أما بعد:
فهذا هو اللقاء التاسع عشر بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس, وهذا هو الخميس 24 من شهر شوال عام (1416هـ).
نكمل فيه ما سبق أن بدأنا به من آية الحجرات.
وقوله: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) فسرت بمعنيين:
المعنى الأول: لا يلمز بعضكم بعضاً؛ لأن كل واحد منا بمنزلة نفس الإنسان, أخوك بمنزلة نفسك، فإذا لمزته فكأنما لمزت نفسك.
المعنى الثاني: لا تلمز أخاك لأنك إذا لمزته لمزك, فلمزك إياه سبب لكونه يلمزك، وحينئذٍ تكون كأنك لمزت نفسك, وعليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من لعن والديه, فقالوا: يا رسول الله! كيف يلعن الرجل والديه؟! قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه, ويسب أمه فيسب أمه).
هذه الآية فيها: تحريم عيب المؤمنين بعضهم بعضاً, فلا يجوز لك أن تعيب أخاك بصفة خِلقِية أو صفة خُلُقية.
أما الصفة الخِلقية التي تعود إلى الخِلقة، فإن عيبك إياه في الحقيقة عيب لخالقه عز وجل.
من الذي خلق الإنسان؟ الله عز وجل.
من الذي جعله على هذه الصفة؟ الله عز وجل.
هل الإنسان يمكن أن يكمل خلقته، فيكون الطويل قصيراً أو القصير طويلاً, أو القبيح جميلاً أو الجميل قبيحاً؟ هذا لا يمكن, فأنت إذا لمزت إنساناً وعبته في خلقته؛ فقد عبت الخالق في الواقع.
ولهذا لو وجدنا جداراً مبنياً مائلاً وعبنا الجدار, هل عيبنا للجدار أم لباني الجدار؟
إذاً.. إذا عبت إنساناً في خلقته فكأنما عبت الخالق عز وجل, فالمسألة خطيرة.
أما عيبه في الخلق بأن يكون هذا الرجل سريع الغضب, شديد الانتقام, بذيء اللسان, فلا تعبه, لأنه ربما إذا عبته ابتلاك الله بنفس العيب، ولهذا جاء في الأثر: [لا تظهر الشماتة في أخيك فيعافيه الله ويبتليك] لكن إذا وجدت فيه سوء خلق فالواجب النصيحة, أن تتصل به إن كان يمكنك الاتصال به, وتبين له ما كان عليه من عيب, أو تكتب له رسالة باسمك أو باسم ناصح مثلاً.
استفدنا من هذه الآية الكريمة: تحريم السخرية, وتحريم لمز الغير, وتحريم التنابز بالألقاب, وأن من صنع ذلك فهو فاسق بعد أن كان مؤمناً, والفسق ليس وصفاً باللسان فقط فقد يترتب عليه أحكام, فمثلاً قال العلماء: الفاسق لا يصح أن يكون ولياً على بنته فيزوجها, إنسان إنما يزوجها أخوها إذا كان لها أخ يصح أن يكون ولياً, أو عمها, إن لم يكن لها أقارب أو خافوا من أبيها إن زوجوها يزوجها القاضي.
الفاسق لا تقبل شهادته؛ لأن الله قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6] يشهد عند القاضي بحق, والقاضي يقول: لا نقبل شهادتك لأنك فاسق.
الفاسق لا يجوز أن يكون إماماً بالناس في الصلاة, الفاسق الذي يظهر فسقه لا يصح أذانه, كل هذا قال به العلماء رحمهم الله, وإن كان في بعض هذه المسائل خلافاً، لكني أقول لكم: إن كلمة (فاسق) ليست بالأمر الهين, حتى يقول إنسان: هذا الأمر سهل, بدل ما يكون مؤمناً يكون فاسقاً, هذا غير صحيح, ولهذا ذمه الله فقال: بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ [الحجرات:11].
وقوله: (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ) إذا قال قائل: ما معنى: التوبة؟
نقول: التوبة الرجوع إلى الله من معصيته إلى طاعته, فإذا كان شخص لا يصلي مع الجماعة فما توبته؟ أن يصلي مع الجماعة.
إذا كان شخص قد سرق مالاً من إنسان فما توبته؟ أن يرد المال إلى صاحبه.
إذا كان الإنسان قد باع غشاً فما توبته؟ أن يترك الغش، وأن يرد ما زاد بسبب الغش على صاحبه, يعني: مثلاً لو زاد في السعر بسبب الغش؛ فعليه أن يرد ما زاد بسبب الغش على الرجل المغشوش, فإن كان لا يعرفه فليتصدق به عنه, فمثلاً هذه السلعة بدون غش تساوي عشرة ريالات وبالغش اثنا عشر ريالاً فقد زاد ريالين.
إذاً.. إذا تاب من الغش يجب عليه أن يرد الريالين إلى الرجل المغشوش, فإن لم يعرفه فإنه يتصدق بذلك عنه.
والتوبة: الرجوع إلى الله من معصيته إلى طاعته.
والتوبة لها شروط, فليس كل من قال: أنا تائب إلى الله يكون تائباً, بل لا بد من شروط:
الشرط الأول: أن يخلص لله في التوبة, فلا يحمله على التوبة أنه خاف من أبيه, أو خاف من أخيه الأكبر, أو خاف من السلطات, أو تاب لأجل يقال: فلان مستقيم, لا، يجب أن يكون مخلصاً لله, فيكون الحامل له على التوبة طلب رضا الله عز وجل والوصول إلى كرامته, والإخلاص شرط في كل عبادة.
الشرط الثاني: الندم على ما فعل, بأن يتحسر ويتكدر أنه وقع منه هذا الشيء.
الشرط الثالث: أن يقلع عن الذنب في الحال, يعني: يتركه مباشرة إذا كان في محرم تركه, وإذا كان في واجب بادر إلى فعله.
الشرط الرابع: أن يعزم على ألا يعود في المستقبل, يعني: يكون في قلبه نية عازمة جازمة ألا يعود إلى هذا الذنب في المستقبل, فإن تاب وهو يقول: ربما أنه يطرأ عليّ أن أفعل الذنب, فهذا التائب لا تصح توبته, لا بد أن يعزم على ألا يعود في المستقبل.
الشرط الخامس: أن تكون التوبة قبل سد الباب, لأنه يأتي وقت يسد فيه باب التوبة، لا تقبل من الإنسان, والباب الذي يغلق عن التائبين عام وخاص.
أما الباب العام: فهو طلوع الشمس من مغربها, نحن الآن نرى الشمس تخرج من المشرق وتغرب في المغرب, سيأتي زمن تخرج فيه الشمس من المغرب وترجع, والذي يردها هو الله عز وجل, لو اجتمعت الخلائق كلها على أن تردها لن تردها, لكن يردها الله عز وجل الذي أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن فيكون, ترجع هذه الشمس العظيمة إذا غربت ترجع من مغربها, إذا طلعت الشمس من مغربها كل من على الأرض يؤمنون كلهم: اليهودي, والنصراني, والبوذي, والشيوعي, وغيرهم.. كلهم يؤمنون؛ لأنهم يرون شيئاً واضحاً في الدلالة على الرب عز وجل, لكن هل ينفعهم الإيمان؟ لا؛ لقوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً [الأنعام:158].
فسر النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ : إنه خروج الشمس من مغربها، حينئذٍ لا تنفع التوبة, مع أن الناس كلهم يؤمنون لكن لا تنفع, لأنه انسد الباب.
أما الباب الخاص: فهو أن يحضر الإنسان أجله, فلا تنفع التوبة؛ لقول الله تبارك وتعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ [النساء:18] انسد الباب، لا ينفع.
وإني أسألكم: هل أحد منا يعلم متى يموت؟ لا، ربما يموت الإنسان وهو على مكتبه, وهو على فراشه, وهو في صلاته, في أي لحظة, وإذا كنا نعلم هذا ونوقن به، فالواجب أن نبادر بالتوبة لئلا يفاجئنا الموت فينسد الباب, ولهذا كان مما يجب على الفور أن يتوب الإنسان من ذنبه.
يا إخواني! الإنسان لا يدري متى يموت, فالواجب أن يبادر بالتوبة إلى الله عز وجل, يقول عز وجل: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ [النساء:18] هذا ما له توبة, هذا خبر من الله عز وجل.
أمر واقع يدل على هذا: لما أغرق الله فرعون وقومه، قال فرعون في أثناء الغرق: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90] تاب الآن, أليس كذلك؟ لكن متى؟!! حينما رأى الموت, فقيل له: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:91] (آلْآن) أي: الآن تتوب! لماذا لم تتب من قبل؟ فلم تقبل توبته والعياذ بالله.
إذاً.. شروط التوبة خمسة: الإخلاص لله عز وجل, الندم على ما فعل, الإقلاع عما كان عليه من الذنب في الحال, العزم على ألا يعود, أن تكون التوبة قبل سد الأبواب.
إذا قال قائل: التوبة فيما بين العبد وبين ربه واضحة, يفرح الله عز وجل بتوبة عبده فرحاً عظيماً, إذا تبت إلى ربك -وأسأل الله أن يتوب علي وعليك- فإن الله يفرح بهذا فرحاً عظيماً, فرحاً لا يتصوره الإنسان, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة أحدكم -أو قال: بتوبة عبده- من أحدكم براحلته -الراحلة هي البعير- كان عليها طعامه وشرابه فأضلها -أي: ضاعت عنه- فطلبها فلم يجدها, فنام تحت شجرة ينتظر الموت -ضعفت قواه وخارت وانتهى- فبينما هو كذلك إذا بناقته متعلق زمامها بالشجرة, فأخذ الزمام فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك -يريد أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك ولكنه- أخطأ من شدة الفرح) وهل تجدون فرحاً أعظم من هذا؟! لا؛ لأنه فرح بحياة بعد الإشراف على الموت, فلا فرح أشد من ذلك.
فالرب عز وجل يفرح بتوبة أحدنا أشد من فرح هذا الرجل بناقته, فإذا كان الذنب بينك وبين الله فالأمر سهل, والمشكل إذا كان بينك وبين الناس, إنسان سرق من شخص وتاب من السرقة, فيما بينه وبين الله انتهى لا إثم عليه ولا عقوبة ولا قطع يد ولا شيء, لكن المال المسروق هل تكفي هذه التوبة عن رد المال إلى صاحبه, أو يجب رد المال إلى صاحبه؟
لا بد من رد المال إلى صاحبه, لكن المشكلة كيف أرده؟ ربما لو ذهب إلى صاحبه وقال: إنه سرق منه هذا المال وأنه تاب, ربما يمسك به ويرفعه إلى الجهات المسئولة, ربما يقول: أنت الآن أعطيتني عشرة آلاف, والتي سرقت هي عشرون ألف ريال -ربما يقول هذا- فيبقى الإنسان في ورطة فماذا يصنع؟
نقول: يمكن أن ينظر إلى صاحب له أمين فيقول له: إنه سرق من فلان كذا وكذا.. وهذه السرقة اذهب بها إليه وقل له: إن هذه من شخص تاب الله عز وجل وقد أخذها منك من قبل, وهاهي الآن قد وصلتك. لكن لا بد أن يكون هذا الرجل الذي وكله أن يوصل الدراهم إلى صاحبها, لا بد أن يكون موثوقاً عند صاحب المال, وأميناً عنده, لأنه لو لم يكن موثوقاً لاتهمه صاحب المال وقال: أنت السارق والمسروق أكثر من كذا، لكن إذا كان يعرف أنه صديقه وأمين يصدقه ويأتمنه, فليقل: يا فلان جزاك الله خيراً القضية كذا وكذا.. فإن لم يتيسر له ذلك فيمكن أن يجعلها في ظرف ويرسلها في البريد الممتاز, ويكتب فيها كتابة لا يعرف بها خطه: بأن هذه دراهم لك من شخص أخذها منك سابقاً وقد تاب إلى الله. فقط, وتبرأ ذمته, المهم أنه لا بد من التوبة, ولهذا قال الله عز وجل: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11].
وإن لم يعرف صاحبها, مثلاً: إنسان سرق في حال صغره سرقة من شخص لا يدري من هو, أو بعد تكليفه سرق من مال لا يدري من هو له, فبماذا تتحقق التوبة؟
أن يتصدق بهذا المال تخلصاً منه, لا ينويه لنفسه بل لصاحبه, وبذلك يبرئ.
نسأل الله أن يرزقنا التوبة قبل غلق الأبواب، وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
الجواب: أسأل الله أن يخلف عليك وأن يعظم أجرك وأجر والدتها, وعليك أن تصوم شهرين متتابعين إلا أن تجد رقبة تعتقها فإن هذا يكفي, فأنت إذا كان عندك دراهم تتمكن من إعتاق العبد فهذا الواجب، فإن لم يكن عندك؛ فعليك أن تصوم شهرين متتابعين.
لكن كن حذراً, إذا كان عندك صبيان, فالذي راح راح قضاء وقدراً, لكن في المستقبل إذا كان عندك صبيان فتحرى تحرياً شديداً.
السائل: ولكن لا بد من الصيام؟
الشيخ: من الذي قتلها؟
السائل: رب العالمين.
الشيخ: لا، رب العالمين يقتل كل أحد, يحي ويميت كل أحد, ولكن: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ [الأنفال:17] لكن قصدي إنها لو كانت عند سقوطها ماتت قلنا: ما عليك شيء, لأن هذا حصل بفعلها ولا عليك شيء, لكن أنت دهستها.
السائل: لا, لم أدهسها ولكن وقع دقة في الصدام أو ما أدري كيف؟
الشيخ: ما تأكدت أنك دهستها؟
السائل: لا, ما لقينا فيها ضرر, لقينا فيها دقة في فمها وسقطت.
الشيخ: انظر إذا كان هذا من فعلها فليس عليك شيء.
السائل: تقصد أني دعستها بالكفرات؟
الشيخ: نعم.
السائل: لا ما دعستها.
الشيخ: أو مثلاً عندما رجعت بالسيارة للخلف ضربتها؟
السائل: لا ما أدري، لأننا لم نجد فيها شيئاً من الإصابات سوى الذي في فمها.
الشيخ: أجل هذه ما عليك شيء، لكن مع ذلك أنا أوصيك بالاحتراز, انتبه للمستقبل, إذا كان عندك أولاد أو أولاد غيرك لا تحرك السيارة للخلف حتى تجعل شخصاً يستظهر لك ما وراءك.
عموماً ما دام أنك في شك في هذا الأمر فما عليك شيء.
الجواب: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبيه وشاهديه) هذه المسألة -بارك الله فيك- إن خصم البنك دراهم فهي حرام وربا ولا شك في ذلك, ولا خلاف في هذا, وإن أعطاك سيارات أو أراضي أو شيء غير الدراهم, فهذه إن احتجت فلا بأس، فمثلاً يكون عندك غرماء يقول: أعطنا حقنا، فلا بأس خذ السيارات بما تتفق أنت وهو عليها ثم بعها على غيره, وإن كنت لا تحتاج فلا تأخذ، تبقى الشهادة حتى يأتي وقتها إن شاء الله.
الجواب: لا, الجماعة أفضل بلا شك, لكن إن كان هناك إنسان في فلاة لا يعلم به إلا الله, فكونه إذا دخل الوقت قام وصلى بحيث لا يطلع عليه إلا ربه فهذا دليل على الإخلاص, فتكون صلاة هذا الذي في الفلاة بخمسين صلاة مما لو صلاها منفرداً أمام الناس، وذلك لكمال إخلاصه.
الجواب: الآن لو أنك قمت تصفق وتصفر ماذا سنقول: هذا مجنون أم عاقل؟!! فما هو سبب التصفيق والتصفير؟
أما إذا كان التصفيق للإنسان الذي تميز عن غيره في النجاح، أو أجاب جواباً صواباً، أو ما أشبه ذلك، فأنا لا أرى فيه بأساً, أما التصفير فأكرهه كراهة ذاتية، ولا أستطيع أن أقول: إنه مكروه كراهة شرعاً, لأنه ليس عندي دليل, وأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال وتصفق النساء) فهذا في الصلاة, وأما قوله تعالى: وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً [الأنفال:35] والمكاء: التصفير, والتصدية: التصفيق, فهؤلاء كانوا عند المسجد الحرام يتعبدون الله بذلك, بدل أن يركع ويسجد يصفق ويصفر.
أما إنسان رأى شخصاً تفوق عن غيره وأراد أن يشجعه وصفق فلا أرى في هذا بأساً, أما التصفير فأنا أكرهه كراهة ذاتية, وليس عندي دليل, ولو أن شخصاً طلب مني دليلاً، فلا أستطيع أن أقول: عندي دليل.
الشيخ: إذاً.. أنت مسافر, ولهذا نجدك حين تنتهي من الدراسة في أيام الإجازة ترجع إلى أهلك, فأنت -فيما نرى- مسافر, لكن يلزمك أن تحضر إلى الجماعة في المساجد, إذا سمعت النداء فأجب.
الجواب: الذي نراه -بارك الله فيك- أنه لا فرق بين الإزار والقميص والسروايل والعباءات, لكننا نرى أنها إذا نزّلت عن منتصف الساق أن الإنسان لا يكون مخالفاً للسنة, من منتصف الساق إلى الكعب كلها سنة, وهذا هو الثابت عن الصحابة رضي الله عنهم, لما حدث الرسول عليه الصلاة والسلام أن: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه. قال
فعلى كل حال التشديد في هذا الأمر لا ينبغي, فيقال للإنسان: السنة من منتصف الساق إلى الكعب, لكن لا ينـزله إلى تحت الكعب.
الجواب: لا أعرف هذا الحديث.
الجواب: الظاهر أن الآية عامة, وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا [العنكبوت:69] هي كقوله: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ [الحج:78] المعنى: أنه يجاهد نفسه على الأعمال التي أمر الله بها, حتى وإن لم يكن طالب علم, مثلاً: لو جاهد نفسه على فعل العبادات فهو داخل في الآية.
الجواب: إذا اتخذ الإنسان مصلىً في مزرعته يصلي فيه هو ومن حوله, ولكنه ما اعتبره مسجداً إنما هو مصلى يجتمعون فيه, ثم بني حوله مسجد رسمي, فإنهم ينضمون إلى المسجد الذي بني ويكون هذا تبعاً للمزرعة.
أما إذا كان هؤلاء قد جعلوه مسجداً بمعنى: أنهم فتحوا أبوابه للناس كل من جاء صلّى وتقام فيه الصلوات الخمس, فهذا عليه أن ينقل المسجد من هذا المكان إلى المكان الجديد, كما أنه يباع وتجعل قيمته في مسجد آخر، ولا يستفيد منه، لأن الإنسان إذا أوقف مسجداً فلا يجوز له أن يرجع فيه.
الجواب: إذا كان عند الإنسان بيت أو استراحة أو خيمة وجاء إنسان يستأجرها منه وهو يعرف أنه سيضع فيها هذا الدش الذي دمر العقائد والأخلاق والعادات, فلا يجوز أن يؤجره, أما إذا استأجره على أنه يريد السكنى, والمؤجر لا يعلم، ثم بعد أن سكن وضع فيه الدش فالإجارة صحيحة، لكن إذا تم العقد -أي: إذا تمت المدة- يقول له: إما أن تخرج الدش، أو تخرج أنت.
وبالنسبة للمال فإن حرمت الإجارة فالمال حرام.
الجواب: أما الراتبة فهي ركعتان فقط لا تزيد, أما ما سوى الراتبة فصل ما شئت, لو صليت ست ركعات أو عشر ركعات أو عشرين ركعة, وكلما زدت فهو خير, الراتبة اثنتان فقط، وما عداها لا تجعلها دائماً لكن اجعلها نفلاً مطلقاً متى ما شئت ورأيت نفسك قادراً ونشيطاً فصل.
الجواب: هذا ليس بصحيح, لكن لا يجوز للإنسان أن يصدق المنجمين.
الجواب: استعمال الإشارة فيما يتعلق بصفات الله, إن كان من حوله عوام فإنه لا يجوز له ذلك؛ لأنهم سوف ينتقلون من التعظيم القلبي إلى التمثيل, إذ أن العامي لا يفرق بين هذا وهذا, أما إذا كان لطلبة العلم فما ورد به النص فلا بأس به, كحديث أبي هريرة وكقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً [النساء:58] وما لم يرد به النص فلا يجوز, لأن ما لم يرد به النص لا نعلم كيفيته, فلا يجوز أن نتكلم فيه.
مثل أن يقول: القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن ويشير بين أصابعه، فإن هذا حرام, وذلك لأنه لا يدري كيفية كونها بين إصبعين من أصابع الرحمن, ثم لا يدري أي الإصبعين تكون, فلا يحل أبداً سواء عند العوام أو طلبة العلم, بل يقول: بين إصبعين كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام.
الجواب: لا بأس أن يقول: اعتمدت عليك بعد الله, ويجب أن تعلم أن قول القائل: لولا الله ثم الطبيب, يجب ألا يعتقد أن الطبيب مساوٍ لله عز وجل, لأن كثيراً من العامة يقول: لولا الله ثم فلان، ولا يفرق بين هذا وبين قوله: لولا الله وفلان، فيجب أن ننتزع من الناس تعظيم الأسباب, وأن نبين لهم أن الواجب أن يتوكلوا على الله وحده, وأن يعتقدوا أن هذا سبب قد ينفع وقد لا ينفع.
أضرب لكم مثلاً: النار بطبيعتها محرقة, وقد أراد أعداء إبراهيم عليه الصلاة والسلام من إلقائهم إياه فيها, أرادوا من ذلك أن يحترق, فهل أحرقته؟ لا, مع أنها سبب محرق لا شك, لكن أي سبب لا يكون إلا بإذن الله عز وجل.
النبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأن (الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا الموت) ومع ذلك نجد كثيراً من الناس يستعملها ويموت, لأن الأسباب لا تنفع إلا إذا أراد الله عز وجل نفعه.
فلذلك يجب أن نبين للعوام أنهم حتى لو قالوا: لولا الله ثم الطبيب, فإنه يخشى أن يجعلوا الطبيب الذي هو سبب مثل الرب عز وجل الذي هو خالق السبب سبحانه وتعالى, وأن نوجه الناس إلى أن يعتمدوا على الله سبحانه وتعالى, وأن يعلموا أن هذه الأسباب مجرد أسباب جعلها الله عز وجل, فالفضل كله لله سبحانه وتعالى، والأمر كله لله، لكن مع الأسف أن الناس الآن أكثرهم يعتمدون على الأطباء وعلى الأدوية وعلى المستشفيات وينسون الخالق سبحانه وتعالى, وهذه محنة نسأل الله أن يخلصنا وإياكم منها.
أما التفويض المطلق فهذا لا يجوز إلا لله عز وجل, لكن إن كان في شيء معين فلا بأس, الإنسان -مثلاً- إذا وكل شخصاً يشتري له أو يبيع له فقد اعتمد عليه.
الجواب: إذا أعطي لإنسان مال ليحج به فلا بأس, لا سيما إذا قصد الإنسان بهذا خيراً, كيف يقصد الخير؟
أولاً: قضاء لازم أخيه, لأن كثيراً من الناس يتمنى بكل قلبه أن يجد من يحج عنه وعن ميته -مثلاً-.
ثانياً: أن ينوي بذلك المال الوصول إلى المشاعر المقدسة لعله يصاب برحمة الله عز وجل في ذلك المكان.
ثالثاً: إذا كان طالب علم ينوي بذلك أنه يذهب إلى تلك المشاعر ليهدي الله على يده من شاء من عباده.
وفي هذه النيات الثلاث كلها نيات طيبة لا تضر, أما من حج من أجل المال فهذا هو الخاسر, ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من أخذ المال ليحج به فلا حرج, ومن حج ليأخذ المال فما له في الآخرة من خلاق. أي: ما له نصيب من الآخرة.
فالذي ينبغي إذا أخذ حجاً عن الغير أن ينوي ما ذكرت له, وإذا كان لا يريد إلا المبلغ، فلا يذهب فهو خاسر.
الجواب: لا بأس, لأن هذا حاج على كل حال.
الجواب: هذا فيه شيء من الضعف, لكننا لا نرى أن يَدَعَه, لأنه دعاء إن صح الحديث فهذا المطلوب, وإن لم يصح فهو دعاء وثناء على الله.
الجواب: نعم يجوز, بإذن الله مثل بمشيئة الله, لكن بعون الله الظاهر أيضاً أن هذا تفويض لله عز وجل, وإن كانت دون قول القائل: بمشيئة الله أو إن شاء الله, فالأولى أن الإنسان يستثني بقوله: إن شاء الله أو بمشيئة الله, أما بعون الله فقد تعطي تفويض الأمر إلى الله, وقد تعطي أن الإنسان جازم لكن يسأل الله العون, ولهذا نقول: إن الاستثناء بها ضعيف, وأن الإنسان لو حنث في يمينه بمثل هذه العبارة فالاحتياط أن يكفر عن يمينه.
الجواب: لا بأس أن تشترى بخمسين وتبيعها بخمس وخمسين, وكذلك صرف تسعة بعشرة ما فيها بأس.
الجواب: أنا لا أعرف عن حال هذا البنك شيئاً, ولا أدري عنه, لكني أشير على كل إنسان يكون عنده شك في أي بنك أو في أي شركة أو في أي مؤسسة أن يتجنبها, لأن المسألة خطيرة, إذ أن هذا المال الذي تدخله إذا كسبت منه سوف تأكل وتشرب وتتغذى, فإذا أكلت وشربت وتغذيت بهذا المال وهو محرم كان ذلك من أسباب منع إجابة الدعاء, كما في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر: (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب.. ومطعمه حرام, وملبسه حرام, وغذي بالحرام, فأنى يستجاب لذلك) لكن إذا دعت الحاجة لوضعه في البنك لأنك تخشى أن يصرف مثلاً فلا بأس, ضعه للحاجة إلى ذلك وإذا أتاك شيء من مكسبه وهو لم يتظاهر بأنه يرابي فحسابه على الله عز وجل.
الجواب: إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس -أي: ترتفع وتبيض- ولم يكن يجلس إلى أصحابه من أجل أن يقيموا الذكر والتهليل والتكبير أو ما أشبه ذلك, نعم يجلس الصحابة أحياناً يتذاكرون الإيمان، ولهذا كان يقول بعضهم لبعض: [اجلس بنا نؤمن ساعة] هذا لا بأس به.
أما أن يجلسوا على تكبير أو تسبيح أو تهليل فهذا ليس من السنة, لا سيما إذا صاحبها ما يفعله بعض الناس من هز الرأس والتصفيق أحياناً يقول: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر، ويصفق، كل هذه من البدع, وهذه دخلت علينا من طرق الصوفية ، ولكن الميزان ما أشرت إليه في مقدمة الجواب, وهو أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, ولم يكن من هديه مثل هذا الاجتماع.
الجواب: نعم لا بأس, مثلاً: لو أن الجهة المسئولة أحالت الموظفين عندها أو الطلاب إلى البنك فلا بأس, لكن لا يقل للبنك: أعطني مائة بدل مائة وعشرين معجلاً كما ذكر الأخ في مسألة الصوامع, بل يأخذ نصيبه كاملاً, ولا حرج عليه في هذا.
وإني أقول لكم: إن معاملة البنوك بما ليس محرماً لا بأس به, مثلاً: لو كان هناك معرض للبنك يبيع فيه السيارات أو المعدات الأخرى أو الأواني أو الفرش واشتريت منهم فلا حرج, لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من اليهود وهم يأكلون السحت ويأخذون الربا, بل مات عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي, فهذه القاعدة اعرفها: معاملة البنك أو من يتعامل بالربا من غير البنوك على وجه مباح لا بأس بها.
الجواب: لم أتصور هذه المسألة, لكن على كل حال إذا قال: أعطني دراهم وهذا سند عليّ ثم بعد مدة أعطاك دراهم سواء محددة أو غير محددة فلا نثق بالبنوك, ربما يحدد الفائدة أو بما يسمونه بالفائدة ونحن لا نراها فائدة نحن نراها أنها خسارة, لكنهم يحددون مثلاً يقولون: أعطني مائة ألف وأعطيك مائة وعشرة آلاف بعد سنة, أو يقول: أعطني مائة ألف وأعطيك زيادة غير محددة. لا ندري هل هذا صحيح أنه باع وتاجر بهذه الدراهم حتى ربحت وأنها سنة تربح وسنة لا تربح, أو أنه أودعها في صندوق وصار يرابي ويلعب بها على الناس مرة يقول: يعطيهم (5%) ومرة (10%) ومرة يقول: لا أعطيكم شيئاً لأنه ما ربح المال, لا ندري, فهذه تعتمد على ثقتنا بالبنك وتصرفه.
الجواب: يعيد الصلاة التي صلاها مع الإمام أربعاً؛ لأن من دخل مع إمام متم لزمه الإتمام, سواء أدرك الصلاة من أولها أو أدرك الركعتين الأخيرتين, أما صلاة العصر إذا كان صلاها مع غير الإمام ركعتين فلا يعيدها؛ لأنها وقعت صحيحة، والترتيب شرط فيما لو علم الإنسان بأنه قد فاته شيء ولم يصله قبل الحاضرة, أما الآن فقد صلّى العصر بناءًَ على أن صلاة الظهر صحيحة فهو صلاها في وقتها.
الجواب: إذا تاب الإنسان قَبْلَ أن يغرغر قَبِلَ الله توبته, هكذا جاء في النصوص, وأما أن هذا قول المرجئة ، فـالمرجئة عندما يقولون: إن العاصي الذي أسلم من قبل وكان يعصي الله عز وجل بغير كفر مؤمن كامل الإيمان, ولا تضره هذه المعصية, لكن هذا الرجل ما عمل معصية إطلاقاً بل شهد أن لا إله إلا الله ثم توفي, فيكون هذا هو منتهى كمال إيمانه, ولهذا جاء في الحديث: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) ولا يخفى علينا قصة الأصيرم رجل من بني عبد الأشهل كان منابذاً للنبي عليه الصلاة والسلام, كارهاً لدعوته, فلما سمع بغزوة أحد ألقى الله في قلبه الإسلام وخرج, فلما خرج وحصل ما حصل للمسلمين, وذهب الناس يتفقدون موتاهم فوجدوا هذا الرجل في آخر رمق، فقالوا: ما الذي جاء بك؟ ألست ضد هذا الأمر؟ هل جئت حدباً على قومك، أم رغبة في الإسلام؟ قال: بل رغبة في الإسلام, وأوصاهم أن يبلغوا السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام -فيما يحضرني الآن- أنه من أهل الجنة, فالأعمال بالخواتيم, أحسن الله لنا ولكم الخاتمة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر