أما بعد:
فإننا في هذا اليوم الخميس الأول من شهر رجب عام (1416هـ) نلتقي مع إخواننا اللقاء المسمى: لقاء الباب المفتوح, وهذا هو اللقاء التاسع بعد المائة.
وقد أكملنا في آخر لقاء تفسير جزء عم سورة النبأ, ورأينا أن نعود فنبدأ بتفسير سور المفصل التي تبتدئ من سورة ق عند بعض العلماء أو سورة الحجرات عند آخرين.
يقول الله عز وجل: لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات:1] قيل معنى: لا تُقَدِّمُوا أي: لا تتقدموا بين يدي الله ورسوله, والمراد لا تسبقوا الله ورسوله بقول أو بفعل, وقيل المعنى: لا تقدموا شيئاً بين يدي الله ورسوله, وكلاهما يصبان في مصب واحد, والمعنى: لا تسبقوا الله ورسوله بقول ولا فعل, وقد وقع لذلك أمثلة, فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين) لأن الذي يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين كأنه تقدم بين يدي الله ورسوله, فبدأ بالصوم قبل أن يحين وقته, قال عمار بن ياسر : [من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم].
ومن ذلك -أي: من التقدم بين يدي الله ورسوله-: البدع بجميع أنواعها, فإنها تقدم بين يدي الله ورسوله, بل هي أشد التقدم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي, وإياكم ومحدثات الأمور) وأخبر: (أن كل بدعة ضلالة) وصدق عليه الصلاة والسلام, فإن حقيقة حال المبتدع أنه يستدرك على الله ورسوله ما فات مما يدعي أنه شر, كأنه يقول: إن الشريعة لم تكمل، وأنه كملها بما أتى به من البدعة, وهذا معارض تماماً لقول الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] فيقال لهذا الرجل الذي ابتدع: أهذا الذي فعلته كمال للدين؟ إن قال: نعم. فإن قوله هذا يستلزم تكذيب قول الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] وإن قال: ليس كمالاً في الدين, قلنا: إذاً هو نقص؛ لأن الله يقول: فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ [يونس:32] فالبدعة كما أنها ضلالة في نفسها فهي في الحقيقة تتضمن الطعن في دين الله, وأنه ناقص، وأن هذا المبتدع كمله بما ادعى أنه من شريعة الله عز وجل.
فالمبتدعون كلهم تقدموا بين يدي الله ورسوله ولم يبالوا بهذا النهي, حتى وإن حسن قصدهم فإن فعلهم ضلالة, قد يثاب على حسن قصده ولكنه يوزر على سوء فعله, ولهذا يجب على كل مبتدع علم أنه على بدعة أن يتوب منها, ويرجع إلى الله عز وجل, ويلتزم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده.
والبدعة أنواع كثيرة: بدع في العقيدة, وبدع في الأقوال, وبدع في الأفعال.
أما البدع في العقيدة فإنها تدور على شيئين: إما تمثيل، وإما تعطيل.
إما تمثيل: بأن يثبت لله الصفات لكن على وجه المماثلة, فإن هذا بدعة؛ لأنه لم يكن من طريق النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين فيكون بدعة, فمثلاً يثبت لله وجهاً ويجعله مماثلاً لوجه المخلوقين, أو يداً يجعلها مماثلة لأيدي المخلوقين وهلم جراً.. هؤلاء مبتدعة لا شك, وبدعتهم تكذيب لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، ولقوله تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:4] ولقوله تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً [مريم:65].
أما التعطيل: فهو على العكس من هذا, التعطيل: أن ينكر ما وصف الله به نفسه, فإن كان إنكار جحد وتكذيب فهو كفر, وإن كان إنكار تأويل فهو تحريف، وليس بكفر إذا كان اللفظ يحتمله, فإن كان لا يحتمله فلا فرق بينه وبين إنكار التكذيب, مثلاً: لو قال إنسان: إن الله سبحانه وتعالى قال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64] والمراد باليدين النعمة، نعمة الدين ونعمة الدنيا, أو نعمة الدنيا ونعمة الآخرة, فهذا تحريف؛ لأن النعمة ليست واحدة ولا ألف ولا ملايين قال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [النحل:18] فليست النعمة اثنتين لا بالجنس ولا بالنوع, فيكون هذا تحريفاً وبدعة؛ لأنه على خلاف ما تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأئمة الهدى من بعدهم, هذا بدعة في العقيدة.
البدعة في الأقوال: مثل أولئك الذين يبتدعون تسبيحات، أو تهليلات، أو تكبيرات لم ترد بها السنة, أو يبتدعون أدعية لم ترد بها السنة، وليست من الأدعية المباحة.
وأما الأفعال فكذلك أيضاً مثل: الذين يصفقون عند الذكر, أو يهزون رءوسهم عند التلاوة, أو ما أشبه ذلك من أنواع البدع, وكذلك الذين يتمسحون بالكعبة في غير الحجر الأسود والركن اليماني, وكذلك الذين يتمسحون بحجرة قبر النبي صلى الله عليه وسلم الشريفة, وكذلك الذين يتمسحون بالمنبر الذي يقال: إنه منبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي, وكذلك الذين يتمسحون بجدران مقبرة البقيع أو بغير ذلك.
المهم: أن البدع كثيرة: العقدية، والقولية، والفعلية، وكلها من التقدم بين يدي الله ورسوله, وكلها معصية لله ورسوله, فإن الله يقول: لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات:1] والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إياكم ومحدثات الأمور).
ومن البدع ما يصنع في رجب كصلاة الرغائب التي تصلى ليلة أول جمعة من شهر رجب وهي ألف ركعة يتعبدون لله بذلك وهذه بدعة لا تزيدهم من الله إلا بعداً؛ لأن كل من تقرب إلى الله بما لم يشرعه فإنه مبتدع ضال, لا يقبل الله منه تعبده لما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
ومن التقدم بين يدي الله ورسوله: أن يقول الإنسان قولاً يحكم به بين عباد الله وليس من شريعة الله, مثل أن يقول: هذا حرام.. هذا حلال.. هذا واجب.. هذا مستحب.. بدون دليل, فإن هذا من التقدم بين يدي الله ورسوله, وعلى من قال قولاً وتبين له أنه أخطأ فيه أن يرجع إلى الحق, حتى لو شاع القول بين الناس وذاع وانتشر وعمل به من عمل من الناس فالواجب عليه أن يرجع, وأن يعلن رجوعه -أيضاً- كما أعلن مخالفته التي قد يكون معذوراً فيها إذا كانت صادرة عن اجتهاد, فالواجب الرجوع إلى الحق, فإن تمادى الإنسان في مخالفة الحق فقد تقدم بين يدي الله ورسوله.
ومن الناس من: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ [البقرة:206] فتصاعد في نفسه، وعز في نفسه وأوغل في الإثم, وانتفخت أوداجه, ويقول: أمثلي يقال له: اتق الله؟! وما علم المسكين أن الله خاطب من هو أشرف منه, ومن هو أتقى عباد الله لله فأمره بالتقوى, قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ [الأحزاب:1] وفي نفس السورة قال: وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ [الأحزاب:37] ومن الذي لا يستحق أن يؤمر بتقوى الله؟ كل أحد منا يستحق أن يؤمر بتقوى الله عز وجل، والواجب أنه إذا قيل له: اتق الله أن يزداد خوفاً من الله وأن يراجع نفسه, وأن ينظر ماذا أمر به؛ لأنه لم يؤمر أن يتقي فلاناً وفلاناً، وإنما أُمر أن يتقي الله عز وجل, وإذا فسرنا التقوى بذلك أي: بما قلنا من أنها اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره تقرباً إليه ومحبة لثوابه, وترك نواهيه خوفاً من عقابه, فإن أي إنسان يترك واجباً فإنه لم يتق الله, وقد نقص من تقواه بقدر ما حصل منه من المخالفة, فترك الصلاة -مثلاً- ترتفع عنه التقوى نهائياً؛ لأن تارك الصلاة كافر, كما دل على ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة, حتى إن بعض العلماء حكى إجماع الصحابة: على أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة, ومنهم التابعي المشهور عبد الله بن شقيق رحمه الله, حيث قال: [كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة] وكذلك نقل إجماعهم إسحاق بن راهويه , ولم يصح عن أي صحابي أنه قال: إن تارك الصلاة في الجنة, أو إنه مؤمن, أو ما أشبه ذلك..
فالتقوى مخالفتها تختلف، قد تكون مخالفتها كفر، وقد تكون دون ذلك, الزاني لم يتق الله؛ لأنه زنى فخالف أمراً وعصاه, السارق لم يتق الله, شارب الخمر لم يتق الله, العاق لوالديه لم يتق الله, القاطع لرحمه لم يتق الله, والأمثلة على هذا كثيرة, إذاً فقوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ [الحجرات:1] كلمة عامة شاملة تشمل كل الشريعة.
يقول العلماء رحمهم الله: إن السمع الذي اتصف به الرب عز وجل ينقسم إلى قسمين: سمع إدراك, وسمع إجابة.
فسمع الإدراك معناه: أن الله يسمع كل صوت, خفي أو ظهر, حتى إنه عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة:1] قالت عائشة رضي الله عنها: [الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات, لقد كنت في الحجرة -أي حجرة النبي صلى الله عليه وسلم- والمرأة تجادله وهو يحاورها وإنه ليخفى عليّ بعض حديثها] والله عز وجل أخبر أنه سمع, ويسمع كلما جرى بين هذه المرأة وبين الرسول صلى الله عليه وسلم, هذا نقول له: إنه سمع إدراك.
ثم إن سمع الإدراك قد يراد به بيان الإحاطة والشمول, وقد يراد به التهديد, وقد يراد به التأييد, فهذه ثلاثة أنواع:
قد يراد به الإحاطة والشمول مثل هذه الآية.
وقد يراد به التهديد مثل قوله تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران:181] وانظر كيف قال: سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا حين وصفوا الله تعالى بالنقص قبل أن يقول: وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاء َ ) [آل عمران:181] مما يدل على أن وصف الله تعالى بالنقص أعظم من قتل الأنبياء.
الثالث: سمع يراد به التأييد ومنه قوله تبارك وتعالى لموسى وهارون: لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46] فالمراد بالسمع هنا التأييد, أي: أسمع ما تقولان وما يقال لكما.
أما سمع الإجابة فمعناه: أن الله يستجيب لمن دعاه, ومنه دعاء إبراهيم: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ [إبراهيم:39] أي: مجيب الدعاء, ومنه قول المصلي: سمع الله لمن حمده, أي: استجاب لمن حمده فأثابه, ولا أدري أنحن ندرك معنى ما نقوله في صلاتنا؟ أم أننا نقوله تعبداً ولا ندري ما المعنى, عندما تقول: الله أكبر في تكبيرة الإحرام أي: أكبر من كل شيء ولا نحيط بذلك؛ لأنه أعظم من أن تحيط به العقول, وعندما نقول: سمع الله لمن حمده, أي: استجاب الله لمن حمده, ليس المعنى أنه يسمع فقط؛ لأن الله يسمع من حمده ومن لا يحمده إذا تكلم, لكن المراد أنه يستجيب لمن حمده بالثواب, فهذا السمع يقتضي الاستجابة لمن دعاه.
أما قوله تعالى: (عَلِيم) فالمراد أنه ذو علم واسع قال الله تعالى: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً [الطلاق:12].
عندما تؤمن -أيها الأخ- بأن الله سميع وأن الله عليم, هل يمكن وأنت في عقلك الراشد أن تقول ما لا يرضيه؟! لا؛ لأنه يسمع, فلا ينبغي لك أن تسمع الله ما لا يرضاه منك, أسمعه ما يحبه ويرضاه, إذا كنت مؤمناً حقاً بأن الله سميع, لو أن أباك نهاك عن قول من الأقوال فهل تتجرأ أن تسمعه ما نهاك عنه؟ لا. فالله أعظم وأجل, فاحذر أن تسمع الله ما لا يرضاه منك, إذا آمنت بأنه بكل شيء عليم, وهذا أعم من السمع؛ لأنه يشمل القول والفعل وحديث النفس, حتى ما توسوس به نفسك يعلمه عز وجل, إذا علمت ذلك هل يمكن أن تفعل شيئاً لا يرضيه؟ لا. لأنه ليس المقصود من إخبار الله أنه عليم بكل شيء أن نعلم هذا ونعتقده، لا. المقصود هذا والمقصود شيء آخر وهو الثمرة والنتيجة التي تترتب على علمنا أنه بكل شيء عليم, إذا علمنا أنه بكل شيء عليم هل نقول ما لا يرضى؟ لا. لأنه سوف يعلمه, إذا علمنا أنه بكل شيء عليم هل نعتقد ما لا يرضى؟ لا. لأننا نعلم أنه يعلم ما في قلوبنا, قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة:235] بل قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الأنفال:24] يحول بينك وبين قلبك.
فعلى كل حال: يجب علينا -أيها الإخوة- إذا مر بنا اسم من أسماء الله أو صفة من صفات الله, أن نؤمن بهذا الاسم وهذه الصفة, وأن نقوم بما هو الثمرة من الإيمان بهذا الاسم والصفة.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الاستقامة في ديننا ودنيانا، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.
الجواب: الواجب عليها هنا أن تخبره، لا أنها رأته ميتاً, أن تخبره وتقول: هذا المرض الذي أصابك إنذار لك بأن تقوم بما يجب عليك من حقوق الله وحقوق العباد، وإذا كان عليك دين فاقضه, أو أوصِ إلى من يقضيه إذا كان لا يمكنك قضاؤه في حياتك.
الجواب: توجيهنا لهؤلاء الذين فتنوا بالصيد وأضاعوا الواجب عليهم أن يتقوا الله عز وجل, وأن يعلموا أن سعيهم في الصيد وذهابهم إليه مع إضاعة الواجب عليهم, سواء كان الواجب لله عز وجل، أو واجب للمخلوق، أنهم بذلك آثمون, وأن أي خطوة يخطونها فهي عليهم إثم, حتى يقوموا بالواجب الذي أوجب الله عليهم, سواء كان الحق لله أو حق للعباد, وليعلموا أن هذه الفتنة اختبار من الله عز وجل؛ لأنهم كلما تعلقت النفس بشيء وهو مما يكرهه الله فإنها فتنة للإنسان, فعليه أن يتقي الله وأن يرجع إلى نفسه, وأن يجعل الصيد أمراً ثانوياً، إذا كان عنده فراغ فلا بأس أن يخرج إلى الصيد ليصطاد ما أحل الله له؛ لأن هذا من جملة الرزق الذي يرزق به الإنسان, أما كونه يشغله عن واجب الدين فهذا لا يجوز.
الجواب: أما إذا كان لم يأخذ هذا المال فإنه لا يحل له أن يأخذه بل يدعه؛ لأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا [البقرة:278] أي: اتركوه, وقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بالناس يوم عرفة قال: (ربا الجاهلية موضوع -أي: مهدر- وأول رباً أضع من ربانا ربا
أما إذا كان قد أخذه فإن كان جهلاً منه ولا يدري أنه حرام فإن توبته تجب ما قبلها وهو له, لقوله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ [البقرة:275].
وأما إذا أخذه وهو يعلم أنه حرام لكنه كان ضعيفاً في الدين, قليل البصيرة, فهنا يتصدق به, إن شاء في بناء المساجد، وإن شاء في قضاء الديون عمن عجز عن قضائها, وإن شاء في أقاربه المحتاجين؛ لأن كل هذا خير.
الجواب: لا يغير نيته, إذا دخل في الصلاة ناوياً أنها الظهر, ثم ذكر أنه قد صلاها وأراد أن يحولها إلى العصر فإن ذلك لا يجوز, ولكن يكملها نفلاً, ثم يصلي العصر من جديد؛ لأنه لا يمكن إدخال نيتين في فعل واحد, مثلاً: لو كان صلّى ركعتين على أنها الظهر, ثم ذكر قال: أريد أن أجعلها العصر, كم صلّى من العصر؟ ما صلّى إلا نصف الصلاة؛ لأنه لا يحسب له إلا من النية, فالقاعدة هنا: أن من انتقل من معين إلى معين بطل الأول ولم ينعقد الثاني, أي: من انتقل من الظهر إلى العصر بطلت الظهر؛ لأنه ألغاها ولم تنعقد العصر؛ لأنه لم ينوها من جديد.
الجواب: المسافر لا يعد مسافراً إلا إذا فارق العمران, لكن ليس المراد المفارقة بالرؤية, بل المفارقة بالبدن حتى لو كان بينه وبين البلد ذراعاً واحداً, فله أن يترخص برخص السفر.
الجواب: لا بأس للإنسان أن يستعمل الفيزة؛ لأن فيها راحة, بدلاً أن يحمل الدراهم ويخشى عليها من السرقة يتوصل إلى حفظها بهذه الطريقة, وهذا لا بأس به, وليعلم أن الأصل في جميع المعاملات الحل والإباحة, إلا ما قام الدليل على التحريم, وإذا شككنا هل هي حرام أم لا.. رجعنا إلى الأصل وهو الحل.
الجواب: الدم إذا كان مما ميتته طاهرة فهو طاهر, وإذا كان مما ميتته نجسة فهو نجس, هذا الضابط, فدم الحوت طاهر؛ لأن ميتته طاهرة, ودم الإنسان طاهر؛ لأن ميتته طاهرة, إلا ما خرج من السبيلين -القبل أو الدبر- فإن الحديث دل على أنه نجس لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة يصيبها دم الحيض قال: (اغسلي عنك الدم).
الجواب: نص ذلك: أن هذه المحسنات الصوتية (الصدى) إذا كان يلزم منها تكرر حرف فهذا حرام, لأنه زيادة في كلام الله عز وجل ولا يحل, وأما إذا كان لا يلزم منها تكرر الصوت نظرنا إذا كانت تظهر الصوت وكأنه صوت مغنٍ فهذا أيضاً ممنوع, ولكن الآن لا نجزم بالتحريم؛ لأنه ما في زيادة على لفظ القرآن, هذا ما نقوله حول هذه المحسنات, ثم نقول: يا إخواني! العبرة ليس بالطرب والتلذذ عند الصوت، العبرة عند الخشوع, وكم من إنسان قرأ بدون مكبر الصوت فضلاً عن المحسنات الصوتية وكان أخشع له وللمستمعين.
الجواب: يعني إذا قال: لله عليّ نذر ألا ألبس هذا الثوب، فإنه لا يلزمه هذا النذر, يعني: له أن يلبسه ويكفر كفارة يمين, وهذا مباح إذا نذرته فأنت بالخيار إن شئت تفعله وإن شئت كفر كفارة يمين ولا تفعله, وإذا نذر في الطاعة فلابد أن يفعل الطاعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) فإن لم يطعه فليستعد لنفاق يبقى في قلبه حتى يموت لقول الله تبارك وتعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ [التوبة:75-77] فمثلاً إذا قال: إذا شفى الله مريضي لله عليّ نذر أن أصوم كل إثنين وخميس, فشفى الله مريضه, يجب عليه أن يصوم كل إثنين وخميس, فإن لم يفعل فليستعد لنفاق يبقى في قلبه حتى يموت, وكذلك لو قال: إن شفى الله مريضي لله عليّ نذر أن أتصدق بمائة ريال, فشفى الله مريضه ولم يتصدق فليستعد لهذا النفاق, والمهم أن نذر الطاعة يجب الوفاء به لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك, وإذا كان على شرط فإنه يخشى على المخالف هذا النفاق العظيم والعياذ بالله.
الجواب: كل ما يخرج من حيوان مأكول فإنه طاهر, كبعر الإبل, وثلط البقر وما أشبه ذلك, فالقاعدة: أن كل ما يخرج من حيوان مأكول فإنه طاهر إلا الدم, الدم المسفوح فهو نجس لقول الله تبارك وتعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام:145] والدليل على أنه طاهر ما عدا الدم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين أن يلحقوا بإبل الصدقة ويشربوا من أبوالها وألبانها, وأذن أن يصلى في مرابض الغنم, وهي لا تخلو من بعر وبول.
الجواب: أولاً هذا حديث ضعيف لا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام, لكن لا شك أن الإنسان من كرمه أنه إذا سئل لا يرد سائلاً ما لم يسأل محرماً, لقول الله تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24-25] وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد سائلاً عن الإسلام, فمن الأخلاق الفاضلة ألا ترد سائلاً, لكن إذا علمت أن هذا السائل يستكثر بسؤاله فانصحه, وذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر).
الجواب: عند فقهائنا رحمهم الله: أنه إذا زارها أو مر بها, أي: سواء قصد بخروجه من بيته أو من سوقه الزيارة، أم أنه مر بها لشغل آخر فإنه يسلم, فإذا سلم فلا أرى في ذلك بأساً, حتى وإن كان لم يخرج من أجل الزيارة.
الجواب: الصلاة صحيحة لكن قل: هل هي جائزة أم لا؟ بعض العلماء يقول: إذا كان المسجد قريباً بحيث يدركونه على أقدامهم ليس بالسيارات, يجب عليهم أن يصلوا في المسجد, وأما إذا كانوا لا يدركونه بأقدامهم فإنهم يصلون في مكانهم.
الجواب: إذا اغتسل بنية الوضوء ولم يتوضأ فإنه لا يجزئه عن الوضوء إلا إذا كان عن جنابة, فإن كان عن جنابة فلا بأس الغسل يكفي عن الوضوء لقول الله تبارك وتعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6] ولم يذكر وضوءاً, أما إذا كان اغتسل للتبرد أو لغسل الجمعة أو لغسل مستحب فإنه لا يجزئه؛ لأن غسله ليس عن حدث, والقاعدة إذاً: إذا كان الغسل عن حدث -أي: عن جنابة- أو امرأة عن حيض أجزأ عنه الوضوء وإلا فإنه لا يجزئ.
الجواب: حل السحر عن المسحور جائز لا إشكال فيه, لكن بالأدعية المباحة, وبالقرآن, وبالأدوية المباحة, أما نقض السحر بالسحر فهذا موضع خلاف بين العلماء:
فمنهم من أجازه للضرورة، ومنهم من منعه, ولا شك أن إجازته تؤدي إلى كثرة السحرة؛ لأن هذا الذي ينقضه لا ينقضه إلا بدراهم كثيرة, فيؤدي القول بالجواز إلى أن يتخذ السحر تجارة, ويكثر تعلمه, وأيضاً ربما يتفق الساحر والناقض فيقول الساحر: أنه يسحر, والناقض ينقض, والأجرة بينهما, هذا وارد أم لا؟ وارد, كما يقول العوام: الشرط أربعون لنا عشرون ولكم عشرون, لذلك نرى منعه مطلقاً، وإذا ابتلي الإنسان بهذا فليصبر وليحتسب وليعلم أن لكل شيء منتهى, ولكل حال تغير, وهو إذا أصيب وتألم أو تألم أهله معه فهو تكفير لسيئاتهم, ومع الاحتساب زيادة في ثوابهم ودرجاتهم, إذا كان الرجل إذا أصابته الشوكة كفر بها عنه, ومع الاحتساب يكون له أجر, فما بالك بهذه المصيبة العظيمة.
الخلاصة: إذا كان حل السحر بالقرآن والأدعية المباحة والأدوية المباحة فهذا جائز ولا إشكال فيه, وقد رقي النبي صلى الله عليه وسلم حين سحر بالمعوذتين (قل أعوذ برب الفلق) و(قل أعوذ برب الناس) فزال والحمد لله سحره, وأما إذا كان بسحر آخر فقلت لك: إن العلماء مختلفون في هذا, منهم من أجازه للضرورة القصوى, ومنهم من منعه, وقلت لك: إن إجازته تفضي إلى مفاسد.
الجواب: رأينا أن هذا خطأ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلّى على ابن البيضاء في المسجد.
الجواب: خلاف السنة, وإن اتخذ الإنسان ذلك سنة قلنا: أنت مبتدع, يعني: لو جهر في صلاة الظهر على أن هذا سنة قلنا: أنت مبتدع, وإذا كان إماماً عزلناه ما لم يتب, وإذا أسر في الجهرية واعتقد أن هذا سنة قلنا: هذه بدعة, وعزلناه ما لم يتب, لكن ليعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة السرية يسمع الصحابة الآية أحياناً, فينبغي للإمام لا للمأموم في الصلاة السرية أحياناً أن يسمع المامومين القراءة, لينبههم على أنه يقرأ, أما المأموم فلا يسن له الجهر بالقراءة مطلقاً؛ لأنه يشوش على الآخرين, ولأنه تابع وليس بمتبوع.
السائل: يا شيخ! لو تقضى صلاة الفجر بعد صلاة الشمس وصلاها فيجهر فيها.
الجواب: نعم. هذا صحيح, الصلاة المقضية كالصلاة المؤداة, يعني مثلاً: إذا قضيت صلاة الجهرية في النهار فاجهر بها, وإذا قضيت الصلاة السرية في الليل فأسرّ بها, العبرة بالمقضي, ولهذا لما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر التي ناموا عنها وهم في السفر قضاها جهراً.
والحمد لله رب العالمين, وإلى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى, متعنا الله وإياكم بالصحة والسلامة والأمن والإيمان.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر