إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [132]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرح الشيخ في هذا اللقاء تفسير آيات من سورة (ق)، فتكلم عن إنزال المطر من السماء، والحكمة من ذلك، وعن إنبات الجنات والبساتين وحب الحصيد، وعن النخيل وشرفها بين الأشجار، ثم ذكر الحكمة من ذلك كله وأنها لكي تكون رزقاً للعباد، ثم تكلم عن قوم نوح وفرعون، وكيف أن الله تعالى عاقبهم بسبب تكذيبهم لرسلهم، ثم ذكر الحكمة من ذكر قصص الأولين، ثم أجاب على الأسئلة.

    1.   

    تفسير آيات من سورة (ق)

    الحمد لله رب العالمين،وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا هو اللقاء الثاني والثلاثون بعد المائة من (لقاء الباب المفتوح) والذي يتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، ما لم يكن هناك مانع، وهذا الخميس هو الرابع والعشرون من شهر ربيع الأول سنة (1417هـ) نبتدئ هذا اللقاء بما تيسر من الكلام على آيات من سورة (ق) وهي قوله تعالى: وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ [ق:10-11].

    تفسير قوله تعالى: (ونزلنا من السماء ماءً مباركاً فأنبتنا به جنات وحب الحصيد)

    يقول تعالى: وَنَزَّلْنَا [ق:11]، لأن المطر ينزل شيئاً فشيئاً، وربما يُعَبر عنه بـ(أَنْزَلَ)؛ لأنه تجري به الأودية والشعاب.

    وقوله: مِنْ السَّمَاءِ [ق:9]، أي: من العلو؛ لأن هذا المطر ينزل من السحاب، وليس من السماء التي هي السقف المحفوظ؛ بدليل قوله تعالى: وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [البقرة:164] إذاً.. هو ينزل من العلو، والحكمة في إنزاله من العلو ليشمل قمم الجبال، ومراتع الإبل، والسهل، والأودية؛ لأنه لو جاء يمشي سيحاً على الأرض ما وصل إلى قمم الجبال، ولكن الله عز وجل جعله من فوق.

    وقوله: مَاءً مُبَارَكاً [ق:9] من بركته أن الله ينبت بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ [ق:9] (الجنات) هي: البساتين كثيرة الأشجار، وسُمِّيَت البساتين كثيرة الأشجار جنات لأنها تَجِنُّ، أي: تستر ما تحتها، وكل بستان ذو شجر ملتف بعضه إلى بعض يسمى: جنة.

    وأما قوله: وَحَبَّ الْحَصِيدِ [ق:9] أي: الزروع التي تُحصد، فذكر الله هنا الأشجار والزروع، فمن الأشجار تُجَذُّ الثمار، ومن الزروع تُحْصَد الحبوب.

    تفسير قوله تعالى: (والنخل باسقات لها طلع نضيد)

    قال تعالى: وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ [ق:10]، خص الله النخل بأنها أشرف الأشجار، ولهذا شُبِّه بها المؤمن، حيث قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن من الشجر شجرة مَثَلُها مَثَل المؤمن. قال ابن عمر رضي الله عنهما: فذهب الناس يخوضون في شجر البوادي -كل يقول: هي الشجرة الفلانية- يقول ابن عمر : فوقع في قلبي أنها النخلة؛ لكني كنت أصغر القوم -أي: أنه استحيا أن يتكلم وهو أصغرهم- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هي النخلة) ، وهي الشجرة المذكورة في قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ [إبراهيم:24] ، فلهذا خصها هنا بالذكر، فقال: وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ [ق:10] أي: عاليات.

    لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ [ق:10] أي: منضود، فالطلع في شماريخه تجده منضوداً من أحسن ما يكون من النضد، ومع ذلك تجد هذه الثمـرات تُسـقى بالشمراخ الدقيق اللين مع أنه قد يكون فيه أحياناً فوق ثلاثين حبة أو أكثر.

    تفسير قوله تعالى: (رزقاً للعباد وأحيينا به بلدة ميتاً كذلك الخروج)

    قال تعالى: رِزْقاً لِلْعِبَادِ [ق:11]، أي: فعلنا ذلك؛ أنزلنا من السماء ماءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ [ق:9-10] فَعَلْنا ذلك رِزْقاً لِلْعِبَادِ [ق:11] أي: عطاءً وفضلاً للعباد، والعباد هنا يشمل العباد المؤمنين والعباد الكافرين؛ لأن الكافر عبد لله، كما قال الله تعالى: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً [مريم:93]، والمراد هنا: العبودية الكونية القدرية، أما العبودية الشرعية فلا يكون عبداً لله إلا من كان ممتثلاً لأمره، مجتنباً لنهيه، مصدقاً بخبره.

    إذاً: (لِلْعِبَادِ) يشمل الكفار والمؤمنين.

    وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً [ق:11] :-

    وَأَحْيَيْنَا بِهِ أي: بالماء الذي نزلناه من السماء. بَلْدَةً مَيْتاً البلدة لما كانت مؤنثة اللفظ مذكرة المعنى؛ صح أن توصف بوصف مذكر .. بَلْدَةً مَيْتاً أي: بلداً ميتاً، أحياه بهذا الماء الذي نزل من السماء .. كيف إحياؤه؟

    تجد الأرض هامدة خاشعة ليس فيها نبات، فإذا أنزل الله المطر عجَّت بالنبات واخضرت وازدهرت، فهذه حياة بعد الموت.

    كَذَلِكَ الْخُرُوجُ [ق:11]، أي: مثل ذلك الإحياءِ خروج الناس من قبورهم لله عز وجل، وإنما ذكر الله تعالى الخروج؛ لأن من عباد الله من أنكـر ذلك .. زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا [التغابن:7]، وحجتهم أن قالوا: مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس:78]، كيف تحيي العظام بعد أن رمت وصارت تراباً؟! هذا مستنكر عندهم وبعيد؛ ولكن الله سبحانه وتعالى بين أنه ليس ببعيد، وأنه كما يشاهدون الأرض الميتة ينزل عليها المطر فتحيا، إذاً.. فالقادر على إحياء الأرض بعد موتها بنـزول المطر قادر على إحياء الأموات بعد موتها، وهذا قياس جلي واضح.

    تفسير قوله تعالى: (كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود)

    قال تعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ [ق:12-14] :-

    ذكر الله هؤلاء المكذبين لفائدتين:

    الفائدة الأولى: تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ليس أول رسول كُذِّب، بل قد كُذِّبَت الرسل من قبله، كمـا قال تعالى: مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ [فصلت:43] فقيل: إنه شاعر، وقيل: إنه مجنون، وقيل: إنه كاهن، وقد قال الله تعالى: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [الذاريات:52].

    هذه فائدة لذكر قصص الأمم السابقة، وهي تسلية النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الإنسان إذا رأى غيره قد أصيب بمثل مصيبته، يتسلى بلا شك، وتهون عليه المصيبة.

    الفائدة الثانية: تحذيـر المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال في آخر ما ذكر: كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ [ق:14] ، أي: حق عليهم وعيد الله بالعذاب، وقد قال عز وجل: فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ [العنكبوت:40] أي: كل واحد من هذه الأمم جُوْزِي بمثل ذنبه فعوقب بمثل ذنبه.

    كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ، قوم نوح كذبوا نوحاً عليه الصلاة والسلام وقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، تسعمائة وخمسون سنة وهو يدعوهم إلى الله عز وجل؛ ولكن لم يستفيدوا من ذلك شيئاً، كلما دعاهم ليغفر الله لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم، واستغشوا ثيابهم -أي: غطوا- واستكبروا استكباراً، وبقي فيهم هذه المدة، وقد قال الله تعالى في النهاية: وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود:40] .

    كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ أصحاب الرس: قوم جاءهم نبيهم ولكنهم قتلوه بالرس، وهي البئر، أي: حفروا بئراً ودفنوه، هذا قول، والقول الثاني: أصحاب الرس: قوم حول ماء، وليسوا بالكثرة الكاثرة، ومع هذا كذبوا رسولهم.

    وَثَمُوْدُ وهم قوم صالح في بلاد الحِجر المعروفة، كذبوا صالحاً وقالوا: ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف:77] وهذا تحدٍّ، فماذا فعل الله بهم؟ أرسل عليهم صيحة ورجفة، فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ [هود:67] .

    تفسير قوله تعالى: (وعاد وفرعون وإخوان لوط)

    قال تعالى: وَعَادٌ [ق:13]، كذلك أيضاً عاد أرسل الله إليهم هوداً فكذبوه، فأهلكهم الله عز وجل بالريح، أرسل الله عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [الذاريات:41-42] .

    وكانوا يفتخرون بقوتهم يقولون: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت:15] فأراهم الله عز وجل قوته، وأهلكهم بالريح اللطيفة التي لا يُرَى لها جسم ومع ذلك دمرتهم تدميراً.

    وَفِرْعَوْنَ [ق:13] الذي أرسل الله إليه نبيه موسى عليه السلام، وكان معروفاً بالجبروت والعناد والاستكبار، حتى إنه استخف قومه، وقال لهم: إنه رب، قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24] فأطاعوه، فجاءهم موسى عليه الصلاة والسلام بالآيات البينات؛ ولكنهم كذبوا، وأراهم الله تعالى آية، كانوا يفتخرون بما يضاد ما جاء به موسى وهو السحر، فجمعوا لموسى عليه الصلاة والسلام كل السحرة في مصر ، واجتمعوا وألقَوا الحبال والعِصِي، وألقوا عليها السحر فصار الناس يشاهدون هذه الحبال والعصي وكأنها حيات وثعابين، ورُهِبَ الناسُ، كما قال تعالى: وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف:116] حتى إن موسى عليه الصلاة والسلام أوجس في نفسه خيفة، عندما شاهد أن كل الجو حوله ثعابين تريد أن تلتهم ما تقابله، فأوحى الله تعالى إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ [الأعراف:117]، فألقى العصا فالتهمت جميع هذه الحيات، وهذا من آيات الله، إذ إن الحية -كما هو معروف- ليست بذاك الكِبَر، لكن تأكل هذا وكأنه يذهب بخاراً إذا أكلت هذه الحبال والعصي، السحرة رأوا أمراً أدهشهم، ولم يملكوا أنفسهم إلا أن يؤمنوا.

    ومع ذلك إيماناً تاماً، أُلْقِيَ السحرة ساجدين، وتأمل قوله تعالى: وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ [الأعراف:120] ولم يقل: سجدوا، كأن هذا شيء اضطرهم إلى السجود، كأنهم سجدوا بغير اختيار، لقوة ما رأوا من الآية العظيمة، ومع هذه الآية البينة الواضحة على صدق موسى عليه الصلاة والسلام لم يؤمن فرعون، وقال: إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ [الشعراء:54-55] فهَمَّ بأن يهجم على موسى ومن معه من المؤمنين، فأمر الله موسى أن يخرج من مصر إلى جهة المشرق نحو البحر الأحمر ؛ فامتثل أمر الله، خرج من مصر إلى هذه الناحية، فتبعهم فرعون بجنوده على حنق يريد أن يقضي على موسى وقومه، فلما وصلوا إلى البحر قال قوم موسى له: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا [الشعراء:61-62] أي: لن نُدرَك إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62]، فأوحى الله إليه أن يضرب بعصاه البحر الذي عرضه مسافات طويلة، فضرب البحر فانفلق البحر اثنتي عشرة طريقاً، وصارت قطع الماء كأنها الجبال، وصارت هذه الطرق التي كانت رَيَّاً من الماء وطيناً زلَقاً صارت طريقاً يَبَساً بإذن الله في لحظة، فدخل موسى وقومه عابرين من إفريقيا إلى آسيا ، من طريق البحر، فلما تكاملوا داخلين وخارجين إلى الناحية الشرقية دخل فرعون وقومه، فلما تكاملوا في الدخول أمر الله البحر فانطبق عليهم.

    فلما أدرك فرعون الغرق أعلن: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ [يونس:90]، وتأمل أنه لم يقل: (آمنت بالله) قال: آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل، لماذا؟ إذلالاً لنفسه؛ حيث كان ينكر على بني إسرائيل، ويهاجمهم، فأصبح عند الموت يقر بأنه تبع لهم، وأنه من أذنابهم، بمعني: أنه يمشي خلفهم، ولكن ماذا قيل له؟: آلْآنَ [يونس:91] تؤمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل وأنك من المسلمين، آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:91] فلم تُقبل توبته؛ لأنه لم يتب إلا حين حضره الموت، والتوبة بعد حضور الموت لا تنفع، كما قال الله تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ [النساء:18] ، لا تنفع التوبة إذا حضر الموت، نسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليكم بتوبة قبل الموت.

    ولكن الله قال: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس:92] نُنَجِّيْكَ بِبَدَنِكَ لا بروحك، الروح فارقت البدن؛ لكن البدن بقي طافياً على الماء، لماذا؟ بيَّن الله الحكمة: لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس:92] ؛ لأن بني إسرائيل قد أرعبهم فرعون، فلو لم يتبين لهم أنه غرق بنفسه لكانت أوهامهم تذهب كل مذهب .. لعله لم يغرق! لعله يخرج علينا من ناحية أخرى! فأقر الله أعين بني إسرائيل بأن شاهدوا جسمه غارقاً في الماء: لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس:92].

    1.   

    الأسئلة

    الإقسام على الله عز وجل

    السؤال: نريد ضابط الإقسام على الله عز وجل المذكور في الحديث، وهل يجوز على إطلاقه؟

    الجواب: الإقسام على الله إنما يكون من يقين المرء وإيمانه وتصديقه وتعلقه بالله، وليس كل من أقسم على الله يبره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره)، والإقسام الذي يكون الحامل عليه الإعجاب بالنفس وبالعمل لا يمكن أن يبره الله أبداً، بل بالعكس، ولهذا قيل للذي رأى المسرف على نفسه وقال: والله لا يغفر الله لفلان، قال الله له: (من ذا الذي يتألَّى علي ألا أغفر لفلان، قد غفرتُ له وأبطلتُ عملك).

    وقت صلاة الجمعة

    السؤال: بالنسبة لصلاة الجمعة هل يصح أن تؤدى قبل الزوال؟

    الجواب: نعم، إذا صلى إمامك في بلدك فصلِّ، حتى لو صلى قبل الفجر فصلِّ، أنت تعرف الآن الجمعة، كل الناس لا يؤدونها إلا بعد الزوال؛ لأن جمهور العلماء على أنها لا تؤدَّى إلا بعد الزوال، ولا أعلم أحداً خالف وأداها قبل الزوال، أما أهل العلم فقد اختلفوا في دخول وقتها:

    - فمنهم من قال: يدخل وقت الجمعة من حين ارتفاع الشمس قيد رمح، بمعنى: أن دخول وقت صلاة الجمعة كدخول وقت صلاة العيد إلى صلاة العصر.

    - وبعضهم قال: إن وقت صلاة الجمعة يدخل بعد الساعة الخامسة، أي: في الساعة السادسة، أي: قبل الزوال بساعة.

    - وبعضهم قال: لا يدخل إلا بعد الزوال، كصلاة الظهر.

    فالمسألة فيها خلاف؛ لكن نحن -والحمد لله- محكومون بحكومة تَتَّبِع الشرع، ولا ينبغي للإنسان أن يشذ عن الناس، وقد صدر من هيئة كبار العلماء في المملكة المنع مِن أن يتقدم أحد من أئمة الجمعة قبل الزوال؛ اتباعاً لأكثر أهل العلم، ولتتفق الكلمة، ولئلا يتقدم أحد فيصلي قبل الزوال، ثم يكون هذا فسحة للمتخلف عن الجمعة إذا أُمِر قال: صليتُ في المسجد الفلاني، هل عرفتَ خلاف العلماء؟!

    أما من الناحية العملية: فالواجب على الأئمة أن يتبعوا ما يأمرهم به ولي الأمر؛ لأن هذا من الأمور المباحة، ما هو حرام، وأنا قلت: لو صلى إمامك قبل الفجر من باب الفرض، وإلا ليس هناك أَحَد يريد أن يصلي الجمعة قبل الفجر؛ لكن الإنسان يتبع ما تأمره به ولاة الأمر.

    حكم التعامل مع من اختلطت أمواله بالحلال والحرام

    السؤال: هل يجوز التعامل بالبيع والشراء مع رجل اختلطت أمواله بالحلال والحرام؟ وهل يدخل ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن اتقى الشبهات ...

    الجواب: نعم، يجوز للإنسان أن يعامل مَن في ماله حلال وحرام بالبيع والشراء، فقد عامل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود وهم معروفون بأنهم يأكلون الربا والسحت، اشترى منهم، بل مات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي، وما أحسن -وباعتبار أنك طالب علم- أن تراجع شرح ابن رجب رحمه الله على الأربعين النووية عند حديث النعمان بن بشير : (الحلال بيِّن والحرام بيِّن) فقد ذكر ما تطيب به نفسك إن شاء الله، حتى إن ابن مسعود رضي الله عنه قال: [من اكتسب مالاً محرماً ثم انتقل منه إلى غيره بطريق شرعي فلا إثم عليه، له مهنؤه وعلى الأول مغرمه أو مأثمه]، إلا شيئاً تعرفه بعينه أنه حرام، مثل: أن يبيع عليك السارق ما سرقه، وأنت تعرف أن هذا هو المسروق، هذا لا تشتريه.

    المجلات الخليعة .. ضررها وإنكارها

    السؤال: فضيلة الشيخ! يُعرض في الأسواق التجارية وفي المحلات وفي البقالات صور مجلات من المجلات الوافدة، فيها صور نساء ظاهرة للعيان في الخارج والداخل، فهل يحق للإنسان أن يمزق هذه الصور للحديث: (من رأى منكم منكراً ...)؟ وما أدري ما الهدف من إدخال هذه المجلات؟ ولماذا لَمْ تُمْنَع؟

    الجواب: المجلات التي أشرتَ إليها لا شك أنها تكدر الخاطر، وتولِّد الأسف والحزن أن يَرِد إلى بلادنا مثل هذه المجلات الفاسدة المفسدة، وكذلك أيضاً يوجَد في المجلات الواردة إلينا من الأفكار المناقضة للدين تماماً وللأخلاق، التي ربما يكون إفسادها أكثر من إفساد صورة خليعة.

    وأما مسألة تغييرها باليد فإنه يحدث أو يحصل به مفاسد أكبر من بقائها، وهي أيضاً لن تزول، لو مزقتها اشترى بدلها، ويحصل مفاسد، وأنت تعرف الآن -مثلاً- لو أن أحداً أقدم هذا الإقدام وليس له السلطة من قبل ولي الأمر لكان في ذلك مفسدة ليس عليه هو فقط بل على كل الدعاة، ولأخذ الناس صورة سيئة عن الدعاة، ولهذا يجب أن يكون الإنسان حكيماً، فإذا كان تغيير المنكر يترتب عليه ما هو أنكر منه وأضر، على أنه لا يتغير، فليدعه، ويشكو إلى الله عز وجل، ويسأل الله عز وجل أن يرحم العباد، فيترك ويُخَاطب المسئولين.

    السائل: لا يُغَيِّر؟

    الشيخ: لا يُغَيِّر؛ لأنه غير قادر، ولهذا جاء من الحكمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمر الله به بدون شـرط .. وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] ولكن التغيير بشرط .. (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه)، ففَرَّق الشرع بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين تغيير المنكر، فأنت ليس عليك إثم؛ لكن انصح هذا الرجل، مُرْه بالمعروف، انهه عن المنكر، حذِّره، وقل: إن ما اكتسبته من هذه المجلات حرام عليك، وإذا تغذى بدنك به فالنار أولى به، وما أشبه ذلك من المواعظ المعروفة.

    حكم العمل في مكان يوجد فيه نساء

    السؤال: إذا كان الرجل في بلده يصعب عليه أن يعمل في مكان لا يوجد فيه نساء، حيث إن هذا البلد يكثر فيه عمل النساء، فما الحكم .. هل يعمل؛ لأن المجالات التي فيها النساء أكثر مجالات معظم الدوائر، أم يترك؟

    الجواب: إذا كان يمكنه أن يعمل في مكان ليس فيه نساء فليدَع هذا المكان الذي فيه النساء ويعمل فيه، وإذا كان لا يمكنه وهو محتاج إلى العمل فليعمل وليحرص على البُعد عن النساء وليغض بصره .. فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ولو كنا -مثلاً- في بلد النساء تخرج متبرجة متطيبة، فهل نقول: لا تخرج للصلاة؛ لأن السوق ممتلئ من هؤلاء النساء؟ لا، هل نقول: لا تخرج تأتي بحوائج البيت؟ لا، فإذا احتجت إلى العمل في هذا المكان الذي فيه النساء ولم تجد غيره وأنت في حاجة إلى المال، فاعمل واحرص على البُعد عن النساء وغض البصر.

    حكم الصلاة منفرداً خلف الصف الذي لم يكتمل

    السؤال: فضيلة الشيخ: إذا صلى خلف الصف رجل والصف الأول لم يكتمل، فما حكم صلاته مع أنه جاهل؟

    الجواب: الصحيح: أنه إذا صلى خلف الصف منفرداً ولم يكن الصف قد كَمُل الذي أمامه أن صلاته باطلة، وأن عليه الإعادة ولو كان جاهلاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة، ولم يقل: هل كنت تعلم أم لا؟

    حكم بناء المقابر بالطوب والأسمنت وغيره

    السؤال: فضيلة الشيخ: ما حكم الدفن في قبور مبنية من الطوب والأسمنت والحديد المسلح؟

    الجواب: لا أظن أحداً يبني القبور بالطوب والإسمنت إلا للضرورة، فالبلاد الساحلية ربما إذا حفرت القبور نزل الماء فيها ولم يتمكنوا من قبر الرجل أو المرأة فيها إلا بهذا البناء الذي ذكرت، فإذا كان هناك ضرورة فلا بأس، وأما مع عدم الضرورة فلا يجوز؛ لما في ذلك من إضاعة المال، ولأن العلماء رحمهم الله قالوا: يكره أن يكون في القبر ما مسته النار، وبناءً على ذلك حتى لو فرضنا أن القبر ليس فيه طوب ووضعوا بدلاً من اللبِن طوباً، فهذا يُكْرَه عند العلماء؛ لأن الطوب مما مسته النار.

    العدل بين الأولاد وحكم تنفيذ الوصية لأحد الأولاد

    السؤال: فضيلة الشيخ: هل يلزم إذا اشتريتَ لولدك شيئاً أن تعطي الآخر مثله؟

    كذلك رجل أوصى أن يُشْتَرى لابنه سيارة بعد وفاته، فهل تُنَفَّذ هذه الوصية؟

    الجواب: أما الأول وهو العطاء في الحياة، فيجب العدل بين الأولاد، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء:11].. هذا إذا كان العطاء تبرعاً، أما إذا كان العطاء لسد حاجة فهذا يُعْطِي كل إنسان ما يحتاجه، فمثلاً: إذا كان عنده ولدان: أحدهما يدرس، فيحتاج إلى كتب.. إلى أقلام.. إلى دواة.. إلى غيرها، فيعطيه ولا يعطي الآخر الذي لا يدرس.

    يحتاج أحدهما إلى معالجة، يعالجه، ولا يعطي الآخر مثلما صرف في دواء هذا الولد وعلاجه.

    كذلك النساء، فالمرأة تحتاج إلى حلي في آذانها وفي رقبتها وفي رأسها، والولد لا يحتاج مثل هذا، فتشتري للأنثى ولا تشتري للولد .. هذه بالنسبة للنفقة.

    كذلك أيضاً: أحد الأولاد يحتاج إلى الزواج، زَوَّجْتَه، والآخر صغير لم يصل إلى حد الزواج فلا تعطه.

    وأما الوصية بعد الموت فهي حرام مطلقاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا وصية لوارث).

    تعليق على كتاب مدارج السالكين لابن القيم

    السؤال: فضيلة الشيخ، هل لكم ملحوظات على كتاب مدارج السالكين لـابن القيم؟

    الجواب: ابن القيم رحمه الله أكبر من أن يكون لي وأمثالي ملحوظات عليه، وإن كان غير معصوم؛ لكن الكتاب كما تعرف هو شرح لـمنازل السائرين ، وأصل الكتاب المشروح فيه بعض الملحوظات، ففيه ما يومئ إلى شيء كبير في علم الدين، وإن كان ابن القيم رحمه الله اعتذر عنه، وبيَّن أنه بريء مما يتبادر من كلامه، وما من إنسان إلا ويؤخذ من قوله ويُترك، وأنا لم أقرأ الكتاب من أوله إلى آخره؛ لكن أقرأ بعض المواضيع منه؛ لأن بعض المواضيع لا يمكن أن تجدها في كتاب، وبعض الهفوات لا أحد يسلم منها.

    حكم من أسر بالفاتحة في الصلاة الجهرية

    السؤال: فضيلة الشيخ، إمام يصلي بمأمومين والصلاة جهرية، وفي أثناء الفاتحة تذكر أنها جهرية، هل يعيد الفاتحة من جديد أم يستأنف؟

    الشيخ: معناه أنه أسر بالقراءة أولاً.

    السائل: نعم، أسَرَّ.

    الشيخ: ثم ذكر؟

    السائل: ثم ذكر أثناء الفاتحة.

    الجواب: لا حرج عليه، إن شاء ابتدأ من الأول لأجل أن يقرأ القراءة جهراً كما هو السنة، ويكون عوده هنا من أجل فعل السنة، لا لمجرد التكرار، وإن شاء ابتدأ مما وقف عليه؛ لكن لو بدأ لكان أحسن للناس من أجل أن يسمعوا الفاتحة كلها.

    السائل: هل يلزمه سجود سهو؟

    الشيخ: لا يسجد سجود سهو.

    مقدار اللقطة التي تؤخذ وتعرف

    السؤال: ما هو الحد الأعلى فيما يجوز التقاطه من اللقطة المالية في هذا الزمان؟

    الشيخ: هل تريد الذي يُملك بالالتقاط، أو الذي يجوز التقاطه؟

    السائل: الذي يُمْلَك بالالتقاط.

    الجواب: وذلك لأن بينهما فرق؛ فالذي يجوز التقاطه التقطه ولو بلغ الملايين، لكن الذي يُمْلَك بالالتقاط يختلف باختلاف الأحوال، باختلاف الناس، ففي زمن مضى كان الدرهم الواحد عند الناس غالياً تتبعه الهمة، وفي عصرنا الآن يمكن عشرة ريالات لا يهم، لو ضاعت من الإنسان عشرة ريالات لن يبحث عنها، اللهم إلا إذا كان في مكان قريب، وكان -أيضاً- بالأول لما كانت الدراهم متوفرة بأيدي الناس والسيولة -كما يقولون- متوفرة أيضاً لو ضاع منه خمسون ريالاً لا يهمه؛ لكن الآن بدأت تشح الدراهم، وربما نقول: الثلاثون ريالاً تتبعها همة أوساط الناس، فيجب أن تعرفها.

    كيف يصلي المغرب من أتى والناس يصلون العشاء؟

    السؤال: شخص مسافر قَدِمَ ووجد شخصاً يصلي العشاء قصراً، هل يدخل معه بنية صلاة المغرب ويأتي بركعة ثالثة؟ وكذلك صلاة الظهر خلف من يصلي العصر؟ أحسن الله إليك.

    الجواب: أنا أريد أن أبيِّن لك أولاً القول الراجح: إذا أتيت وأنت لم تصلِّ المغرب ووجدتهم يصلون العشاء فادخل معهم بنية المغرب، ولكل امرئ ما نوى، ثم إن كنت دخلت من أول ركعة فستتم صلاتُك قبل أن يقوم الإمام إلى الرابعة، انفصل عنه واقرأ التشهد وسلم، ثم ادخل معه فيما بقي من صلاتك، هذا أرجح ما يكون من الأقوال.

    القول الثاني: أن تدخل معه بنية العشاء، وإذا انتهيت تصلي المغرب، وهنا فات عليك الترتيب من أجل إدراك الجماعة.

    القول الثالث: لا تدخل لا بنية المغرب ولا بنية العشاء، وصلِّ المغرب وحدك ثم ادخل معهم فيما بقي من صلاة العشاء.

    لكن القول الأول هو أرجح الأقوال، وإنما ذكرتُ الأقوال -وأنا لا أحب أن أذكر الأقوال إذا كان هناك قول راجح- لئلا تسمعوا فتوى بخلاف ما رجحناه.

    حكم شراء محلات الشر والفساد وتغييرها إلى محلات نافعة

    السؤال: قيام بعض الناس الذين يحبون نشر الخير بشراء بعض المحلات التي تنشر الشر؛ كالتسجيلات الغنائية وخلافها، وتحويلها إلى محلات لنشر الخير، هل هذا العمل سائغ أو يكتفى بالدعوة فقط؟

    الجواب: إذا كان عند الإنسان قدرة أن يشتري هذا المحل الذي ينشر الشر والفساد ليحوله إلى محل خيِّر طيِّب، فهذا من أفضل الأعمال؛ لأن مصلحة هذا متعدية، ولكن يُشْكِل على هذا أنك ربما تشتريه ثم يذهب ويفتح محلاً آخر، فإذا علمت أن هذا الرجل ممن يريد الشر، ولن ينكفَّ إذا اشتريت محله، بل سيأخذ دراهمك ويفتح بها محلاً آخر فلا فائدة من شرائه، وهذا يختلف، ربما يكون البلد لا يسمح بافتتاح محل جديد ينشر الرذيلة، حينئذ لا شك أنه ينفع، إذا اشتريته أنت وحولته إلى محل خيِّر طيِّب، لكن إذا كان الباب مفتوحاً لكل من أراد أن يفتح يفتح ما شاء، فهي مشكلة، قد تصرف هذه الدراهم تريد الخير؛ لكن لن يحصل لك ما تريد، فصرفها في محل آخر أنفع لك وللمسلمين أفضل.

    حكم تأجير المحلات على المشاغل النسائية

    السؤال: فضيلة الشيخ، ما حكم تأجير المحلات على المشاغل النسائية؟

    الجواب: لا أرى في هذا بأساً؛ لأن المشاغل النسائية ليس فيها بأس، إلا إذا علمنا أن هذا الرجل ممن عُرِف بأنه يخيط للنساء ما لا يتلاءم مع اللباس الإسلامي؛ فحينئذ لا تعطِه، ونظير ذلك أيضاً، التسجيلات، والحلاَّق، وكذلك خياط الرجال ربما يخيط للناس ما لا يجوز، مما كان إسبالاً .. فالمهم كل إنسان تعرف أنه يستأجر منك هذا المحل ليفعل به المحرم فإنه حرام عليك أن تؤجره؛ لأن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه.

    السائل: إذا كان فيه قص لشعر النساء بما يسمى الكوافير في نفس المحل؟

    الشيخ: إذا علمت أنه استأجره لهذا فلا تؤجره.

    حكم الأذان قبل دخول الوقت كما في بعض التقاويم

    السؤال: سمعنا أن التقاويم الموجودة الآن فيها تقديم خمس دقائق بالنسبة لصلاة الفجر أو غيرها، فما النصيحة في هذا؟

    الجواب: التقويم الموجود الآن -تقويم أم القرى- فيه تقديم خمس دقائق بالنسبة للفجر فقط، أما غير الفجر فليس فيه شيء، اختلاف يسير إما دقيقة أو دقيقتين، ولهذا نرى أن الأئمة يجب أن يلاحظوا هذا في أذان الفجر، يتأخروا خمس دقائق، وهم إذا تأخروا خمس دقائق لا يضر، فلو قدرنا أن التقويم على الفجر تماماً، وتأخر الإنسان خمس دقائق لا يضر؛ لكن لو تقدَّم دقيقة ضَرَّ؛ لأنك لو قلت في الأذان: الله أكبر قبل دخول الوقت لم يصح الأذان، فلو أن إنساناً يرقب الشمس عند الغروب، وأذَّن وقد بقي على قرص الشمس مثل الهلال، فإن أذانه لا يصح؛ لأنه كان قبل الوقت، فكيف إذا كان يؤذن قبل الوقت بخمس دقائق، وتجد بعض الناس -مثلاً- ينتظر متى يؤذن ثم يصلي مباشرة، إما إنسان مريض، أو إنسان فيه نوم، أو امرأة محصورة تنتظر متى يؤذن، فالمهم على المؤذنين أن يتأخروا خمس دقائق في أذان الفجر.

    السائل: وإذا خشي يا شيخ من كلام الناس مثلاً؟

    الشيخ: خمس دقائق لا يكون هناك كلام؛ لأنه لا يأتي أولهم يؤذن وآخرهم، الآن بين المؤذنين بعضهم عشر دقائق، ثم يا أخي! الشيء الذي تفعله لله لا تخشى من غيره، أنت تفعله لله لا تخشى من غيره.

    حكم بيع واقتناء المجلات الإسلامية التي فيها صور

    السؤال: المجلات الإسلامية التي فيها صور ما حكم بيعها؟

    الجواب: المجلات الإسلامية التي فيها الصور من تمام الإيمان ألا يجعل الإنسان مجلته كلها صوراً، هناك مجلات معروفة .. مجلات صور، مجلات أزياء، هذه لا يجوز بيعها ولا شراؤها ولا اقتناؤها، وهناك مجلات المقصود فيها ما فيها من أخبار والكلمات لكن يوجد -مثلاً- صورة المتكلم، أو صورة الكاتب، أو صورة مشهد، هذه ليست حراماً، ولكن هل يجوز أن تقتنيها أو لا بد أن تطمس على وجه كل أحد، الظاهر أنه لا يجب أن تطمس على وجه كل أحد؛ لأنه غير مقصود, والإنسان الذي يشتري -مثلاً- صحيفة من الصحائف فهذا لا يريد الصورة إطلاقاً، ففرق بين مجلات أو صحف أُعِدَّت للتصوير، وبين مجلات أعدت لغير التصوير، لكن فيها صور:

    الأولى: حرام بيعها، وشراؤها، واقتناؤها.

    والثانية: لا يحرم ذلك.

    حكم مقاطعة الجيران والأقارب الذين يمتلكون الدشوش

    السؤال: هل يجوز مقاطعة الجيران والأقارب الذين في بيوتهم دش من الزيارة وغيرها؟

    الجواب: لا تـجوز مقاطعتهم، بل تجب صلتهم؛ لأن النصوص في وجوب صلة الرحم عامة، بل إن الله تـعالى قال في الوالدين: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:15] ، فهذان الوالدان، أبوك وأمك، كلاهما مشرك وقد بذلا الجهد في أن تشرك بالله، ففعلوا الشرك بالله ودعَوا إلى الشرك بالله، ومع ذلك يقول الله: فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:15].

    وصلة الرحم ليس فيها نص واحد، يقول صلى الله عليه وسلم: (صلوا الأرحام ما لم يفعلوا المعصية) فالواجب صلتهم.

    نعم.. لو علمنا أننا إذا قاطعناهم تابوا إلى الله من هذا، فهنا نقاطعهم دواءً، حتى يتوبوا، كذلك لو أتينا إليهم وهم قد فتحوا الجهاز على الدشوش ثم نهيناهم عن ذلك لم يبالوا بنا، وأبقَوا الجهاز يشتغل فهنا لا تذهب إليهم؛ لأنك إن ذهبت شاركتهم في المعصية.

    حكم الصلاة خلف إمام يلحن

    السؤال: الإمام المكلف بالصلاة بالناس، مكلف من وزارة الأوقاف، ويخطئ كثيراً في التلاوة ...

    الشيخ: وهو إمام راتب.

    السائل: نعم، إمام راتب، ويخطئ كثيراً في التلاوة، فهل للحافظ الذي خلفه أن يرده مع كثرة الخطأ أم ماذا يفعل؟ وما حكم الصلاة خلفه؟

    الجواب: الواجب إن كان إماماً راتباً وهو يخطئ في القرآن أن تبلغ الجهات المسئولة عنه؛ لأنه لا يحل للجهات المسئولة أن تجعل إماماً راتباً وهو لا يحسن القراءة، فوظيفة المأمومين هنا أن يبلغوا.

    السائل: يا شيخ، بلغنا ولا فائدة

    الشيخ: هل اللحن يحيل المعنى؟

    السائل: يخفض مرفوعاً ويرفع منصوباً .. وهكذا.

    الشيخ: إن كان لا يحيل المعنى فصلوا خلفه لا بأس، وإن كان يحيل المعنى فلا تصلوا خلفه، اطلبوا مسجداً آخر.

    التقويم يشمل جميع البلدان

    السؤال: الخمس دقائق هذه التي قبل الفجر، في كل البلدان أم فقط هنا؟

    الجواب: في كل البلدان؛ لأن التقويم مبني على أساس كل البلدان، سواء في القصيم، أو مكة، أو في جدة، أو في أي مكان.

    حكم مطالبة الزوجة بسكن منفرد عن سكن الأهل

    السؤال: هل يجوز للزوجة أن تشترط على الزوج السكنى بمفردها بعد أن كانت تسكن مع والدته ووالده؟

    الشيخ: أن تشترط أو تطلب؟

    السائل: تطلب أو تشترط.

    الشيخ: لا، بينهما فرق، أن تشترط، هذا عند العقد.

    السائل: أن تطلب -أحسن الله إليك- وهل له أن يحقق طلبها؟

    الجواب: إذا كانت الزوجة اشترطت عند العقد ألا يُسْكِنَها مع أهله والتزم بالشرط وجب عليه الوفاء بذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج)، وإذا لم تشترط هذا وجرت عادة الناس أن يُسْكِنَها مع أهله فليس لها الحق في المطالبة، إذا كان هذا هو العرف، أما إذا كانت في بلد جرى العرف بأن الزوج لا يُسْكِن الزوجة مع أهله فالمعروف كالمشروط، فمثلاً: نحن عندنا الآن جرت العادة أن الزوج يسكن زوجته مع أهله؛ لكن هناك طائفة كبيرة من المجتمع يعرف الناس أنهم إذا تزوجوا سوف يجعلون لها مسكناً خاصاً، فيكون هذا كالمشروط.

    بقينا فيما إذا لم يكن هناك شرط ولا عرف وسكَّنها مع أهله، فلها أن تطلب الانفراد إذا لم يمكن العيش مع أهله؛ لأنه أحياناً يسيء الأهل إلى الزوجة إساءة بالغة، لا سيما إذا رأوا أن الزوج يحبها، تجدهم يسيئون إليها وينفرونها من البقاء معهم، فهؤلاء لا شك أن للزوجة أن تطلب الانفراد.

    السائل: لكن البر بالوالدين؛ لأنهما يتأثران.

    الشيخ: الحمد لله، يقول لوالديه: أحْسِنا العشرة مع الزوجة، وأنا سوف أجلس، وإذا لم تحسنا العشرة فهل تبقى المسكينة في نار طيلة حياتها؟! ثم إذا خرج بها وانفرد يمكنه أن يبر والديه، يأتي إليهما في الصباح والمساء، وعند الحاجة يبقى عندهما يوماً وليلة، حسب الحال.

    حكم طاعة الوالدين في المسائل الخلافية

    السؤال: تعرفون -حفظكم الله- أن كثيراً من المسائل الخلافية التي في كتب أهل العلم رحمهم الله يكثر أحياناً فيها الخلاف وربما يصعُب التحقيق فيها .. السؤال: قد تطلب الوالدة أو الوالد بعض الأمور التي فيها خلاف بين أهل العلم من ابنهما، فماذا يصنع الابن في أمر قد لا يرجحه وهو طالب علم؟

    الشيخ: مثاله؟

    السائل: الأمثلة على ذلك كثيرة، كاللحوم المستوردة مثلاً، التي جرى فيها الخلاف في جواز أكلها وعدم الأكل، ومثل زيارة القبور.

    الشيخ: الوالدان يقولان: هات من هذا اللحم، أو يقولان: لا تأتِ به؟

    السائل: يقولان: ائت لنا منه.

    الشيخ: وهو لا يريد.

    السائل: نعم.

    الجواب: هذه سهلة، هذه ليست مشكلة، يقول: مقصودكما أكل اللحم، نأتي لكما بلحم.

    السائل: لا، يريد هذا النوع.

    الشيخ: لا يخالف، يأتي بثانٍ.

    السائل: لا، يريد النوع الذي جرى فيه خلاف.

    الشيخ: لا يخالف، النوع الذي جرى فيه الخلاف الذي يرد إلى البلاد من الخارج، إذا قال الوالدان: نحن نريده، يقول: أنتما تريدان اللحم نأتي لكما بدله.

    السائل: لا يريدان بدله.

    الشيخ: وهل إذا أتى باللحم العادي من الدجاج الوطني هل يمتنعان من الأكل؟

    السائل: لا يمتنعان لكن يريدان هذا وذاك، تارة يريدان ذاك، وتارة الذي يحصل يحصل.

    الشيخ: تأتي لهما بلحم غنم، ما فيه مشكلة.

    السائل: لو جرى على هذا لا بأس، لكن أحياناً يريدان هذا، يرغبان مرة في هذا ومرة يريدان هذا.

    الشيخ: الإنسان الحكيم يستطيع أن يتخلص من هذا؛ لكن عندنا مسألة زيارة القبور .. فإذا كان الولد يرى أن المرأة لا يحل لها أن تزور المقبرة وطلبت أمه أن تزور، فلا يذهب بـها؛ لأن الله قال: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا [لقمان:15]، فيُقاس عليه كل معصية طلبها الأب أو الأم فلا يطاعا، (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، لكن هناك أشياء -كما ذكرتَ- يمكن أن يختلف الولد والوالدان فيه، فهنا لا بأس أن يعطيهما ما فيه الخلاف لكنه بنفسه لا يفعله.

    السائل: هو لم يفعله، لكن يريد إرضاء أمه.

    الشيخ: يعطيها الأم وحدها، أما هو فلا يصنعه.

    السائل: لأنه جائز في حقها؟

    الشيخ: نعم؛ لأنه جائز في حقها، وهنا مشكلة غير هذه، هناك شخص يقول: إن أباه يرى حل الدخان، وهو يرى التحريم، فيقول له أبوه: اذهب يا بني، هذه عشرة ريالات اشترِ بها دخاناً، هذه مشكلة؛ لأنه يرى أنه حرام والأب يرى أنه حلال.

    السائل: هذه ليست كبيرة.

    الشيخ: لا، هذه من أصعبها، ثم قد يكون الأب ليس عنده مال ويقول: اشترِ لي من مالك.

    السائل: ومثلها القات أحسن الله إليك؟

    الشيخ: نعم، ومثل ذلك القات عند أهل اليمن.

    وصف الله سبحانه وتعالى بالسكوت؟

    السؤال: فضيلة الشيخ، جاء في الحديث: (وسكت عن أشياء رحمة بكم) فهل يوصف الله بالسكوت؟

    الجواب: من الذي قال هذا الكلام؟

    السائل: قاله النبي صلى الله عليه وسلم.

    الشيخ: الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الرسول قال: (وسكت عن أشياء) فهل يمكن أن أحداً يسأل: هل يجوز أن نقول: إن الله يسكتُ؟ لا يجوز يا أخي.

    السائل: إذا لا يوصف بالسكوت.

    الشيخ: يوصف.

    السائل: يوصف يا شيخ؟

    الشيخ: نعم، على ظاهره، (سكت عن أشياء -أي: لم يحرمها- رحمة بكم)، وقطعاً إذا كان سكت عن أشياء لم يحرمها أنه لم يتكلم بها، لكن السكوت من حيث هو بالمعنى اللغوي يطلق على عدم الكلام، ويطلق على عدم إسماع الكلام، ومن ذلك قول أبي هريرة للنبي عليه الصلاة والسلام: (أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟) فوصف الرسول بالسكوت مع أنه يقول: ما تقول؟ فالسكوت من حيث اللغة العربية يطلق على هذا وهذا.

    أما بالنسبة لله إذا سكت معناه: يتكلم على مَن؟ إذا سكت عن أشياء لم يحرمها فهو ساكت عنها.

    وبالمناسبة هذه أنا أود من إخواني طلبة العلم ألا يتعمقوا فيما يتعلق بالصفات، يأخذ الأحاديث والقرآن على ظاهره ولا يسأل؛ لأن ما يتعلق بصفة الله من دين الله، فإذا كان الصحابة لم يسألوا عنها فليَسَعنا ما وسعهم، ولهذا قال الإمام مالك للذي سأل عن الاستواء، وقال: كيف استوى؟ قال له: ما أراك إلا مبتدعاً، وقال: السؤال عن هذا بدعة.

    السائل: هل يثبت الحديث؟

    الشيخ: إذا ثبت. والنووي ذكره في الأربعين النووية.

    السائل: أليس متكلَّمٌ فيه؟

    الشيخ: متكلَّمٌ فيه؛ لكن عندما أثبته يكفي.

    والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767974596