إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [43]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ضمن درس اللقاء فسر الشيخ رحمه الله آخر جزء في سورة البروج، وذكر أن الكفر يصدق على كل من كفر بالمصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم تحدث عن اللوح المحفوظ وأنواع الكتابة، وأشار إلى أن التمسك بالكتاب والسنة مصدر عزنا ومجدنا، وأجاب ضمن أسئلته عن سؤال يتعلق باقتناء الدشوش، وآخر عن إطلاق كلمة (مسيحيين) على النصارى.

    1.   

    تفسير آيات من سورة البروج

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا هو اللقاء الثاني في هذا الشهر. شهر جمادى الثانية عام (1414هـ) والذي يتم في كل خميس من كل أسبوع.

    وقد حصل بهذا اللقاء -ولله الحمد- خير كثير؛ حيث انتفع الناس به، مِن الحاضرين، ومِن الذين يستمعونه عبر الشريط وغيره، ولا شك أن هذا من نعمة الله سبحانه وتعالى على عباده في هذا الزمن الذي ضعفت فيه الهمم، وقلَّ فيه الطالبون للعلم؛ لكن جاء الله تعالى بهذه الوسائل العظيمة الكثيرة السهلة، فيستطيع الإنسان أن ينتفع بالعلم وهو يمشي في سيارته، أو وهو يأكل؛ يتغدى ويتعشى، أو وهو يشرب القهوة، أو في أي حال.

    ولقاؤنا هذا اليوم يشتمل على تفسير بقية سورة البروج وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ [البروج:1]، وعلى ما يرد من أسئلة نجيب عنها بتوفيق الله سبحانه وتعالى.

    تفسير قوله تعالى: (بل الذين كفروا في تكذيب)

    انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى في سورة البروج: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ [البروج:19-20].

    قوله: (الَّذِينَ كَفَرُوا) يشمل كل من كفر بالله ورسوله، سواء كان من المشركين، أو من اليهود، أو من النصارى، أو من غيرهم، وذلك لأن اليهود والنصارى الآن وبعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ليسوا على دين، ولا تنفعهم أديانهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، فمن لم يؤمن به فليس على شيء من دينه؛ بل إنه سبق لنا أن مَن لم يؤمن برسول واحد من الرسل فهو كافر بجميع الرسل، فمثلاً: مَن لم يؤمن بنوح أنه رسول، ولو آمن بغيره من الأنبياء فإنه مكذب لجميع الأنبياء، والدليل على هذا قوله تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:105] فبين الله أن هؤلاء كذبوا جميع الرسل مع أنهم لم يكذبوا إلا رسولاً واحداً؛ إذْ أنه ليس قبل نوح رسول.

    كذلك الذي كذب بمحمد صلى الله عليه وسلم فهو مكذِّب لغيره من الرسل.

    فإذا ادَّعت اليهود أنهم على دين، وأنهم يتبعون التوراة التي جاء بها موسى، نقول لهم: أنتم كافرون بِموسى، كافرون بالتوراة.

    وإذا ادَّعت النصارى -الذين يُسَمُّون أنفسهم اليوم بالمسيحيين- أنهم مؤمنون بعيسى، قلنا لهم: كذبتم، أنتم كافرون بعيسى؛ لأنكم كافرون بمحمد عليه الصلاة والسلام.

    والعجب أن هؤلاء اليهود والنصارى يكفرون بمحمد عليه الصلاة والسلام مع أنهم يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ [الأعراف:157].. ويَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة:146] أبناءهم؛ لكن العناد والكبرياء والحسد مَنَعَهم أن يؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة:109].

    فالحاصل أن قوله تعالى: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) يشمل كل من كفر بمحمد حتى من اليهود والنصارى، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي من هذه الأمة -أي: أمة الدعوة- يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بما جئتُ به إلا كان من أصحاب النار).

    كل الكفار فِي تَكْذِيبٍ [البروج:19]، وقال: (فِي تَكْذِيبٍ) فجعل التكذيب كالظرف لهم، أي: أنه محيط بهم من كل جانب -والعياذ بالله-.

    تفسير قوله تعالى: (والله من ورائهم محيط)

    قال تعالى: وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ [البروج:20] أي: أن الله تعالى محيط بهم من كل جانب، لا يشذُّون عنه، لا عن علمه، ولا سلطانه، ولا عقابه؛ ولكنه عز وجل قد يُمْلِي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفْلِته.

    تفسير قوله تعالى: (بل هو قرآن مجيد...)

    قال تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:21-22].

    (بَلْ هُوَ) أي: ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام.

    (قُرْآنٌ مَجِيدٌ) أي: ذو عَظَمة ومجد، ووَصْفُ القرآن بأنه مجيد لا يعني أن المجد وصفٌ للقرآن نفسِه فقط، بل هو وصف للقرآن ولِمَن تحمَّل هذا القرآن فحمله، وقام بواجبه مِن تلاوته حق تلاوته، فإنه سيكون له المجد والعزة والرفعة.

    وقوله تعالى: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:22] يعني بذلك: اللوح المحفوظ عند الله عز وجل الذي هو أم الكتاب، كما قال الله تبارك وتعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39]، هذا اللوح لو سألنا سائل: من أي مادة هو؟

    نقول: الله أعلم!

    فلو قال: هل هو من خشب؟ أو من حديد؟ أو من زجاج؟ أو من ذهب؟ أو من فضة؟

    لقلنا: لا ندري. هو لوح كتب الله فيه مقادير كل شيء، ومن جملة ما كَتَبَ فيه: أن هذا القرآن سينزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فهو في لوح محفوظ.

    قال العلماء: محفوظ: لا يناله أحد، محفوظٌ عن التبديل والتغيير، والتبديل والتغيير إنما يكون في الكتب الأخرى؛ لأن الكتابة من الله عز وجل أنواع، وأرجو أن تنتبهوا لهذا:

    النوع الأول: الكتابة في اللوح المحفوظ :

    وهذه الكتابة لا تُبَدَّل ولا تُغَيَّر، ولهذا سماه الله لوحاً محفوظاً، لا يمكن أن يُبَدَّل أو يُغَيَّر ما فيه، لأنه هو النهائي.

    النوع الثاني: الكتابة على بني آدم وهم في بطون أمهاتهم:-

    لأن الإنسان في بطن أمه إذا تم له أربعة أشهر بعث الله إليه ملكاً موكَّلاً بالأرحام، فينفخ فيه الروح -بإذن الله-؛ لأن الجسد عبارة عن قطعة من لحم، إذا نفخت فيه الروح صار إنساناً، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقِه، وأجَلِه، وعملِه، وشقيٍّ أو سعيد.

    النوع الثالث: الكتابة الحولية كل سنة :-

    وهي الكتابة التي تكون في ليلة القدر، فإن الله سبحانه وتعالى يقدر في هذه الليلة ما يكون في تلك السنة، قال الله تبارك وتعالى: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان:4]، فيكتب في هذه الليلة ما يكون في تلك السنة.

    النوع الرابع: كتابة الصحف التي في أيدي الملائكة :-

    وهذه الكتابة تكون بعد العمل.

    والكتابات الثلاث السابقة كلها تكون قبل العمل، لكن الكتابة الأخيرة هذه تكون بعد العمل، يُكتَب على الإنسان ما يعمل من قول بلسانه، أو فعل بجوارحه، أو اعتقاد بقلبه، فإن الملائكة الموكلين بحفظ بني آدم -أي: بحفظ أعمالهم- يكتبون، قال الله تعالى: كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:9-12].

    فهذه الكتابة الأخيرة تختلف عن الكتابات الثلاث السابقة؛ لأنها كتابةُ ما بعد العمل حتى يُكتَب على الإنسان ما عمل، فإذا كان يوم القيامة فإنه يُعطَى هذا الكتاب، كما قال الله تعالى: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:13-14] يعني: تُعطَى الكتاب، ويقال: أنت اقرأ، وحاسب نفسك، قال بعض السلف : لقد أنصفَك مَن جعلك حسيباً على نفسك.

    وهذا صحيح، أيُّ إنصاف أبلغ من أن يقال لشخص: تفضَّل، هذا ما عملت، حاسِب نفسك! أليس هذا هو الإنصاف؟! أكبر إنصاف هو هذا.

    فيوم القيامة تعطى هذا الكتاب منشوراً مفتوحاً أمامك ليس مغلقاً، تقرأ ويتبين لك أنك عملت في يوم كذا، في مكان كذا: كذا وكذا، فهو شيء محفوظ لا يتغير، وإذا أنكرتَ فهناك مَن يشهد عليك، يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ [النور:24] يقول اللسان: نطقتُ بكذا، وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور:24] تقول اليد: بطشتُ، وتقول الرجل: مشيتُ، بل يقول الجلد أيضاً، فالجلود تشهد بما لَمِسَت، وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [فصلت:21].

    المهم الآن أن اللوح المحفوظ هو هذا اللوح الذي كتب الله فيه مقادير كل شيء، وهو محفوظ من التغيير، محفوظ من أن يناله أحد، والله سبحانه وتعالى يعلم ما كَتَب فيه، وقلنا: إنه محفوظ لأنه لا يتغير، وما بأيدي الملائكة يتغير، وقلنا: إن الكتابات أربعة:

    الأولى: كتابة اللوح المحفوظ.

    والثانية: كتابة الأجنة.

    والثالثة: الكتابة الحولية، تكون في ليلة القدر.

    والرابعة: كتابة الأعمال بعد وقوعها، وتكون هذه بأيدي الملائكة، عن اليمين واحد من الملائكة، وعن الشمال واحد، يسجلان على الإنسان كلَّ ما يقول، نحن الآن نسجل في شريط في المسجل، فلا يفوت شيء من كلامنا، حتى النَّفَس يُدْرَك بهذا الشريط.

    فالملائكة أيضاً يكتبون كل شيء: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] وقوله: مِنْ قَوْلٍ [ق:18] يقول علماء البلاغة عنها: إن النكرة في سياق النفي تفيد العموم، أيْ: أنَّ أيَّ قول تقوله فعندك رقيب عتيد حاضر لا يغيب عنك.

    ويذكر أن الإمام أحمد رحمه الله كان مريضاً، وكان يئن في مرضه من شدة المرض، فدخل عليه أحد أصحابه، وقال: يا أبا عبد الله إن طاوساً -وهو رجل من التابعين معروف- يقول: إن الملائكة تكتُب على الإنسان حتى أنينه في مرضه، فأمسك -رحمه الله- عن الأنين.

    فالأمر ليس بالأمر الهين.

    نسأل الله تعالى أن يتولانا وإياكم بعفوه ومغفرته.

    وإلى هنا ينتهي الكلام على هذه السورة العظيمة التي ابتدأها الله تعالى بالقسم بالسماء ذات البروج، وأنهاها بقوله: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:21-22]، فمن تمسك بهذا القرآن العظيم فله المجد والعزة والكرامة والرفعة.

    ولهذا ننصح أمتنا الإسلامية بادئين بأفراد شعوبها أن يتمسكوا بالقرآن العظيم، ونوجِّه الدعوة على وجهٍ أوكد إلى ولاة أمورها أن يتمسكوا بالقرآن العظيم، وألا يغرهم البهرج المزخرف الذي يَرِدُ من الأمم الكافرة التي تضع القوانين المخالفة للشريعة، المخالفة للعدل، المخالفة لإصلاح الخلق، أن يضعوا هذه القوانين موضع التنفيذ، ثم ينبذوا كتاب الله وسنة رسوله وراء ظهورهم، فإن هذا والله سبب التأخر، ولا أظن أحداً يتصور الآن أن أمة بهذا العدد الهائل تكون متأخرة هذا التأخر؛ وكأنها إمارة في قرية بالنسبة للدولة الكافرة؛ لكن سبب ذلك -لا شك- معلوم، وهو: أننا تركنا ما به عزتنا وكرامتنا وهو التمسك بهذا القرآن العظيم، وذهبنا نلهث وراء أنظمة بائدة، فاسدة، مخالفة للعدل، مبنية على الظلم والجور.

    فنحن نناشد ولاة أمورنا، وأقصد بولاة أمورنا: ولاة أمور المسلمين جميعاً؛ لأننا أمة واحدة، وإن تفرقت بنا البلدان، واختلفت مِنَّا الألسن .. نناشدهم أن يتقوا الله عز وجل، وأن يرجعوا رجوعاً حقيقياً إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يستتب لهم الأمن والاستقرار، وتحصل لهم العزة والمجد والرفعة، وتطيعهم شعوبهم، ولا يكون في قلوب شعوبهم عليهم شيء.

    وذلك لأن الإنسان إذا أصلح ما بينه وبين ربه أصلح الله ما بينه وبين الناس، فإذا كان ولاة الأمور يريدون أن تُذْعِن لهم الشعوب وأن يطيعوا الله فيهم، فليطيعوا الله أولاً حتى تطيعهم أممهم، وإلا فليس من المعقول أن يعصوا الملك الأكبر، وهو الله عز وجل، ثم يريدون أن تطيعهم شعوبهم، هذا بعيد، بل كلما بعُد القلب عن الله بَعُد الناس عن صاحبهم، نسأل الله العافية، وكلما قَرُب من الله قَرُب الناس منه.

    فنسأل الله أن يعيد لهذه الأمة الإسلامية مجدها وكرامتها، وأن يذل أعداء المسلمين في كل مكان، ونسأل الله تعالى أن ينصر إخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك، وأن يعينهم على ما أصابهم من هؤلاء النصارى الذين لا يريدون أن تقوم للمسلمين قائمة في أي مكان، ونسأل الله أن يذل النصارى واليهود، وأن يكبتهم، وأن يردهم على أعقابهم خائبين، وكذلك كل عدو للمسلمين، إنه على كل شيء قدير.

    1.   

    الأسئلة

    مفاسد الاستراحات

    السؤال: يا شيخ! هناك شباب يجلسون في حوش، وبينهم وبين المسجد تقريباً كيلو أو كيلو إلا ربع، ويصلون بنفس الحوش، ويقولون: هل تجب علينا صلاة الجماعة؟! مع العلم أن بعضهم يخرج ويصلي مع الجماعة، فيصيروا متفرقين، بعضهم يصلي في الحوش، وبعضهم يصلي خارج الحوش! ثم بماذا تنصحهم على ذَهاب أوقات كثيرة عليهم من بعد العصر حتى الحادية عشرة أو الثانية عشرة ليلاً وهم جالسون جلوساً لا ثمرة فيه ولا فائدة؟

    الجواب: هذه الظاهرة التي ذكرها السائل قد كان منها أن فتح الناس ما يسمى بالاستراحات، فعمروا أحواشاً وفيها شيءٌ من الأشجار أو النباتات، وصاروا يخرجون إليها من بعد صلاة العصر إلى منتصف الليل، أو قريباً من منتصف الليل، والغالب أنهم لا يحصلون على فائدة إلا مجرد ضياع الوقت، وأُنْسُ بعضِهم ببعض، وما أشبه ذلك، وقد تشتمل هذه الجلسات على شيء محرم، فقد سمعنا أن في بعض هذه الاستراحات دشوشاً، تلك التي لا يشك أحدٌ اليوم في أنها تدمر الأخلاق، وتدمر الأديان؛ لأنها تلتقط ما يُشاهَد على شاشة التلفاز بواسطتها مِمَّا يُبَث في البلاد الفاسدة من بلاد الكفر وغيرها.

    فيكون عندهم هذا الدش، ثم يبقون يشاهدون ما يشاهدون فيه من المفاسد والمنكرات، فيزدادون بُعداً من الله -والعياذ بالله-وتسهل عليهم الأمور المنكَرة؛ لأنهم يمارسونها ويشاهدونها، ومن المعلوم أن من اعتاد على شيء هان عليه، ويقال في المثل السائر: (مع كثرة الإمساس يقل الإحساس).

    فهذه الاستراحات يحصل فيها مثل هذه المفاسد، وتحصل فيها مفسدة أخرى أيضاً وهي: ترك الصلاة مع الجماعة، فتجد هذا المكان قريباً من المسجد، ومع ذلك لا يصلون في المسجد، وإنما يصلون في مكانهم، مع أنهم يمكن أن يذهبوا إلى المسجد بكل راحة، ويرجعوا إلى المكان بكل راحة، فهم ليسوا كالذين هم في دائرة عمل، لو خرجوا إلى المسجد لتفرقوا ولتوزعوا ولتعطل العمل، أو في المدرسة لو خرج الطلاب إلى المسجد لانتثروا في المسجد، ولأساءوا إلى أهل المسجد، أو لتفرقوا إلى أهليهم ولم يصلوا، بمعنى: أننا لو عذرنا أصحاب المكاتب وأصحاب المدارس إذا صلوا في مكاتبهم ومدارسهم فإننا لن نعذر هؤلاء؛ لأن هؤلاء عدد محصور يمكن أن يذهبوا جميعاً ويرجعوا جميعاً، فلا عذر لهم -فيما نرى- في ترك الصلاة في المساجد، حتى لو صلوا جماعة؛ فإن ذلك لا يكفي عن حضور المسجد، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتُقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرِّق عليهم بيوتهم بالنار).

    قال: (إلى قوم)، مع أن هؤلاء القوم ربما يقيمون الجماعة في مكانهم؛ لكن أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحضروا إلى المسجد.

    وقال لرجل حين استأذنه في ترك الحضور: (هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب!).

    فلو تبلغهم -جزاك الله خيراً- عني بأنه يجب عليهم أن يصلوا في المسجد ثم يرجعوا إلى مكانهم.

    وكذلك أوجه النصيحة إلى من وضع الدش في هذه الاستراحات، وأقول له: اتقِ الله في نفسك، لا تكن سبباً لدمار الأخلاق، وفساد الأديان بما يُشاهَد في هذه الدشوش.

    كما أنِّي -بالمناسبة- أحذر صاحب كل بيت من أن يضع في بيته مثل هذا الدش؛ لأنه سوف يُخَلِّفه بعد موته.

    وإنِّي أسأل واضعَ الدش في بيته وهو يرى هذه المنكرات التي تُبَثُّ منه: هل هو بهذا ناصحٌ لبيته وأهله أم أنه غاشٌّ لهم؟!

    سيكون الجواب ولا بد: أنه غاش، إلا أن يكون ممن طبع الله على قلبه فلا يحس، فهذا شيء آخر؛ لكن سيقول: إنه غاش، فأقول له: اذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما من عبد استرعاه الله على رعية، فيموت حين يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة).

    فأنت الآن إذا مت وقد وضعت لأهلك هذا الدش الذي لا يَشُكُّ أحدٌ أنه غِشٌّ في البيت فإن البيت فيه نساء وفيه سفهاء من الصغار، لا يتحاشون الشيء المحرم، بمعنى أنه لو فُرِضَ أن إنساناً عاقلاً عنده هذا الدش، وليس في البيت أحد، ويقول: أنا أريد أن أطالع ما فيه مصلحة لي، أو أطالع أخبار الناس؛ ولكن إذا جاءت الأمور المنكَرة أقفلتُه، لو قال أحدٌ هكذا، لقلنا: ربما يكون لا بأس به، مع أنه على خطر أنَّ نفسَه تستدرجه فيقع في الهلاك، وعلى خطر من أنه إذا بقي بعد موته فسيرثه من لا يستخدمه إلا استخداماً سيئاً، ثم هو لا يدري متى يموت!

    لذلك نصيحتي لإخواني أن يبتعدوا عن هذا الدش، وأن يفروا منه فرارهم من الأسد، وإلا فكيف يليق بالإنسان أن يأتي بشيء يدمر أخلاقه وأخلاق أهله؟! نسأل الله العافية، اللهم عافنا.

    السائل: فكيف يستفيد من وقته؟

    الشيخ: أما قضاء الوقت، فتعرفون أن الوقت طويل من صلاة العصر إلى قريبٍ من منتصف الليل، لا سيما في أيام الصيف، فإن وقت العصر يطول، فهم لو كان عندهم مثلاً مسبح يقضون الوقت في السباحة، أو عندهم مثلاً أهداف يترامون عليها ولو بالبندقية الصغيرة التي تسمى (أم الحبة)، وكذلك لو قضوا وقتهم في سباق على الأقدام، فكل هذا عمل طيب مريح للنفس، ثم يقرءون ما تيسر من كتب العلم النافعة، أو كتب القصص النافعة، وأهم من ذلك كله أيضاً أن يقرءوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسِيَر خلفائه الراشدين.

    زيادة (أقصى) في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد

    السؤال: يا شيخنا! هناك بعض النُّسَخ من كتاب بلوغ المرام في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه (أن أعرابياً جاء إلى المسجد فبال في طائفة من المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما (أقصى) ...)، هذه الكلمة الأخيرة لا توجد في الصحيحين !

    الجواب: إذا كانت لا توجد في الصحيحين وليس لها معنى فمعنى ذلك أن اللقطة فيها غلط مطبعي، فالصواب: (فلما قضى بوله ...) أي: انتهى منه.

    فإن كانت النسخة عندك فأرجعها إلى صاحبها.

    السائل: نتركها مرة أخرى.

    الشيخ: لا، ليس في المرة الأخرى.

    السائل: أنا أظن أنها في رواية أخرى.

    الشيخ: ليست في رواية أخرى، وليس لها معنى.

    حكم تأجير المحلات أو غيرها للبنك أو لمن يقيم بها المحرم

    السؤال: كنتُ قد أفتيت عن البنك الذي يستأجر المحل الذي لا يوجد من يستأجره غيره، وقلتَ: إن ذلك حلال، وأنا عندي شك، ولا أدري هل الفتوى صحيحة أو غير صحيحة؟!

    الجواب: والله يا أخي أنا أنصحك أنه كلَّما مرَّ عليك شيء يُنسب إليَّ أو إلى غيري من العلماء وأنت تستنكره فكذِّبه، وقل لمن قال لك: أطالبك بصحة نقلك؛ لأنه يُنقل عنا كثيراً خطأ وكذب، ويُنقل عن غيرنا أيضاً.

    أما بالنسبة للسؤال فأنا ما قلتُ هذا أبداً.

    وأقول: إنه لا يجوز لإنسان أن يؤجر دكانه أو بيته على البنك حتى لو تعطل مائة سنة، لأن الله قال في كتـابه العظيم: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، وتأجير المحلات للبنوك تعاونٌ على الإثم والعدوان، وإذا كان قد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه (لعن آكلَ الربا، ومُوْكِلَه، وشاهدَيه، وكاتبَه) مع أن الشاهدَين والكاتب ليس لهم مصلحة إلا تثبيت الربا، فقد لعن الجميع وقال: (هم سواء).

    فخذ مني الآن: أنه لا يجوز أن تؤجَّر الأماكن على البنك؛ لأنه إنما وُضِع للربا، وهذا أصل وضعه، صحيحٌ أنه قد يكون له معاملات أخرى مباحة؛ لكن هو أصلاً مؤسَّسٌ للربا.

    فبلِّغ الذي نقل عني هذا وقل: إني سألتُ فلاناً، فقال: هذا ليس بصحيح، ولا يجوز أن تؤجر البيوت أو الدكاكين لهذه البنوك حتى وإن تعطَّل مائة سنة.

    السائل: حسناً -يا شيخ-! إذا أجَّرنا للبنك ففلوس البنك تكون حراماً، ولكن أي بنك من البنوك يا شيخ؟!

    الشيخ: البنوك الربوية معروفة.

    السائل: وإذا أجَّرنا لحلاقين ودكاكين شرب الدخان؟!

    الشيخ: كل شيء تؤجره لمحرم فأنت شريك صاحبه في الإثم، وهو حرام عليك، حتى تأجير المكان للحلاق الذي يحلق اللحية حرام؛ لكن لو أجرته لحلاق على أنه يحلق الرءوس، ثم رأيته يحلق اللحى، فهذا الإثم عليه هو؛ لأن هناك فرقاً بين من استأجر الشيء ليعصي الله فيه وبين من استأجره فعصى الله فيه.

    أفهمتم؟!

    هناك فرق بين من استأجر الشيء ليعصي الله فيه وبين من استأجره فعصى الله فيه.

    فمثلاً: لو استأجر هذا الإنسان دكاناً للربا، فهذا حرام، وكذلك لو استأجره ليبيع فيه دخاناً، وكان يعرف المؤجر أنه استأجره ليبيع الدخان فيه، فهذا حرام أيضاً.

    لكن لو استأجره لغرض مباح، ثم باع الدخان فيه، أو رابَى فيه، فليس عليه منه شيء.

    السائل: وإذا اشترط في العقد؟

    الشيخ: اشترط ماذا؟

    السائل: أن لا يبيع فيه دخاناً أو ما شابهه؟

    الشيخ: هذا طَيِّبٌ.

    السائل: وهل له فسخ العقد؟

    الشيخ: نعم. له فسخه، فإذا اشترط عليه إذا أجَّره الدكان للحلاقة أن لا يحلق في لحيةً، ثم حلق، فله الفسخ.

    ضوابط إطلاق الكفر والشرك

    السؤال: هل مَن وقع في الشرك الأكبر؛ مثل: مَن استغاث بغير الله، أو نَذَر نَذْراً لغير الله، هل يقال: إنه كافر، أم يقال: لا بد من قيام الحجة عليه؟

    الجواب: كلُّ إنسان يقع في شرك ومثله يجهله فإنه لا يُحكم بشركه حتى تقوم عليه الحجة، كما أنَّ مَن وقع في معصية دون الشرك فإنه لا يُعاقب عليها إذا كان مثله يجهلها؛ فلو أن رجلاً زَنا وهو قريب عهد بالإسلام ولا يعلم أن الزنا حرام فإننا لا نقيم عليه الحد؛ لأنه جاهل، وكذلك الذي يستغيث بغير الله أو يدعو غير الله وهو جاهل ونعلم أن مثله يجهله فإنه لا يُحكم بكفره؛ لأن الآياتِ الصريحةَ كثيرة في أنه لا يُحكم بالكفر إلا بعد العلم، يقول الله عز وجل: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [القصص:59] ولا ظُلْم إلا بالعناد والمُشاقَّة.

    ويقول تعالى: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165]، فبيَّن أنه لا حجة للخلق على الله إلا إذا أرسل الرسول، وأعلمهم بأن هذا حرام وهذا شرك.

    وقال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15].

    وقال تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً [النساء:115].

    وقال الله تبارك وتعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [التوبة:115].

    والآيات في هذا المعنى كثيرة.

    والإنسان لا يعرف ما حرَّم الله سبحانه وتعالى إلا بعلم مِن قِبَل الرسل.

    فإذا كان هذا الإنسان مسلماً يصلي، ويصوم، ويزكي، ويحج، ويستغيث بغير الله وهو لا يدري أنه حرام، فهو مسلم؛ لكن بشرط أن يكون مثله يجهله، بحيث يكون حديث عهد بالإسلام، أو في بلادٍ انتشر فيها هذا الشيء، وصار عندهم كالمباح، وليس عندهم علماء يبينون لهم.

    أما لو كان في بلدٍ التوحيدُ فيها ثابتٌ مطمئنٌ فإن ادعاءهَ الجهلَ قد يكون كاذباً فيه.

    مشيئة الله في التوبة على بعض العصاة دون البعض الآخر

    السؤال: فضيلة الشيخ! يوجد سؤال يتردد دائماً في ذهني وهو: أنَّا نرى اثنين مِن الناس يكونان في معصية واحدة يفعلانها جميعاً، ثم فجأة يموت أحدُهما، والآخر يبقى، فيتوب الآخر، رغم أن هذا الإنسان الذي ماتَ قد ماتَ على المعصية، ونحن لا نشك في عدل الله عز وجل؛ ولكن من أجل التوضيح والمعرفة والعلم، ودحر شبهات الشيطان، فكيف يجوز في عدل الله عز وجل رغم أن الأعمار بيد الله عز وجل، كيف يجوز في عدله أن يمهل هذا حتى يتوب، وذاك لم يُمهل، بل توفاه الله عز وجل، فكانت هناك فرصة للثاني أن يتوب، والأول لم تكن له فرصة لكي يتوب، فكيف هذا؟!

    الجواب: أسألك: هل أماته الله لينتقم منه؟!

    السائل: لا. إنما هو أجله الذي قدَّره الله.

    الشيخ: هو أجلٌ مقدَّر، وكون الله يمد للثاني العمر فهو فضلٌ من الله يؤتيه من يشاء، وأيضاً هذا الذي مات على معصية دون الشرك، هو تحت مشيئة الله عز وجل أيضاً، إن شاء غَفَر له بدون شيء، كما قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

    ولا يخفاك الحديث الذي ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه ضرب مثلاً لأمته مع اليهود والنصارى برجل استأجر أُجَراءَ؛ جماعةً من الصبح إلى الظهر وأعطاهم أجرهم، وجماعةً من الظهر إلى العصر وأعطاهم أجرهم، وجماعةً من العصر إلى الغروب وأعطاهم مِثْلَي ما أعطى الأوَّلِين، أي: ضاعف لهم الأجر، فاحتج الأولون عليه: كيف تعطي هؤلاء مثلَينا أو مثلنا مرتين ونحن لا تعطينا مثلهم، قال: (هل أنا ظلمتكم شيئاً؟ قالوا: لا! قال: فهذا فضلي أوتيه من أشاء)، بمعنى: أني استأجرتكم على عشرة عشرة، وأعطيتُ هؤلاء عشرين، ولا حق لكم عندي.

    فالمهم أن المسألة ليس فيها إشكال أبداً، هذا مات بأجَلِه، والله عز وجل لم يُمِتْه لينتقم منه، وهو أيضاً تحت مشيئة الله إذا كان ذنبه دون الشرك.

    أما هذا الذي مُدَّ له في الأجل أيضاً، فقد يتوب وقد لا يتوب، وربما يزداد إثماً على إثمه.

    حكم جمع المال لغرض معين فينفق في غيره

    السؤال: هناك ما يعرف (ببطانية الشتاء) وتقوم بعض الجمعيات الخيرية بجمعها وتوزيعها على بعض المسلمين الذين يسكنون في المناطق الباردة، فتَجمع هذه الجمعيات ما يُعرف ببطانية الشتاء لتدفئة المسلم، فهل يمكن توسعة هذا النطاق؟! لأنه ما دام أن المقصود هو تدفئة المسلم، فإن بعض الأماكن يكون فيها الفقراء يحتاجون إلى ملابس شتوية مثلاً، أو يحتاجون إلى (بوتاجازات) أو ما شابهها للتدفئة، فيُشترى ذلك مِن الأموال التي جُمعت لشراء البطانيات؛ لأن المقصود واحد، وهو تدفئة المسلم؟

    الجواب: الأَولى أن يكون التعبير لهذه الجمعية بعبارة: (معونة الشتاء)، فإذا قيل: معونة الشتاء صار صالحاً للبطانيات، والثياب، والبوتاجازات، وغيرها، فالأحسن أن يُعَدَّل شعار الجمع لهؤلاء، فيقال: (معونة الشتاء)، أو (وقاية الشتاء) مثلاً.

    أما ما جُمِع لغرض معين فإنه لا يُصْرَف إلا في هذا الغرض المعين ما لم يتعطل، فمتى جمعنا بطانيةَ الشتاء لقرية من القرى، واستغنت بنصف المبلغ، وتحتاج إلى ثياب أو تدفئة، فهذه لا بأس بها، وأما إذا كان عاماً والناس محتاجون إلى بطانيات، فإنه لا يجوز صرفها في جهة أخرى.

    السائل: ولكن بعض الناس يحتاجون إلى الملابس للتدفئة، ولا يحتاجون إلى البطانيات!

    الشيخ: نعم؛ لكن الشعار أو العنوان الذي جُمع به هو: البطانية، والناس محتاجون لها.

    السائل: ولكن المعنى واحد إذا بدِّلت البطانيات بغيرها!

    الشيخ: لا يصلح أبداً. إلا إذا كان مشهوراً بين الناس أن معنى بطانية الشتاء هو: معونة الشتاء، ولهذا يُعَدَّل الشعار من الآن، ويقال: معونة الشتاء، أو ما أشبه ذلك.

    العلة في تحريم الغناء والموسيقى

    السؤال: سألني أجنبي سؤالاً في بداية إسلامه، حيث كان يسمع الأغاني ويحبها، فقال لي: لماذا حرم الإسلام الأغاني، رغم أن الموسيقى تريحني؟ فحاولتُ أن أشرح له فما استطعت!

    الشيخ: كلِّمه بلُغَتِه عن سؤالك هذا، واسأله: هل يوافق عليه أم لا؟

    السائل: نعم، هو يقول: اكتفيتُ بجوابك في ذلك اليوم؛ لكنه يريد أن يقتنع.

    الشيخ: دعه يسأل هو بلسانه من أجل أن يُسَجَّل.

    السائل: هو يقول: لماذا الإسلام حرَّم الموسيقى؟

    الجواب: حرم الإسلام الموسيقى؛ لأنها تشذ بالقلب، وتأخذ به، وتلهيه عن ذكر الله، والإنسان إنما خُلِق ليعبد الله عز وجل، فإذا تعلق قلبُه بهذه المعازف وهي الموسيقى صَدَّه عن ذكر الله عز وجل، ولذلك تجد المشغوفين بهذه الموسيقى تجده وهو يمشي يقول هكذا بيده، كأنه يضرب على الموسيقى؛ لأنها شغلت فكرَه وقلبَه، والإسلام يريد من أهله أن يكون اتجاههم دائماً إلى الله عز وجل.

    حكم تسمية النصارى بـ(المسيحيين)

    السؤال: فضيلة الشيخ! أحسن الله إليكم! يَرِدُ على ألسنة بعض المسلمين كلمة (مسيحية) حتى أنهم لا يميزون بين كلمتَي نصراني ومسيحي، حتى في الإعلام الآن يقولون عن النصارى: مسيحيين، فبدل أن يقولوا: هذا نصراني، يقولون: هذا مسيحي، فنرجو التوضيح لكلمة المسيحية هذه، وهل صحيحٌ أنها تطلق على ما ينتهجه النصارى اليوم؟

    الجواب: الذي نرى أن نسمي النصارى بالنصارى كما سماهم الله عز وجل وكما هو معروف في كتب العلماء السابقين، كانوا يسمونهم: اليهود والنصارى؛ لكن لما قويت الأمة النصرانية بتخاذل المسلمين سَمَّوا أنفسهم بالمسيحيين ليُضْفوا على ديانتهم الصبغة الشرعية ولو باللفظ، وإلا فأنا على يقين أن المسيح عيسى بن مريم رسول الله صلى الله عليه وسلم بريء منهم، وسيقول يوم القيامة إذا سأله الله: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة:116] سيقول: سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ... [المائدة:116-117] إلى آخر الآية. سيقول هذا في جانب التوحيد.

    وإذا سئل عن الرسالة فسيقول: يا رب! إني قلت لهم: يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6]، فهو مقرر للرسالات قَبْلَه، وللرسالة بَعْدَه عليه الصلاة والسلام.

    فأمر أمته بمضمون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ ولكن أمته كفََرَت ببشارته، وكفَرَت بما أتى به من التوحيد، فقالوا: إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73].

    وقالوا: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30].

    وقالوا: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17] نسأل الله العافية.

    الحاصل: أني أقول: إن المسيح عيسى بن مريم بريءٌ منهم، ومما هم عليه من الدين اليوم، وعيسى بن مريم يُلْزِمهم بمقتضى رسالته من الله أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ ليكونوا عباداً لله، قال الله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64].

    حكم الترحم على من مات وعنده خطأ عقدي

    السؤال: فضيلة الشيخ! بالنسبة للعلماء الذين وقعوا في بعض الأخطاء في العقيدة؛ كالأسماء، والصفات، وغيرها، تمر علينا أسماؤهم في الجامعة حال الدراسة، فما حكم الترحُّم عليهم؟

    الشيخ: مثل مَن؟

    السائل: مثل: الزمخشري ، والزركشي ، وغيرهما.

    السائل: الزمخشري ، والزركشي .

    الشيخ: الزركشي في ماذا؟

    السائل: في باب الأسماء والصفات!

    الجواب: على كل حال هناك أناس ينتسبون لطائفة معينة شعارها البدعة؛ كـالمعتزلة مثلاً، ومنهم الزمخشري ، فـالزمخشري مُعتزلي، ويصف المثْبِتِين للصفات بأنهم: حَشَوِية، مُجَسِّمة ويُضَلِّلهم فهو معتزلي، ولهذا يجب على مَن طالع كتابه الكشاف في تفسير القرآن أن يحترز من كلامه في باب الصفات؛ لكنه من حيث البلاغة والدلالات البلاغية اللغوية جيد، يُنْتَفع بكتابه كثيراً، إلا أنه خَطَرٌ على الإنسان الذي لا يعرف في باب الأسماء والصفات شيئاً.

    لكن هناك علماء مشهودٌ لهم بالخير، لا ينتسبون إلى طائفة معينة مِن أهل البدع؛ لكن في كلامهم شيءٌ من كلام أهل البدع؛ مثل ابن حجر العسقلاني والنووي رحمهما الله فإن بعض السفهاء من الناس قدحوا فيهما قدحاً تاماً مطلقاً من كل وجه، حتى قيل لي: إن بعض الناس يقول: يجب أن يُحْرَقَ فتح الباري ؛ لأن ابن حجر أشعري، وهذا غير صحيح.

    فهذان الرجلان بالذات ما أعلم اليوم أن أحداً قدَّم للإسلام في باب أحاديث الرسول مثلمـا قدَّماه، ويـدلك على أن الله سبحانه وتعالى بحوله وقوته -ولا أَتَأَلَّى على الله- قد قبلها، ما كان لمؤلفاتهما من القبول لدى الناس؛ لدى طلبة العلم، بل حتى عند العامة، فالآن كتاب رياض الصالحين يُقرأ في كل مجلس, ويقرأ في كل مسجد، وينتفع الناس به انتفاعاً عظيماً، وأتمنى أن يجعل الله لي كتاباً مثل هذا الكتاب، كلٌّ ينتفع به في بيته وفي مسجده.

    فكيف يقال عن هذين: إنهما مبتِدعان ضالان، لا يجوز الترحُّم عليهما، ولا يجوز القراءة في كتبهما! ويجب إحراق فتح الباري ، وشرح صحيح مسلم ؟! سبحان الله!

    فإني أقول لهؤلاء بلسان الحال وبلسان المقال:

    أَقِلُّوا عليهمُ لا أبا لأبيكمُ مِن اللومِ     أو سدوا المكان الذي سدوا

    من كان يستطيع أن يقدم للإسلام والمسلمين مثلما قدَّم هذان الرجلان، إلا أن يشاء الله.

    فأنا أقول: غفر الله للنووي ، ولـابن حجر العسقلاني ، ولمن كان على شاكلتهما ممن نفع الله بهم الإسلام والمسلمين. وأمِّنوا على ذلك.

    حكم صلاة كسوف القمر في النهار

    السؤال: في يوم الإثنين القادم، الساعة السادسة والثلث صباحاً سيكسف القمر، هل يُصلَّى أم لا يُصلَّى؟

    الجواب: ومن الذي سيشاهده الساعة السادسة؟!

    السائل: في جميع مناطق المملكة سيُشاهَد.

    الشيخ: ما شاء الله!

    السائل: سيُشاهَد مكتملاً، أي: يكون مكتملاً في منتصف الساعة السادسة صباحاً.

    الشيخ: لا، لا، هو ربما سيبدأ الساعة السادسة.

    السائل: هو يبدأ الساعة السادسة.

    الشيخ: لكنه لا يُشْرَع حتى يضيق، ثم إن العلماء قالوا: إذا كسف في النهار فإنه لا يُصلَّى؛ لأن سلطانه قد زال، والناس لا يتخوفون منه إذا كان في النهار؛ لأنه سواءً كَسَفَ أو لم يَكْسف لن يظهر لهم.

    ضابط العدل بين الأبناء ذكوراً وإناثاً

    السؤال: نحن قادمون من الرياض ، ووُدَّنا أن نلقي هذا السؤال: بالنسبة للعدل في العطايا بين الذكور والإناث، وكذلك الابن الذكر الذي يعمل مع والده في المحل أو المتجر، كيف تكون معاملته؟

    الجواب: العدل -بارك الله فيك- بين الذكور والإناث يكون بما عدل الله به عز وجل: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء:11]، فإذا أعطيتَ الذكر ريالين، فأعطِ الأنثى ريالاً.

    لكن النفقة العدلُ فيها أن تعطي كل واحد ما يحتاج، فقد تحتاج الأنثى إلى خروص في أذُنَيها قيمتها مثلاً: (200) ريال، والذكر يحتاج إلى طاقية قيمتها مثلاً: (10) ريالات، إن كانت من الطاقيات الجيدة، وإلاَّ فهي -كما أظن- بريالين.

    فعلى كل حال أعطِ هذا ما يحتاج وهذه ما تحتاج.

    كما أنه لو احتاج أحدهما إلى الزواج زوِّجه، ولا تعطِ الآخرين مثله، إلا مَن بلغ حدَّ الزواج فزوِّجه.

    هذه هي مسألة النفقة. فالنفقة: العدل فيها أن تعطي كل واحد ما يحتاج.

    وأما التبرع المحض فهو: أن تعطي الذكر مِثْلَي ما تعطي الأنثى.

    أما من كان يشتغل مع أبيه في تجارته أو فلاحته فإن تبرع بذلك وأراد ثوابه من عند الله، فثواب الآخرة خير.

    وإن قال: أنا أريد من الدنيا ما أريد، كما أن إخواني كل واحد منهم يشتغل لنفسه ويشتغل بماله، فهذا يجعل له والده إما أجرة شهرية، وإما نسبة من الأرباح؛ ولكن يَعُدُّه كأنه رجل أجنبي، وليس كأنه ولده، بل كأنه رجل أجنبي استأجره، فمثلاً: إذا كان مِثْلُه يُعطَي الأجنبي مرتبَ (2000) ريال، فليُعطِه (2000) ريال في الشهر، أو إذا كان مثلاً معه في فلاحته فليقُل له مثلاً: لك نصف الحاصل من المنتَج، أو ربعَه، أو ما أشبه ذلك، أو حسب ما يتفقان عليه، بشرط أن لا يحابيه.

    حكم الألعاب والموسيقى في الكمبيوتر

    السؤال: نحن مَجموعة من الشباب جئنا لزيارتكم من الرياض حباً في الله، نسأل الله أن يتقبل منا، ومنكم.

    فأثناء زياراتنا -الحقيقة- في الرياض نجد بعض الشباب مجتمعين على بعض الألعاب، هذه الألعاب فيها أجهزة، مثل الحاسب الآلي الذي يسمى: الكمبيوتر، فيكون في هذا الحاسب بعض المعلومات التي تفيدهم، وبعضها تكون ألعاباً فقط، فنجدهم في زياراتنا يجلسون على هذه الأشياء، وأثناء الألعاب تظهر بعض الموسيقى من حين لآخر، وكانوا يستفسرون عن هذا الشيء! فنريد الإجابة منكم؟

    الجواب: أما إذا كان هذا الحاسب الآلي أو الكمبيوتر يفيد فهذا طيب، وهذا ربما قد يكون من جملة ما ينبغي أن يُقْتَرح على الذين يقومون على الاستراحات التي سأل عنها الأخ أولاً.

    وأما الشيء الذي لا يفيد فهو لغوٌ من القول، وهو محسوب على الإنسان من عمره.

    وأما المحرم فيجب الامتناع عنه، فالموسيقى هذه إذا جاءت يجب أن يخفض الصوت حتى لا تُسْمَع.

    والحمد لله رب العالمين.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    جعلني الله وإياكم ممن ينتفعون بالعلم، ويعملون به، إنه على كل شيء قدير.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767952757