أما بعد:
هذا هو اللقاء الأسبوعي الذي يتم كل خميس، وهذا هو اللقاء الثمانون الذي يتم يوم الخميس الثامن والعشرين من شهر جمادى الثانية، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بهذه اللقاءات، وأن يجعلنا وإياكم ممن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً حتى ييسر الله لنا بذلك طريقاً إلى الجنة.
كنا نقدم في هذا اللقاء تفسيراً لكتاب الله العزيز الذي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42] والذي يجب على كل مسلم أن يتعلم من معانيه ما يحتاج إليه في أمور دينه ودنياه؛ لأن الله إنما نزل القرآن للتلاوة والتدبر والاتعاظ، أي: ليس المقصود من إنزال القرآن أن نتعبد الله بتلاوته فحسب، بل أن نتعبد بتلاوته ومعرفة معانيه ونعمل به، والدليل على ذلك قول الله تبارك وتعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص:29] ولم يقل ليتلوه تلاوة لفظية، قال: وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص:29] يتدبرونها: يتفهمون معناها، ويتذكرون بها، ويعملون بها.
وقد وصلنا في هذا التفسير المبتدئ من سورة النبأ إلى سورة التين، انتهينا في سورة الانشراح وكنت أظن أننا أنهيناها ولكن انتهينا إلى قوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ [الشرح:1-3].
فرفع ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام لا أحد يشك فيه؛ لأنه يرفع ذكره عند كل صلاة في أعلى مكان وذلك في الأذان، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.
ثانياً: يرفع ذكره في كل صلاة فرضاً في التشهد فإن التشهد مفروض وفيه: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
ثالثاً: يرفع ذكره عند كل عبادة، كل عبادة مرفوع فيها ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام، كيف ذلك؟ لأن كل عبادة لا بد فيها من شرطين أساسيين هما: الإخلاص لله، والمتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن المتابعة للرسول سوف يستحضر عند العبادة أنه متبع فيها لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهذا من رفع ذكره.
حين كان بـمكة يضيق عليه بـمكة والطائف، وكذلك أيضاً في المدينة من المنافقين فالله يقول: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:5] أي: كما شرحنا لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، ورفعنا لك ذكرك، وهذه نعم عظيمة، كذلك هذا العسر الذي يصيبك لابد أن يكون له يسر.
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:5-6] قال ابن عباس عند هذه الآية: [لن يغلب عسر يسرين] فكيف توجيه كلامه رضي الله عنه مع أن العسر ذكر مرتين واليسر ذكر مرتين؟
قال أهل البلاغة: توجيه كلامه: أن العسر لم يذكر إلا مرة واحدة، (فإن مع العسر يسراً) (إن مع العسر يسرا) العسر الأول أعيد في الثانية بأل، فأل هنا للعهد الذكري، وأما اليسر فإنه لم يأت معرفاً بل جاء منكراً، والقاعدة: أنه إذا كرر الاسم مرتين بصيغة التنكير أن الثانية غير الأول إلا ما ندر، والعكس إذا كرر الاسم مرتين وهو معرف فالثاني هو الأول إلا ما ذكر، يعني: انتبهوا لهذه القاعدة، القاعدة الآن: إذا كرر الاسم مرتين بصيغة التعريف فالثاني هو الأول إلا ما ندر، وإذا كرر الاسم مرتين بصيغة التنكير فالثاني غير الأول، لأن الثاني نكرة فهو غير الأول.
إذاً: في الآيتين الكريمتين يسران وفيهما عسر واحد؛ لأن العسر كرر مرتين بصيغة التعريف.
(فإن مع العسر يسرا) هذا الكلام خبر من الله عز وجل، وخبره أكمل الأخبار صدقاً، ووعده لا يخلف، فكلما تعسر عليك الأمر -يا أخي- فانتظر التيسير.
أما في الأمور الشرعية فظاهر، (صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) هذا تيسير، إذا شق عليك القيام اجلس، وإذا شق عليك الجلوس فصلِّ وأنت على جنب.
في الصيام إن قدرت وأنت في الحضر فصم وإن لم تقدر فأفطر، إذا كنت مسافراً فأفطر.
في الحج إذا استطعت إليه سبيلاً فحج، وإن لم تستطع فلا حج عليك.
بل إذا شرعت في الحج وحصل لك ظرف لا تتمكن معه من استكمال الحج فتحلل، افسخ الحج واهدِ، لقول الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196].
إذاً: كل عسر يحدث للإنسان في العبادة يجد التسهيل واليسر، وكذلك في القضاء والقدر يعني: تقدير الله على الإنسان من مصائب وضيق عيش وضيق صدر وغيره لا ييئس فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:5] التيسير قد يكون أمراً ظاهراً حسياً مثل: أن يكون الإنسان فقيراً فتضيق عليه الأمور فيوسع الله له الغنى، هذا تيسير حسي، إنسان مريض يتعب فيشق عليه المرض فيشفيه الله عز وجل هذا أيضاً تيسير حسي، هناك تيسير معنوي وهو معونة الله الإنسان على الصبر، هذا تيسير، إذا أعانك الله على الصبر تيسر لك العسر، صار هذا الأمر العسير الذي لو نزل على الجبال لدكها وصار بما أعانك الله عليه من الصبر صار أمراً يسيراً، أي: لا تظن أن اليسر معناه أن ينفرج شيء مرة، لا، اليسر أن ينفرج الكرب ويزول وهذا يسر حسي، وأن يعين الله الإنسان على الصبر، حتى يكون هذا الأمر الشديد العسير أمراً سهلاً عليه، نقول هذا: لأننا واثقون بوعد الله فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:5-6].
إذاً، اجعل حياتك جداً، إذا فرغت من عمل فانصب في عمل آخر، إذا فرغت من عمل الدنيا عليك بعمل الآخرة، فرغت من الآخرة اشتغل في أمر الدنيا، فإذا قضيت الصلاة يوم الجمعة يكتنفها عملان دنيويان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الجمعة:9] أي: وأنتم مشتغلون في دنياكم .. فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة:9-10] اسعوا بيعوا واشتروا، فرغنا من شغل اشتغلنا في آخر، فرغنا منه اشتغلنا في آخر، وهكذا ينبغي أن يكون الإنسان دائماً في جد.
فإذا قال قائل: لو أنني استعملت الجد في كل حياتي لتعبت ومللت؟ قلنا: إن استراحتك لتنشيط نفسك وإعادة النشاط يعتبر شغلاً وعملاً، يعني: ليس اللازم الشغل بالحركات، لا، فراغك من أجل أن تنشط للعمل الآخر يعتبر عملاً، المهم أن تجعل حياتك كلها جداً وعملاً.
فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح:7-8] أي: إذا عملت الأعمال التي فرغت منها ونصبت في الأخرى فارغب إلى الله عز وجل في الثواب، في حصول الأجر في الإعانة، كن مع الله عز وجل قبل وبعد العمل، قبل العمل كن مع الله تستعينه عز وجل، وبعده ترجو منه الثواب، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح:8].
متعلقة من حيث الإعراب، فارغب مقدمة عليه، وتقديم المعمول يفيد الحصر، أي: إلى الله لا إلى غيره فارغب في جميع أمورك، وثق بأنك متى علقت رغبتك بالله عز وجل فإنه سوف ييسر لك الأمور، وكثير من الناس تنقصهم هذه الحالة، أي: ينقصهم أن يكونوا دائماً راغبين إلى الله، فتجدهم يختل كثير من أعمالهم لأنه لم يكن بينهم وبين الله تعالى صلة في أعمالهم.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممتثلين لأوامره، مصدقين بأخباره، إنه على كل شيء قدير.
الجواب: يقرب له الماء ويتوضأ وله أن يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، وأذكر لك طريقة تسهل عليه الأمر: يؤخر الظهر إلى العصر جمعاً ثم يتوضأ في وقت العصر ويصلي قبل أن تصفر الشمس، ويمكن أن يبقى على طهارته إلى أن يؤذن المغرب ثم يصلي المغرب والعشاء جمع تقديم، ويكون له في هذه الحال كم وضوءاً؟ وضوء واحد، الآن له وضوء واحد لأربع صلوات، وصلاة الفجر يقوم ويتوضأ، لأنه لا يوجد هناك تيمم إلا إذا تعذر الأمر في استعمال الماء، لكن ما دام ممكن فلا.
الجواب: هذه الأعمال الانتحارية التي يذهب الإنسان إلى عدوه وقد ملئ جسمه من القنابل لتتفجر ويكون هو أول قتيل فيها محرمة، والفاعل لها قاتل لنفسه، وقتله لنفسه واضح، حمل القنابل وتفجرت به فمات، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في نار جهنم خالداً فيها مخلداً، لكن إذا كان هذا الإنسان فعل هذا جاهلاً يظن أن هذا من تمام الجهاد فإن الله سبحانه وتعالى لا يعذبه بذنبه لأنه متأول.
وأما من علم بذلك فإنه يعتبر قاتلاً لنفسه، وقد يورد علينا بعض الناس في هذا القول: أن البراء بن مالك رضي الله عنه في غزوة بني حنيفة أمر أصحابه أن يحملوه ويقذفوا به داخل الباب؛ باب الحوطة، من أجل أن يفتح الباب لهم، وهذا لا شك أنه إلقاء بنفسه إلى أمر خطير فيقال: إن البراء بن مالك رضي الله عنه قد وثق من نفسه أنه سينجو وفيه احتمال ولو واحد من مائة أنه ينجو، لكن من تقلد بالقنابل التي نعلم علم اليقين أنه أول من يموت بها فهذا ليس عنده احتمال ولا واحد في المائة ولا واحد في الألف أنه ينجو، فلا يصح قياس هذا على هذا، نعم للإنسان الشجاع البطل الذي يعرف نفسه أن يخوض غمار العدو ويخرق صفوفهم لأن النجاة فيها احتمال، وعلى هذا فيكون إيراد مثل هذه القضية غير وارد، لأن هناك فرقاً بين من يعلم أنه سيموت ومن عنده احتمال أنه سينجو.
الجواب: هذا الحديث بهذا اللفظ لا أعرفه، لكن الإنسان ينبغي له أن يدعو الله سبحانه وتعالى بدعاء نافع جامع، وأحسن ما يدعو به العبد ما جاءت به السنة بل ما جاء به القرآن وما جاءت به السنة، في القرآن أدعية كثيرة: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران:147]، قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23] والآيات في هذا كثيرة، وكذلك السنة أتت بذلك أي: بأدعية كثيرة، فالمحافظة على ما جاء في الكتاب والسنة من الأدعية هو الأفضل، لكن قد يكون للإنسان حاجة ليست مذكورة في الكتاب والسنة فيدعو الله تعالى ويتوسل إليه بأسمائه وصفاته لقوله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] وإذا جاء السجع سجية وطبيعة بدون تكلف فإنه مما يحسن اللفظ ويجمله، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحياناً يستعمل السجع مثل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق) فإذا جاء السجع من غير تكلف فهو من محسنات اللفظ، أما مع التكلف كما يوجد في بعض ما يدعو به بعض الناس في دعاء ختم القرآن من الأسجاع الطويلة العريضة، وربما يكون فيها اعتداء في الدعاء بحيث يتوسلون إلى الله تعالى بما لم يكن وسيلة، أو يدعون الله تعالى بما لا يمكن أن يكون لهم، فهذا غلط.
الجواب: أقول عاملهم بما يعاملونك به، إذا سلموا فرد عليهم السلام، ولا يحسن أن يطردوا من المسجد، بل ربما يكون بعضهم من العامة الذين لا يعرفون شيئاً وقد ضللهم علماؤهم؛ فيمكنكم أنتم باللباقة والدعوة بالتي هي أحسن أن تؤثروا عليهم، واستعمال العنف بين الناس أمر غير وارد، والله سبحانه وتعالى يحب الرفق في الأمر كله، فأنتم الآن لو تصادمتم معهم وقلتم: لا تسجدوا على ورق .. لا تسجدوا على حجر وما أشبه ذلك، لو كان الأمر ينتهي إلى هذا ثم ينتهون؛ لكان الأمر طيباً، لكن سوف يزيدون، وسوف تكون العداوة والبغضاء بينكم أشد.
فالذي أرى: أن الواجب أولاً نصحهم، لاسيما العوام، والنصح ليس معناه أن تهاجم مذهبهم وملتهم الفاسدة الباطلة، لا. النصح أن تبين لهم الحق وتبين لهم السنة، ثم بعد ذلك إذا تبينت لهم السنة فأنا أجزم جزماً إن كان عندهم إيمان حقيقة أن يرجعوا إليها وأن يدعوا باطلهم، فإن حصل هذا فهو الأكمل والأحسن، وإن لم يحصل فأنتم عاملوهم بما يعاملونكم به، وأما طردهم من المسجد فليس إليكم إنما هو إلى من فوقكم، ويعاملونهم بما يرون.
الجواب: قال تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96] هذه فيها قولان للعلماء:
قول أن (ما) مصدرية، والمعنى: خلقكم وخلق عملكم، وعليه يجري سؤالك: هل عمل الإنسان مخلوق أم لا؟ والجواب أنه مخلوق لله لا شك، عملك من صفاتك، أليس كذلك؟ عمل الإنسان من صفاته الحركات .. السكنات .. ذهاب .. مجيء من صفاته، والإنسان نفسه مخلوق وصفات المخلوق مخلوقة لأنها تابعة له، فالله سبحانه وتعالى خلقك، وأفعالك من صفاتك؛ فتكون صفاتك مخلوقة لله كما أن ذاتك مخلوقة لله.
الوجه الثاني أو القول الثاني في الآية: أن (ما) هنا اسم منصوب، أي: خلقكم وخلق الذي تعملونه، والذي يعملونه ما هو؟ أصنام ينحتونها، كما في الآية التي قبلها: قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:95-96] يعني: والذي تعملونه، وهي هذه الأصنام التي ينحتونها بأنفسهم، فإذا كانت هذه الأصنام مخلوقة فكيف يصح أن تكون معبودة؟!
الجواب: تعليقنا على هذه الشبهة: أنها خطأ، أن هذا القول خطأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) وهذا عام، وقال: (إياكم والدخول على النساء) وهذا عام، حتى قالوا: (يا رسول الله! أرأيت الحمو -أي: قريب الزوج يدخل على بيت قريبه- قال: الحمو الموت) أي: فاحذروه، والمصافحة أشد من الخلوة؛ لأن المصافحة إن كانت بلا حائل ففيها مباشرة الجسم للجسم ولا يخفى ما يحصل في ذلك من فوران الشهوة، مهما كان قلب الإنسان، والثاني: إذا كان بحائل فيمكن أن يغوي الشيطان الشخص حتى يغمز اليد بقوة أو بشدة، أو ينفضها، أو ما أشبه ذلك، مما يحرك الشهوة، فالمسألة خطأ كلها.
وأما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم تمس يده يد امرأة، فليس هذا خاصاً به، بل هو عليه الصلاة والسلام يجوز له من الخلوة بالنساء ما لا يجوز لغيره، وقد ثبت في أحاديث متعددة تدل على جواز خلوة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالمرأة وجواز كشفها له، في حجة الوداع سألته امرأة: عن حجها عن أبيها وكانت امرأة جميلة فجعل الفضل بن عباس وهو رديف الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ناقته جعل ينظر إليها فصرف وجهه، وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجوز له من النظر إلى النساء ما لا يجوز لغيره؛ لأنه أبعد الناس عن الريبة، فهذه الشبهة ليست شبهة في الواقع إلا على من كان في قلبه مرض، فإن المتنبي يقول:
ومن يك ذا فم مر مريض يجد مراً به الماء الزلال |
الجواب: هو لا شك أن تذكر النية عند العمل ومصاحبتها للعمل أفضل بلا شك بكثير، والإنسان إذا عود نفسه على هذا سهل عليه، ولكن إذا لم تكن هذه الحال العليا فعلى الأقل الحال الدنيا يعني الإنسان كلما أصبح ينوي نية صالحة بأنه لن يعمل عملاً إلا لوجه الله عز وجل، سواءً كان دينياً أو دنيوياً، وأرجو أن يكون ذلك كافياً وتكون النية هنا مستصحبة حكماً لا ذكراً، لكن استصحابها لها ذكر أفضل.
الجواب: صلاة النساء في المسجد وإن كن لا يرين الجماعة لا بأس بها، وكذلك صلاتهن في دور علوي لا بأس بها أيضاً ما دام في المسجد، أما خارج المسجد فلا إلا إذا لم يكن في المسجد مكان، مثل أن يكون المسجد ممتلئاً بالرجال ويفرش لهن فراش خارج المسجد ليصلين مع الرجال فهذا لا بأس به، كما أن صلاة الرجال أيضاً خارج المسجد لا تصح إلا إذا كان المسجد مملوءاً واتصلت الصفوف بمن هو خارج المسجد فلا بأس.
الجواب: هذا ليس من باب التأويل؛ لأن الغيرة هي الأنفة في الواقع، يغار الإنسان، أي: يأنف أن يشاركه أحد في هذا العمل، أو يأنف أن يعمل أحد هذا العمل، أو ما أشبه ذلك، فالذي يظهر لي: أن هذا تفسير بالمعنى الصحيح.
الجواب: هذا السؤال أو هذا التوسل إلى الله بهذه الأوصاف غلط بلا شك، فسلطان الله تعالى ماض في الأرض وفي السماء، وقدرته في الأرض وفي السماء، وأخشى أن يكون هذا الداعي ممن ينكر العلو لله عز وجل فإن الذين ينكرون العلو يقولون: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16] أي: من في السماء سلطانه، فيجعلون الذي في السماء هو السلطان، أما الله فهم ينقسمون فيه إلى قسمين:
قسم يقول: إن الله في كل مكان، وقسم آخر يقول: ليس لله مكان، فليس في داخل العالم ولا في خارجه، ولا متصل ولا منفصل، وهو معروف في كتب العقائد، والمهم هذا التوسل يجب إنكاره على من توسل به إلى الله تعالى في الدعاء.
الجواب: الجمع بينهما: أن ما قاله الصحابة رضي الله عنهم حين أثنوا شراً على إحدى الجنازتين وخيراً على الأخرى هو مجرد الخبر الذي وقع تصديقه من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والقصد منه التحذير، والغيبة وهي ذكر الإنسان بما يكره ليست حراماً في كل حال، في بعض الأحيان تكون حراماً، وفي بعض الأحيان تكون مباحة، وفي بعض الأحيان تكون مطلوبة، أليست فاطمة بنت قيس جاءت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تستشيره في أبي جهم وأبي سفيان وأسامة بن زيد كلهم خطبوها فقال لها: (أما
الجواب: معناه: أن الرسول عليه الصلاة والسلام يسمع صوتاً كصلصلة الجرس فيتلقى الوحي بهذه الطريقة، هذه أشده عليه، على الرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا يعرف إذا نزل عليه الوحي على هذا الوجه: (حتى إنه ليتفصد عرقاً في اليوم الشديد البرد) اللهم صل وسلم عليه.
الجواب: نعم، ورد النهي عن لبس الثوب الأحمر الخالص، أما ما فيه لون آخر فلا، وعلى هذا فلبس الشماغ لا بأس به، لماذا؟ لأنه ليس أحمراً خالصاً، فيه بياض، وكذلك لو فرضنا أن إنساناً عليه ثوب أحمر لكنه فيه خطوط بيضاء أو سوداء أو مخالفة للون الأحمر فلا بأس في ذلك، وأما المعصفر فهو الذي صبغ بالعصفر أتعرف العصفر؟ العصفر نبات معروف يكون له ثمر وزهر يشبه الزعفران، أتعرف الزعفران؟ هو يشبهه فإذا صبغ به الثوب صار أصفر يميل إلى الحمرة، فهذا منهي عن لبسه.
الشيخ: الصواب أن تقول: إحدى لأنها مؤنث.
السائل: في تخصص أحتسب على الله أن أفيد فيه الإسلام والمسلمين، وقد بليت ببعض الأساتذة كما يبتلى غيري، الذين يطرحون الشبه، مثل: قيادة المرأة، ويقولون: أنها أفضل من السائق، وهذا منعاً من وقوع الزنا والأخطار التي يتحدثون عنها، وقد حصل بيني وبين بعضهم بعض النقاش والجدال، وقد نصحني بعض الإخوة الغيورين بعدم مجادلة هؤلاء حتى آخذ رسالة الماجستير وما بعدها بإذن الله تعالى، فما رأيكم في السكوت عنهم، وعدم مجادلتهم، رغم أن مجادلتهم مني دفاعاً وحفاظاً على أفكار إخواني الدارسين، وجهونا أفادكم الله؟
الجواب: أوجهك أنه إذا كان هؤلاء الأساتذة يوردون هذه الشبه بدون سؤال من الطلبة فارفعوا بهم إلى الإدارة أو العمادة حتى يؤتى بهم ليطلب منهم الكف عن هذه الأشياء، وأقول من هذا المكان: إنه لا يحل لهم إيراد شبه على طلبة دونهم في العلم فيضلونهم عن الحق، وأحذرهم من أن يكونوا متصفين بقول الله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ [آل عمران:7] وأقول لهم: إن عليهم أن يدرسوا ما أنيط بهم من المادة فقط.
أما إذا كان إيراد هذه الشبه من الطلبة؛ فإن الواجب أن ينظر إلى هذا الطالب المورد لهذه الشبهة نظرة جد وينصح، ويقال له: لا تفعل هذا الشيء، فإن انتهى فهذا المطلوب، وإن بقي يورد مثل هذه الشبه؛ فالواجب رفعه إلى العمادة، وأما قيادة المرأة للسيارة فقد كتبنا فيها جواباً شافياً إن شاء الله لا أدري هل نشر في الصحف أم لا، لكن كتبنا فيها وبينا فيها المحاذير والمفاسد التي تترتب على ذلك، ولسنا نقول: إن قيادة المرأة للسيارة حرام، يعنيك حركاتها وتمشية السيارة وإيقافها هذا ليس بحرام لكن ما ينتج عنه من الآثار السيئة هو الحرام، إذا كنا الآن لا نحفظ شبابنا الفتيان إذا أعطيناهم السيارة ليلاً ونهاراً كما يشاءون، كيف بالنساء؟! لا تستطيع أن تملكها، تقول: أنا سوف أذهب إلى زميلتي أجلس معها وهي تذهب إلى أمور أخرى، ثم من يضمن لنا أن تقف هذه السيارة يوماً من الأيام في طريق تتعطل، ينتهي البنـزين، ثم يقف عليها رجل من أسفل الناس ولا يعطيها حاجتها إلا إذا قضت حاجته، من يأمن هذا؟
وفيه مفاسد كثيرة ذكرناها، كلها تقتضي منع المرأة من قيادة السيارة، هذه في الأمور العامة، لكن لو فرضنا أن امرأة في حائطها في بستانها تريد أن تقود السيارة من أعلى البستان إلى أسفله لتحمل مثلاً علفاً للبهائم، وما أشبه ذلك لا نمنع ذلك، ولا نقول: إنه حرام، إلا إذا علمنا أن هذا سيتخذ ذريعة إلى أن تأتي بنت التاجر وتقول: إذا أجزتم لبنت الفلاح هذا فأجيزوا لي أن أنقل سلع أبي من المخزن إلى الدكان وما أشبه ذلك، إن كان هذا يثير علينا هذا الاحتجاج فحينئذ ينظر في المسألة.
الشيخ: يا أخي! أقول: عندك العمادة سجلوا كلامه وارفعوه، ثم إن قوله: لا فرق بين العلوم، هذا إما أن يكون عن مغالطة ومكابرة، أو عن نقص عقل، قل له: هل علم النجار كعلم الحداد؟ هل علم الذي يشتغل بالكهرباء كعلم الذي يشتغل بالطوب؟ إن قال: نعم، فعلى عقله السلامة، وإن قال: نعم بينهم فرق، العلوم النظرية بينها فرق، هل علم الطب مثل علم النحو؟ هذا واضح لا يمكن أن ينكره إلا إنسان مكابر: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً [النمل:14].
وأما قوله: ليس في الكتاب والسنة دليل على أن العلم فرض عين وفرض كفاية، فهذا أيضاً لقلة علمه ولجهله، فهل يجب عليَّ وأنا فقير ما عندي مال هل يجب علي أن أتعلم أحكام الزكاة؟ لا، ليس مكلفاً بالزكاة حتى أتعلم أحكامها، لكن الذي عنده مال يجب أن يتعلم أحكامها حتى يؤديها كما أمر إلى أهلها.
من لا يستطيع الحج هل نقول: لازم تدرس كتاب الحج؟ لا، حتى يريد الحج نقول: لا تحج حتى تعرف أحكام الحج، فهذه العلوم فرض كفاية، ولا بد أن تحفظ الشريعة بجميع العلوم الشرعية: عقائد، وأخلاق، وعبادات، لا بد أن تحفظ، إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين، لكن إذا احتاج الإنسان إلى علم ما ولو في باب من أبواب العلم فإنه يجب عليه أن يتعلمه، وهذا واضح.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وأسأل الله تعالى أن يعين شبابنا الصالح لمكافحة مثل هؤلاء الذين عندهم قصور في العلم الشرعي أو عندهم مكابرة، ونسأل الله تعالى أن يحمي الإسلام وحوزة الإسلام بأهله إنه على كل شيء قدير.
والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر