أما بعد:
فإننا نستفتح لقاءنا الأسبوعي هذا وهو اللقاء الثاني من شهر رجب عام (1414هـ)، والذي يتم في كل يوم خميس، نستفتحه بتفسير سورة سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1] لأنه انتهى بنا المطاف في تفسير جزء النبأ إلى هذه السورة، واخترنا أن نفسر السور القصيرة وهي المفصل؛ لأنها تقرأ كثيراً في الصلوات على العامة، والقرآن نزل لأمور ثلاثة:
الأول: التعبد لله سبحانه وتعالى بتلاوته، مما يترتب عليه الأجر، فإن من قرأ حرفاً من القرآن كان له به عشر حسنات.
والثاني: التدبر لمعانيه.
والثالث: الاتعاظ به، قال الله تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ[ص:29] ولا يمكن أن يتذكر أحد بالقرآن إلا إذا عرف المعنى؛ لأن الذي لا يعرف المعنى بمنزلة الذي لا يقرأ، كما قال الله تعالى: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ[البقرة:78] أي: إلا قراءة، لهذا ينبغي للمسلم أن يحرص على معرفة معنى القرآن؛ حتى ينتفع به، وحتى يكون متبعاً لآثار السلف فإنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل.
يقول الله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1] والخطاب هنا للرسول صلى الله عليه وسلم، والخطاب الموجه للرسول في القرآن الكريم على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يقوم الدليل على أنه خاص به فيختص به.
والقسم الثاني: أن يقوم الدليل على أنه عام، فيعم.
والقسم الثالث: ألا يدل الدليل على هذا ولا على هذا، فيكون خاصاً به لفظاً، عاماً له وللأمة حكماً.
مثال الأول: قوله تبارك وتعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ [الشرح:1-2] وأيضاً قوله تعالى: وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً [النساء:79] فإن هذا من المعلوم أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ومثال الثاني: الموجه للرسول صلى الله عليه وسلم وفيه قرينة تدل على العموم قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] فوجه الخطاب أولاً للرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ) ولم يقل يا أيها الذين آمنوا إذا طلقتم، ثم قال: إِذَا طَلَّقْتُمُ ولم يقل: يا أيها النبي إذا طلقت، فدل هذا على أن الخطاب موجه للرسول صلى الله عليه وسلم وللأمة.
وأما أمثلة الثالث فهي كثيرة جداً، يوجه الله الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد: الخطاب له لفظاً وللعموم حكماً، هنا يقول الله عز وجل: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (سَبِّحِ) يعني: نزه الله عن كل ما لا يليق بجلاله وعظمته، فإن التسبيح يعني: التنـزيه، إذا قلت: سبحان الله يعني: تنـزه الله عن كل سوء، عن كل عيب، عن كل نقص، ولهذا كان من أسماء الله تعالى: السلام، القدوس؛ لأنه متنـزه عن كل عيب، ونحن نضرب لكم الأمثلة:
من صفات الله تعالى: الحياة، هل في حياته نقص؟ لا. حياة المخلوق فيها نقص:
أولاً: لأنها مسبوقة بالعدم، فالإنسان ليس أزلياً.
وثانياً: أنها ملحوقة بالفناء كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26].
ومن صفاته تعالى: السمع، وسمع الله ليس فيه نقص، يسمع كل شيء، حتى إن المرأة التي جاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم والتي ذكر الله تعالى قصتها في سورة المجادلة، كانت تحدث النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة في الحجرة يخفى عليها بعض حديثها، والله تعالى يقول في كتابه: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1].
ولهذا قالت عائشة : [الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، إن المرأة لتشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنه ليخفى علي بعض حديثها].
إذاً: معنى سبحان الله: أي أنزه الله عن كل عيب ونقص.
وقوله: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال بعض المفسرين: إن قوله: (اسم ربك) يعني: مسمى ربك؛ لأن التسبيح ليس للاسم بل لله نفسه، ولكن الصحيح أن معناه سبح ربك ذاكراً اسمه، يعني: لا تسبحه بالقلب فقط، بل سبحه بالقلب واللسان، وذلك بذكر اسمه تعالى، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74] يعني: سبح تسبيحاً مقروناً بالاسم؛ وذلك لأن تسبيح الله تعالى قد يكون مقروناً بالقلب -بالعقيدة- وقد يكون باللسان، وقد يكون بهما جميعاً، والكمال أن يسبح بهما جميعاً: بقلبه لافظاً بلسانه.
وقوله: (رَبِّكَ) الرب: معناه الخالق المالك المدبر لجميع الأمور، فالله تعالى هو الخالق وهو المالك، وهو المدبر لجميع الأمور، وهل المشركون يقرون بذلك؟
الجواب: نعم. يقرون بذلك، قال الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزمر:38] .. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87] وأخبر الله سبحانه وتعالى أنهم إذا سئلوا: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ [يونس:31] فهم يقرون بأن الله له الملك، وله التدبير، وله الخلق، لكن يعبدون معه غيره من الجهل، كيف تقر بأن الله هو وحده الخالق المالك المدبر للأمور كلها وتعبد معه غيره؟!
إذاً: معنى الرب على هذا هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور، وكل إنسان يقر بذلك يلزمه ألا يعبد إلا الله، كما تدل عليه الآيات الكثيرة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21] قال: (اعبدوا ربكم الذي خلقكم) يعني: لا تعبدوا غيره.
وقوله تعالى: الْأَعْلَى من العلو، وعلو الله عز وجل نوعان: علو صفة، وعلو ذات.
أما علو الصفة: فإنه أكمل الصفات لله عز وجل، قال تعالى: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى [النحل:60].
وأما علو الذات: فهو أن الله تعالى فوق عباده مستوٍ على عرشه، والإنسان إذا قال: يا الله! فأين يتجه؟ إلى السماء -إلى فوق- فالله جل وعلا فوق كل شيء مستوٍ على عرشه.
إذاً الْأَعْلَى إذا قرأتها فاستشعر في نفسك أن الله عال بصفاته وعالٍ بذاته، ولهذا كان الإنسان إذا سجد يقول: سبحان ربي الأعلى يتذكر بسفوله هو علو الله عليه، فالإنسان ينزل في حال السجود أشرف ما فيه وأعلى ما فيه وهو وجهه، ويجعله في الأرض التي تداس بالأقدام، فكان من الحكمة أن يقول: سبحان ربي الأعلى، يعني: أنزه ربي الذي هو فوق كل شيء؛ لأني نزلت أنا أسفل كل شيء، فتسبح الله الأعلى بصفاته والأعلى بذاته، وتشعر عندما تقول: سبحان ربي الأعلى، أن ربك تعالى فوق كل شيء، وأنه أكمل كل شيء في الصفات.
الآن ونحن في هذا العصر وقد تقدم العلم هذا التقدم الهائل؛ لو اجتمع كل هؤلاء الخلق على أن يخلقوا ذباباً ما استطاعوا، حتى لو أنهم كما يقولون صنعوا آدمياً آلياً، ما يستطيعون أن يخلقوا ذباباً، هذا الآدمي الآلي ما هو إلا آلة تتحرك فقط، لكن لا تجوع ولا تعطش ولا تفرح ولا تحزن، ولا تتحرك إلا بتوجيه الإنسان لها عن طريق ما ركب فيه من آلات كهربائية.
الذباب لا يمكن أن يخلقه كل من سوى الله ولو اجتمعوا، فالله سبحانه وتعالى وحده هو الخالق، وبماذا يخلق؟ بكلمة واحدة، قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59] وقال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] الخلائق كلها تموت وتفنى وتأكلها الأرض وتأكلها السباع وتحرقها النيران، وإذا كان يوم القيامة زجرها الله زجرة واحدة، اخرجي فتخرج.. فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [النازعات:13-14].. إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ [يس:53] كل العالم من إنس وجن، ووحوش وحشرات، وغيرها كلها يوم القيامة تحشر بكلمة واحدة.
إذاً: فالله عز وجل وحده هو الخالق، ولا أحد يخلق معه، والخلق لا يضعفه ولا يعجزه بل سهل عليه.
وقوله: خَلَقَ فَسَوَّى يعني: سوى ما خلق على أحسن صورة وعلى الصورة المناسبة؛ كالإنسان مثلاً كان خلقه على أحسن صورة كما قال تعالى: الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار:7-8] وقال: لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4].
لا يوجد في الخلائق شيء أحسن من خلقة الإنسان، رأسه فوق، وقلبه في الصدر، وعلى هيئة تامة، ولهذا كان أول ما يدخل في قوله: فَسَوَّى هو تسوية الإنسان.
الهداية الكونية: أن الله هدى كل شيء لما خلق له، قال فرعون لموسى: قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:49-50] تجد أن كل مخلوق قد هداه الله تعالى لما يحتاج إليه، انظر للطفل إذا خرج من بطن أمه وأراد أن يرضع، هل هناك أحد يقول له: ارفع رأسك والقم ثدي أمك؟ لا. لكن يهديه الله عز وجل إلى هذا الثدي يرتضع منه.
انظر إلى أدنا الحشرات النمل مثلاً، أين تضع بيوتها؟
لا تضع بيوتها إلا في مكان مرتفع من الأرض على ربوة من الأرض، لماذا؟
لأنها تخشى من السيول أن تدخل بيوتها فتفسدها، وأيضاً إذا جاء المطر وكان في جحورها أو في بيوتها طعام من الحبوب تخرج به، فإذا طلعت الشمس تنشره، لماذا؟
لئلا يعفن، وهي قبل أن تدخره تأكل أطراف الحبة؛ لئلا تنبت فتفسد عليها، هذا شيء مشاهد فمن الذي هداها لذلك؟
هداها الله عز وجل، وهذه هداية كونية أنه هدى كل مخلوق لما يحتاج إليه.
أما الهداية الشرعية -وهي الأهم بالنسبة لبني آدم- فهي: الدلالة على شرع الله، وقد بينها الله عز وجل على وجه تقوم به الحجة، حتى الكفار قد هداهم الله -يعني: بين لهم- قال الله تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [فصلت:17] يعني: استحبوا الكفر على الإيمان والعياذ بالله، والهداية الشرعية هي المقصودة من حياة بني آدم، قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وإنما أخبرنا الله بذلك لأجل أن نلجأ إليه في جميع أمورنا، إذا علمت أنه هو الخالق بعد العدم، وأصابك مرض إلى من تلجأ؟
إلى الله، الجأ إلى الله؛ لأنه هو الذي خلقك وأوجدك من العدم، وهو قادر على أن يصحح بدنك، ولا حرج أن تتناول ما أباح الله لك من الدواء، لكن مع اعتقاد أن هذا الدواء سبب من الأسباب جعله الله عز وجل، وإذا شفيت بهذا السبب فمن الذي شفاك؟
الله عز وجل هو الذي جعل هذا الدواء سبباً لشفائك، لو شاء لجعل هذا الدواء سبباً لهلاكك، فإذا علمنا أن الله هو الخالق؛ فنحن نلجأ في أمورنا كلها إليه عز وجل.
إذا علمنا أنه هو الهادي؛ فإننا نستهدي بهدايته -بشريعته- حتى نصل إلى ما أعد لنا ربنا عز وجل من الكرامة.
نسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم، وأن يحلنا وإياكم دار كرامته، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين.
وإلى هنا ينتهي الكلام على هذه الآيات الكريمة، وأحثكم مرة أخرى على تعلم معاني آيات القرآن إذا شئتم أن تنتفعوا به حقيقة، لكن من العلماء الموثوقين أو من تفاسير العلماء الموثوقين؛ لأن الناس تكلموا في كلام الله وبحثوا في معانيه، لكن منهم من هدي إلى الصراط المستقيم، ومنهم من حصل له انحراف لسبب من الأسباب؛ إما لقصور علمه، أو فهمه أو سوء نيته؛ لأن الإنسان قد يحرم الصواب بسبب سوء النية والعياذ بالله.
أما بعد:
فضيلة الشيخ: أستأذنكم في قصيدة أتلوها:
يا أمتي! إن هذا الليل يعقبه فجر وأنواره في الأرض تنتشر |
والخير مرتقبٌ، والفتح منتظـر والحق رغم جهود الشر منتصر |
وبصحبة بارك الباري مسيرتها نقية ما بها شوبٌ ولا كدر |
ما دام فينا ابن صالح شيخ صحوتنا بمثله يرتجى التأييد والظفر |
الجواب: أنا لا أوافق على هذا المدح؛ لأني لا أريد أن يربط الحق بالأشخاص، كل شخص يأتي ويذهب، فإذا ربطنا الحق بالأشخاص معناه أن الإنسان إذا مات قد ييئس الناس من بعده، فأقول: إذا كان يمكنك الآن تبديل البيت الأخير بقول:
ما دام منهاجنا نهج الأولى سلفوا بمثلها يرتجى التأييد والظفر |
فهذا طيب، أنا أنصحكم ألا تجعلوا الحق مربوطاً بالرجال:
أولاً: لأنهم قد يضلون، فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول: [من كان مستناً فليستن بمن مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة] الرجال إذا جعلتم الحق مربوطاً بهم يمكن الإنسان أن يغتر بنفسه والعياذ بالله من ذلك، ويسلك طرقاً غير صحيحة، فالرجل أولاً لا يأمن من الزلل والفتنة، نسأل الله أن يثبتنا وإياكم.
ثانياً: أنه سيموت، ليس فينا أحد يبقى أبداً وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34]
ثالثاً: أنه ربما يغتر إذا رأى الناس يبجلونه ويكرمونه ويلتفون حوله، وربما ظن أنه معصوم، ويدعي لنفسه العصمة، وأن كل شيء يفعله فهو حق، وكل طريق يسلكه فهو مشروع، ولا شك أنه يحصل بذلك هلاكه، ولهذا امتدح رجل رجلاً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (ويحك قطعت عنق صاحبك) وأنا أشكر الأخ على ما يبديه من الشعور نحوي، وأسأل الله أن يجعلني عند حسن ظنه أو أكثر، ولكن لا أحب المديح.
الجواب: ذكر العلماء أنه يستحب للإمام إذا كان راكعاً وأحس بداخل أن ينتظر قليلاً، ولاسيما إذا كان هذا الركوع في آخر الركعات، لكن اشترطوا ألا يشق على المأمومين مثل أن يحس بداخل من باب المسجد وبين الصفوف مسافة طويلة، وهذا الرجل يمشي رويداً رويداً ويشق على المأمومين أن ينتظره، فهنا لا ينتظره؛ لأن الذين معه من أول الصلاة أولى بالمداراة من الثاني، ولعل أصل هذا في السنة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يطيل الركعة الأولى في الصلاة من أجل أن يحضر الناس، هذا بالنسبة للتطويل.
وأصل آخر بالنسبة للتخفيف: فقد كان إذا سمع بكاء الصبي أسرع في صلاته؛ مخافة أن تفتتن أمه، فلهذا أصل في الشريعة لكن بشرط ألا يشق على المأمومين.
وهناك -أيضاً- شرط آخر وهو: ألا يخشى الإمام أن يكبر الداخل تكبيرة الإحرام وهو راكع؛ لأنه إذا كبر تكبيرة الإحرام وهو راكع صارت صلاته نفلاً لا فريضة؛ لأن بعض الناس مع السرعة يكبر وهو يهوي بالركوع، فهذا لا يصح في الفريضة.
الجواب: الحمد لله رب العالمين، هذا السؤال يستحق العناية، وهو أن بعض الناس يتزوج امرأة جديدة على امرأة أولى، فيحبها، ثم يكون معها وينسى الأولى، وهذا لا شك أنه من كبائر الذنوب: أن يميل الإنسان مع إحدى زوجتيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) وهذا وعيد شديد؛ لأن الخلائق جميعها تشهد على عقوبته، هذا أمر عظيم جداً، فالميل مع إحدى النساء -أي: مع إحدى الزوجات- من كبائر الذنوب، إلا شيئاً لا تملكه من المحبة وما يكون ناشئاً عنها، فهذا لا يستطيع الإنسان أن يسيطر عليه، ولهذا قال تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129].
وأما ما ذكره أنه يمكن أن يكون سحراً فهذا مع الأسف انتشر في كثير من الناس اليوم: مسألة السحر، مسألة النفس، مسألة الجن، وهذا خطأ؛ لأن الإنسان إذا شعر هذا الشعور هلعت نفسه وضعفت، واستولى عليه الشيطان، وصارت الأفكار كلها تدور حول هذا الشيء، حتى يصبح الخيال حقيقة، لكن لو أن الإنسان اعتمد على الله عز وجل وتوكل على الله حق التوكل وصار قوياً بالله فإنه لا يهمه، ويعرض عن هذا كله، ويعتقد أن هذه الأمور تعرض للإنسان بدون هذه الأسباب.
يعرض للإنسان ضيق في الصدر، يعرض للإنسان خوف زائد، ويعرض للإنسان أشياء كثيرة حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة، أو أكثر من سبعين مرة).
فنصيحتي لإخواني: ألا ينساقوا وراء هذه الأوهام والتخيلات، نحن لا ننكر أن الجن تمس الإنسان كما قال تعالى: لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275] وهذه في المرابين، وكما جاءت السنة بذلك، لكن ليس معناه أن كل ما أصابنا يكون من مس الجن، حتى لو أصابنا زكام قلنا: هذا جني تلبس بنا، هذا خطأ، الواجب أن الإنسان يكون عنده قوة وتوكل على الله، ثم يستعمل الأوراد الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم كقراءة آية الكرسي في الليل، وكذلك قراءة سورة البقرة في البيت وما أشبه ذلك، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم كلما أحس هذه الأمور حتى تزول عنه.
كذلك -أيضاً- النفس نحن لا ننكر أن النفس لها تأثير، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العين حق ولو سبق القدر شيء لسبقته العين) لكن ليس كل ما يصاب به الإنسان يكون عيناً، إلا أنه إذا توهم الشيء فإنه مع كثرة التوهم والتخيل يكون حقيقة؛ ولهذا ننصح إخواننا المسلمين أن يكون عندهم اعتماد تام، وتوكل على الله عز وجل حتى تزول عنهم هذه الأوهام، وبالتالي أنصح هذا الرجل الذي تحدث عنه السائل بأن يتقي الله عز وجل، وأن يحاول ما استطاع العدل بين زوجتيه، والرجوع إلى أولاده بالحنو، والشفقة، والتأديب، والتوجيه، وألا يبتعد عنهم؛ لأنهم قطعة منه.
وأما العلاج والتداوي أخشى أني أوصي بالعلاج والتداوي معناه أني أقررته على ما توهم، قد لا يكون هذا سحراً، أما إذا كان مسحوراً كما جزم به السائل؛ فعليه أن يعالج نفسه بالقراءة والأذكار، أو يذهب إلى المعالجين لهذه الأمور ممن يوثق بدينهم وعقيدتهم.
الجواب: إن هذا حرام، حرام على الآخذ وعلى المعطي؛ لأن هذا يتضمن الكذب، فإن الزرع ليس لصاحب الصك، ويتضمن التحايل على أنظمة الحكومة، ويتضمن الخيانة، والواجب على الإنسان الذي عنده صك ولم يزرع تلك السنة أن يدعه للسنة الأخرى التي يزرع فيها، فإن ترك الزراعة نهائياً رد الصك على الصوامع، أما أن يعطيه من لا يستحقه ويكذب فيه على الدولة فهذا حرام، ولربما نقول: إن تأخر الأمطار في هذه السنين، وإن تأخر قبول الصوامع لكثير من الزرع كله بسبب الذنوب والكذب والتحايل.
فنصيحتي: أن يكون الإنسان صادقاً، مبيناً، واضحاً، صريحاً، والرزق لن يضيع منه شيء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب) .
الجواب: الخنصر أو البنصر سواء، ولا بأس أن يلبس في هذا أو ذاك، ولكن هل من السنة لبس الخاتم؟
في هذا خلاف بين العلماء؛ من العلماء من قال: إنه سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لبس الخاتم، ولبسه الصحابة أيضاً، ولكن بشرط ألا يكون من الذهب إذا كان للرجال، ومنهم من قال: إنه سنة لذي السلطان: كالحاكم، والقاضي، والأمير، والمفتي، وما أشبه ذلك، وأما سائر الناس فليس لهم بسنة، ولكنه لا نهي فيه.
الجواب: يجوز للإنسان أن يسجد على كل شيء من الأرض، وعلى غير الأرض -أيضاً- كفراش القطن والصوف، المهم فقط أن يمكن جبهته من الأرض، سواء سجد على فراش، أو على حصير، أو على الأرض، أو على رمل، أو على غير رمل.
الجواب: الدخان حرام، ونصوص الكتاب والسنة العامة تدل على أنه حرام، وإذا كان حراماً وأمرك أبوك أن تأتي له به فقد أمرك بمعصية، فهل تطيع أباك في معصية؟ لا. لا تطيعه في معصية؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وتقول لأبيك: أنا أنصحك عن هذا، لكن إذا وعدك بأنه سيحاول أن يتوب إلا أنه لا يستطيع أن يتوب مرة واحدة، وقال: ائت لي في اليوم بأربع سيجارات: واحدة في الصباح عند الفطور، وواحدة مع الغداء، وواحدة مع العشاء، وواحدة عند النوم، ولك علي أن أنقص كل يوم واحدة حتى أتركه.. فهنا لا بأس به؛ لأنه وعدك أن يتوب، ومعروف أن صاحب الدخان المبتلى -والعياذ بالله- لا يمكن في الغالب أن ينقطع منه مرة واحدة، أما إذا كان يستمر كل يوم يشرب عشر حبات ويستمر على ذلك فهذا لا تطعه، حتى لو غضب عليك، أو قاطعك، أو دعا عليك، فلا يضرك إن شاء الله.
الجواب: أرى أنه لا يجوز للإنسان أن يقرأ كتاباً مضلاً من كتب اليهود، أو النصارى، أو المشركين، أو أهل البدع؛ إلا إذا كان عنده رصيد قوي يمكن أن يتحصن به، وأما إذا كان مبتدئاً في القراءة فلا يجوز له أن يبدأ بقراءة هذه الكتب الباطلة؛ لأنه ربما تأثر بما فيها من الباطل.
فهؤلاء ننصحهم بأن يتركوا هذه الكتب، حتى يحصنوا أنفسهم بالعلوم الشرعية الصحيحة قبل أن يدخلوا في هذه الكتب المضلة، فالإنسان إذا أراد أن يتحصن من السيل أخذ في بناء السدود والمصارف قبل مجيء السيل، لا يفعل ذلك بعد مجيئه، فنقول: أولاً حصنوا أنفسكم بمعرفة الشريعة، واغرسوها في قلوبكم حتى إذا تمكنتم فلا بأس أن تقرءوا لتردوا على شبهات القوم وأباطيلهم.
الجواب: أبناء النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة؛ لأن الله تعالى يقول: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] ولو كان أبناؤه من الأنبياء لكانوا من بعده.
الجواب: هل تجد غضب أبيك حين يغضب إذا نصحته أشد من غضب آزر حين قال لإبراهيم: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً [مريم:46] فدعه يغضب، لكن الإنسان الحكيم يداري ويتكلم في مواضع الكلام، قد يكون -مثلاً- أبو الإنسان، أو غير أبي الإنسان في حال ليس أهلاً لتقبل النصيحة، يعني: متضايق من شيء، مشتغل بأكل، فتترك الأمر حتى يكون على استعداد لقبول النصيحة.
الجواب: هداية الدلالة والتوفيق في الشرعيات، لكن الهداية الكونية فيها دلالة ليس فيها شك.
الجواب: قال الله سبحانه وتعالى في آية الوضوء والغسل: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [المائدة:6]قال العلماء قوله: (فَلَمْ تَجِدُوا ) دليل على أنه طلبه؛ لأنه لا يقول: لم أجد إلا من طلب، وأما رجل يريد أن يكون الماء عنده في حمامات حول المسجد هذا قد لا يحصل، فالواجب على الإنسان إذا كان الماء قريباً منه أن يتطهر به، أما إذا كان بعيداً فلا بأس إذا حضرت الصلاة أن يتيمم ويصلي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل) يعني: يصلي بالماء إن كان حاضراً، وإلا بالتيمم. ولكن يجب أن يبحث فربما يجد ماءً قريباً أو يجد أحداً يبيعه مثلاً، والحمد لله الآن ما تجد بقالة إلا وفيها ماء يباع، وكذلك ماء الصحة يمكن أن يتوضأ به الإنسان.
الجواب: الواجب عليه أن يدفع جميع قيمة الشاة؛ لأن الناس المتعاونين هم يدٌ واحدة، لكن في هذه الحالة هل يعرف صاحبها؟ فإذا كان لا يعرف صاحبها فيتصدق بالقيمة بالنية عن صاحبها؛ لأن المتفقين على شيء يكون جرم الجماعة كجرم الواحد، ولهذا لو اتفق جماعة على قتل إنسان فقتلوه يقتلون كلهم، ولو كانوا عشرة بواحد.
الجواب: هذا لا يجوز، إذا كان ليس من عادة الإنسان أنه يصلي إذا توضأ، لكن توضأ لأجل أن يصلي فهذا إن توضأ حرام عليه أن يصلي؛ لأن الصلاة التي ليس لها سبب في هذا الوقت حرام.
والوضوء للحرام حرام، فلا يجوز أن يتوضأ لأجل أن يصلي، لو كان يجوز أن يتوضأ ليصلي لم يكن للنهي فائدة، لكن إذا كان ليس من عادته أن يتقدم إلى المسجد، وفي يوم الجمعة توضأ وتقدم إلى المسجد فهذا لا بأس به، فيصلي تحية المسجد ويدعو بما شاء.
الجواب: على كل حال إذا كان لا يستعمل فالأصل أنه حلال، لكن لا نحب أن نوضع مجسماً كهذا بين الأهل والصبيان؛ لأنهم يألفون مثل هذه الصورة، ولا يستنكرونها في نفوسهم، والإنسان إذا لم يستنكر الصورة وأنس بها سهلت عليه، من هذه الناحية فقط، فقد تكون ذريعة يخشى أن يكون في المستقبل لا يهمه هذا الشيء، فالأولى منعها.
الجواب: إذا دخلت مصلى العيد فلا تجلس حتى تصلي ركعتين؛ لأنه مسجد، والدليل على أنه مسجد: أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر الحيض إذا خرجن إلى صلاة العيد أن يعتزلن المصلى، وهذا يدل على أنه مسجد، وهناك من العلماء من يقول: صل ركعتين، وهناك من يقول: لا تصل، لكن نرى أنه يصلي، سواء قبل طلوع الشمس أو بعدها لا يجلس حتى يصلي ركعتين.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر