إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [45]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بدأ الشيخ بتفسير آيات من سورة الطارق، وذكر ما فيها من أحكام فقهية ومواعظ، وبعد ذلك أجاب عن الأسئلة من الحاضرين، وكان من أهمهما: سؤال عن الجماعات الإسلامية وحكم الانتماء إليها والعمل معها، وسؤال عن أصول عقيدة أهل السنة والجماعة.

    1.   

    تفسير آيات من سورة الطارق

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا هو اللقاء الأخير من شهر جمادى الثانية عام: (1414هـ)، الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وقد لَمَسنا -ولله الحمد- فيه خيراً كثيراً من الإخوة الذين يحضرون، أو الذين يستمعون إلى الأشرطة المسجلة أو غيرهم، وهذا من نعمـة الله سبحانه وتعالى على الجميع، ولا شك في هذا.

    في درس الأسبوع الماضي تكلمنا عن حكم المسح على الخفين وما يتعلق به.

    أما هذا الأسبوع فإننا سوف نستمر فيما كنا نقوم به من تفسير آخر جزء من القرآن؛ لأنه هو الذي يكثر وروده وسماعه على الناس.

    وقد شرعنا في تفسير سورة الطارق بعد أن أكملنا ما سبقها.

    تفسير قوله تعالى: (والسماء والطارق...)

    يقول الله سبحانه وتعالى: وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ [الطارق:1-3].

    وهنا -كما ترون- فيه قسم أقسم الله تعالى به، وهو السماء، وكذلك الطارق.

    وقد يُشْكِل على بعض الناس كيف يقسم الله سبحانه وتعالى بالمخلوقات، مع أن القسم بالمخلوقات شرك، لقـول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت).

    فلا يجوز الحلف بغير الله؛ لا بالأنبياء، ولا بالملائكة، ولا بالكعبة، ولا بالوطن، ولا بأي شيء من المخلوقات.

    والجواب على هذا الإشكال أن نقول: إن الله سبحانه وتعالى له أن يقسم بما شاء من خلقه، وإقسامه بما يقسم به من خلقه يدل على عظمة الله عزَّ وجلَّ؛ لأن عِظَمَ المخلوق يدل على عِظَم الخالق. وقد أقسم الله تعالى بأشياء كثيرة من خلقه، ومن أحسن من رأيته تكلم عن هذا المـوضوع ابن القيم -رحمه الله- في كتابه: التبيان في أقسام القرآن ، وهو كتاب جيد ينفع طالب العلم كثيراً.

    فهنا يقسم الله تعالى بالسماء، والسماء هو كل ما علاك؛ كل ما علاك فهو سماء، حتى السحاب الذي ينزل منه المطر يسمى سماءً، كما قال الله تعالى: أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا [الرعد:17]، وإذا كان يُطْلَق على كل ما علاك؛ فإنه يشمل ما بين السماء والأرض، ويشمل السماوات كلها؛ لأنها كلها قد عَلَت وهي فوقك.

    وأما قوله: وَالطَّارِقُ فهو قَسَمٌ ثان، أي أن الله أقسم بالطارق، فما هو الطارق؟

    ليس الطارق هو الذي يطرق أهله ليلاً، بل فسره الله عزَّ وجلَّ بقوله: النَّجْمُ الثَّاقِبُ [الطارق:3]، هذا هو الطارق، والنجم هنا يحتمل أن يكون المراد به جميع النجوم، فتكون (أل) للجنس، ويحتمل أنه النجم الثاقب أي: النجم اللامع، أي: قوي اللمعان؛ لأنه يثقب الظلام بنوره، وأيَّاً كان فإن هذه النجوم من آيات الله عزَّ وجلَّ الدالة على كمال قدرته؛ في سَيْرها، وانتظامها، واختلاف أشكالها، واختلاف منافعها أيضاً.

    قال الله تبارك وتعالى: وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [النحل:16].

    وقال تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ [الملك:5] فهي زينة للسماء، ورجوم للشياطين، وعلامات يُهتدى بها.

    تفسير قوله تعالى: (إن كل نفس لما عليها حافظ)

    ثم بيَّن المقْسَم عليه بقوله: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ [الطارق:4] (إنْ) هنا نافية، يعني: ما كل نفس، و(لَمَّا) بمعنى (إلاَّ) يعني: ما كل نفس إلا عليها حافظ من الله.

    وبيَّن الله سبحانه وتعالى مهمة هذا الحافظ في قوله: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12] هؤلاء الحفظة يحفظون على الإنسان عمله، وما له وما عليه، ويجده يوم القيامة كتاباً منشوراً، يقال له: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:14].

    هؤلاء الحفظة يكتبون ما يقوم به الإنسان من قول، وما يقوم به من فعل؛ سواء كان ظاهراً؛ كأقوال اللسان وأعمال الجوارح، أو باطناً حتى ما في القلب مما يعتقده الإنسان، فإنه يكتب عليه، لقوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:16-18] هذا الحافظ يحفظ عمل بني آدم، وهناك حفظة آخرون ذكرهم الله في قوله: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:11].

    تفسير قوله تعالى: (فلينظر الإنسان مم خلق..)

    قال تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ [الطارق:5] (اللام) هنا للأمر، والمراد بالنظر هنا: نظر الاعتبار، وهو النظر بالبصيرة، يعني: فليفكر الإنسان مم خلق؟ هل خُلِق من حديد؟! هل خلق من فولاذ؟! هل خلق من شيء قاسٍ قوي؟!

    والجواب على هذه التساؤلات: أنه خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ [الطارق:6]، وهو ماء الرجل، ووصفه الله تعالى في آية أخرى بأنه ماء مهين، ضعيف السيلان، ليس كالماء العادي المنطلق، ووَصَفَه الله تعالى في آية أخرى أنه (نطفة) أي: قليلٌ من الماء، وهذا هو الذي خلق منه الإنسان؛ والعجب أن يخلق الإنسان من هذا الماء المهين، ثم يكون قلبه أقسى من الحجارة -والعياذ بالله- إلا من أَلانَ الله قلبه لدين الله.

    تفسير قوله تعالى: ( يخرج من بين الصلب والترائب)

    ثم بيَّن أن هذا الماء يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق:7]: من بين صلب الرجل، وترائبه أعلى صدره، وهذا يدل على عمق مخرج هذا الماء، وأنه يخرج من مكان مكين في الجسد، والصواب أن هذا الوصف لماء الرجل.

    وقال بعض العلماء: ( يخرج من بين الصلب ): أي صلب الرجل، ( والترائب ) أي: ترائب المرأة؛ ولكن هذا خلاف ظاهر اللفظ.

    والصواب أن الذي يخرج من بين الصلب والترائب هو ماء الرجل؛ لأن الله تعالى وصفه بذلك.

    تفسير قوله تعالى: (إنه على رجعه لقادر)

    ثم قال تعالى: إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ [الطارق:8-10].

    ( إنه ): أي الله عزَّ وجلَّ.

    ( على رجعه ): أي على رجع الإنسان. ( لقادر ): وذلك يوم القيامة؛ لقوله: يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ [الطارق:9]، فالذي قدر على أن يخلق الإنسان من هذا الماء الدافق المهين قادرٌ على أن يعيده يوم القيامة، وهذا من باب الاستدلال بالمحسوس على المنظور المترقَّب، وهو قياس عقلي، فإن الإنسان بعقله يقول: إذا كان الله قادراً على أن يخلق الإنسان من هذا الماء المهين ويحييه، إذاً فهو قادر على أن يعيده مرة ثانية، وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم:27]، ولهذا يستدل الله عزَّ وجلَّ بالمبدأ على المعاد؛ لأنه قياس جلي واضح، ينتقل العقل من هذا إلى هذا بسرعة وبدون كلفة.

    تفسير قوله تعالى: (يوم تبلى السرائر..)

    قال تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ [الطارق:9]: أي تختبر السرائر، وهي القلوب، فإن الحساب يوم القيامة على ما في القلوب، والحساب في الدنيا على ما في الجوارح، ولهذا عامَلَ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المنافقين معاملة المسلمين؛ حيث كان يُستأذَن في قتلهم فيقول: (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه)، فكان لا يقتلهم وهو يعلم أن فلاناً منافق، وفلاناً منافق؛ لكن العمل في الدنيا على الظاهر، ويوم القيامة على الباطن، يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ [الطارق:9]: أي تُخْتَبَر، وهذا كقوله: أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ [العاديات:9-10].

    ولهذا يجب علينا -يا إخوان- العناية بعمل القلب أكثر من العناية بعمل الجوارح، فعمل الجوارح علامة ظاهرة؛ لكن عمل القلب هو الذي عليه المدار، ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن الخوارج ، وهو يخاطب الصحابة، فيقول: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم) أي: إنهم يجتهدون في الأعمال الظاهرة؛ لكن قلوبهم خالية -والعياذ بالله- لا يتجاوز الإسلام حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية.

    فعلينا -أيها الإخوة- أن نعتنـي بالـقلوب، وإصلاحـها، وأعمالها، وعقائدها، واتجاهاتها، قال الحسن البصري رحمه الله: والله ما سبقهم أبو بكر بصلاة ولا صوم، وإنما سبقهم بما وقر في قلبه من الإيمان، والإيمان إذا وقر في القلب حمل الإنسان على العمل؛ لكن العمل الظاهر قد لا يحمل الإنسان على إصلاح قلبه.

    فعلينا -أيها الإخوة- أن نعتني بقلوبنا، وإصلاحها، وتخليصها من شوائب الشرك، والبدع، والحقد، والبغضاء، وكراهة ما أنزل الله على رسوله، وكراهة الصحابة رضي الله عنهم، وغير ذلك مما يجب تنزيه القلب عنه.

    تفسير قوله تعالى: (فما له من قوة ولا ناصر)

    ثم قال تعالى: فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ [الطارق:10] أي: يوم القيامة ليس للإنسان قوة ذاتية، وهي: القوة الداخلية، (ولا ناصر) وهي: القوة الخارجية، فهو بنفسه لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، ولا أحد يستطيع أن يدافع عنـه، قال الله تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101] في الدنيا يتساءلون، يسأل بعضهم بعضاً، ويحتمي بعضهم ببعض؛ لكن يوم القيامة لا أنساب، لا تنفع القرابة، ولا يتساءلون.

    فنسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا وقلوبكم، وأعمالنا وأعمالكم، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.

    1.   

    الأسئلة

    ضابط كلمة التوحيد المنجي من الخلود في النار

    السؤال: كيف نجمع بين الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم : عن أبي الأسود الدؤلي أن أبا ذر حدثه فقال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، وعليه ثوب أبيض، ثم أتيته فإذا هو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فجلست إليه، فقال: (ما من عبد قال: (لا إله إلا الله)، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة! قلت: وإن زَنَى وإن سرق؟ قال: وإن زَنَى وإن سرق! قلت: وإن زَنَى وإن سرق؟ قال: وإن زَنَى وإن سرق! ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر، فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رَغِمَ أنفُ أبي ذر ).

    وبين ما نراه وما نقرأه عن أصحاب الفرق الضالة؛ كـالرافضة والخوارج ، وما يكون من المنافقين؛ حيث إنهم يشهدون شهادة التوحيد، ويموتون عليها؟ أفيدونا وفقكم الله وأثابكم؟

    الجواب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    حديث أبي ذر -كما سمعتم- يدل دلالة ظاهرة على أن هذا القائل -أي: قائل: (لا إله إلا الله)- مؤمن حقاً؛ لكن سولت له نفسه ففعل بعض المعاصي، بل بعض الكبائر من الزنا والسرقة وغير ذلك.

    وطريق أهل السنة والجماعة أن الإنسان المؤمن، وإن فعل الكبيرة مآله الجنة، وما قبل الجنة من العقوبة راجع إلى الله عزَّ وجلَّ، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، ودليل ذلك قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فصار جميع فاعلي المعاصي -وإن عَظُمَت- إذا كانت دون الكفر لا تمنع من دخول الجنة، فمآل فاعلها إلى الجنة؛ لكن قد يُعذَّب بما فعل من ذنب، وقد يغفر الله له، والأمر راجع إلى الله، إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

    أما المنافقون، وأهل البدع المكفِّرة التي تكفِّرهم بدعُهم فإنهم حقيقة لم يقولوا: (لا إله إلا الله) بقلوبهم؛ لأن هذا الانحراف الذي أدى إلى الكفر ينافي الإخلاص، وقولُ: (لا إله إلا الله) لابد فيه من الإخلاص.

    أما أن يقول: (لا إله إلا الله) وهو يعتقد أن لا رب ولا إله -والعياذ بالله- أو يعتقد أن مع الله إلهاً يدبر الكـون، أو يعتـقد -مثلاً- أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ارتدوا كلهم بعد موته، أو يعتقد أن أبا بكر وعمر ارتدا بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام، أو ما أشبه ذلك من البدع المكفِّرة، فهؤلاء لم يخلصوا في قول: (لا إله إلا الله)، فكانت بدعُهم هذه تنافي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من شهد أن لا إله إلا الله -أو من قال: (لا إله إلا الله)- دخل الجنة).

    السائل: أي: أن الرسول لم يقل: من قال: (لا إله إلا الله) باللفظ فقط، بمعنى: أن قوله صلى الله عليه وسلم لا يشمل كل من قال: (لا إله إلا الله)!

    الشيخ: لا. لا. بل لابد من الإخلاص، ولهذا استَمِعْ إلى قول الله تعالى في المنافقين: يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:142]، وفي نفس السورة يقول: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً [النساء:145]، ويقول عنهم: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ [المنافقون:1] هذه شهادة بالرسالة، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:1] أي: كاذبون في قولهم.

    حكم أكل الحرام بقصد التدريب

    السؤال: في بعض الجيوش الإسلامية تُخْتار فِرَقٌ تُدَرَّبُ على أكل الحيات، والضفادع، وشرب بولهم، بحجة أن ذلك يقويهم، فهل هذا يجوز؟

    الشيخ: بول الإنسان نفسه، أم بول هذه الأشياء؟

    السائل: بول الإنسان نفسه.

    الجواب: هذا لا يجوز، ولا يحل، ولا يمكن أن يكون استحلال المعصية سبباً للنصر أبداً، بل المعصية سبب للخذلان، أرأيت قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ [آل عمران:152] يشـير سبحانه وتعالى إلى غزوة أحد ، وليس فيها إلا معصية واحدة، ومع ذلك خُذِل أشرف جيش على وجه الأرض من وقت خَلْق آدم إلى أن تقوم الساعة، وذلك بسبب هذه المعصية؛ وسببها أن الرسول عليه الصلاة والسلام رتب الجند، وقال لخمسين رجلاً من الرماة: كونوا هنا.. في مكان مُهِمٍّ ليحموا ظهور المسلمين، ولما انكشف المشركون وانهزموا، وجعل المسلمون يجمعون الغنائم نزل أكثر هؤلاء الرماة؛ لأنهم ظنوا أن المسألة انتهت، فذكَّرهم أميرهم بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا تبرحوا) أي: عن مكانكم، سواءً كانت لنا أو علينا؛ ولكنهم رضي الله عنهم، وتجاوز عنهم، وعفا عنهم لم يمتثلوا، بل نزلوا، فحصلت الهزيمة بعد أن كان النصر في أول النهار للمسلمين، وذلك من معصية واحدة، فكيف بالذي يقول: اشرب بولك، وكُل الحيات، وما أشبه ذلك؟! هذا لا يقوله مسلم؛ بل الذي يظهر لي أن هذا مُتَلَقَّىً من الكفار الذين لا يحرمون ما حرم الله ورسوله.

    السائل: هذا موجود في فِرَق الصاعقة الموجودة في بعض الدول الإسلامية!

    الشيخ: حتى ولو وُجد في أي مكان، فهذا لا يحل لهم أبداً، فالمحرمات لا تجوز إلا عند الضرورة، فإذا جاءت الضرورة عَرَف الإنسان كيف يأكل ويشرب، أما أن نجعله في حال الاختيار يشرب البول، ويأكل الحرام، خوفاً من أن يحتاج إلى ذلك فلا! بل نقول: إذا حلت الضرورة في تلك الساعة فقد أباح الله للإنسان أن يأكل ما حرم الله عليه، كما قال تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119].

    صحة أحاديث: من شهد بالتوحيد دخل الجنة

    السؤال: ورد عن بعض السلف في أحاديث التوحيد أن مَن شهد بالتوحيد دخل الجنة، وورد عن بعض السلف أن تلك الأحاديث منسوخة بأحاديث الفرائض، فهل هذا القول صحيح؟

    الجواب: الصحيح أنه لا نسخ في هذا؛ ولكن ليكن معلوماً أن من شهد بالتوحيد مخلصاً فلا يمكن أبداً أن يَدَع الفرائض؛ لأن إخلاصه يحمله على فعلها، كيف يشهد أن لا إله إلا الله أي: لا معبود بحق إلا الله، ويقول: أنا أريد بذلك وجه الله، ثم لا يعمل العمل الذي يوصله إلى الله؟! فهذا لا يمكن، ولهذا مَن حافظ على ترك الصلاة ولم يصلِّ صار كافراً، حتى ولو قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر؛ فما دام أنه لا يصلي نقول: أنت كافر، لا فرق بينك وبين الذي يسجد للصنم؛ ولهذا جاء لفظٌ في رواية مسلم من حديث جابر : (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة).

    السائل: بعضهم يفسر كلمة (منسوخة) أي: أنها مخصصة، فهل هذا صحيح؟

    الشيخ: أبداً. لم تخصص؛ لأننا نقول: إنه بالالتزام، متى شهد أن لا إله إلا الله حقاً فسوف تحمله هذه الشهادة على القيام بفرائض الله.

    المسح على الجوارب لمن لم ينو حال لبسها المسح عليها

    السؤال: إذا لبستُ الجوارب على طهارة، ولَمْ أنوِ المسح، فهل لي أن أمسح إذا حان وقت الصلاة؟

    الجواب: نعم. إذا لبس الإنسان الجوارب -وهي: الشُّرَّاب- على طهارة، وإن لم ينوِ المسح إذا توضأ، فإنه يمسح حتى ولو فُرِضَ أنه لبسها في الصباح بعد الفجر ومن نيته أنه يخلعها قبل الظهر، فلو نوى أنه يخلعها قبل الظهر ثم جاء وقت الظهر ولم يخلعها فله أن يمسح عليها.

    السائل: هل توقيتها يوماً وليلةً بالساعة؟

    الشيخ: نعم. توقيتها يوماً وليلة بالساعة.

    حكم الانتساب إلى الجماعات الإسلامية

    السؤال: ما حكم الانتساب إلى الجماعات الإسلامية الموجودة الآن في الساحة؟ ونريد خطوطاً واضحة في التعامل معها؟

    الجواب: أولاً: يا أخي! أنا لا أقر ولا أوافق على التكتل الديني، بمعنى: أن كل حزب يرى نفسَه أنه منفرد عن الآخرين؛ لأن هذا يدخل في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [الأنعام:159].

    ولهذا تجد هؤلاء المتفرقين عندهم من كراهة بعضهم لبعض أشد من كرههم للفاسقين الذين يعلنون بفسقهم -كما نسمع- حتى إن بعضهم يضلل الآخر ويكفِّره بدون سبب للتكفير.

    فأنا لا أرى التكتُّل والتحزب الديني، وأرى أنه يجب محو هذه الأحزاب، وأن نكون كما كان الصحابة رضي الله عنهم عليه؛ أمة واحدة، ومن أخطأ منا في طريق عَقَدي أو قولي أو فعلي فعلينا أن ننصحه وندله إلى الحق، فإن اهتدى فهذا المطلوب، وإن كان الصواب معه وجَبَ علينا الرجوع إلى ما كان عليه هو، وإذا كان الصواب معنا وأصَرَّ على ما هو عليه بلا تأويل سائغ، فحينئذ نحذر من رأيه ومما ذهب إليه دون أن نعتقد أننا في حزب وهو في حزب، فنشطِّر الأمة الإسلامية إلى شطرين أو أكثر.

    فأرى أنه ينبغي لنا بل يجب علينا أن نكون ضد هذه الأحزاب، أي: ضد التحزب.

    والحمد لله! الأمة كما اتفق أولها على جادَّة واحدة وطريق واحد فيمكن أن يتفق آخرها.

    السائل: فهل تحذِّر من هذه الأحزاب؟!

    الشيخ: لا. أنا أحذِّر من التحزب.

    السائل: ولكن واقع الأحزاب بنفس هذا المعنى!

    الشيخ: لا؛ لأني لو قلت: أحد الأحزاب فقد يكون هذا الحزب على حق، فلا أحذِّر منه، بل أحذِّر من التحزب، وأرى أنه يجب على مَن يقال عنهم: إن هؤلاء من التبليغ ، وهؤلاء من الإخوان ، وهؤلاء من السَّلَفية ، وهؤلاء من الإصلاح ، وما أشبه ذلك، أرى أنه يجب أن يجتمع بعضُهم إلى بعض، وأن يتدارسوا الأمر، وأن يخرجوا بفكر واحد ورأي واحد.

    أما أن يتعادَوا الآن كما هو في الساحة؛ فتجد هؤلاء يسبون هؤلاء، ويقعون في أعراضهم، فهذا يُوْهِنُ الجميع.

    فالعامة إذا رأوا أنهم في عمىً؛ هذا يقول: الحق عندي، والباطل مع ذاك، وذاك يقول: الحق عندي، والباطل مع الآخر، فإنها تبقى متحيِّرة.

    السائل: بِمَ تنصح طالب العلم اليوم؟ فهذا موضوع مهم ويحتاج إلى فتوى صريحة؛ لأن الشباب تفرقوا!

    الشيخ: أنا الآن أعطيتك فتوى صريحة: فأنا أرى أنه لا يجوز التحزب أبداً.

    السائل: وبالنسبة للانتساب يا شيخ؟!

    الشيخ: ولا الانتساب، فالانتساب معناه: أنك تشعر بأنك منفرد عن الآخرين، وكيف تنفرد عن الآخرين وهم إخوانك من المؤمنين إذا ما أخطئوا في شيء عَمَلي أو عَقَدي، إذْ الذي ينبغي عليك أن تجتمع بهم وتناقشهم وتبين لهم الخطأ.

    لكن ثق بأنهم إذا سمعوا -مثلاً- أن الآخرين يقدحون فيهم أو يحذِّرون منهم، فسيزداد تمسكهم بما هم عليه، حتى وإن كان باطلاً، فهذه طبيعة النفس البشرية.

    ولكن لو أننا قلنا: يا جماعة! كلنا إخوان مسلمون، كلنا نريد الوصول إلى شريعة الله، فلنكن عليها سواءً، فإذا كان الله عزَّ وجلَّ يقول: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً [آل عمران:64] فكيف بإخواننا المسلمين؟!

    فمثلاً: التبليغيون: عندهم قاعدة: أن يخرج الإنسان ثلاثة أيام، أو أربعة، أو أسبوعاً، أو شهراً، فنبحث هذه الطريقة، وننظر ما هي؟

    وعندهم كذلك: عدم الخوض في المسائل العلمية، والتعمق فيها، فنبحث معهم، ونقول: لماذا تقررون ثلاثة أيام، أو أربعة، أو أسبوعاً، أو شهراً، أو ما أشبه ذلك؟ لماذا؟ وننظر إذا كان لهم غرضٌ صحيح ومقصودٌ نافع، فلا نذهب لنُبَدِّعَهم، ونشهِّرَ بهم من أجل ذلك.

    وإذا كانوا يكرهون المناقشة في العلم والتعمق فيه، نسألهم: لماذا؟ فإن قالوا: لئلا تحصل عداوة بين المتناقشين، قلنا: هذا غلط، فالإنسان الذي يريد الحق لو ناقشه غيرُه للوصول إلى الحق لا يكرهه، بل يقول: هذا من نعمة الله عليَّ أن أحداً يناقشني؛ حتى إذا كنتُ على خطأ تبيَّن لي خطئي.

    السائل: عندنا في الكويت الشيخ سالم الطويل ، والشيخ حَمَد العثمان يحاربان صراحة عدم الحزبية، ويضادون من بعض الجماعات إلا من رحم الله، فما نصيحتك لهما؟

    الشيخ: أنا هذه نصيحتي -وقد سمعتَ الآن- لهما ولغيرهما.

    وأنا أخبرك أيضاً أنه في مجلسنا هذا لا نتعرض لاسم شخص؛ لكن لكونك لا تدري عن منهجنا نسامحك في هذا، وإلا فإنا لا نرضى أن أحداً يذكر شخصاً معيناً، مهما كان.

    حكم الشجر النابت على القبور

    السؤال: في القرية التي أنا موجود فيها الآن والقريبة من دُخْنَة يوجد قبر خارج هذه القرية، وقد نبتت على هذا القبر شجرة، فجاءت الإبل تأكل من هذه الشجرة، وتدوس على هذا القبر، وحفاظاً على هذا القبر وُضِعَ حول هذا القبر سُوْر، فهل هذا العمل جائز أم لا؟

    الجواب: أولاً -بارك الله فيك-: هذه المسألة ليست مشكلة، هذه الشجرة تُقْلَع مع أصلها.

    السائل: أنا أسأل عن السُّور الذي حول القبر يا شيخ!

    الشيخ: كُنْ معي، إذا قلعنا الشجرة من أصلها ما جاءت الإبل، وسلمنا من شر الإبل، وبقي القبر على ما هو عليه.

    وأما البناية عليه. فأخشى إن طال بالناس زمان أن يَضِلوا بهذا، فيعتقدو أنه قبر ولي أو صالح، ثم تعود مسألة القبور إلى هذه المملكة بعد أن طهرها الله منها على يد الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.

    فالآن لابد أن تبلغ القاضي عن الموضوع، خصوصاً إذا كان البناء قديماً كأنه حجرة، فهذا لابد أن يزال، والقبر إما أن يُنقل إلى مكان آخر إن كان بقي فيه رُفاتَ، وإن كان قد ذَهَبَ فقد ذَهَبَ.

    عدم حِلْ أكل الحرام بقصد التدريب

    السؤال: بالنسبة للسؤال الثاني من هذا اللقاء وهو سؤال أكل الضفادع: نجد أن بعض التدريبات التي تحصل في الجيوش إنما لتكون في أوقات الشدة، أعني: في الحروب، حتى إذا اضطر الإنسان إليها فإنه يكون قد ألِفَها، ولا تكون مقصودةً بذاتها!

    الجواب: لكن يا أخي! الإنسان إذا جاء ليأكل سواءً تدرَّب أو لم يتدرب، فإنه لا يحتاج إلى أن يتدرب، وهل يتدرب الشخص على الأكل؟ فالإنسان إذا جاع فإنه يأكل؛ ولكن يتدرب على ملاقاة الأعداء، وعلى الكر والفر، لا بأس بذلك؛ أما أن يتدرب على الأكل وعلى شرب البول فهذا ليس بصحيح.

    السائل: ولكن في مناطق الشدة -يا شيخ- لا يجدون ما يأكلون؛ لأنها خالية من الطعام!

    الشيخ: حسنٌ! إذا وقعتَ في مناطق الشدة ولم تجد فيها إلا حيات أكلتَ وإن لم تتدرب. إن الصبي يهديه الله إلى ثدي أمه، ويعرف مكان الثدي، والإنسان الكبير لا يعرف أنه إذا جاع يأكل الدابة أو الحية؟ فلا يحتاج هذا إلى تدرُّب أبداً.

    وقد تقول: إنهم يدربونهم على السم!

    فنقول: السم ليس في نفس الجسم، بل يحصل السم من انفعال هذا الحيوان، ثم يبرز منه هذا السائل، كما أن الإنسان فيه الماء المهين الذي يُخلق منه الولد، فإنه لا يخرج إلا بعد أن توجد أسبابُه.

    حكم بيع الطيور غالية الثمن

    السؤال: بعض الناس يشتغل في بيع الطيور بأسعار غالية، وقد يصل سعر حيوان واحد إلى (60.000) ريال، أو إلى (5000) ريال، أو (10.000) ريال، فما رأي فضيلتكم؟

    الشيخ: أي طير هذا؟ هل هو الصقر؟

    السائل: مثل الحمام.

    الجواب: ذكروا أن هناك أنواعاً معينة تكون غالية، فيكون كل السوق على هذا السعر، فإذا كان هذا هو رغبة الناس فلا بأس.

    لكن بالنسبة للحمام، فأنا أخشى أن قيمتها لم تَزِدْ هذه الزيادة إلا من أجل اللعب بها، واللعب بالحمام مضيعة للوقت، وتضييع الوقت منهي عنه، وإلا ما الفرق بين حمامة بخمسة ريالات وحمامة بخمسة آلاف؟!

    السائل: هناك نوع من الحمام يوصل الرسائل إلى الدمام ، وإلى الكويت !

    الشيخ: كان هذا في الأول يوم أن كان الناس على الإبل والحمير، والآن الرسالة بالفاكس موجودة، وموجودة بالتليفون شفوياً، فليست هناك حاجة إليها الآن.

    السائل: ومَن اشتغل في هذا يا شيخ؟!

    الشيخ: والله أرى أن هذا مما يُخشى أن يكون من إضاعة المال من جهة، ومن الإعانة على اللهو من جهة أخرى.

    أما كونه من إضاعة المال فكيف أبذل خمسة آلاف في هذه الحمامة؟ فربما يأتي قط ويأكلها، أو تموت من العطش، أو ما أشبه ذلك؟!

    حكم إتيان العرافين

    السؤال: ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله: (من أتى عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) هل هذا كفرٌ مُخْرِجٌ من الملة، أم في هذا تفصيل؟

    الجواب: الحديث: (من أتى عرافاً فصدقه...)، فإذا قال لك العراف: سيكون في الشهر الفلاني كذا وكذا، ثم صدقته، فهذا يتضمن تكذيب قوله تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]؛ لأنك الآن آمنت بأن الكلام من هذا الكاهن أو العراف حق، فيكون بذلك كفراً أكبر؛ لأن كل شيء يتضمن تكذيب ما قاله الله ورسوله فهو كفر، ولهذا جاء الحديث الذي رواه مسلم : (من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاةٌ أربعين يوماً)، ولم يذكر الكفر؛ لأن هذا سأل مجرد سؤال ولم يصدقه، بخلاف ما لو سأله فصدقه، فإن تصديقه يتضمن تكذيب قوله تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]، ويكون كفراً مُخْرِجاً من الملة.

    وقد شاهدنا -بحمد الله- كذبهم في أول السنة الميلادية في العام الماضي، فمع الأسف نشرت الصحف عن واحدة من الكاهنات أنها قالت أشياء كثيرة ستحدث، ولكننا لم نشاهد منها أي شيء، ولا واحداً منها؛ ولكنهم يُدَجِّلون على الناس، والناس مع ضعف الإيمان يتشبثون بكل شيء.

    حكم استنابة الغير في الإمامة إذا كان لدي أعمال

    السؤال: ما الحكم في شخص يعمل في فِراشَة مسجد، ويأخذ المكافأة، ويجعل عاملاً هندياً يعمل في المسجد بدلاً عنه، ويعطيه (300) ريال من الراتب، والباقي يأخذه، وهو لا يعمل شيئاً؟

    الجواب: أنا بلغني عن المسئولين في الأوقاف أن الفِراشَة لا يُقْصَد بها الشخص بعينه بل يُقْصَد العمل، فمتى أمَّنَ لهم الإنسان فِراشَةَ هذا المسجد وتنظيفه فليكن بأي طريق كان، وقالوا لي: لا بأس إذا كان الإنسان أخذ الفِراشَة وعنده عامل، أو استأجر عاملاً يقوم بهذا؛ يقولون: نحن لا نرى في هذا بأساً؛ لأنه ليس لنا إلا العمل فقط.

    أما الإمام فلا يجوز له، فلو أن إماماً أراد أن يترك الإمامة ويجعل فيها رجلاً آخر، فإنه لا يجوز؛ لأن الإمام قد يُقْصَد بعينه لكونه قارئاً، أو لكونه عالماً، أو ما أشبه ذلك.

    مع أني أرى أن الورع ترك هذا، وأن الإنسان إما أن يباشر الشيء بنفسه وإلا فليتركه لغيره من أناسٍ آخرين محتاجين، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الاختيارات : مِنْ أَكْلِ المالِ بالباطل قومٌ يأخذون الوظائف، ويستنيبون غيرهم بيسير مما أخذوا. وهذه تنطبق تماماً على المسألة التي قلتُ.

    فأرى أن الورع أن لا يفعل الإنسان هذا؛ لكن لو فعل بِرِضى إدارة الأوقاف فلا حرج عليه.

    من أصول أهل السنة والجماعة

    السؤال: ما هي أصول المسائل التي مَن خالفها فقد خالف منهج أهل السنة والجماعة ؟

    الجواب: هذه الأصول ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية ، والعقيدة الواسطية كتابٌ مختصر معروف عند أكثر طلبة العلم؛ لكنه كتاب مبارك، فيه خير كثير.

    ذكر رحمه الله لما أنهى الكلام على قصد السنة فقال: إن أهل السنة والجماعة وسَطٌ في فِرَق هذه الأمة، كما أن الأمة وسط في الأمم.

    فأمتنا -ولله الحمد- وسط بين الأمم؛ بين اليهود والنصارى، في العقيدة، وفي الأعمال.

    أولاً: في العقيدة :-

    نجد أن اليهود تنقَّصوا الله عزَّ وجلَّ حتى وصفوه بصفات المخلوقين الذميمة. ماذا قالوا؟!

    قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ [آل عمران:181]، وقالوا: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة:64]، وقالوا: إن الله تعبَ، فاستراح يوم السبت بعد خَلْق السماوات والأرض، فأَلْحَقوا الخالق بالمخلوق.

    والنصارى على العكس، أَلْحَقوا المخلوق بالخالق، وجعلوا عيسى بن مريم إلهاً مع الله، وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة:116].

    ثانياً: في الأعمال :-

    ففي الرسالات: اليهود كذبوا الأنبياء، وقتلوا الأنبياء بغير حق، والنصارى غالَوا في الأنبياء، وجعلوا عيسى إلهاً.

    أما هذه الأمة -ولله الحمد- فقد خالَفَتْهم في هذين الأصلين وقالوا: إن الله سبحانه وتعالى موصوف بصفات الكمال، وأنه لا مِثْل له، ولم يصل أحد من المخلوقين إلى ما يختص بالله من الصفات.

    وفي الرسل: قالت هذه الأمة: عباد الله ورسله، ليس لهم حق من الربوبية ولا من الألوهية، وهم صادقون مصدوقون.

    وفي الحلال والحرام: نجد أن الله تعالى ضيَّق على اليهود المأكولات، وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ [الأنعام:146].

    والنصارى يستحلون كل خبيث، ويأكلون ما هبَّ ودبَّ، وهذه الأمة أحل الله لهم الطيبات، وحرم عليهم الخبائث.

    وفي مسألة الحائض: نجد أيضاً أن اليهود لا يقربون الحائض، ولا يؤاكلونها، ولا يجتمعون معها في بيت، والنصارى بالعكس لا يهتمون بالنجاسات.

    وهذه الأمة -ولله الحمد- وسط، يأكلون مع الحائض، ويجالسونها، ويباشر الرجل زوجته الحائض بما عدا الجماع.

    فالحاصل: أن هذه الأمة وسط بين الأمم.

    كذلك أهل السنة والجماعة وسط بين فِرَق الأمة في الأصول الخمسة التي ذكرها رحمه الله.

    الأصل الأول: في باب الأسماء والصفات :-

    هم وسط بين الممثلة والمعطلة، فـالممثلة : طائفة تقول: صفات الله تعالى كصفاتنا؛ فوجه الله كوجوهنا، وعينه كأعيننا، ويده كأيدينا، وما أشبه ذلك.

    والمعطلة بالعكس، فهم ينكرون ما وصف الله به نفسه، ويقولون: ليس لله وجه، ولا يد، ولا عين، وما أشبه ذلك، ويُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [النساء:46] في هذه الأمور.

    الأصل الثاني: في القَدَر :-

    كذلك أهل السنة والجماعة وسط في القَدَر، فهناك طائفتان ضالتان في مسألة القَدَر: الطائفة الأولى: الجبرية ، تقول: إن الإنسان مُجْبَر على عمله، ولا اختيار له ولا إرادة، والطائفة الأخرى: القدرية ، تقول: الإنسان مستقل بنفسه، وليس لله فيه تعلُّق، يفعل بدون مشيئةٍ من الله، وبدون خَلْق.

    وأهل السنة والجماعة قالوا: إن الإنسان يفعل باختياره، وهو مختارٌ مُخَيَّر؛ ولكن أيَّ فعل يفعله فهو بمشيئة الله تعالى وخلقِه.

    الأصل الثالث: في أسماء الإيمان والدِّين :-

    ففي أسماء الإيمان والدين نجد من الفرق المخالِفة: المعتزلة ، والخوارج ، من جهة، والمرجئة من جهة أخرى.

    قالت المعتزلة والخوارج: إن الإنسان إذا زَنَى خرج من الإيمان، فلا يكون مؤمناً، ولا يَصْدُق عليه أنه مؤمن أبداً.

    وقالت المرجئة وهم ضدهم: إن الإنسان وإن زَنَى وسرق فهو مؤمن كامل الإيمان، إيمانه مثل إيمان أطوع الناس لله.

    وقال أهل السنة والجماعة : إذا زَنَى الإنسان أو سرق فإنه مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته.

    الأصل الرابع: في الأحكام :-

    ففي أحكام الإنسان على فعله، ماذا يكون إذا فعل الكبيرة، قالت المعتزلة والخوارج : إنه يخلد في النار مع المنافقين؛ مع أبي جهل ، وأبي لهب ، وغيرهم، وقالت المرجئة : لا. بل فاعل الكبيرة لا يدخل النار أبداً، ولا يمكن.

    وأهل السنة والجماعة قالوا: إنه يستحق العقاب، وقد يغفر الله له.

    الأصل الخامس: في أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام:-

    وهو الأصل الخامس الذي ذكره شيخ الإسلام ، فأصحاب الرسول انقسمت فيهم أهل البدع إلى قسمين:

    قسمٌ كفَّروهم وضلَّلوهم كـالرافضة ، إلا آل البيت فإنهم غالَوا فيهم وأنزلوهم فوق منزلتهم، فصاروا ضالين في الصحابة من وجهين: مِن جهة تكفير وتضليل، عدا آل البيت ، ومن جهة الغُلُو في آل البيت .

    وهناك قسم ضدهم يُسَمَّى: الخوارج وهم النواصب ، فقد كفروا علي بن أبي طالب ، وخرجوا عليه، وقاتلوه، واستحلوا دمه.

    أما أهل السنة والجماعة فقالوا: الصحابة رضي الله عنهم خير القرون وأفضل الأمة، ولهم حقهم الذي يجب علينا، ولـآل النبي صلى الله عليه وسلم على المؤمنين به حقُّ القرابة مع الإيمان والصحبة إذا كانوا من الصحابة؛ ولكننا لا نغلو فيهم كما فعل الرافضة ، ولا نقدح فيهم كما فعلت الخوارج ، بل نعطي حقهم من غير غُلُو ولا تقصير.

    كذلك من الأصول التي يختلف فيها أهل السنة وأهل البدع: الخروج على الأئمة:

    فـالحرورية هؤلاء الخوارج خرجوا على إمام المسلمين، وكفَّروه، وقاتلوه، واستباحوا دماء المسلمين من أجل ذلك.

    وأما أهل السنة والجماعة فيقولون: علينا أن نسمع ونطيع لولي الأمر فعل ما فعل من الكبائر والفسق ما لم يصل إلى حد الكفر البواح، فحينئذ نقاتله إذا لم يترتب على قتاله شر وفتن، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الخروج على الأئمة إلا بشروط وقال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان)، أربعة شروط:

    الأول: أن تروا، أي: بأعينكم، أو تعلموا ذلك.

    الثاني: كفراً، لا فسقاً، أي: حتى لو رأى أنه يزني، أو يسرق، أو يقتل النفس المحرمة بغير حق، دون استباحة لذلـك، فإنه ليس كافراً بل هو فاسق من جملة الفاسقين، ولا يحل لنا أن نخرج عليه، فالرسول قال: كفراً.

    الثالث: بواحاً أي: صريحاً لا يمكن فيه التأويل، فإن أمكن فيه التأويل فإننا لا نكفره، ولا نخرج عليه.

    الرابع: عندكم فيه من الله برهان، يعني: ليس الكفر الذي رأيناه بواحاً كفراً بقياس أو ما أشبه ذلك؛ بل يكون عندنا فيه برهان، ودليل واضح من الكتاب والسنة.

    هذه أربعة شروط، وهناك شرط خامس يؤخذ من الأدلة الأخرى، وهو: أن يكون عندنا قدرة على إزاحة هذا الحاكم الكافر الذي كَفَرَ كفراً صريحاً عندنا فيه من الله برهان، فيكون لنا قدرة على ذلك، فإن لم يكن لنا قدرة صار الشر الذي نريد إزالته أكثر مما لو تركناه على حاله، ثم حاولنا بطريق أو بأخرى الإصلاح ما استطعنا.

    ولهذا يخطئ بعض الإخوة الذين عندهم -ولله الحمد- غيرة إسلامية ودين، يخطئون حينما يخرجون على مَن ولَّاه الله تعالى إياهم، والله حكيم، فهو الذي يولِّي بعض الظالمين بعضاً، ولا تظنوا أن الولاة إذا ظلموا أو اعتدوا أن هذا تسليط من الله تعالى لمجرد مشيئة من الله، بل هو لحكمة؛ لأن الله قال: وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأنعام:129].

    والولاة لا يتسلطون على الرعية إلا بسبب الرعية، (كما تكونون يُوَلَّى عليكم)، فبعض الناس الذين يحاولون الخروج على من ولاه الله عليهم ولو بالقوة هم يخطئون في الواقع من أوجه:

    الأول: أنه لابد من العلم بما حصل من هذا الذي ولاه الله عليهم، فلابد أن نعلم، فمجرد الكلام الذي يُنْقَل لا ينبغي أن يُصدَّق، وكم نُقِل إلينا من أقوال كاذبة، سواء في الولاة، أو فيمن هم دون الولاة، فإذا تحققنا وجدنا أنه لا أصل لها، ولهذا جاء الحديث: (إلا أن تروا كفراً).

    الثاني: إذا رأينا هذا الشيء بأعيننا، أو تواتر إلينا من ثقات، فلابد أن نعرضه على الكتاب والسنة، وننظر هل هو كفر أو فسق؟!

    الثالث: لابد أن يكون بواحاً، إذا ظننا أنه كفر فلا بد أن ننظر هل فيه برهان من الله؟ هل هو كفر صريح لا يحتمل التأويل؟ لأنه قد يكون كفراً؛ لكن يُعْذَر فيه الإنسان من جهة التأويل.

    فلابد أن يكون بواحاً، صريحاً، واضحاً لا يحتمل التأويل.

    الرابع: لابد أن يكون عندنا فيه من الله برهان، وهو الدليل القاطع الواضح.

    وإنما ضيق النبي عليه الصلاة والسلام ذلك، أي: الخروج على الأئمة بهذه القيود التي قد يظنها بعض الناس صعبة؛ لأن ما يترتب على الخروج أشد ضرراً مما هم عليه.

    وأنتم تشاهدون الآن ما حصل من الثورات، هل كانت الشعوب أسعد بعد الثورة منها قبل الثورة؟

    أبداً. بل بالعكس، وليس هناك حاجة إلى أن نعين بلاداً معينة في هذا المكان؛ لأن الأمر واضح.

    فالمهم أن ننصح إخواننا المسلمين بعدم التسرع في هذه الأمور، وإذا سلط الله عليهم أحداً ممن يتولى عليهم فليسألوا الله تعالى له الهداية، والسلامة من شره، ويصبروا، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا رأى أحدكم من أميره ما يكره فليصبر، فإن من فارق الجماعة قيد شبر مات ميتة الجاهلية)، فلابد من الصبر، ولابد من النصيحة.

    فهذه أيضاً من الأصول الهامة التي سأل عنها الأخ، والتي يخالفُ فيها أهلُ البدع ما كان عليه أهل السنة والجماعة ؛ فتجدهم يخرجون على الأئمة ولا يترتب على الخروج إلا ما هو شر.

    وما الذي فرق الأمة من حين أن خرجوا على عثمان رضي الله عنه إلا هذا؟!

    فنسأل الله لنا ولكم السلامة والهداية، وأن يوفقنا وإياكم لما يحبُّ ويرضى.

    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768242691