إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [44]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذه المادة تحدث الشيخ عن يسر الشريعة وسماحتها، ثم بيان صفة المسح على الخفين والجبيرة، وبعد ذلك أجاب عن الأسئلة الواردة في هذا اللقاء.

    1.   

    بيان سماحة الشريعة الإسلامية

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا هو اللقاء الأسبوعي الثالث لشهر جمادى الثانية عام: (1414هـ) والذي يتم في كل يوم خميس، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع به.

    وقد أتممنا الكلام عن تفسير سورة البروج في اللقاءات الماضية.

    أما اليوم فأرى أن نتكلم عما يتعلق بالوقت، وهو: مسح الجوارب والخفين؛ لأن زمن الشتاء عند العامة بدأ منذ يومين.

    فنقول: إن الله سبحانه وتعالى جعل هذا الدين يسراً، فقال الله عز وجل في كتابه: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185].

    وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الدين يسر).

    وقال صلى الله عليه وسلم وهو يبعث البعوث للدعوة إلى الله: (إنما بعثتم مُيَسِّرين ولم تبعثوا مُعَسِّرين، فيسِّروا ولا تعسِّروا).

    وهذه القاعدة العامة في الدين الإسلامي كل شرائع الإسلام تشهد لها، فأصل الشرائع يسيرة سهلة، ثم إذا طرأ ما يوجب التيسير تيسرت، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـعمران بن حصين : (صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب).

    وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].

    وفي أثناء الآيات قال: وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185].

    وفي الحج قال الله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ [البقرة:196] يعني: فلا يحلقه، وعليه فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196].

    والقاعدة العامة: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].

    وقوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

    كلها تعتبر طريقاً يجب على المسلم أن يسير عليه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

    1.   

    وجوب الوضوء على كل محدث أراد الصلاة

    ومن يسر الله عز وجل أنه فرض الوضوء عند إرادة الصلاة على كل مَن أحدث، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6].

    ولهذا ينبغي لنا ونحن نتوضأ أن نستشعر أننا نمتثل أمر الله، كأن الله تعالى يخاطبنا الآن، فيقول: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6] حتى نكون بذلك مخلصين لله عز وجل، وأن نستشعر أننا نقتدي بالرسول عليه الصلاة والسلام حتى تتحقق لنا المتابعة، أعني: كأن الرسول أمامنا الآن يتوضأ، فنحن نتبعه بذلك ليتحقق لنا بهذه العبادة الإخلاص والمتابعة، وهكذا بقية العبادات.

    فيجب الوضوء، والواجب منه ما ذكره الله في القرآن: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6] وجاءت السنة مبينة لبعض الإبهام في هذه الآية وهي: المضْمَضَة والاستنشاق، فإنهما واجبان في السنة، وهما داخلان في قوله: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6]؛ لأن الأنف والفم جزء من الوجه، وكذلك الأذنان، جاءت السنة ببيان مسحهما مع الرأس، وذلك لأنهما من الرأس، فعلى هذا لا بد من المضمضة والاستنشاق، ولا بد من مسح الأذنين.

    هذه هي الوجبات في الوضوء؛ لكن الوضوءَ الأكملَ، هو ما توفر فيه الآتي:

    - النية: وهذه لا بد أن تقترن بكل عمل.

    - البسملة.

    - غسل الكفين ثلاثاً قبل غسل الوجه.

    - البدء بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه.

    - تخليل اللحية الكثيفة التي لا تصف البشرة، وغسل اللحية إلى أصول الشعر إذا كانت تصف البشرة؛ لأنها لا تغطي البشرة، فتغسل من جهة البشرة التي لا تغطيها هذه اللحية.

    - التثليث في الأعضاء ما عداء الرأس أحياناً وفي الأكثر الأغلب، وأحياناً يقتصر الإنسان على مرة، وأحياناً على مرتين، وأحياناً يفرِّق، فيغسل الوجه ثلاثاً، واليدين مرتين، والرجلين مرة، كما جاءت بذلك السنة.

    1.   

    شروط المسح على الخفين

    ومن نعمة الله وتيسيره في هذا الوضوء أنه إذا كان على الرجلين ما يسترهما من جوارب أو خفين وهما (الكنادر) فإن الإنسان يمسح عليهما؛ لكن في مدة محددة كما سيُبَيَّن وبشروط:

    أن يلبسهما على طهارة

    لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة لما أهوى ليـنزع خفيـه، قال: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) فمسح عليهما.

    فإن لبسهما على غير طهارة لم يجز المسح، ولو نسي فمسح فإنه يلزمه إعادة الوضوء، وغسل الرجلين، وإعادة الصلاة؛ لأنه صلى على غير طهارة.

    أن يكون المسح في الحَدَث الأصغر لا في الأكبر

    ودليله حديث صفوان بن عسال ، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سَفْراً -يعني: مسافرين- ألا ننـزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن إلا من جنابة؛ ولكن من غائط، وبول، ونوم) فإذا حصل على الإنسان جنابة وعليه جوارب وَجَبَ عليه أن يخلعهما، وأن يغسل قدميه؛ وذلك لأن الطهارة الكبرى وهي الغسل من الجنابة ليس فيها مسح إلا إذا كانت هناك جبيرة، ولهذا لا يُمسح الرأس فيها، بل يجب أن يُغسل غسلاً تاماً.

    أن تكون الجوارب أو الخفاف طاهرة

    فلا يصح المسح على النجس؛ لأن النجس لا يزيد بالمسح عليه إلا خبثاً وتلويثاً لليد التي باشرت النجاسة؛ ولأن الإنسان في الغالب يمسح ليُصَلي، ولا صلاة في الشيء النجس، والدليل على أنه لا صلاة في الشيء النجس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذات يوم يصلي بأصحابه، فخلع نعليه، فخلع الصحابة نعالهم، فلما سلم سألهم: لماذا خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً) أي: أنه خلعها من أجل ذلك، وهذا يدل على أنه لا بد أن يكون الملبوس طاهراً.

    أن يكون في الوقت المحدد شرعاً

    الوقت المحدد شرعاً هو يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، وتبتدئ هذه المدة من أول مرة مَسَحَ بعد الحدث، فإذا لَبِسها من صلاة الفجر مثلاً، وتوضأ لصلاة الظهر ومسحها، فابتداء المدة من الظهر، أي: من الوقت الذي مسح فيه، حتى يأتي مثله من اليوم التالي إذا كان مقيماً، أو في اليوم الثالث إذا كان مسافراً، فهي ثلاثة أيام بلياليها للمسافر، ويوم وليلة للمقيم.

    والحكمة في هذا واضحة؛ لأن المسافر أحوج إلى ستر قدمه من المقيم.

    هذه هي شروط المسح على الجوربين، أو على الخفين، وما عدا ذلك من الشروط التي ذكرها بعض الفقهاء فإنه ليس عليها دليل، وإنما هي تعاليم استنبطها الفقهاء تُسَلَّم لهم أو لا تُسَلَّم؛ لكن هذه هي الشروط التي يطمئن إليها الإنسان، وأنه لا بد من أن تتوفر في جواز المسح على الخفين أو الجوربين.

    1.   

    المسح على الجبيرة

    أما ما يتعلق بالجبيرة على جرح أو على كسر؛ فإذا كانت على جرح فالعلماء يقولون: يُتَّبَع ما يلي:

    أولاً: يغسل الجرح بالماء.

    ثانياً: فإن كان يضرُّه مسحه، أي: بلَّ يدَه ومسح عليه.

    ثالثاً: فإن كان يضره المسح، أو كان قد لُفَّ عليه شيء، فإنه يمسح هذه اللفافة في الحدثين الأصغر والأكبر، وكذلك اللَّصْقة على وَجَعٍ في الظهر أو في الرقبة أو ما أشبه ذلك، فإنه يمسح عليها في الحدثين الأصغر والأكبر.

    رابعاً: فإن لم يكن هذا؛ بمعنى أن الجرح طريٌّ لا يمكن أن يُلَفَّ عليه، ولا يمكن أن يُمْسَحَ بالماء، فإنه يتيمم عنه.

    فهذه مراتبٌ:

    غسلُه.

    ثم مسحه.

    ثم مسح اللفافة.

    ثم التيمم.

    وهذا يجوز في الحدث الأصغر وفي الحدث الأكبر؛ لأنها ضرورة فتتقدَّر بقَدْرها، حتى لو بقيت أياماً أو شهوراً، فإن الحكم لا يزال باقياً؛ لأن الحكم يتقدر بقدره.

    والحمد لله رب العالمين.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.

    1.   

    الأسئلة

    حكم الطهارة إذا خلع الجورب بعد مسحه

    السؤال: إذا مسح الشخص على الجورب، ثم نزعه، هل تنتقض طهارته؟

    الجواب: إذا مسح الجورب، ثم نزعه، فإنه طهارته لا تنتقض؛ بل هي باقية حتى يُحْدِث، فإذا طُلِب منا الدليل، قلنا: الدليل على من قال: إنها تنتقض؛ لأن هذه طهارة ثبتت بالشرع، فلا تنتقض إلا بدليل من الشرع، وليس في الكتاب والسنة ما يدل على أن خَلْع الجورب بعد مسحه ينقض الطهارة، فيبقى على طهارته حتى يُحْدِث، ثم يتوضأ.

    جواز تغيير الشيب بالحناء الأحمر مع الكتن الأسود

    السؤال: هل يجوز خلط الحناء الأحمر مع الكَتَن الأسود، ووضعُه على شيب اللحية، وبعد الوضع يكون لون اللحية من بعيد أسود، ومن قريب يتضح ويميل لونه إلى البُنِّي الغامق؟

    الجواب: السنة تغيير الشيب بالحناء، أو بالحناء والكَتَن، فإذا غيَّره بالحناء فإن الحناء يكون لونه أصفر، وإذا غيَّره بالحناء والكَتَن صار بين الحمرة والسواد، فلا بأس به، ولا حرج إن شاء الله.

    العلاج الصحيح لمن أصابه مس الجان

    السؤال: فضيلة الشيخ! أحد إخواننا بعث إلينا بسؤال يقول فيه: نحن في حاجة إلى الدعاة، ومع ذلك فإن أحدنا انشغل بعلاج الممسوسين بالجن، فهل يجوز تعطيل الدعوة من أجل هذا العمل؟ وكيف يكون العمل الصحيح لعلاج الممسوس؟ وهل يجوز اشتراط أخذ المال، بحيث لا يعالِج بغيره؟

    الجواب: الدعوة إلى الله عز وجل فرض كفاية، إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين، فإن تعينت على الشخص بحيث لا يقوم غيره مقامه، فإنها مقدمة على القراءة على مَن به مس من الجن؛ وذلك لأن مصلحة الدعوة مصلحة مُتَيَقَّنة، ومصلحة القراءة على من به مس من الجن مصلحة غير مُتَيَقَّنة، وكم من إنسان قرئ عليه ولم يستفد شيئاً!

    فيُنْظَر! إذا كانت الدعوة مُتَعَيَّنة على هذا الرجل، لا يقوم غيره مقامه فيها، فإنه يجب عليه أن يدعو، ولو ترك القراءة على من به مس من الجن؟

    أما إذا كانت فرض كفاية فيَنْظُر إلى الأصلح، وإذا أمكن أن يجمع بينهما، وهو الظاهر أنه يمكن الجمع بينهما، بأن يخصِّص لهذا يوماً ولهذا أياماً حسب الأهمية، فيحصل منه الإحسان إلى إخوانه الذين أصيبوا بهذه المصيبة، ومع ذلك يستمر في الدعوة إلى الله عز وجل، فإن حصل الجمع بينهما ما أمكن فهو الأولى.

    أما العلاج الصحيح للممسوس بالجن فإنه يختلف؛ لكن أحسن ما يكون أن يُقْرَأ عليه القرآن؛ مثل قوله تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:33-36] لأن هذا تَحَدٍّ لهم أنهم لا يستطيعون الفرار من الله عز وجل، وكذلك يُقْرَأ عليهم المعوذتين وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وآية الكرسي، وكذلك يتكلم معهم بالموعظة، كما يُذكر عن شيخ الإسلام أنه كان يعظهم، ويقول لهم: هذا حرام عليكم، ولا يحل لكم أن تؤذوا المسلمين، أو تظلموهم، أو ما أشبه ذلك.

    أما أخْذ المال فإنه إذا لم يأخذ المال فهو أفضل وأقرب إلى الإخلاص والنفع، وإن أخذه بدون شرط فلا بأس، وإن كان هؤلاء الذين قرأ عليهم قد تركوا ما يجب عليهم للقارئ، وأبى أن يقرأ إلا بعوض فلا بأس، كما فعل أهل السرية الذين بعثهم النبي عليه الصلاة والسلام، فنزلوا على قوم فلم يضيِّفوهم، فأرسل الله تعالى على سيدهم عقرباً فلدغته، فطلبوا من يقرأ، فقالوا: لعل هؤلاء القوم الذين نزلوا بكم يقرءون، فأتوا إليهم، فقالوا: لا نقـرأ عليـه إلا بكذا وكذا -بقطيع من الغنم- ، فأجاز هذا النبي صلى الله عليه وسلم.

    أيهما أولى: متابعة الإمام في الزيادة في الصلاة أم مخالفته؟

    السؤال: حدث معنا مَرَّةً في الصلاة -يا شيخ- التالي: صلى بنا الإمام -جزاه الله خيراً- وفي بدء الركعة الثانية تدارك أنه ليس على طهارة، فانسحب وأحضر المؤذنَ، وقال له: أعد الصلاة، فكبر، وأعاد الصلاة من أولها، فجميع المصلين المأمومين صلوا خمساً؛ لأنهم احتاروا ماذا يفعلون! إلا ثلاثة فقط صلوا الرباعية وخالفوا الإمام الثاني، فأكملوا أربع ركعات، ولم يزيدوا الخامسة معه، أي: أنهم جلسوا بعد تمام أربع ركعات ولم يواصلوا مع الإمام الثاني، وبعد ذلك تقدم أحد الإخوة من الذين عندهم بعض العلم، فقال للإخوان الذين صلوا خمس ركعات: عليكم جميعاً أن تعيدوا صلاتكم، فقال له أحد الإخوة: إنهم احتاروا، وما كان عليهم إلا أن يتابعوا الإمام الثاني سلامةً، فهل يعتبر أنهم تعمدوا الخامسة، ولذلك عليهم الإعادة؟ أم أن متابعتهم للإمام الثاني كانت من باب الحيطة، ولذلك ليس عليهم إلا سجود السهو؟ فما هو الأفضل؟

    الجواب: الأفضل في هذه الصورة إذا تذكر الإمام أنه ليس على طهارة أن يُخَلِّف مَن يصلي بهم بقية الصلاة بدون استئناف، فيقول مثلاً للمؤذن أو لمن وراءه ممن يمكن أن يصلي بالجماعة: يا فلان! تقدم فأكمل الصلاة بهم، ثم يكمل الصلاة بهم، ويبني على ما فعله الإمام الأول، إلا أنه في قراءة الفاتحة ينبغي أن يقرأها من أولها؛ ليكون الركن من إمام واحد، والباقي يكمله على ما هو عليه. هذا هو الأفضل.

    وإذا لم يفعل هذا بأن انصرف ولم يوكل أحداً ليقوم مقامه، فللمأمومين أن يقدموا واحداً منهم يكمل بهم، فإن لم يفعلوا أتموا فرادى.

    وأما استئناف الصلاة فقد قال به بعض أهل العلم؛ لكن لا وجه له؛ لأن المأمومين معذورون، لا يدرون عن حَدَث الإمام، ولو علموا بحدث الإمام ما صلوا وراءه، ولَنَبَّهوه قبل أن يصلي بهم.

    أما بالنسبة لهؤلاء الذين صلوا خمساً بناءً على أن هذا هو الواجب عليهم فليس عليهم شيء، ولا تلزمهم الإعادة؛ لأنهم معذورون بالجهل، ومجتهدون متأولون، وقد قال الله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] والمتاول لا سيما الباني على أصل ليس عليه شيء، ولهذا لم يأمر النبي عليه الصلاة والسلام المرأة المستحاضة أن تقضي ما فاتها من الصلاة التي كانت تتركها بناءً على أن الاستحاضة حيض، وكذلك ليس عليهم سجدةُ سهو؛ لأنهم لم يسَهَوا.

    حكم تجهيز المحلات وتأجيرها

    السؤال: هناك معاملة انتشرت عند الكثير تسمى: بتجهيز المحلات؛ وصورتها: أن يأتي رجل إلى صاحب دكان كقطع غيار مثلاً أو ما شابه ذلك، فيقول له: سآخذ منك المحل ثلاث سنوات، وأعطيك كل شهر (10.000) ريال، وبعد ثلاث سنوات أردُّ إليك المحل بالبضاعة التي استلمتُها منك كاملة، فما حكم هذه المعاملة؟ أحسن الله إليكم!

    الشيخ: إذا أخذ المحل يحصل البيع؟

    السائل: لا. لا يحصل عقد بيع، بل صورتها أن يأتي إليه ويقول له: آخذ منك المحل لمدة ثلاث سنوات، وأعطيك كل شهر (10.000) ريال، أو (8000) ريال بحسب ما يتفقان عليه، وبالطبع لا يزيد على المبلغ المتفق عليه من دخل هذا المحل، وبعد الثلاث سنوات أردُّ إليك المحل كما كان بما فيه من بضاعة، وكأن صورتها في الظاهر صورة تجارة!

    الشيخ: الأغراض التي في المحل لِمَن؟

    السائل: هي للمالك الأول، بدليل أنه سوف يردها إليه بعد ثلاث سنوات كاملة!

    الجواب: هذا عقدٌ لا يصح -في الواقع-، إلا إذا قال: ثَمِّن الأغراض الموجودة الآن، وتكون في ملك الثاني، ويعطيه كل شهر (10.000) على أنها أجرة للمحل، وتكون الأعيان الموجودة فيه للمستأجر الأخير، لا للأول، مُلكاً له، له غنمها، وعليه غرمها، فهذا لا بأس به.

    أما ما ذكرتَ فلا يجوز؛ لأنه غرر واضح؛ لا ينطبق على المشاركات، ولا على الإجارة، ولا على البيع.

    فنرى أنها لا تجوز، وأن الواجب على عامة الناس إذا حدثت مثل هذه المعاملات الجديدة أن يعرضوها على أهل العلم قبل أن يدخلوا فيها، والمعاملات من الدين، وليست خاضعة للعرف ولِمَا يتعامل به الناس، فلو كانت كذلك لقلنا: إن البنوك حلال، وإن الميسر حلال، وإن كل المعاملات التي اعتادها الناس في الخارج أو في الداخل حلال، مع أن المعاملات لا شك أنها من الدين، فالإنسان إذا أكل الحرام فإنه يبعُد أن يُستجاب دعاؤه والعياذ بالله.

    حكم المصارفة بدون قبض

    السؤال: بالنسبة للحوالة، إذا أعطى رجلٌ رجلاً مبلغاً لكي يستلمه الرجلٌ الآخر في بلدة أخرى بعملة تلك البلدة، ويُشكل عليه -يا شيخ- اختلاف هذه العملة بالريالات، فهل هذا يدخل في ربا الفضل، أم أنه لا بأس به؟

    الجواب: هذا يدخل في ربا النسيئة؛ لأنه مع اختلاف العملة لا يوجد ربا فضل؛ لكن يدخل فيه ربا النسيئة، ولهذا فإن الحوالة الصحيحة على أحد وجهين:

    إما أن يحولها بالدراهم إلى المكان الآخر، ثم هناك تجري المصارفة بالسعر الحاضر.

    أو يشتري العملة التي في البلد الثاني يشتريها في البلد الأول، ويحوِّلها إلى البلد الثاني بعملة البلد الثاني.

    أما ما ذكرتَ فهذه مصارفة بدون قبض، والمصارفة بدون قبض لا تجوز.

    حكم جمع العصر إلى الجمعة

    السؤال: هل يصح الجمع بين الجمعة والعصر سواء في الحضر أو في السفر؟

    الجواب: أولاً: في الحضر : قد يقع هذا، فقد يكون الإنسان مريضاً، فيحضر الجمعة، ويشق عليه أن يصلي العصر في وقتها، فيجمع.

    وأما في السفر فهذا أيضاً يمكن، إذا كان المسافر مر بالبلد التي تقام فيه الجمعة وصلى معهم الجمعة.

    وأما السفر الذي الإنسان فيه سائر فهذا ليس فيه جمعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سافر ولم يكن يقيم الجمعة في أسفاره، حتى في يوم عرفة صادف يوم الجمعة، ومع ذلك لم يُقِمِ الجمعة صلى الله عليه وسلم.

    ولكن لا يصح جمع العصر إلى الجمعة؛ لأن السنة إنما وردت بجمع العصر إلى الظهر، والجمعة ليست ظهراً كما لا يخفى؛ بل تُفارِقُ الظهرَ في أكثر من (20) وجهاً، وإذا كانت كذلك فإنها تعتبر صلاة منفردة مستقلة بنفسها، كصلاة الفجر، لا يُجْمَع إليها غيرها، فلا يحل للإنسان أن يجمع صلاة العصر إلى صلاة الجمعة، ولو كان ممن يباح له الجمع، أما من لا يباح له الجمع، فلا يجوز له أن يجمع إلى الجمعة ولا إلى الظهر.

    حكم العمل في مجال التصوير الفوتوغرافي

    السؤال: أنا أعمل في مجالٍ يكثر فيه التصوير الفوتوغرافي، لتوفير هذا العمل ونشره في الصحف أو في كتيبات، فما مدى صحة هذه؟ حفظك الله؟

    الجواب: إذا كان فيه مصلحة دينية فلا بأس، وأما إذا لم يكن فيه مصلحة فالورع أحسن، وذلك أن تتركه وتطلب عملاً آخر، أو تمتنع عن التصوير.

    مسألة انتقاض الوضوء بانتهاء مدة المسح

    السؤال: هل ينتقض الوضوء بانتهاء مدة المسح؟

    الجواب: الصحيح أنه لا ينتقض بانتهاء مدة المسح، فمثلاً لو كانت تنتهي مدة المسح الساعة الثانية عشرة ظهراً، وبقيتَ على طهارتك إلى الليل فأنت على طهارتك، وذلك لأنه ليس هناك دليل على انتقاض الوضوء بانتهاء مدة المسح، فانتهاء مدة المسح ينتهي به المسح فقط، ولا تنتهي بانتهائه الطهارة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إنما وقَّت المسح ولم يوقت الطهارة، وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن ينتبه لها، وهي: أن ما ثبت بدليل شرعي فإنه لا يرتفع إلا بدليل شرعي؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان.

    أجر الجماعة الأولى وأجر الجماعة الثانية

    السؤال: هناك شخص مؤذن في أحد المساجد، وعنده أولاد بالغين مكلفين، فيأتون إلى الصلاة متأخرين بعد أن تنتهي ويسلم الإمام، وذلك في أغلب الأوقات، فناقَشَ الإمامُ المؤذن في هذه الموضوع، فقال المؤذن: إن لهم أجر الجماعة حتى وإن لم يدركوا الجماعة الأولى وصلوا مع الجماعة الثانية، أهم شيء أن يأتوا ليصلوا في المسجد، يعني: لا تفوتهم السبع والعشرين درجة، وهذا المؤذن كفيف، فحاول الإمام أن يقنع هذا المؤذن أنه لا بد أن يأمرهم بالصلاة جماعة؛ لأنه بصفته مؤذناً فهو قدوة، حيث أن الإمام شاهد أن أغلب المصلين يتأخرون عن الصلاة بحجة أنهم شاهدوا أولاد المؤذن يتأخرون وهم كبار، فهذا الإمام لم يرَ بعد النصيحة نتيجة، فهل ينبغي أن يُبدي شيئاً من الجفاء سواءً للأب أو للأولاد؟ أو أنه يأخذهم بطريقةٍ ترونها أنتم جزاكم الله خيراً.

    الجواب على هذا السؤال من شقين:

    الشق الأول: أنه لا يجوز أن نقتدي بمن فرط في الواجب؛ فتترك الواجب لأن فلاناً لا يقوم به، فأنت مسئول عن نفسك: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116] فلا يجوز للإنسان أن يقول: لستُ بِمُصَلٍّ مع الجماعة؛ لأن أولاد المؤذن لا يصلون! وليس ذلك حُجَّةً عند الله عز وجل، كما لا يجوز للإنسان أن يفعل المحرم ويقول: فلان يفعله، حتى لو كان طالبُ علمٍ يفعلُ هذا المحرم، فلا يجوز للإنسان أن يفعله لأن هذا يفعله، بل أنت مسئول عن نفسك، ومسئول عما أجبت به المرسلين: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65].

    والشق الثاني: بالنسبة للمؤذن، الواجب عليه أن يأمر أولاده بالصلاة، وأن يضربهم عليها إذا بلغوا عشر سنين، حتى يؤدوا الصلاة مع الجماعة، ولا حرج عليه في هذه الحال أنه إذا أذَّن خرج وأيقظهم وأحضرهم إلى المسجد؛ لأن الخروج هنا لعذر، وأنه سيرجع ويصلي في المسجد.

    وأما بالنسبة للإمام فأولاً: لا ينبغي أن يناقش المؤذن أمام الناس؛ لكن يناقشه سراً فيما بينه وبينه، فإذا ادَّعى المؤذن أنه لا يستطيع إحضارهم إلى المسجد فهناك جهات مسئولة يمكن أن تحضرهم، كهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحضرهم إلزاماً؛ لأن هؤلاء ممن تلزمهم صلاة الجماعة.

    وأما قول المؤذن: إنهم إذا صلوا في المسجد ولو بعد الجماعة الأولى فإن لهم أجر سبعٍِ وعشرين درجة فهذا ليس بصحيح، فأجر سبعٍ وعشرين درجة لا يكون إلا في الجماعة الأولى فقط، أما الثانية فلا شك أن الصلاة في جماعة أفضل من الصلاة على وجه الانفراد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رجل دخل وقد فاتته الصلاة: (من يتصدق على هذا فيصلي معه) فقام أحد القوم فصلى معه.

    ولأنه عليه الصلاة والسلام قال: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) لكن كون الجماعة الثانية تنال أجر الجماعة الأولى فهذا ليس بصحيح، وإلا لكان كل الناس يذهبون إلى المسجد متى شاءوا، ويصلون جماعة ويقولون: أخذنا أجر سبع وعشرين درجة، فهذا لا أعلم أحداً قال به، أي: أن الصلاة الثانية كصلاة الأولى في الحصول على أجر سبع وعشرين درجة. فلا أعلم أحداً قال بهذا.

    مسألة التورق من التحايل على الحرام

    السؤال: عفا الله عنكم يا شيخ! توجد الآن بعض الشركات تقول لأي شخص: من أراد بيتاً أو سيارةً في أي مكان يأتي ويخبرنا بهذا البيت أو بهذه السيارة فنشتري له هذا البيت أو هذه السيارة، ثم نقسط عليه ثمن هذا البيت أو هذه السيارة أقساطاً، وفي نفس الوقت لا تُلْزِم هذه الشركةُُ إذا أخَذَت لهذا الشخص هذا البيت أو هذه السيارة، لا تلزمه بأخذ هذا البيت أو السيارة، فهو بالخيار، إن أراد أن يشتري أو أراد أن يرجع في كلامه. فما حكم هذا البيع جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: هذه المعاملة فَشَت في الناس كثيراً، وهي -في الحقيقة- من الناحية الشرعية غير جائزة، ومن الناحية الاقتصادية ضارة.

    فأما كونها غير جائزة من الناحية الشرعية: فمن المعلوم أنك لو أتيتَ إليَّ وقلتَ: أريد أن أشتري السيارة الفلانية بخمسين ألف ريال فأعطني (50.000) ريال، وأعطيك بعد سنة (60.000) ريال، فهل هذه المسألة جائزة، أو غير جائزة؟!

    غير جائزة، ولا إشكال في ذلك.

    فشراء التاجر أو الشركة لهذه السيارة ليس إلا من أجل الوصول إلى هذه العشرة آلاف الزيادة التي كانت في الأول غير جائزة، والآن صارت بهذه الحيلة جائزة، فلا يمكن هذا، فإن المحرم محرم، ولا يزيد بالتحايُّل عليه إلا قُبْحاً، فهذه بمنزلة أن أقول: خذ (50.000) واشترِ السيارة التي تريد، وبعد سنة أعطني (60.000) ريال، لا فرق أبداً، إلا أن هذه الصورة التي ذكرتَ؛ أن يشتريها التاجر من المعرض ثم يبيعها عليك ما هي إلا مجرد حيلة فقط؛ فلولاك ما اشتراها لك، ولا فكَّر في شرائها، ولهذا تجده يحتاط لنفسه، فيذهب ليستطلع البيت وينظر هل يساوي هذا البيتُ الثمنَ أم لا يساويه، والسيارة كذلك، فهو يحتاط احتياطاً تاماً.

    ثم إذا قُدِّر أنه اشتراه وتراجَعْتَ أنت عنه كَتَبَك في القائمة السوداء، فلا يعاملك بعد هذا أبداً، ثم إن كلمة: (إذا شاء رَدَّه قَبِِلْنا)، هي كذَرِّ الرماد في العيون -كما يقولون-؛ فلا تظن أن هذا الرجل الذي أراد هذا البيت أو هذه السيارة أو هذه الأرض، واستعد للزيادة، لا تظن أنه يتراجع، فالرجل له غرض في هذا، ولا بد أن يشتري، ولو أنك أحصيت مَن تراجع، ما وجدتَ واحداً في الألف.

    لذلك نرى أن هذه المعاملة حرام، وأنها حيلة على الربا بشراءٍ صوريٍّ ليس مقصوداً بذاته.

    وإذا كان شيخ الإسلام -رحمه الله- يحرم التورُّق، وكذلك الإمام أحمد ، وغيرهما من العلماء، والتورُّق: هو طلب العين الموجودة عند البائع، فهذا أخبث وأشد.

    وبنو إسرائيل لما حُرِّمت عليهم الشحوم قالوا: لا نأكل الشحم؛ لكن نذيب الشحم، ونبيعه ونأكل ثمنه. فأيهما أقرب للمحرم: هذه الحيلة، أو الحيلة التي ذكرتَ؟! الحيلة التي ذكرتَ أقرب؛ لأنها تصل إلى المحرم في أول درجة، أما حيلة بني إسرائيل فلا تصل إلى المحرم إلا بعد ثلاث درجات، ومع ذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (قاتل الله اليهود! لَمَّا حُرِّمت عليهم الشحوم جَمَلوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه).

    فهذه والله حيلة على المحرم، وليس عندي إشكال في تحريمها، والإنسان الناصح لنفسه يبتعد عنها، وإن أفتاه الناس وأفتوه، والعبرة بالمقاصد لا بالصور، والتاجر ما قصد من الربح إلا الربا، ولا قصد بشراء السيارة إلا الربا.

    ولكن نقول: نعم، لو كانت السيارة عنده موجودة، وباعها عليك بأكثر من ثمنها حاضراً، وأنت تريد السيارة نفسها، أو تريد أن تتكسب بها، فتشتريها من هذه البلاد وتبيعها في البلاد الأخرى للتتكسب بها، فهذا ليس فيه إشكال، وجائز.

    أما إن اشتريتَها مِن عندِه وهي عندَه، وتريد أن تبيعَها وتأخذَ ثمنها فهذه هي مسألة التورُّق، وفيها خلاف بين العلماء، وشيخ الإسلام ابن تيمية يرى أنها حرام، وهي رواية عن الإمام أحمد .

    ولو قال قائل: إن الربا الصريح أهون من المعاملة التي ذُكِرَت، فإن قوله لن يكون بعيداً من الصواب؛ لأن هذه المعاملة جمعت بين الحيلة والتحايل على الله عز وجل وبين الربا، فمفسدة الربا موجودة، وهي الزيادة التي أخذها هذا التاجر، فنسأل الله الهداية.

    والحقيقة: أن الإنسان إذا رأى هذه المعاملات، ورأى معاملة البنوك، ورأى معاملة الميسر التي بدأت الآن تكثر؛ كالتأمين وما أشبه ذلك، يخشى والله من العقوبة؛ فإذا كان بنو إسرائيل يعذَّبون بأقل من هذا، فإننا والله لنَخْشى. فلَمَّا حُرِّم عليهم صيد الحيتان يوم السبت ابتلاهم الله عز وجل، فصارت الحيتان تأتي يوم السبت شُرَّعاً على الماء، وغير يوم السبت لا يرون الحيتان، فتحايلوا فنصبوا شَبَكاً يوم الجمعة، وأخذوا الحيتان يوم الأحد، وقالوا: نحن لم نصد يوم السبت، الصورةُ أنهم لم يصيدوا صحيح؛ لكن في الحقيقة أنهم صادوا.

    فالعبرة -يا إخواني- بحقائق الأمور لا بصورها.

    فنحن نخشى من عقوبة تحل بنا بواسطة هذه الأمور، فلو كنا نبيع ونشتري على حسب الشرع، مبتعدين عن الحِيَل، وخداع رب العالمين لكان هذا أنفع وأبرك لنا.

    فتبيَّن لنا من الناحية الشرعية أنها لا تجوز.

    وأما كون هذه المعاملة ضارة من الناحية الاقتصادية، فإنها قد فتحت للفقراء باب التكالب على الديون لهذا السبب، فصار يهُون عليهم أن يشتري أحدهم السيارة بسبعين ألفاً؛ لأنه سيذهب إلى التاجر ويأخذها بكل سهولة؛ لكن لو لم تكن هذه الطريقة لذهب ليشتري له سيارة بستة عشر ألفاً على قدر حاجته، وعلى قدر ما عنده، فهذه المعاملة أثقلت كواهل كثير من الناس، وجرَّأتهم على التَدَيُّن، لا أقصد التَّدَيُّن مِن الدِّيْن، وإنما مِن الدَّيْن، فجرَّأتهم على التَّدَيُّن من الناس، حتى إذا مات وُجِد أن عليه مئات الألوف، وكل ذلك بسبب هذه المعاملة.

    لهذا فنحن نحذِّر منها شرعياً واقتصادياً، ونقول: (ومَن يستغنِ يُغْنِهِ الله) ... (ومَن تَرَكَ شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه).

    السائل: ولكن الناس لا يدرون شيئاً عن هذا.

    الشيخ: والله يا أخي نحن لنا فتوى في هذا، كتبنا فيه فتوى.

    السائل: المشكلة أن بعض هذه الشركات تدَّعي أن عندها لجنة شرعية، وأن هذه اللجنة الشرعية أفتت بجواز هذا -يا شيخ-!

    الشيخ: على كل حال: الذي يلزمنا نحن البيان، وقد بيَّنا الآن، فمن سمع هذا الكلام فإن اقتنع به ورأى أن الحيلة لا تجعل الحرام حلالاً فليحمد الله على الهداية، ومن لم يقتنع فلكلٍّ درجاتٌ مما عملوا.

    السائل: بعض الناس الآن صاروا يشتركون ثلاثةً أو أربعةً في شراء سيارة من أجل التقسيط.

    الجواب: لا بأس، بشرط ألا يكون من مسألة التورُّق، فمثلاً الآن -انتبه!-: إذا اشتريتَ سيارة بالتقسيط فلها ثلاثة أوجه:

    الوجه الأول: أن تشتريها بالتقسيط لتَكُدَّها، سواء كان الكَدُّ للأجرة أو لحاجاتك، فهذه جائزة، ولا خلاف فيها.

    الوجه الثاني: أن تشتريها لتتكسب بها لا لدفع حاجتك، فأنت لستَ محتاجاً؛ لكنك اشتريتَها من هذا البلد لتبيعها في بلد آخر بزيادة، فهذه أيضاً ليس فيها شيء.

    الوجه الثالث: أن تشتريها لحاجتك إلى الدراهم؛ لكن ما وجدتَ أحداً يقرضك، فلجأتَ إلى هذه الطريقة، فهذه يسميها العلماء: مسألة التورُّق، وفيها الخلاف الذي ذكرتُ لكم.

    السنة في تخفيف سنة الفجر

    السؤال: فضيلة الشيخ! هناك أدلة وردت في أفضلية تخفيف ركعتي سنة الفجر، فهل المراد بالتخفيف السرعة فيهما وأداء أدنى الكمال من ناحية التسبيح؟ ولو أُذِّن لصلاة الفجر وأنا في قنوت الوتر فهل أُعْتَبَر قد أدركتُ الوتر؟

    الجواب: سنة الفجر السنة فيها التخفيف، فيقرأ الإنسان في الركعة الأولى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] وفي الثانية: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] أو يقرأ في الأولى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا [البقرة:136] الآية في سورة البقرة، وفي الثانية: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64].

    وفي الركوع يخفف أيضاً، فيقتصر على أدنى الكمال، ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم.

    وفي السجود كذلك.

    وفي التشهد أيضاً لا يطيله.

    هذه سنة الرسول عليه الصلاة والسلام.

    ولهذا نقول: لو أن الإنسان خرج من بيته إلى المسجد ولم يصلِّ الراتبة في البيت، فإن الأفضل إذا وصل المسجد أن يصلي سنة الفجر مع التخفيف، وتجزئ عن تحية المسجد، فهذا أفضل من أن يصلي تحية المسجد أولاً ثم السنة ثانياً؛ لأن تخفيف الرسول عليه الصلاة والسلام فيما ثبت استحبابه في هذا الوقت يدل على أنه لا ينبغي أن يُزاد في هذا الوقت على قدر المستحب، وهنا إذا صلى سنة الفجر عند دخول المسجد أجزأت عن تحية المسجد، فالأفضل أن يقتصر على الركعتين بنية الراتبة، وتجزئه عن تحية المسجد.

    هذا بالنسبة للسؤال الأول.

    أما بالنسبة للسؤال الثاني: إذا أذَّن وأنت في الوتر فأكمِل الوتر، وتكونُ مدركاً له.

    أولاً: لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة).

    وثانياً: أن غالب المؤذنين في الفجر يؤذنون قبل الوقت؛ لأنه ثبت عندنا من طريق الحساب -وهو مطبوع من بعض الإخوة الذين لهم شأن في الفلك- أن التقويم الموجود فيه تقديمٌ بخمس دقائق على الوقت، ومعنى هذا أن الإنسان في حِلٍّ إلى ما بعد (5) دقائق حسب التقويم الموجود، هذا في الفجر فقط، أما في بقية الأوقات فلم يُظْهِروا لنا اختلافاً، على أن بعض الإخوة يبالغ في مسألة الفجر، فيقول: إن الفجر لا يخرج إلا بعد التوقيت الموجود بثلث ساعة أو بربع ساعة؛ لكن هذا فيه شيء من المبالغة؛ لكن الخمس دقائق فقد قال لنا الإخوة الذين عندهم علم بالفلك أنها مُحَقَّقة في التقديم، ولهذا ينبغي لك إذا أذن المؤذن وأنت في البيت ألا تتعجل في ركعتي الفجر إذا عرفتَ أنه يؤذن على التقويم.

    السائل: القاعدة الفقهية التي تقول: (تجزئ عن تحية المسجد)، ما معنى تجزئ عن تحية المسجد.

    الشيخ: تعني: أنه لا يُطالَب بها، فإذا قيل: تجزئ عن تحية المسجد فإن معنى هذا أنه لا يُطالَب بها؛ لأن المقصود أن يصلي ركعتين عند دخول المسجد، وقد حصل.

    الجمع بين حديثي إتيان العراف وتصديقه

    السؤال: كيف نجمع بين الحديثين التاليين:

    حديث: (مَن أتى عرافاً فسأله عن شيء فَصَدَّقه، لم تُقْبَل له صلاةٌ أربعين يوماً).

    وحديث: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدَّقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم

    فالسؤال هنا: هل التصديق يستمر مع الشخص، أم أنه ينقطع، حيث أنه صدقه في تلك اللحظة فقط، ولم يستمر في التصديق، كأن سأله شخص آخر، فدله، وهكذا؟

    الجواب: أما لفظ الحديث الأول فليس فيه (فَصَدَّقه) والصحيح: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاةٌ أربعين يوماً) وليس فيه لفظ التصديق.

    أما الثاني: ففيه التصديق، ووجهُ كُفْرِه بما أنزل على محمد: أنه إذا استقر في نفسه أن هذا صادق وهو أمر غيبي مُسْتَقْبَل؛ فإن ذلك يتضمن الكفر بقوله تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65].

    والتصديق يكفي فيه أن يصدقه في أول الأمر، وليس معناه أن ينتظر حتى يصدقه الواقع، أو لا يصدقه؛ لأنه إذا انتظر وقال: ننظر، هل يقع ما قال أو لا يقع، فهذا لم يصدقه في الواقع؛ لكن لا تُقْبَل له صلاةٌ أربعين يوماً.

    فالتصديق أن يطمئن إلى قوله، ويرى أنه حق وأنه واقع.

    أما أن يقول: سأجرب، فهذا ما صدَّقه.

    كذلك لو أتى كاهناً أو عرافاً فسأله ليُظْهِر كذبه، فإن هذا لا بأس به، فقد سأل النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابن صياد الذي يدعي أنه يأتيه مَن يأتيه، سأله عن شيءٍ أضْمَرَه له وهو سورة (الدُّخان)، فقال: الذي في نفسك هو (الدُّخ) ولم يتمكن من الوصول إلى التلفظ به كاملاً، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (اخسأ! فلن تَعْدُوَ قَدْرَك).

    نصيحة المتخلفين عن صلاة الجماعة بالأسلوب الحسن

    السؤال: نريد من سماحتكم توجيه الأئمة إلى نصيحة المتخلفين عن الصلاة في جماعة بالأسلوب الأمثل!

    الجواب: والله يا أخي! نصيحة المتخلفين عن الصلاة أن الإمام يأتي بالآيات والأحاديث التي فيها الترغيب في صلاة الجماعة، وفيها الترهيب من تركها على سبيل العموم، أي: مواعظ بين حين وآخر، ثم يباشر الذي يرى كثرة المتخلفين بالنصيحة بينهم وبينه.

    السائل: ولا يكون لجماعة الناسِ في المسجد دخلٌ في النصيحة!

    الشيخ: ليس هناك مانع، لا بأس إذا كان هؤلاء الجماعة أناسٌ يَنصحون نصحيةً حقيقية لا مجرد فضيحة؛ لأن بعض الناس يقول: فعلنا وفعلنا، ورُحنا إلى فلان، وقلنا له: كذا، فهذا لا ينبغي، إلا لو قالوا ذلك لإنسان يمكنه أن يؤدب هذا المتخلف، كما لو قالوا ذلك عند ولي الأمر الذي يستطيع أن يؤدبه، أما إفشاء العيب بين الناس فهذا لا يجوز؛ لأن الإنسان لا يستفيد سواءً المُتَكَلَّم فيه ولا المُتَكَلِّم، فإذا تكوَّنت الجماعة من خمسة من الإخوان النشِطين الناصحين الذين يمكن أن يقتنع الإنسان بقولهم ونصيحتهم فهذا حسن، بشرط أن يكونوا كما قلتُ ناصحين لا فاضحين.

    والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767985555