إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [79]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • هذا اللقاء تفسير آيات من سورة الشرح تحدث الشيخ من خلالها عن معنى الشرح بمعنى أن يكون الصدر متسعاً لحكم الله عز وجل، بالإضافة إلى ذلك العفو والتجاوز والمسامحة عن الوزر وهو الخطيئة؛ وسبب ذلك: ليغفر الله ما تقدم من الذنب وما تأخر. فالحاصل هو أن الله سبحانه وتعالى وضع عن محمد صلى الله عليه وسلم وزره، وبين أن هذا الوزر أنقض ظهره فكيف بأوزارنا التي تقض ظهورنا وتتعبها.

    1.   

    تفسير آيات من سورة الشرح

    الحمد لله رب العالمين، وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    هذا هو اللقاء التاسع والسبعون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الواحد والعشرون من شهر جمادى الآخرة عام (1415هـ) نتكلم فيه أولاً على ما تيسر من سورة: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1] حيث انتهينا إليها فيما سبق بعد أن ابتدأنا من سورة النبأ، واخترنا هذا الجزء من كتاب الله عز وجل؛ لأن السور التي فيه تكثر قراءتها، فيستفيد الناس منها، وتكثر قراءتها في الصلاة؛ لأن أهل العلم يقولون: السنة في الصلاة أن يقرأ في صلاة الفجر بطوال المفصل، وفي صلاة المغرب بقصار المفصل وفي الباقي من أوساطه، وطوال المفصل من سورة (ق) إلى سورة (عم) وقصاره من سورة (الضحى) إلى آخر القرآن وأوساطه من سورة (النبأ -سورة عم-) إلى سورة (الضحى) هذا في الغالب، ولا بأس أن يقرأ بطوال المفصل في المغرب، كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ بذلك أحياناً.

    تفسير قوله تعالى: (ألم نشرح لك صدرك)

    يقول الله سبحانه وتعالى مبيناً نعمته على نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1] وهذا الاستفهام يقول العلماء: أنه استفهام تقرير، واستفهام التقرير يرد في القرآن كثيراً، ويقدر الفعل بفعل ماضٍ مقروناً بقد.

    ففي قوله: (ألم نشرح لك) يقدر بأن المعنى: قد شرحنا لك صدرك، لأن الله يقرر أنه شرح له صدره، وهكذا جميع ما يمر بك من استفهام التقرير؛ فإنه يقدر بفعل ماض مقروناً بقد.

    أما كونه يقدر بفعل ماض؛ فلأنه قد تم وحصل، وأما كونه مقروناً بقد؛ فلأن قد تفيد التحقيق إذا دخلت على الماضي، وتفيد التقليل إذا دخلت على المضارع، وقد تفيد التحقيق، ففي قول الناس: قد يجود البخيل، قد هنا تكون للتقليل، لكن في قوله تعالى: قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ [النور:64] فهذه للتحقيق ولا شك.

    يقول الله عز وجل: (ألم نشرح لك صدرك) أي: نوسعه، وهذا الشرح شرح معنوي ليس شرحاً حسياً، وشرح الصدر أن يكون متسعاً لحكم الله عز وجل: حكم الله الشرعي وهو الدين، وحكم الله القدري وهو المصائب التي تحدث على الإنسان، وذلك لأن الشرع فيه مخالفة للهوى، فيجد الإنسان ثقلاً في تنفيذ أوامر الله، وثقلاً في اجتناب ما حرم الله؛ لأنه مخالف للهوى، هوى النفس الأمارة بالسوء، التي لا تنشرح لأوامر الله ولا لنواهيه.

    تجد بعض الناس تثقل عليهم الصلاة، كما قال الله تعالى في المنافقين: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142] ومن الناس من تخف عليه الصلاة بل يشتاق إليها ويترقب حصولها، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (جعلت قرة عيني في الصلاة).

    إذاً، فالشرع فيه ثقل على النفوس، أما اجتناب المحرمات، فبعض الناس يهوى أشياء محرمة عليه: كالزنا، وشرب الخمر، وما أشبه ذلك فتثقل عليه، ومن الناس من ينشرح صدره لترك ذلك ويبتعد عما حرم الله، وانظر إلى يوسف عليه الصلاة والسلام لما دعته امرأة العزيز بعد أن غلقت الأبواب (وقالت: هيت لك) وتهيأت له بأحسن ملبس وأحسن صورة، والجو خالٍ، والمكان آمن أن يدخل أحد، غلقت الأبواب وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ [يوسف:23]، فقال لها: مَعَاذَ اللَّهِ [يوسف:23] استعاذ بربه، لأن هذه حال حرجة، شاب وامرأة العزيز، ومكان خال وآمن، والإنسان بشر ربما تسول له نفسه أن يفعل، ولهذا قال تعالى: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ [يوسف:24].

    وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال لها: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) والشاهد من هذا قوله: (رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله).

    فأقول: شرح الصدر للحكم الشرعي معناه: قبول الحكم الشرعي والرضا به وامتثاله، وأن يقول القائل: سمعنا وأطعنا، وأنت بنفسك أحياناً تجد قلبك منشرحاً للعبادة تفعلها بسهولة وانقياد وطمأنينة ورضا، وأحياناً بالعكس لولا خوفك من الإثم ما فعلت، فإذا كان هذا الاختلاف في الشخص الواحد فما بالك بالأشخاص.

    انشراح الصدر للحكم القدري نقدم على الكلام فيه سؤالاً: هل جميع أحكام الله الكونية ملائمة لطبيعة الإنسان أو لا؟

    لا. الصحة ملائمة، الغنى ملائم، الأمن ملائم، الشبع ملائم، النكاح ملائم، لكن المرض غير ملائم، الخوف غير ملائم، الجوع غير ملائم، وأشياء كثيرة، فالإنسان الذي شرح الله صدره للحكم الكوني تجده راضياً بقضاء الله وقدره، مطمئناً إليه يقول: أنا عبد والله رب يفعل ما يشاء، هذا الرجل الذي على هذه الحال سيكون دائماً في سرور لا يغتم ولا يهتم، هو يتألم لكن لا يصل هذا إلى أن يحمل هماً أو غماً، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له).

    إذاً: شرح الصدر يعني: توسعته وتهيئته لأحكام الله الشرعية والقدرية، لا يضيق بأحكام الله ذرعاً إطلاقاً، إن نبينا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم له الحظ الأوفر من ذلك، ولهذا تجده أتقى الناس لله، وأشدهم قياماً بطاعة الله، وأكثرهم صبراً على أقدار الله، ماذا فعل الناس به حين قام بالدعوة؟ وماذا يصيبه من الأمراض حتى إنه يوعك كما يوعك الرجلان منا، من المرض؟ شُدِّد عليه، فكان كرجلين منا، وحتى إنه شدد عليه عند النزع عند الموت عليه الصلاة والسلام، حتى يفارق الدنيا وهو أصبر الصابرين، والصبر معلوم أنه درجة عالية لا تنال إلا بوجود شيء يصبر عليه، أما الشيء البارد ليس فيه صبر، لهذا نجد الأنبياء أكثر الناس بلاءً ثم الصالحين الأمثل فالأمثل.

    أعود مرة ثانية: ما معنى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1] أي: نوسعه لقبول قضاء الله أو حكم الله الشرعي والقدري، وهذا حاصل على الوجه الأكمل بالنسبة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    تفسير قوله تعالى: (ووضعنا عنك وزرك)

    قال تعالى: وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ [الشرح:2] قد تقول: إن بين الجملتين تنافراً الأولى الجملة فعل مضارع (نشرح) والثانية فعل ماضٍ: (وضعنا) لكن بناءً على التقرير الذي قلت: وهو أن (ألم نشرح) بمعنى قد شرحنا، و(وضعنا) يكون عطفاً على نظيره ومثيله.

    وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ وضعناه: أي طرحناه، وعفونا، وسامحنا، وتجاوزنا (عنك وزرك الذي أنقض ظهرك) أي: الذي أقضه وآلامه، لأن الظهر هو محل الحمل، فإذا كان هناك حمل يتعب الظهر، فإتعاب غيره من باب أولى، يعني أقوى عضو في أعضائك للحمل هو الظهر، وانظر الفرق بين أن تحمل كيساً على ظهرك، أو تحمله بين يديك، بينهما فرق.

    فالمعنى: أن الله تعالى غفر للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وزره وخطيئته، حتى بقي مغفوراً له، قال الله تبارك وتعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:1-2] وقيل للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يقوم الليل ويطيل حتى تتورم قدماه أو تتفطر فقيل له: (كيف تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟!!) فأقر هذا القول، أقر أن الله عز وجل قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولكن قال: (أفلا أكون عبداً شكورا).

    إذاً مغفرة ذنوب رسول الله المتقدمة والمتأخرة ثابتة بالقرآن والسنة، وهذا من خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام، لا أحد من الناس يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إلا الرسول، أما غيره فيحتاج إلى توبة يتوب من الذنب، وقد يغفر الله له سبحانه وتعالى بدون توبة ما دون الشرك، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام نجزم بأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولهذا قال تعالى: وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ .

    تفسير قوله تعالى: (الذي أنقض ظهرك)

    قال تعالى: الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ [الشرح:3] فإن قال قائل: هذه الآية وما سقناه شاهداً لها يدل على أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد يذنب، فهل النبي يذنب؟

    الجواب نعم، ولا يمكن أن نرد النصوص، لا يمكن أن نردها لمجرد أن نستبعد وقوع الذنب منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونحن لا نقول: الشأن ألا يذنب الإنسان، بل الشأن أن يغفر للإنسان، هذا هو المهم أن يغفر له، أما ألا يقع منه ذنب فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون).

    لا بد من خطيئة، لكن هناك أشياء لا يمكن أن تقع من الأنبياء مثل: الكذب والخيانة فإن هذا لا يمكن أن يقع منهم إطلاقاً، لأن هذا لو فرض وقوعه لكان طعناً في رسالته وهذا شيء مستحيل، أما سفاسف الأخلاق من الزنا وشبهه هذا أيضاً ممتنع، لأنه ينافي أصل الرسالة، التي وجدت لتتمم مكارم الأخلاق، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

    فالحاصل: أن الله سبحانه وتعالى وضع عن محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وزره، وبين أن هذا الوزر قد أنقض ظهره أي: أقضه وأتعبه، وإذا كان هذا وزر الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فكيف بأوزار غيره.

    أوزارنا تقض ظهورنا وتنقضها وتتعبها، ولكن كأننا لم نحمل شيئاً، وذلك لضعف إيماننا وبصيرتنا، وكثرة غفلتنا نسأل الله أن يعاملنا بالعفو.

    جاء في بعض الآثار: (إن المؤمن إذا أذنب ذنباً صار عنده كالجبل فوق رأسه، وإن المنافق إذا أذنب ذنباً صار عنده كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا). يعني: أنه لا يهتم، فالمؤمن تهمه خطاياه، ويلحقه الهم حتى يتخلص منها بتوبة واستغفار، أو حسنات جليلة تمحو آثار هذه السيئة، وأنت إذا رأيت من قلبك الغفلة عن ذنوبك؛ فاعلم أن قلبك مريض؛ لأن القلب الحي لا يمكن أن يرضى بالمرض، ومرض القلوب هي الذنوب، كما قال عبد الله بن المبارك رحمه الله:

    رأيت الذنوب تميت القلـوب     وقد يورث الذل إدمانها

    وترك الذنوب حياة القلـوب     وخير لنفسك عصيانها

    على كل حال أنا أقول: يجب علينا، وأوجه هذا القول لنفسي قبلكم ونرجو الله العون للجميع، أقول: إنه يجب علينا أن نهتم بأنفسنا وأن نحاسبها، وإذا كان التجار لا ينامون حتى يراجعوا دفاتر تجارتهم، ماذا صرفوا، وماذا أنفقوا، وماذا كسبوا، فإن تجار الآخرة ينبغي أن يكونوا أشد اهتماماً؛ لأن تجارتهم أعظم من تجارة أهل الدنيا غاية ما تفيدهم إن أفادتهم هو إتراف البدن فقط، على أن هذه التجارة يلحقها من الهم والغم، وإذا خسر في سلعة اهتم لذلك، وإذا كان في بلده مخاوف قطاع طريق أو سراق صار أشد قلقاً.

    لكن تجارة الآخرة على العكس من هذا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [الصف:10-12] تنجي من العذاب، ويغفر الله بها الذنوب، ويدخل بها الجنات.

    (جنات عدن) أي: جنات إقامة، وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ [الصف:12] مساكن طيبة في بنايتها وفي مادة البناء، أتظنون أن بناء الجنة من إسمنت وحصى؟ لا. قال النبي عليه الصلاة والسلام: (جنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة، آنيتهما وما فيهما).

    والله لو يبقى الإنسان في سجدة منذ بلغ إلى أن يموت لكان هذا ثمناً قليلاً بالنسبة إلى هذه الغنيمة العظيمة، ولو لم يكن إلا أن ينجو الإنسان من النار لكفى، أحياناً الإنسان يفكر ويقول: ليتني لم أولد، أو يكفيني أن أنجو من النار، وهاهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويقول: [ليتني شجرة تعضد، ليت أمي لم تلدني] لأن الإنسان يخاف، قد يظن أنه آمن الآن؛ لأنه يصلي، ويصوم، ويتصدق، ويحج، ويبر الوالدين، وما أشبه ذلك لكن قد يكون في قلبه -نسأل الله السلامة والعافية- حسيكة تؤدي إلى سوء الخاتمة -والعياذ بالله- كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) أي: مدة قريبة لموته، ما هو ذراع في العمل لأن عمله كله هباء، هو (يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) كما جاء في الحديث الصحيح.

    لكن قوله: (حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) ليس معناه: أن عمله أوصله إلى قريب من الجنة، المعنى: حتى لا يبقى عليه إلا مدة قليلة في الحياة (ثم يعمل بعمل أهل النار فيدخلها) لكن هذا فيما إذا كان عمل الإنسان للناس، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) فالإنسان إذا مر على مثل هذه النصوص يخاف على نفسه، ويخاف من الرياء، ويخاف من العجب، ويخاف من الإمنان على الله بعمله.

    فنسأل الله تعالى أن يحمينا وإياكم من سيئات أعمالنا، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ونستغفرك ونتوب إليك.

    1.   

    الأسئلة

    حكم الاجتماع للتعزية

    السؤال: فضيلة الشيخ إذا مات لأناس ميت فإنهم يجلسون في البيت ويستقبلون المعزين، وقد سمعنا عنكم أن هذا بدعة، فهل جلوسهم هذا يعتبر محرماً؟ ثم هل يغلقون بابهم أمام الزائرين وكذلك الهاتف؟ وهل الذاهبون إلى هؤلاء للتعزية آثمون؟ ثم ما حكم الوالد أو الوالدة بذلك؟

    الجواب: على كل حال نقتصر على الفقرة الأولى لأن قاعدتنا ألا نزيد على سؤال.

    الاجتماع للتعزية لا شك أنه بدعة، فهاهو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يموت له أبناء وأعمام وأصحاب ولم يجلس يوماً من الدهر ليتلقى العزاء، مع أنه هو المشرع، ومع أن الصحابة رضي الله عنهم أشد الناس في مواساة الرسول عليه الصلاة والسلام وتعزيته، لكن لم يفعلوا، ولم يتوافدوا إليه ليعزوه وما علمنا بهذا أبداً، بل قال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: [كنا نعد الاجتماع لأهل الميت وصنع الطعام من النياحة] ومعلوم أن النياحة من كبائر الذنوب، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن النائحة والمستنيحة.

    وإني أقول لكم من هذا المكان: العادات لا تحكم على الشرع، وإنما الشرع يحكم على العادات، أي: يجب أن نرد العادات إلى الشرع، لا أن نرد الشرع إلى العادات، لا نقول: الناس اعتادوا هذا، الجاهلية اعتادوا الشرك هل تركهم الرسول على ما هم عليه؟ والعصاة اعتادوا المعصية هل نتركهم؟ فإذا كان هذا الأمر ليس موجوداً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ولا عهد الصحابة فلماذا نفعله؟!!

    ثم إن هذا الاجتماع يصحبه في بعض البلدان إيقاد الأنوار، تجد البيت كأنه بيت عرس وقد صفوا الكراسي، واجتماع الناس هذا داخل وهذا خارج، وربما يحصل بكاء وعويل، وربما يأتي قارئ يقرأ بالمال يريد بعمل الآخرة الدنيا فنعينه على هذا الأثم.

    فالحاصل: أنا نرى أن هذا من البدع، وأنه يكف عنه، وقد ذكر ذلك أهل العلم قبلنا انظروا إلى كتبهم، ولكن قد يقول قائل: إذا كان قرابة الرجل يريدون أن يأتوا إلى بيت قريبهم ليعزوه وينصرفوا، بدون أن يفتح الباب ويستقبل الناس هذا داخل وهذا خارج، فأرجو ألا يكون في هذا بأس، ولا حرج.

    لأنه أحياناً لو مات عمك أو أخوك فليس من صلة الرحم ألا تذهب إلى بيتهم تعزيهم، اذهب وعزهم لكن من دون اجتماع، أتدرون لماذا شرع العزاء؟ شرع لأجل أن نقوي المصاب على الصبر والتحمل، لا لنجتمع إليه من أجل أن نصبح معه.

    وعليه: فإذا كان هذا الذي مات له قريب لم يهتم بقريبه إطلاقاً، بل ربما يفرح أنه مات؛ لأنه بينه وبينه مشاكل في الدنيا، فهذا لا يستحق التعزية، ربما يقول: هذا يستحق التهنئة؛ لأنه مات خصمه، لكن الناس اعتادوا من مات له قريب ذهبوا وعزوه واجتمعوا إليه، وبعض الناس يذبحون ذبائح، فنقول: لا تكلف نفسك في أمر ليس مستحباً لك في الشريعة، إنما فيه إضاعة الوقت والمال، والمخالفة لهدي السلف.

    حكم قطع صلة الرحم بسبب الخصومات

    السؤال: فضيلة الشيخ! يكثر في بعض القرى التقاطع بين الناس والتخاصم والتهاجر حتى بين الأقارب فيصل ذلك إلى شهر وشهرين بل إلى سنين ولا حول ولا قوة إلا بالله، فبعض أبناء هؤلاء الناس يريد أن يسلم على الآخرين ويأتيهم ويزورهم فيغضب عليه والده أو إخوته، وربما يقاطعونه ويهجرونه بسبب أنه: ذهب إلى خصمهم، فهل يعصيهم ويذهب ويسلم عليهم؟ أم يطيع والديه ويبقى مقاطعاً للآخرين طول حياته؟

    الجواب: هذا السؤال يتضمن توجيهين:

    التوجيه الأول: أن نوجه إلى هؤلاء القوم الذين يغضبون على أولادهم أو على أقاربهم إذا وصلوا أرحامهم، ونقول لهؤلاء الذين يغضبون من صلة الرحم: إنهم مضادون لله عز وجل، محادون له، كيف؟ أليس الله أمر بصلة الرحم وإذا أمر بها فقد رضيها، وهؤلاء لا يرضون بما يرضى الله، ولا يأمرون بما أمر الله، بل ينهون عما أمر الله، فيكون فيهم صفة وخصلة من خصال المنافقين، ماذا قال الله في خصال المنافقين: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ [التوبة:67] هؤلاء يأمرون بقطيعة الرحم وينهون عن صلتها، وهذه خصلة من خصال المنافقين.

    فأوجه كلمتي هذه إلى هؤلاء: أن يتوبوا إلى ربهم، وألا يخالفوا الله عز وجل في أمره، وألا يرضوا ما يكرهه الله ويكرهوا ما رضيه الله، قبل أن يموتوا وعلى هذه الحال وقد قال الله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23] ويدل على أن الله أعمى أبصار هؤلاء أنهم لا يرضون ما رضيه الله ولا يأمرون بما أمره الله، بل يكرهون ما رضيه الله وينهون عما أمر الله، هذا من عمى الأبصار، أما اللعنة فأمرها إلى الله، لكن الله وعدهم: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ صاروا لا يسمعون الحق ولا ينظرون إليه.

    ثم إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) فهل يرضى هؤلاء أن يموتوا على هذه الحال، ثم لا يدخلون الجنة؟! هذا التوجيه الأول بالنسبة لهؤلاء الذين لا يرضون أن يصل الرجل رحمه.

    أما بالنسبة للآخرين وهو التوجيه الثاني: فإني أقول لهؤلاء الذين يقولون: إن أبانا أو أخانا أو أمنا لا يرضى أن أصل رحمي، أقول: صل رحمك وإن رغم أنفه، لأنك إذا وصلت رحمك فقد أطعت ربك وإذا لم تصل رحمك فقد عصيت ربك، وهل يعصى الله بطاعة المخلوق أو يعصى المخلوق بطاعة الله؟ يعصى المخلوق بطاعة الله، فأقول: صل رحمك وإن لم يرغبوا، فإن قاطعوك فصلهم، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام لرجل أخبر: (أنه يصل رحمه ويقطعونه، ويحسن إليهم ويسيئون إليه، ويحلم عليهم ويغضبون عليه، فقال: إن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المل) يعني: كأنك تجعل في أفواههم الرماد الحار.

    فأقول للأخ: صل الرحم، سواء غضب أبوك أم لم يغضب، ثم لا تدخر وسعاً أن تنصح والدك، وتقول: يا أبتِ هذا حرام عليك، كيف تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف، ثم تطلب منه وتنصحه أن يصل الرحم هو، ولو غضب عليك، إبراهيم ماذا قال لأبيه؟ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً [مريم:42] إلى أن قال له أبوه: أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً [مريم:46].

    حكم رد السلام أثناء الصلاة

    السؤال: فضيلة الشيخ: هل رد السلام أثناء الصلاة سنة أم ترك السلام على المصلي أفضل؟

    الشيخ: أنت الآن سألت سؤالين: هل رد السلام أو ترك السلام.

    السائل: أيهما أفضل؟

    الشيخ: الرد من المسلم عليه، والترك من المسلم فأي الأمرين تريد؟

    السائل: أريد المصلي هل الأفضل له أن يرد السلام بالإشارة باليد أو لا؟

    الجواب: المصلي يرد السلام بالإشارة كما جاء في الحديث، ثم إذا سلم وكان المسلم موجوداً رد عليه باللفظ وإن كان قد انصرف كفت الإشارة.

    حكم التناوب في العمل

    السؤال: فضيلة الشيخ هذا سؤال مرسل: رجلان يعملان معاً في أحد الشركات في عمل ليلي فيتفقان على أن ينام أحدهما أول الليل فيوقظه صاحبه بعد انتصاف فترة الدوام ليواصل الآخر الفترة المتبقية ويقولان: إن هذا الفعل لا يؤثر على مجرى العمل، ولكن هذا يتم دون علم الإدارة فما الحكم في هذا سلمكم الله؟

    الشيخ: يعني: أن رجلين مكلفان أن يقوما بعمل ليلي من أوله إلى آخره، فاتفقا على أن ينام أحدهما أول الليل ويقوم الآخر بالعمل والثاني بالعكس، أقول: إن هذا العمل لا يجوز إلا بعد إذن المسئول، وشرط آخر: ألا يخل ذلك بالعمل، كأن يكون العمل يتطلب وجود اثنين، فإنه لابد حتى لو أذن لهما من هو فوقهما فإنه لا يجوز لهما أن يتناوبا، والحاصل أن هذا جائز بشرطين:

    الشرط الأول: إذن المسئول.

    الشرط الثاني: ألا يختل العمل، فإن اختل العمل فإنه لا يجوز ولو أذن المسئول.

    الجاهل في العبادة يعذر بجهله ولا يلزم بإعادتها

    السؤال: فضيلة الشيخ: يقول صلى الله عليه وسلم في حديث عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة ...) إلى آخر الحديث، الرسول عليه الصلاة والسلام علمه كيفية التيمم فقال له: (إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا ولم يعد التيمم) فهل يفهم من هذا الحديث أنه يعذر الجاهل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث المسيء صلاته: (صل فإنك لم تصل

    الجواب: هذا الحديث حديث عمار بين ياسر يدل على أن من تيمم على غير وجه مشروع ظاناً منه أن هذا هو المشروع فإنه لا إعادة عليه؛ لأنه جاهل مجتهد، وأما حديث المسيء في صلاته فهو مثله أيضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأمره بإعادة الصلوات الماضية، حيث كان يؤديها بلا طمأنينة جاهلاً، أما الصلاة الحاضرة فإنما أمره بإعادتها لأنه مطالب بصلاة صحيحة في هذا الوقت ولم يأت بها، فهذا هو الفرق بينهما، وأما أنهما يعذران بالجهل فهما سواء؛ لأن المسيء في صلاته لم يقل له :أعد ما صليت، وكذلك عمار لم يقل له: أعد ما صليت.

    حكم التبليغ عن المهمل في عمله بعد المناصحة

    السؤال: فضيلة الشيخ: هذه المسألة حدث لنا فيها إشكال كبير فنرجو البيان الوافي فيها للحاجة الماسة إليه: نعمل في مكان تكثر فيه المنكرات، ويتم الإنكار على المسئول بالطرق الشرعية الحكيمة بالمكاتبة والمهاتفة وغيرها من طرق البلاغ، والمنكرات لا تزال والمحتسب غير مستعجل النتائج، لكن حصل إشكال في براءة الذمة في حد البلاغ؛ فأناس قالوا: يكفي أن نبلغ المسئول القريب عن هذه المنكرات، وإن أهمل التعميم الصادر بشأنها وإن كنا نعتقد أن المسئول لا يبالي وأن الإمام لا يعلم بهذا ولا يرضاه.

    وفريق قال: بل لا تبرأ الذمة ولابد من الكتابة للإمام؛ لأن جزمنا بأن المسئول القريب لا يهتم بتنفيذ التعميم والإمام لا يعلم غش في النصح يلحقنا بسببه الإثم، فأين الصواب غفر الله لكم ولوالديكم؟

    الجواب: هذا سؤال مهم كما قال السائل: وهو أن بعض المسئولين على بعض القطاعات لا يهتمون لا بالأمور الشرعية، ولا بالأمور النظامية، مهمل، غير صالح للعمل في هذا المكان لا نظاماً ولا ديناً، فيناصحه بعض من تحت يده من أهل الخير والصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنه يصر على ما هو عليه، فهل تبرأ الذمة بمناصحته، أو لا بد من أن يرفع الأمر إلى من فوقه ليعدله أو يبدله؟

    أقول في جوابي على هذا: لابد أن يرفع الأمر إلى من فوقه، يجب وجوباً أن يرفع الأمر إلى من فوقه، والسكوت على هذا غش؛ غش لولاة الأمور، وغش للعمل، وظلم حتى لهذا المسئول المتهاون؛ لأنك إذا رفعت الأمر إلى من فوقه وحصل المقصود والاستقامة، فقد رفعت عن هذا المسئول المباشر لك، رفعت عنه إثم التهاون وترك القيام بالواجب، يعني: أنك نصحته قال النبي عليه الصلاة والسلام: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يا رسول الله هذا المظلوم كيف ننصر الظالم؟ قال: تمنعوه من الظلم) فالواجب على كل إنسان عليه مسئول مباشر مضيع للأمانة في الدين أو في النظام أن يناصحه بكل ما يستطيع من مناصحة، فإن حصل المطلوب فهو المطلوب، وإن لم يحصل وجب عليه أن يرفعه إلى من فوقه لأجل أن يبدل أو يعدل، أما السكوت على الخطأ فهذا خطأ.

    قد يقول: أخشى أن هذا يتسلط عليَّ ولا يحصل المقصود، نقول: هذا حاصل، يمكن ألا يحصل المقصود، ويكون الذي فوقه أيضاً غير مبالٍ، لكن إن حصل عليك في هذا ضرر فهذا في ذات الله، فلك فيه الأجر، ولك الذكرى الحسنة في حياتك وبعد موتك، واصبر على ما أصابك، كما قال لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [لقمان:17] على أن الإنسان إذا قام بما أمر الله به على الوجه الذي يرضاه الله عز وجل فإن العاقبة ستكون له، قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49]، وقال تعالى: لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طـه:132] لكن علينا أن يكون إيماننا تاماً بهذا، ونعلم أن العاقبة لنا متى اتقينا الله.

    والعاقبة لا يلزم أن تكون سريعة، فلا يلزم أن تكون عاجلة، قد تتأخر ابتلاءً وامتحاناً، وقد لا تحصل إلا في الآخرة أيضاً ليكون ذلك أكثر أجراً وثواباً.

    حكم أخذ الإيجار على محل صالون الحلاقة

    السؤال: فضيلة الشيخ: سائل يسأل بأن له قريباً لديه صالون حلاقة مؤجر على عامل ونصحه بأن هذا العمل محرم، وأن المال سحت، وأنه لا يجوز حلق لحى المسلمين، فقال: أنا لم آخذ من العامل إلا إيجار المحل مائة وخمسين ريالاً، والناس أحرار في حلق لحاهم، وأنا لم أجبرهم بحلقها عنده، فإذا أتيت لي بفتوى من الشيخ عبد العزيز أو الشيخ محمد حفظهم الله بتحريم إيجار المحل فسوف أغلق المحل، فما تقول يا شيخ في ذلك؟! وهل من نصيحة توجهونها إلى من ابتلي من الناس بأكل الأموال بالباطل؟

    الجواب: أقول جزاه الله خيراً على هذا وعلى ثقته بي، أما الشيخ عبد العزيز فهو محل الثقة وأرجو أن أكون أنا كذلك إن شاء الله، أقول للأخ: إن هذا الصالون إن كتب عليه كتابة ينفذ ما فيها: ممنوع حلق اللحية، إن كتب هذه العبارة وصار من طلب منه أن يحلق اللحية أبى عليه، فلا بأس أن يطلب رزق الله، أما إذا كان سيحلق لمن طلب منه الحلق إما حلق الرأس أو اللحية فإنه لا يجوز، وعليه أن يستبدل هذا الصالون ويبدله بما هو خير منه، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه فالحاصل أن فتح الصوالين للحلاقة فيه تفصيل:

    إذا كان الإنسان سيمتنع من حلق ما يحرم حلقه؛ فلا بأس؛ هذا من أسباب الرزق، وإن كان سيحلق ما طلبه المحلوق ولو كان حراماً فإنه لا يجوز.

    ما يجوز للمتعلمين في الطب على تشخيص الأمراض وما لا يجوز

    السؤال: فضيلة الشيخ هذا سؤال من طلاب كلية الطب يقولون فيه: بدأنا هذه السنة بالتطبيق في المستشفى ونقوم بالكشف على المرضى للتدرب على تشخيص الأمراض، فما الذي يجوز لنا والذي لا يجوز لنا فعله في هذا المجال جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: كل ما تدعو الحاجة إليه لعلمكم فهو جائز لأن أقصى ما في ذلك أن تنظروا إلى العورة مثلاً، والنظر إلى العورة للحاجة لا بأس به، لكن لو فرض أنه وكل إليكم النظر إلى امرأة مريضة وخفتم على أنفسكم من الفتنة فامتنعوا، قولوا: والله نحن لا نستطيع، هل يمكن لأحد أن يُمكَّن من فصد الناس وشق بطونهم إلا بعد أن يختبر؟ لابد من اختبار خصوصاً مادة الطب ليست هينة بل هي صعبة، يأتي إنسان لم يفهم الطب إلا نظرياً يقولون له: تفضل، هذا المريض أمامك يحتاج إلى أن تشق بطنه من النحر إلى السرة، أو من السرة إلى العانة تبقر بطون الناس وتقول طبيب، لا يصلح هذا، لابد من عملية، لابد من تمرن عملي.

    حكم متابعة الإمام إذا زاد في الصلاة

    السؤال: فضيلة الشيخ: إذا قام الإمام إلى ركعة زائدة هل يتابعه المأموم أو يجلس؟

    الجواب: إذا قام الإمام إلى ركعة زائدة وجب عليه أن يرجع متى علم أن هذه زائدة حتى لو قرأ الفاتحة حتى لو ركع، لا يجوز الاستمرار في الزائد، وقد فهم بعض الناس أنك إذا قمت إلى الركعة الزائدة فإنك لا ترجع، ظنوا أن ذلك مثل ترك التشهد الأول، التشهد الأول إذا قمت عنه ناسياً استمر ولا ترجع إليه، لكن الزيادة إذا قمت إليها ناسياً وجب عليك أن ترجع متى ذكرت، فإذا كان إماماً وجب على المأمومين أن ينبهوه، بما أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال) يقول: سبحان الله، فإن رجع فهذا المطلوب، وإن لم يرجع وجب على المأموم أن يجلس متى تيقن أنها زائدة ثم ينتظر ويسلم مع الإمام.

    قد يقول قائل: كيف أنتظره وأنا أعتقد أن صلاته باطلة لأنه زاد؟ نقول له: اعتقادك أن صلاته باطلة غير صحيح، لأن الإمام أحياناً ينسى قراءة الفاتحة في بعض الركعات، ثم يأتي بالركعة هذه تكملة لصلاته فما دام هذا الاحتمال وارداً فنقول: اجلس للتشهد واقرأ التشهد مرة أو مرتين أو ثلاثاً حتى يصل الإمام ثم تصلي معه.

    حكم اشتراك المسلم مع غير المسلم في العمل

    السؤال: فضيلة الشيخ: نعمل في مكان يعمل فيه كثير من الهندوس والنصارى، وعملهم مرتبط بنا فكيف نعاملهم؟

    الجواب: اشتراك غير المسلمين مع المسلمين في العمل لا بأس به مع الحاجة، أما مع عدم الحاجة فلا ينبغي أن يستقدم أحد من غير المسلمين إلى الجزيرة العربية؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)، وقال: (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب)، وقال: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً) وخطر غير المسلمين في جزيرة العرب خطر عظيم؛ وذلك لأن هذه الجزيرة منها بدأ الإسلام وإليها يعود، كما ثبت أنه: (يأرز إلى المدينة -أي: يرجع إليها- كما تأرز الحية إلى جحرها).

    فوجود غير المسلمين معنا خطر يا إخواني! لكن نشكو إلى الله عز وجل، ونسأل الله أن يهدي ولاة أمورنا للنظر في هذا الأمر الخطير.

    إنما إذا ابتليت بمشاركة غير المسلمين معك في العمل فعاملهم بما يعاملونك به؛ إلا أنك لا تبدأهم بالسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام) ولا تكرمهم بفسح الطريق لهم، يعني: لو أن جماعة المسلمين تلاقوا مع جماعة من غير المسلمين لا يكرمهم المسلمون بفسح الطريق لهم، يجعلونهم هم الذين يضطرون إلى الضيق، هم يتراصون ويدخلون مع الفوج واحداً واحداً.

    لكن قد تبتلى ببلية يكون رئيسك هو الكافر، تدخل عليه لتراجعه في حاجة من الحاجات فماذا تقول؟ إن قلت: السلام عليك عصيت الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن سكت خفت على نفسك فماذا تقول؟

    تحييه بغير السلام، تقول: صباح الخير، أو كيف حالك، وما أشبه ذلك، أو تقول: السلام ولكن لا تقول: عليكم وتنوي السلام يعني مطلوب عليَّ وعلى عباد الله الصالحين، الحمد لله الأمر واسع ولا يعلم عما في قلبك إلا الله.

    العدل مطلوب بين المسلم والكافر

    السؤال: فضيلة الشيخ: إذا أتانا في العمل كافر ومسلم لأن لهم عندنا حاجة في العمل ننجزها فأتى الكافر قبل المسلم هل نقدم المسلم على الكافر أو الذي أتى الأول؟

    الجواب: لا. ابدأ بالذي أتى الأول، هذا هو العدل، ولهذا قال العلماء: لو تحاكم كافر ومسلم عند القاضي هل يجعل المسلم في مكان أحسن من الكافر؟ لا. لا يجعله في مكان أحسن بل يجعلهم سواء أمامه، ولا يخاطب المسلم بخطاب لين والكافر بخطاب قاسٍ، هذا لا يجوز، فالحكم بين الناس يجب أن يكون بالعدل قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة:8] وأنت إذا فعلت ذلك وعدلت فربما يكون هذا سبباً لإسلام الكافر؛ لأن في هذا الدين العدل والكافر في قومه لا يرى العدل، وذكر لي أحد طلبة العلم -وأنا لم أرها لكن ذكر لي- أنه في عهد معاوية رضي الله عنه كان أميراً على الشام في زمن عمر ، فاحتاج بيت المال إلى زيادة وكان إلى جنب بيت المال بيت ليهودي، فطلبه معاوية ليوسع به بيت المال فأبى اليهودي فأعطاه أكثر من قيمته فأبى، فأخذه معاوية قهراً وقال: ثمن بيتك في بيت المال متى شئت خذه، فركب الرجل إلى أمير المؤمنين عمر في المدينة ، وكان معاوية في الشام رضي الله عنه قد اتخذ لنفسه هيبة؛ لأنه في أمة يهابون الناس في الشكل، فلما قدم المدينة سأل عن عمر الخليفة أمير المؤمنين وذاك أمير في الشام فقط، سأل عن الخليفة أين الخليفة؟ ظن أنه في قصور مشيدة عظيمة، قالوا: لعله في المكان الفلاني عند بعض العجائز، أو لعله في المسجد، فذهب ورآه في المسجد وقد توسد كومة من الحصى وعليه ثوب مرقع قالوا: هذا عمر، قال هذا عمر؟!! فعرض عليه القضية، فكتب عمر رضي الله عنه إلى معاوية أن اعدل، فقط ما كتب غيرها.

    فذهب بها اليهودي إلى معاوية وقال له: تفضل، قرأها معاوية قال: الآن تريد أن نعيد لك بيتك كما كان أعدناه، هكذا أمر عمر ، قال هكذا أمر؟ قال نعم، قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وبيتي لكم، انظر العدل، العدل يضطر النفس إلى التصديق والقبول، فالآن إذا جاءتك معاملة فابدأ بالأول سواء كان مسلماً أو كافراً.

    والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767960467