أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثالث من لقاء الباب المفتوح، والذي يتم كل يوم خميس، وهذا هو اليوم السادس عشر من شهر محرم عام (1416هـ).
نبتدئ هذا اللقاء بما يسر الله تعالى من تفسير سورة العاديات يقول الله تبارك وتعالى: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً [العاديات:1-5] إلى آخر السورة.
في هذا قولان للمفسرين:
فمنهم من قال: إن الموصوف هي الإبل، والتقدير: والإبل العاديات، ويعني بها: الإبل التي تعدوا من عرفة إلى مزدلفة ثم إلى منى وذلك في مناسك الحج. واستدلوا لهذا: بأن هذه السورة مكية، وأنه ليس في مكة جهاد على الخيل حتى يقسم بها.
أما القول الثاني من جمهور المفسرين وهو الصحيح: فإن المحذوف هو الخيل، والتقدير: والخيل العاديات، والخيل العاديات معلومة للعرب حتى قبل مشروعية الجهاد، هناك خيلٌ تعدوا على أعدائها سواء بحق أو بغير حق فيما قبل الإسلام، أما بعد الإسلام فالخيل تعدوا على أعدائها بحق.
يقول الله تعالى: وَالْعَادِيَاتِ والعادي: اسم فاعل من العدو وهو سرعة المشي والانطلاق، وقول: ضَبْحاً الضبح: ما يسمع من أجواف الخيل حين تعدوا بسرعة يكون لها صوت يخرج من صدورها، وهذا يدل على قوة سعيها وشدته.
هذه الإبل لقوة سعيها وشدتها وضربها الأرض .. إذا ضربت الحجر ضربت الحجر الثاني ثم يشعل ناراً؛ وذلك لقوتها وقوة سعيها وضربها الأرض فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً .
أقسم الله تعالى بهذه العاديات من الخيل التي بلغت الغاية: وهو الإغارة على العدو، وتوسط العدو من غير خوف ولا تعب ولا ملل.
والصواب: أن الآية شاملة لهذا وهذا، فالله شهيد على ما في قلب ابن آدم وشهيد على عمله، والإنسان أيضاً شهيدٌ على نفسه، لكن قد يقر بهذه الشهادة في الدنيا وقد لا يقر بها فيشهد على نفسه يوم القيامة، كما قال تعالى: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور:24].
وهنا جعل الله عز وجل العمدة ما في الصدور، كما قال تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ [الطارق:9-10] لأنه في الدنيا يعامل الناس معاملة الظاهر، حتى المنافق يُعامَل كما يُعامَل المسلم حقاً؛ لكن في الآخرة العمل على ما في القلب، ولهذا يجب علينا أن نعتني بقلوبنا قبل كل شيء .. قبل الأعمال؛ لأن القلب هو الذي عليه المدار، وهو الذي سيكون الجزاء عليه يوم القيامة، ولهذا قال: وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ .
ومناسبة الآيتين بعضهما لبعض: أن بعثرة ما في القبور إخراج للأجساد من بواطن الأرض، وتحصيل ما في الصدور هو إخراج لما في الصدور مما تكنه، فالبعثرة بعثرة ما في القبور عما تكنه الأرض، وهنا عما يكنه الصدر، والتناسب بينهما ظاهر.
هذا هو التفسير اليسير لهذه السورة العظيمة، ومن أراد البسط فعليه بكتب التفاسير التي تبسط القول في هذا، وإنما نحن نشير إلى المعاني إشارة موجزة، وقد بينا أول ما بدأنا في هذا الجزء المبارك أننا اخترنا هذا لأنه كثيراً ما يسمعه الناس في الصلاة الجهرية في المغرب والعشاء والفجر.
نسأل الله لكم الهداية والتوفيق، وأن يجعلنا ممن يتلون كتاب الله حق تلاوته إنه على كل شيء قدير.
الجواب: القول الراجح في هذه المسألة التي تدل عليه الأدلة، وقال به أبو بكر الصديق وثلاثة عشر من الصحابة رضي الله عنهم: أن الجد كالأب سواء بسواء، إلا في العمريتين فقط فإن للأم ثلث الباقي مع الأب ولها مع الجد الثلث كاملاً، والعمريتان هما: أن يموت شخص عن زوجة وأم وأب، فنقول: للزوجة الربع إذا مات الزوج عنها وعن أبيه وأمه، وللأم ثلث الباقي وللأب الباقي، أو تموت هي عن زوج وأم وأب فيكون للزوج النصف وللأم ثلث الباقي وللأب الباقي.
ولو ماتت عن زوج وأم وجد لكان للزوج النصف وللأم الثلث كاملاً وللجد الباقي، وكذلك لو مات عن زوجة وأم وأب لكان للزوجة الربع وللأم الثلث كاملاً وللجد الباقي، فهاتان المسألتان وهما العمريتان هما التي يختلف فيها الأب والجد، أما ما عداها من الصور والمسائل فإن الجد كالأب.
وأما من ذهب إلى أن الجد له أحوال وأن الإخوة الأشقاء أو لأب يرثون معه، فإن هذا القول ضعيف ليس عليه دليل لا من كتاب الله ولا من سنة رسول الله ولا من الإجماع ولا من القياس الصحيح.
فالصواب: أن الجد يسقط الإخوة الأشقاء أو لأب مطلقاً، وعلى هذا فيكون السؤال الذي أورده غير واحد؛ لأنه ليس هنا ثلث باقي، ولا مقاسمة مع الإخوة.
ووجه إيراده أنه بناءً على آراء وأفكار يقولون مثلاً: إن قوة ارتباط الجد بابن ابنه أقوى من الإخوة فيكون له الفضل والتمييز، فيقال: هب أننا قلنا ذلك فما هو الدليل على أن له الثلث أو الثلث الباقي مثلاً؟ ليس هناك دليل.
الجواب: لا وجه لهذا، أي: لا وجه لكون بعض الناس ينتظر فإذا بقي عشر دقائق أو نحوها قبل مجيء الخطيب قام فصلى، ولا أعلم أحداً قال بهذا القول إطلاقاً.
وأما كون الجمعة فيها وقت نهي: فالصحيح أن فيها وقت نهي، وأنها كغيرها من الأيام لعموم الأدلة، وليس هناك دليل يدل على تخصيص يوم الجمعة بأنه لا نهي فيه عند الزوال، وقد ورد في هذا حديث ضعيف عن النبي عليه الصلاة والسلام، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله: أنه لا ينهى الإنسان عن الصلاة إذا كان مستمراً في صلاته حتى يأتي الخطيب، قال: لأن هذا كان الصحابة يفعلونه. لكن كونه يبقى جالساً حتى إذا قارب وقت الخطيب قام فصلى وهو وقت نهي، فهذا لا أصل له، ولا يحل لهذا أن يقوم فيصلي في هذا الوقت إذا كان قبل الزوال بنحو عشر دقائق.
الجواب: أولاً: السلام عند إلقاء السؤال ليس بسنة؛ لأن السائل معنا، والصحابة كانوا يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام في مجالسهم ولا يسلمون.
وأما ما ذكرت من كآبة المنظر ووعثاء السفر، فالمعنى: أن الإنسان المسافر قد يعتريه في سفره أشياء تتغير بها خلقته، فاستعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك.
سوء المنقلب معنى: أن يكون انقلابه إلى أهله سيئاً إما بحادث يحدث له، أو بحادث يكون عليهم بعد مفارقتهم، أو ما أشبه ذلك، فهو من باب إضافة الصفة إلى موصوفها، أي: المنقلب السيئ.
الجواب: نقول: نعم لهم دليل، لكن لا دلالة فيه على ما يقولون. دليلهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل الذي يعذب في قبره: إنه كان لا يستنـزه من البول، وقالوا: إن البول كلمة عامة تشمل كل بول، لكن لا دلالة لهم في ذلك؛ لأن المراد بالبول هنا بوله كما جاء ذلك في صحيح البخاري : ( أما أحدهما فكان لا يستنـزه -أو لا يستبرئ- من بوله) فيكون (ألـ) في البول للعهد الذهني، ولأن بوله هو الذي يتلطخ به غالباً، أما بول ما يؤكل لحمه فهو نادر لا يكون إلا لرعاة الإبل أو الغنم والبقر، فهذا ليس لهم فيه دليل.
ونقول أيضاً: إنه قد دل الدليل أن بول ما يؤكل لحمه طاهر؛ فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم العرنيين أن يلحقوا بإبل الصدقة وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، ولم يأمرهم بغسل ما أصابهم من ذلك، وأيضاً لو كان بولها نجساً لكان حراماً لا يجوز الاستشفاء به.
ثم نقول أيضاً: الأصل في الأشياء الطهارة، فلا يمكن أن نحكم بنجاسة شيء إلا بدليل واضح بين.
إذاً فالقول الراجح والصواب: أن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر، سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم أو الدجاج أو الأرانب أو الحمام أو غير ذلك.
الجواب: أنا رأيي: أن الكلام في السياسة في عامة الناس خطأ؛ لأن السياسة لها رجال وأقوام، رجالها ذوو السلطة والحكم، أما أن تكون السياسة منثورة بين أيدي العوام وفي المجالس، فهذا خلاف هدي السلف الصالح، فما كان عمر بن الخطاب ومن قبله كـأبي بكر رضي الله عنهما يبثون سياستهم في مجامع الناس يذوقها الصغير والكبير والسفيه والعاقل، أبداً! ولا يمكن أن تكون السياسة هكذا، السياسة لها أقوام متمرسون فيها يعرفونها ويعرفون مداخلها، ولهم اتصال بالخارج، واتصال بالداخل، لا يعرفه كثير من الناس.
ولا ينبغي للشباب وغير الشباب أن يمضوا أوقاتهم ويضيعوها في مثل هذا القيل والقال الذي لا فائدة منه، ثم إنه قد يبدو لنا مثلاً أن صنيع واحد من الناس خطأ وقد يكون الصواب معه؛ لأنه يعلم من الأمور ما لا نعلم نحن، وهذا شيء مشاهد مجرب، وغالب الذين يتكلمون بالسياسة إنما يستنتجونها من أشياء لا أصل لها ولا حقيقة لها، وإنما هي أوهام يتوهمونها ثم يبنون عليها ما يتكلمون به، فيقفون ما ليس لهم به علم، وقد قال الله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36]. أما الجلوس معهم فما داموا على ذكر فاجلس معهم، وإذا قاموا يخوضون هذا الخوض الذي لا فائدة فيه فانصحهم أولاً، فإن اهتدوا فهذا هو المطلوب، وإلا ففارقهم، ثم إذا كان حضورك مجالسهم التي للذكر يؤدي إلى أن يغتروا بأنفسهم أو أن يغتر بمجيئك إليهم غيرهم فيقال: لولا أن هؤلاء على خير ما جاء إليهم فلان ولا فلان، فلا تأتي إليهم أيضاً حتى للذكر؛ لأن أبواب الذكر -والحمد لله- كثيرة.
الجواب: هو هكذا شاع بين العلماء: أن ميكائيل موكل بالقطر والنبات. وليس هناك مانع أن يكون موكلاً بالقطر والنبات بأمر الله عز وجل، فيكون القطر والنبات مسخراً مذللاً له بأمر الله، ألم تر أن الله تعالى قد سخر الرياح لسليمان عليه الصلاة والسلام، مع أن الذي يسخر الرياح ويأمرها في الأصل هو الله عز وجل، فلله تعالى أن يجعل أمراً من أمور مخلوقاته إلى أحد من المخلوقين، وليس ذلك بغريب.
قبض الأرواح موكل فيه ملك يقبض أرواح بني آدم وغيرهم، وأصل الإحياء والإماتة إلى الله عز وجل، لكن الله تعالى قد يوكل أحداً من خلقه على شيء من شئونه جل وعلا، ويكون هذا فاعلاً بأمر الله، والله تعالى إذا أراد شيئاً قال له: كن فيكون، حتى في الجماد يأمره أن يفعل فيفعل ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ [فصلت:11-12] إلى آخر الآية.
السائل: وهل هناك دليل على أن ميكائيل موكل بالقطر والنبات؟
الشيخ: هذا هو المشهور بين أهل العلم، قالوا: إن ميكائيل موكل بالقطر والنبات، وأن إسرافيل موكل بنفخ الصور، وأن جبرائيل موكل بالوحي ينـزل به بإذن الله عز وجل إلى الرسل، وقالوا: إن هؤلاء الثلاثة هم الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح في صلاة الليل بربوبية الله تعالى لهم حيث يقول: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) قالوا: إنما كان يستفتح بهؤلاء الثلاثة؛ لأن كل واحد موكل بما فيه الحياة، فجبريل موكل بما فيه حياة القلوب وهو الوحي، وإسرافيل موكل بما فيه حياة الأبدان الحياة النهائية وهي النفخ في الصور، وميكائيل موكل بما فيه حياة الأرض وهو القطر والنبات، وهذا لا يعني: أن الله عز وجل عاجز، الله عز وجل لو شاء لقال: كن فيكون في كل شيء، لكن هذا لإظهار الحكمة وإظهار قوة السلطان وأنه جل وعلا له جنود لا يعلمها إلا هو عز وجل ويعلمنا ما شاء منها.
الجواب: ما رأيت أحداً قال بأن المراد بحب الخير هي الخيل، وفي السنة قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير) ولم يقل هي خير، أو يقل هي الخير، وأيضاً ليس كل أحد يحب الخيل، ولو أنك تأملت أحوال بني آدم لوجدت من الألف واحد. وكل واحد وما يهوى، واحد يحب الإبل، واحد الغنم، واحد يحب الغنم، واحد يحب التجارة، واحد يحب الخيل، واحد يحب السيارات.
السائل: وسبب النـزول للسورة.
الشيخ: هذه ما فيها سبب نزول.
الجواب: المعنى: أن هذه الدنيا حقيقتها أنها لهو يلهو بها الإنسان، (ولعب) يلعب بها وليست جداً، فالعمل الدنيوي المحض ليس إلا لعباً، يذهب هباءً.
(وإن الدار الآخرة لهي الحيوان) أي: لهي الحياة الكاملة، الحيوان هنا ما هو الحيوان المعروف، المراد الحياة الكاملة كما قال الله تعالى: يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24] فهي الحياة الكاملة، وقوله: لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ يعني: لو كانوا من ذوي العلم ما آثروا الدنيا على الآخرة بل آثروا الحياة الآخرة على الدنيا، ولعلك تظن أن الحيوان يعني: البعير والحمير وما أشبه ذلك وليس كذلك، المراد بالحيوان أي الحياة الكاملة ولهذا نقول: الألف والنون هنا زائدة للتكثيف والمبالغة.
الجواب: السنة أن يكون الإمام في الوسط، لا يكون على اليمين ولا على اليسار، والدليل على هذا: أنه كان في أول الأمر إذا صلى ثلاثة صاروا صفاً واحداً وإمامهم بينهم، لا يجعلهم كلهم على اليمين، بل واحد على اليمين وواحد على اليسار، وهذا يدل على مشروعية توسط الإمام على أنه ورد حديث لكنه ضعيف ((وسطوا الإمام) لكنه ضعيف، ثم معروف من فعل النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يتوسط الناس في صلاته، ولهذا قال بعض أهل العلم قولاً سديداً: أنه إذا ترجح أحد جانبين من الصف وصار بعيداً من الإمام فالأولى أن يكون الإنسان في الجانب الآخر، يعني مثلاً: لو أن الناس صفوا مع يمين الصف وكثروا نقول: لا، الأفضل أن تأتوا إلى اليسار، أولاً: لأنه أقرب من الإمام، والثاني: لأنه أقرب إلى توسط الإمام.
السائل نفسه: هل يطلب منهم الإمام ذلك؟
الشيخ: نعم. إذا رآهم خالفوا يطلب ذلك منهم.
الجواب: الصحيح: أن المأموم تلزمه قراءة الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية، وأنه يقرأ ولو كان الإمام يقرأ، وأن هذا مخصص لقول الله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204] ودليل التخصيص: عموم قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) فإذا قال قائل: بين هذا الحديث وبين الآية عموم وخصوص من وجه؟
قلنا: لكن خصوص: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) مؤيَّدٌ بما جاء في السنن من حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم انفتل ذات يوم من صلاة الصبح فقال: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) وصلاة الصبح صلاة جهرية.
القول الراجح في هذه المسألة: هو العموم، فنقول للمأموم: إذا انتهى إمامك من قراءة الفاتحة فابدأ بقراءتها، ثم استمر حتى وإن بدأ الإمام بقراءة ما بعد السورة فاستمر حتى تتمها.
الجواب: رأيي في ذلك: أن إدخال الدراهم في البنوك ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يأخذ ربا، أي: يعطي البنك مثلاً عشرة آلاف ريال وبعد سنة يأخذ إحدى عشر ألفاً، فهذا لا يجوز؛ لأنه رباً صريح.
والقسم الثاني: أن يجعلها في البنك ولا يأخذ ربا، فهذا الأفضل ألا يجعلها في البنك؛ لأنه إذا جعلها في البنك توسع البنك وازداد ماله وكثرت أرباحه الربوية.
ولكن إذا احتاج إلى هذا مثل: أن يخاف على أمواله في البيت فلا حرج أن يجعلها عند البنك، لكن لا يأخذ شيئاً زائداً عما جعل فيه، وليعلم أن بعض الناس يسمي هذا وديعة، ولكنه ليس بوديعة في الحقيقة بل هو قرض؛ لأنك تعطي دراهمك البنك ويجعلها في صندوقه وينتفع بها، والوديعة لا ينتفع بها المودع، الوديعة يبقيها بنفسها وحتى يأتي صاحبها ويطلبها.
خلاصة الجواب الآن: أقول لك: إذا كنت محتاجاً إلى وضعها في البنك فلا بأس، وإن كان يمكنك أن تحفظها بدونه فهو أحسن وأفضل.
السائل: سألتُ قبل قليل عن مالي أو بعض مالي الذي في البنوك ولكني لا آمن عليه في البيت.
الشيخ: قلت: الأفضل سحبه من البنك، لكن إذا كنت محتاجاً وتخاف على مالك فلا بأس.
السائل: ولو أني أشك أن فيها ربا.
الشيخ: لا، أنت لا تأخذ فيها ربا.
السائل: أنا ما آخذ.
الشيخ: تعطي عشرة وتأخذ عشرة.
السائل: يمكن يأخذوا هم عليها.
الشيخ: ما عليك منهم.. وهذا الذي جعلنا نقول: الأفضل ألا تعطيهم.
لأننا نخشى أن يدخلوها في الربا، لكن هل البنوك الآن شغلها كله ربا مائة بالمائة؟
إن كان كذلك فلا يجوز إعطاءهم أبداً لو تدفنها في التراب، لكن نعلم أن البنوك لها مقاولات، لها تجارات، لها أخذ وعطاء غير ربا، بعض الناس يقول: حرام مطلقاً؛ لأن كل أمواله ربا! ما هو صحيح، هي تأخذ هذا وهذا، تعمل بهذا وهذا، ومن أجل ذلك سهلنا الأمر، لو قلنا: إن كل أعماله ربا مائة بالمائة قلنا: لو تدفن دراهمك في التراب وتأكله الأرض أحب إليك.
السائل: أنا رأيت وقرأت أن أحد البنوك مكتوب على سند الشيك السند الثاني: إذا لم يزد دخلك -بمعنى: ربحك- اثني عشر ريالاً، فراجع الذي أعطاك الشيك.
الشيخ: لا، هذه ما فيها شيء.
السائل: يقول: إذا لم يزد ربحك.
الشيخ: لا. هذا لا تعامله.
الجواب: الصحيح أن هذه الحروف الهجائية التي في أوائل السور ليس لها معنى، لقول الله تبارك تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:193-195] واللسان العربي لا يجعل لهذه الحروف معنىً إطلاقاً، بل هذه الحروف حروف يتكون منها كلام الناس، وليس معنى قولنا: إنه ليس لها معنى أي: ليس لها فائدة، هي لها فائدة عظيمة، فائدتها: أن هذا القرآن الكريم الذي أعجزكم معشر العرب مع قدرتكم وبلاغتكم وفصاحتكم لم يكن أتى بجديد من الحروف التي لا تعرفونها، بل هو من الحروف التي أنتم تعرفونها وترتبون كلامكم منها، ويدل لهذا: أنك لا تكاد ترى سورة مبدوءة بالحروف الهجائية إلا وبعدها ذكر القرآن، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إن لها مغزى لكنه ليس لها معنى في حد ذاته. وعرفت الدليل على أنه ليس معنى في حد ذاتها من القرآن نفسه: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:195] وبناءً على ذلك: لو ادعى مدعٍ أنها حروف ترمز إلى شيء من الأشياء فإننا لا نقول قوله، لأننا لو قلنا: إنها حروف ترمز إلى شيء من الأشياء لا يعلمها إلا الله. لكان في القرآن ما لا يعلمه إلا الله، وقد تكفل الله عز وجل أن يبين القرآن لعباده، فقال: فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [القيامة:18-19] وليس في القرآن كلمة ولا حرف لا يعلم معناه إلا الله أبداً، لا بد أن يعلم، لكن العلوم تختلف، فالراسخون في العلم لهم علم ومن دونهم لهم علم، والعامي له علم، أما أن يوجد شيء في القرآن لا يعلمه أحد من الناس فهذا شيء مستحيل، بل لا بد أن يكون معلوماً.
الجواب: لا شك أن الإنسان إذا خطب خطبة مؤثرة ولو من إنشائه الخاص لكنها لا تعدو ما جاء بالكتاب والسنة؛ فإنه مفيد وليس عليه مأخذٌ يعاب عليه، لكن ربطه ذلك بالقرآن والسنة أحسن وأفضل، لفائدتين:
الفائدة الأولى: أن يعرف الناس أن كلامه مبني على دليل من الكتاب والسنة.
والفائدة الثانية: أن يربط الإنسان الناس بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأضرب لك مثلاً: أنه يوجد مثلاً في كتب الوعاظ كلمات تؤثر ويبكي الإنسان منها ويخشع قلبه، كما يوجد في التبصرة لـابن الجوزي رحمه الله وغيرها، وإذا قرأ عليه القرآن في هذا المعنى نفسه لم يتأثر تأثره بكلام هذا الكاتب، وذلك لأن القرآن لا يذكر في وعظ هؤلاء الواعظين، ولهذا نرى أن الإنسان أفضل له أن يجمع بين الحسنيين: فيأتي بالكلام المؤثر من قوله، ويأتي أيضاً بما يتضمنه الكتاب والسنة من كلامه.
السائل: يا شيخ! لا يكون معارضاً لقوله: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ [ق:45]؟
الشيخ: لا. ما دام أنه قد أتى بمعناه فهو ليس بعيداً عنه، لكن كونه يأتي بالمعنى واللفظ أحسن.
الجواب: هذا الفعل حرام، أولاً: لأنه مخالف للعقد الذي تم بينه وبين هذا العامل.
وثانياً: مخالف لنظام الحكومة، ونظام الحكومة يجب العمل به إلا أن يخالف الكتاب والسنة أي: إلا أن يتضمن معصية.
وثالثاً: أن هذا حيلة، حيلة على أن يأخذ منه كل شهر كذا أو كل سنة كذا سواء ربح هذا أو لم يربح.
ولهذا نقول: إذا أتيت بعامل وأردت أن يكون مباشراً في البيع والشراء في دكان فهو على أجرته التي حصل عليها الاتفاق، وأنت إذا كنت تخشى ألا ينصح اجعل له جعلاً على ما يصرفه، فقل مثلاً: كلما صرفت مقدار ألف ريال فلك عشرة ريالات أو مائة ريال وهكذا وحينئذٍ ينشط ولا يحصل في هذا مخالفة للحكومة.
السائل: والراتب يا شيخ؟!
الشيخ: ويعطيه الراتب كاملاً، الآن أتيت إليك بسبع مائة في الشهر هذه سبع مائة، لكن مع ذلك تشجيعاً لك إذا صرفت من الدكان ألف ريال كلما صرفت ألف ريال أعطيك مائة ريال زائدة على الراتب.
الجواب: هذه الآلة التي تقطع الورق إذا وضعت فيها ورقة مصحف أو ورقة حديث أو ورقة تتضمن آية أو حديثاً ومزقته حتى لا يوجد اسم الله مثلاً فلا بأس.
السائل: ربما تظهر بعض الحروف.
الشيخ: هذه الآلات قسمين: قسم تجعل الورق شرائح طويلة، هذه ربما تظهر فيها لفظ الجلالة مثلاً، أو كلمة من آية، هذه ما تصلح، وبعضها ينتفه حتى يكون كحب الرز يعني: تقطعه طولاً وعرضاً، فهذه لا تبقى أي حرف فيها، فإذا أردت أن تشتري مثل هذا فاشتر مثل هذا النوع، أما الأول فكما قلت لك: إذا استعرضنا هذه الشرائح ووجدنا فيها لفظ الجلالة أو لفظ الآية فلا بد من أن نحرق الورق الذي وجدنا فيه لفظ الجلالة.
الجواب: أرى أنه ينبغي أن تقام مثل هذه المراكز في نفس البلاد، يعني: كل بلد يقيمون لهم مركزاً من أجل أن يجمعوا الشباب حوله فلا يحتاجون إلى سفر، ويكونوا عند أهلهم أكثر طمأنينة لأهلهم وأحفظ عن التسيب؛ لأن الذين يسافرون إلى بلاد أخرى ربما يفسح لهم المجال في التسيب في أول النهار أو في آخره، أو في الليل، ولا سيما مثلاً في بعض المنتزهات على البحر في جدة أو ما أشبه ذلك، فأرى أن يحرص الموجهون على أن تقام المراكز في بلادهم.
لكن من كان كبيراً عاقلاً محترماً وأراد أن يذهب مع هؤلاء من أجل أن يشارك في التوجيه والإرشاد فهذا لا بأس به، أما أن يذهب شاب صغير لمجرد النزهة فلا أرى هذا، وإن كنت لا أقول: إنه حرام، لكن أرى أن غيره أفضل منه.
الجواب: إذا كانت السيارة عندك، وكان المشتري يريد السيارة نفسها، أو يريد أن يتكسب بها، فهذا لا بأس به ما دامت معلومة والثمن معلوم، حتى وإن بعتها بأكثر من قيمتها حاضراً، يعني: لو كانت حاضراً تساوي خمسين فبعتها بستين لا بأس.
أما إذا كانت السيارة ليست عندك، بأن جاء هذا الرجل وقال: أنا أريد السيارة الفلانية واذهب إلى المعرض واشتر السيارة وأنا سأشتريها منك بعد ذلك بالتقسيط زائداً عن ثمنها الذي اشتريتها به، فهذا لا يجوز، وهذا حرام؛ لأنه حيلة على أن يقرضه بفائدة.
وأما إذا كانت السيارة عنده وجاء إنسان يشتريها لا لغرض السيارة ولا لغرض أن يتكسب بها ولكن لغرض الدراهم بمعنى: أنه يشتري سيارة ليبيعها ويشتري بيتاً، أو ليبيعها ويتزوج بها، أو ما أشبه ذلك، فهذه مسألة تسمى عند العلماء مسألة التورق وهي عند شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من العلماء حرام وعند غيرهم حلال.
والذي يظهر لي: أنه إذا احتاج الإنسان حاجة شديدة إلى هذه ولم يجد طريقاً سواها يقضي به حاجته فلا بأس بهذا.
السائل: هل يلزمني مثلاً أن أنقلها باسمه الآن إذا أخذتها -مثلاً- الآن فجاءني هو وقال: أريد السيارة من عندك والسيارة ما هي موجودة عندي الآن لكن أنا مثلاً أشتري السيارة؛ لأنه ليس عن قصد أن أعطيك إياها. أشتريها مثلاً ثم أتفق أنا وإياه.
الشيخ: ما يصلح هذا؛ لأنه ما اشتراها إلا له، لولا أنه جاء يقول: أريد السيارة الفلانية ما اشتراها، وكونه يقول: أنا أشتريها وإذا شاء هَوَّنّ؛ هذا غير وارد، لأن هذا الذي جاء وعين السيارة ما يمكن يهون، ثم إذا هون بقيت هذه التهوينة نقطة سوداء في معاملتكم.
الجواب: الأول الذي كان الخطأ منه مائة بالمائة ومات وكان قبيله أيضاً مات عليه أن يكفر بعتق رقبة، فإذا كان له مال ووجدت الرقبة اُشتري من ماله رقبة وأُعتقت، فإن لم يكن له مال يكفي لإعتاق الرقبة أو لم توجد رقبة فإنه لا شيء عليه لأن الواجب عليه في مثل هذا الحال الصيام ولم يتمكن، وقد قال الله تبارك وتعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] فلا يصوم عنه أحد في هذه الحال؛ لأنه -أصلاً- ما وجب عليه الصوم، إذ لم تكن ثمة مدة يمكنه أن يصوم فيها، فلا يصوم عنه أحد.
الجواب: أرى أنه إذا تيقن أنها قبور؛ لأنه قد يكون هناك شيء يشبه القبر وليس بقبر، لكن إذا تيقنا أنها قبور واجب التشاور مع القاضي والبلدية: هل الأولى أن تنقل هذه القبور إلى المقابر؛ لأنه أصون لها وأحفظ لها، أو أن تبقى في مكانها؟
السائل: طيب؛ يا شيخ! هل يلزم أن يدفن الميت في مقبرة خاصة، مثلاً: لو توفي أحد في الصحراء، هل يلزم بأن نذهب به إلى المقبرة.
الشيخ: الذهاب به إلى المقبرة أحسن؛ لأنه أحفظ له، قد يأتي إنسان مثلاً يتملك هذه الأرض ويحرث فيها ويزرع فوق القبر وهو لا يعلم، فكوننا ننقله إلى المقابر أحسن بكثير.
الجواب: أرى أن هذا من التكلف، كوننا نعد عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من الصحابة من التكلف؛ لأن جميع الأنبياء رأوا النبي عليه الصلاة والسلام وسلموا عليه، يعني: رآه كثير منهم في ليلة المعراج، والرسول عرج به بجسده، ورآهم حقاً وكلمهم وكلموه وسلم عليهم وسلموا عليه، فهل نقول: إن آدم صحابي، ويحيى صحابي، وعيسى صحابي، وموسى صحابي وإبراهيم صحابي؟!!
ثم إن وصف عيسى عليه الصلاة والسلام بأنه نبي رسول من أولي العزم أفضل من أن نصفه بأنه صحابي، هو في غنى عن أن يوصف بأنه صحابي، ولا أدري هذه الدسيسة من أين جاءت؟ لأن هذا يستلزم ألا نقول: إن أبا بكر هو خير هذه الأمة. وهذا لا شك أن هذا يحبه الرافضة ، يحبون ألا يكون أبو بكر خير هذه الأمة، ونحن نقول: خير هذه الأمة أبو بكر، أما عيسى بن مريم فهو مثل الرسول عليه الصلاة والسلام في منـزلته، وإن كان الرسول أفضل الرسل لكنه في منـزلة الرسالة، أقوى من منـزلة الصحبة وأفضل، ولو أردنا أن نقول هكذا لقلنا: كل من لاقاهم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة المعراج كلهم صحابة.
أرى: أن هذا من التنطع ومن التكلف، وقد قال علي بن أبي طالب وغيره من الصحابة: [خير هذه الأمة بعد نبيها
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر