أما بعد:
فهذا هو اللقاء الأخير في شهر صفر عام (1415هـ) من اللقاء المعروف بـ(لقاء الباب المفتوح)، والذي يكون كل يوم خميس من كل أسبوع.
وهذا اليوم هو اليوم (السابع والعشرون) من شهر صفر.
وكان من عادتنا أن نتكلم عن تفسير شيء من آيات الله، وقد انتهينا إلى قوله تبارك وتعالى: كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً [الفجر:21] * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً[الفجر:22] * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى[الفجر:23].
واعتبر -يا أخي- لما يُسْتَقْبَل بما مضى، كل ما مضى كأنه ساعة من نهار، كأننا خلقنا الآن، فكذلك ما يُسْتَقْبَل سوف يمر علينا سريعاً، وينتهي السفر إلى مكان آخر ليس مُسْتَقَرَّاً؛ إلى الأجداث.. إلى القبور، ومع هذا فإنها ليست محل استقرار؛ لقول الله تعالى: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2].
سمع أعرابي رجلاً يقرأ هذه الآية فقال: (والله ما الزائر بمقيم، ولا بد من مفارقةٍ لهذا المكان، وهذا استنباط قوي وفهم جيد، تؤيده الآيات الكثيرة الصريحة في ذلك، كما في قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [المؤمنون:15-16].
فالأمر الأول: مجيء الله تعالى:
وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر:22] وهذا المجيء هو مجيئُه عزَّ وجلَّ؛ لأن الفعل أُسنِد إلى الله، وكل فعل أسند إلى الله فهو قائم به لا بغيره، هذه هي القاعدة في اللغة العربية، والقاعدة في أسماء الله وصفاته: كل ما أسنده الله لنفسه فهو له لا لغيره.
وعلى هذا فالذي يأتي هو الله عزَّ وجلَّ، وليس كما حرفه أهل التعطيل ، حيث قالوا: إنه جاء أمر الله، وهذا إخراجٌ للكلام عن ظاهره بلا دليل.
فنحن من عقيدتنا أن نجري كلام الله ورسوله على ظاهره، وأن لا نحرف فيه، ونقول: إن الله تعالى يجيء يوم القيامة هو بنفسه؛ ولكن كيفية هذا المجيء؟ هذا هو الذي لا علم لنا به، فلا ندري كيف يجيء.
والسؤال عن مثل هذا بدعة، كما قال الإمام مالك رحمه الله حين سأله سائل عن قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] كيف استوى؟! فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرُّحَضاء -أي: العرق- لشدة هذا السؤال على قلبه؛ لأنه سؤالٌ عظيم، سؤالُ متنطِّع، سؤالُ متعنِّتٍ أو مبتدعٍ يريد السوء، ثم رفع رأسه، وقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
والشاهد هو قوله: والسؤال عنه بدعة واعتَبِرْ هذا في جميع صفات الله.
فلو سألَنا سائل فقال: إن الله يقول: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75] أي: آدم، كيف خلقه بيده؟!
نقول: هذا السؤال بدعة.
فلو قال: أنا أريد العلم، ولا أحب أن يخفى علي شيء من صفات ربي، فأريد أن أعلم كيف خَلَقَه!
نقول: نحن نسألك أسئلة سهلة.
السؤال الأول: هل أنت أحرص على العلم من الصحابة رضي الله عنهم؟!
فهو إما أن يقول: نعم.
وإما أن يقول: لا.
والمتوقع أن يقول: لا.
السؤال الثاني: هل الذي سألته أعلم بكيفية صفات الله عزَّ وجلَّ أم الرسول عليه الصلاة والسلام؟!
سيقول: الرسول صلى الله عليه وسلم.
إذاً: الصحابة أحرص منك على العلم، والمسئول الذي وجَّهوا إليه السؤال أعلم من الذي تسأله أنت، ومع ذلك ما سألوه؛ لأنهم يلتزمون الأدب مع الله عزَّ وجلَّ، ويقولون بقلوبهم وربما بألسنتهم: إن الله أجل وأعظم من أن تحيط أفهامُنا وعقولُنا بكيفيات صفاته، وقال الله عزَّ وجلَّ في كتابه في الأمور المعقولة: وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً [طه:110] وفي الأمور المحسوسة: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ [الأنعام:103].
فنقول: يا أخي! الزم الأدب، لا تسأل كيف خلق الله آدم بيده، فإن هذا بدعة.
وكذلك الحال في بقية الصفات، فلو سأل: كيف عين الله عزَّ وجلَّ؟!
قلنا له: هذا بدعة.
ولو سأل: كيف يد الله عزَّ وجلَّ؟
قلنا له: هذا بدعة. وعليك أن تلزم الأدب، وأن لا تسأل عن كيفية صفات الله عزَّ وجلَّ وكل إنسان يسأل عن كيفية صفات الله فهو مبتدع، متنطِّع، سائلٌ عما لا يمكن الوصول إليه. فموقفنا من مثل هذه الآية وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر:22] أن نؤمن بأن الله يجيء؛ لكن على أي كيفية؟
الله أعلم.
ولو قال قائل: هل يحتمل أن يكون مجيئُه كمجيء الإنسان العادي، أو كمجيء الملِك إلى مكان الاحتفال؟!
الجواب: نحن نعلم أنه لا يكون، والدليل: قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] فنحن نعلم النفي، ولا نعلم الإثبات، أي: نعلم أنه لا يمكن أن يأتي على كيفية إتيان البشر؛ ولكننا لا نثبت الكيفية، وهذا هو الواجب علينا.
الأمر الثاني: صفوف الملائكة:
قال تعالى: وَالْمَلَكُ صَفَّاً صَفَّاً (أل) هنا: للعموم، أي: جميع الملائكة يأتون فينـزلون ويحيطون بالخلق، تنـزل ملائكة السماء الدنيا، ثم ملائكة السماء الثانية، وهلم جراً، يحيطون بالخلق إظهاراً للعظمة، وإلا فإن الخلق لا يمكن أن يفروا يميناً ولا شمالاً؛ لكن إظهاراً لعظمة الله وتهويلاً لهذا اليوم العظيم تنـزل الملائكة فيحيطون بالخلق.
وهذا اليوم يوم مشهود، يشهده الملائكة والإنس والجن والحشرات وكل شيء، وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ [التكوير:5] فهو يوم عظيم لا ندركه الآن ولا نتصوره؛ لأنه أعظم مِمَّا يُتَصَوَّر.
فبعد أن عرفنا الأمر الأول، وهو: مجيء الله تعالى.
ثم الأمر الثاني، وهو: صفوف الملائكة.
نعرف الأمر الثالث هذا اليوم، وهو: المجيء بجهنم:
فقوة الملائكة عظيمة، وهذه النار يجرها سبعون ألف زمام، كل زمام يجره سبعون ألف ملك.
إذاً: هي عظيمة نسأل الله العافية، ونسأل الله أن يجيرنا وإياكم منها.
فهذه النار إِذَا رَأَتْهُم [الفرقان:12] أي: إذا رأت أهلها مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً [الفرقان:12] وزفيرها ليس كزفير الطائرات، أو المعدات، بل هو زفير تنخلع منه القلوب والعياذ بالله.
وقال تعالى: كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ [الملك:8].
وقال الله عزَّ وجلَّ: تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ [الملك:8] تكاد تقطع من شدة الغيظ على أهلها والعياذ بالله، فلهذا أنذرنا الله تعالى منها.
فهذه ثلاثة أمور كلها إنذار:
1- مجيء الرب جلَّ جلالُه.
2- صفوف الملائكة.
3- الإتيان بجهنم.
قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:23] يتذكر ويتعظ؛ لكن أنَّى له الاتعاظ، فقد فات الأوان، وانقطع الاتعاظ بحضور الأجل في الدنيا قبل أن يصل الإنسان إلى الآخرة، وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ [النساء:18].
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المتعظين بآياته، ونسأله تعالى أن يرزقنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، ورزقاً طيباً واسعاً.
الجواب: أنت جمعتَ ثلاثة أسئلة يا أخي!
الأول: طواف الإنسان عن الميت، الصحيح: أنه جائز، وأن الميت ينتفع به، ويصل إليه ثوابه؛ لكن هناك شيء خير منه، وهو الدعاء للميت، فالدعاء للميت أفضل من الاعتمار له، ومن الحج، والطواف، ومن القراءة، ومن الصلاة، ومن الصيام، والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) فَعَدَل النبي صلى الله عليه وسلم عن العمل إلى الدعاء، مع أن الحديث في العمل، ولم يقل: أو ولد صالح يعمل له.
فنقول: إن فعل الإنسان وطاف حول الكعبة بنية أنه لفلان فلا بأس؛ لكن لو طاف لنفسه ودعا للميت كان أحسن.
وصلاة الركعتين خلف المقام تتبع الطواف، فكلما طاف الإنسان فإنه يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم.
الجواب: ليس من شأننا في هذا اللقاء أن نتحدث عن شخص بعينه؛ لكننا نقول:
أولاً: كل إنسان له قدم صدق في الأمة الإسلامية من أول الأمة إلى آخرها لا شك أنه يُحْمَد على ما قام به من الخير.
وثانياً: كل إنسان مهما بلغ من العلم والتقوى فإنه لا يخلو من زلل، سواءً كان سببه الجهل أو الغفلة، أو غير ذلك؛ لكن المنصف كما قال ابن رجب رحمه الله في خطبة كتابه: القواعد: (المنصف من اغتفر قليلَ خطأِ المرء في كثير صوابه) ولا أحد يأخذ الزلات ويغفل عن الحسنات إلا كان شبيهاً بالنساء. فإن المرأة إذا أحسنت إليها الدهر كله ثم رأت منك سيئة قالت: لَمْ أرَ خيراً قط، ولا أحد من الرجال يحب أن يكون بهذه المثابة -أي: بمثابة الأنثى- يأخذ الزلة الواحدة ويغفل عن الحسنات الكثيرة.
وهذه القاعدة، أي: أننا لا نتكلم عن الأشخاص بأعيانهم، لا في مجالسنا في مقام التدريس، ولا في اللقاءات، ولا فيما يورَد إلينا من الأسئلة، أقول: هذه القاعدة نحن ماشون عليها، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا عليها؛ لأن الكلام عن الشخص بعينه قد يثير تحزبات وتعصبات، والواجب أن نعلق الأمور بالأوصاف لا بالأشخاص، فنقول: من عمل كذا فيستحق كذا، ومن عمل كذا فيستحق كذا، سواءً كان خيراً أو شراً، ولكن عندما نريد أن نقوِّم الشخص يجب أن نذكر المحاسن والمساوئ؛ لأن هذا هو الميزان العدل، وعندما نحذر من خطأ شخص نذكر الخطأ فقط؛ لأن المقام مقام تحذير، ومقام التحذير ليس من الحكمة أن نذكر المحاسن؛ لأنك إذا ذكرت المحاسن فإن السامع سيبقى متذبذباً، فلكل مقام مقال.
فمن أراد أن يتكلم عن شخص على وجه التقويم فالواجب عليه أن يذكر محاسنه ومساوئه، هذا إذا اقتضت المصلحة ذلك، وإلا فالكف عن مساوئ المسلمين هو الخير.
وأما من أراد أن يُحذِّر من خطأ فهذا يذكر الخطأ، وإذا أمكن أن لا يذكر قائله فهو خير أيضاً؛ لأن المقصود هو هداية الخلق.
الجواب: يبدأ بأكبر القوم، ثم يبدأ بمن على يمينه هو، لا بمن على يمين هذا الأكبر، مثلاً: إذا دخل إلى المجلس ووجد في صدر المجلس كبراء، يعمد إلى صدر المجلس فيعطي الأكبر، ثم يبدأ عن يمينه هو، والذي عن يمينه سيكون عن يسار هذا الأكبر؛ لأن التيامن هو الأفضل، فنحن أعطيناه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كَبِّر كَبِّر) ثم نعطي الأيمن.
أما لو كان الإناء واحداً وأعطيناه للأكبر ففرغ منه، فإنه يعطيه مَن على يمينه ولو كان صغيراً، كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الجواب: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في الصلاة سنة، واختلف العلماء رحمهم الله: هل يستعيذ في كل ركعة أم في الركعة الأولى فقط؟
في ذلك قولان:
والذي يظهر لي: أن قراءتها في الصلاة مرة واحدة، فتكون الاستعاذة في أول ركعة، إلا إن حدث ما يوجب الاستعاذة كما لو انفتح عليه باب الوساوس، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الإنسان إذا انفتح عليه باب الوساوس أن يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
الجواب: الأطفال الصغار إن حصل منهم أذية فإنهم يُخْرَجون؛ لكن يكون إخراجهم ليس بالزجر والصياح عليهم. إنما بأن يتصلوا بأولياء أمورهم، ويقال: يا فلان، إن ابنك أو أخاك يشوِّش علينا، حتى يكون كفُّه عن المسجد من قِبَل ولي أمره، وأنت تعلم بأنك لو صحت بهذا الصبي انزعج وكره المسجد، وكره الحضور إليه، وربما يكون في قلب وليه شيء عليك؛ لكن إذا أتيت الأمر من بابه صار أحسن، أما إذا كان الصبي لا يحصل منه أذية، لا بقوله ولا بفعله، فإنه لا يجوز إخراجه من المسجد، ولا تحويله من مكانه، ولو كان في مُقَدَّم الصف إلى مكان آخر، بل يبقى في مكانه، ولو كان خلف الإمام؛ لأن من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو أحق به، وقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل أخاه من مكانه ويجلس فيه).
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز تحويل الصغار من الصف الأول إلى الصف الثاني، فإن جاء رجال بالغون، حولوهم من الثاني إلى الثالث، وهكذا حتى يكونوا في آخر المسجد، بناءً على قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لِيَلِنِي منكم أولو الأحلام والنُّهى) أولو الأحلام أي: البالغين. والنُّهى أي: العقلاء، ولكن في الاستدلال بهذا الحديث على هذه المسألة نظر، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عندما قال: (لِيَلِنِي منكم أولو الأحلام والنُّهى) يريد بذلك حث هؤلاء على التقدم حتى يَلُوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولو كان المراد طرد الصغار من الصف الأول وما أشبه ذلك لقال: لا يَلِنِي منكم إلا أولو الأحلام والنهى، فلو كانت عبارة الحديث: لا يَلِنِي إلا أولو الأحلام، لقلنا: هذا نهي عن أن يَلِيه الصغار أو المجانين فيُحوَّلون إلى مكان آخر.
ثم إن تحويل الصغار من الصفوف المقدَّمة حتى يكونوا في آخر صف إن هذا مما يزيد كراهيتهم للمسجد وأهل المسجد، ومما يزيد تشويشهم أيضاً؛ وإذا كانوا صفاً واحداً كَثُر منهم التشويش واللغط، بخلاف ما إذا كانوا بين الناس.
نعم .. لو فرضنا أنه كان إلى جانبك صبيان، وخشيتَ أن يعبثا فلا بأس أن تفرق بينهما، درءاً لِمَا يُخشى من المفسدة.
الجواب: الحيوانات تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: طبيعته الإيذاء :-
فهذا يُسَنُّ قتله، سواءً أكان مِمَّا نص عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كالعقرب، والفأرة، والكلب العقور، أو كان مِمَّا سواه ممن يشاركه في علة الحكم وهو الأذية، ولهذا قال العلماء: يُسَنُّ قتل كل مُؤذٍ، فهذا يُقْتَل إذا كان من عادته الأذى، حتى وإن لم يؤذِ؛ لأنه إن لم يؤذِ هذه المرة آذى في المرة الأخرى.
القسم الثاني: ما لا أذية فيه ولا مضرة:
فهذا لا يُقَتَل؛ ولكن قتلَه ليس حراماً؛ إلا أن الأولى عدم قتله، فإن آذاك فلك أن تقتله دفعاً لأذاه.
وإنما قلنا: إن الأولى عدم قتله إذا لم يؤذِك؛ لأن الحيوانات والحشرات من حيث ورود الشرع في حقها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- قسم أُمِرَ بقتله.
2- وقسم نُهِيَ عن قتله.
3- وقسم سُكِتَ عن قتله.
- فالذي أُمِرَ بقتله، مثل: العقرب، والفأرة، والكلب العقور، والحيَّة، والوزغ، وما أشبه ذلك.
والذي نُهِىَ عن قتله، مثل: النملة، والنحلة، والهدهد.
والذي سُكِتَ عن قتله مثل: بقية الحيوانات والحشرات، فهذه مسكوت عنها، والأولى عدم قتلها؛ لأن قتلها أقل ما فيه أنه إزهاق روح بغير سبب.
ثم إن بعض العلماء قال: إنها ما دامت في حياة فهي تسبح الله عزَّ وجلَّ، وإذا ماتت انقطع التسبيح، فقتلك إياها يعني: إتلافها بحيث لا تسبح.
وعلى كل حال، فالحكم أن الأولى عدم قتلها ما لم تؤذِِك، فإن آذتْك فلا بأس أن تقتلها.
الجواب: طالب العلم ينبغي أن يركز أسئلته على المقرر؛ لأنه الآن مكلف بفهمه، فلا تخرج الأسئلة عنه، وعليه أن يقتصر عليه.
وإذا كانت هناك مسألة في غير المقرر فليسأل عنها في وقت آخر؛ لأن خروج الأسئلة عن موضوع الدرس -مثلاً- توجِب تشتت الطلبة، وتعيقهم عَمَّا ينبغي أن يكونوا عليه. هذا هو الضابط.
ولكن هناك أسئلة يطرحها بعض الطلبة وإن كانت في المقرر إلا أنها لا هدف لها، والسكوت عنها أولى؛ ولكن المجيب سيكون عنده حكمة ويبين أن هذا لا فائدة منه، وأنه لا ينبغي أن يُسأل عنه، ويحصل المقصود إن شاء الله.
الجواب: والله يبدو أن الناس قد انفتحوا على الأسماء، فعدلوا عن الأسماء القديمة، وعن الأسماء الحديثة القريبة إلى أسماء جديدة غريبة، كما قلتَ: بعضُهم صار يسمي بما يختص بالقرآن مثل: (بيان) أو (فرقان) وبعضُهم يسمي: (مَلَك) أو (ملاك) وبعضُهم يسمي (أبرار) إلى غير ذلك.
فما شابه ما نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام أو غَيَّره، فإنه يُنْهى عنه ويُغَيَّر، ومع ذلك فالأصل فيه الحِل؛ لأن القاعدة الشرعية التي ينبغي لطالب العلم أن يفهمها أن (الأصل فيما عدا العبادات الحل) سواء في العادات، أو في المنافع، أو في غيرها، الأصل فيها الحل، إلا ما جاء فيها الدليل على تحريمه، وأما (العبادات فالأصل فيها المنع إلا ما قام الدليل على مشروعيتها).
لكن مثل: (بيان) نقول: لا تُسَمِّ به؛ لأن بيان من أسماء القرآن، وهذه المرأة ليست بياناً، قد لا تكون مبيِّنة فضلاً عن كونها بياناً.
وكذلك (أبرار) فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم غيَّر اسم (برة) إلى (زينب) أو إلى (جويرية) فـ(أبرار) أولى بالتغيير؛ لأن (برة) مؤنث ومفرد، و(أبرار) مذكر وجمع.
وكذلك (إيمان) لا يُسمَّى به.
وكذلك أسماء الملائكة، فلو أراد الإنسان أن يسمي بأسماء الملائكة، قلنا: لا تُسَمِّ بها، مثل أن يسمي الإنسانُ: (جبريل) و(ميكائيل) و(إسرافيل).
والأحسن أن ترجع إلى كتاب ( تحفة الودود في أحكام المولود ) لـابن القيم ، فقد ذكر فيه شيئاً قيِّماً، وأظن أن الشيخ بكر أبو زيد قد ألف رسالة في هذا الموضوع.
السائل: فهل يلزم التغيير؟
الشيخ: الاسم الذي فيه محظور شرعي يلزم فيه التغيير؛ مثل (أبرار)، كما غيَّر الرسول غيِّر.
الجواب: صحيحٌ أن المرء مؤتمن على دينه؛ لكن إذا كان يريد أن يخل بدينه فهل نوافقه على ذلك؟!
فإذا رأينا أناساً قد فتحوا أبواب دكاكينهم والناس يصلون، فلا بد أن ننهاهم عن هذا، وإذا رأينا من يفعل منكراً لا بد أن ننهاه.
لكن لو أن إنساناً قال لنا: إنه قد صام رمضان، فنحن لا نقول: لا بد أن تصوم أمامنا! لأن الإنسان مؤتَمن على دينه، أو قال: إني أديتُ الزكاة، فإنه مؤتَمن على دينه، فلا نقول: لا بد أن تؤديها ونحن نشاهد! أما أن نشاهد رجلاً يفعل المنكر ويترك الواجب، فإنه لا بد أن نأمره بالمعروف وننهاه عن المنكر.
الجواب: الذي أرى أن هذا مما يلقيه الشيطان بين الناس بالتحريش بينهم؛ لأن الشيطان لما رأى الفتح في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وقوة الإسلام، يَئِس من أن يُعْبَد في هذه الجزيرة ؛ ولكن بالتحريش بينهم، وهذا هو الواقع.
والذي نرى هو أن الواجب على الشباب وغير الشباب أن يتقوا الله سبحانه وتعالى ويصلحوا ذات بينهم، كما أمر الله بذلك: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأنفال:1] وأن لا يكون همهم القيل والقال وكثرة السؤال، بل على كل إنسان أن يرى مصلحته الدينية والدنيوية ويقوم بها، وأما التعرُّض لأناس بأشخاصهم بالقَدْح فيهم وهم ليسوا محلاً للقدح، فهذا خطأ عظيم.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الغيبة؟ فقال: (ذِكْرُك أخاك بما يَكْرَه، قال: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه).
وغيبة العلماء والأمراء أشد من غيبة غيرهم؛ لأن غيبة العلماء يحصل بها انحطاط قدر العالِم بين الناس، وإذا انحط قدر العالِم بين الناس فلن يقبلوا ما يأتي به من شريعة الله، فتكون غيبة العالِم قدحاً فيه، ومنعاً لما ينتفع به الناس مِمَّا يُلْقِيه من شريعة الله عزَّ وجلَّ.
وغيبة الأمراء -أيضاً- هي الأخرى مصيبتها عظيمة؛ لأن الناس إذا انحط قدر أمرائهم عندهم فإنهم لن ينصاعوا لأوامرهم، وسوف يحتقرونهم، فتحصل الفوضى، ويختل الأمن، ولهذا قال الله عزَّ وجلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] وهذا يشمل العلماء والأمراء، فإذا كان هؤلاء قد أمرنا بطاعتهم في غير معصية الله فالواجب احترامهم واحترام أعراضهم، وإذا عَلِمنا عن أحد منهم خطئاً أو زللاً فالواجب النصيحة له حتى يزول الإشكال.
المهم أنِّي أنصح الشباب من هذا التفرُّق، وأقول: إياكم والتعصُّب لأحد، بل تعصبوا للحق أينما كان، ولا تكرهوا هذا لأنه ليس على رأي هذا، بل الواجب محبة أهل الخير، وتجنُّب نشر المساوئ.
الجواب: كفُّ الكُمِّ في الصلاة: إن كفَّهُ لأجل الصلاة فإنه يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا أكف شعراً ولا ثوباً) وإن كان قد كَفَّه من قبل لعملٍ قبل أن يدخل في الصلاة، أو كَفَّه لكثرة العرق وما أشبه ذلك فليس بمكروه.
السائل: وإذا كان طويلاً؟
الشيخ: إذا كان طويلاً فلا بأس؛ لكن أشير عليه أن يقطعه إذا كان طويلاً حتى لا يؤذيه، أو يبقى طويلاً فيدخل في الخيلاء.
الجواب: كل مـن يأمـرك بالسـوء والفحشاء وينهاك عن الصلاح والاستقامة فهو شيطان، لقول الله تبارك وتعالى: وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [النور:21].
وقال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ [المائدة:91].
فكل إنسان يأمرك بالفحشاء والمنكر وينهاك عن ذكر الله وعن الصلاة فهذا هو الشيطان.
السائل: وإن كان أحدَ الوالِدَين؟
الشيخ: ولو كان أحدَ والِدَيك! لكن احرص على أن تبادره بالنصيحة، (فَلَأَنْ يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمُر النَّعَم) وعامة الناس قد يأمرون بما يظنونه خيراً وهم لا يعلمون.
الحالة الأولى: إذا اشترط البكارة.
والحالة الثانية: إذا لم يشترط البكارة.
فهل له حق الفسخ أم لا؟
الجواب: المعروف عند الفقهاء أن الإنسان إذا تزوج امرأة على أنها بكر، ولم يشترط أن تكون بكراً، فإنه لا خيار له، وذلك لأن البكارة قد تزول بعبثٍ المرأة بنفسها أو بقفزة قوية تُمَزِّق البكارة، أو بإكراه على زنا، فما دام هذا الاحتمال وارداً فإنه لا فسخ للرجل إذا وجدها غير بكر.
أما إذا اشترط أن تكون بكراً فإن وجدها غير بكر فله الخيار.
الجواب: أظننا يا أخي لم نقم من مكاننا الذي نهيناكم فيه عن التحدث بمثل هذه الأمور.
فإذا كنتَ في بلد وأنت في ثلث الليل الآخر فآمن بأن الله نزل إلى السماء الدنيا، وإذا كنت في بلد في غير هذا الوقت فلا نزول.
مثلاً: بالنسبة لنا هنا فنحن في قبيل الظهر، وليس فيه نزول؛ لكن إذا جئنا إلى جهات أخرى وهم في ثلث الليل الآخر نقول: ثبت النزول، والله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] في جميع صفاته.
فالسؤال هذا سؤال متنطِّع، يجب على صاحبه أن يؤمن بأن الله ينـزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة، وفي كل مكان، أما أن تقول: يبقى دائماً نازلاً فهذا ليس بصحيح.
فأرى أن تبقي هذه الإجابة في جيبك وألا تخرجها، فمتى كنتَ في ثلث الليل الآخِر فالرب نازل، ومتى كنتَ في غير هذا الوقت فالرب غير نازل وانتهى الموضوع؛ لأن صفات الله ليست كصفات المخلوق، فالآن نحن نؤمن بأن الله ينـزل إلى السماء الدنيا، ونؤمن بأنه فوق كل شيء، فهل يُتَصَوَّر هذا في المخلوق أن ينزل إلى مكانٍ نازلٍ، وهو فوق كل شيء؟! ومع ذلك نحن نؤمن بأن الله فوق كل شيء، وأنه نازلٌ، وأن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، ولا نقول أيضاً: كيف يكون العبد أقرب إلى ربه وهو ساجد، وهو فوق عرشه؟!
فنقول: هذا إنما يورد إذا ما تصورنا أن صفات الخالق كصفات المخلوقين.
فنصيحتي لكم -يا إخواننا- أن لا تتعرضوا لمثـل هذه الأشيـاء؛ لأن الله أعظم وأجل من أن تدركه العقول أو الأبصار، (قل: آمنتُ بالله) وقل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] وانتهى الموضوع.
فإذا عُرَضَت عليك مثل هذه المسائل؛ لأن هذا يَعْرِض على بعض الناس، فيظن بعقله أن نزول الخالق كنزول المخلوق، فنقول: آمِن بما جاء به النص ولا تتعداه، ولا تورد أسئلة حوله.
الجواب: وقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قدر رمح، أي: نحو ربع ساعة أو ثلث ساعة بعد طلوعها إلى قبيل الزوال، وقبيل الزوال نحو ما بين عشر دقائق إلى خمس دقائق فقط، وذلك لأن أقصر أوقات النهي هذا الوقت، هذا على القول الراجح، وإن كان بعض العلماء يقول: إن معنى قوله: (حين تَغِيْبُ الشمس للغروب) أي: إذا شرعت في الغروب، إذا بدأ قرصها يغيب إلى أن ينتهي، ولكن الصحيح أن قوله: (حين تَغِيْبُ الشمس للغروب) معناه: إذا بقي على غروبها مقدار رمح، كما في الشروق.
السائل: أذكر يا شيخ أنك ذكرتَ بالنسبة للشروق أنه بعد ارتفاع الشمس قدر رمح يُحدَّد ما بين سبع دقائق إلى عشر دقائق في السابق.
الشيخ: لعلَّك نسيتَ.
السائل: لعلِّي نسيتُ.
الشيخ: عشر دقائق ممكنة؛ لكن الأحسن أن نزيد.
الجواب: المصاب بسلس البول نسأل: هل ينقطع عنه أو هو مستمر؟ لأن بعض الناس يكون فيه السلس إذا بال قريباً، وبعد عشر دقائق أو ربع ساعة يتوقف، فهذا له حكم. وإنسان آخر لا يتوقف بوله، فمتى حصل في المثانة نزل.
أما الأول: فنقول: انتظر حتى يقف ثم صلِّ، حتى ولو فاتتك صلاة الجماعة.
وأما الثاني: فنقول: توضأ إذا دخل الوقت وتحفظ، ثم صلِّ، ولا يضرك ما خرج.
الجواب: الموالاة في الواقع هي: المناصرة والمعاضدة، بحيث تناصر الكافرين وتعاضدهم على المسلمين، فإن عاضدتهم وناصرتهم على كفار أشد منهم فهذا خير؛ لأن هؤلاء الأعداء الذين يريدون المسلمين أشر من هؤلاء، فهذا يعني: أنك دفعتَ أعلى المفسدتين بأدناهما، إذا لم تخف خيانة من الذين ناصرتَهم على العدو.
وأما إذا ناصرتهم على مسلمين فهذا خطر عظيم، وهذا هو الذي يُخشى أن يدخل في قوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51].
وأما معاملتهم في البيع والشراء، وأن يدخلوا في عهدنا فهذا جائز، فقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبيع ويشتري من اليهود، فقد اشترى طعاماً لأهله، ومات ودرعه مرهونة عندهم، وكان يقبل هديتهم، وكانت خزاعة دخلت في عهده حين عاهد قريشاً في صلح الحديبية وهم كفار؛ لكنهم كانوا أهل نصح للمسلمين.
وهذه المسألة من أدق المسائل وأخطرها، ولا سيما عند الشباب؛ لأن بعض الشباب يظن أن أي شيء يكون فيه اتصال مع الكفار فهو موالاة، والأمرُ ليس كذلك، فالموالاة لها معانٍ كثيرة؛ ولكن الشيء الذي يكون خطراً وربما يُخْرِج من الإسلام هو مناصرتهم ومعاضدتهم على المسلمين.
الجواب: أولاً: لا بد أن يثبت هذا عن الإمام أحمد .
ثانياً: إذا قُدِّر أنه رحمه الله أخطأ في هذه المسألة التي لا يقرها هو بعموم كلامه، فلا يعني ذلك أنه معصوم، ويُقْبَل رأيُه.
ثالثاً: ذكرتَ أنه يُفَوِّض، وهذا على إطلاقه فيه نظر؛ لأن التفويض نوعان:
تفويض المعنى.
وتفويض الكيفية.
فـأهل السنة والجماعة يفوضون الكيفية، ولا يفوضون المعنى، بل يقرُّون به، ويثبتونه، ويشرحونه، ويقسمونه، فمن ادعى أن أهل السنة هم الذين يقولون بالتفويض (ويعني به تفويض المعنى) فقد كذب عليهم.
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه ( درء تعارض العقل والنقل ) أن قول أهل التفويض من شر أقوال أهل البدع والإلحاد.
هذا هو الذي يقوله بعض الناس، أنه مذهب أهل السنة والجماعة ، وهو التفويض، ولذلك يقولون: أهل السنة قسمان:
ومُؤوِّلة.
وهذا خطأ عظيم، فـأهل السنة مُؤوِّلة ، وأهل السنة مُفَوِّضة؛ لكنهم يؤولون إذا دل الدليل على التأويل، ويفوضون الكيفية، وأما المعنى فلا يفوضونه.
وخلاصة الجواب على سؤالك: أن نقول: إن صح هذا عن الإمام أحمد فالإمام أحمد ليس بمعصوم، ولكنني لا أظنه يصح.
الجواب: الذي يظهر: أنها سنة في حق من يحتاج إليها، مثل أن يكون الإنسان متعباً، فيحب أن يستريح بالاضطجاع من أجل أن يقوى على صلاة الفجر.
وأما من لا حاجة له إليها فلا، وكذلك من يخشى أنه إذا اضطجع نام ولن يقوم إلا بعد طلوع الشمس، فهذا أيضاً لا يضطجع.
الجواب: نقول: لا بأس، إذا كان بدون طلب منك فلا حرج عليك أن تأخذ ما يعطونك، أما إذا كنتَ موظفاً فلا تأخذ شيئاً.
السائل: وإذا كان داخل المدينة يا شيخ؟
الشيخ: داخل المدينة أو خارجها كلاهما سواء.
الجواب: يقول العلماء: مَن اتُّهِم بقرابة أو زوجية فإن شهادتَه لا تُقْبَل ممن اتهم فيه، وتُقْبَل شهادتُه على مَن اتُّهِم فيه، وهذا صحيح، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [النساء:135].
فإن شهد الرجل على زوجته أنها فعلت شيئاً وكانت الشهادة عليها، فإن شهادتَه تُقبَل ولا شك.
لكن إن شهد لها فأكثر العلماء يقولون: لا تُقبَل لأنه مُتَّهم بالانحياز.
وقال بعض العلماء: إذا كان مُبَرِّزاً بالعدالة، ونعلم أنه لن يشهد بشهادةِ زورٍ ولو لزوجته، فإن شهادتَه تُقبَل، وحينئذ أقول: يُرْجَع إلى رأي القاضي في هذه المسألة.
وخلاصة القول: أن الشهادة للوالد أو للولد أو للزوجة، الأصل فيها أنها لا تُقبَل.
أما الشهادة عليهم فمقبولة. والله أعلم.
الجواب: الذي يبغض الملتزمين ودعاةَ الحق من أجل قيامهم بشريعة الله أو دعائهم إلى الحق فهذا يُخشى أن يكون كالذين قال الله فيهم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ [التوبة:65] ويكون كارهاً لشريعة الله.
وأما الذي يكره الشخص لنفسه، لا لأنه ملتزم، فهذا لا يدخل في الآية.
فإن قال قائل: ما الفرق؟!
قلنا: الفرق عظيم؛ لأن مَن كَرِهَه لالتزامه فقد كَرِهَه لدينه، ومَن كَرِهَه كراهةً شخصية فليس لدينه.
وأنا أضرب لكم مثالاً: بعض الناس إذا رأى الشاب قد رفع ثوبه إلى نصف الساق كَرِهَه؛ لكن لو رأى أحد مشايخنا الكبار قد رفع ثوبه إلى منتصف الساق هل يكره الشيخَ؟! لا.
إذاً .. كراهتُه للشاب لا لأنه ملتزم! فبعض الناس يكره هذا الشخص إذا رآه ملتزماً ولا يكره مثله إذا كان له قيمته في المجتمع.
وهذه المسألة دقيقة جداً جداً.
فيجب أن نقول لهذا الرجل: هل كرهتَه لكراهتِكَ ما قام به من السنة، أو أنها كراهة شخصية؟
إذا قال الأولى.
قلنا: هذه كراهةٌ لما أنزل الله، والله سبحانه وتعالى يقول: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:9].
وإذا قال: سواء فعل هذا أو لم يفعل هذا فأنا أكره هذا الرجل، أو أظن أنه متزمِّت فأكرهُه لتزمُّتِه.
قلنا: هذه الكراهة لا يكفُر صاحبها، ولا يكون كالأول.
والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر