أما بعد:
فهذا هو يوم الخميس التاسع من شهر محرم (عام 1416هـ) وهو اللقاء الثاني من هذا العام نبدؤه بتفسير قول الله تبارك إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا [الزلزلة:1].
يقول الله عز وجل: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:1-4] هذا هو جواب الشرط.
وقال الله تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65] فالله عز وجل إذا وجه الكلام إلى شيء ولو جماداً فإنه يخاطب الله ويتكلم ولهذا قال: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا [الزلزلة:4-5].
وقوله: لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [الزلزلة:6] هذا مضاف، والمضاف يقتضي العموم، وظاهره: أنهم يرون الأعمال الصغيرة والكبيرة، وهو كذلك إلا ما غفره الله من قبل بحسنات أو دعاء أو ما أشبه ذلك فهذا يمحى كما قال تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] فيرى الإنسان عمله يرى عمله القليل والكثير، حتى يتبين له الأمر جلياً ويُعطى كتابه ويقال: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:14] ولهذا يجب على الإنسان ألا يقدم على شيء لا يرضي الله عز وجل؛ لأنه يعلم أنه مكتوب عليه، وأنه سوف يحاسب عليه.
وقوله تبارك وتعالى: مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [الزلزلة:7] يفيد أن الذي يوزن هو الأعمال. وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم:
فمن العلماء من يقول: إن الذي يوزن هو العمل.
ومنهم من يقول: إن الذي يوزن هي صحائف الأعمال.
ومنهم من يقول: إن الذي يوزن هو العامل نفسه. ولكل دليل.
أما من قال: إن الذي يوزن هو العمل فاستدل بهذه الآية: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [الزلزلة:7]؛ لأن تقدير الآية: فمن يعمل عملاً مثقال ذرة، واستدلوا أيضاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان) وهذا القول كما ترى له دليل من القرآن ومن السنة.
لكن يشكل على هذا: أن العمل ليس جسماً يمكن أن يوضع في الميزان بل العمل عمل انتهى وانقضى.
ولكن يجاب عن هذا:
أولاً: بأن يقال: على المرء أن يصدق بما أخبر الله به من أمور الغيب، وإن كان عقله قد يحار فيه ويتعجب ويقول: كيف يكون هذا؟ فعلينا التصديق؛ لأن قدرة الله تعالى فوق ما نتصور.
ثانياً: أن الله تعالى يجعل هذه الأعمال أجساماً توضع في الميزان وتثقل وتخف، والله تعالى قادر على أن يجعل الأمور المعنوية أجساماً كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن الموت يؤتى به على صورة كبش ويوقف بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة فيشرئبون ويطلعون لماذا نودوا، ويقال: يا أهل النار فيشرئبون ويطلعون لماذا نودوا، فيقال لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولوا: نعم هذا الموت مع أنه في صورة كبش، والموت معنىً ليس جسماً، ولكن الله تعالى يجعله جسماً يوم القيامة فيقال: (هذا الموت فيذبح أمامهم ويقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت) وبهذا يزول الإشكال الوارد على هذا القول.
أما من قال: إن الذي يوزن هو صحائف الأعمال، فاستدلوا بحديث صاحب البطاقة: (الذي يؤتى يوم القيامة به ويقال: انظر إلى عملك، فتمد له السجلات مكتوب بها العمل السيئ -سجلات عظيمة- فإذا رأى أنه قد هلك، أوتي بالبطاقة الصغيرة فيها: لا إله إلا الله، فيقول: يا رب! ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال له: إنك لا تظلم شيئاً، ثم توزن البطاقة في كفة والسجلات في كفة فترجح بهن البطاقة) وهي: لا إله إلا الله. قالوا: فهذا دليل على أن الذي يوزن هو صحائف الأعمال.
وأما الذين قالوا: إن الذي يوزن هو العامل نفسه، فاستدلوا بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أنه كان ذات يوم مع النبي صلى الله عليه وسلم فهبت ريح شديدة، فقام
فيقال: نأخذ بالقول الأول: أن الذي يوزن العمل، ولكن ربما يكون بعض الناس توزن صحائف أعماله، وبعض الناس يوزن هو بنفسه.
فإن قال قائل: على هذا القول أن الذي يوزن هو العامل هل ينبني هذا على أجسام الناس في الدنيا؟ وأن صاحب الجسم الكبير العظيم يثقل ميزانه يوم القيامة؟
فالجواب: لا، لا ينبني على إنسان الدنيا، يؤتى بالرجل السمين الغليظ الكبير الواسع الجسم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، وهذا عبد الله بن مسعود يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن ساقيه في الميزان أثقل من أحد) فالعبرة ليست بثقل الجسم أو عدم ثقله يوم القيامة وإنما بما كان معهم من أعمال صالحة.
يقول الله عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7-8].
وفي هذه السورة كلها: التحذير والتخويف من زلزلة الأرض.
وفيها: الحث على الأعمال الصالحة.
وفيها: أن العمل لا يضيع مهما قلَّ حتى لو كان مثقال ذرة أو أقل فإنه لا بد أن يراه الإنسان ويطلع عليه يوم القيامة.
نسأل الله تعالى أن يختم لنا ولكم بالخير والسعادة والصلاح والفلاح، وأن يجعلنا ممن يحشرون إلى الرحمن وفداً، إنه على كل شيء قدير.
الجواب: نعم يجوز هذا لدخوله في عموم قول الله تعالى: وَالْغَارِمِينَ [التوبة:60] يقول الضامن: وأنا لم أقض الدين عن نفسي وإنما قضيته عن المدين، وأبرأت ذمته، وأعلم أنني لو قضيته من مالي لبقي الدين في ذمة الغريم، وحينئذٍ يكون قضائي إياه من زكاتي إبراءً لذمة الغريم، فيدخل في عموم الآية.
الشيخ: لعلك تريد الجمعة أم مطلق؟
السائل: مطلق.
الشيخ: صيام عاشوراء له أربع مراتب:
المرتبة الأولى: أن نصوم التاسع والعاشر والحادي عشر، وهذا أعلى المراتب، لما رواه أحمد في المسند: (صوموا يوماً قبله ويوماً بعده خالفوا اليهود)، ولأن الإنسان إذا صام الثلاثة أيام حصل على فضيلة صيام ثلاثة أيام من الشهر.
المرتبة الثانية: التاسع والعاشر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) لما قيل له: إن اليهود كانوا يصومون اليوم العاشر وكان يحب مخالفة اليهود، بل مخالفة كل كافر.
والمرتبة الثالثة: العاشر مع الحادي عشر.
والمرتبة الرابعة: العاشر وحده، فمن العلماء من قال: إنه مباح، ومنهم من قال: إنه يكره، فمن قال: إنه مباح استدل بعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام حين سئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبلها) ولم يذكر التاسع.
ومن قال: إنه يكره، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا اليهود صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده)، وفي لفظ آخر: (صوموا يوماً بعده ويوماً قبله) وهذا يقتضي وجوب إضافة يوم إليه من أجل المخالفة، أو على الأقل: كراهة إفراده.
والقول بالكراهة لإفراده قوي، ولهذا نرى أن الإنسان يخرج من هذا بأن يصوم التاسع قبله أو الحادي عشر.
الجواب: إذا سلم عليك يهودي أو نصراني أو وثني أو ملحد أو شيعي أو غير ذلك وصافحك فصافحه؛ لعموم قول الله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، والنبي عليه الصلاة والسلام إنما نهى أن تبدأهم بالسلام، أما إذا سلموا فرد عليهم كما سلموا؛ لأن هذا هو العدل، ودين الإسلام دين العدل.
الجواب: لا هذا من الغلط أن الإنسان يبقى ساهراً في الليل بتهجد أو بمراجعة علم ثم ينام عن صلاة الفجر، هذا غلط عظيم، وأما ما استدلوا به أن الرسول فاتته صلاة الفجر فهذا كان في سفر، وكانوا قد نزلوا في آخر الليل وقالوا: من يرقب لنا الفجر، فاعتمد بلال رضي الله عنه على ذلك، ولكنه نام وأخذه الذي أخذه، وهذا ليس كالإنسان الذي يجعل هذا عادة.
يعني: قد نعذر إنساناً في ليلة من الليالي سهر بعمل أو بغير عمل، أو أرق وما نام، ثم نام حتى طلعت الشمس، فهذا يعذر، لكن كونه يتخذ هذه عادة فليس بمعذور ولا يحل له.
ثم الواجب على الإنسان إذا استدل بالقرآن أو بالسنة أن يكون الدليل مطابقاً للحال التي استدل به عليها، فإن لم يفعل كان محرفاً للقرآن والسنة، ومنزلاً للقرآن والسنة غير منازلهما.
الجواب: الواجب على طالب العلم وعلى العامي أيضاً إذا اختلف الناس عنده في الفتوى، أن يختار من الفتاوي من يرى أنه أقرب إلى الصواب، ومعلوم أن الإنسان يعرف أن فلاناً من العلماء أقرب إلى الصواب من فلان؛ وذلك لغزارة علمه ولورعه ودينه، لأننا لا نعتمد على كثرة العلم وغزارة العلم، إذ أن بعض الناس عنده غزارة علم وكثرة علم لكن ليس عنده تقوى ولا خوف من الله، فتجده يتهاون في الإفتاء، وبعض الناس عنده تقوى وورع لكن ضعيف في العلم، فيختار من هو أغزر علماً وأقوى تقوى، فإن تساوى عنده الرجلان، أو لم يعلم أن أحدهما أفضل فقيل: إنه يخير بين القولين، وقيل: يأخذ بالأشد، وقيل: يأخذ بالأيسر، والصحيح: أنه يأخذ بالأيسر لتكافؤ الأدلة، ولأن الأصل عدم إشغال الذمة وبراءتها.
أما كونه يتتبع الرخص عن عمد، فإذا أُفتي بشيء ولم يناسبه قال: أسأل فلان الثاني، وإذا لم يناسبه قال: أسأل الثالث، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا من باب التلاعب في دين الله، وقد نص أهل العلم على أن من تتبع الرخص فسق، فالبعض يبالغ وقال: من تتبع الرخص تزندق؛ لأنه لم يتعبد لله بالهدى ولكن تعبد له بالهوى.
الجواب: الحب في الله: أن تحب الرجل لا تحبه إلا لله، والكره في الله: أن تكرهه لا تكرهه إلا لله.
وأما التودد لشخص من أجل تأليف قلبه للإسلام أو للطاعة إذا كان عاصياً فهذا ليس حباً ولكنه تلطف، فأنت تتودد إليه تلطفاً فقط في المعاملة، أما قلبك فيكرهه ويكره ما عليه من المعاصي، فهذا هو الفرق، الحب في الله قلبك يحبه، وأما التودد لشخص من أجل أن نحمله على التقوى إن كان عاصياً، أو على الإسلام إن كان كافراً، فهذا ليس حباً له ولكن حباً لما ندعوه إليه مع كراهتنا لعمله وكفره.
الجواب: الأمر هنا للوجوب. أولاً: لأنه أمر، والأصل في أوامر الله ورسوله الوجوب.
وثانيا: لأنه من باب الرعاية وحسن الولاية، ومعلوم أن الولي على الشيء يجب عليه أن يفعل له ما هو أنفع وأصلح.
فالأمر للوجوب، وكذلك قوله: (اضربوهم عليها لعشر) الأمر للوجوب، لكن يقيد بما إذا كان الضرب نافعاً؛ لأنه أحياناً تضرب الصبي ولكن ما ينتفع بالضرب، ما يزداد إلا صياحاً وعويلاً ولا يستفيد، ثم إن المراد بالضرب الضرب غير المبرح، الضرب السهل الذي يحصل به الإصلاح ولا يحصل به الضرر.
أما مسألة صلاة الفجر فقد يقال: إنها فيها كلفة لا سيما في أيام الشتاء، وأنه ما دام لم يكلف ولم يجب على الصبي فإنه يسقط عن الولي.
الجواب: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (كل غلام مرتهنٌ بعقيقته) أن الغلام محبوس عن الشفاعة لوالديه يوم القيامة إذا لم يعق عنه أبوه، هكذا فسره بعض أهل العلم.
وقال بعض العلماء: مرتهن بعقيقته أي: أن العقيقة من أسباب انطلاق الطفل في مصالح دينه ودنياه، وانشراح صدره عند ذلك، وأنه إذا لم يعق عنه فإن هذا قد يحدث له حالة نفسية توجب أن يكون كالمرتهن.
وهذا القول أقرب، وأن العقيقة من أسباب صلاح الولد وانشراح صدره ومضيه في أعماله.
الجواب: أما الثياب القصيرة بالنسبة للذكور فليس فيها شيء، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أزرة المؤمن إلى نصف الساق)، وأما بالنسبة للنساء فهذا لا شك أنه خلاف المشروع، وأن نساء الصحابة كن يلبسن الثياب إلى الكعب، وإذا خرجن إلى السوق يرخينه إلى ذراع؛ حتى لا تنكشف أقدامهن.
وأما لبس البنطال للمرأة فهو حرام فيما نرى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهات من النساء بالرجال، ولأنه ذريعة إلى أن تلبس المرأة بنطالاً ضيقاً يصف حجم أفخاذها وعجيزتها، ولا يغرنك قول بعض النساء: أنا ألبس بنطالاً واسعاً فضفاضاً، فإن هذا وإن صح في امرأة من عشر نساء فإنه في المستقبل سوف لا يصح في أي امرأة، ثم إن علة التشبه توجب المنع سواء كان ذلك البنطلون واسعاً أو غير واسع.
والعجب أن بعض النساء يقلن: إن هذا هو رغبة الزوج، وإني لأعجب من الزوج أن يختار هذا اللباس لامرأته وهو لبس رجل، وأقول للزوج: إنه يباح لك ما تقضي به وطرك وتقوى به شهوتك .. يباح لك ما هو أعظم من هذا، اجعلها تلبس ثوباً خفيفاً رهيفاً وهذا أدعى إلى جماعها والرغبة فيها من لبس هذا البنطلون، لكن الشيطان يزين للناس بعض الأعمال المنكرة نسأل الله السلامة.
بعض البنات الصغار يلبسن إلى فوق الركبة، وانتشرت ملابس للصغار في الأسواق إلى فوق الركبة؟
الشيخ: هذا كما تفضلت، بعض الصغار يلبسن ثياباً صغيرة إلى فوق الركبة والفخذ بعضه خارج، ويدعي أولياءهن -الذين سوف يسألون عن ذلك يوم القيامة- يدعي أنهن صغار، وأن عورتهن لا تتجاوز السوءة، وما أشبه ذلك.
فيقال: إن الطفلة إذا تعودت هذا اللباس ألفته، ولم تستنكره، ونزع منها الحياء أيضاً، ولذلك تجد الفرق بين إنسان يحافظ على ستر عورته وإنسان لا يحافظ، تجد الذي لا يحافظ كالعمال مثلاً: يرفع ثوبه إلى أن يبدو من فخذه الشيء الكثير لا يبالي؛ لأنه ألف ذلك واعتاده، لكن تأتي لإنسان محترم لا تجده يسمح لنفسه أن يرفع ثوبه إلى أن يبدو فخذه، اللهم إلا لحاجة لا بد منها فهذا شيء آخر.
فالحاصل أننا نقول: حتى الصبيان لا يلبسون هذا، وأعني بالصبيان: الفتيات؛ لأنها تعتاد عليه، وينزع منها الحياء، ثم إذا كبرت تكون قد ألفت هذا اللباس.
الجواب: أما نصيحتي للمسلمين تجاه هذا اليوم فإني أقول: إن هذا اليوم يوم سن صومه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رغب فيه حين قال: (إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبلها).
وأما فيما يتعلق بإثبات عاشوراء، فأنا أعطيك قاعدة تبني عليها شرعية من رسول الله عليه الصلاة والسلام: أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام إذا لم نر الهلال ليلة الثلاثين أن نكمل الشهر ثلاثين يوماً، فقال في رمضان: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) وهذه قاعدة في كل الشهور، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان؛ لأنه هو الشهر الذي يحرص الناس به على ترائي الهلال.
وبناءً على ذلك نقول: شهر ذي الحجة متى يكون ثلاثين في هذه السنة؟ يوم الثلاثاء ثلاثين، هل رأيناه ليلة الثلاثاء رأينا هلال محرم؟
الجواب: إن رأيناه وثبت بشهادة اثنين فهذا يوجب دخوله، وإن لم يره إلا واحد أو لم يره أحد فإن الواجب أن نكمل شهر ذي الحجة ثلاثين، وإذا كملنا شهر ذي الحجة ثلاثين صار أول الشهر هذا يوم الأربعاء فيكون يوم الأربعاء هو الثامن، ويوم الخميس هو التاسع، ويوم الجمعة هو العاشر، وهذا هو المتمشي على القواعد الشرعية.
وأما من حدثك أنني قلت للناس: فجر يوم الأربعاء أن اليوم تاسع، فقد كذب، ولم نتكلم، والحمد لله أن الله ربط علينا ألا نتكلم أمس العصر، وإلا كنت أقول: لعلي أعلم الناس حتى لا أغرهم لأني قلت لهم في الخطبة: إن العاشر هو يوم الجمعة، فقلت: لعلي أنبههم، لكن الحمد لله أن الله ربط على لساني ولم أقل شيئاً؛ لأن الناس أكثروا عليَّ، يعني قال واحد: قال: حدثني الشيخ عبد الله السعد عن الشيخ ابن قعود وكلاهما معروف ثقة عن مجلس القضاء: بأن أمس هو التاسع. ثم جاء آخر وقالوا: سمعنا بالإذاعة عن مجلس القضاء أن الشهر دخل يوم الثلاثاء.
لكن الذي سمعته أيضاً وهو في سند صحيح: أن أحد القضاة سأل الشيخ صالح اللحيدان رئيس المجلس الأعلى للقضاء؟ وقال: إنه لم يثبت عندنا إلا بشهادة واحد. وشهادة الواحد لا يثبت فيها دخول الشهر إلا في رمضان، فالحمد لله خرجت الآن فتوى من الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي المملكة: بأن يوم الجمعة هو اليوم العاشر، والأمر سهل، الذي صام يوم الأربعاء على أنه التاسع والخميس على أنه العاشر يصوم غداً على أنه العاشر، ويكون له ثلاثة أيام.
ثم أيضاً لا تصدقوا كل ما ينقل عن العلماء، فقد ينقل عن العلماء أشياء تشيب الرأس ما لها أصل.
من الذي نقل يا شيخ قول الشيخ عبد الله السعد؟
أما عبد الله السعد فحدثني أحد الطلبة وهو رجل ثقة عن عبد الله السعد عن عبد الله بن قعود عن مجلس القضاء، وحدثني أيضاً (خالد المزيني) من طلابنا في الجامعة معيد عن مجلس القضاء مباشرة: أن أمس تاسع واليوم عاشر.
والذي يظهر لي والله أعلم: أن هؤلاء الذين في المجلس سمعوا أنه شهد شاهد واحد وقاسوا هذا على شهر رمضان فقالوا ثلاثين.
على كل حال: الحمد لله الأمر واسع، ولم يفت شيئاً، معك غداً تصوم ويكون هو العاشر.
أنا ذكرت حديثاً عن الرسول إذا لم نره نكمل ثلاثين، لكن بعض الناس رضوا في شيء آخر بعد التقويم ثلاثين ذي الحجة حسب الرؤية تعتبر واحداً وثلاثين في التقويم؛ لأن التقويم سبقنا بيوم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وإلى لقاء آخر.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر