إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [125]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذا اللقاء تكلم الشيخ فيه عن تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ..)[الحجرات:13] فبين سبب قوله تعالى في بداية هذه الآية (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) والأقوال الواردة في تفسير قوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) ومعنى شعوباً وقبائل والفرق بينهما، وغيرها من المواضيع، ثم أجاب عن الأسئلة.

    1.   

    تفسير آيات من سورة الحجرات

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،وأسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا هو اللقاء الخامس والعشرون بعد المائة من اللقاء المسمى بـ(لقاء الباب المفتوح) الذي يتم في كل خميس من كل أسبوع.

    وهذا الخميس هو الثالث عشر من شهر محرم عام (1417هـ) نتكلم فيه على آيات من سورة الحجرات.

    تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً ..)

    قال تعالى:

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات:13].

    الخطاب هنا مُصَدَّر بنداء الناس عموماً: يَا أَيُّهَا النَّاسُ :-

    مع أن أول السورة وُجِّهَ الخطاب فيه للذين آمنوا، وسبب ذلك: أن هذا الخطاب في الآية التي نحن بصدد الكلام عليها مُوَجَّهٌ لكل إنسان؛ لأنه يقع التفاخر بالأنساب والأحساب من كل إنسان، فيقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ والخطاب للمؤمن والكافر، والبَر والفاجر.

    إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا :-

    مِنْ ذَكَرٍ : هو آدم وَأُنْثَى : هي حواء، هذا هو المشهور عند علماء التفسير، وذهب بعضهم إلى أن المراد بالذكر والأنثى هنا الجنس يعني: أن بني آدم خلقوا من هذا الجنس؛ من ذكر وأنثى.

    وفي الآية دليل على أن الإنسان يتكوَّن من أبيه وأمه، أي: يُخْلَق من الأم والأب، ولا يعارض هذا قول الله تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق:5-7] وذلك لأنا إن قلنا: إن المراد بالصُّلب: صلب الرجل، والترائب: ترائب المرأة، فلا إشكال، وإن قلنا بالقول الراجح: إن الصلب والترائب وصفان للرجل؛ لأن الماء الدافق هو: ماء الرجل، أما المرأة فلا يكون ماؤها دافقاً، وعلى هذا فيكون الإنسان مخلوقاً من ماء الرجل، لكن ماء الرجل وحده لا يكفي، لا بد أن يتصل بالبويضة التي يفرزها رحم المرأة فيزدوج هذا بهذا ويكون الإنسان مخلوقاً من الأمرين جميعاً، أي: من أبيه وأمه.

    خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى إذاً: ذكر وأنثى يحتمل أن يكون المراد بهما شخصين معينين، وهما: آدم وحواء، أو أن المراد الجنس. أي: الذكر من بني آدم والأنثى من بني آدم، وعلى هذا التقدير -أي: على التفسير الثاني- يُشْكِل أن الله تعالى ذكر في آيات أخرى أن الإنسان خُلِق من ماء دافق وهو ماء الرجل!

    والجواب عنه: أن يقال: إن هذا الماء الدافق لا يمكن أن يتكون منه جنين لوحده، بل لا بد أن يتصل بالبويضة التي يفرزها رحم المرأة، وحينئذ يكون مخلوقاً من ذكر وأنثى.

    تفسير قوله تعالى: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)

    قال تعالى: وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً [الحجرات:13]: أي: صيرناكم شعوباً وقبائل، فالله جعل بني آدم شعوباً وهم أصول القبائل.

    وَقَبَائِلَ وهم ما دون الشعوب، فمثلاً: بنو تميم يُعْتَبرون شعباً، وأفخاذ بني تميم المتفرعون من الأصل يسمَّون قبائل، وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ .

    ما هي الحكمة؟

    هل الحكمة من هذا الجَعْل أن يتفاخر الناس بعضهم على بعض فيقول هذا الرجل: أنا من قريش، وهذا يقول: أنا من تميم، وهذا يقول: أنا من كذا، أنا من كذا؟

    لا ليس هذا المراد، المراد التعارف أن يعرف الناس بعضهم بعضاً إذ لولا هذا الذي صيره الله عز وجل ما عُرِف الإنسان من أي قبيلة هو، ولهذا كان من كبائر الذنوب أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه؛ لأنه إذا انتسب إلى غير أبيه غَيَّر هذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهو أنهم شعوب وقبائل من أجل التعارف، فيقال: هذا فلان بن فلان بن فلان إلى آخر الجد الذي كان أباً للقبيلة.

    لِتَعَارَفُوا أي: لا لتفاخروا بالأحساب والأنساب.

    تفسير قوله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)

    قوله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]:-

    ليس الكرم بأن يكون الإنسان من القبيلة الفلانية أو من الشعب الفلاني، الكرم هو: التقوى، وليس الكرم الذي هو كرم حقيقة إلا الكرم عند الله عز وجل، كرم الإنسان عند بني جنسه كَرَمٌ لا شك، ويُحْمَد عليه الإنسان إذا ابتغى به وجه الله؛ لكن الكرم الحقيقي النافع هو الكرم عند الله، وبأي شيء يكون؟ بالتقوى، كلما كان الإنسان أتقى لله كان عند الله أكرم، فإذا أحببتَ أن تكون كريماً عند الله عز وجل فعليك بتقوى الله عز وجل فكلها خير، كلها بركة، كلها سعادة في الدنيا والآخرة، أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63].

    وما أكثر ما تَرِدُ على أسماعنا كلمة التقوى، فما هي التقوى؟ هل هي لفظ يجري على الألسن ويمر بالآذان؟

    لا، يجب أن يكون لفظاً عظيماً موقراً معظماً محترماً.

    التقوى: أن تقوم بطاعة الله عز وجل، هذه هي التقوى، ابحث هل أنت قائم بطاعة الله؟! فأنت مُتَّقٍ، هل أنت مخالف؟! فأنت غير مُتَّقٍ، ويفوت الإنسان من التقوى بقدر ما خالف فيه أمر الله ورسوله.

    التقوى إذاً: طاعة الله بفعل الأوامر واجتناب النواهي، فإذا رأينا إنساناً يتقدم إلى المسجد ويصلي مع الجماعة، ويخشع في صلاته ويؤديها بكل فضيلة، وآخر بالعكس يصلي في بيته وصلاةً يقتصر فيها على الواجب، أيهما أتقى لله؟

    الأول أتقى. إذاً: فهو أقرب عند الله، حتى لو كان مولىً من الموالي أو مولى الموالي، والآخر من أرفع الناس نسباً فإن الأتقى لله هو الأكرم عند الله عز وجل، كل إنسان يحب أن يُحْظَى عند السلطان في الدنيا وأن يكون أقرب الناس إليه، فكيف لا نحب أن نكون أقرب الناس إلى الله عز وجل وأكرمهم عنده؟!

    المسألة هوىً وشيطان وإلا لكان الأمر واضحاً.

    عليك بتقوى الله عز وجل لتنال الكرم عند الله.

    نستغفر الله ونتوب إليه.

    تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)

    قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13]:-

    عَلِيمٌ بكل شيء؛ لأنه هنا مطلق، ولم يُقَيَّد بحال من الأحوال.

    خَبِيرٌ والخبرة هي: العلم ببواطن الأمور، العلم بالظواهر لا شك أنها صفة مدح وكمال؛ لكن العلم بالبواطن أبلغ، فيكون عليم بالظواهر، خبير بالبواطن، فإذا اجتمع العلم والخبرة صار هذا أبلغ في الإحاطة.

    وقد يقال: إن الخبرة لها معنى زائد على العلم؛ لأن الخبير عند الناس هو العليم بالشيء الحاذق فيه، بخلاف الإنسان الذي عنده علم فقط؛ ولكن ليس عنده حذق فإنه لا يسمى خبيراً، فعلى هذا يكون الخبير متضمناً لمعنىً زائدٍ على العلم.

    تفسير قوله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا)

    ثم قال الله تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا [الحجرات:14] .

    الأعراب: اسم جمع لأعرابي، والأعرابي هو ساكن البادية كالبدوي تماماً، الأعراب افتخروا فقالوا: آمنا، افتخروا بإيمانهم.

    فقال الله عز وجل: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14]:-

    قيل: إن هؤلاء من المنافقين؛ لقول الله تعالى: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ [التوبة:101]، والمنافق مسلم؛ ولكنه ليس بمؤمن، مسلم، لأنه مستسلم ظاهراً إذْ أن حال المنافق أنه كالمسلمين ولهذا لم يقتلهم النبي عليه الصلاة والسلام مع علمه بنفاقهم؛ لأنهم مسلمون ظاهراً لا يخالفون، وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا [البقرة:14].

    وقيل: إنهم أعراب وأيضاً منافقون؛ لكنهم ضعفاء الإيمان، يمشون مع الناس في ظواهر الشرع؛ لكن قلوبهم ضعيفة، وإيمانهم ضعيف.

    فعلى القول الأول يكون قوله: وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14] أنه لم يدخل أصلاً، هذا على القول بأنهم منافقون.

    وعلى الثاني: أي: لَمَّا يدخل الإيمان الدخول الكامل المطلق، عندهم إيمان؛ لكن لم يصل الإيمان إلى قلوبهم على وجه الكمال.

    والقاعدة عندنا في التفسير: أن الآية إذا احتملت معنيين فإنها تُحْمَل عليهما جميعاً ما لم يتنافيا، فإن تنافيا طُلِب المرجَّح.

    قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ .

    وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ يعني طاعتهم في الظاهر يحمل عليها الإيمان في الباطن.

    لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً

    لا يَلِتْكُمْ أي: لا ينقصكم من أعمالكم شيئاً؛ لأن الله تعالى لا يظلم أحداً.

    فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7-8] أي شيء فإنه موفىً للإنسان، لكن سبحان الله رحمة الله سبقت غضبه، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ [الزلزلة:7] ويثاب عليه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:8] وهل يعاقب؟ قد يعاقب وقد يعفو الله عنه.

    فالسيئات يمكن أن تمحى والحسنات لا يمكن أن تنقص، ولهذا قال: لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً بعدها: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وسبق معنا هذين الاسمين الكريمين.

    ونقتصر على هذا القدر ويأتي إن شاء الله ما يستفاد من هذه الآية؛ لأنه قد حان وقت الأسئلة.

    1.   

    الأسئلة

    حكم اصطحاب الأطفال إلى المساجد

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم إحضار الصبيان الذين هم دون التمييز ممن يُلَبَّسُّون الحفائظ التي ربما يكون أو غالب ما يكون فيها النجاسة؟ وإذا حضروا هل يُطْرَدون أم لا؟

    الجواب: إحضار الصبيان للمساجد لا بأس به ما لم يكن منهم أذية، فإن كان منهم أذية فإنهم يُمنعون؛ ولكن كيفية منعهم أن نتصل بأولياء أمورهم ونقول: أطفالكم يشوِّشون علينا، يؤذوننا وما أشبه ذلك، ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يدخل في صلاته يريد أن يطيل فيها، فيسمع بكاء الصبي فيتجوَّز في صلاته مخافة أن تفتتن الأم، وهذا يدل على أن الصبيان موجودون في المساجد؛ لكن كما قلنا: إذا حصل منهم أذية فإنهم يُمنعون عن طريق أولياء أمورهم؛ لئلا يحصل فتنة؛ لأنك لو طردت صبياً له سبع سنوات يؤذي في المسجد، وضربته سيقوم عليك أبوه؛ لأن الناس الآن غالبهم ليس عندهم عدل ولا إنصاف، ويتكلم معك وربما يحصل عداوة وبغضاء. فعلاج المسألة هو: أن نمنعهم عن طريق آبائهم حتى لا يحصل في ذلك فتنة.

    أما مسألة إحضاره فليس الأفضل إحضاره؛ لكن قد تُضْطَر الأم إلى إحضاره؛ لأنه ليس في البيت أحد وهي تحب أن تحضر الدرس، وتحب أن تحضر قيام رمضان وما أشبه ذلك.

    على كل حال: إذا كان في إحضاره أذية أو كان أبوه -مثلاً- يتشوش في صلاته بناء على محافظته على الولد فلا يأتي به، ثم إذا كان صغيراً عليه الحفائظ فلن يستفيد من الحضور، أما من كان عمره سبع سنوات فأكثر ممن أُمِرْنا أن نأمرهم بالصلاة، فهم يستفيدون من حضور المساجد؛ لكن لا تستطيع أن تحكم على كل أحد، قد تكون أم الولد ليست موجودة ميتة، أو ذهبت إلى شغل لابد منه، وليس في البيت أحد فهو الآن بين أمرين: إما أن يترك صلاة الجماعة ويقعد مع صبيه، وإما أن يأتي به، فيُرَجِّح، يَنْظُر الأرجح.

    شروط الالتحاق بالدراسة بمركز الشيخ ابن عثيمين

    السؤال: أحسن الله إليكم، شاب يريد أن يطلب العلم عندما يحفظ كتاب الله وشيئاً من المتون، يرغب منكم النصيحة في منهج الطلب؛ مع رغبته في حضور الدروس عندكم خاصة في العطلة الصيفية؟

    الجواب: نحن نرحب بكل إنسان يأتي إلى بيت العلم لا نمنع أحداً؛ لكن أهم شيء عندي هو:

    إن كان من غير السعوديين، فلا بد من إحضار ما يثبت إقامته، وأنه على جهة رسمية؛ لأنه حصل أن بعض الناس ليس عندهم إقامة، وصار في ذلك إشكال وأخذ ورد مع المسئولين.

    والشيء الثاني: أن يكون هناك تزكية من بعض الناس المعروفين عندنا، من أجل أن يطمئن الإنسان أكثر.

    ونحن بارك الله فيك دروسنا ثابتة، يعني لا نغيرها لحضور أناس جدد؛ لأننا لو بقينا نغيرها كلما حضر أناس جدد، معناه: أننا لن نتقدم، وفي الطلبة أناس قد تقدموا وأدركوا -مثلاً- جزءاً كبيراً من العلم فلا يحبون أن يرجعوا إلى الوراء؛ لكن يوجد من الطلبة الكبار عندنا من يجلس مع الطلبة المبتدئين ويدرسهم بما يناسب.

    حكم البيع بالتقسيط والإسقاط من المؤجل

    السؤال: فضيلة الشيخ! البيع بالتقسيط أو بالمؤجل وهو يملك -مثلاً- سيارة! هذا الأمر الأول.

    والأمر الثاني: إذا أراد المشتري أن يسدد بقية القيمة بعد سنة أو بعد فترة هل يؤخذ عليه مع الفترة هذه؟

    الجواب: يعني يسأل عن سؤالين:

    السؤال الأول: هل يجوز أن يبيع السلعة بثمن مؤجل على أقساط، كل سنة يحل من الثمن؟

    هذا جائز ولا بأس به، لعموم قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282] لكن لا بد أن تكون السلعة عند البائع.

    وثانياً: لا بد أن يكون المشتري قد أراد السلعة نفسها لينتفع بها بالتأجيل أو غير التأجيل، أما إذا أراد السلعة؛ واشتراها ليبيعها ويأخذ ثمنها ينتفع به، فهذه مسألة تسمى عند العلماء مسألة التَّوَرُّق وفي جوازها خلاف بين أهل العلم:

    فشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من العلماء يقولون: هذا حرام؛ لأنه حيلة على بيع الدراهم بالدراهم بدخول هذه السلعة.

    ومنهم من قال: إنه جائز بشرط أن يكون هناك حاجة ولا يجد أحداً يقرضه.

    والأمر الثاني في السؤال: لو أراد الذي اشتراها بثمن مؤجل إلى كل سنة بكذا وكذا، لو أراد أن ينقد الثمن في السنة الأولى مثلاً، فهل يُنَزَّل عنه من الثمن لقاء تعجيله أم لا؟

    نقول: هذا أيضاً محل خلاف بين العلماء:

    من العلماء من يقول: لا يصح أن يسقط من المؤجل شيئاً؛ لأنه صالح عن بعض ماله ببعض.

    والصحيح: أنه يجوز، أي: يجوز لمن عليه دين مؤجل أن يتفق مع صاحب الدين على أن يُحْضِره مع إسقاط شيء يقابل بقية الأجل.

    تقديم حفظ القرآن والاعتناء به أكثر من المتون

    السؤال: فضيلة الشيخ! شاب يريد طلب العلم: هل من الأفضل له حفظ القرآن أولاً، أم يبدأ في حفظ المتون ويأخذ قليلاً قليلاً من القرآن؟

    الجواب: أرى أن يجمع بين الأمرين، ويجعل الأكثر للقرآن، طالب العلم يبدأ بالقرآن أولاً قبل كل شيء فيحفظه ويتفهم معناه؛ ويجعل معه جزءاً من وقته للعلوم الأخرى.

    حقيقة من يُرفع عنهم القلم

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل السفيه مرفوع عنه القلم؟

    الجواب: القلم مرفوع عن ثلاثة:

    - عن الصغير حتى يبلغ.

    - وعن المجنون حتى يفيق.

    - وعن النائم حتى يستيقظ.

    المجنون ليس معناه الذي يخلع ثيابه ويمشي عرياناً بين الناس، لا. المجنون: فاقد العقل، حتى ولو كان من أهدأ الناس وأسكن الناس؛ لكن ليس عنده تمييز فهذا ليس عليه شيء، يسقط عنه التكليف، لا في الصلاة، ولا في الطهارة، ولا في الصيام، إلا الزكاة فلا بد منها؛ لأن الزكاة في المال.

    حكم ترتيب القرآن في الصلاة

    السؤال: فضيلة الشيخ! رجل صلى صلاة جهرية وقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة بسورة عم، وفي الركعة الثانية سورة القيامة، السؤال: هل ترتيب القرآن في الصلاة واجب؟

    الجواب: الترتيب ثلاثة أنواع:

    - ترتيب الكلمات.

    - وترتيب الآيات.

    - وترتيب السور.

    أما ترتيب الكلمـات والآيـات فهذا بالإجماع أنه واجب، فيحرم على الإنسان أن يقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:1] مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:3] الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:2] هذا بالاتفاق، وكذلك ترتيب الكلمات لو قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:1] الرحيم الرحمن، هذا أيضاً حرام بالاتفاق.

    ترتيب السور ليس حراماً ولكنه مخالف لهدي الصحابة رضي الله عنهم؛ الذين كادوا يجمعون عليه في عهد عثمان رضي الله عنه، حيث رتب القرآن هذا الترتيب الذي بين أيدينا، ولهذا قال العلماء: يُكْرَه للإنسان أن يخالف هذا الترتيب.

    وبناء على هذا القول: تكون قراءة هذا الرجل في الركعة الأولى: عم، وفي الثانية: سورة القيامة، تكون مكروهة، هذا إن قلنا: إن قراءة الصلاة واحدة في الركعتين؛ لأن من العلماء من يقول: كل ركعة لها قراءة منفردة، وعلى هذا فلا بأس.

    والذي يظهر لي: أن الأَولى أن نرتب في الركعة الواحدة والركعتين اتباعاً للمصحف.

    ذبح الشاة المريضة وقاية للمال

    السؤال: فضيلة الشيخ! إذا كان عندي شاة مريضة ولا أريد أن آكلها بعد ذبحها، فهل الأولى ذبحُها أو تركها تموت من نفسها؟

    الجواب: يُنْظَر إذا كان مرضها سيطول ويؤدي ذلك على أن تخسر عليها دراهم؛ لأنك مطالب بالإنفاق عليها ورعايتها فهنا لا بأس أن تقتلها لأجل وقاية المال؛ لأن بذل المال فيها إضاعة له وإضاعة المال منهي عنه، فتقتلها لتستريح منها، وكذلك لو كانت متألِّمة جداً فإن بعض أهل العلم يقول: لا بأس أن تقتل لإراحتها، هذا إذا كانت تحت حوزتك وملكك، أما إذا كانت بهيمة أنت غير مسئول عنها فدعها مثل: لو وجدنا -مثلاً- في الشارع بهيمة لا ندري لمن هي، وهي مريضة متألمة، فالإحسان عليها لا شك أنه خير؛ لكنه ليس بواجب.

    الصوم المخصص بيوم لا يقضى

    السؤال: فضيلة الشيخ! امرأة نوت صيام يوم عاشوراء وجاءتها العادة هل تقضي هذا اليوم أم لا؟

    الجواب: لا تقضيه؛ لأن هذا صوم مخصص بيوم معين إن أدركتَه فافعلْه وإلا فلا شيء عليك؛ لكن أرجو أن يكتب لها الأجر إن شاء الله تعالى ما دامت قد نوت وعزمت، ولكن حال بينها وبين الصيام عذر شرعي.

    من جاء إلى مكة لقضاء طواف الإفاضة فإنه يبدأ بالعمرة ثم القضاء

    السؤال: من رجع إلى مكة ليقضي طواف الإفاضة قالوا: يدخل بإحرام بعمرة، بأيهما يبدأ: بقضاء طواف الإفاضة، أم بطواف العمرة؟

    الجواب: إذا نسي طواف الإفاضة أو أخل به على وجه لا بد أن يعيده، ووصل إلى بلده فإنه يرجع بعمرة، فيحرم من الميقات ويطوف ويسعى ويقصر للعمرة ثم بعد ذلك يأتي بالطواف، وإنما قيل ذلك؛ لأنه مر بالميقات وهو يريد نُسُكاً فيكون كالذي أراد العمرة والحج، وقد وقَّت النبي صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت لمن أراد الحج أو العمرة.

    وقد صرح العلماء رحمهم الله بأنه لو أتى بالعمرة بعد التحلل الأول كانت صحيحة

    جواز خروج المرأة المحادة للحاجة

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل للمرأة المحادَّة مواصلة دراستها؟

    الجواب: المرأة المحادَّة الواجب أن تبقى في بيتها؛ لكن لها أن تخرج إلى الحاجة في النهار، ومواصلة الدراسة من الحاجة، لا سيما إذا كان وقت اختبارات، فإنها محتاجة إلى حضور الدروس، فلا حرج عليها أن تخرج؛ لكنها تخرج بثياب غير جميلة ثياب بذلة، وليس عليها حلي ولا تكتحل ولا تتطيب.

    حكم البيع والشراء بالأسعار الخيالية

    السؤال: يوجد الآن من يشتري ويبيع في الماعز بأسعار خيالية، على سبيل المثال: بخمسة آلاف ريال، وعشرة آلاف، ومليون، وخمسمائة ألف ريال، وهناك قول الله: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً [النساء:5]، فما قولك؟

    الجواب: يا أخي هذه مشكلة علينا؛ لأنهم يجعلون هذه ورقة ربح؛ لأن هذه الماعز أو الشاة لا تساوي هذه القيمة، هل لحمها شفاء من كل داء؟ أو لبنها شفاء من كل داء؟ لكن هذا مجرد تلاعب في الأرباح، وحقيقة أني أود أن الجهات المسئولة تتدخل في هذا الموضوع.

    هم يقولون: إذا قُطِّعت آذانها فإنها تكون أعظم، ولعلها إذا قُطِّعت الأيدي والأرجل تكون أغلى بَعْدُ.

    على كل حال: قد يأتي رجل مسكين ويبذل فيها مليوناً، وتأتيها آفة تقضي عليها بلَيْلَة مثل الحصبة.

    أو يجيء إنسان عدو له ويقتلها من غير أن يُشار به، فأنا أَوَدُّ أن الجهات المسئولة تتدخل في هذا الموضوع لتمنع هذا التلاعب بأموال الناس.

    الأجر الكامل لمن شهد الصلاة على الجنازة ودفنها

    السؤال: فضيلة الشيخ! ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من صلى على جنازة فله قيراط، ومن حضرها حتى تُدْفَن فله قيراطان، قيل: ما القيراط؟ قال: مثل جبل أحد) لكن السؤال: بعض الناس يحضر الجنازة ويذهب قبل أن يكمل دفنها فهل ينال الأجر؟

    الجواب: ظاهر الحديث: (مَن شهدها حتى يُصَلَّى عليها) أن هذا الرجل صَحِبَها من بيتها؛ لأن الميت ميت؛ جنازة من حين يموت، وقوله: (من شهدها حتى يُصَلَّى عليها) يدل على أن هناك غاية وأن الإنسان أكرم هذا الميت فمشى معه من البيت إلى المسجد ثم إلى المقبرة، لكن قد يقول قائل: إن قوله صلى الله عليه وسلم: (من شهدها حتى يُصَلَّى عليها) يشمل من انتظر في المسجد حتى تأتي ويُصَلَّى عليها، ونرجو من الله الخير.

    أما أن ينصرف قبل أن يتم دفنها فإنه لا يحصل على الأجر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من شهدها حتى تُدْفَن) وإذا انصرف قبل أن يتم دفنها فإنه لم يشهدها حتى تُدْفَن، فلا يكتب له هذا الأجر.

    وقد سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن القيراطين؟ قال: (مثل الجبلين العظيمين) وفي رواية أظنها لمسلم: قال: (أصغرهما مثل جبل أحد).

    الفضل في الدنيا يكون بالجنس وفي الآخرة بالتقوى

    السؤال: فضيلة الشيخ! كيف التوفيق بين قول الله عز وجل: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] وبين ما هو ثابت من أن جنس العرب أفضل من جنس العجم، وكذلك فضل قريش على سائر العرب, وكيف نوفق بين هذا؟ وجزاكم الله خيراً.

    الجواب: أقول: لا تناقض، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة)، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن: (خيار الناس في الإسلام خيارهم في الجاهلية) وعلى هذا فأكرم الناس من قريش أتقاهم لله، وأكرم الناس من تميم أتقاهم لله، وهَلُمَّ جَرَّاً.

    أما الجنس فالجنس شيء آخر، فجنس العرب أفضل من جنس العجم، لا شك، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله اصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) فهنا الخيار يعني بين الناس من هؤلاء، أما عند الله فأكرمهم أتقاهم، حتى وإن كان من الجنس المفضَّل.

    يعني: في الجنس فضَّل قريشاً على العرب الآخرين أما عند الله فأكرمهم أتقاهم.

    لا قضاء ولا كفارة على من أفطر في صيام النفل

    السؤال: رجل صام يوم عاشوراء وعمله شاق قليلاً، ثم أفطر في نفس اليوم هل عليه قضاء أو كفارة؟ أحسن الله إليكم.

    الجواب: ليس عليه قضاء خصوصاً إذا كان النفل مقيداً بيوم معين ثم فات، أما لو كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصام أحد الأيام وحصل عليه مشقة وأفطر فهنا يصوم يوماً بدله من أجل أن يستكمل صيام ثلاثة أيام.

    حكم العمليات الاستشهادية

    السؤال: ماذا تقول في العمليات الانتحارية في فلسطين ؟ هل هم شهداء؟

    الجواب: هذه سبق الجواب عليها وقلنا: إن هذا الذي يفعل ذلك قد قَتَل نفسه وأنه معذَّب بما قتل به نفسه في نار جهنم خالداً فيها مخلداً، كما ثبت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام، وأن هذا حرام عليه؛ لأن الله قال: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء:29]؛ لكن هؤلاء الجهال الذين فعلوا ما فعلوا إذا كانوا جاهلين ويظنون أن هذا يقربهم إلى الله عز وجل، فإني أرجو ألا يعذبوا بهذا العذاب؛ لكن ليس لهم أجر؛ لأن ما فعلوه إثماً لو تعمدوا ذلك لكنهم متأولون فيُعفى عنهم، ثم إننا لا نتدخل في النيات، هل هذا لأجل أن تكون كلمة الله هي العليا أو انتقاماً لأنفسهم فقط؟ لا ندري هذا شيء علمه عند الله؛ لكن يجب أن نلاحظ الفرق بين من يقاتل العدو انتقاماً وبين من يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، مَن الذي في سبيل الله؟ مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، أما مَن قاتل انتقاماً لنفسه من قوم اعتدوا عليه فهذا لا يكون مقاتلاً في سبيل الله، لذلك يجب علينا أن نتعقل لئلا يفوتنا النصر، فإن فوات النصر للأمة الإسلامية التي تبلغ ملايين الملايين على طغاة من اليهود أو الوثنيين أو غيرهم أسبابها أنهم ما مشوا على ما ينبغي، أولاً: المعاصي عندهم كثيرة والإهمال كثير، وتجد الواحد منهم يذهب -مثلاً- يقاتل العدو لكنه لا يصلي، هو نفسه لا يصلي، فلا بد أن نجاهد أنفسنا قبل كل شيء، ونصحح مسيرتنا إلى الله عز وجل قبل أن نقاتل؛ وأن نحاول تصحيح مسيرة غيرنا.

    على كل حال الجواب باختصار: إن الانتحار حرام، وأن من فعله فقد قتل نفسه وعرض نفسه للعقوبة العظيمة فإنه يعذب بما قتل به نفسه في نار جهنم خالداً فيها مخلداً؛ لكن من فعله عن جهل أو تأويل فإننا نرجو من الله سبحانه وتعالى ألا يلحقه هذا العقاب.

    أساليب الدعوة إلى الله

    السؤال: الدعوة إلى الله من أهم الأمور وخاصة إذا كان الإنسان إمام مسجد، أو أن عنده شيئاً من العلم، وكما تعلمون في الأحياء الجديدة، أو أطراف المدن، أو في الهِجَر يجد الإنسان أن بعض الناس لا يأتي إلى المسجد، ومنهم من يقصر في السنة، ومنهم من يقصر في الصلاة، ومنهم من يقصر في أمور كثيرة من أمور الدين، فكيف تكون المعاملة مع هؤلاء إذا دُعِي الإنسان إلى بيت كمثال، يجد أن الأب يأتي إلى المسجد وأبناءه الكبار لا يأتون، أو الأقارب الذين لا بد من الاجتماع بهم في المناسبات لكونهم من الأرحام يجب صلتهم، وهؤلاء بعض أبنائهم لا يأتون إلى المسجد؟! فكيف يكون؟ يعني: هل يستخدم التوبيخ والشدة أو أنه يصبر أو ما السبيل إلى ذلك؟

    الجواب: قال الله عز وجل: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام، والعشيرة تنقسم إلى قسمين:

    قسم لك ولاية عليهم مباشِرة، كأولادك وأهلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته).

    وقسم آخر من العشيرة منفصلاً عنه، ولست مسئولاً عنه سؤالاً مباشراً.

    فأما الأول فإن مسئوليتك نحوه أبلغ من الثاني، والثاني له عليك مسئولية أبلغ من الأجانب الذين ليس بينك وبينهم قرابة، والجيران أبلغ ممن ليس بجار.

    فعليك أن تؤدي لكل إنسان حقه، وأن تكون دعوتك بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وأن تستعمل العنف إذا كان أنفع، واللين إذا كان أنفع، فمن المعلوم -مثلاً- أن دعوة الإنسان لأهله الذين له الولاية المباشرة عليهم ليست كدعوته للأجانب، الأولون قد تستعمل معهم الشدة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (واضربوهم عليها لعشر) لكن الآخرين لا تستعمل الشدة، استعمل الرفق واللين، وكم من كلمة لينة جذبت من كان بعيداً عن الحق، والإنسان العاقل يستعمل ما يرى أنه أصلح، فليس هناك ضابط يستوي فيه الناس كلهم.

    حكم إفراد السبت بصيام

    السؤال: امرأة طهُرت يوم الجمعة وكان الوقوف بـعرفات يوم السبت، هل يجوز صيام السبت إفراداً؟

    الجواب: صوم يوم السبت إذا كان لسبب فلا بأس مثل أن يصادف يوم عرفة أو يوم عاشوراء، أو يكون ممن يصوم يوماً ويفطر يوماً فيصادف صيامه يوم السبت فهذا لا بأس به؛ لكن لو أفرده لغير سبب فمن العلماء من قال: لا بأس به أيضاً؛ لأن الذي ورد النهي عن صيامه على وجه صحيح أو بدليل صحيح هو يوم الجمعة، أما يوم السبت فالحديث الوارد فيه قال: إن هذا حديث شاذ ولا يُعْمَل به، وممن قال به شيخنا عبد العزيز بن باز وفقه الله ورحمه يقول: إن النهي عن صوم يوم السبت حديث شاذ لا عمل عليه، وذلك لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة، فإن (النبي صلى الله عليه وسلم أتت إليه امرأته جويرية وهي صائمة يوم الجمعة قال: أصمتِ أمسِ؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري) فقوله: (أتصومين غداً) دليل واضح على أن صوم يوم السبت ليس به بأس، ومعلوم أن الأحاديث الصحيحة القوية إذا جاء حديث يخالفها وهو أضعف منها يعتبر شاذاً كما هي القاعدة في مصطلح الحديث: أن الشاذ ما خالف فيه الثقة من هو أوثق منه.

    وعلى هذا فيكون صيام يوم السبت ليس مكروهاً مطلقاً سواء ضم إليه ما قبله أو ما بعده أو لم يضم، وسواء كان له سبب أم لم يكن.

    وعلى هذا فنقول: إذا صام يوم السبت فلا حرج عليه؛ لكن الإمام أحمد رحمه الله في المشهور عند أصحابه يقول: إن إفراد يوم السبت لغير سبب مكروه، وإذا صام إليه يوماً آخر إما الجمعة أو الأحد فلا بأس به، كما أنه إذا كان لسبب فلا بأس به.

    ولعل هذا أقرب الأقوال لئلا نلغي حديث النهي عن صوم يوم السبت، فيقال: من صام يوم السبت لأنه يوم السبت فهذا منهي عنه لا نقول: لا يجوز، نقول: منهي عنه، ومن صامه لسبب أو ضم إليه غيره فلا بأس به.

    حكم من يترك المعصية حياءً من الناس لا خوفاً من الله

    السؤال: فضيلة الشيخ! رجل مسلم لا يمنعه عن فعل المعصية إلا حياؤه من الناس، وليس رجاء ما عند الله أو الخوف من عقابه؟

    الجواب: هذا ليس له شيء، يعني: ليس له أجر قطعاً؛ لكن هل يكون عليه إثم؟ هذا محل تردد.

    قد يقال: إن عليه إثماً؛ لأنه تقرب إلى المخلوقين بطاعة الله عز وجل أو بترك معصيته، وقد يقال: ليس عليه إثم؛ لأن الله عز وجل شرع الحدود والعقوبات ردعاً للعصاة، ومعلوم أن العاصي قد يمنعه عن المعصية الخوف من هذه العقوبات، دون أن يكون على باله الخوف من الله عز وجل.

    فعلى كل حال: ندعو مثل هذا الرجل إلى إخلاص النية لله عز وجل، وأن تكون طاعته تقرباً إلى الله، وتركه المعصية خوفاً من الله.

    أقوال أهل العلم في أم الزوجة من الرضاع هل هي محرم للزوج أم لا؟

    السؤال: فضيلة الشيخ: أم الزوجة من الرضاع هل تكون محرماً للزوج؟

    الجواب: نعم. أكثر العلماء ومنهم الأئمة الأربعة يقولون: إن أم الزوجة من الرضاع كأمها من النسب. فزوج ابنتها من الرضاع محرم لها كزوج ابنتها من النسب، واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).

    وقال شيخ الإسلام رحمه الله: إن أم الزوجة من الرضاع ليست كأمها من النسب وإن زوج ابنتها من الرضاع ليس محرماً لها، واستدل بنفس الحديث، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).

    ومعلوم أن أم زوجتك حرام عليك لكن بأي سبب: بالنسب أو بالمصاهرة؟

    بالمصاهرة، وإذا كانت بالمصاهرة فقد دل الحديث بمفهومه أنها ليست محرماً لك، وما ذهب إليه الشيخ رحمه الله أقرب للصواب: أن أم زوجتك من الرضاع وبنت زوجتك من الرضاع ليست من محارمك.

    يبقى النظر: هل يجوز للإنسان إذا ماتت زوجته أن يتزوج أمها من الرضاع أو ابنتها من الرضاع؟

    نقول: شيخ الإسلام رحمه الله يقول: نعم. يجوز؛ لأنها ليست محرماً له، لكني أقول أنا من باب الاحتياط: ألا يتزوجها؛ لأن الخلاف الكبير الذي في هذه المسألة قد يوجب للإنسان التوقف في حِلِّها له.

    فإذا قال قائل: كيف تقولون: لا يتزوجها وتقولون: إنها ليست من محارمه؟ وهل هذا إلا نوع من التناقض؟

    نقول: لا بأس عند الاحتياط من أن نجمع بين الحُكْمَين، ودليلنا في هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى للغلام الذي تنازع فيه عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص قضى به لمن؟ قضى به لـزمعة فيكون أخاً لـسودة؛ وسودة زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم شَبَهاً بيِّناً بـعتبة في هذا الغلام قال لزوجته: (احتجبي منه) ، فهنا جمع بين حُكْمَين مختلفَين متناقضَين من أجل الاحتياط.

    فأرى في هذه المسألة: أن أم الزوجة من الرضاع وبنت الزوجة من الرضاع ليست محرماً كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية لكني أرى من باب الورع والاحتياط ألا يتزوجها إلا في حالة واحدة: إذا لم يبقَ من بنات آدم إلا هذه المرأة فحينئذ يتزوجها.

    والرضاع لا يؤثر بالميراث اتفاقاً، ولا بوجوب النفقة، ولا بوجوب تحمل العاقلة، ولا غيرها.

    أنواع صبغ الشعر وحكم كل نوع

    السؤال: يدور حول صبغ الشعر بالسواد، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

    القسم الأول: هل يجوز لمن كان شعره أسود أصلاً أن يصبغه بالسواد تقوية لهذا النوع وتجميلاً؟

    القسم الثاني: إذا كانت المرأة أصل شعرها أسود فغيرته إلى لون آخر كالأصفر أو الأحمر، ثم أرادت أن ترجع لون شعرها الأصلي الأسود هل يجوز لها أن تصبغ بالسواد؟

    القسم الثالث بارك الله فيك: هل يجوز الصبغ بالحناء السوداء بما يسمى بالخضاب الأسود؟

    الجواب: أما الصبغ بالسواد لمن أصابه الشيب، فهذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتغـيير الشيب وقال: (جنبوه السواد) وورد أيضاً حديث فيه الوعيد على من فعل ذلك، ولأن فيه مناقضة لخلق الله عز وجل.

    أما من صبغ بالأسود ليزداد سواده فلا أظنه مثل هذا؛ لأن الأصل أن الشعر أسوداً؛ لكن مع ذلك أرى ألا يفعل.

    وأما من صبغ الأسود بلون آخر، ثم أراد أن يرده إلى الأسود فهذا لا بأس به؛ لأنه إنما رده على خلقته الأولى.

    أما من جهة الحناء السوداء فهي سواد، ولكن ينبغي أن يَخْلِط هذا الحناء الأسود بحناء أصفر حتى يكون اللون بنياً ليس أسود خالصاً.

    ضعف حديث أن الرجل يدعى بأمه يوم القيامة

    السؤال: اشتهر عند كثير من الناس أن يوم القيامة يُدْعَى أي أحد بأمه! فهل هذا صحيح؟

    الجواب: ليس بصحيح، فإنه ثبت في البخاري وغيره (أن لكل غادر لواءً يوم القيامة ينادَى: هذه غدرة فلان بن فلان) وبهذا نعرف ضعف حديث أبي أمامة في تلقين الميت بعد دفنه أنه إذا دفن الميت يوقف عليه ويقال: يا فلان بن فلانة، اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم بقية التلقين، فإن هذا ليس بصحيح، وعليه فيكون هذا التلقين بدعة، والصحيح: أنه إذا دُفِن الميت فإن الإنسان يقف على قبره ويستغفر له، يقول: اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم ثبته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن ميت وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل).

    الخروج من المسجد بنية الرجوع عن قريب لا يلزم تحية المسجد

    السؤال: فضيلة الشيخ! دخلتُ المسجد وصليتُ ركعتين تحية المسجد وخرجتُ بنية الرجوع، فإذا رجعتُ هل يلزمني أن أصلي ركعتين؟

    الجواب: إذا خرج الإنسان من المسجد بنية الرجوع فإن رجع عن قرب فإنه لا يصلي تحية المسجد، مثل لو خرج للوضوء ورجع، أو خرج يأتي بكتاب من البيت ورجع، أو خرج يكلم إنساناً ورجع، هذا لا يصلي؛ لأن الوقت قصير، أما إذا طال الوقت فليصل ركعتين، كلنا إذا صلينا الظهر نخرج من المسجد بنية الرجوع إلى صلاة العصر، فهل نقول إذا رجعنا لصلاة العصر: لا نصلي؟

    لا. نصلي. المهم أنه إذا كان لشغل يرجع به قريباً، فهذا لا يصلي اكتفاء بالأول.

    والدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن للمعتكف أن يخرج للحاجة إلى بيته ثم يرجع، فدل هذا على أن الخروج اليسير لا يعتبر خروجاً من المسجد، فكأن هذا الذي خرج من المسجد وهو بنية الرجوع عن قرب، كأنه لم يخرج منه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767985428