحبه ندب، كأن تجتمع النساء تقول: والله هذا كان كذا وكذا.. هذا أبو العائلة.. هذا صاحب البيت.. من للعائلة.. من للبيت، وما أشبه ذلك فإنه يكون من الندب المحرم، وعلى طلبة العلم أن يبصروا الناس قبل أن يتسع الخرق على الراتق.
الجواب: الحكم في هذا التحريم يعني: لا يجوز للإنسان أن يستقدم عمالاً، أو تجاراً، أو أن يتفق مع شخص من أهل البلد على أن يتجر في هذا الدكان، ويعطيه كل شهر كذا وكذا، ويكون بقية الربح لهم، فإن هذا من الميسر؛ لأنه قد يربح الدكان ربحاً كثيراًُ تكون النسبة التي اتفقوا عليها قليلة بالنسبة إلى هذا الربح، وقد لا يربح إلا قليلاً فتكون النسبة كثيرة، وقد لا يربح شيئاً أبداً وقد يخسر فهذا العقد متضمن للقاعدة الميسرية، وهي: إما غانم وإما غارم، فلا يحل ولا يجوز، وقد قال رافع بن خديج رضي الله عنه: [كان الناس يؤاجرون على الماذيانات، وإقبال الجداول، وأشياء من الزرع] يعني: يقول لك هذا ولي هذا، فيسلم هذا ويهلك هذا، ويهلك هذا ويسلم هذا، ولم يكن للناس كراء إلا هذا، فنهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان العامل أجنبياً ازداد الأمر حرمة؛ لأن الحكومة لا تسمح بهذا ولا توافق عليه، ونظام الدولة إذا لم يكن مخالفاً للشرع واجب الاتباع ؛ لأن اتباعه من طاعة الله ورسوله، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59].
ويظن بعض الجهال القليلين العلم ضعيفين الإيمان أن الحكومة لا تطاع إلا فيما أمر الله به، وهذا ظن فاسد؛ لأن ما أمر الله به يجب علينا فعله إذا كان واجباً سواء أمرت به الحكومة أو لا؛ ولأننا لو قلنا: إن الحكومة لا تطاع إلا فيما أمر الله، لم يكن بينها وبين عامة الناس فرق في الطاعة، فكل إنسان يأمرك بما أمر الله به فهو واجب الاتباع إذا كان قد أوجب الله ذلك، لكن ولي الأمر له شأن خاص، فولي الأمر إن أمرك بما أمرك الله به صار فعلك واجباً من وجهين: من جهة أمر الله، ومن جهة أمر ولي الأمر، وإن أمرك بمحرم؛ فلا تطعه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإن أمرك بشيء ليس مأموراً به ولا منهياً عنه؛ فأطعه، وهذا هو الفرق بين ولي الأمر وبين سائر الناس، سائر الناس إذا أمروك بشيء فأنت بالخيار إذا لم يكن قد أمر الله به، وأما ولي الأمر فيجب أن تطيعه إلا في المعصية، فإذا قال ولي الأمر لا نسمح لأي شخص من المواطنين أن يسلم أحداً من غير المواطنين محلاً تجارياً يتجر فيه وجب علينا أن نكف عن هذا، ولا يحل لنا أن نخالف النظام؛ لأن معصية ولي الأمر معصية لله تعالى إلا إذا أمروا بمعصية.
الجواب: لا. هذا غير صحيح؛ لأن المعاصي قسمان: قسم لا تضر إلا صاحبها فهذا ندعه ورأيه إذا كان أهلاً للاجتهاد، وقسم تضر غير صاحبها، ولا شك أن كشف المرأة وجهها لا يختص ضرره بها هي، بل يضر غيرها؛ لأن الناس يفتتنون بها، وعلى هذا يجب أن تنهاها سواء كانت كافرة أو مسلمة، وسواء كانت ترى هذا القول أو لا تراه، انهها وأنت إذا فعلت ما فيه ردع الشر سلمت منه.
أما ما كان لا يضر إلا صاحبه مثل رجل يشرب الدخان، وقال: أنا أرى حله ولا أرى أنه حرام، وعلمائي يقولون: إنه حلال، فهذا ندعه إذا كان عامياً؛ لأن العامي قوله قول علمائه، فإذا قال: أنا أرى أنه ليس بحرام نتركه؛ لأن هذا لا يضر إلا نفسه، إلا إذا ثبت صحياً أنه يضر الناس بخنقهم أو كان يؤذيهم برائحته، قد نمنعه من هذه الناحية، فاعرف هذه القاعدة.
إن المعاصي قسمان: قسم لا تضر إلا صاحبها فهذه إذا خالفنا أحد في اجتهادنا ندعه، وقسم تضر الغير فهذا نمنعه من أجل الضرر المتعدي، لكن إذا خيف من ذلك فتنة تزيد على كشف هذا الوجه فإنه يدرأ أعظم الشرين بأخفهما، يعني: لو فرض أنك لو فعلت هذا ربما تعاقب، وربما تفصل عن مكانك، أو ما أشبه ذلك مما هو متوقع؛ فلا تنكر الإنكار الشديد، ولكن من باب المشورة إذا رأيت امرأة كاشفة مع ولي أمرها تمسك ولي الأمر، وتقول: يا أخي! هذا لا يجوز؛ هذا حرام، هذا يضر أهلك ويضر غيرهم، تكلمه بالتي هي أحسن -باللين- لا تتكلم مع المرأة نفسها قد يكون في هذا ضرر أكبر عليك أنت.
الجواب: هذا محرم من عدة أوجه:
أولاً: هو من النعي الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن النعي، وهو: الإخبار بموت الميت إلا إذا كان الميت لم يدفن وأخبرنا بموته من أجل كثرة المصلين عليه؛ فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وأمر الناس فخرجوا فصلوا عليه.
ثانياً: أن هذا العمل من عمل الجاهلية، وقد نهينا عن التشبه بهم.
ثالثاً: أنه نياحة حيث يجتمع الناس إلى أهل الميت، ويصنعون الطعام ويأكلونه.
رابعاً: أنه متضمن لمحرم وهو الاستئجار في قراءة القرآن؛ فإن هذا عمل محرم؛ لأن القرآن لا تقع تلاوته إلا قربة لله، وما لا يقع إلا قربة لا يصح أن تؤخذ عليه الأجرة، وأما انتفاع الميت بذلك فإنه لا ينتفع قطعاً، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الميت ليعذب بما نيح عليه) فهو يعذب من هذا الصنيع، ولا ينتفع بقراءة المقرئ؛ لأن هذا المقرئ لا أجر له، قد استعجل أجره بما أخذ من الأجرة فليس له في الآخرة من خلاق، وإذا لم يكن له أجر في الآخرة؛ فإن الميت لا ينتفع بشيء، لذلك يجب أن يُنبه الفاعلون لهذا الأمر، وأن يحذروا منه، وأن يعلموا أنه ليس فيه إلا إضاعة المال، وإضاعة الأوقات، والوقوع في السيئات -والعياذ بالله-.
الجواب: الرجاء الشركي هو رجاء العبادة، أن الإنسان إذا كان يرجو رجاءً يتضمن التذلل، والخضوع، والاعتماد على المرجو اعتماداً كلياً، وأن هذا المرجو بيده الأمر يفعل ما شاء، هذا هو الشركي، فإذا رجا الإنسان مخلوقاً على هذا الوجه؛ فهو شرك أكبر.
أما رجاء الإنسان فيما يمكن حصوله منه بدون أن يتعلق القلب به تعلق ذلٍّ وخضوع؛ فإنه لا بأس به، مثل أن تقول للشخص: أرجو أن تساعدني، أرجو أن تذهب لفلان تقول له: كذا وكذا، أرجو أن تفعل كذا وكذا، فهذا ليس فيه بأس وليس من الشرك في شيء؛ لأن رجاء الإنسان لربه ليس كرجائه لغيره، رجاء الإنسان لله رجاء تذلل، وخضوع، واعتماد، وإيمان بأنه قادر على ما يشاء، وهذا الرجاء إذا صرفه الإنسان لغير الله كان مشركاً شركاً أكبر، ورجاؤه لغير الله لا يتضمن مثل ذلك.
الجواب: لا. صوت الشريط ليس بشيء، لا يفيد؛ لأنه لا يقال: قرأ القرآن يقال: استمع إلى صوت قارئ سابق، ولهذا لو سجلنا أذان مؤذن فإذا جاء الوقت جعلناه في الميكروفون وتركناه يؤذن، هل يجزئ؟ لا يجزئ، ولو سجلنا خطبة خطيب مثيرة، فلما جاء يوم الجمعة وضعنا هذا المسجل وفيه الشريط أمام الميكروفون فقال المسجل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم أذن المؤذن ثم قام فخطب هل تجزئ؟ لا تجزئ، لماذا؟ لأن هذا تسجيل صوت ماض، كما لو أنك كتبته في ورقة، لو كتبت ورقة أو وضعت مصحفاً في البيت.. هل يجزئ عن القراءة؟ لا يجزئ.
الجواب: أطعم عن كل يوم مسكيناً الصاع لأربعة مساكين، صاع الأرز عن أربعة أيام.
الجواب: أما الرجل المقبل على الإسلام والذي تعرف منه الرغبة في الإسلام، إذا رأيت أنك إذا أعطيته مالاً ازدادت رغبته فأعطه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي المؤلفة قلوبهم يتألفهم على الإسلام، لكن بعض العلماء رحمهم الله قال: إنه لا يعطى إلا السيد المطاع في عشيرته؛ لأن إسلامه ينفع من وراءه، وأما الفرد فلا يعطى من التأليف، ولكن الصحيح أن الفرد يعطى لعموم الآية وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ [التوبة:60] ولأنه إذا كان يجوز أن نعطيه لسد حاجة جسمه فإعطاؤه لينجو من النار من باب أولى.
فالصحيح أنه يعطى ولكن ينبغي للإنسان أن يُبين له أولاً ما يجب عليه في الإسلام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ بن جبل حينما بعثه إلى اليمن : (أخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) وذلك من أجل أن يدخل على بصيرة؛ لأن بعضهم لا يظن أن الإسلام فيه هذه العبادات فيدخل في الإسلام كأنه اسم من الأسماء، ثم إذا قيل له إن فيه كذا وفيه كذا فيرتد -والعياذ بالله- فيكون كفره الثاني أعظم من كفره الأول.
أما كيف نعامل هؤلاء فإن لكل حال مقالاً منهم من نرى أن فيه إقبالاً وليونة، فهذا نعامله بكل ما يقتضيه تأليف القلب بالدعوة، ندعوه -مثلاً- للبيت.. نهدي إليه هدايا.. نعطيه أشرطة.. نعطيه كتيبات ينتفع بها .. نثني عليه أمام الناس.. نفعل كل شيء يرغبه في الإسلام.
الجواب: إذا كنت ترى أن حجتهم قوية فالقوي يُعتمد، لكن نحن نرى أنها ليست بقوية، وذلك أن الله تعالى يقول في كتابه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ [العنكبوت:10] فارتد وترك ما كان عليه مما أوذي عليه، هذه واحدة فنقول: اصبر واحتسب ثم نقول: أنت إذا اتقيت الله جعل لك مخرجاً، فكم من أناس نعرفهم نحن يذهبون إلى البلاد التي تشير إليها ومع ذلك لا يقال لهم شيء، يذهبون وهم ملتحون ويرجعون وهم على ما هم عليه ولا يقال لهم شيء.
فهذه الحكومات الظالمة الجائرة -نسأل الله أن يبدل المسلمين خيراً منهم- إذا لم تر الإنسان يتكلم فيهم أو له حركة فإنها لا تهتم، يكون متديناً أو غير متدين، يهمها أن أحداً تكون له حركة وله دعوة، فلذلك ربما يقبضون على شخص ليس له لحية، يحلق لحيته صباحاً ومساءً، ولكننا نعلم أن هؤلاء إنما سلطوا على المسلمين بسبب ذنوبهم، وإلا فمن يتصور أن أحداً يتولى على أمة مسلمة ثم يرغمها على عصيان الرسول عليه الصلاة والسلام، من يتصور هذا؟! ولكن الذنوب والمعاصي هي التي أوجبت أن يتسلط علينا هؤلاء، قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأنعام:129].
فهؤلاء ما سلطوا على الأمة الإسلامية إلا بسبب أن الأمة الإسلامية انحرفت عن مسارها الصحيح، وإلا لكان حكامها مثلها، ويذكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رجلاً من الخوارج أتى إليه قال: [يا
وقيل أن عبد الملك بن مروان سمع الناس يتكلمون فيه، ويتكلمون في ولايته، فجمع أشراف القوم وأعيان البلد وتكلم معهم بكلام فصيح، وقال لهم: أنتم تريدون أن نكون لكم مثل أبي بكر وعمر، فكونوا أنتم مثل رجال أبي بكر وعمر حتى نكون نحن مثل أبي بكر وعمر.
فلو فكرت في هؤلاء القوم الذين سلط عليهم هؤلاء الولاة لوجدت عندهم من البلاء والشر ما لا يعلمه إلا رب العباد، حتى إن بعض الثقات قدم أخيراً من بعض البلاد العربية وقال: إني والله كنت العام الماضي في وسط لندن ولم أر تبرج النساء في لندن كتبرجهن في هذه البلاد التي تسمى بلاداً إسلامية، أيُنا أحق بالستر والحجاب، نحن أم النصارى؟ نحن أحق، ومع ذلك هذه بلادنا، فإذا كان الشعب مثل هكذا فكيف لا يُسلط عليهم الولاة؟ فنسأل الله أن يصلح رعيتنا ورعاتنا، ويقينا وإياكم شر الفتن.
الجواب: أرى أن الواجب على المسلمين في مسألة البوسنة والهرسك غير ما يفعلونه اليوم، الحقيقة أن المسلمين لم يؤدوا الواجب بالنسبة للبوسنة والهرسك، وليس يهمني أنا أن يقتل شخص، أو يؤسر شخص، أو يقطع شخص أوصالاً؛ لأن هذه من المصائب التي يكفر الله بها السيئات، ومع الاحتساب يرفع الله بها الدرجات وكل إنسان سيموت، ومن لم يمت بمثل هذه الميتة مات بغيرها، لكن يهمني أن يقال جمهورية إسلامية قائمة معترف بها تسقط في أيدي النصارى! هذا هو الذي يجرح القلب ويدمي الكبد، أين المسلمون؟! كم من مليون من المسلمين؟ عدد هائل كبير.
والله لو كانوا جراداً أرسل على الصرب لأكلوهم أكلاً، ولكن أنا لا أدري هل الحكومات الإسلامية عاجزة أم ماذا؟ إن كانت عاجزة فالله يعذرها، والله يقول: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:91] فإذا كان ولاة الأمور في الدول الإسلامية قد نصحوا لله ورسوله، لكنهم عاجزون فالله قد عذرهم، لكن لا ندري هل تحقق فيهم هذا الشرط أم لا؟ هل تحقق فيهم أنهم نصحوا لله ورسوله؟ هل تحقق فيهم أنهم عاجزون؟ الله أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر