أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثامن والتسعون من لقاء الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس الثامن من شهر صفر عام (1416هـ).
وأما قوله: التَّكَاثُرُ [التكاثر:1] فهو يشمل التكاثر بالمال، والتكاثر بالقبيلة، والتكاثر بالجاه، والتكاثر بالعلم، وبكل ما يمكن أن يقع فيه التفاخر، ويدل لذلك قول صاحب الجنة لصاحبه: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً [الكهف:34] فالإنسان قد يتكاثر بماله فيطلب أن يكون أكثر من الآخر مالاً وأوسع تجارة، وقد يتكاثر الإنسان بقبيلته، يقول: نحن أكثر منهم عدداً كما قال الشاعر:
ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر |
أكثر منهم حصى؛ لأنهم كانوا فيما سبق يعدون الأشياء بالحصى، فمثلاً: إذا كان هؤلاء حصاهم عشرة آلاف والآخرون حصاهم ثمانية آلاف صار الأول أكثر وأعز، فيقول الشاعر:
ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر |
كذلك يتكاثر الإنسان بالعلم، فتجده يفخر على غيره بالعلم، لكن إن كان بالعلم الشرعي فهو خير، وإن كان بالعلم غير الشرعي فهو إما مباح وإما محرم، المهم أن مما يقع فيه التكاثر العلم، وهذا هو الغالب على بني آدم التكاثر فيتكاثرون في هذه الأمور عما خلقوا له من عبادة الله عز وجل.
هذا معنى الآية الكريمة، أي: أنكم تلهوتم بالتكاثر عن الآخرة إلى أن متم.
وقيل إن معنى: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:2] حتى أصبحتم تتكاثرون بالأموات كما تتكاثرون بالأحياء، فيأتي الإنسان فيقول: أنا قبيلتي أكثر من قبيلتك، وإذا شئت فاذهب إلى القبور، عد القبور منا وعد القبور منكم فأيهم أكثر، لكن هذا قول ضعيف، بعيد من سياق الآية، والمعنى الأول هو الصحيح، هو أنكم تتكاثرون إلى أن تموتوا.
وقوله: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:2] استدل به عمر بن عبد العزيز رحمه الله: على أن الزائر لا بد أن يرجع إلى وطنه، وأن القبور ليست بدار إقامة. وكذلك ذكر عن بعض الأعراب أنه سمع قارئاً يقرأ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2] فقال: والله لنبعثن، لأن الزائر كما هو معروف يزور ويرجع فقال: والله لنبعثن، وهذا هو الحق، وبهذا نعرف أن ما يذكره بعض الناس الآن في الجرائد وغيرها، يقول عن الرجل إذا مات: إنه انتقل إلى مثواه الأخير، أن هذا كلام باطل وكذب؛ لأن القبور ليست هي المثوى الأخير، بل لو أن الإنسان اعتقد مدلول هذا اللفظ لصار كافراً بالبعث، والكفر بالبعث ردة عن الإسلام، لكن كثيراً من الناس يأخذون الكلمات ولا يدرون ما معناها، ولعل هذه موروثة عن الملحدين الذين لا يقرون بالبعث بعد الموت.
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ [التكاثر:3] أي: سوف تعلمون عاقبة أمركم بالتكاثر الذي ألهاكم عن الآخرة, ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ [التكاثر:4] وهذه الجملة تأكيدٌ للردع مرة ثانية.
وثانياً: أن الوصل يفسد المعنى كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ [التكاثر:5-6] إذاً لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ [التكاثر:6] جملة مستأنفة لا صلة لها بما قبلها، وهي جملة قسمية فيها قسم مقدر والتقدير: والله لترون الجحيم.
ولهذا يقول المعربون في إعرابها: إن اللام موطأة للقسم، وجملة ترون هي جواب القسم، والقسم محذوف، والتقدير: والله لترون الجحيم. والجحيم اسم من أسماء النار.
والصواب: أن المراد به المؤمن والكافر، كلٌ يسأل عن النعيم، لكن الكافر يسأل سؤال توبيخ وتقريع، والمؤمن يسأل سؤال تذكير، والدليل على أنه عام: ما جرى في (قصة النبي صلى الله عليه وسلم و
نسأل الله تعالى أن يستعملنا وإياكم في طاعته، وأن يجعل ما رزقنا عوناً على طاعته، إنه على كل شيء قدير.
الجواب: يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [المائدة:6] فأمر أن نتوضأ من الحدث الأصغر ونتطهر من الحدث الأكبر إذا قمنا إلى الصلاة، فإن لم نجد تيممنا، فيجوز لمن ليس عنده ماءٌ عند دخول وقت الصلاة أن يتيمم، لكن العلماء رحمهم الله قالوا: إذا كان يغلب على ظنه أنه يجد الماء قبل خروج الوقت فالأفضل أن يؤخر التيمم إلى أن يصل إلى الماء.
السائل: لكن بعض الإخوة قد ذكر لنا أن ابن عمر رضي الله عنهما تيمم وصلى وهو يرى جدران المدينة. وكان هذا في أول الوقت فما توجيهكم بهذا الأثر؟
الشيخ: هذا الأثر لا أدري عنه، لكننا نستدل بالآية كما سمعتم: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:6] أي وقت، لكن الأفضل كما قلت: أن يؤخر ما دام يرجو وجود الماء.
الجواب: التعزية سنة مؤكدة للمصاب، من قريب أو صديق أو زميل أو غير ذلك، ومعنى التعزية: تقوية المصاب على تحمل ما نزل به من المكروه، هذه التعزية، ومنه الأرض العزاز يعني الصلبة، فكأنك تصلب هذا الرجل وتقويه، حتى لا يلين أمام هذه المصيبة بل يكون قوياً، فكلما رأيت مصاباً بما عليه أو فقد حبيبه أو مرض أو غير ذلك أن تعزيه، وأحسن صيغة للتعزية ما عزى به النبي صلى الله عليه وسلم، إحدى بناته حيث قال للرسول الذي أرسلته إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مرها فلتصبر ولتحتسب: فإن لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأجل مسمى) هذا أحسن ما يقول، وله أن يقول دعاء مناسباً مثلما هو مشهور عند الناس اليوم: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر الله لميتك، أو غير ذلك من الدعاء المناسب.
وأما التقبيل والمصافحة فليس من سنن التعزية، إلا إذا كان هذا أول ما لقيته فإنك تصافحه؛ لأن المشروع عند الملاقاة المصافحة، وأما أن تتخذ سنة على أنها من سنن التعزية فهذا بدعة؛ لأن كل من تقرب إلى الله عز وجل بشيء لم يشرعه الله كان مبتدعاً.
وأما مكانها: فليس لها مكان معين، أي مكان تجد فيه المصاب وتشعر بأنه مصاب فإنك تعزيه.
وأما زمنها: فقيل إنها تقيد بثلاثة أيام من حدوث المصيبة، استدلالاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة أن تحد على ميتٍ فوق ثلاث إلا على زوجها) ولكن الاستدلال بهذا الحديث فيه نظر؛ لأن الحديث في الإحداد وليس في التعزية، والصواب: أن التعزية مشروعة ما دامت المصيبة باقية، فإن نسيها أو رؤي أنه ليس بمصاب إلى ذلك الحد فإنه لا يعزى، ولكن هل تكرر التعزية بمعنى: أنك إذا عزيته اليوم ثم رأيته من الغد هل تعيد التعزية عليه؟ أقول: إن وجد سبب فنعم، فمثلاً: لو عزيته اليوم وأتيته من الغد ووجدت الرجل ما زال حزيناً وما زال يبكي مثلاً فإني أقول له: يا أخي اتق الله عز وجل ولا تؤذي الميت؛ لأن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، ولكن ليس تعذيب عقوبة بل تعذيب تألم وضيق نفس وما أشبه ذلك.
فصار الخلاصة: أنها لا تختص بأحد، وإنما تشمل كل مصاب، ولا تختص بمكان، ولا تختص بزمن، ما دام أثر المصيبة باقياً فعزه، أما تكرارها فكما علمتم إن دعت الحاجة إلى ذلك وإلا فلا تكرر.
السائل: التعزية بالهاتف؟
الشيخ: بأي شيء يكون، التعزية بالهاتف أو بكتابة أو بأي شيء.
السائل: والذهاب إليه؟
الشيخ: لا نرى الذهاب إليه في البيت؛ لأن جرير بن عبد الله رضي الله عنه يقول: [كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة] اللهم إلا أن يكون قريباً جداً، وتخشى إن لم تذهب عَدَّوا ذلك من قطيعة الرحم فهذا شيء آخر.
السائل: والحديث يا شيخ ما صحته؟
الشيخ: ليس هذا حديث.
الجواب: نفخ المتيمم يديه إذا ضرب بهما الأرض قد ثبتت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو محمول على أنه كان علق بها تراب كثير، وأما إذا كان لا يعلق بها تراب كثير فلا نفخ.
الجواب: هو لا بأس أن الإنسان يشتري سيارة أو غيرها بثمن نقداً حاضراً أقل مما لو اشتراها بثمن مؤجل، فمثلاً يقول: أنا أشتري هذه السيارة بعشرة آلاف نقداً أو باثني عشر ألفاً إلى سنة، ثم يتفقان على أحد الثمنين قبل التفرق، هذا لا بأس به، وليس من باب بيعتين في بيعة كما ظنه بعض أهل العلم، بل هذا تخيير للرجل بين هذه البيعة أو هذه البيعة، وسوف لا ينصرفان من مكانهما إلا وقد عينا ذلك إما المؤجل أو المعجل، وأما التحويل على الثمن بالشيك فلا بأس به أيضاً؛ وذلك لأن بيع السيارة بالدراهم ليس فيه ربا.
وأما كون المشتري يبيع السيارة بثمن أقل من أجل أن يأخذ ثمنها فهذه تسمى عند العلماء مسألة التورق، إن باعها على غير الذي اشتراها منه، وإن باعها على الذي اشتراها منه فهي مسألة العينة، فصاحب السيارة اشتراها من زيد باثني عشر ألفاً مؤجلاً إلى سنة، ثم باعها على عمر بعشرة آلاف نقداً هذه تورق، فإن باعها على زيد الذي اشتراها منه أولاً بعشرة آلاف فهذه مسألة العينة، وقد اختلف العلماء رحمهم الله في مسألة التورق هل هي حلال أو حرام؟ فاختار بعض العلماء: أنها حلال إذا احتاج الإنسان إلى النقد يعني: إلى الثمن، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنها حرام وأنها من العينة التي حرمها النبي صلى الله عليه وسلم، والاحتياط ألا يفعل، يقال: إذا كنت محتاجاً دراهم ووجدت من يقرضك فهذا المطلوب، وإن لم تجد فعليك بالسلم يعني: أن تأخذ دراهم بسلعة مؤجلة تصفها وتبين صفاتها بأن تقول مثلاً: أعطني عشرة آلاف ريال وأنا أعطيك سيارة بعد سنة صفتها كذا وكذا وتضبطها بالصفات هذا جائز لأن الصحابة فعلوه حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم).
السائل: هل الشيك المؤجل إذا حال عليه الحول تجب فيه الزكاة علماً بأن المستند ما زال في يده يعني يكون لمدة سنة؟
الشيخ: الشيك المؤجل يعني: الشيك الذي كتب لإنسان بثمن مؤجل إذا كلم صاحب البنك وقال: نعم عندي هذا، صار كأنه دين تجب الزكاة فيه.
ثم وجد نص آخر للشيخ رحمه الله في رسالة للشريف يقول فيها: وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبة عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم وفي رواية: عدم من يفهمهم.
ثم في قول آخر: فإذا كان المعين يكفر إذا قامت عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر الصديق رضي الله عنه بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به فهو كافر.
وآخرها ما وقفت على كلام للشيخ أخرجه محمد رشيد رضا في طبعة الرسائل النجدية: وليس المراد بقيام الحجة أن يفهمها الإنسان فهماً جلياً كما يفهمها من هداه الله ووفقه وانقاد لأمره، فالرجاء البيان حفظك الله.
الجواب: الذي نراه: أن الحجة لا تقوم إلا إذا بلغت المكلف على وجه يفهمها، لكن نعرف أن أفهام الناس تختلف، من الناس من يفهم من هذا النص معنىً جلياً مثل الشمس، ومعنىً لا يحتمل عنده أي شك، ومن الناس من يفهم النص فهماً أولياً مع احتمال شك في قلبه، فالأول في قمة المعرفة والعلم، والثاني في أول العلم، والثاني قد قامت عليه الحجة لا شك؛ لأنه فهم منه ما يراد به، لكن ليس على الفهم التام الذي فهمته الطائفة الأولى كـأبي بكر وعمر ، وأما من بلغه النص ولكنه لم يعرف منه معنىً أصلاً كرجل أعجمي بلغه النص باللغة العربية ولكن لا يدري ما معنى هذا النص، فهذا لم تقم عليه الحجة بلا شك، ودليل هذا قول الله تبارك وتعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [إبراهيم:4] أي: بعد البيان بهذا اللسان الذي يفهمونه يضل الله من يشاء، فلا يقبل ويهدي من يشاء فيقبل.
وأي فائدة لرجل أعجمي يُقرأ عليه القرآن من لسان عربي وهو لا يدري ما هو، أنت الآن لو أتى إليك رجل أعجمي وأنت عربي لا تفهم الأعجمية ثم كلمك بخطبة خمس صفحات أو أكثر لا تفهم منها شيئاً إطلاقاً فكذلك العجم بالنسبة للعرب.
فالذي نرى: أنه لا بد من بلوغ الحجة وفهم معناها على وجه يتبين له الحق، وأما قوله تعالى: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19] فلا شك أن القرآن نزل بلفظ ومعنى، فالمراد من بلغه لفظه ومعناه، أو ومن بلغه من أهل هذه اللغة الذين تقوم عليهم الحجة إذا بلغهم القرآن بمجرد وصوله إليهم، وهذا القول هو الذي تدل عليه الأدلة بخصوصها وأدلة أخرى بعمومها مثل قوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] وقوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ومن المعلوم أن من لا يعرف المعنى فإنه ليس بوسعه أن يقبله، لكن على من بلغه أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم قد بعث، وأن دينه نسخ الأديان كلها، يجب عليه أن يبحث، وهنا قد يفرط في البحث فلا يكون معذوراً لتفريطه.
الجواب: لا يجوز لبس الملابس التي فيها صور ذوات الأرواح مطلقاً؛ وذلك لأن استعمال الصور محرم.
أما صحة الصلاة فالصحيح أن الصلاة صحيحة؛ وذلك لأن اللباس المحرم لا يبطل الصلاة، فالصلاة بالثوب المغصوب صحيحة، والصلاة في ثوب الحرير للرجل صحيحة، والصلاة في ثوب فيه صور للرجال والنساء صحيحة، لكنه آثم بلبس هذه الألبسة التي فيها الصور، ولا فرق بين الرجل البالغ وبين الصبي، كل يجب أن يتجنب لباس هذه الثياب التي فيها الصور.
الجواب: الرياء بارك الله فيك: هو أن يعمل الإنسان العبادة ليراه الناس فيمدحوه عليها، وليس له نية أن ينتفع بها في الآخرة، وإنما يريد الذكر والشهرة بين الناس، هذا هو الرياء، لكن يقال أحياناً: رياء وسمعة، فالرياء لما يُرى والسمعة لما يسمع، ثم إن الرياء قد يكون شركاً أكبراً وقد يكون شركاً أصغراً على حسب ما قام في قلب الفاعل، فمن فعل العبادة لمجرد الرياء فقط، فهذا مشرك شركاً أكبر؛ لأنه لم ينو لله تعالى إطلاقاً، ولا يريد التقرب إليه، إنما يريد التقرب إلى الناس فقط، ومن كان يريد الله عز وجل لكن يحب أن يراه الناس حتى يمدحوه فهذا رياء ولا يصل إلى الشرك الأكبر، ولهذا تجد في تعبير ابن القيم رحمه الله للشرك الأصغر أنه يقول: ويسير الرياء، وهذا يعني: أن كثير الرياء أكبر من ذلك، ولكن إذا حدث للإنسان رياءٌ في عبادة ثم دافعه، ولم يركن إليه فهذا لا يضره الرياء، بل يكون مجاهداً له أجر العبادة وأجر الجهاد أي: جهاد النفس عن الرياء، لكن من لم يطرأ على قلبه الرياء مطلقاً أفضل، كما جاء في الحديث الصحيح: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه فله أجران) إذاً الرياء الخالص هذا شرك أكبر، والرياء المشوب بإخلاص لله عز وجل هذا شرك أصغر، والرياء الوارد على القلب إن استرسل معه الإنسان فقد وقع في الشرك أصغره أو أكبره، وإن حاول التخلص منه ودافعه فإنه لا يضره.
الشيخ: تعطيه من؟
السائل نفسه: تعطيه الولي.
الشيخ: وهو ميت؟
السائل: نعم تذبح. ولقد سبق أن أوفت باثنين والباقي اثنان، وطبعاً هذا الخروف تسلمه لشخص يقال له الخليفة أي: خليفة الولي المتوفى، وهو يتصرف في هذا الخروف على مزاجه إن شاء ذبحه للموجودين، وإن شاء باعه في السوق وقبض قيمته..
سؤالنا: هل يجوز لزوجها أن يعطيها في الإيفاء بهذا النذر؟
الشيخ: يعطيها مال لتوفي؟
السائل: إي نعم. أو يرفض، علماً بأن الزوجة متمسكة بهذه العقيدة أي: أنها تعتقد اعتقاداً جازماً أن هذا الولي المتوفى يمكنه أن ينفع ويضر، وما حكم بقاء زوجها معها وهي على هذه الحالة؟ أرجو من سماحتكم إفادتنا في ذلك ولو كانت الإجابة مسجلة في شريط تكون أفضل لإرسالها إلى الكثير الذين عندهم هذا الاعتقاد، وإذا لم يتيسر الشريط أرجو الإجابة بأي وسيلة كما أرجو أن تدلونا على أسماء أشرطة من المكتبات يكون فيها عظة لمثل هذه المشكلة أثابكم الله ووفقكم إلى كل خير، مقدمه أخوكم سوداني الجنسية؟
الجواب: الجواب على هذا يتضمن شيئين:
الشيء الأول: يقول: هل يلزم زوجها أن يعطيها لوفاء النذر؟ ونقول: لا يلزم زوجها بل ولا يحل له أن يعطيها للوفاء بهذا النذر، بل إذا أصرت على العقيدة التي ذكرها السائل: أن هذا الولي ينفع ويضر، فهي مشركة ولا يجوز له أن تبقى معه، يجب عليه الفراق؛ لأن المسلم لا يحل له أن يتزوج المشركة.
أما الثاني: فنقول لهذه المرأة: إن نذرك نذر باطل؛ لأنه معصية، ولا نذر في معصية، وعليها أن تكفر كفارة يمين عن النذر، وعليها أن تتوب إلى الله تعالى من هذه العقيدة، وتعلم أنه لا ينفع ولا يضر إلا الله عز وجل، قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهو سيد الأولياء قال له: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً [الجـن:21-22] يعني: لو أرادني الله تعالى بشيء فلا أحد يجيرني من الله، ويعصمني منه، فكيف أنا أجير غيري؟! وإذا كان هذا بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكيف بمن دونه؟!
وعلى هذا نقول: إن الأولياء لا ينفعون ولا يضرون، والذبح لهم شرك بالله عز جل مخرج عن الملة، ولو ماتت وهي على هذه الحال لكانت من أصحاب النار، لقول الله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72].
فالآن قل للأخ: أولاً: يجب عليه مفارقتها حتى تتوب من هذا الشرك، فإذا تابت فإنه يجب عليها أن تكفر عن نذرها كفارة يمين.
وثانياً: يجب عليه أن يعظ هذه المرأة ويخوفها بالله، ويقول: إن عملها هذا شرك أكبر ولو ماتت عليه لماتت إلى النار والعياذ بالله.
الجواب: توجيهنا أن هذا الرجل إذا كان يفعل ما يفعل كراهة للحق فإنه على خطر عظيم؛ لأن كراهة الحق من نواقض الإسلام، وأما إذا كان يفعل ذلك كراهة للشخص الذي يقوم بالحق بقطع النظر عما يقوم به فهذا دون الوجه الأول، ولا يعتبر في الحكم الأول، لكنه آثم ومعتدٍ على أخيه، حيث منع من انتشار علمه ومزق وسائل الانتشار.
وأما دعواه: أن الفتوى بخطورة النشرات التي تأتي من لندن تثير الفتنة، فلا أظنه صادقاً، أي: أنه قال هذا ولا أظنه صادقاً فيه؛ لأنه يعلم أن الفتنة كل الفتنة في انتشار هذه النشرات، وتمزيقها وإحراقها هو سبب لإطفاء الفتنة، ولا أحد يفتتن بها ويحب أن تنتشر إلا وهو من رءوس الفتة والعياذ بالله.
فنصيحتي لهؤلاء: أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وفي شعبهم الوادع الهادئ المطمئن، وألا يقبلوا مثل هذه النشرات التي تثير البغضاء والعداوة والكراهة للعلماء ولولاة الأمور، وتوجب الشقة والفرقة بين الرعية والراعي؛ لأن هذا من أسباب الفتن، ومن تتبع التاريخ وجد أن أول الفتنة كلام وآخرها سهام.
فنصيحتي لهؤلاء: أن يتقوا الله عز وجل، وأن يكونوا من دعاة الحق، ومحبي الخير للأمة، ولكننا واثقون بإذن الله عز وجل أن هؤلاء لن يفلحوا، كل من كان ظالماً فإنه لا يفلح لقول الله تعالى: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:21]، ولقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:81].
ولا شك أن النشرات التي تأتي من لندن كما قال الأخ السائل حسب ما نعلم: إنها إفساد، ومثار للفتنة، وأن إتلافها هو الذي يحصل به زوال الفتنة، وأنا أنصح كل من رآها أن يمزقها ويحرقها، وأن ينصح من ابتلي بمحبة انتشارها.
الجواب: يقول الله عز وجل: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] أي: عند كل صلاة، وملابس النوم إذا كانت طاهرة ليس حراماً أن يصلي فيها.
لكن هل يقال: إن هذا الرجل اتخذ زينته؟
الجواب: لا، يعني: وإن كانت تجزئه الصلاة لكن الأفضل أن يصلي بالثياب المعتادة؛ لأنه سوف يقف بين يدي الله عز وجل، فالآن نقول: لا حرج أن يصلي الإنسان في ثياب النوم إذا كانت طاهرة، لكن الأفضل أن يكمل زينته لقول الله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31].
الجواب: أما من حذر من الغيبة ومن نشرات الرجل الذي ذكرته فلا شك أنه محق، والغيبة النهي فيها موجود في كتاب الله: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12].
وأما من قال له: إن ذكرك هذا الرجل الذي ينشرها من الغيبة.
أيضاً فنقول له: إن ذكر ذلك ليس من الغيبة بل هو من النصيحة، وذكر الإنسان بما يكره نصحاً للمسلمين من النصيحة والخير، أليس النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءته فاطمة بنت قيس تستشيره تقول: إنه خطبها معاوية وأبو جهم وأسامة بن زيد، أليس قد قال عليه الصلاة والسلام: (أما
فإذا كان ذكرنا هذا الرجل الذي يثير الفتنة بين الناس، وينشر معايب العلماء، ومعايب ولاة الأمور، إذا كان ذكرنا له على سبيل النصيحة وتحذير الناس منه، فهذا خير، وهو مما يتقرب به العبد إلى ربه، والناهي عن ذلك أي عن التحذير من هذا الرجل ناهي عن الخير، وناهياً عن النصيحة.
وأنا أرى: أن يترك هذا الرجل، وألا يكون مثاراً للجدل بين الشباب وبين الناس، وكما قيل في المثل: (إذا جاءك البئر بريح فسده تستريح). ولا ينفع أن يكون مثال الجدل، هذا فيما أظن أنه إذا لم تحصل الكلمات الكثيرة فستنطفئ ناره بإذن الله كما قلنا فيما سبق: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:21]، إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:81]
السائل: كلها مزاعم ويوزعون هذه الأمور في المساجد.
الشيخ: على كل حال سيلقون جزاءهم.
السائل: هل صحيح ما نقل عنكم: أن هذا الشخص لا عرض له ولا غيبة له؟
الشيخ: لا أبداً، وأنا من عادتي أني لا أذكر الشخص بعينه إطلاقاً، ولهذا تجدني الآن في جوابي هذا أحب ألا أذكر اسمه؛ لأن تعليق الأشياء بالأوصاف أفضل من تعليقها بالأشخاص، أنت إذا علقتها بالشخص ربما يتوب هذا الشخص ويرجع إلى الله وتبقى كلمتك فيه إلى يوم القيامة، لكن إذا ذكرتها بالأوصاف صارت عامة له ولغيره وصار إذا قدر الله هدايته سالماً من تعيينه، فأنا أقول: كل إنسان يبث الفرقة وينشر المساوئ، فإنه يجب التحذير منه.
الجواب: أبداً، نحن نقول: إن الله معنا وهو مستوىٍ على عرشه، كما جاء في القرآن الكريم كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4] فنثبت لله ما أثبته لنفسه، ولكننا نقول: أي إنسان يقول: إن الله معنا بذاته في أمكنتنا فإنه كافر؛ لأنه مكذب لأدلة العلو، ويلزم من قوله: أن يكون الله تعالى في أماكن الأقذار والأنتان، ويلزم من قوله: أن الله إما أن يتعدد وإما أن يتجزأ، لكن بعض الناس يفهم من الكلام شيئاً آخر غير المراد فينقله على ما فهمه ويبني على فهمه الخاطئ.
السائل: يقول: يستدل بالآية هذه: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]؟
الشيخ: لا، نحن نقول: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115] فيها قولان للسلف:
القول الأول: ثم وجه الله حقيقة، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم للمصلي: (إن الله قبل وجهك).
والقول الثاني في الآية: أن المراد بالوجه الجهة، يعني: فثم جهة الله أن الله سبحانه وتعالى أكبر من كل شيء، محيط بكل شيء، لكننا نستدل بالآية التي تلونها أولاً: وَهُوَ مَعَكُمْ [الحديد:4] هو نفسه، لكنه ليس معناه أن ذاته تكون في الأرض لا أحد يقول به ممن يعرف الله حق المعرفة.
وقد ضرب شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة الواسطية لما ذكر أنه معنا حقيقة ضرب مثلاً يتبين به الأمر، قال: هذا القمر في السماء ونقول: إنه معنا حقيقة، المسافر يقول: سرت والقمر معي أو النجم معي وهو في السماء، فإذا كان هذا في المخلوق فما بالك في الخالق، فيصح أن نقول: معنا حقيقة وهو على عرشه حقيقة كما نقول: ينزل إلى السماء الدنيا في آخر الثلث الآخر من الليل حقيقة وهو على عرشه حقيقة.
الجواب: حد السفر الذي يبيح فيه القصر مختلف فيه.
فالعلماء منهم من قال: إنه محدود بالمسافة، فمن نوى هذه المسافة فهو مسافر إذا خرج من بلده، ومنهم من قال: إنه مقيد بالعرف،والثاني هو الصحيح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ويدل على هذا حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج ثلاثة أميال أو فراسخ صلى ركعتين) والشك من شعبة ، فهذا يدل على أنه لا يقدَّر مسافة مسيرة يومين؛ لأن ثلاثة فراسخ أو ثلاثة أميال أقل بكثير، فالمرجع في هذا إلى العرف، ولكن إذا كنت لا تحيط بالعرف، وهذه هي المشكلة أن الإنسان يقول: هل هذا سافر عرفاً أو لا؟ فالأصل الإتمام، متى شككت في مسوغ القصر فعليك بالإتمام لبراءة الذمة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر