أما بعد:
فهذا هو اللقاء الخامس بعد المائة من لقاء الباب المفتوح الذي يتم في كل خميس من كل أسبوع, وهذا الخميس هو الخامس والعشرون من شهر جمادى الأولى عام (1416هـ).
يقول الله عز وجل مخاطباً النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ والكوثر في اللغة العربية: هو الخير الكثير, وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطاه الله تعالى خيراً كثيراً في الدنيا والآخرة, فمن ذلك: أنه النهر العظيم الذي في الجنة والذي يصب منه ميزابان على حوضه المورود صلى الله عليه وسلم, ماؤها أشد بياضاً من اللبن, وأحلى مذاقاً من العسل, وأطيب رائحة من المسك, وهذا الحوض في عرصات القيامة يرده المؤمنون من أمة النبي صلى الله عليه وسلم, وآنيته كنجوم السماء كثرة وحسناً, فمن كان وارداً على شريعته في الدنيا كان وارداً على حوضه في الآخرة, ومن لم يكن وارداً على شريعته فإنه محروم منه في الآخرة. نسأل الله أن يوردنا وإياكم حوضه, ويسقينا منه.
ومن الخير الكثير التي أعطيها صلى الله عليه وسلم في الدنيا: ما ثبت في الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر, وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل, وأعطيت الشفاعة, وأحلت لي المغانم, وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة) هذا من الخير الكثير؛ لأن بعثه إلى الناس عامة يستلزم أن يكون أكثر الأنبياء أتباعاً وهو كذلك, فهو أكثرهم أتباعاً عليه الصلاة والسلام.
ومن المعلوم أن الدال على الخير كفاعل الخير, والذي دلَّ هذه الأمة العظيمة التي فاقت الأمم كثرة هو محمد صلى الله عليه وسلم, وعلى هذا فيكون للرسول صلى الله عليه وسلم من أجر كل واحد من أمته نصيب من الأجر, ومن يحصي الأمة إلا الله عز وجل.
ومن الخير الذي أعطيه في الآخرة المقام المحمود, ومنه الشفاعة العظمى, فإن الناس في يوم القيامة يلحقهم من الكرب والغم ما لا يطيقون, فيطلبون الشفاعة فيأتون إلى آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى حتى تصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقوم ويشفع, ويقضي الله تعالى بين العباد بشفاعته, وهذا مقام يحمده عليه الأولون والآخرون, داخل في قوله تعالى: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً [الإسراء:79].
إذاً.. الكوثر: الخير الكثير، ومنه النهر الذي في الجنة, فالنهر الذي في الجنة هو الكوثر لا شك ويسمى كوثراً لكن ليس هو فقط الذي أعطاه الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من الخير.
هُوَ الْأَبْتَرُ الأبتر اسم تفضيل, من بتر يعني قطع, أي: هو الأقطع المنقطع من كل خير, وذلك أن كفار قريش يقولون: محمد أبتر, لا خير فيه ولا بركة فيه، ولا في اتباعه, أبتر لما مات ابنه القاسم رضي الله عنه قالوا: محمد أبتر, لا يولد له, وإذا ولد له فهو مقطوع النسل, فبين الله عز وجل أن الأبتر هو مبغض الرسول عليه الصلاة والسلام, فهو الأبتر المقطوع عن كل خير, الذي ليس فيه بركة وحياته ندامة عليه, وإذا كان هذا في مبغضه فهو أيضاً في مبغض شرعه, فمن أبغض شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام، أو أبغض شعيرة من شعائر الإسلام، أو أبغض أي طاعة مما يتعبد به الناس في دين الإسلام فإنه كافر خارج عن الدين, لقول الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:9] وما حبطوا في العمل إلا بالكفر, فمن كره فرض الصلوات فهو كافر ولو زكّى, ومن كره فرض الزكاة فهو كافر ولو صلّى, لكن من استثقلها مع عدم الكراهة فهذا فيه خصلة من خصال النفاق لكنه لا يكفر, وفرق بين من استثقل الشيء ومن كره الشيء.
إذاً: هذه الآية تضمنت بياناً لنعمة الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بإعطائه الخير الكثير, ثم الأمر بالإخلاص لله عز وجل في الصلوات والنحر وكذلك في سائر العبادات, ثم بيان أن من أبغض الرسول عليه الصلاة والسلام أو أبغض شيئاً من شريعته فإنه هو الأقطع الذي لا خير فيه ولا بركة فيه.
لكن أورد على هذا القول إيراد, كيف قال: وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ مع أنهم قد يؤمنون فيعبدون الله؟ وعلى هذا فيكون في هذا القول نوع من الضعف, أجابوا عن ذلك بأن قوله: وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ يخاطب المشركين الذين علم الله تعالى أنهم لن يؤمنوا, فيكون الخطاب ليس عاماً وهذا مما يضعف القول بعض الشيء, فعندنا الآن قولان: الأول: أنها توكيد, والثاني: أنها في المستقبل.
القول الثالث: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ أي: لا أعبد الأصنام التي تعبدونها, وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ أي: لا تعبدون الله, وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ أي: في العبادة, يعني: ليست عبادتي كعبادتكم، ولا عبادتكم كعبادتي, فيكون هذا نفي للفعل لا للمفعول له, أي: ليس نفي للمعبود ولكنه نفي للعبادة, أي: لا أعبد كعبادتكم ولا تعبدون أنتم كعبادتي؛ لأن عبادتي خالصة لله, وعبادتكم عبادة الشرك.
القول الرابع: اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, أن قوله: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ هذا الفعل, فوافق القول الأول في هذه الجملة وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ أي: في القبول, بمعنى: ولن أقبل غير عبادتي, ولن أقبل عبادتكم وأنتم كذلك لن تقبلوا, فتكون الجملة الأولى عائدة على الفعل, والجملة الثانية عائدة على القبول والرضا, أي: لا أعبده ولا أرضى به, وأنتم كذلك لا تعبدون الله ولا ترضون بعبادته, وهذا القول إذا تأملته لا يرد عليه شيء من الأقوال السابقة, فيكون قولاً حسناً جيداً.
ومن هنا نأخذ: أن القرآن الكريم ليس فيه شيء مكرر إلا وفيه فائدة, لأننا لو قلنا: إن في القرآن شيئاً مكرراً بدون فائدة لكان في القرآن ما هو لغو وهو منزه عن ذلك, وعلى هذا فالتكرار في سورة الرحمن: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وفي سورة المرسلات: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ قد يقال: ليس لها فائدة, بل هو تكرار لفائدة عظيمة, وهي: أن كل آية ما بين هذه الآية المكررة فإنها تشتمل على نعم عظيمة, وآلاء جسيمة, ثم فيها من الفائدة اللفظية: تنبيه المخاطب, بحيث يكرر عليه: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:13] ويكرر عليه: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات:15].
على كل حال: هذه السورة فيها البراءة والتخلي من عبادة غير الله عز وجل, سواء في المعبود أو في نوع الفعل, وفيه الإخلاص لله عز وجل, وألا نعبد إلا الله وحده لا شريك له.
وإلى هنا ينتهي ما تيسر من الكلام على هذه السورة وسورة الكوثر.
الجواب: قراءة سورة الكهف سنة؛ لأن فيها أجراً عظيماً ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم, وأما ما يفعل في يوم الجمعة فهو:
أولاً: الاغتسال, والاغتسال للجمعة واجب, إذا تركه الإنسان بدون عذر كان آثماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) أي: على كل بالغ, وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) ولما دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه وأمير المؤمنين عمر يخطب، لامه على تأخره, فقال: (يا أمير المؤمنين! والله ما زدت على أن توضأت ثم أتيت, فقال له: والوضوء أيضاً؟ -أي: وتقتصر على الوضوء أيضاً- وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) فأنت ترى أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه عاتب عثمان بن عفان رضي الله عنه مع مقامه في الإسلام, وكما نعلم جميعاً أنه الخليفة الثالث في هذه الأمة, ومع ذلك عاتبه حين اقتصر على الوضوء, ولكنه واجب تصح الصلاة بدونه؛ لأنه ليس واجباً عن حدث كغسل الجنابة لكنه واجب يأثم الإنسان بتركه إلا لعذر, كما لو كان هناك برد شديد وليس عنده ما يسخن به الماء أو كان مريضاً يتضرر بالغسل أو ما أشبه ذلك.
ومن ذلك أيضاً: السواك, وهذا السواك ليس السواك المعتاد بل هو سواك خاص, تنظف به الأسنان أكثر ويدلكها أكثر.
ومنها: الطيب, أن يتطيب الإنسان في رأسه ولحيته وثوبه.
ومنها: التبكير إليها, أن يبكر حين تطلع الشمس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على ذلك فقال: (من اغتسل -أي: يوم الجمعة- ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة, ومن راح في الثانية فكأنما قرب بقرة, ومن راح في الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن, ومن راح في الرابعة فكأنما قرب دجاجة, ومن راح في الخامسة فكأنما قرب بيضة) فالذي ينبغي للمسلم أن يغتنم الفرصة, فهذه هي فرصة العمر, أي فائدة أن تبقى تقطع الوقت -كما يقولون- في البيت أو السوق, وتترك هذا الأجر العظيم؟ اذهب إلى المسجد يحصل لك ثواب هذا القربان: بدنة، أو بقرة، أو كبش أقرن أو دجاجة أو بيضة بعد أن تغتسل, ثم إذا ذهبت إلى المسجد سيحصل لك خير كثير, تشاغل بالصلاة أو بالقراءة, إذا مللت من الصلاة قرأت, وإذا مللت من القراءة صليت, ولا بأس أن تتحدث إلى أحد إخوانك بشيء نافع, كالمباحثة في العلم أو ما أشبه ذلك, لكن الحرمان! والشيطان -نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منه- يغلب على كثير من الناس, تجده في البيت ليس معه شغل فتراه في البيت من أجل أن يقضي الوقت من أجل يأتي وقت الصلاة، وهذا من الحرمان الكثير.
كذلك أيضاً مما يستن في يوم الجمعة قبل الصلاة: أن يلبس الإنسان أحسن ثيابه التي عنده سواء كان جديداً أم غسيلاً؛ لأن ذلك من السنة, وينبغي أن يتحرى الدعاء إذا دخل الإمام يوم الجمعة بما شاء ولا سيما في أثناء الصلاة؛ لأن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئاً وهو قائم يصلي إلا أعطاه إياه.
ومنها: أن يكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم, أكثرها, صل دائماً، الإنسان لا يمل ولا يتعب, صل دائماً: اللهم صل على محمد.. اللهم صل على محمد.. وأنت ماشٍ وأنت جالس وفي المسجد وفي البيت وفي السوق... والخير كثير, وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد أشياء كثيرة ترجع إليها إن شاء الله لتكتمل الفائدة.
الجواب: نعم, ما سمعت عني فهو صحيح, أن الإنسان لو صلّى ركعتين لوالده أو أمه أو ما أشبه ذلك فلا بأس, ولكن ليس معنى هذا: أننا نطلب من الإنسان أن يفعله, نحن نقول هذا عمل مرجوح, والأفضل أن تدعو لهما, الدعاء لهما أفضل من الصدقة لهما, وأفضل من الحج لهما, وأفضل من الأضحية لهما, وأفضل من كل عمل؛ لأن هذا هو الذي دلنا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم, ولا أظن أن أحداً يشك أن أعظم إنسان يدل على الخير هو الرسول صلى الله عليه وسلم, لا يمكن أن يحجب عنا الخير إطلاقاً, وقد قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية -أي: يعمل لنفسه عملاً يكون صدقة جارية له خلال حياته- أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له) ولا يعمل له؟ يدعو له، مع أن سياق الحديث في العمل, فلو كان العمل للميت أمراً مشروعاً لقال: أو ولد صالح يعمل له, أو يصلي أو يزكي أو ما أشبه ذلك.. لكن المشكلة أن العوام يقولون: لا, ويصرون على أن يتصدق أحدهم أو يعتمر لوالده أو يحج وما أشبه ذلك، ولو فتشت ما وجدته يدعو إلا قليلاً لوالده, وهذا لا شك أنه اختيار المرجوح على الراجح, نقول: يا أخي! اذهب واعتمر لنفسك وادع لأبيك في الطواف وفي السعي وفي الصلاة, أما أن تجعل عباداتك التي أنت ستحتاج إليها يوماً من الدهر تجعلها لهؤلاء الأموات الذين انقطع عملهم وتترك ما أرشدك إليه الرسول عليه الصلاة والسلام؟ هذا خطأ.
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي |
إلا أن الناس الآن -الحمد لله- يسرنا كثيراً أنهم بدءوا ينتبهون, كنا نعهد سابقاً أنه لا أضحية إلا لميت, حتى لو قعدت أضحي لنفسي قالوا: باسم الله عليك! أنت ميت؟ الأضحية للميت, لا يعرفون أن الأضحية للحي, لكن الآن -الحمد لله- انتبهوا وصاروا يعرفون أن الأضاحي للأحياء, والأموات يدخلون تبعاً إذا قلت: اللهم إن هذه عني وعن أهل بيتي وفيهم ميت يدخل تبعاً, أو لهم وصايا هم أوصوا بها نعم يضحى لهم بها.
الجواب: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:5] سبق لنا أنهم يفرطون في واجباتهم, سواء الفجر أو العصر كما يغلب على بعض الناس نسأل الله العافية, في صلاة الفجر لا يقومون إلا إذا جاء وقت العمل, وفي صلاة العصر حيث أنهم يأتون يتغدون ويحتاجون للنوم, لا يصلون إلا عند غروب الشمس, هؤلاء ممن ذكر الله: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ سواء ضبطوا الساعة للعمل أو لم يضبطوها, المهم أنهم يضيعون الصلاة.
الجواب: القول بإسناد كلمة: ما قول الشرع، أو ما حكم الشرع إلى شخص يخطئ ويصيب، هذا خطأ؛ لأن الشرع ليس مقيداً بشخص إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم, هو الذي لا يقر على خطأ في دين الله, أما غير الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن تقول: ما حكم الشرع وهو بشر يخطئ ويصيب, لكن قل: ما حكم الشرع في نظرك؟ أو ما رأيك في كذا؟ هذا هو الأسلم والأولى, افرض أنك قلت لهذا الرجل: ما حكم الشرع؟ فقال: حكم الشرع في كذا أنه حرام وليس بحرام, صار كذباً على الشرع, لهذا نرى: أن الأحسن في التعبير أن يقال: ما حكم الشرع في نظرك؟ أو ما ترى في كذا؟
وأما تصدير السؤال بالسلام وهو جالس مع المسئول فهذا ليس من السنة, يعني: بعض الناس الآن تجده في المجلس ثم يقول: السلام عليكم ورحمة الله، ما حكم كذا وكذا؟ هذا ليس من السنة؛ لأن الذين كانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم في مكانهم لا يسلمون, إنما يسلم الذي يقدم كما في حديث المسيء في صلاته الذي جاء وصلّى في ناحية المسجد صلاة لا يطمئن فيها, ثم جاء فسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام وقال: (ارجع فصلِ فإنك لم تصلِّ) فهذا نعم يسلم, أما إنسان جالس في الحلقة ثم إذا أراد أن يورد السؤال قال: السلام عليكم ورحمة الله، فهذا ليس من السنة, ومعلوم أننا نحن مُتبِعون بمعنى: أننا نتمشى في عباداتنا على ما شرع لنا لا نتجاوز ولا نقصر، لكني أقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
الشيخ: يعني حضوره إلى المسجد؟
السائل: نعم.
الشيخ: السنة في حق الإمام أن يبقى في بيته يتعبد النافلة القبلية كصلاة الفجر والظهر, أو يفعل ما شاء, ثم إذا جاء وقت الإقامة حضر, هكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل, لكن لو جاء من قبل فلا بأس, يعني لا يقال: هذا بدعة, قد يرى الإمام -مثلاً- من المصلحة أنه يأتي متقدماً من أجل أن يشجع الناس على التقدم, فهذا قد يكون خيراً, أما إذا لم يكن هناك مصلحة راجحة فالأفضل أن يبقى في بيته حتى يأتي وقت الإقامة ولا سيما في يوم الجمعة, وبعض الإخوة في يوم الجمعة يأتي مبكراً وهو إمام وخطيب, يقول: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حث على التقدم يوم الجمعة, فيقال: حث الرسول صلى الله عليه وسلم على التقدم يوم الجمعة لكن شرع لأمته ألا يأتي الإمام إلا إذا جاء وقت الصلاة, فكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأتي للجمعة إلا حين يأتي وقت الصلاة؛ فلا يسن تقدم الإمام يوم الجمعة بل يبقى في بيته إلى أن يحين وقت الصلاة, ويكون مثاباً على بقائه في بيته, كما يثاب المتقدم من المأمومين.
الشيخ: أما ما نقل عنا فليس بصحيح, نتغيب الوقت والوقتين, واليوم واليومين في أعمال تقتضيها الحال, ولا نخصم شيئاً, والإمام إمام, واليوم واليومان في الشهر لا يضر, لكن بعض الناس -والعياذ بالله- يأخذ الإمامة باسمه ويكلها إلى شخص آخر في كل الصلوات, فيأخذ مثلاً راتب قدره (1000) ريال, ويعطي هذا الذي يصلي (500) ريال, من الذي حل له الـ(500) الباقية؟ ولا سيما أنه من بيت المال لا يمكن أن يبذل إلا في مقابل منفعة وعمل, فما الذي أحل لك أن تأخذ (1000) ريال وتعطي هذا النائب عنك (500) ريال؟!! هذا حرام بلا شك, ويأكله آكله سحتاً, وشر من ذلك أن يرسم هذا الإنسان في المسجد مع أن أنظمة الدولة لا تجيزه لكنه يتستر, فيأخذ الوظيفة باسمه ويعطيها لهذا الذي رسمه هو, هذا يتضمن عدوان على الدولة وعلى نظامها, ويتضمن أكلاً للباطل فيما زاد عما يعطيه هذا الذي أقامه, بعض الناس مثلاً يأخذ ممن لا تجيز الدولة أن يقوموا بهذه الوظيفة ويتفق معه على أن يكون هو الذي أمام الدولة -أي: المواطن- ويكون المنفذ للعمل فعلاً هو هذا الذي لا تجيزه الدولة أن يقوم به في هذا المنصب، ولا يبالي ويأخذ الزيادة, هذا حرام أيضاً, وفيه كما قلت محذوران:
المحذور الأول: التستر الذي هو خديعة للدولة.
المحذور الثاني: أكل المال بالباطل.
حتى لو فرض أنه قال: أنا أعطي الراتب كله هذا الرجل الذي قام عني، لا يجوز, ما دامت الأنظمة لا تجيز أن يقوم في هذا المنصب؛ لأن كل واحد من أبناء المملكة العربية السعودية له بيعة في عنقه لولي الأمر فيها, تستلزم بمقتضى الآيات الكريمة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] تستلزم أن يتمشى على هذا النظام.
السائل: كيف بالنسبة للفراشة في المسجد؟
الفراشة -والله- قالوا لنا أي: الجهة المسئولة- المقصود أن ينظف المسجد, والفراشة لا يختلف فيها القصد, المقصود أن المسجد ينظف ويصان, وربما تكون صيانة الأجنبي في المسجد وفراشته له أحسن من الوطني, الوطني كسول ملول, لكن الأجانب في الغالب أنهم أنفع, وأنا قد سألت بعض المسئولين عن هذه المسألة وقالوا: نحن لا نريد إلا مسجداً مصاناً, لكن من الورع أن الإنسان لا يأخذ شيئاً زائداً عما قام به هذا الشخص أو يعطيه إياه.
أما الذي فعله لنفسه هذا شيء لا نقول: فيه شيء! ربما أنه يحب الورع.
السائل: طيب قلتم: يوزع الأوراق على مجموعة من الشباب ..
الشيخ: لا غلط، هذا من التنطع.
السائل: يعطيهم الأوراق يقول: إن أردتم ..
الشيخ: لا أبداً ولا يعطيهم الأوراق، يفعله بنفسه ولا يلزم الناس به، والناس إذا أعطوا هذه الأوراق على جهة ورع وعبادة ربما يأخذون بها، وهذا من التنطع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون) لكن الورع يختلف الناس فيه, قد يتورع إنسان ويجد في نفسه حرجاً من شيء, وغيره لا يرى هذا, ويذكر أن الإمام أحمد رحمه الله: جاءه سائل يسأل امرأة أو رجل، وأظنها امرأة فقالت له: يا أبا عبد الله إن السلطان يمر ونحن نغزل على ضوء القمر, وإنه بمروره يزداد عملنا, لأنه تكون الأنوار أقوى وأوسع, فهل لنا الحق في هذا؟ فقال: نعم, أنتم لم تجلبوا الأنوار هم الذي مروا في السوق ونفعكم الله بها. هذا معنى كلامه, هو تعجب من هذا السؤال, فلما انصرفت قال للذي حوله: من هذه المرأة؟ قالوا: هذه فلانة أخت إبراهيم بن أدهم , فقال: ادعوها, فدعوها فجاءت, فقال: ذلك لا يحل لكِ، كيف؟ قال: من بيتكم خرج الورع. أي: أنتم أهل الورع, والناس يختلفون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر