أما بعد:
فهذا هو اللقاء السابع والثمانون من اللقاءات التي يعبر عنها باللقاء المفتوح، وهذا هو يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر شوال عام (1415هـ)، نبتدئ هذا اللقاء بإكمال تفسير سورة البينة.
وقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ (من) هنا بيان للإبهام، أعني: إبهام الاسم الموصول بقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وعلى هذا فيقتضي أن أهل الكتاب كفار وهم اليهود والنصارى، وكذلك الأمر؛ فإن اليهود والنصارى كفارٌ حين لم يؤمنوا برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وإن قالوا: أنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويدعون لموتاهم بالرحمة، وما أشبه ذلك من العبارات التي يتزلفون بها فإنهم كاذبون، إذ لو كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بل لآمنوا برسلهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد وجد وصفه في التوراة والإنجيل، كما قال الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157]، بل إن عيسى صلى الله عليه وسلم قال لبني إسرائيل: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6]، فلما جاء هذا الرسول الذي بشر به عيسى بالبينات قالوا: هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ، وكذبوه ولم يتبعوه، إلا نفراً قليلاً من اليهود والنصارى، فقد آمنوا بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم واتبعوه.
أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (شر البرية) أي: شر الخليقة؛ لأن البرية هي الخليقة، وعلى هذا فيكون الكفار من بني آدم من اليهود والنصارى والمشركين شر البرية، شر الخلائق، وقد بين الله ذلك تماماً في قوله: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [الأنفال:55]، وقال تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:22-23]، فهؤلاء الكفار من اليهود والنصارى والمشركين هم شر البرية عند الله عز وجل، وإذا كانوا هم شر البرية فلن نتوقع منهم إلا كل شر؛ لأن الشرير ينبثق منه الشر، ولا يمكن أبداً أن نحسن الظن بهم .. قد نثق بالصالحين منهم كما وثق النبي صلى الله عليه وسلم بالمشرك عبد الله بن أريقط حين استأجره ليدله على طريق الهجرة، لكن غالبهم وجمهورهم لا يوثق بهم؛ لأنهم شر.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ فخير خلق الله عز وجل هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وهم على طبقات أربع بينها الله في قوله: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء:69]، هذه الطبقات الأربع هي طبقات المؤمنين، أعلاها طبقة النبوة، وأعلى طبقات النبوة طبقة الرسالة، ثم بعد ذلك -أي: بعد النبوة- الصديقية، وعلى رأس الصديقين أبو بكر رضي الله عنه، والشهداء قيل: إنهم أولو العلم، وقيل: إنهم الذين قتلوا في سبيل الله، والآية تحتمل المعنيين جميعاً بدون مناقضة، والذي ينبغي لمفسر القرآن أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين بدون مناقضة أن يحملها على المعنيين جميعاً، فالشهداء هم أولو العلم، وهم الذين قتلوا في سبيل الله، وكلهم مرتبتهم عالية فوق سائر المتبعين للرسل إلا الصديقين، قال تعالى: وَالصَّالِحِينَ وهم أدنى الطبقات، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات على اختلاف طبقاتهم هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ أي: خير ما خلق الله عز وجل من البرايا.
والجنات التي ذكرها الله تعالى جزاءً للمؤمنين العاملين الصالحات هي عبارة عن منازل عظيمة أعدها الله عز وجل للمؤمنين المتقين .. (فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، ولا يمكن للإنسان في هذه الدنيا أن يتصور كيف نعيم الآخرة أبداً، لأنه أعلى وأجل مما نتصور.. قال ابن عباس رضي الله عنهما: [ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء] لكنها تختلف الحقائق اختلافاً عظيماً.
قال عز وجل: جَنَّاتُ عَدْنٍ العدن بمعنى الإقامة في المكان وعدم النزوح عنه، ومن تمام نعيم أهل الجنة أن كل واحد منهم لا يطلب تحولاً عما هو عليه من النعيم؛ لأنه لا يرى أن أحداً أكمل منه، ولا يحس في قلبه أنه في غضاضة بالنسبة لمن هو أرقى منه وأكمل، قال الله تبارك وتعالى: لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً [الكهف:108] أي: لا يبغون تحولاً عما هم عليه؛ لأن الله تعالى قد أقنعهم بما أعطاهم فلا يجدون أحداً أكمل نعيماً منهم؛ ولهذا سمى الله تعالى هذه الجنات جنات عدنٍ، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهلها.
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [البينة:8] (من تحتها) قال العلماء: من تحت قصورها وأشجارها، وإلا فهو على سطحها وليس أسفل، إنما هو من تحت هذه القصور والأشجار، والأنهار التي ذكرها الله عز وجل هنا مجملة فصلها في سورة محمد فقال: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً [محمد:15]، وقد جاءت الآثار في وصف هذه الأنهار: أنها تجري بغير أخدود وبغير خنادق. بمعنى: أن النهر يجري على سطح الأرض يتوجه حيث وجهه الإنسان، ولا يحتاج إلى شق خنادق ولا إلى بناء أخدود تمنع سيلان الماء يميناً وشمالاً.. وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه النونية:
أنهارها من غير أخدودٍ جـرت سبحان ممسكها عن الفيضانِ |
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً أي: ماكثين فيها أبداً لا يموتون، ولا يمرضون، ولا يبأسون، ولا ينامون، ولا يحزنون، ولا يمسهم فيها نصب، فهم في أكمل النعيم دائماً وأبداً، أبد الآبدين .. اللهم اجعلنا منهم.
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وهذا أكمل نعيم، أن الله تعالى يرضى عنهم فيحل عليهم رضوانه فلا يسخط بعده أبداً، بل وينظرون إلى الله تبارك وتعالى بأعينهم كما يرون القمر ليلة البدر لا يشكون في ذلك ولا يمترون في ذلك ولا يتضامون في ذلك، أي: لا ينضم بعضهم إلى بعض ليريه الآخر، بل كل إنسان يراه في مكانه حسب ما أراد الله عز وجل.
ثم قال عز جل: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ أي: ذلك الجزاء لمن خشي الله عز وجل، والخشية هي خوف الله عز وجل المقرون بالهيبة والتعظيم، ولا يصدر ذلك إلا من عالم بالله، كما قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر:28].
وبهذا تمت هذه السورة العظيمة، وتم ما تيسر لنا من الكلام على تفسيرها، ونسأل الله أن يجعلنا جميعاً ممن يتلون كتاب الله حق تلاوته، إنه على كل شيء قدير.
الشيخ: الطاولة التي يتكئ عليها؟
السائل: نعم التي يكتب عليها.
الجواب: أما كتابة القرآن على الطاولة ثم يتكئ الإنسان عليها ليكتب أو يتكئ عليها ليستريح فإن هذا فيه نوع امتهان للقرآن الكريم فلا يكتب، وأما غير القرآن فإنه أهون، ومع ذلك لا أرى حاجة لكتابته، ومن أراد أن يتذكر ذكر الله فليتذكر ذلك بقلبه، وأخشى أن يكتب (لا إله إلا الله) ثم يأتي بعض زملائه -كما جرت به العادة- يحدثه ويركب على الطاولة من غير أن يشعر، أو يشعر ولكن لا يبالي، فأرى ألا يُكتب عليها شيءٌ.
حتى أيضاً حسب النظام -كما أعلم- أنه ممنوع أن يكتب على الطاولات شيء.
السائل: يلصقون ملصقات؟
الشيخ: حتى الملصقات أيضاً لا داعي لها.
الجواب: أما لفظ الحديث فليس كما قال السائل: (لا يقعدن أحدكم على أريكته)، بل قال: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته) وهذا تحذير من النبي عليه الصلاة والسلام أن يكون الإنسان على هذا الوصف وعلى هذه الحال، عنده من الغطرسة والكبرياء ما جعله متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من عند الرسول عليه الصلاة والسلام ويقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه. يعني: لا نتبع السنة، وهذا تحذير من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يكون الإنسان على هذا الوصف، ولهذا قال: (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه)، وهي السنة، كما قال تعالى: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً [النساء:113]، قال أهل العلم: المراد بالحكمة هنا السنة، بدليل قوله: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً [النساء:113].
ومعلوم أن رد السنة الصحيحة الثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام كرد القرآن تماماً؛ لأن ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام من أحكام فهو كما جاء في القرآن من الأحكام، إذ هو رسول الله عز وجل، فمن قال: لا أقبل إلا ما جاء في القرآن، قلنا: إنك واقع في هذا الحديث الذي حذر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمته أن يكونوا على هذا الحال.
ثم نقول له: إن ردك لما جاء به الرسول هو رد لما جاء به القرآن؛ لأن الله تعالى قال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، وقال: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ [الجـن:23]، وقال الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]، وقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وأما السنة فالسنة لها اصطلاحان: اصطلاح عام، واصطلاح خاص.
أما الاصطلاح العام فإن السنة هي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم الشاملة للواجب والمستحب وغير ذلك، ومنه قول أنس بن مالك رضي الله عنه: [من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً ثم قسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً ثم قسم] هذه السنة واجبة.
أما الاصطلاح الخاص فهو اصطلاح الفقهاء رحمهم الله؛ حيث قسموا الأحكام الشرعية إلى خمسة أقسام: واجب، وسنة، وحرام، ومكروه، ومباح، وإنما قسموا ذلك ليتبين الشيء الذي ألزم به الشرع؛ فيكون واجب الفعل إن كان واجباً، ويكون واجب الترك إن كان حراماً، وما دون ذلك يكون سنة في المأمور ومكروهاً في المنهي عنه.
وعليه فلا إشكال، فصارت السنة الآن نوعان: عامة وخاصة، فالعامة: هي التي يراد بها طريق النبي عليه الصلاة والسلام الشامل للواجب والمستحب.
أما الخاصة: فهي ما اصطلح عليه الفقهاء حيث قالوا: إن السنة: هي التي إذا فعلها الإنسان أثيب عليها وإذا تركها لم يعاقب.
الجواب: الصحيح أنه يقضى عنه إذا كان عازماً على فعل الحج ولكنه متكاسل، أما لو كان عازماً على الترك فإنه لا يقضى عنه، بل يبقى في ذمته يعذب به إن شاء الله، هذا هو التفصيل الذي تطمئن إليه النفس، ولكن ليعلم أن الحج واجبٌ على الفور، وأنه لا يجوز لمن قدر عليه أن يؤخره، لقول الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97]، فقيده بالاستطاعة، فمتى وجدت الاستطاعة وجب الحج.
الجواب: أقول -بارك الله فيكم جميعاً- الأمور الغيبية لا ينبغي أن نبحث فيها عن كيفيتها وأن نتعمق؛ لأن هذا من التنطع، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (هلك المتنطعون! هلك المتنطعون! هلك المتنطعون!)، وقال الإمام مالك لمن سأله: كيف استوى الله على العرش؟ قال له: ( الاستواء معلوم، والكيف مجهول..) هذه الأمور يجب أن نؤمن بها وألا نبحث عنها، ولهذا ألقى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث على أصحابه ولم ينبس واحد منهم بكلمة يقول: كيف ذلك يا رسول الله؟ حتى أنه أخبر أنه سمع خشخشة نعال بلال ، ومع ذلك ما قالوا: كيف يا رسول الله؟ بلال في الدنيا ما ذهب إلى الآخرة ولا جاء؟ لكنهم آمنوا وصدقوا.
فنصيحتي لكم جميعاً: أن مثل هذه الأمور تؤمنون بها على ظاهرها وتقولون: هي حق، وأما كيف ذلك؟ وهل أهل الجنة الآن موجودون فيها، وأهل النار موجودون فيها؟ فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الجنة من رأى، ورأى من أهل النار من رأى، رأى عمرو بن لحي يجر قصبه، أي: أمعاءه في النار، ورأى امرأة تعذب في هرة حبستها، ورأى فيها صاحب المحجن الذي يسرق الحجاج بمحجنه، فالحاصل أني أنصح لكم: ألا تتعرضوا لمثل هذه الأسئلة.
أما موقفي أنا فيها فهو موقف الصحابة رضي الله عنهم، أن أقول: آمنت بالله وبرسول الله، وبما جاء عن الله ورسوله، ولا أتجاوز ذلك، وأقول: إن الرسول عليه الصلاة والسلام في المعراج أخبرنا عما رأى وهو حق. وأقول: إنا إذا لزمنا هذه الطريق استرحنا، وأي واحد يسألنا نبين له أن هذا لا طريق للعلم به، وأن موقفنا منه هو التفويض، أي: تفويض الكيفية إلى الله عز وجل، أما المعنى فنحن نعرف المعنى.
الجواب: أولاً: بارك الله فيك، لا بد أن نعلم أن معنى تكفير الإنسان نقله من الإسلام إلى الكفر، ويترتب على هذا أحكام عظيمة، من أهمها: استباحة دمه وماله، وهذا أمر عظيم لا يجوز لنا أن نتهاون به، مثلاً: لو قلنا هذا حلال وهذا حرام بغير علم أهون مما إذا قلنا: هذا كافر وهذا مسلم بغير علم.
ومن المعلوم أن التكفير والإسلام إنما هو إلى الله عز وجل، فإذا نظرنا إلى الأدلة وجدنا أن الله وصف الحاكمين بغير ما أنزل الله بثلاثة أوصاف؛ فقال: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وقال: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، وقال: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47]، ووصف الحكم بغير ما أنزل الله بالجهل، فقال: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]، فلابد أن نرى مخرجاً من هذه الأوصاف التي ظاهرها التعارض، ولا مخرج لنا في ذلك إلا أن تطبق على القواعد الشرعية.
فمثلاً: إذا جاءنا رجل ورفع الحكم الشرعي وأحل بدله قوانين تخالف ما أنزل الله على رسوله، فهذا لا شك أنه مستحل؛ لأنه رفع الحكم نهائياً ووضع قانوناً من وضعه أو من وضع من هو أسوأ حالاً منه، فهذا كافر؛ لأن رفعه للأحكام الشرعية ووضع القوانين بدلها يعني أنه استحل ذلك، لكن يبقى عنه: هل نكفر هذا الرجل بعينه، أو ننظر حتى تقوم عليه الحجة؟
لأنه قد يشتبه عليه مسائل الأمور الدنيوية من مسائل الأمور العقدية أو التعبدية، ولهذا تجده يحترم العبادة ولم يغير فيها، فلا يقول مثلاً: إن صلاة الظهر تأتي والناس في العمل نؤجلها إلى العصر، أو صلاة العشاء تأتي والناس محتاجون إلى النوم والعشاء نقدمها إلى المغرب مثلاً، يحترم هذا، لكن في الأمور الدنيوية ربما يتجاسر ويضع قوانين مخالفة للشرع، فهذا من حيث هو كفر لا شك فيه؛ لأن هذا رفع الحكم الشرعي واستبدل به غيره، ولكن لا بد أن نقيم عليه الحجة، وننظر لماذا فعلت ذلك؟ قد يلبس عليه بعض العلماء الذين هم علماء دولة، ويحرفون الكلم عن مواضعه من أجل إرضاء الحاكم، فيقولون مثلاً: إن مسائل الدنيا اقتصادياً وزراعياً وأخذاً وإعطاءً موكول إلى البشر؛ لأن المصالح تختلف، ثم يموهون عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) وغالب الحكام الموجودين الآن جهلة، لا يعرفون شيئاً، فإذا أتى إنسان كبير العمامة طويل الأذيال واسع الأكمام وقال له: هذا أمر يرجع إلى المصالح، والمصالح تختلف بحسب الزمان والمكان والأحوال، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (أنتم أعلم بأمور دنياكم)، ولا بأس أن تغيروا القوانين التي كانت مقننة في عهد الصحابة وفي وقت مناسب إلى قوانين توافق ما عليه الناس في هذا الوقت، فيحللون ما حرم الله، ويقولون مثلاً: الربا نوعان: ربا الاستثمار، وربا الاستغلال، فالأول جائز والثاني حرام، ثم يقولون: اكتب هذه المادة. فيكون هذا جاهلاً، لكن إذا أقمنا عليه الحجة وقلنا: هذا غلط، وهذا خطأ وتحريف من هذا العالم الذي غرك، ثم أصر على ما هو عليه؛ حينئذ نحكم بكفره ولا نبالي.
فالحاصل: أن العلماء رحمهم الله قسموا هذا التقسيم من أجل موافقة هذه النصوص المطلقة للقواعد الشرعية المعلومة.
الشيخ: الاختلاء ماذا تريد به؟
السائل: سواءً كان اختلاءً في المنـزل أو في غيره.
الشيخ: الاختلاء خلوة الرجل بالمرأة؟
السائل: نعم.
الشيخ: على كل حال، فيما أظن أن هناك توجيهات من الرئاسة العامة حول هذا الموضوع، فأرى أن العضو يتمشى على هذه التعليمات والتوجيهات، وإذا رأى أن منها شيئاً غير مناسب فالواجب أن يكتب عنه، ويبين أنه غير مناسب، وأنه ربما تكون هذه التعليمات في زمن مضى عليه عشرون سنة أو أكثر، والأمور اختلفت لا شك، فليس حال النساء اليوم كحال النساء قبل خمس سنوات فضلاً عن عشرين سنة أو أكثر، فالذي أرى أنه يجب على العضو أن يتبع ما جاء به النظام أو التوجيه، وما رأى أنه غير مناسب فإن عليه أن يكتب عنه.
السائل: .... من ناحية الشخص.
الشيخ: هذا هو الموقف؛ لأن الشخص يتولى هذه الولاية بحسب ما ولاه ولي الأمر، والعلماء رحمهم الله قالوا: إن الذي يتولى أمراً من أمور الدولة لا يملك أكثر مما وكل إليه. حتى ذكروا في القضاء: أن القاضي لا يقضي إلا فيما وجه إليه فقط، فيقولون: إما أن يولى عموم النظر في عموم العمل، أو عموم النظر في خصوص العمل، أو خصوص النظر في عموم العمل، أو خصوص النظر في خصوص العمل. بمعنى: أن الإنسان قد يولى الحكم في الأنكحة فقط، هذا القاضي الذي ولي الحكم في الأنكحة لا يمكن أن يقضي بين اثنين في مسائل البيوع؛ لأنه يتوقف تصرفه على حسب ما وكل إليه.
والحمد لله، الإنسان ما دام أن هذا شيئاً قد وجه إليه فذمته بريئة، لكن لا مانع من أن يتكلم -مثلاً- إذا رأى قرينة قوية تدل على أن هذا الرجل مع هذه المرأة ليسوا على حال مرضية؛ أن يتكلم معهما بهدوء إذا لم تحصل مفسدة أكبر؛ لأن بعض الإخوة يكون عنده غيرة واندفاع، فمجرد ما يرى رجلاً معه امرأة يوقف السيارة ويتكلم ويقول: (ليش؟) وما أشبه ذلك، وهذا غير مناسب.
أما الصلاة فلا بأس أن يتأخر الأعضاء من أجل إقامة الناس إلى الصلاة، ولو فاتتهم الصلاة يصلون جماعة، وربما يدل لذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم).
الجواب: أنت تعرف أن الصلة في القرآن والسنة مطلقة، فالله عز وجل يقول: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [الرعد:21]، ويقول: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ [محمد:22] والنبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث متعددة ذكر صلة الرحم ولم يقيدها بشيء معين، فهي -إذاً- ترجع إلى العرف، والعرف يختلف الناس فيه بحسب القرابة من الشخص، وبحسب حاجتهم إلى الصلة، وبحسب أحوال الناس، فقد يكون الناس -مثلاً- في زمن فقر يحتاج القريب إلى أن تصله بالنفقة؛ بالطعام والشراب والكسوة وما أشبه ذلك، أكثر مما إذا كان الناس في زمن غنى، كذلك مثلاً: قريب مريض يحتاج إلى تعهد أكثر من قريب ليس بمريض، فما جرت به العادة أنه صلة فهو صلة، وما جرت العادة أنه قطيعة فهو قطيعة، فالناس اليوم لا يرون أن من الواجب أن تذهب إلى قريبك كل يوم، اللهم إلا القريب القريب مثل الأم والأب، ولا يرون من القطيعة إذا وصلته بالشهر مرة أو في المناسبات، المهم أن هذا الشيء يرجع إلى العادة والعرف.
الجواب: إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الميت إذا دفن وأتاه الملكان، قال: (إنه ليسمع قرع نعالكم) أي: المنصرفون عنه، وهذا سماع حال الدفن.
ووقف صلى الله عليه وعلى آله وسلم على قتلى قريش في قليب بدر ، وجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، ولما راجعه الصحابة في ذلك قال: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم)، وروي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما من رجل يمر بقبر رجل يعرفه في الدنيا ثم يسلم عليه إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام)، وهذا الحديث اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، منهم من ضعفه، وإذا كان ضعيفاً فلا دليل فيه، ومنهم من قال إنه حسن، ومنهم من صححه، فنقول: ما جاءت به السنة نعتقده، وما لم تجئ به السنة نقول: الله أعلم.
لكن على فرض أنهم يسمعون فإنهم لا ينفعون غيرهم، بمعنى أنهم لا يدعون الله له، ولا يستغفرون الله له، ولا يمكنهم الشفاعة لهم. وإنما قلت ذلك لئلا يتعلق هؤلاء القبوريون بما قلت، ويقولون: ما دام أنهم يسمعون -إذاً- هذا من أولياء الله نسأله أن يسأل الله لنا أو أن يشفع لنا عند الله، فهذا غير وارد أصلاً؛ لأن الإنسان إذا مات انقطع عمله، حتى النبي عليه الصلاة والسلام عندما مات انقطع عمله، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام خلف لأمته علماً عظيماً الذي يعمل به كل أحد من الأمة المجيبة للدعوة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (... إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، ولا أحد ورث للخلق علماً ينتفعون به أكثر مما ورثه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.
الجواب: ينوي هذه الثانية نافلة، وإذا قدر أن الأولى وقعت على وجهٍ لا يرضاه الله ولا يقبله صارت الثانية هي الفريضة.
وبهذه المناسبة أود أن تحثوا الناس -ونحن الآن قريبون من وقت الحج- على تعلم أحكام الحج قبل أن يحجوا؛ لأن بعض الناس يذهب مع الحجاج ما قال الناس قاله وما فعلوه فعله، وهو لا يدري ما المعنى، ثم إذا رجع وسأل وإذا عليه أشياء كثيرة قد أخل بها، بل بعض الناس -والعياذ بالله- تجده أخل بحجه قبل عشر سنوات ثم يأتي يسأل، أو أخل بحجه هذه السنة التي مضت ثم يأتي يسأل بعد ستة أو سبعة أشهر، فهذا غلط، المهم أنكم تحثون الناس على أن يتعلموا أحكام الحج قبل أن يحجوا.
الجواب: الذي أرى أنه لا بأس بها، إلا أن الانشغال بها مضيعة للوقت، ما لم يكن هناك مصلحة، وفي بعض الأحيان يكون التصوير بذلك حراماً؛ كالذين يصورون حفلات الزواج، مثلاً: يصورون النساء، أو المرأة مع زوجها، أو الملاقاة فهذا حرام؛ لأنه ليس فيه إلا إثارة الشهوة لمن اطلع على هذه الصورة، أو التفرج على نساء المسلمين، وهذه جميلة وهذه قبيحة، وهذه طويلة وهذه قصيرة، وهذه بيضاء وهذه سوداء، وما أشبه ذلك.
لكن إذا أردنا أن نصور مجلس علم فهذا لا بأس به، ولا حرج فيه.
الجواب: أرجح الأقوال: أنها من حين يخرج الإمام إلى أن تقضى صلاة الجمعة، أي: من يوم يجيء الإمام يوم الجمعة.. إذا دخل وصعد المنبر، من ذلك الوقت إلى أن تقضى الصلاة؛ لأن هذا ثبت في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وهو أيضاً مناسب للإجابة؛ لأن الناس يجتمعون فيه على فريضة من فرائض الله، وإجابة دعوة الناس المجتمعين أقرب من إجابتها متفرقين، ثم يلي هذا بعد العصر؛ لأنه ورد في حديث أبي هريرة تعيينها من بعد صلاة العصر، لكن الأول أصح.
والإنسان ينبغي أن يجتهد في الدعاء في وقت إقامة صلاة الجمعة وكذلك بعد العصر ويجمع بين الأمرين.
الجواب: أما أهل الجنة فتكون أرواحهم في الجنة وهم المؤمنون، وأما أهل النار فتكون أرواحهم في النار، كما جاء ذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما المجانين فإذا كان أهلهم مؤمنين، أبوه أو أمه فهو من المؤمنين؛ لأن المجانين والأطفال حكمهم حكم آبائهم، ولد المؤمنين من المؤمنين، وولد الكفار ليس من المؤمنين في أحكام الدنيا، أما في الآخرة فالصحيح أن الله عز وجل يمتحنهم بما شاء من التكليف، فمن أطاع دخل الجنة، ومن عصى دخل النار.
السائل: والحديث -يا شيخ- (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الولدان الذين حول إبراهيم عليه السلام.. فسأله الصحابة قالوا: وأبناء المشركين. قال: وأبناء المشركين).
الشيخ: لا، ليسوا أبناء المشركين؛ لأن أبناء المشركين الصواب فيهم ما قاله الرسول: (الله أعلم بما كانوا عاملين).
الجواب: أنت تعلم -بارك الله فيك- أن هذا القرآن نزل لهذه الأمة إلى يوم القيامة، وأن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، وأن هذا القرآن حذر الله فيه من التفرق، فقال تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ [آل عمران:105]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ [الأنعام:159]، وقال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103] والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
فالجماعات التي تؤدي إلى تفرق الكلمة واختلاف القلوب جماعات باطلة، وأما الجماعات التي لا تؤدي إلى ذلك كاختلاف المسلمين في المذاهب فهذا مذهبه حنبلي وهذا شافعي وهذا مالكي وهذا حنفي فإنها لا تضر ما دامت القلوب لم تختلف.
لكن مع الأسف الشديد أنا وجدنا اليوم أن هناك جماعات اختلفت قلوبها، وصار بعضها يضلل بعضاً، بل ربما يكفر بعضها بعضاً، وتجد الإنسان يحب أن يرى عدواً حقيقة له من الكفار والمنافقين ولا يرى هذا المسلم الذي خالفه في المنهج، وهذه بلوى وهي -والله- وصمة عظيمة على مستقبل اليقظة الإسلامية؛ أن يكون هؤلاء المؤمنون يضرب بعضهم بعضاً، ويقدح بعضهم ببعض، وكأنهم يقولون لأهل الكفر والنفاق والإلحاد: اطمئنوا فإننا سنكفيكم، سنتمزق فيما بيننا، وسيضلل بعضنا بعضاً، ويبدع بعضنا بعضاً .. وهذه مشكلة، والواجب على الجماعات الإسلامية كـجماعة التبليغ ، وجمعية الإصلاح ، وجمعية التراث ، والإخوان المسلمين وغيرهم أن يكونوا أمة واحدة، وأن يجلس رؤساؤهم بعضهم إلى بعض ويبحثوا في نقط الخلاف بينهم ثم يصححوا هذا الخلاف، ما دام الهدف واحداً إن كانوا صادقين وهو القيام بشريعة الله وإعزاز دين الله، فليكونوا على مائدة واحدة، أما أن يتكلم بعضهم في بعض من وراء الجدر، وتتمزق الكلمة وتتفرق الأمة، فهذا غلط.
ونأسف أن بعض الناس يستغل الشباب الصغار ليحزبهم، ثم يقول: احذروا من الجماعة الفلانية، احذروا من الشخص الفلاني، احذروا من كذا، سبحان الله! أنت تريد أن تبني أمة متفرقة متمزقة فيما بعد؟!! فأنا أحذر جداً من هذه الجماعات التي يضلل بعضها بعضاً، وأرى أن الواجب أن نكون أمة واحدة على هدف واحد، وألا تختلف القلوب مهما اختلفت الآراء والأقوال.
الجواب: قال بعض العلماء هكذا، أي: أنك تجيب المؤذن، ثم إذا أجبت المؤذن تأتي بالركعتين، ولكن هذا القول ضعيف، والقول الراجح: أنك تصلي ركعتين لوجهين:
الوجه الأول: المبادرة في صلاة الركعتين، بدل أن تبقى واقفاً ثم تأتي بهما نقول: بادر.
الثاني: أن تتأهب لاستماع الخطبة، فإن استماع الخطبة أهم من إجابة المؤذن؛ لأن إجابة المؤذن سنة واستماع الخطبة واجب، والواجب مقدم على السنة، أما إذا دخلت وهو يؤذن في غير الجمعة فلا بأس أن تجيب المؤذن أولاً؛ لئلا تفوت الإجابة، ثم بعد ذلك تأتي بتحية المسجد.
الجواب: الواجب عليه أن يبحث عن هذه الخادمة، أين هي، وأين أهلها، وكيف يوصل إليها ما بقي من فلوسها، فإن لم يقدر تصدق به -أي: بما بقي- عنها، ينوي أن ثوابها لها، وأما ما تبرع به من قبل فهذا ذهب بأجره ولا يمكن أن يسترده بهذه الفلوس.
الجواب: الخليطان إذا أخذ المزكي من مال أحدهما فإنه يرجع على الآخر بما يلزمه من هذه الزكاة، فمثلاً: من له أربعون والثاني له عشرون يرجع عليه بالثلث إذا كان صاحب الأربعين هو الذي بذلها، ويرجع عليه بالثلثين إن أخذت من مال صاحب العشرين؛ لأن المال الخليط كالمال الواحد.
السؤال: فضيلة الشيخ، إذا كان هناك خليطان وتبرع أحدهما بدفع الزكاة عن الآخر، فما حكم الآخر، هل يزكي، أم أنه لا يدفع زكاة؟
الجواب: إذا أجاز الثاني تصرف خليطه فلا بأس، لا سيما إذا كان الواجب في الزكاة عين واحدة، مثلاً: شاة واحدة لا يمكن أن تتجزأ، أما إذا كان الواجب شاتان وكان مالهما متساوياً فهذه ربما نقول: انتظر لأجل أن تؤدي زكاة نفسك وصاحبك يؤدي زكاة نفسه ومع هذا نقول: إذا أجازها صاحبها فلا بأس.
الجواب: أما التعمق بما يمكن إدراكه فلا بأس به إذا لم يشغل عما هو أهم منه، ومعلوم أن البحار يمكن إدراكها في العلوم لأنها أمر محسوس، وكذلك الأفلاك كالشمس والقمر وغيرها، وأما ما لا يمكن إدراكه فالتعمق فيه تنطع وإضاعة وقت، مثل أن يتعمق الإنسان فيما يتعلق بصفات الله عز وجل، أو فيما يتعلق باليوم الآخر، أو فيما يتعلق بمسائل القبر والبرزخ؛ لأن هذا لا يمكن إيضاحه، فهذا هو التفصيل في هذا الأمر.
الجواب: الحكم في ذلك أن ننظر لظاهر الحال، فمثلاً: إذا كان هذا المسجد على الطريق فالغالب أن الذين يصلون فيه مسافرون فينوي القصر، وأما إذا كان المسجد في البلد فالغالب أن الذين يصلون مقيمون، فينوي الإتمام.
السائل: فضيلة الشيخ، لو نويت القصر ثم أتم الإمام؟
الشيخ: أتم معه.
السائل: إذا كانت الصلاة جماعة وما تدري هل يتم أو يقصر؟
الجواب: انظر للظاهر، ما هو الظاهر من هذا الإنسان، إذا كان المسجد على الطرق أو في المحطات محطة البنزين فهذا الظاهر أن الذين يصلون مسافرون، فتنوي القصر، فإذا أتم فأتم، فلو دخلت معهم في الركعة الثانية وبنيت على أنه مسافر وأنه يقصر ثم أتم فإنك تتم، إذا سلم تأتي بركعة.
الجواب: أما تعليق الآيات في البيت فإن قصد بذلك التبرك فهو بدعة، وكذلك إن قصد التعبد لله فهو بدعة، وإن قصد التنبيه فلا وجه له، وذلك لأن الذين يجلسون في هذا المجلس ربما ينتبهون، وربما يكون مكتوباً فوق رءوسهم قوله تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الحجرات:12]، ومجلسهم كله غيبة، وهذا إهانة للقرآن الكريم، وربما يقال: إنه من باب اتخاذ آيات الله هزواً، ثم إن السلف وهم أشد منا حرصاً على التنبيه والتذكير لم يكونوا يفعلون هذا.
ثم إن المسألة الآن تطورت فصاروا يكتبون هذه اللوحات وهذه الأوراق بكتابات كأنها نقوش، وكأنها زخارف، حتى ربما يكتبون الآية يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ [سبأ:13]على صورة محراب، يكتبون: نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ [القلم:1] على صورة قلم، وربما: وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ [الأنبياء:79] يكتبه على صورة طير، والجبال يكتبه على صورة جبل، والرمان يكتبه على صورة شجر الرمان، كل هذا غلط، وقد اختلف العلماء في: هل يجوز أن يكتب القرآن بغير الرسم العثماني؟ فكيف إذا كتب على هذه الأشكال والزخارف؟!! ولهذا أنا أنهى عنها، وأقول: لا تضع في مجلسك الخاص أو العام آيات معلقة، الآيات والحمد لله موجودة في المصحف، ومن أراد أن يتعظ بها فليأخذها من المصحف.
أما التولة فهي شيء يعلقونه يدعون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والزوج إلى امرأته، ويشبه ذلك ما يسمونه عندنا بالدبلة، فإن بعضهم يكتب اسم امرأته في الخاتم الذي يلبسه وتكتب هي اسم الزوج في الخاتم الذي تلبسه، ويدعون أن هذا رابطة، حتى أن بعضهم إذا كان عليه دبلة من ذهب وقيل له: دعها اخلعها، قال: (الست تزعل). يعني بـ(الست) الزوجة، وكأنها تتشاءم لو أنه خلعها بأنه يفارقها، فالحاصل: أن التولة هي هذا الشيء الذي يحبب المرأة إلى زوجها والزوج إلى امرأته، وقد جاء في الحديث أنها من الشرك، فعلى الإنسان أن يتجنب من هذه الأمور، وأن يخلص لله عز وجل في توكله وعبادته.
وإلى هنا ينتهي هذا المجلس، أعادنا الله وإياكم من أمثاله على خير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر