أما بعد:
فهذا هو اللقاء الخامس والثمانون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل خميس، وهذا هو الخميس الحادي عشر من شهر شعبان عام (1415هـ) نبتدئه -كالمعتاد- بتفسير ما انتهينا إليه من الجزء الثلاثين من كتاب الله عز وجل، وقد انتهينا إلى سورة القدر حيث يقول الله تبارك وتعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:1-3].
وأحياناً يذكر نفسه بصيغة الواحد مثل: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] وذلك لأنه واحد عظيم، وباعتبار الصفة يأتي ضمير العظمة، وباعتبار الوحدانية يأتي ضمير الواحد، والضمير في قوله: أَنْزَلْنَاهُ أعني ضمير المفعول به، وهي الهاء يعود إلى القرآن، وإن لم يسبق له ذكر لأن هذا أمر معلوم، ولا يمكن لأحد أن يشك في أن المراد بذلك إنزال القرآن الكريم.
أنزله الله تعالى في ليلة القدر، فما معنى: إنزاله في ليلة القدر؟ الصحيح أن معناها: ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر، وليلة القدر في رمضان لا شك في هذا، ودليل ذلك قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185] فإذا جمعت هذه الآية أعني: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ إلى هذه الآية التي نحن بصدد الكلام عليها، تبين لك أن ليلة القدر في رمضان، وبهذا نعرف أن ما اشتهر عند العامة من أن ليلة القدر هي ليلة النصف من شهر شعبان لا أصل له ولا حقيقة له، فإن ليلة القدر في رمضان، وليلة النصف من شعبان كليلة النصف من رجب وجمادى وربيع وصفر ومحرم وغيرهن من الشهور، لا تختص بشيء.
حتى ما ورد في فضل القيام فيها فهي أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة، وكذلك ما ورد من تخصيص يومها وهو يوم النصف من شعبان بالصيام فإنها أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة، لكن بعض العلماء رحمهم الله يتساهلون في ذكر الأحاديث الضعيفة فيما يتعلق بالفضائل، فضائل الأعمال أو الشهور أو الأماكن، وهذا أمر لا ينبغي، وذلك لأنك إذا سقت الأحاديث الضعيفة في فضل شيء ما، فإن السامع سوف يعتقد أن ذلك صحيحاً وينسبه إلى الرسول عليه الصلاة السلام، وهذا شيء كبير، فالمهم أن يوم النصف من شعبان وليلة النصف من شعبان لا يختصان بشيء دون سائر الشهور، فليلة النصف لا تختص بفضل قيام، وليلة النصف ليست ليلة القدر ويوم النصف لا يختص بصيام.
نعم شهر شعبان ثبت في السنة بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر الصيام فيه حتى لا يفطر منه إلا قليلاً، وما سوى ذلك مما يتعلق بصيامه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إلا ما لسائر الشهور، كفضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر وأن تكون في الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وهي أيام البيض.
وقوله تعالى: فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ما معنى: (القدر) هل هو الشرف كما يقال: فلان ذو قدر عظيم أو ذو قدر كبير أي: ذو شرف كبير، أو المراد بالقدر التقدير؛ لأنه يقدر فيها ما يكون في السنة لقول الله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان:3-4] أي يفصل ويبين؟
من العلماء من قال هذا، ومن العلماء من قال بهذا، والصحيح: أنه شامل للمعنيين، فليلة القدر لا شك أنها ذات قدر عظيم وشرف كبير، وأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من الإحياء والإماتة والأرزاق وغير ذلك.
ثواب العمل فيها، وما ينـزل الله تعالى فيه من الخير والبركة على هذه الأمة، ثم ذكر ما يحدث في تلك الليلة.
(تنـزَّل) أي: تَنْزِلُ شيئاً فشيئاً؛ لأن الملائكة سكان السماوات -والسماوات سبع- تنـزل الملائكة إلى الأرض شيئاً فشيئاً حتى تنـزل الأرض، ونزول الملائكة في الأرض، عنوانٌ على الرحمة والخير والبركة، ولهذا إذا امتنعت الملائكة من دخول شيء كان ذلك دليلاً على أن هذا المكان التي امتنعت الملائكة من دخوله قد يخلوا من الخير والبركة، كالمكان الذي فيه الصور (فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة) يعني: صورة محرمة؛ لأن الصورة إذا كانت ممتهنة في فراش أو وسادة فأكثر العلماء على أنها جائزة، وعلى هذا فلا تمتنع الملائكة من دخول المكان؛ لأنه لو امتنعت لكان ذلك ممنوعاً، فالملائكة تتنزل في ليلة القدر بكثرة ونزولهم خيرٌ وبركة.
وقوله: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ أي: بأمره، والمراد به الإذن الكوني، لأن إذن الله أي أمره ينقسم إلى قسمين: إذنٌ كوني، وإذنٌ شرعي، فقوله تعالى: شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21] أي: ما لم يأذن به شرعاً؛ لأنه قد أذن به قدراً فقد شرع من دون الله لكنه ليس بإذن الله الشرعي، وإذن قدري كما في هذه الآية: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ أي: بأمره القدري، وقوله: مِنْ كُلِّ أَمْرٍ قيل: إن (من) بمعنى الباء أي: بكل أمر مما يأمرهم الله به وهو مبهم لا نعلم ما هو لكننا نقول: إن تنزل الملائكة إلى الأرض عنوان على الخير والرحمة والبركة.
(حتى مطلع الفجر) أي: تتنزل الملائكة في هذه الليلة (حتى مطلع الفجر) أي: إلى مطلع الفجر، وإذا طلع الفجر انتهت ليلة القدر.
نقول للجواب على هذا: إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول ثم العشر الأوسط تحرياً لليلة القدر، ثم قيل له: إنها في العشر الأواخر، فاعتكف العشر الأواخر. إذاً: فليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وفي أي ليلة منها؟ الله أعلم؛ قد تكون في ليلة إحدى وعشرين، أو في ليلة ثلاثين، أو فيما بينهما، لم يأتِ تحديدٌ لها في ليلة معينة كل عام، ولهذا أوري النبي صلى الله عليه وسلم ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين، ورأى في المنام أنه يسجد في صبيحتها في الماء والطين، فأمطرت السماء تلك الليلة أي: ليلة إحدى وعشرين فصلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مسجده، وكان مسجده من عريش، لا يمنع تسرب الماء من السقف فسجد النبي صلى الله عليه وسلم صباحها أي: في صلاة الفجر في الماء والطين، ورأى الصحابة رضي الله عنهم على جبهته أثر الماء والطين، ففي تلك الليلة كانت في إحدى وعشرين، ومع ذلك قال: (التمسوها في العشر الأواخر)، وفي رواية: (في الوتر من العشر الأواخر).
ورآها الصحابة ذات سنة من السنين في السبع الأواخر، فقال صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) يعني: في تلك السنة، أما في بقية الأعوام فهي في كل العشر، فليست معينة لكن أرجى ما تكون ليلة سبعٍ وعشرين، وقد تكون مثلاً في هذا العام ليلة سبعٍ وعشرين، وفي العام الثاني ليلة إحدى وعشرين، وفي العام الثالث ليلة خمس وعشرين وهكذا..
الفائدة الأولى: بيان الصادق في طلبها من المتكاسل؛ لأن الصادق في طلبها لا يهمه أن يتعب عشر ليالٍ من أجل أن يدركها، والمتكاسل قد يكسل ويقول: ما دام لا أدري أي ليلة هي يكسل أن يقوم عشر ليالي من أجل ليلة واحدة.
الفائدة الثانية: كثرة ثواب المسلمين بكثرة الأعمال، لأنه كلما كثر العمل كثر الثواب.
وبهذه المناسبة: أود أن أنبه إلى غلط كثير من الناس في الوقت الحاضر حيث يتحرون ليلة سبع وعشرين في أداء العمرة، فإن في ليلة سبع وعشرين تجد المسجد الحرام قد غص بالناس وكثروا، وتخصيص ليلة سبع وعشرين بالعمرة من البدع، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخصصها بعمرة في فعله، ولم يخصصها أي : ليلة سبع وعشرين بعمرة في قوله، فلم يعتمر ليلة سبع وعشرين من رمضان مع أنه كان في عام الفتح ليلة سبع وعشرين من رمضان كان في مكة ولم يعتمر، ولم يقل للأمة: تحروا ليلة سبع وعشرين في العمرة أو بالعمرة، وإنما أمر أن نتحرى ليلة سبعٍ وعشرين بالقيام فيها لا بالعمرة، وبه يتبين خطأ كثير من الناس.
وبه أيضاً: أن الناس ربما يأخذون دينهم كابراً عن كابر على غير أساس من الشرع، فاحذر أن تعبد الله إلا على بصيرة، بدليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو عمل الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم.
وبهذا انتهى الكلام على سورة القدر، نسأل الله تبارك وتعالى أن يبلغنا وإياكم إياها في هذا العام وفيما بعده على خير وسلام، وأن يتقبل منا ومنكم إنه على كل شيء قدير.
الجواب: صلاة الاستخارة أن الإنسان إذا هم بأمر وتردد في عاقبته، فإنه يستخير الله أي: يسأل الله خير الأمرين: الإقدام أو الترك، فيصلي ركعتين من غير الفريضة فإذا سلم قال: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -ويسميه- خير لي في ديني ودنياي، أو قال: عاقبة أمري وعاجله فاقدره لي ويسره لي، وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري وعاجله فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به) فإذا فعل ذلك واستقر رأيه بعد هذا على الإقدام أو الترك فإن الله سبحانه وتعالى إذا كان قد قبل منه يجعل الخير فيما حصل.
ولكنه لا يستخير في كل شيء، يعني: ليس للإنسان إذا أراد أن يتغدى أن يقول: أستخير الله.. إذا أراد أن يذهب يصلي مع الجماعة أن يقول: أستخير الله، إنما يستخير الله في أمر لا يدري ما عاقبته، ومن ذلك: إمامة المسجد، لو عرض عليه إمامة المسجد ولم يترجح عنده الإقدام أو الترك فليستخر الله، فالإمامة من حيث هي خير في ذاتها، لكن العاقبة؛ لأن الإنسان لا يدري في المستقبل هل يقوم بواجب الإمامة أو لا يقوم؟ وهل يستقر في هذا المسجد أو لا يستقر؟ وهل يكون ملائماً للجماعة أو غير ملائم؟ هو لا يستخير على أن الإمامة من حيث هي خير أو ليس خير.. الإمامة من حيث هي خير.. لكن العاقبة، كم من إنسان كان إماماً في مسجد ثم لحقه من التعب وعدم القيام بالواجب، والمشاكل مع الجماعة ما يتمنى أنه لم يكن إماماً، كذلك المرأة الصالحة.. المرأة الصالحة لا شك أنها خير (واظفر بذات الدين تربت يمينك) كما قال عليه الصلاة والسلام، لكن لا أدري ما العاقبة؟ قد تكون هي امرأة صالحة ولكن لا تتلاءم مع أمه؛ لأن بعض الأمهات نسأل الله العافية يكون عندها غيرة، إذا رأت صلاح الحال بين ابنها وزوجته غارت وحاولت أن تفسد بينهما، وكذلك أهلها ربما إذا رأوا البنت قد حضي عندها زوجها وأنها تحبه وتقدمه على ما تريد أمها أو ما يريد أبوها، فإنهم ربما يحاولون الإفساد بينها وبينه، فالإنسان قد يستخير الله لا من أجل أنه يقدم على امرأة صالحة لكن يستخير الله لأنه لا يعلم ما العاقبة في تزوج هذه المرأة.
والمهم أن كل شيء تتردد فيه فعليك بالله، الجأ إليه، اسأله خير الأمرين.
الجواب: الزكاة للفقير المحتاج إليها، فمثلاً: هذا الذي ينفق على ثلاث عوائل كما قلت في السؤال قد يكون عنده راتب كثير ثمانمائة ريال، في الوقت الحاضر ثمانمائة ريال لا يساوي شيئاً بالنسبة للثلاث العوائل، حتى لو فرض أن البيت الذي يسكنه ملكاً له، فإن ثمان مائة ريال في وقتنا الحاضر لا تكفي المئونة للأكل والشرب واللباس وغير ذلك من الحوائج، فليأخذ من الزكاة ما يسد حاجته فقط ولا يزيد، فإذا قدر أنه يستغني بعشرة آلاف مثلاً على مدار السنة فلا يأخذ أكثر، وما دام محتاجاً فليأخذ ولا حرج على هذا.
الأولى: عدم التدخل بالمسائل الفقهية، وعدم التدخل بالأمور السياسية، وعدم التدخل بالأمراض الاجتماعية كإنكار المنكر أو ما شابه ذلك.
إذا قلنا له: أين دليل ذلك؟ قال: كيف أجاب الإمام محمد عبد الوهاب: اعلم رحمك الله تعالى أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم أربع مسائل فما الأمر في هذا؟
الجواب: أولاً: قولك إذا خرجنا في سبيل الله، الخروج في سبيل الله يعني: الخروج لقتال الكفار، هذا هو المراد بسبيل الله، وأما فعل الخيرات عموماً فهو وإن دخل في كونه طريقاً إلى الله عز وجل، لكنه ليس هو الجهاد في سبيل الله الذي وردت النصوص بفضله غاية ما في ذلك أن يقال: الخروج للدعوة إلى الله هذا الصواب.
والخروج للدعوة إلى الله لا بد فيها من أمرين أساسيين:
الأمر الأول: أن يكون عند الإنسان علم بالشريعة التي يدعو إليها، ولا أقول أن يكون عالماً بكل الشريعة؛ لأن هذا شيءٌ لا يطاق، وحتى أكبر عالم لا يستطيع أن يدرك جميع الأحكام الشرعية، لكن أن يكون عالماً بالشرع فيما يدعو إليه، يعني: لا يتكلم إلا بعلم، فلابد من أن يكون على بصيرة.
الشيء الثاني: لابد أن يكون عاملاً بما يدعو إليه حتى يكون قدوة.
أما عدم التدخل في المسائل الفقهية، فلعل الذين اشترطوا ذلك علموا أنفسهم أن بضاعتهم في الفقه قليلة، وأن التدخل فيها بدون علم ليس إلا مجرد مراء لا فائدة منه، فيخشون أن يقع النزاع لهذا السبب فيقولون: لا تبحثوا في الأمور الفقهية. نعم لو كان بينهم عالم فقيه مرجع لهم، فإنه لابد من أن يتفقهوا في دين الله بقدر المستطاع، لكن نظراً لأنهم لا يسهل عليهم أن يكون معهم هذا النوع من العلماء قالوا: لا تبحثوا في المسائل الفقهية لأن البحث بدون علم مجرد مراء لا يستفيد منه الناس، إلا شحن القلوب بعضها على بعض.
وأما قولهم: لا تتكلموا في الأمور السياسية، فنحن نوافقه على هذا؛ لأن البحث في الأمور السياسية لا يمكن أن يكون بين أيدي العوام الكل يقول ما يريد، الأمور السياسية لها أناس معينون يتولون الأمور، ولهذا لا تجد مثلاً سياسة عمر بن الخطاب مبثوثة في سوق الباعة والمشترين، كل يلوكها وكل يتكلم... أبداً، وإذا أراد أن يعمل شيئاً استشار من هم أهل للشورى حين يشكل عليه الأمر، وليست المسائل السياسية ألعوبة تطرح بين أيدي العوام كل يلوك فيها بما شاء، لأن هناك أموراً سرية لا يمكن أن يطلع عليها العوام، يتصرف الحكام فيها حسب ما يرون من المصلحة، والواجب على الحاكم أن يقدم ما فيه مصلحة المسلمين الذين ولاهم الله عليه، ولهذا قال الله تعالى مشيراً إلى هذه المسألة: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ [النساء:83] يعني نشروه وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم [النساء:83] فجعل الله تعالى للرأي أناساً يعرفون ويستنبطون الأشياء وينظرون في العواقب.
فأنا أوافق على أنه لا ينبغي لنا أن نجعل مجالسنا في الأمور السياسية؛ لأنه لا فائدة من هذا إطلاقاً، إلا أنه ربما يأت الإنسان بصورة صديق ويتكلم فيما يوغر الصدور على ولاة الأمور، حتى تحصل الفرجة بين الشعب وولاته ويحصل بذلك شرٌ كثير، وهو قد يتظاهر بمثل الصديق وليس بصديق ولكن في قلبه شيء على الولاة فيريد أن ينفذه ويفرج عن صدره، وقد يكون صديقاً يريد الخير ويريد الإصلاح لكن لم يعرف كيف الطريق إلى ذلك؛ لأن طريق الإصلاح ليس بإشاعة العيوب ونشرها بين الناس، سواءً كانت عيوب علماء أو عيوب أمراء، إنما لمحاولة الإصلاح وسلوك ما تحصل به الفائدة.
فأرى أن اشتراط عدم التدخل في السياسة أرى أنه جيد، وأنه مما يوجب أن ينصرف الناس إلى عبادة الله وحده، وإلى تحقيق التوحيد، وإلى الكف عما لا يعنيهم لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).
الثالث والرابع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يعني: مشاكل المجتمع، وهذا خطأ، كونهم لا يبحثون فيها خطأ؛ لأن الله تعالى قال: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] فذكر أربعة أوصاف: الإيمان والعمل الصالح وهذا خاص في الإنسان نفسه وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وهذا لغيره، فلا بد من أن نبحث عن المشاكل الاجتماعية، من أجل أن نقوم بحل هذه المشاكل، وإصلاح ما فسد، ولمِّ ما تفرق وما أشبه ذلك، لكن بطريقٍ موافق لما جاءت به الشريعة، لا بطريق العنف وكون الإنسان يحمل عداوة وبغضاء للمنصوح؛ لأن هذه مسألة أيضاً يجب التنبه لها، أنت إذا رأيت رجلاً يعمل عملاً سيئاً وهو مؤمن لكنه عاصٍ لا شك أنك تكره معصيته، ويجب أن تكره معصيته لكن أن تكرهه هو؟ هذا يحتاج إلى تفصيل، ولا يجوز أن تكرهه حتى تعرف ما عنده، قد يكون هذا العاصي الذي عمل المعصية جاهلاً بها لا يعلم أنها معصية.
وأنا أضرب لكم مثلاً: رجل شاب تزوج وكان يجامع أهله في رمضان وهو صائم، ويقول: أنا كنت أظن الذي يحرم هو الجماع بالإنزال، ويقسم أنه ما علم أن الجماع بدون إنزال حرام، ولا شك أن الجماع في نهار رمضان أنه من أعظم الذنوب؛ لأنه هتك لحرمة ركن من أركان الإسلام وهو الصيام، لكن هذا الآن جاهل، نحن نكره فعله هذا؛ لأنه معصية لكن لا نكرهه حتى نعلم، فإذا قال أنه جاهل فإن سعة الإسلام ويسر الإسلام لا يوجب أن نَكرهه حتى نقيم عليه الحجة.
كثير من الإخوة إذا رأى إنساناً على معصية فإنه -أي الرائي- يكره المعصية وهذا حق لكن يكره العاصي ثم يعامله معاملة المعنف الكاره له الذي يريد أن ينتقم منه، وهذا غلط كبير.
والواجب أن تعالج العاصي معالجة الطبيب الرفيق الذي يداوي الجرح ليبرأ لا يداويه ليزداد، فتعامل هذا الرجل بلطف وإرادة خيرٍ له ورحمة به.
ولهذا أقول لكم كلاماً قاله شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ وشيخ الإسلام ابن تيمية معروف رحمه الله بالشدة على أهل البدع ومحاربتهم، قال: (إنك إذا نظرت إلى أهل الكلام -و أهل الكلام : هم الذين يرجعون في إثبات العقائد إلى عقولهم لا إلى الكتاب والسنة- قال: إذا نظرت إليهم بعين القدر رحمتهم ورققت لهم؛ لأنهم ابتلوا بهذا فضلوا، ترحمهم وترق لهم، وإذا نظرت إليهم بعين الشرع، وأنه لا يجوز إقرارهم، رأيت أنهم مستحقون لما قال الشافعي رحمه الله.. ) وما الذي قال الشافعي ؟ قال الشافعي في الحكم في أهل الكلام : أن يضربوا بالجريد والنعال، وأن يطاف بهم في العشائر ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكلام.
هكذا العلماء المربون ينظرون إلى الخلق نظرة إصلاح لا نظرة انتقام وكراهية، أنا أكره المعصية التي يقوم بها هذا الرجل، لكن هذا الرجل مؤمن أخي ولو زنا وسرق هو أخي إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10].
هل هناك أعظم من قتل النفس بغير حق؟ لا، ومع ذلك قال الله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:9-10] انظر الترقيق: (أصلحوا بين أخويكم) كل منهم يقاتل أخاه (وسباب المسلم فسوق وقتاله كفر) لكن مع ذلك هذا ترقيق في الكلام (أصلحوا بين أخويكم) أخوة وإن كانوا يقتتلون بعضهم يقتل بعضاً.
فهذه مسألة يجب على الدعاة والآمرين بالمعروف والناهيين عن المنكر أن ينتبهوا لها، وأنا واثق بأن الإنسان إذا اتقى الله عز وجل، وسلك ما أرشده الله إليه ورسوله فالنجاح محقق، وكم من إنسان رأيته على معصية ثم خاطبته باللين والتعقل فيرجع عن المعصية، فإذا خاطبته بالعنف والغيرة والحمية التي في قلبك وانتهرته وزجرته فسوف ينفر من ذلك.
لذلك أحث إخواني الدعاة إلى الله عز وجل والآمرين بالمعروف والناهيين عن المنكر: أن يلاحظوا هذه النقطة؛ وهي أنهم إذا دعوا فإنهم يريدون إصلاح المدعو، إذا أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر يريدون كذلك إصلاح الفاعل للمنكر والتارك للمعروف دون التعنيف عليه، وإذا سلكوا هذا يسر الله أمرهم.
السائل: يا شيخ! الاهتمام بالعقيدة في الدعوة كما في حديث معاذ عندما النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن وقال: (إنك ستأتي قوماً أهل كتاب..) فأول ما بدأ، بدأ بالتوحيد، وكثير من الدعاة يذهب ويخرج ويدعو الناس يعني يدعوهم للصلاة وفضائل الأعمال، ولا يهتم بالعقيدة، فلو تنبهونهم جزاكم الله خيرا؟
الشيخ: الدعاة الآن الذين في المملكة العربية السعودية لا يركزون كثيراً على جانب التوحيد؛ لأن الناس -ولله الحمد- على عقيدة حسنة، ليس هناك اختلاف، وربما لو فتحوا شيئاً من الاختلافات في العقيدة وعلم الكلام ربما يفتحون أبواباً مغلقة لذلك يهتمون بالأمور العملية دون الأمور العقدية؛ لأنك لو تأتي عجوزاً من عجائز الناس في المملكة العربية السعودية وتسألها أسئلة في ذات الله عز وجل أو صفات الله، لوجدت عندها من التوحيد ما هو محقق، فهذا هو السبب من أنهم يدعون إلى الفروع التي فيها التقصير.
وأما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن فإنما بعثه إلى قوم كفار قال: (فإنك ستأتي قوماً أهل كتاب) كفار فيبدءون بالتوحيد، فلكل مقام مقال، ولهذا انظر إلى الرجل الذي جاء للرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أوصني، قال: لا تغضب، قال: أوصني، قال: لا تغضب، قال: أوصني، قال: لا تغضب كررها مراراً وهو يقول: لا تغضب) لم يوصه بالتقوى، ولم يوصه بوالديه، ولم يوصه بالحكمة مع أن هذه مهمات، قال الله تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131]، وقال تعالى: وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:132]، وقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً [الأحقاف:15] فعدل الرسول عليه الصلاة والسلام عن هذا كله إلى قوله: (لا تغضب) لأن هذا هو المناسب لهذا الرجل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن هذا الرجل كان غضوباً فوصاه بترك الغضب، فالإخوان الذين يدعون في الجزيرة العربية إنما لا يركزون كثيراً على التوحيد؛ لأن -والحمد لله- الأمر واضح عند عامة الناس، طلبة العلم في الجزيرة هم الذين تفتحوا وعرفوا ما خاض فيه بعض العلماء، بخالص التوحيد فهؤلاء -نعم- ربما إذا جلسنا مع طلبة علم نبحث معهم في التوحيد وتحقيق الأسماء والصفات وغير ذلك، لكن عامة الناس تأتي مثلاً في المسجد وتقول: يا جماعة الواجب علينا إجراء النصوص على ظاهرها، وإثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.. كلام أعجمي هذا عند العامة، ما هذا الكلام، لكن لو تقول: أقم الصلاة، تطهر، أسبغ الوضوء، استقبل القبلة، استر العورة، عرفوا، فلكل مقام مقال، نعم -مثلاً- لو كنا في بلد يعظمون القبور ويحلفون بغير الله، وينذرون للأموات، وما أشبه ذلك، هذا -نعم- يجب أن نبدأهم بهذا قبل كل شيء، وأن نركز عليه.
وأهم شيء عندنا الآن هو أن ندع الخوض في السياسة لأنها لا تجدي شيئاً أبداً، وأن نصرف همم الشباب إلى العلوم الشرعية، إلى قال الله وقال رسوله، أما السياسة فلها شأن ولها رجال يسهرون عليها، لكن الواجب علينا نحن أننا إذا رأينا خطأً أن نتصرف بالطريقة التي يحصل بها المقصود، وهناك قنوات يمكن أن توصل الأمور إلى المسئولين فإن اهتدوا فهذا المطلوب، وإن لم يهتدوا فالواجب علينا أن نسأل لهم الهداية لا أن نوغر الصدور عليهم ونشحن قلوب الناس ضدهم؛ لأن في هذا من المفاسد الشيء الكثير الذي لا يعلمه إلا الله، نسأل الله لهم الهداية، والقلوب بيد الله، إن الله تعالى قادر على أن يصرف القلب الذي هو أعتى قلب، حتى يكون ألين من الزبد، كن فيكون.
هذا رجل من بني عبد الأشهل في المدينة في غزوة أحد، كان معروفاً بمنابذة الإسلام وأهل الإسلام، ولما حصلت الغزوة ألقى الله في قلبه الإسلام فخرج وقاتل في أحد وقتل، فأتاه قومه والناس يبحثون عن موتاهم فوجدوه مقتولاً لكنه لم يمت قالوا: ما الذي جاء بك أحدب على قومك أم رغبة في الإسلام؟ قال: والله! بل رغبة في الإسلام، ثم طلب منهم أن يقرءوا السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا الرجل بلحظة انقلب كفره إيماناً، وما يتوقع أن يجاهد ضد المسلمين وصار مجاهداً مع المسلمين، فالواجب علينا أن نسأل الله الهداية لولاة أمورنا، وأن يصلح الله أحوالهم وبطانتهم، ولا يخلو أحدٌ من التقصير لا ولاة الأمور ولا الرعية، حتى الرعية عندهم تقصير عظيم وفي الواجبات تفريط كثير، في المحرمات انتهاك كثير، لو تنـزل السوق وجدت الكذب والغش والحلف لإنفاق السلع وغير ذلك.
فلماذا نبحث في داء المجتمع الذي يكون منه داء الولاة، فداء المجتمعات وداء الولاة متقارنان، وكما جاء في الأثر: (كما تكونون يولى عليكم) وحكمة الله عز وجل تقتضي هكذا، أن الولاة كالناس.
يقال: أن رجلاً جاء إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان علي بن أبي طالب ابتلي بـالخوارج الذين خرجوا عليه وقاتلوه، فجاءه رجلٌ منهم قال له: يا علي ! -استكبر أن يقول يا أمير المؤمنين- لماذا كان الناس مع أبي بكر وعمر قد والوهم وأطاعوهم وأنت معك على هذا الحال تمردوا عليك وقاتلوك، قال له علي : [لأن رجال أبي بكر وعمر أنا وأمثالي ورجالي أنت وأمثالك].
وكذلك عبد الملك بن مروان لما رأى من الناس شيئاً من الجفاء والبعد، جمع أشراف القوم وخطب فيهم وتكلم فيهم وقال لهم: (أتريدون مني أن أكون لكم كـأبي بكر وعمر؟ إن كنتم تريدون ذلك، فكونوا كرجال أبي بكر وعمر) . وهذا صحيح.
المهم خلاصة القول: أن الواجب علينا نحن مناصحة ولاة الأمور بالطرق التي يحصل بها المقصود، لا بالطرق التي ليس فيها فائدة إلا إيغار الصدور وشحن القلوب من الكراهة والبغض للولاة.
ثم بعد ذلك: إن اهتدوا فلنا ولهم، وإن لم يهتدوا فلنا وعليهم، ثم نأتي إلى المرتبة الثانية وينبغي أن تكون هي الثانية والأولى، وهي: الدعاء لهم بالصلاح والإصلاح.
الجواب: والله! لا أعلم أن هذا حديث؛ لكن يقال: أن هناك رجلاً -وهذا حديث مجالس ليس حديثاً نبوياً- كان شحيحاً وكان ينهى امرأته أن تتصدق بشيء، وأنه رأى في المنام أن القيامة قد قامت، وأن الناس في هم وغم وكرب، وأن عليه ظلاً ... يظلله وفيه ثلاثة خروق يقول: فجاءت ثلاث تمرات فسدت الخروق، فتم الظل، فجاء إلى أهله وقص عليهم القصة، قال: ما هذا؟ أنا أستغرب! فأخبروه أنهم كانوا يتصدقون وهو لا يعلم، وأنهم آخر ما تصدقوا بثلاث تمرات، وهي التي سدت الخروق. فلا أدري... على كل حال: (كل امرئٍ في ظل صدقته يوم القيامة) هذا حديث صحيح، ولكن حسب القواعد الشرعية التي نحن نعلم -والعلم عند الله عز وجل- أن من تصدق عنه بلا إذنه فلا أجر له، لا سيما إذا كان ينهى، كيف يؤجر على شيء ما نواه ولا أذن فيه؟!! لا يمكن.
لكني أقول: ربما يكون هذا سؤال يجرنا لشيء آخر: وهو لا يجوز لأهل البيت أن يتصدقوا إذا كان أبوهم يمنعهم من الصدقة، لا يجب أن يتصدقوا، حتى وإن كان في ذلك مصلحة للأب في المستقبل، لكن ما دام أنه نهاهم فالمال ماله، وإذا علموا أن الرجل لا يرضى بقوله أو بحاله فلا يتصدقوا حتى يأتي ويأذن.
الجواب: لا، ليست زوجة الأخ كزوجة الابن أو زوجة الأب، فزوجة الأخ ليس أخو زوجها محرماً لها، فيجب عليها أن تستتر كما تستتر من الأجنبي، بل لو قيل: إنه يجب أن تستر عن أخي زوجها أكثر مما تستتر عن رجل الشارع! لو قيل بذلك لكان له وجه؛ لأنها إذا كشفت وجهها لأخي زوجها، وهو معه في البيت صارت الفتنة أعظم، فأي ساعة يدخل البيت وقد أغراه الشيطان يمكن يحاول خداعها، لكن في الشارع لو أن الرجل نظر إليها وأعجبته لا يستطيع الوصول إليها كأخي زوجها، فالمهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام أشار إلى هذه النقطة، حيث قال: (إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) يعني: فاحذروه.
إذاً: أخو زوج المرأة ليس محرماً لها، أما أبو زوج المرأة فهو محرم، وكذا ابن زوج المرأة محرم.
الجواب: الكلام في القدر ليس بهين، بل من أعظم المشاكل، لكن على كل حال نجيب عن النقطة الأخيرة وهي الشر من قوله: (الإيمان بالقدر خيره وشره).
القدر كله من الله قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] فهل في قدر الله شر؟ الجواب: أن نقول: القدر إن كان المراد تقدير الله للشيء فليس بشر؛ لأن الله لا يقدر شيئاً إلا وهو خير، حتى المرض والموت والخوف والقتال والزلازل، هي بالنسبة لتقدير الله لها خير لقوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا النتيجة؟ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] لكن بالنسبة للمقدور: هو الذي فيه خير وشر، المقدور: المفعول المخلوق هذا هو الذي فيه الخير والشر، كقوله في القدر (خيره وشره) المراد به: شر المقدور، لا شر القدر أما القدر الذي هو تقدير الله فكله خير.
المقدور كما تشاهدون الذئب من مقدورات الله شر أو خير؟ شر، الشاة من مقدورات الله خير أو شر؟ خير، فالشر والخير في المقدورات أما في التقدير فلا، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الخير بيديك والشر ليس إليك).
نسأل الله تعالى أن يقدر لنا ولكم ولجميع المسلمين، ما فيه الخير والصلاح.
ونسأل الله تعالى في هذا المقام، في حلول هذا الوقت المبارك من فريضة من فرائض الله أن ينصر إخواننا في الشيشان والبوسنة والهرسك، وأن يدمر دولة الروس ويمزقها كل ممزق ويفرقها كل مفرق، ونسأل الله تعالى أن يجعلها عبرة للعالمين في الذل والتفرق والشتات، ونسأل الله الذي شتت الاتحاد السوفيتي أن يشتت دول الروس حتى تتمزق قطعاً! عاجلاً غير آجل!
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر