أما بعد:
فهذا هو اللقاء الخامس والسبعون من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثامن من شهر جمادى الأولى عام (1415هـ).
ونفتتح هذا اللقاء بتفسير سورة الليل.
فأقسم الله تبارك وتعالى بالليل (إذا يغشى) أي: حين يغشى الأرض، ويغطيها بظلامه، لأن الغشاء بمعنى الغطاء.
(أما من أعطى) أي: أعطى ما أمر بإعطائه من مال أو جاه أو علم.
(واتقى) أي: اتقى ما أمر باتقائه من محرمات.
(وصدق بالحسنى) أي: صدق بالقولة الحسنى وهي قول الله عز وجل وقول رسوله؛ لأن أصدق الكلام وأحسن الكلام كلام الله عز وجل.
(فسنيسره لليسرى) السين هنا للتحقيق أي: أن من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسييسره الله عز وجل لليسرى في أموره كلها، في أمور دينه ودنياه، ولهذا تجد أيسر الناس عملاً هو من اتقى الله عز وجل: من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، وكلما كان الإنسان أتقى لله كانت أموره أيسر له قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4] وكلما كان الإنسان أبعد عن الله كان أشد عسراً في أموره.
وَاسْتَغْنَى [الليل:8] أي: عن الله عز وجل ولم يتق ربه بل رأى أنه في غنىً عن رحمة الله نسأل الله العافية والسلامة.
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [ الليل:10] أي: ييسر للعسرى في الأمور كلها.
ولكن قد يأتي الشيطان للإنسان فيقول: نجد أن الكفار أمورهم تتيسر فيقال: نعم قد تتيسر أمورهم لكن قلوبهم تشتعل ناراً وضيقاً وحرجاً، كما قال تعالى: وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125] ثم ما ينعمون به فهو تنعيم جسد فقط، لا تنعيم روح، ثم هو أيضاً وبال عليهم؛ لقول الله تعالى فيهم: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [القلم:44-45]، وقال النبي صلى الله عليه آله وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وتلا قوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]) وهؤلاء عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، ومع ذلك فإن هذه الدنيا جنة لهم بالنسبة للآخرة.
وقد ذكروا عن ابن حجر العسقلاني شارح البخاري بالشرح الذي سماه فتح الباري وكان قاضي القضاة في مصر: أنه مر ذات يوم وهو على عربة تجره البغال والناس حوله برجل يهودي سمَّان -أي: يبيع السمن والزيت- وأنتم تعلمون أن بيّاع السمن والزيت تكون ثيابه وسخة وحاله سيئة، فأوقف العربة وقال لـابن حجر: إن نبيكم يقول: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) فكيف أكون أنا بهذا الحال وأنت بهذه الحال؟! قال له ابن حجر على البديهة: أنا في سجن بالنسبة لما أعد الله تعالى للمؤمنين من الثواب والنعيم، لأن الدنيا بالنسبة للآخرة ليست بشيء كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها)، وأما أنت -يقول لليهودي- فأنت في جنة بالنسبة لما أعد لك من العذاب إن مت على الكفر، فاقتنع بذلك اليهودي وصار ذلك سبباً في إسلامه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمداً رسول الله!!
الجواب: إي نعم! علامات الساعة الكبرى التي تدل على قربها لم تأت بعد، وأما العلامات السابقة فإن بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام من علامات الساعة؛ لأنه خاتم الأنبياء وهذا يدل على أن الأمر قد قرب، لكن هناك أشراط كبيرة تأتي قرب قيام الساعة وتأتي تترى متتابعة.
الشيخ: سؤال: هذا المسجد الذي ذكرت هل هو مشرَّع عن الشارع؟
السائل: لا.
الشيخ: يعني مبني لكن داخل المدرسة ولا يصلي فيه إلا أهل المدرسة.
السائل: نعم لا يصلي فيه إلا أهل المدرسة.
الجواب: الظاهر لي أن هذا مصلى وليس بمسجد، بدليل أنهم لو رحلوا عن هذه المدرسة لكان هذا المسجد لاغياً، لكن مع ذلك أنا أحث إخواننا ألا يجلس أحد حتى يصلي؛ لأن هذا خير، والله! ليأتين على كل واحد منا زمن يتمنى أن في كتاب حسناته ركعة أو ركعتين، فيقال: يا أخي! لماذا تحرم نفسك؟! لأمرين:
أولاً: احتمال أن يكون مسجداً فيدخل في عموم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين).
ثانياً: على فرض أنه ليس بمسجد وهو الأظهر عندي صلِّ ركعتين تنفعك عند الله عز وجل.
الجواب: الحديث: (ماء زمزم لما شرب له) حديث حسن، ولكن ما معنى قوله: (لما شرب له) هل معناه العموم حتى لو شربه الإنسان ليكون عالماً صار عالماً أو ليكون تاجراً صار تاجراً، أو المراد: (لما شرب له) مما يتغذى به البدن فقط، بمعنى: أنك إذا شربته لإزالة العطش رويت، أو لإزالة الجوع شبعت؟
الحديث ليس صريحاً في أنه لكل ما شرب له حتى لو كان خارج البدن، فالذي يظهر لي والله أعلم: أن ماء زمزم لما شرب له مما يتغذى به البدن، بمعنى: أنك لو اكتفيت به عن الطعام كفاك وعن الشراب كفاك، وأما الدعاء عند شربه فقد استحب كثير من العلماء أن يدعو الله سبحانه وتعالى عند شربه.
الجواب: إذا قال قائل: إن المصريين كلهم كذبة والسعوديين كلهم خونة، فهذا يعزر أي: يؤدبه الإمام على قوله؛ لأنه كاذب في كلامه، لا شك أنه كاذب، يعني: لو قدرنا في المصريين كذبة وفي السعوديين كذلك كذبة أو فجرة أو ما أشبه ذلك، ليس كلهم، فإذا بلغ الحاكم قول هذا الرجل فالواجب أن يؤدبه، أما بالنسبة للمصريين والسعوديين والعراقيين والشاميين فهذا لا يضرهم؛ لأنه عام ولا أحد يصدقه بذلك، فصار الآن لنا وجهان:
الوجه الأول: بالنسبة لهذا القول الذي نسبه للعموم وهو كاذب فيه يجب أن يعزر عليه ويؤدب.
ثانياً: بالنسبة لمن قيل فيهم هذا القول فهو لا يضرهم شيئاً لأن الناس يعرفون أن هذا الوصف لا يمكن أن ينطبق على الجميع، ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله في باب القذف قالوا: إذا قذف أهل بلد، بأن قال: هؤلاء أهل البلد كلهم زناة فإنه لا يحد حد القذف وإنما يعزر تعزيراً، لأن هذا القول لا يؤثر شيئاً في أهل البلد كلهم.
أم خالد
) وأيضاً ثبت أنه حفر الخندق ولم يعرف قبل أنه من طريقة المسلمين، فكيف الجمع بين النصوص؟الجواب: التشبه بالكفار فيما يختص بهم، لا في لغتهم ولا في الأخذ من صنائعهم وتجاربهم، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زيد بن ثابت أمراً أن يتعلم لغة اليهود من أجل أن يستقبل كتبهم ويرد عليهم بلغتهم وليس هذا من باب التشبه، التشبه أن يتشبه بما يختص بهم مثل: أن يلبس لباسهم، أو يسمي بأسمائهم الخاصة بهم أو ما أشبه ذلك، وأما التشبه بهم بما ينفع في الصنائع وغيرها فهذا لا بأس به.
السائل: ما معنى خصائص يا شيخ؟!
الشيخ: يعني مثلاً الآن هناك زي معين للكفار بلباسهم، بحيث أنك إذا رأيت رجلاً قلت هذا من الكافرين، فهذا يحرم عليه، كذلك مثلاً لو افترضنا شعورهم يجعلونها على صفة معينة، فهذا لا يجوز التشبه بهم، أما ما كان خارجاً فهذا لا أثر له ولا يضر.
الجواب: صفة المعية العامة ذاتية؛ لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال محيطاً بعباده، وأما المعية الخاصة فهي من صفات الأفعال؛ لأن مقتضاها النصر والتأييد وهذا -أعني بالنصر والتأييد- لا يكون إلا لمن يستحقه، واستحقاقه إنما يكون بعمل حادث من الإنسان، فتكون الصفة المترتبة عليه من صفات الأفعال.
الجواب: لا، لا يجوز لأحد أن يفتات على الإمام، إقامة الحدود من شأن الإمام، وإقامة التعزيرات من شأن الإمام، ولا يحل لأحد أن يفتات عليه، وأقول: من شأن الإمام، والإمام هو الرئيس الأعلى في الدولة، سواء سمي ملكاً أو سمي رئيساً أو إماماً أو أميراً أو شيخاً، أو من ينوب الإمام، كأمراء المناطق ومحافظي المناطق وما أشبه ذلك، لكن للإنسان أن يؤدب ولده وللإنسان أن يؤدب عبده، بل قال العلماء رحمهم الله: للإنسان أن يقيم الحد على عبده إذا كان جلداً لا إذا كان قطع عضو وما أشبه ذلك فإن هذا إلى الإمام.
السائل: وما جاء من فعل شيخ الإسلام؟
الشيخ: يقال هذا فعل أفراد ولا يحتج بأقوالهم، غاية ما هنالك أن يُلتمس لهم عذر، أو يكون هناك ملابسات سوغت لهم أن يفعلوا ذلك، لأننا لو قلنا: كل إنسان يقيم الحد كان كل إنسان يضرب الشخص على ما يريد ونقول له: لماذا؟ قال: لأنه أتى ما يوجب الحد، وصارت المسألة فوضى.
الشيخ: يمنعه هو أو يمنعها؟
السائل: يمنعه هو، وإذا كانت تقرأ القرآن بصوت عالٍ لا يستطيع الجني أن يمنعه، هل يجوز قراءة القرآن في أثناء الجماع؟
الجواب: نعم، لا بأس بذلك، فإذا كان لحاجة لا بأس، لكن عندما يحصل الجماع تكون هي جنباً والزوج أيضاً يكون جنباً فلا تقرأ القرآن، لكن قبل ذلك ما دام لم يولج ذكره فلها أن تقرأ القرآن ولا بأس، لأن هذا حاجب.
الشيخ: أنتم من أهل الرياض؟
السائل: إي نعم.
الشيخ: مشارف الرياض هل معناه: أنكم دخلتم المساكن.
السائل: تقريباً لا.
الجواب: لكم أن تقصروا ما دام الإنسان لم يدخل مساكن البلد، وأنا أعطيك قاعدة: إذا شككت أنه زال سبب القصر أو هو باقٍ فالأصل بقاؤه.
الجواب: البداءة في الخطب والحفلات وما أشبه ذلك بالقرآن الكريم باستمرار ليس من السنة، فلم يعهد أن الرسول عليه الصلاة والسلام، إذا أراد أن يخطب يفتتح الخطبة بالقرآن، لكن هذا شيء حادث كما حدث ختم القرآن بصدق الله العظيم، تجد بعض الناس كلما قرأ وانتهى من القراءة قال: صدق الله العظيم، هذه أيضاً من المحدثات التي لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا في عهد أصحابه، فلذلك لا ينبغي أن يجعل ابتداء الحفلات والندوات بالقرآن دائماً، لكن لو كان هناك محاضرة وموضوع المحاضرة في الصيام مثلاً، وأراد أحد أن يقرأ آيات الصيام في مقدمة المحاضرة هذا لا بأس به؛ لأن المقصود هو أن نستمع للآيات التي في الصيام ثم نبني المحاضرة على هذه الآيات.
الجواب: الالتفات عند الحيعلتين من السنة، لكن الآن لما كان الناس يؤذنون في مكبر الصوت صار الالتفات قد يكون سبباً لخفاء الصوت؛ لأنه إذا التفت لم يكن مقابلاً للآلة اللاقطة وحينئذ يخفى الصوت، فالذي نرى في هذه الحال أنه يبقى متجهاً إلى الآلة اللاقطة بدون التفات، أما وضع اليدين في الأذنين فنعم باقية؛ لأن وضع الإصبعين في الأذنين يؤدي إلى قوة الصوت.
الجواب: كل له وقت، لكن أيهما أكثر صياماً الإثنين والخميس أم الأيام البيض؟
السائل: صيام الإثنين والخميس.
الشيخ: إذاً: يصوم الإثنين والخميس، إذا كان لابد من هذا أو هذا؛ قلنا له صم الإثنين والخميس؛ لأنه أكثر عملاً، ولأنه في الغالب لابد أن تكون الأيام البيض فيها أحد اليومين إما الإثنين وإما الخميس، لكن في نظري أن الذي يصوم الإثنين والخميس لا يعجز عن ثلاثة أيام فليصمها جميعاً.
الجواب: لا يجوز، هذا حرام بل قد يكون من الشرك؛ لأن هذا دعاء للنبي عليه الصلاة والسلام، وبدلاً من أن يقول: أسألك يا رسول الله! أن تشفع لي، يقول: يا رب! شفع فيَّ رسولك، حتى يكون الدعاء موجه إلى الله عز وجل، أما الرسول الآن لا يستطيع أن يشفع لك، ثم حتى يوم القيامة لا يستطيع أن يشفع لأحد إلا بإذن الله، فهذه الكلمة حرام، وقد تكون شركاً بالله عز وجل.
الجواب: هذه القاعدة الذهبية ليست قاعدة ذهبية ولا تستحق أن تكون قاعدة، بل ما اتفقنا فيه فهو من نعمة الله عز وجل، والاتفاق خير من الاختلاف، وما اختلفنا فيه فقد يعذر فيه المخالف وقد لا يعذر، فإذا كان الاختلاف في أمر يسوغ فيه الاختلاف فهذا لا بأس به، ولا زال الأئمة يختلفون، فالإمام أحمد والشافعي ومالك وأبو حنيفة كلهم يختلفون، وأما إذا كان الخلاف لا يعذر فيه كالخلاف في العقائد، فإنه لا يعذر بعضنا بعضاً، بل الواجب الرجوع إلى ما دل عليه الكتاب والسنة، فعلى المرجئة وعلى الشيعة وعلى كل مبتدع أن يرجع إلى الكتاب والسنة ولا يعذر، فهذه القاعدة ليست قاعدة ذهبية، ولعلك تسميها قاعدة خشبية.
عرفت الآن الذي يسوغ فيه الاجتهاد، هذا لا بأس أن نسمح للمخالف، والذي لا يسوغ فيه الاجتهاد كمسائل العقائد التي يخالف فيها الإنسان السلف لا يمكن أن يعذروا.
الجواب: ما داموا مسافرين فليجعلوا لهم كبيراً يرجعون إليه.
السائل نفسه: والصلاة يا شيخ؟!
الشيخ: الصلاة يجب أن يصلوا مع الناس.
السائل: قصراً؟
الشيخ: لا. بل يجب على كل إنسان في بلد أن يصلي مع الناس، حتى وإن لم يجلس إلا يوماً واحداً، لابد أن يصلي مع الناس، لكن إن فاتته الجماعة يصلها قصراً.
الجواب: نرد عليهم بأن عثمان رضي الله عنه جعلها في السوق؛ لأنه ليس هناك مكبر صوت، لو أذن في المسجد أو قريباً من المسجد لم يسمعه أهل السوق، أما الآن فالحمد لله مكبر الصوت موجود، ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان له مؤذنان في مسجد واحد بلال وابن أم مكتوم، يؤذنان في مكان واحد.
الجواب: المراد بالصورة هنا الصورة المحرمة، أما الصورة الممتهنة التي في الفراش وشبهه فهذه لا تمنع دخول الملائكة، وإذا كانت الصورة محرمة فالظاهر -والله أعلم- أنه إذا كانت في حجرة فإن ذلك لا يشمل كل البيت، لا سيما إذا كان أهل البيت قد كرهوا ذلك؛ لأنه يوجد في بعض العوائل يكون واحد منهم قد استهوته الشياطين وصار يقتني الصور ويضعها عنده أو يعلقها على الجدار، وأهل البيت يكرهون ذلك لكن لا يستطيعون منعه، ففي هذه الحال إن أهل البيت الذين يكرهون ذلك لا تمتنع الملائكة من دخول بيتهم، وأما الحجرة التي فيها الصور فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة.
الجواب: الذي أرى أنه إن لم يكن هناك استماع للقرآن فلا يشغل المسجل، وإذا أراد الإنسان أن يستمع إلى المسجل فلينصت، أو يغلقه، أما كون كتاب الله يقرأ وهذا يشتغل في شغل البيت في الكنس أو الطبخ أو إصلاح أمور فلا شك أن فيه غفلة عن كتاب الله، وأنه يخشى أن يكون من جنس فعل المشركين الذين قالوا: لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26].
الجواب: يجب أن تعلم قاعدة مفيدة وهي: أن (كل ما كان سبباً في فتنة فإن الواجب منعه) فإذا كانت هذه الأناشيد فيها فتنة لكونها تنطلق من أصوات فاتنة فإن الواجب منعها، وكذلك إذا كانت تغنى كالأغاني الماجنة وتلحن كالأغاني الماجنة فإن الواجب منعها أيضاً، وكذلك إذا كانت مشتملة على آلة لهو كالدف والطبل والموسيقى، فإنه يجب منعها، وكذلك إذا كانت تهيج الشهوة كما لو كان فيها تغزل فإنه يجب منعها، ففي هذه الأحوال الأربعة يجب منعها، وهذه أمثلة، والقاعدة أن (كل ما كان سبباً للفتنة فإن الواجب منعه، وكلما كان وسيلة لمحرم فإن الواجب منعه).
الجواب: الواجب على المؤذن إذا كانت وظيفته الأذان أن يؤذن بنفسه، ولا يحل له أن يوكل غيره ويأخذ الراتب، إلا في بعض الأحيان لو غاب لنزهة يوماً من الشهر أو ما أشبه ذلك مما جرت العادة به فلا بأس، وأما أن يكون منزله بعيداً ويقول: أنا سأقيم من يؤذن وآخذ الراتب فهذا لا يجوز، حتى لو قدر أن مدير الأوقاف المباشر وافق على ذلك فإنه لا يجوز، لأنك لو رجعت إلى ديوان الخدمة أو ديوان الموظفين لرأيتهم يقولون: لا يجوز ولا نسمح بهذا.
السائل: لكن لا يوجد جماعة في المسجد نفسه؟
الشيخ: كيف لا توجد جماعة؟
السائل: يعني لا توجد جماعة في المسجد لأنه قديم والبيوت حوله قديمة.
الشيخ: لكن إذا كان قديماً لماذا لا يعمر على وجه يكون فيه جماعة، أو يلغى ويلغى التأذين وغيره؟
السائل: لكن هل راتبه جائز؟
الشيخ: لا، لا يجوز أبداً، لا يجوز أن يأخذ الراتب، بل الواجب أن يذهب إلى الجهة المسئولة ويعلن استقالته ويدع المسجد.
السائل: لكن هل يكون عليه إثم في الماضي قبل العلم؟
الجواب: من الورع أن يردها إليهم، فإن لم يمكن ذلك صرفها في مصالح المساجد.
الجواب: لا شك أن قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بين كل أذانين صلاة) أنه يدل على مشروعية الصلاة بين الأذان والإقامة في كل صلاة، ومعلوم أن الفجر فيه راتبة، والظهر فيه راتبة، والمغرب أيضاً جاء الحديث بالنص عليها: (صلوا قبل المغرب، وكررها ثلاثاً، وقال في الثالثة: لمن شاء) العشاء والعصر لم يرد فيهما شيء بخصوصهما ولكن يدخلان في العموم: (بين كل أذانين صلاة)، أما الأذان الذي في الجمعة فهذا لا يصح الاستدلال به؛ لأن الأذان المعروف في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام هو الأذان الذي يكون عند دخول الإمام، وبعد دخول الإمام ليس هناك صلاة؛ لأن الإمام سيقوم ويخطب ويستمع الناس له، ولم يكن الصحابة يصلون، أما الأذان الأول الذي يكون قبل الأذان الثاني بوقت، فلا حرج أن الإنسان يقوم ويتنفل إلى أن يقرب مجيء الإمام أو إلى أن يجيء الإمام على رأي من يرى أنه لا نهى عن الصلاة يوم الجمعة عند زوال الشمس.
الجواب: أما كون النعيم لا ينقطع فهذا واضح، فالقرآن مملوء بأن أهل الجنة خالدين فيها أبداً، وأما قوله: كبقاء الرحمن فلا أدري هل هذه الكلمة ثابتة في كلام ابن الجوزي وعلى كل حال ابن الجوزي رحمه الله ليس بذاك الذي يعتمد عليه في مسائل الصفات، لكن هذه الكلمة منكرة: كبقاء الرحمن؛ لأنه ينافي قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل قول الله: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد:3] فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الآخر الذي ليس بعده شيء) وإذا قلنا: أن هذه تبقى كبقاء الرحمن، صار معناه مساو للرحمن في البقاء، وهذا لا يصح، فالمهم هذه الكلمة منكرة، وعلق على الكتاب الذي عندك بأن هذه الكلمة منكرة، تنافي قول الله تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء).
الجواب: جزاهم الله خيراً، أما مسألة الزير فلا يجوز، الزير لا يجوز استعماله؛ لأنه من آلات اللهو التي لم يرد استثناؤها في السنة، وأما اللعب بالبنادق فلا بأس به، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقر الحبشة عندما كانوا يلعبون بحرابهم في المسجد، وقال: (ليعلموا أن في ديننا فسحة) ولكن يرخص في أيام الأعياد ما لا يرخص في غيرها، أيام الأعياد أيام سرور وأيام فرح فلا بأس أن يعمل الناس هكذا، ويظهروا القوة والنشاط ويلعبون بالبنادق والسيوف بشرط ألا يكون هناك خطر، فلا يجوز التعرض للخطر.
السائل: القصائد ما حكمها؟
الشيخ: القصائد ليس فيها شيء، ماذا يقولون؟
السائل: يهجو بعضهم بضعاً.
الشيخ: أما إذا كان يهجو بعضهم بعضاً فهذا لا يجوز؛ لأن هذا داخل في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (سباب المسلم فسوق)، وإن كان الغالب أن بعضهم يهجو بعضاً على سبيل المزح، لكن رب كلمة تكون مزحاً وتكون عند آخرين جداً، يمكن الشخص هذا يذم هذا الشخص مازحاً لكن تؤخذ هذه الكلمة ولو في الأجيال القادمة على أنها جد.
السائل: يقفزون بالبنادق؟
الشيخ: ليس فيها مانع، يعني: لو كانوا يقفزون؛ لأن هذا يدل على القوة وعلى النشاط.
الجواب: الجد هنا بمعنى الغنى والعظمة، فالمعنى: أنك -يا رب- قد تعالت عظمتك وغناك عن خلقك فلا حاجة بك إلى أحد، وأنت الذي تتفضل بفضلك على كل أحد، وليس المراد بالجد: أبا الأب أو أبا الأم؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يلد ولم يولد.
الشيخ: ولماذا يطفئه؟
مداخلة: يطفئه لا يشغله إلا في الأذان فقط.
الشيخ: هذا لا بأس به هذا وقد يكون خيراً، يعني كون مكبر الصوت لا يستعمل إلا عند الأذان هذا هو الأحسن، لكن إذا استعمل في الإقامة فلا بأس، أما إذا استعمل في الصلاة فلا؛ لأن استعماله في الصلاة يؤدي إلى التشويش على من كان قريباً من المسجد.
السائل: ولو كان الداخلي يا شيخ؟!
الشيخ: حتى الداخلي ليس له داع، ما دام المسجد ليس كبيراً وليس فيه جماعات كثيرة ويسمعون الإمام سماعاً محققاً ما الفائدة؟
السائل: لكن بعضهم ما يسمع صوته.
الشيخ: إذا كان المسجد واسعاً أو الجماعات كثيرة يحتاجون إلى إسماع الصوت فلا بأس.
الجواب: يعني: يأخذ بطاقة من البنك، وإذا اشترى حاجات عرضها على الذي اشترى منهم هذه الحاجات، وحولهم على البنك والبنك يسدد عنه، لكن إن أوفى البنك في مدة معينة فليس عليه إلا ما استقرض فقط، وإن تأخر لزم أن يكون عليه إضافة.
أقول: إن هذا حرام؛ لأن مجرد التزام الإنسان بالربا محرم، سواء حصل الربا أو لم يحصل، وهذا الرجل يقول: إني جازم من نفسي أني سأوفي قبل الأجل، فنقول: نعم أنت جازم لكن هل أنت متأكد؟ قد يضيع المال من بين يديك، وقد يسرق، وقد تموت، ما أنت بجازم، والله يقول: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24]، ثم إن مجرد التزامك أنه إذا تمت المدة أن يضاف إليك زيادة فإن هذا الالتزام التزام بالربا، والالتزام بالربا حرام، لذلك نرى أن هذه حرام، وأنه لا يجوز للإنسان أن يتعامل بها، ولكن إذا كان له رصيد في البنك وقبل البائع التحول إلى البنك فليفعل والأمر سهل، لأنه ليس فيه إلا أن يحمل دفتر شيكات ويكتب للبائعين عليه.
الجواب: نتيجة هذا الذبح تبقى على الأصل؛ لأن من جملة ما يؤمر به الإنسان أن يدفع اللوم عن نفسه، لا تظن أنك إذا فعلت ما يدفع اللوم عن نفسك، أنك مخطئ بل هذا هو الصواب، ألم تعلموا أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قام وهو معتكف وجاءته صفية رضي الله عنها وقام يقلبها إلى بيتها ومر رجلان من الأنصار فأسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنها
ومن تعرض للغربان يزجرهـا على سلامته لابد مشئوم |
وكل حصن وإن طالت سلامته على دعائمه لابد مهدوم |
فما رأي الشرع في البيتين؟
الجواب: هذا صحيح، الإنسان الذي يتعرض للغربان يزجرها كما كانوا يفعلون في الجاهلية هو مشئوم، لأنه لا يجوز للإنسان أن يتعلق بمثل هذه الأمور، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا عدوى ولا طيرة).
والإنسان إذا عود نفسه التشاؤم بالطيور أو بالشهور أو بالأيام أو بالأشخاص تعب وصار قلبه متعلقاً بغير الله، يعني: مثلاً بعض العرب يتشاءمون بشهر صفر، يقول: هذا الشهر شهر شؤم، فهذا حرام هذا لا يجوز، فإن الأزمان واحدة مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79] فجاء أناس آخرون قالوا: نسمي شهر صفر شهر الخير، وهذا أيضاً خطأ؛ لأن صفر شهر من الشهور لا شهر خير ولا شهر شر وهو مثل غيره.
كذلك أيضاً بعض العرب يتشاءمون بشوال في النكاح، يقولون: إذا عقد الإنسان نكاحه في شوال فإنه نكاح فاشل، وكانت عائشة رضي الله عنها تبطل هذا وتقول: (إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم تزوجها في شوال وبنى بها في شوال وأيتكن كانت أحضى عنده مني) هل صار النكاح فاشلاً أو لا؟ لا بل العكس.
فالحاصل: أن يجعل الإنسان قلبه معلقاً بالله، وألا يتشاءم ولا يتطير، ولا يجعل نفسه مهينة كلما أصابه شيء قال: هذا سحر، هذا عين، كما هو الشأن الآن في كثير من الناس ذبحتهم الأوهام في الوقت الحاضر، كل شيء عين! لو يزكم أو يعطس ثلاث مرات لقال: هذه عين! لو تصيبه رعشة قال: هذا جني! ولو يكره إنسان لسباب جرى بينهما قال: هذا سحر!! هذا خطأ، فالواجب: أن الإنسان يكون عنده عزيمة وتوكل على الله، وأن يبتعد عن هذه الأمور، حتى يستريح ويريح نفسه.
السائل: لكن -يا شيخ- هذان البيتان موجودان على لافتة كبيرة.
الشيخ: إي نعم؛ لا تغير، هذا تحذير من التشاؤم بالطيور.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر