إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [100]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذا اللقاء تفسير لسورة الهمزة، حيث بيَّن الشيخ الفارق بين الهمز واللمز، ثم تحدث عن جمع المال، وكثرة عده، وأن هذا كله من كبائر الذنوب، ثم ذكر بعض أوصاف الحطمة، كما أجاب عن مسائل فقهية واجتماعية.

    1.   

    تفسير سورة الهمزة

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا هو اللقاء المتمم للمائة من اللقاءات التي تتم كل أسبوع والتي تعرف باسم لقاء الباب المفتوح، وهذا يتم في يوم الخميس الحادي والعشرين من شهر ربيع الأول عام 1416هـ.

    نبتدئ هذا اللقاء في الكلام على تفصيل هذه السورة على ما تيسر وهي قوله تبارك وتعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ [الهمزة:1-9].

    تفسير قوله تعالى: (ويل لكل همزة لمزة)

    في هذه السورة يبتدئ الله سبحانه وتعالى بكلمة (ويل) وهي كلمة وعيد، أي: أنها تدل على ثبوت وعيد لمن اتصف بهذه الصفات: (همزة لمزة) إلى آخره.

    وقيل: إن (ويل) اسم لوادٍ في جهنم، ولكن الأول أصح.

    قال تعالى: لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1] (كل) من صيغ العموم، والهمزة واللمزة: وصفان لموصوف واحد، فهل هما بمعنى واحد؟ أو يختلفان في المعنى؟

    قال بعض العلماء: إنهما لفظان لمعنىً واحد، يعني: أن الهمزة هو اللمزة.

    وقال بعضهم: بل لكل واحد منهما معنىً غير المعنى الآخر.

    وثمَّ قاعدة أحب أن أنبه عليها في التفسير وغير التفسير وهي: وهو أنه إذا دار الأمر بين أن تكون الكلمة مع الأخرى بمعنىً واحد، أو لكل كلمة معنى فإننا نتبع الثاني، أي: نجعل لكل واحدة معنى؛ لأننا إذا جعلنا الكلمتين بمعنى واحد صار في هذا تكرار لا داعي له، لكن إذا جعلنا كل واحدة لها معنى صار هذا تأسيساً وتفريقاً بين الكلمتين، والصحيح في هذه الآية: (لكل همزة لمزة) أن بينهما فرقاً: فالهمز بالفعل واللمز باللسان، كما قال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ [التوبة:58] الهمز بالفعل يعني: أنه يسخر من الناس بفعله، إما أن يلوي وجهه، أو يعبس بوجهه، أو ما أشبه ذلك، أو بالإشارة يشير إلى شخص يقول: انظروا إليه ليعيبه، أو ما أشبه ذلك.

    فالهمز يكون بالفعل، واللمز باللسان، وبعض الناس -والعياذ بالله- مشغوف بعيب البشر إما بفعله وهو الهماز، وإما بقوله وهو اللماز، وهذا كقوله تعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:10-11].

    تفسير قوله تعالى: (الذي جمع مالاً وعدده)

    قال تعالى: الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ [الهمزة:2] هذه أيضاً من أوصافه القبيحة، جماع مناع، يجمع المال ويمنع العطاء، فهو بخيل لا يعطي، يجمع المال ويعدده (وعدده) قيل معنى التعديد يعني: الإحصاء، يعني: لشغفه بالمال كل مرة يذهب إلى الصندوق ويعد، يعد الدراهم في الصباح، وفي آخر النهار يعدها، وهو يعرف أنه لم يأخذ منها شيئاً، ولم يضف إليها شيئاً، لكن لشدة شغفه بالمال يتردد عليه ويعدده، ولهذا جاءت بصيغة المبالغة (عدده) يعني: أكثر تعداده لشدة شغفه ومحبته له، يخشى أن يكون قد نقص، أو يريد أن يطمئن زيادة على ما سبق، فهو دائماً يعدد المال.

    وقيل: معنى (عدده) أي: جعله عُدة له، يعني: ادخره لنوائب الدهر، وهذا وإن كان اللفظ يحتمله ولكنه بعيد؛ لأن إعداد المال لنوائب الدهر مع القيام بالواجب لأداء ما يجب فيه من زكاة وحقوق ليس مذموماً، وإنما المذموم أن يكون أكبر هم الإنسان هو المال، يتردد إليه ويعدده وينظر هل زاد.. هل نقص، فالقول بأن المراد (عدده) أي: عدَّه للمستقبل قول ضعيف.

    تفسير قوله تعالى: (يحسب أن ماله أخلده)

    قال تعالى: يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ [الهمزة:3] أي: يظن هذا الرجل أن ماله سيخلده ويبقيه، إما بجسمه وإما بذكره، لأن عمر الإنسان ليس ما بقي في الدنيا، بل عمر الإنسان حقيقة ما يخلده بعد موته، ويكون ذكراه في قلوب الناس وعلى ألسنتهم، فيقول في هذه الآية يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ [الهمزة:3] أي: أخلد ذكره أو أطال عمره والأمر ليس كذلك، فإن أهل الأموال إذا لم يعرفوا بالبذل والكرم فإنهم يخلدون لكن بالذكر السيئ، فيقال: أبخل من فلان.. ويذكر في المجالس ويعاب.

    تفسير قوله تعالى: (كلا لينبذن في الحطمة)

    قال تعالى: كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ [الهمزة:4] (كلا) هنا يسميها العلماء حرف ردع، أي: تردع هذا القائل أو هذا الحاسب عن قوله أو عن حسبانه، ويحتمل أن تكون بمعنى حقاً (يعني: حقاً لينبذن) وكلاهما صحيح، هذا الرجل لن يخلده ماله، ولن يخلده ذكراه، بل سينسى ويطوى ذكره وربما يذكر بالسوء؛ لعدم قيامه بما أوجب الله عليه من البذل.

    لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ [الهمزة:4] (اللام) هذه واقعة في جواب القسم المقدر، والتقدير: (والله لينبذن في الحطمة) أي: يطرح طرحاً، وإذا قلنا: إن اللام في جواب القسم صارت هذه الجملة مؤكدة باللام ونون التوكيد والقسم المحذوف، ومثل هذا كثير في القرآن الكريم، أي: تأكيد الشيء باليمين واللام والنون هذا شيء كثير في القرآن، والله تعالى يقسم بالشيء تأكيداً له وتعظيماً لشأنه.

    وقوله: لَيُنْبَذَنَّ [الهمزة:4] ما الذي ينبذ: هل هو صاحب المال أو المال؟

    قد نقول: كلاهما ينبذ، أما صاحب المال فإن الله يقول في آية أخرى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً [الطور:13] أي: يدفعون وهنا يقول: (ينبذ) أي: يطرح (في الحطمة) والحطمة: هي التي تحطم الشيء أي: تفتته وتكسره، فما هي؟

    تفسير قوله تعالى: (وما أدراك ما الحطمة...)

    قال الله تعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ [الهمزة:5] وهذه الصيغة للتعظيم والتفخيم: نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ [الهمزة:6] هذا الجواب، أي: هي نار الله الموقدة، وأضافها الله سبحانه وتعالى إلى نفسه؛ لأنه يعذب بها من يستحق العذاب، فهي عقوبة عدل وليست عقوبة ظلم، أي: نار يحرق الله بها من يستحق أن يعذب بها. إذاً.. هي نار عدل وليست نار ظلم؛ لأن الإحراق بالنار قد يكون ظلماً وقد يكون عدلاً، فتعذيب الكافرين بالنار لا شك أنه عدل، وأنه يثنى به على الرب عز وجل، حيث عامل هؤلاء بما يستحقون، وتأمل قوله: (الحطمة) مع فعل هذا الفاعل (همزة لمزة) حطمة، وهمزة لمزة على وزن واحد ليكون الجزاء مطابق للعمل حتى في اللفظ.

    نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ [الهمزة:6] أي: المسجرة المسعرة.

    تفسير قوله تعالى: (التي تطلع على الأفئدة)

    قال تعالى: الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ [الهمزة:7] الأفئدة: جمع فؤاد وهو القلب، والمعنى: أنها تصل إلى القلوب -والعياذ بالله- من شدة حرارتها، مع أن القلوب مكنونة في الصدور وبينها وبين الجلد الظاهر ما بينها من الطبقات، لكن مع ذلك تصل هذه النار إلى الأفئدة.

    إِنَّهَا [الهمزة:8] أي: الحطمة وهي نار الله الموقدة: عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ [الهمزة:8] على الهماز اللماز الجماع للمال المناع للخير، ولم يقل: (إنها عليه) مع أن المرجع مفرد: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ [الهمزة:1-2] لكنه أعاد الضمير بلفظ الجمع باعتبار المعنى؛ لأن لكل همزة عام يشمل جميع الهمازين وجميع اللمازين.

    تفسير قوله تعالى: (إنها عليهم مؤصدة)

    قال تعالى: إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ [الهمزة:8] أي: مغلقة، مغلقة الأبواب، لا يرجى لهم فرج -والعياذ بالله- كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا [السجدة:20] يعني: يُرفعون إلى أبوابها حتى يطمعوا في الخروج، ثم بعد ذلك يركسون فيها، ويعادون فيها، كل هذا لشدة التعذيب؛ لأن الإنسان إذا طمع في الفرج وأنه سوف ينجو ويخلص يفرح، فإذا أعيد صارت انتكاسة جديدة، فهكذا يعذبون بضمائرهم وأبدانهم، وعذاب أهل النار مذكور مفصلاً في القرآن الكريم والسنة النبوية. إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ [الهمزة:8] مغلقة؛ تأمل الآن لو أن إنساناً كان في حجرة أو سيارة اشتعلت فيها النيران وليس له مخرج، الأبواب مغلقة كيف يكون حاله؟ في حسرة عظيمة، لا يمكن أن يماثلها حسرة، فهم -والعياذ بالله- هكذا في النار، النار عليهم مؤصدة.

    تفسير قوله تعالى: (في عمدٍ ممددة)

    قال تعالى: فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ [الهمزة:9] أي: أن هذه النار مؤصدة وعليها أعمدة ممدة، مثلما نقول: شبابيك عظيمة، حتى لا يحاول أحد فتحها: فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ [الهمزة:9] أي: ممدودة على جميع النواحي والزوايا حتى لا يتمكن أحد من فتحها أو الخروج منها.

    حكى الله سبحانه وتعالى ذلك علينا وبينه لنا لا لمجرد أن نتلوها بألسنتنا أو نعرف معناها بأفهامنا، لكن المراد أن نحذر من هذه الأوصاف الذميمة: عيب الناس بالقول، عيب الناس بالفعل، الحرص على المال حتى كأن الإنسان إنما خلق للمال ليخلد له أو يخلد المال له، ونعلم أن من كانت هذه حالته فإن جزاءه هذه النار التي هي كما وصفها الله الحطمة، تطلع على الأفئدة، مؤصدة، في عمد ممدة.

    نسأل الله تعالى أن يجيرنا وإياكم منها، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل والاستقامة على دينه.

    1.   

    الأسئلة

    العمل بعد صلاة الاستخارة

    السؤال: فضيلة الشيخ! كيف يعرف الإنسان إذا استخار الله عز وجل وصلى صلاة الاستخارة أن الله عز وجل اختار له هذا الأمر، أو لم يختره؟

    الجواب: إذا تردد الإنسان في شيء هل يفعله أو لا يفعله فالمشروع له أن يستخير الله عز وجل، فيصلي ركعتين، وإذا سلم دعا بدعاء الاستخارة المعروف، ثم إن ركن إلى شيء من الأشياء فهذا علامة على أن الله اختار له ذلك، وإن لم يركن وبقي متردداً يعيد الاستخارة مرة بعد أخرى، ثم الاستشارة، ثم يقدم على ما يقدم عليه، وإذا أقدم على ما يقدم عليه مع إخلاصه في الدعاء وثقته بربه عز وجل فإننا نعلم أن هذا الذي قدر له وأقدم عليه هو الخير.

    الإنكار في المسائل الخلافية

    السؤال: إذا رأيت شخصاً يعمل عملاً فيه أقوال للعلماء، فهل يصح أن أنكر عليه، فمثلاً: لو رأيت إنساناً يصلي خلف الصف، وأنا مثلاً أرى أن الصلاة خلف الصف منفرداً لا تصح هل أنكر عليه، أو أترك هذه الأمور التي فيها خلاف؟

    الجواب: هناك فرق بين الإنكار وبين المناقشة، الإنكار لا تنكر على أحد في المسائل الخلافية التي يسوغ فيها الاجتهاد، خصوصاً إذا تبين لك أو غلب على ظنك أنه من طلبة العلم، أما العامي فإنه يفعل هذا الشيء لا عن اجتهاد ولا عن تقليد أحد خصوصاً إذا كان في بلد لا يعرفون فيه إلا قولاً واحداً، فالعامي ينكر عليه ويقال: لماذا تصلي خلف الصف والصف لم يتم؟ أما طالب العلم فيسأل ويناقش، ثم إن تبين الحق معه وجب أن يقر فعله، وإن تبين الحق خلاف قوله فإنه يبين له الحق، وعلى من تبين له الحق أن يتبعه، سواءً كان يأخذ به أو لا يأخذ؛ لأن الحق ضالة المؤمن متى وجده أخذ به.

    وإن كان العامي أخذ على رأي عالم فنقول: عندنا مثلاً: نحن الآن مذهبنا مذهب الإمام أحمد ، ثم إن المذهب الآن صار -في الحقيقة- غير مأمون به من كل وجه، لأننا وجدنا علماء بارزين يفتون بغير المذهب، فإذا اشتهر قولهم في البلاد فالعمل على قولهم بالنسبة للعامي؛ لأن العامي لا يمكن أن يجتهد بنفسه، ولا يمكن أن نفتح له الباب ونقول: اتبع من شئت من علماء المشرق والمغرب. هذا غير صحيح، لكن إذا برز أحد العلماء في بلده فإنه يكون هو قدوته.

    الهمز واللمز من الكبائر

    السؤال: فضيلة الشيخ! في هذه الآيات قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1] هل قال الهمز اللمز وجمع المال وتعداده من الكبائر لقوله تعالى: وَيْلٌ [الهمزة:1]؟ وأيضاً في الآية قوله: الَّذِي [الهمزة:2] هو معرفة كيف صح أن يكون نعتاً لنكرة؟

    الجواب: أما الأول فنعم نقول: كل من اتصف بهذه الصفات فقد أتى بكبيرة من كبائر الذنوب، لأن همز المؤمنين ولمزهم من كبائر الذنوب، ألم تر إلى قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ [المطففين:29-31] قالوا: مروا بنا هؤلاء الهمج هؤلاء الدراويش .. وما أشبه ذلك.

    وأما قوله تعالى: الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ [الهمزة:2] فإنه صار معرفة؛ لأن قوله: لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1] نكرة عام بصيغة الكل، فجاز أن يوصف بـ(الذي) باعتبار العموم، أو يقال: إن الذي ليس صفة لهمزة لمزة ولكنه خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هو الذي جمع ماله وعدده.

    حكم الدعاء بحرمة النبي صلى الله عليه وسلم

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يجوز أن يقال في أحفاد الرجل إذا أحسنوا عملاً: هذا من بركة أجدادكم. بدعوى: أن الأجداد هم الذين وجهوهم إلى الإسلام، أو بتعقيب الدعاء هذا بحرمة فلان أو بحرمة الرسول صلى الله عليه وسلم هل هذا يجوز؟

    الجواب: أما الدعاء بحرمة الرسول عليه الصلاة والسلام مثل أن تقول: اللهم إني أسألك بحرمة نبيك عندك فإنه بدعة، ولا يجوز التوسل بذلك؛ لأن حرمة النبي عليه الصلاة والسلام خاصة به لا تتعداه إلى غيره، لكن بدلاً من هذا يقول: اللهم إني أسألك باسمك الأعظم، أو أسألك بصفاتك الكاملة، أو ما أشبه ذلك، أو يقول: أسألك بإيماني بنبيك، إذا كان يحب أن يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء، بإيماني بنبيك أو محبتي له .. وما أشبه ذلك.

    وأما بركة الأجداد فلا شك إن كان مراده البركة الجسدية أي: مجرد أن صاروا أجدادك صارت البركة، فهذا لا يجوز، وأما إذا كانت البركة من آثار توجيهاتهم وتربيتهم، فهذا حقيقة، فالإنسان قد يكون فيه البركة على أولاده وعياله في التوجيه والتعليم وقد لا يكون فيه بركة، وقد قال أسيد بن حضير لما نزلت آية التيمم بسبب التباس على عقد عائشة رضي الله عنها قال: [ما هذه بأول بركاتكم يا آل أبي بكر]. أي: يريد أن أسبابكم أنكم تكونون سبباً لأمور نافعة للمسلمين.

    الشك في عدد الركعات في الصلاة

    السؤال: يا شيخ! المسبوق إذا شك في عدد الركعات، وعلم أن أحد المأمومين دخل معه في أنه مسبوق دخلا جميعاً، فشك في عدد الركعات كم هي، فهل له أن يقتدي بالمأموم الذي دخل معه، أم يعدل لاقتدائه بالمأموم، أم يستأنف صلاته من حيث بدءوا مثلاً إذا تيقن أن هذه الركعة الرابعة؟

    الجواب: إذا شك إنسان في صلاته وهو مسبوق وقد دخل معهم شخص آخر دخلا جميعاً في الصلاة ولم يترجح عنده شيء، شك شكاً متساوياً، فإن فعل الذي دخل معه لا شك أنه سيرجح أحد الاحتمالين، فإذا رجح أحد الاحتمالين فله أن يعمل به، وأحياناً لا يرجح كما لو علم أن هذا الرجل الذي دخل معه ليس بذاك الإنسان الثقة، فإنه حينئذٍ يعمل باليقين إذا لم يترجح عنده شيء ويأخذ بالأقل ثم يسجد للسهو قبل السلام، وإذا أخذ بغلبة الظن أي: ترجح عنده أحد الاحتمالين بفعل هذا الذي دخل معه، فإنه في هذه الحاله يسجد بعد السلام؛ لأنه متى كان البناء على غلبة الظن في باب الشك فإن سجود السهو بعد السلام.

    كيفية دفن امرأة كتابية ماتت وفي بطنها طفل من زوج مسلم

    الشيخ: فضيلة الشيخ! هذا رجل مسلم تزوج بامرأة كتابية، فحملت منه طفلين، وعندما تحرك الطفل في بطنها وقد بلغ خمسة أشهر ماتت هذه المرأة فأين تدفن؟

    الجواب: أنه يصلى على الحمل في بطنها، ولا يضر الحيلولة بيننا وبين هذا الجنين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على القبر وقد حيل بينه وبين الميت التراب، فيصلى على الجنين في بطنها، وتدفن معنا -أي: مع المسلمين: لكن يكون وجهها خلاف القبلة، وظهرها إلى القبلة؛ لأن الجنين بحكمة الله عز وجل ظهره إلى بطن أمه، ووجهه إلى ظهر أمه، وفي بطنها وجهه إلى الظهر، وظهره إلى البطن، والحكمة من هذا: أنه إذا كان وجهه إلى ظهر الأم صار الظهر وقاية له، وإذا كان ظهره إلى بطن أمه صار ظهره وقاية له، لأن بطن الأم رقيق، كل شيء يؤثر على الجنين، لكن الذي يلي البطن هو الظهر، فهو قوي يتحمل، فهذا من حكمة الله عز وجل، وعلى هذا فندفنها في مقابر المسلمين لكن نجعل ظهرها إلى خلف القبلة؛ ليكون وجه الجنين إلى القبلة.

    مسألة إسبال الإزار

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل من دليل في التمييز بين حد الإزار وحد القميص أو الثوب، فإن بعض أهل العلم -حفظهم الله- يرى أن الثوب إذا كان إلى عضلة الساق فإنه مع السجود يكشف العورة وليس هذا كالإزار، وستر العورة واجب، وحد الثوب عنده إذاً سنة، فيقدم الواجب على السنة، وكيف نحمل هذا مع قول ابن عمر ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم: في الإزار فهو في القميص. أو كما قال، ألا يحمل هذا أنه قول جامع للثياب؟

    الجواب: الصحيح أنه جامع، وأن ذكر الإزار إنما كان بناءً على الغالب، حيث كان غالب الناس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يلبسون الأزر والأردية فالجميع سواء.

    لكن الذي أحب أن أقول: إنه لا ينبغي التشديد في هذا الأمر بحيث يقال لمن لم يكن إزاره إلى نصف الساق أو إلى عضلة الساق: إنه مخالف لهدي الرسول عليه الصلاة والسلام، ويشدد في هذا.

    إذا تأملنا أحوال الصحابة وجدنا أن منهم من كان قميصه إلى قريب الكعب، فها هو أبو بكر رضي الله عنه لما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه، قال: يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يسترخي عليَّ فينزل إلى الأرض إلا أني أتعهده، فقال: إنك لست ممن يصنع ذلك خيلاء) فإذا كان إزار أبي بكر رضي الله عنه ينزل إلى أسفل من الكعبين لزم أن يكون قريباً من الكعبين؛ لأنه لو كان إلى نصف الساق ثم نزل إلى الأرض أو إلى ما دون الكعب لانكشفت عورته من أعلى، فدل هذا على أن الأمر فيه سهل، وأن من لم ينزل عن الكعب فإنه لا يقال: خالف السنة، ولا خالف هدي النبي عليه الصلاة والسلام، بل يقال: الأمر في هذا واسع، أما الحكم فهو عام، ما كان في الإزار فهو في القميص وفي المشلح وفي السراويل.

    حكم لبس البنطال الضيق في الصلاة

    السؤال: فضيلة الشيخ! في كثير من المصليين الذين يلبسون البنطال في حالة السجود والركوع تظهر العورة من فوق وهو لا يعلم بذلك، فما الحكم في ذلك؟

    الجواب: لا شك أن لبس البنطال في الصلاة يفوت أولاً: الطمأنينة الكاملة في الجلوس، ولهذا تجدهم يجلسون على أعقابهم مع انحناء ظهورهم بعض الشيء.

    وأيضاً: يمنع كمال السجود، وكذلك ربما ينكمش عن أعلى العورة حتى تبدو إذا لم يكن الذي على صدره راخياً.

    أولاً: ينبغي ألا يلبس البنطال؛ لأن القميص أستر وأوسع وأحسن للإنسان.

    وثانياً: إذا لبسه للحاجة إلى ذلك كرجال الشرطة وغيرهم فليكن واسعاً حتى يتمكن من فعل الصلاة على ما ينبغي، وأن يكون الذي فوقه على الذي على الصدر ظاهراً حتى إذا انكمش عند السجود يكون الذي فوقه ساتراً.

    حكم تكبير المؤذن أربع تكبيرات واحدة واحدة

    السؤال: بعض المؤذنين يكبرون أربع تكبيرات منفصلات وآخرون يكبرون تكبيرتين تكبيرتين، فما هي السنة؟

    الجواب: السنة في الأذان هذا وهذا، أن تكبر كل تكبيرة وحدها، أو أن تكبر تكبيرتين جميعاً، فمن فعل هذا فهو جائز، ومن فعل هذا فهو جائز.

    معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة)

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة

    الجواب: هذا الحديث روي بألفاظ متعددة، منها ما ذكرت، ومنها: (من رآني في المنام فقد رآني حقاً؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي) فأما على اللفظ الثاني فلا إشكال فيه، أن من رآه في المنام على صفته التي هو عليها فقد رآه حقاً، وأما على اللفظ الثاني: (فسيراني في اليقظة) فهو محمول على الصحابة الذين في عهده قبل أن يموت.

    حكم الصلاة على الراحلة في السفر

    السؤال: ما حكم استقبال القبلة في بداية الصلاة على الراحلة في السفر عند التكبير؟

    الجواب: المسافر يجوز له أن يتنفل على راحلته إلى القبلة وإلى غيرها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله سلم كان يصلي على راحلته حيثما توجهت به، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة.

    والأفضل: إذا لم يشق أن يبتدئ تكبيرة الإحرام وهو متجه إلى القبلة وبقية الأركان إلى جهة سيره، فإن لم يفعل فلا حرج عليه والصلاة صحيحة؛ لأن المقصود تيسير التطوع على المكلف حتى يتمكن من فعل التطوع بدون مشقة، أما الفريضة فلا تجوز على الراحلة إلا للضرورة، مثل: أن تكون هناك أمطار، أو رياح عاصفة لا يتمكن الإنسان من النزول إلى الأرض ويخشى فوات الوقت، فهذه ضرورة، وأما إذا لم يكن هناك ضرورة فإنه يجب أن يقف ويصلي في الأرض ما لم تكن الراحلة واسعة كالسفينة مثلاً بحيث يتمكن من استقبال القبلة والقيام والركوع والسجود والقعود، فهذا لا بأس أن يصلي ولو لغير الضرورة، فصار هناك فرق بين الفريضة والنافلة.

    مسألة في الجمع والقصر في السفر

    السؤال: رجل مسافر -مثلاً- وحان وقت صلاة المغرب هل يجمع ويقصر علماً أنه سوف يدخل وقت العشاء في البلد الذي أراد أن يسافر إليه، هل يجوز له أن يجمع ويقصر، أم يصلي المغرب في وقتها ويؤخر العشاء ويصلي مع الجماعة، أحسن الله إليك؟

    الجواب: لو أن إنساناً سافر وهو يعرف أنه سيصل إلى البلد قبل وقت العشاء فهل له أن يجمع العشاء مع المغرب في حال السفر، أو نقول: انتظر حتى تصل إلى البلد؟ فالجواب: له أن يجمع العشاء إلى المغرب؛ أولاً: لأنه في سفر وقد دخل وقت المغرب ووقت المغرب، والعشاء واحد في الحالة التي يجوز فيها الجمع.

    ثانياً: أن الإنسان قد يقدر أنه سوف يصل قبل وقت العشاء ولا يصل، قد تتعطل السيارة، أو يحصل أي سبب يمنع من الوصول إلى البلد قبل الوقت.

    لكن نقول: الأولى ما دمت تعرف أنك سوف تصل إلى البلد قبل وقت الثانية، الأولى لك ألا تجمع.

    ولو أخر المغرب حتى يصل إلى البلد فلا بأس، لكنه إذا وصل إلى البلد ووقت المغرب باقي فإنه لا يجوز له أن يؤخره، بل يجب عليه أن يصليها في وقتها؛ لأن سبب الجمع هو السفر وقد انتهى، ثم إنه في هذه الحالة أنت قلت: يجمع ويقصر، وهو لا يقصر أبداً على كل حال؛ لأن القصر سببه السفر، فمتى انتهى السفر انتهى القصر.

    التفصيل في جلسة الاستراحة

    السؤال: هل جلسة الاستراحة في الصلاة من السنة؟

    الجواب: جلسة الاستراحة في الصلاة كأن يقوم إلى الثانية أو إلى الرابعة هل يجلس أم لا؟

    الصحيح: أنه لا يجلس إلا إذا كان هناك سبب لكبر أو مرض أو وجع المفاصل أو ما أشبه ذلك؛ وذلك لأننا نعلم أن هذه الجلسة غير مقصودة، لأنها لا تسبق بتكبير ولا تلحق بتكبير وليس فيها ذكر، ثم إن الواصفين لها في صلاة الرسول عليه الصلاة والسلام ذكروا أنه يعتمد على يديه عند القيام، وهذا يدل على مشقة نهوضه مرة واحدة، وأنه لمشقة النهوض يتكئ قليلاً في الجلوس ثم يقوم على يديه، ومعروف أن مثل هذه الصفة لا تكون إلا عند العجز والتعب.

    فالذي نرى ما اختاره ابن القيم رحمه الله والموفق صاحب المغني : أنها ليست سنة مطلقة، وإنما تسن لمن احتاج إليها لكبر أو مرض أو وجع مفاصل أو ما أشبه ذلك.

    ولكن يبقى النظر: إذا كنت تصلي خلف إمامٍ يفعلها هل تجلس تبعاً للإمام؟

    الجواب: نعم تجلس تبعاً للإمام.

    وإذا كنت تصلي خلف إمام لا يفعلها، وأنت ترى أنها سنة، فلا تجلس؛ لأن متابعة الإمام أهم.

    حكم الصلاة خلف الصف منفرداً

    السؤال: يا شيخ! بالنسبة لرجل دخل المسجد فوجد الصف تقريباً اكتمل، فليس عليه أن ينشئ صفاً جديداً حتى يجتهد، وهل من الاجتهاد إذا وجد فرجة أن يدخل منها ويصف عن يمين الإمام أو من جهة الباب الذي يكون في المنبر، أم أنه ينشئ الصف؟

    الجواب: إذا وجد الصف تاماً فإنه يصلي وحده ولا حرج عليه، ولا حاجة إلى أن يصف مع الإمام، حتى الصف مع الإمام قد نقول: إنه بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما صلى معه أحدٌ في إمامته إلا حين جاء ووجد أبا بكر يصلي بالناس وهو مريض عليه الصلاة والسلام مريض، ثم جاء ووقف عن يسار أبي بكر وجعل يصلي بالناس وأبو بكر يبلغ عنه، وإلا فلم يرد.

    وأيضاً الإمام يجب أن يكون إماماً خاصاً بمكانه، ثم إننا إذا قلنا: اخترق الصف وقف مع الإمام، فإن اختراق الصف يؤذي، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام للرجل الذي كان يخترق الصفوف يوم الجمعة قال: (اجلس فقد آذيت) ثم إذا قلنا: نتحمل هذا وصف مع الإمام، وجاء آخر بعد أن دخل هذا مع الإمام ووجد الصف تاماً وقلنا: اذهب صف مع الإمام. فذهب مع الإمام، صاروا ثلاثة بالإمام، فجاء آخر ووجد الصف تاماً قلنا: تقدم وصف مع الإمام، ربما يكتمل الصف الأول كله مع الإمام، لكن لو أنه دخل في الصلاة في مكانه ثم جاء الثاني والثالث والرابع لكوّنوا صفاً متأخراً.

    فالذي نرى: أنه يصلي وحده لتعذر وجود مكان مناسب.

    ثم إني أقول: أتدرون خلاف العلماء في هذه المسألة؟

    كل المذاهب الثلاثة: مالك والشافعي وأبي حنيفة كلهم يرون جواز الصلاة خلف الصف بدون عذر، والإمام أحمد عنه في ذلك روايتان: رواية: أنه يصح أن يصلي خلف الصف بدون عذر، فتكون مذاهب الأمة الإسلامية على الرواية الثانية مع الإمام أحمد كلها على صحة الصلاة بلا عذر، ليس في المسألة إجماع، ولا الأكثر أيضاً.

    لكن الحق أحق أن يتبع، الحديث يدل: على أن من صلى خلف الصف بدون عذر فعليه الإعادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة.

    أما إذا تعذر أن يقوم في الصف فإن جميع الواجبات تسقط بالعذر، وهذا إما أن نقول: صل وحدك منفرداً تبعاً لإمامك، أو انصرف ولا تصلي .. فأيهما أحسن؟ أن يصلي معه منفرداً خير من أن ينصرف ولا يصلي.

    فالصواب الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله، وشيخنا عبد الرحمن السعدي: أنه إذا كان الصف كاملاً فلك أن تصلي وحدك خلف الصف.

    حكم نشر أخبار التائبين والتائبات

    السؤال: هناك رسائل كثيرة يذكر فيها أخبار التائبين والتائبات .. وكذا، ويكون فيها أيضاً شيء من التفصيل بالنسبة للتائبات: خروجها مع الرجل ثم تاب الله عز وجل عليها. هل من المستحسن أن يطلع الأولاد والزوجات على هذه الأخبار، أو أنها تحجب عنهم؟

    الجواب: الذي أرى وجوب حجبها، وأرى أن الذي تابت لا يجوز لها أن تبوح بذلك، ولا يجوز لأحد أن ينشر هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون، قالوا: من هم؟ قال: الرجل يذنب فيصبح بتحدث بما فعل) أي فائدة أن نقول: فتاة خرجت مع شاب وفعل بها ثم ندمت وتابت. أليس هذا يوجب أن يهون الأمر في نفوس السامعين والقارئين؟ ولهذا نرى أن هذا الاجتهاد خاطئ جداً، وغلط، ولا يجوز، وأما ما ذكر الله تعالى في خطيئة آدم وتفسيرها وما أشبه ذلك، فهذا ذكره الله عز وجل وله أن يفعل ما يشاء، أما أن نفضح عباد الله، ثم نوجب أن نهون الأمر عليهم.

    أتدرون أن هذا الأمر أول ما يسمعه الإنسان: امرأة خرجت مع شخص وفعل بها، يستعظم جداً جداً ويقشعر جلده ويقف شعره، فإذا صار بين أيدي الناس يقرأ هان جداً، وهل كل امرأة تفعل هذا الشيء يمن الله عليها بالتوبة؟! ربما تفعله ولا تتوب، ولهذا أرى أنك إذا رأيت مثل هذا فقص الورقة التي فيها هذه القصة، وإلا اطمسها كلها طمساً تاماً، والحمد لله لو فات عليك خمسة ريالات في المزيل فهذا لا يضر.

    كيفية المسح على الخفين

    السؤال: إذا كان الشخص مصاباً في نصف القدم بألم أو بعظة فكان لا يربط نصف القدم تقريباً والنصف الآخر لفه بشاش أو بضماد، فكيف يكون المسح عليها بارك الله فيك؟

    الجواب: هذا بارك الله فيك ما هو مسح خفين، إذا كان الإنسان قد لف على نصف القدم لفافة لألم فيه، هذا يسميه العلماء جبيرة، اغسل ما بدا وامسح على ما ستر على كله، وهذا ليس له مدة، ولا يشترط أن يلبس على طهارة، ويجوز في الحدث الأصغر والجنابة؛ لأن هذا يسميه العلماء جبيرة، فهذا لا يدخل في المسح على الخفين، فالجهة المكشوفة تغسل، والجهة يمسح عليها.

    مسألة التهاون والتلاعب بالطلاق

    السؤال: فضيلة الشيخ! درج كثير من الناس على أنه إذا أراد أن يطلق زوجته أن يطلقها وهي في بيت أهلها، أما في حالة نفاس أو عقب زيارة له، كما أنه يطلقها في بيته إثر خلاف بينهم، ثم يذهب بها إلى أهلها ولا يبقيها عنده، كما أنه لا يراعي إن كانت مستوفية للعدة أو غير ذلك، فما حكم الشرع في ذلك، وما توجيهكم، وما على فاعله؟

    الجواب: أولاً: بارك الله فيكم جميعاً اعلموا أن الشيطان أحرص ما يكون على تفريق المرء وزوجته، يحرص على هذا حرصاً عظيماً، حتى إن السحرة جعلوا أكبر ما يتعلمون: مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة:102] وحتى أنه ورد في بعض الآثار: أن الشيطان يرسل جنوده ليضلوا الناس فيأتي هذا ويقول: أضللت فلاناً حتى فعل كذا، ويأتي الشيطان الثاني ويقول: ما تركت فلاناً حتى فرقت بينه وبين زوجته، فيلتزمه ويقول له: أنت أنت. يعني: أنت الجيد، ولهذا نرى أن الطلاق اليوم كثر في ألسن الناس مع الأسف، وأن الإنسان يطلق زوجته على أتفه الأشياء، حتى لو جاء وهي لم تكمل إصلاح الشاي، يعني: ما بقي عليها إلا أن تحليه فقط، قال: لماذا لا تفعلي، لماذا تأخرتي؟! أنت طالق بالثلاث، ولا يعلم أعليها حيض أو ليس عليها، هل هي في طهر جامعها فيه أو لا، لا يدري، يأتي الشيطان يأزه حتى يطلق.

    ونحن نقول أولاً: لا تطلق امرأتك إلا عن طوية وعجزٍ عن الصبر عليها، وإن أمكن الصبر فاصبر وتحمل، واذكر قول ربك عز وجل: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19] واذكر قول نبيك عليه الصلاة والسلام: (لا يفرك مؤمن مؤمنة -أي: لا يبغضها ويكرهها- إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) واعرف قدر نفسك وأنك رجل وهي امرأة خلقت من ضلع، وأعوج شيء في الضلع أعلاه، أنت تتحمل وهي لا تتحمل، ألم تر أن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أشرف الخلق اجتمع عليه نساؤه يطالبنه النفقة، مع أنه أحسن الناس خلقاً وأكرمهم أيضاً، حتى هجرهن شهراً عليه الصلاة والسلام.

    فالواجب على الإنسان أولاً: ألا يطلق إلا عن روية واقتناع بأن الحال لا يمكن أن تصلح، فإن أمكن إصلاحها ولو على مضض وكراهية فليصلح.

    ثم إذا صمم على الطلاق، وأنه لا بد منه فليطلقها إما حاملاً، وإما طاهراً في طهر لم يجامعها فيه، وقولي: إما حاملاً، يدفع ظن بعض العوام: أن الحامل لا تطلق. ولهذا دائماً الذين يستفتون يقولون: ترى طلقها وهي حامل، يعني معناه: ما لها طلاق، وهذا غلط، الحامل هي التي يجوز أن تطلقها قبل أن تغتسل من الجنابة منها، فلو جامع إنسان المرأة وهي حامل وفور انتهائه من الجماع طلقها، لا بأس، جائز، لكن لو جامعها وهي طاهر ثم أراد أن يطلقها نقول: اصبر، إلى أن يتبين حملها إن حملت من هذا الجماع أو تحيض ثم تطهر ثم تطلقها قبل أن تجامعها.

    ولذلك ينبغي للإنسان إذا أراد أن يطلق أن يتريث، فإذا كان لا بد من الطلاق فلينظر حال المرأة إن كانت في حيض انتظر حتى تطهر ثم يطلق قبل أن يجامعها وإن كانت حاملاً طلق، وإن كانت في طهرٍ جامعها فيه انتظر حتى تحيض أو يتبين حملها، وإن كانت في طهرٍ لم يجامعها فيه طلق ولا مانع من ذلك، فلا بد من النظر.

    ثم إذا أراد أن يطلق يذهب إلى رجل موثوق عارف بالأحكام ويكتب طلاقاً على الوجه الشرعي؛ لأن بعض الذين يكتبون الطلاق -الله يهدينا وإياهم- يعني: تعرض علينا أشياء من هذا النوع، إذا جاءه الزوج قال: ماذا تريد نكتب؟ الزوج مع الغضب يقول: اكتب ثلاثاً. كان المفروض أن يقول له: نكتب طلقة واحدة، وإذا كانت الطلقة واحدة الخيار بيد الزوج إن شاء راجع وإن شاء لم يراجع، لكن إذا كان ثلاثاً ربما يفوته الخيار، فعلى كل حال المسألة خطيرة، والتلاعب بالطلاق الآن ويطلق الإنسان على أتفه الأسباب، أو ربما يطلق على شيء لا حاجة له فيه، مثل: أن ينزل عليه رجلٌ ضيفاً فإذا رآه الضيف يتحرك يريد أن يذبح له كبشاً، قال: عليَّ الطلاق لا تذبح، قال الثاني: علي الطلاق لأذبحن لك، فماذا نعمل في هذه الحال؟!! نسأل الله السلامة، فهذا تلاعب.

    فهذه المسائل يجب التنبه لها وألا نتخذها هزواً.

    حكم الطلاق ثلاث مرات في وقت واحد

    السؤال: الطلاق ثلاث مرات في وقت واحد هل يعتبر طلقة واحدة؟

    الجواب: هذا إذا وقعت أفتيت، لا أفتيك فتوى عامة في هذا؛ لأننا إذا أفتينا فتوى عامة في هذا تهاون الناس، نود الناس يجدون حاجزاً منيعاً عن هذا الفعل، وكان في الأول قبل أن يتسع الاجتهاد كان الإنسان إذا قال: إن فعلت كذا فأنت طالق، أو إن ذبحت فامرأتي طالق، أو عليَّ الطلاق لأذبحن لك، ينفذون الطلاق على كل حال، وينفذون الطلاق ثلاثاً ولو بكلمة واحدة ولو بهمزة واحدة، وكان الناس يهابون هذا، لكن مع الأسف لما اتسع الاجتهاد تلاعب الناس، ولهذا من فقه عمر رضي الله عنه وأرضاه كان الطلاق الثلاث في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وفي عهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر كان الطلاق الثلاث واحدة، يقول الرجل لزوجته: أنتِ طالق.. أنتِ طالق.. أنتِ طالق، فيقال: هذه واحدة ردها إن شئت، لما رأى عمر أن الناس تكاثروا في هذا الشيء ولم يتقوا الله؛ لأن هذا حرام، كونه يقول: أنتِ طالق.. أنتِ طالق.. أنت طالق، هذا حرام ولا يجوز، لما رآهم تتايعوا في هذا الأمر ووقعوا فيه كثيراً ألزمهم به، وقال: أي إنسان طلق امرأته ثلاثاً فهو ممنوع من مراجعتها، وسد الباب تأديباً لهم، وهذا ينبغي على طلبة العلم المفتين أن ينظروا أحوال الناس قد يكون الأليق بالناس منعهم من شيء مباح لهم سداً للذريعة، فالمفتي ينبغي أن يكون حكيماً فيما يفتي به مربياً للخلق.

    حكم إخراج المرأة المطلقة طلاقاً غير بائن من بيتها

    السؤال: المرأة إذا طلقت طلاقاً غير بائن، هل تبقى في بيت زوجها أم تذهب إلى بيت أهلها؟

    الشيخ: لا. المرأة المطلقة إذا كان الطلاق غير ثلاث -أي: غير بائن- تبقى في بيت زوجها يخلو بها وتتجمل له، وينام معها لكن لا يجامعها؛ لأن المطلقة الرجعية زوجة، كما قال تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [البقرة:228] فسمى الله المطلقين بعولاً؛ لأن المطلقة الرجعية في حكم الزوجة، ولا يحل لها أن تخرج من البيت، ولا يحل للزوج أن يخرجها أيضاً، إذا طلق زوجته ولو طلاقاً رجعياً ما هو الحال عندنا؟ تخرج سريعاً وتذهب إلى أهلها، وبعضهم يقول: اخرجي. وهذا حرام على الزوج وعلى الزوجة؛ لأن الله قال: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1] الحكمة: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً [الطلاق:1] لأن القلوب بيد الله عز وجل، قد يطلقها الرجل الآن راغباً عنها كارهاً لها ويجعل الله في قلبه محبتها، فإذا كانت عنده في البيت ما صار هناك كسر مثلما لو خرجت إلى أهلها.

    حكم تسمية الابن بالقاسم وتكنية الأب بأبي القاسم

    السؤال: ما حكم التسمية بالقاسم والتكني بأبي القاسم؟

    الجواب: التكني بأبي القاسم لا بأس به؛ لأن الصحيح أن النهي عنه إنما هو في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام حين كان الناس ينادون: أبا القاسم. فيتوهم الإنسان أنه رسول الله، حتى أنه نادى رجل: يا أبا القاسم، وأظنه التفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرجل: أعني سواك، وهذه ليست هينة، ولهذا كان التكني بأبي القاسم في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام منهياً عنه، أما بعد ذلك فلا بأس.

    حكم الصدقة على الكافر

    السؤال: هل تجوز الصدقة على الكافر؟

    الجواب: اقرأ قول الله تعالى في سورة الممتحنة: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وهذا إحسان وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة:8] وهذا عدل.

    فتجوز الصدقة على الكافر بشرط: ألا يكون ممن يقاتلوننا في ديننا، ولم يخرجونا من ديارنا، لكن إذا كان قومه يقاتلوننا في الدين أو يخرجوننا من ديارنا فلا نتصدق عليه؛ لأننا إذا تصدقنا عليه وفرنا وجبة من الوجبات، والوجبة تكون بعشرة ريالات، العشرة هذه يوفرها لدولته ويستعين الكفار بها على المسلمين، فإذا كان من قوم لا يقاتلوننا في دين الله ولا يخرجوننا من ديارنا فلا بأس أن نتصدق عليه.

    أو إذا كان ممن يرجى إسلامه؛ يعني: بعض الكفار الذين يأتون إلى هذه البلاد تلين قلوبهم ويرجى إسلامهم، والمال مما يجب المودة، قال في الحديث: (تهادوا تحابوا) وكما جعل الله المؤلفة قلوبهم من الزكاة؛ لأن هذا يقربهم، وفعلاً هذا وقع، بعض الكفار أسلم لما رأى لين المعاملة من بعض كفلائهم وأنه يهدي إليه ويتصدق عليه أسلم، فإذا كان يرجى إسلامه بعطية أو بهديه إليه فلا بأس.

    المهر حق للزوجة

    السؤال: رجل عقد قرانه على امرأة وعند المأذون الشرعي قال المأذون: المهر قدره؟ فسكت ولي الزوجة، وتكلم أبو الزوج وقال: بقدر هكذا من الذهب وهكذا من النقود، فبعد مدة هل يجوز إذا تراضى الطرفان بأن يغيروا ما في العقد من قيمة المهر، أم هل هم ملزمون بما في العقد؟

    الجواب: المهر بين الزوج والزوجة، فإذا سميا شيئاً في العقد ثم تراضيا بعد ذلك على أكثر أو أقل فالأمر إليهم، يعني: لو قالت الزوجة: أنا لا أريد إلا نصف المهر يكفيني. فلا بأس.

    وأنا أذكر لكم قصة وقعت في بلادنا منذ زمن بعيد: تزوج رجل امرأة بصداق ريال واحد وأعطى المرأة الصداق، وكان في اليوم الذي فيه الدخول مع امرأته نائماً، فقرع عليهم الباب رجل بشدة فنزل الزوج يكلم هذا الرجل اشتد الكلام بينهما وارتفعت الأصوات، فنزلت الزوجة واستمعت إليه، وإذا هو يطالب زوجها بريال، رجعت ثم انفض المجلس بين الزوج والرجل وقالت: ماذا يريد هذا الذي كسر الباب وعلت الأصوات بينك وبينه، ماذا يريد؟ قال: هذا يطلبني ريالاً من كم شهر، أو ما أشبه ذلك، وقلت له: إن شاء الله يسهل، قالت: هذا الريال الذي أعطيتني إياه أوفه، فأخذه وأوفى به.. هل هذا جائز أو غير جائز؟ جائز؛ لأنه حق الزوجة، وإذا كان للزوجة فهي حرة.

    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767973972