أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثالث والستون من اللقاءات التي تتم في كل يوم الخميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثامن والعشرون من شهر محرم عام (1415هـ) نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدناه من تفسير شيء من آيات الله الكريمة، حيث انتهى بنا المطاف إلى قول الله تبارك وتعالى: هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ [الفجر:5].
و(عاد) قبيلة معروفة في جنوب الجزيرة العربية ، أرسل الله تعالى إليهم هوداً عليه الصلاة والسلام، فبلغهم الرسالة، ولكنهم عتوا وبغوا وقالوا: من أشد منا قوة؟ قال الله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ [فصلت:15] فهم افتخروا بقوتهم ولكن الله بيّن أنهم ضعفاء أمام قوة الله، ولهذا قال: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ ولم يقل: أن الله أشد منهم قوة، بل قال: الَّذِي خَلَقَهُمْ ليبين ضعفهم وأنه جل وعلا أقوى منهم؛ لأن الخالق أقوى من المخلوق: أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ [فصلت:15-16].
هنا يقول: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ الذي فعله بهم أنه أرسل عليهم الريح العقيم: سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة:7].. فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ [الأحقاف:25] وهذا الاستفهام الذي لفت الله فيه النظر إلى ما فعل بهؤلاء يراد به الاعتبار، يعني: اعتبر أيها المكذب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم بهؤلاء، كيف أذيقوا هذا العذاب، وقد قال الله تعالى: وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83].
وقوله: ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ [الفجر:7-8] أصحاب العماد أي: الأبنية القوية: الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا أي: لم يصنع مثلها في البلاد؛ لأنها قوية محكمة، وهذا هو الذي غرهم وقالوا: من أشد منا قوة؟ وفي قوله تعالى: لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ مع أن الذي صنعها هو الآدمي، وهذا دليل على أن الآدمي قد يوصف بالخلق فيقال خلق كذا، ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام في المصورين: (يقال لهم: أحيوا ما خلقتم) لكن الخلق الذي ينسب للمخلوق ليس هو الخلق المنسوب إلى الله، الخلق المنسوب إلى الله إيجاد بعد إعدام وتحويل وتغيير، أما الخلق المنسوب لغير الله فهو مجرد تحويل وتغيير.
وأضرب لكم مثلاً: هذا الباب من خشب، من الذي خلق الخشب؟ الله، لا يمكن للبشر أن يخلقوه، لكن البشر يستطيع أن يحول جذوع الخشب وآصال الخشب إلى أبواب وإلى دواليب وما أشبه ذلك، فالخلق المنسوب للمخلوق ليس هو الخلق المنسوب إلى الخالق، فما الفرق؟ الخلق المنسوب للخالق إيجاد من عدم وهذا لا يستصغره أحد، والمنسوب للمخلوق تغيير وتحويل يحول الشيء من صفة إلى صفة، أما أن يغير الذوات، بمعنى: أن يجعل الذهب فضةً أو الفضة حديداً أو ما أشبه ذلك فهذا مستحيل لا يمكن ولا يقدر على ذلك إلا لله وحده لا شريك له.
فعلينا أن نعتبر بحال هؤلاء المكذبين الذين صار مآلهم إلى الهلاك والدمار، وليعلم أن هذه الأمة لن تهلك بما أهلك به الأمم السابقة، بهذا العذاب العام، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سأل الله تعالى ألا يهلكهم بسنة عامة، ولكن قد تهلك هذه الأمة بأن يجعل الله بأسهم بينهم، فتجري بينهم الحروب والمقاتلة، ويكون هلاك بعضهم على يد بعض، لا بشيء ينزل من السماء كما صنع الله بالأمم السابقة.
ولهذا يجب علينا أن نحذر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن نبتعد عن كل ما يثير الناس بعضهم على بعض، وأن نلزم دائماً الهدوء، وأن نبتعد عن القيل والقال وكثرة السؤال، فإن ذلك مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكم من كلمة واحدة صنعت ما تصنعه السيوف الباترة، فالواجب الحذر من الفتن، وأن نكون أمة متآلفة متحابة، يتطلب كل واحد منا العذر لأخيه إذا رأى منه ما يكره.
نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما فيه الخير والصلاح، وأن يجمع قلوبنا على طاعته.
الجواب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
هذه الحادثة لا شك أنها مؤلمة محزنة، ولها أسباب، ومن أسبابها: ما ينشر في وسائل الإعلام من الشر والبلاء سواء وسائل الإعلام المنظورة أو المقروءة أو المسموعة.
وقد توسع الناس في الاستماع إلى الإعلام الخارجي بواسطة الصحون الهوائية التي تسمى الدشوش، نسأل الله أن يقي المسلمين شرها وأن يسلط الدولة على أهلها حتى تقضي عليها، وقد حصل من الدولة -والحمد لله- إنذار بأنها سوف تقضي على هذه الصحون، نسأل الله أن يعينها على ذلك، وأن يعجل بهذا الأمر قبل أن ينتشر الشر والفساد.
ولا شك أن أعداء المسلمين لا يألون جهداً في صد المسلمين عن دينهم، إن أمكنهم بالسلاح الذي يقتل الأنفس فعلوا كما يوجد الآن في البوسنة والهرسك وغيرها من بلاد المسلمين، وإن لم يحصل ذلك لهم فبالأخلاق المدمرة، والإنسان إذا دمرت أخلاقه صار كالبهيمة ليس له هم إلا التمتع في الدنيا -والعياذ بالله- وقد قال الله عن الكفار: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [محمد:12] عاقبة سيئة، فهذه الوسائل الإعلامية إذا رآها الشاب أو الشابة تشربت في قلوبهم، وسهل عليهم أن يمارسوها.
كذلك أيضاً من وسائل الإعلام المدمرة: أنهم يغزون الناس بالأفكار الرديئة الخبيثة المنحرفة، فيضل بها كثير من الناس، لهذا نحن نشير على إخواننا المسلمين عموماً أن يخرجوا من بيوتهم مثل هذه الفتنة، وأن يلاحظوا أهلهم من بنين وبنات، وإذا وجدوا مجلة غير مناسبة أو مدمرة للأخلاق فالواجب عليهم أن يحرقوها أمام أهل البيت، وأن يحذروهم من إعادة مثلها.
وكذلك أيضاً في الوسائل الأخرى إذا رأوا أن أهل البيت أنهم مصرون عليها فإن عليهم أن يمنعوهم، وأما إطلاق الحبل على الغارب فإن فيه مفسدة كبيرة، منها مثل هذه القضية التي ذكرها السائل.
أما فيما يتعلق بزوجته فهو يقول: إنه وجد عليها أثر الضرب، وهذا يعني أن المرأة لم يكن ذلك باختيارها، وأن هذا الرجل -والله أعلم- دق عليها الباب وأراها أنه أحد من محارمها أو أقاربها حتى دخل وحصل منه ما حصل.
وأما قولها: إنها تظن أنه ابن الجيران فهذا غلط منها، حتى ابن الجيران لا يجوز أن يفتح له الباب، ابن الجيران مثل قريب الزوج، يعني: أنه الموت، ولهذا لما حذر النبي عليه الصلاة والسلام من الدخول على النساء قال: (إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله! أرأيت الحمو، -يعني: أقارب الزوج مثل أخيه وعمه وخاله- قال: الحمو الموت) يعني: فروا منه كما تفرون من الموت، وهو البلاء؛ لأن الحمو إذا دخل على بيت قريبه تجد الناس لا تنكره، وهو أيضاً يرى أن الأمر هين أن يدخل على بيت قريبه؛ فيحصل الشر، فنقول لهذه المرأة: لا تفتح لأحد أبداً إلا لزوجها أو أحد من محارمها، ثم تحذر أيضاً؛ لأن بعض الناس خبيث قد يقلد الصوت فلتحذر من هذا، فالذي أرى أن هذه المرأة إذا ادعت أنها مكرهة كما هو ظاهر حالها مما يتبين من السؤال أنها معذورة وليس عليها إثم، وأن زوجها إذا أبقاها عنده فليس بديوث بل هو عاذر لها، ولا ينبغي أن يفارقها من أجل هذا الفعل الذي حصل عليها وهي -والله أعلم- مكرهة، وأما كلام الناس فلن يسلم منه أحد، الناس سبوا الرسول عليه الصلاة والسلام وسبوا الله عز وجل.
الجواب: نقول لهذا الأخ الذي منَّ الله عليه بالإسلام بعد أن اكتسب مالاً حراماً: أبشر؛ فإن هذا المال حلال له وليس عليه فيه إثم، لا في إبقائه عنده ولا فيما أنفق منه، ولا فيما تزوج به منه؛ لأن الله تعالى قال في الكتاب العزيز: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38] أي: كل ما سلف، و"ما" هذه من صيغ العموم؛ لأنها اسم موصول، يعني: كل ما تقدم فهو مغفور له، حتى لو كان قد قتل نفساً محرمة أو أخذ مالاً فإنه مغفور له، لكن المال الذي غصبه من صاحبه يرده عليه، أما المال الذي اكتسبه عن طريق الرضا بين الناس وإن كان حراماً كالذي اكتسبه بالربا أو المخدرات أو غيرها فإنه حلال له، لقوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38] وكذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام لـعمرو بن العاص حين أسلم: (إن الإسلام يهدم ما قبله) هدماً لا يبقي له أثراً.
وكثير من الكفار أسلموا وقد قتلوا من المسلمين من قتلوا، ومع ذلك لم يؤاخذوا بما عملوا، فقل لهذا الأخ أن ماله حلال وليس فيه بأس، وليتصدق منه، وليتزوج به امرأة ثانية إن كان عنده امرأة واحدة وثالثة ورابعة، ويفعل به ما يشاء، وأما ما قيل له فليس مبنياً على أصل.
الجواب: يحسن هنا أن نتمثل بقول الشاعر:
ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه |
هذا الرجل لا شك أنه جاهل، لماذا يطلق زوجته لما بقي الحمل في بطنها أحد عشر شهراً؟ الحمل يبقى في بطن أمه عشرين شهراً، ويبقى ثلاثين شهراً، ويبقى إلى أربع سنين، ويبقى إلى سبع سنين في بطن أمه، حتى ذكر أن بعض الأجنة خرج وقد نبتت أسنانه! فهذا الرجل كونه يطلق المرأة من أجل زيادة مدة الحمل المعتاد إلى شهرين، هذا جهل وغلط كبير، وليس هو الحق أن يعتقد أن هذا مبني على حكم شرعي؛ فالشرع لا يحكم بهذا إطلاقاً.
وأما الولد فالولد ولده ولا إشكال، ولا يحل له أن يتبرأ منه بمجرد أن الحمل زاد على الغالب، ولم يزد على الغالب مدة طويلة، لم يزد إلا ستين يوماً، يعني: هي مدة النفاس عند كثير من العلماء، فالولد ولده ولا يحل له أن يتبرأ منه لمجرد أنه بقي في بطن أمه أحد عشر شهراً، وقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: (يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاماً أسود -أي: أنا وأمه أبيضان، فأنجب الشك عنده فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: ما ألوانها؟ قال: حمر. قال: هل فيها من أورق - الأورق: الأشهب- قال: نعم. يا رسول الله! قال: من أين جاء؟ -أي: كيف يخالف لونه ألوان الإبل الأخرى؟ قال: لعله نزعة عرق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ابنك هذا لعله نزعة عرق) يعني: يمكن أن يكون أحد من آبائه من الجمال أو أمهاته من النوق أورق. قال: (ابنك هذا لعله نزعة عرق) فخرج الرجل مطمئناً، مع أن النفس يكون فيها قلق، أما ما ذكره السائل فليس فيه من القلق أدنى شيء، فقل له: إنه أخطأ في هذا التصرف إذا كان يعتقد أن هذا مقتضى الشريعة، أما إذا كان لا يريد زوجته فهو حر، ومع ذلك حتى لو كره زوجته فنرى أن يمسكها، لقول الله تبارك وتعالى: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19] أما الولد فهو ولده ولا يحل له أن يتبرأ منه.
الجواب: نصيحتي للإخوة بالنسبة للعمل في هذه الإجازة:
أما بالنسبة للشباب: فنصيحتي لهم أن ينضموا إلى المراكز الصيفية إن وجدت، وكان القائمون عليها من أهل الخير والفضل، ثم إذا لم يمكن فلينضموا إلى أحد من أهل العلم في بلادهم ويحفظون عليه القرآن أو يقرءون عليه من الحديث، أو من الكتب العلمية الشرعية.
أما بالنسبة للكبار والمشايخ: فنصيحتي لهم أن يكثروا الاتصال بالشباب في اللقاءات والمحاضرات والندوات؛ لأن هذه الإجازة في الحقيقة إذا لم تستعمل في الخير فإنها سوف تستعمل في الشر؛ لأن فراغ الشباب هلاك، كما قال الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجـدة مفسدة للمرء أي مفسده |
الجدة: الغنى.
وأسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح.
الجواب: أما بالنسبة لما ذكرت من القتال بين المسلمين؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) أي: من أعمال الكفر؛ لأنه لا يمكن أن يحمل السلاح مسلم على أخيه المسلم، بل يحمله على الكافر، ولهذا وصف الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بأنه كفر، وقال صلى الله عليه وسلم: (من حمل علينا السلاح فليس منا) والواجب على المسلمين إذا حصل مثل هذه الفتن أن يكفوا ألسنتهم، وأن يكفوا أسلحتهم عن التدخل إلا من له الحق؛ لأن الله قال: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10].
الجواب: لا شك أن اليقين يتفاوت تفاوتاً عظيماً، فأحياناً يصل بالإنسان إلى أن يكون اليقين المخبر به كالمشاهد بعينه، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أن تعبد الله كأنك تراه) وهذه المنـزلة العليا، فإن لم تكن تراه فتعبد له تعبد الخائف، ولهذا قال: (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) وهذا هو الذي جعل ابن عباس رضي الله عنهما يقول: [إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى ربه بفؤاده] أي: بقلبه لا رؤية عين، والرؤية بالقلب أقوى من رؤية العين من وجه، والرؤية بالعين أقوى من رؤية القلب من وجه آخر، فباعتبار اليقين وحلاوة الإيمان وذوق الإيمان رؤية القلب أعلى، وباعتبار الإدراك رؤية العين أقوى؛ لأنه يشاهد الشيء محسوساً أمامه، وهذه المرتبة -أعني: مرتبة الرؤية بالقلب- مرتبة لا ينالها إلا القليل من الناس، أكثر الناس إيمانهم مبني على مجرد الخبر الصادق، وكفى به دليلاً، ولكن اليقين الذي يحصل بعد هذه المرتبة يكون أقوى، وأما قوله في آخر كلامه: وإيمان غيره محض تقليد العميان، يريد بذلك الإيمان الضعيف المهلهل الذي يكاد يكون صاحبه يقول سمعتهم يقولون شيئاً فقلته، وأما الإيمان الحقيقي فإنه ليس تقليد عميان؛ لأن الإنسان يؤمن به على أنه حق يشاهده.
الجواب: الأفضل ألا يدخل مدائن صالح فإن دخل فلا يدخل إلا باكياً، وإنما قلنا: الأفضل ألا يدخل؛ لأن الإنسان قد يدخل على أنه واثق من نفسه أنه سوف يبكي ولكن لا يبكي، فلهذا نصيحتنا ألا يدخل الإنسان إليها، ولكن مع الأسف أن بعض الناس الآن اعتبرها آثاراً مجردة وقال: إن هذه آثار السابقين فيشاهدونها على أنها عجائب من عجائب الصنعة، وهذا دليل على الجهل بما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الجواب: ننصحك وغيرك ممن يشاركه أحد من غير المسلمين أن يعمل على حسب ما تقتضيه وظيفته، وأن يعامل غير المسلمين بما تقتضيه الشريعة.
أما الأول: وهو أن يعمل بما تقتضيه الوظيفة؛ فلأن العمل في الوظيفة وتنفيذ ما جاء فيها حسب النظام مما أمر الله به، إذا لم يكن مخالفاً للشرع؛ لقول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] وأما معاملة غير المسلمين بما تقتضيه الشريعة فلا بد من هذا، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) فلا يجوز أن نبدأهم بالسلام، لكن إذا سلموا علينا رددنا عليهم بمثل ما سلموا به علينا.
ثم إذا كان لهم حق السلطة والتدبير في هذه الوظيفة فإننا ننصح أولاً ألا يوظف غير المسلمين فيما يمكن أن يقوم به المسلم؛ لأن غير المسلم لا يؤمن، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَر [آل عمران:118] لكن إذا كان لا يمكن أن يقوم بهذا العمل أحد من المسلمين فيجوز أن يقوم به آخر من غير المسلمين عند الضرورة، ولهذا استأجر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً مشركاً أن يدله على الطريق في الهجرة حين هاجر من مكة إلى المدينة ، مع أن الحال حال خطرة، فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبا بكر ومن معهما كانا مطلوبين من قبل قريش، ومع هذا استأجر الرسول عليه الصلاة والسلام رجلاً مشركاً يدله على المدينة ، فدل هذا على جواز استعمال المشرك إذا دعت الحاجة إلى ذلك، فأرى أنكم تقومون بوظيفتكم وتعاملون هؤلاء بما تقتضيه الشريعة.
السائل: إذا دخلت على مجموعة وفيهم بعض الكفار المسيحيين أسلم أو لا أسلم؟
الشيخ: سلم وانو السلام على من معهم من المسلمين، وإذا سلم عليك فرد عليه، ألم تر أن الله قال: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86] والرسول عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نرد على اليهود.
السائل: وإذا حياك بلغة إنجليزية؟
الشيخ: إذا كنت تعرف اللغة الإنجليزية فرد عليه باللغة الإنجليزية؛ لأنه لا يعرف اللغة العربية.
السائل: وإذا علمته اللغة العربية؟
الشيخ: إذا علمته أنت وعلمته أيضاً الشرع هذا شيء حسن.
الجواب: أولاً بارك الله فيك: في هذا الحديث الذي ذكرت أن الأمة رفعت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأن معهم سبعين ألفاً يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، وذكر أوصافهم، وقد ورد أنه مع كل واحد سبعون ألفاً، وحتى هذا العدد -أيضاً- بالنسبة للأمة قليل، لكن هذه العدد نادر في الأمة: (هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون) من تحققت فيه هذه الأوصاف من هذه الأمة؟ وليس معنى الحديث أنه لا يدخل الجنة إلا هؤلاء، لا. معنى الحديث أن هؤلاء لا يحاسبون ولا يعذبون، ويوجد أمم كثيرة لا يحصيهم إلا الله يحاسبون وقد يعفو الله عنهم، وقد يعذبهم بقدر ذنوبهم في النار ثم يخرجهم من النار بشفاعة أو بغير شفاعة.
فأنت اعمل وحاول أن تتحقق فيك هذه الأوصاف التي قالها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن تكون منهم ولو كنت من آخر الأمة.
الشيخ: هل هذا الرجل هو الذي يصلي بكم وتقول: إنه معلق تميمة، هل هو يصلي بكم؛ لأنه نصبه المسئول عن هذه الجهة أو بانتخابكم أنتم؟
السائل: لا يا شيخ! يوجد إمام يصلي بنا ومواظب على إمامة المصلين في العمل لا يوجد شخص مختار من قبل الإدارة لكن تقدم إماماً وواظب على الإمامة، وفي بعض المرات يتخلف هذا الإمام لوجود عمل أو ظرف خارج العمل فيُقدم هذا الشخص من قبل المصلين؟
الجواب: إذا كان منتخباً من قبل المصلين وهو نائب عن الإمام الرسمي وفي يده هذه التميمة فالواجب عليكم أولاً أن تنصحوه وأن تبينوا له أن هذه التميمة لا خير فيها وأنها نوع من الشرك لا سيما إن كان فيها رموز أو دعوات محرمة أو ما أشبه ذلك، فإن انتهى عن عمله فقد هداه الله على أيديكم، ولكم في هذا أجر، وإن لم ينته فالواجب أن يرفع الأمر إلى الإمام الذي أنابه ويقال: نحن لا نرضى أن ينوب هذا عنك، وتختاروا إنساناً بدله يكون مستقيماً.
السائل: إذا دخل شخص ووجد هذا يؤم المصلين ؟
الشيخ: يصلي معهم ولا حرج عليه.
الجواب: البيرة الموجودة في أسواقنا كلها حلال؛ لأنها مفحوصة من قبل المسئولين، والأصل في كل مطعوم ومشروب وملبوس الأصل فيه الحل، حتى يقوم الدليل على أنه حرام، لقول الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة:29] فأي إنسان يقول: هذا الشراب حرام، أو هذا الطعام حرام، قل له: هات الدليل، إن جاء بدليل فالعمل على ما يقتضيه الدليل، وإن لم يأت بدليل فقوله مردود عليه؛ لأن الله عز وجل يقول: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً كل ما في الأرض، وأكد هذا العموم بقوله: جَمِيعاً فأي إنسان يقول لنا: هذا حلال وهذا حرام فإننا نطالبه بالدليل، إن أتى بالدليل عملنا بمقتضى هذا الدليل، وإن لم يأتِ بدليل فإن قوله مردود عليه، فالبيرة الموجودة في أسواقنا هنا في السعودية كلها حلال ولا إشكال فيها إن شاء الله.
ثم النسبة فلا تظن أن أي نسبة من الخمر تكون في شيء تجعله حراماً، النسبة إذا كانت تؤثر بحيث إذا شرب الإنسان من هذا المختلط بالخمر سكر صار حراماً، أما إذا كانت نسبة ضئيلة تضاءلت واضمحل أثرها ولم تؤثر فإنه يكون حلالاً.
فمثلاً: نسبة (1%) أو (2%) أو (3%) لا تجعل الشيء حراماً، وقد ظن بعض الناس أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) أن معناه: ما خلط بيسير فهو حرام ولو كان كثيراً، وهذا فهم خاطئ، الحديث: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) يعني: الشيء الذي إذا أكثرت منه حصل السكر، وإذا خففت منه لم يحصل السكر، يكون القليل والكثير حرام، لماذا؟ لأنك ربما تشرب القليل ثم تدعوك نفسك إلى أن تكثر فتسكر، وأما ما اختلط بمسكر والنسبة فيه قليلة لا تؤثر فهذا حلال ولا يدخل في الحديث.
الجواب: إي نعم. مدافعة الريح إذا كانت تضيق عليك كمدافعة البول والغائط؛ لأن العلة هي إشغال القلب عن الصلاة، والدليل على هذا أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا صلاة بحضرة طعام) وحضرة الطعام ليس مدافعة أخبثين، لكنه يشغل القلب، وكل ما يشغل القلب لا تُصلِّ مع وجوده، حتى لو فرض أن حولك أناساً وضجيج كلام يشغلك عن الصلاة فلا تصل وأخر الصلاة حتى يزول هذا الضجيج، أو اذهب إلى مكان آخر ليس فيه ضجيج، وذلك أن المقصود من الصلاة وأن لب الصلاة وروح الصلاة هو الطمأنينة والخشوع وحضور القلب، وليست الصلاة مجرد حركات يقوم بها الإنسان قياماً وركوعاً وسجوداً وقعوداً، أهم شيء أن يكون القلب مصلياً قبل أن يكون البدن مصلياً، ولهذا نهي عن الصلاة بحضرة الطعام، وعن الصلاة مع مدافعة الأخبثين، وكذلك كل ما يشغل الإنسان لا يُصلِّ في حال اشتغاله.
الجواب: من الذي يحاسب الناس على أديانهم؟ الله سبحانه وتعالى، فإذا أتى حديث واختلف الناس في تصحيحه ورأى بعضهم أنه حديث صحيح فعليه أن يأخذ بما دل عليه هذا الحديث من عمل أو عقيدة؛ لأنه سوف يحاسب: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65] سيحاسب على ما عنده من العلم، وكذلك على ما عنده من الفهم، قد يكون الحديث صحيحاً ويختلف الناس في فهمه أيضاً فمنهم من يفهمه على وجه ومنهم من يفهمه على وجه آخر، فإذا فهمه إنسان على وجه وآخر على وجه آخر فإن الواجب على كل واحد منهما أن يأخذ بما فهمه من الحديث، لكن لا مانع من أن يناقش أحدهما الآخر حتى يتوصلا إلى رأي موحد.
وأما وصف الإنسان الذي يخالف رأيه في تصحيح حديث أو في دلالته وصفه بالضلال والبدعة فهذا لا يجوز، هذا من عمل أهل الأهواء، ولهذا نجد المسلمين من عهد الصحابة إلى يومنا هذا يعذر بعضهم بعضاً فيما فهم من النص -فمثلاً- قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة حين رجع من الأحزاب، وأمره جبريل أن يخرج إلى بني قريظة الذين نقضوا العهد، قال لأصحابه: (لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة) فخرجوا فأدركتهم الصلاة، فمنهم من قال: لا نصلي إلا في بني قريظة ولو غابت الشمس، وأخروا الصلاة، ومنهم من قال: نصلي في الوقت، والذين قالوا: إننا لا نصلي إلا في بني قريظة ، قالوا: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة) فنقول: سمعنا وأطعنا.
والذين قالوا: نصلي في الوقت، قالوا: إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يقصد أن نؤخر الصلاة بل قصد أن نعجل الخروج، فنحن لما حل وقت الصلاة نصلي في الطريق، ونستمر في السير.
ففعل هؤلاء كذا وفعل هؤلاء كذا، وعلم بهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعنف أحداً منهم، مع أن الخلاف في أمر عظيم، في صلاة تؤخر عن وقتها أو تصلى في وقتها.
وكذلك أيضاً اختلفوا في مسائل كثيرة، منها: امرأة حامل توفي عنها زوجها، فوضعت قبل أربعة أشهر، السنة جاءت بأنها إذا وضعت بعد موت زوجها ولو بدقائق انتهت عدتها، وانتهى إحدادها كما في حديث سبيعة الأسلمية أنها توفي عنها زوجها فوضعت بعده بليال، فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتزوج.
ومنهم من يقول: لا. إذا وضعت قبل أربعة أشهر وعشرة أيام فإنها تنتظر حتى تتم لها أربعة أشهر وعشرة أيام، وإن تمت أربعة أشهر وعشرة أيام قبل أن تضع فإنها تنتظر حتى تضع، فيقال: نعم. إذا مضى عليها أربعة أشهر وعشرة أيام ولم تضع فإنها تنتظر حتى تضع لا شك في هذا، لكن إذا وضعت قبل أربعة أشهر وعشرة أيام فإنها تنتهي عدتها، والذي خالف في هذا: علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس، وكلاهما فقيه عالم، ومع ذلك نرجع إلى السنة، وندع قول علي وقول ابن عباس ، السنة أنها إذا وضعت قبل أربعة أشهر وعشرة أيام فإنها تنتهي عدتها، وتحل للأزواج، حتى لو فرض أنها وضعت وزوجها يغسل ولم يصل عليه، فإن عدتها تنتهي، يعني: تنتهي عدتها قبل أن يُخرج بجنازة زوجها إلى المقبرة.
فأقول: يا إخواني! لا يجوز لنا أن نحمل الناس على ما نفهم نحن من الأدلة، ولا يجوز أن نجبر الناس على أن يصححوا ما لم يصح عندهم، والناس يحاسبهم الله عز وجل ويسألهم يوم القيامة: مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65].
الجواب: أشبه ما يكون هذا الدعاء بالتنطع ولو قالت: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، أو لا إله إلا الله عدد خلقه، لكفاها عن ذلك كله، وكان من ذكر النبي عليه الصلاة والسلام: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه، سبحان الله وبحمده رضا نفسه، سبحان الله وبحمده زنة عرشه، سبحان الله وبحمده مداد كلماته) هذا من أجمع ما يكون من التسبيح، وأما هذه الأشياء التي يأتي بها بعض الناس يعجبه السجع الذي فيها والمعنى المبتكر! فإن العدول عنها إلى ما جاءت به السنة هو الخير.
الجواب: هؤلاء الذين حصل منهم جماع في حال الكفر إن كانوا يعتقدون أن هذا الجماع حصل عن عقد يرونه عقداً صحيحاً وإن كان باطلاً شرعاً، فالعكس صحيح والأولاد للرجل، مثال ذلك: إنسان وهو كافر اتفق مع امرأة على أن يكون زوجها فوافقت، وكانوا يرون هذا عقداً، ثم أسلم الرجل والمرأة نقول: أنتم على نكاحكما، ولا يحتاج أن تجدد العقد، وما حصل بينكما من أولاد فهم لكما، إلا إذا كانت الزوجة في حال الإسلام لا تحل للزوج، مثل لو كان مجوسياً وتزوج أخته، والمجوس يجوزون نكاح المحارم، فإذا تزوج أخته في حال الكفر ثم أسلم وأسلمت وجب التفريق بينهما؛ لأن المرأة لا تحل للرجل، فهؤلاء الجماعة الذين ذكرت نقول: إذا كنتم تعتقدون أن ما حصل منكم من مواقعة هؤلاء النساء نكاح وعقد، فليس هذا زنا، والأولاد لكم، وإن كنتم تعتقدون أنه زنا فإن استلحقتم هؤلاء الأولاد في حال الكفر - يعني: أن الزاني قال: هؤلاء أولادي- فهم أيضاً أولاده ما دام ليس له منازع، وإن لم يستلحقوهم فإنهم لا يكونون أولاداً لهم.
وأما النفقة فتنبني على أننا إن حكمنا بأنهم أولاد لهم وجب عليهم الإنفاق عليهم، وإن لم نحكم بذلك فليس عليهم نفقتهم.
السائل: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) ؟
الشيخ: حديث (الولد للفراش وللعاهر الحجر) يدل أن هناك رجلين، زان وصاحب فراش كل واحد منهما يدعي أن الولد له، صاحب الفراش يقول: هذا ولدي ولد على فراشي، والزاني يقول: هذا ولدي خلق من مائي، فهنا نغلب جانب الشرع كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) أما إذا كان الزاني لا ينازعه أحد في ذلك، يعني: زنا بامرأة بكر -مثلاً- أو امرأة ليس لها زوج ولم يدّعِ أحدٌ هذا الولد وقال الزاني: إنه ولدي فهو له؛ لأن هؤلاء كفار لا يلتزمون بأحكام الإسلام، فهو له ولا إشكال فيه وعليه نفقته، وأما إذا كان يعتقد أنه ولد زنا وأنه ليس له ولا يريده، فنفقته على من علم بحاله من المسلمين، نفقته فرض كفاية يقوم بها المسلمون عموماً.
الجواب: السيرة النبوية الواقع أن فيها أشياء ضعيفة مما نقل، وفيها أشياء صحيحة، ومن أحسن ما رأيت زاد المعاد لـابن القيم ، على أنه رحمه الله أحياناً يأتي بآثار غير صحيحة، لكنه من خير ما رأيت، وكذلك من بعده البداية والنهاية لـابن كثير فإنها جيدة، ولكن لو شاء الإنسان أن يأخذ كل قضية وحدها فيدرسها ويراجع عليها كلام أهل العلم ثم يلخصها في كتاب له خاص أو ينشره ويكون عاماً فهذا حسن.
وإنني أتمنى أن يوجد طالب علم يحرص على هذه المسألة وينقح السيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين مما شابها من الآثار الضعيفة أو المكذوبة.
الجواب: هذا الحديث الذي فيه أن لحم البقر داء هذا حديث باطل مكذوب على الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يمكن أن يصح إطلاقاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول فيما أحل لنا: وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ [الأنعام:144] فأباح الله عز وجل لحم البقر، وهل الله تعالى يبيح لعباده ما هو داء؟ لا. لا يمكن أن يبيح ما هو داء، إذاً: فهذا الحديث نعلم أنه مكذوب، وقد خرجه بعض الأخوة من طلبتنا وبين أنه كذب لا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام.
الجواب: هذا سؤال غريب.
أولاً: أن السنة دلت على ذلك دلالة صريحة، قالت عائشة رضي الله عنها: [أول ما فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فزيد في صلاة الحضر وبقيت صلاة السفر على الفريضة الأولى].
ثانياً: أن هذا أمر مجمع عليه، يعني: لو قال لنا إنسان: إنه يمكن أن تكون صلاة الفجر ثلاثاً لكان كافراً؛ لأن هذا إنكار لما علم بالضرورة من دين الإسلام، وعدد ركعات الصلوات أمر لا يشك فيه أحد. أمر مجمع عليه.
وهذا حديث عائشة ذكرته لك، وإجماع المسلمين عليه من عهد رسول الله إلى يومنا هذا، هل الأمة الإسلامية مجمعة على خطأ منذ بزغ نجم الإسلام إلى اليوم، هذا الذي يشككه في هذا -أيها الشباب!- رجل مفسد لأنه في قرارة نفسه يعلم أن هذا لا يحتاج إلى طلب الدليل، عمل المسلمين عليه من ذاك الوقت إلى يومنا هذا، هذا أكبر دليل، لكن احذروا مثل هؤلاء الذين يردون عليهم مثل هذه الأسئلة، احذروهم وفروا منهم كما تفرون من الموت أو أكثر.
نسأل الله أن يقي المسلمين شر أمثال هؤلاء، إنه على كل شيء قدير.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر