أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثاني والأربعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو العاشر من شهر رجب عام 1417هـ.
نبدأ فيه كالعادة في تفسير ما تيسر مما وقفنا عليه في سورة الذاريات.
(وفي الأرض آيات للموقنين) لم يبين الله عز وجل هذه الآيات بل جاءت مُنَكَرة ليشمل كل آية في الأرض، سواء كانت الآيات فيما يحدث فيها من الحوادث، أو كانت في نفس طبيعة وتركيب الأرض، فإن فيها آياتٍ عظيمة، في الأرض آيات من حيث التركيب، كما قال الله عز وجل: وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ [الرعد:4] فتجد الحجر الواحد يشتمل على عدة معادن، وهو حجر واحد، وترى أحياناً في الجبال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ [فاطر:27].
وتجد فيها الأرض اللينة، والرخوة، والصلبة .. إلى غير ذلك مما يعرفه علماء الجيولوجيا من الآيات العظيمة، فيها آيات من جهة الحوادث التي تحدث فيها، من الزلازل والبراكين وغيرها، فيها آيات -أيضاً- من جهة طبيعة الجو من حر وبرد، ورياح عاصفة، ورياح باردة، ورياح دافئة .. وغير ذلك مما إذا تأمله الإنسان عرف بذلك قدرة الله عز وجل من جهة، وعرف حكمته ورحمته -أيضاً- من جهة أخرى؛ لأن آيات الله سبحانه وتعالى يتبصر بها الإنسان لا من حيث القدرة والعظمة بل حتى من حيث الحكمة والرحمة؛ لأن كل شيء تجده مناسباً لمكانه وزمانه، وكل شيء تجده من آثار رحمة الله تبارك وتعالى.
المهم أن كلمة (آيات) نجد أنها نكرة عامة لكل ما يحدث في الأرض من آيات، ولكل ما فيها من طبيعتها وتركيبها وغير ذلك.
(آياتٌ للموقنين) أي: لمن أيقن بوجود الله عز وجل وعظمته وجلاله، أما من شك -والعياذ بالله- فإنه لن ينتفع بهذه الآيات، بل قد تكون هذه الآيات ضرراً عليه، فإن الآيات الكونية أو الشرعية قد تكون خيراً للإنسان وقد تكون شراً، واستمع إلى قول الله تبارك وتعالى: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ [التوبة:124] أي: من القرآن فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:124-125].
كذلك الآيات الكونية، من الناس من ينتفع بها ويستدل بها على ما فيها من آيات الله عز وجل، ومن الناس من يكون بالعكس يؤدي ما يجده من الآيات إلى الإلحاد والعياذ بالله، ولهذا قال: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ [الذاريات:20] أي: ليس لكل إنسان بل للموقن، أما الشاك والمتردد والكافر فإنه لن ينتفع بهذه الآيات.
آيات النفس ليس في تركيب الجسم فحسب، وليس فيما أودعه الله تعالى من القوى فحسب، بل حتى في تقلبات الأحوال، الإنسان تجده يتقلب من سرور إلى حزن، ومن غم إلى فرح، وتقلبات عجيبة عظيمة، حتى إن الإنسان في لحظة يجد نفسه متغيراً بدون سبب، يكون منشرح الصدر واسع البال مسروراً، وإذا به يغتم بدون سبب، أحياناً بالعكس، هذا بالنسبة للأحوال النفسية.
كذلك -أيضاً- بالنسبة للإنسان بالأحوال الإيمانية، وهي أعظم وأخطر، تجد الإنسان في بعض الأحيان يكون عنده من اليقين ما كأنه يشاهد أمور الغيب مشاهدة حسية، كأنما يرى العرش، وكأنما يرى السماوات، أو يرى الملائكة، أو يرى كل ما أخبر الله به من أمور الغيب، وفي بعض الأحيان يقل هذا اليقين لأسباب قد تكون معلومة وقد تكون غير معلومة، لكن من الأسباب المعلومة قلة الطاعة، فإن قلة الطاعة من أسباب ضعف اليقين، قال الله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ [المائدة:49].
وهناك -أيضاً- أسباب لا يدري الإنسان ما هي، ومنها: اللهو والغفلة، ولهذا قال الصحابة للرسول عليه الصلاة والسلام: [إنا إذا كنا عندك وذكرت الجنة والنار فكأنما نراها رأي العين، فإذا ذهبنا إلى أهلينا وعافسنا الأولاد والأهل -أو كما قالوا- نسينا] وهكذا الإنسان كلما التهى قل يقينه وإيمانه، ومن ثم نهى الشرع عن الألعاب واللهو الباطل الذي يزداد به الإنسان بعداً عن طاعة الله، وعن التفكير في آيات الله.
أيضاً في النفس فيها آيات في نفوس الناس، من الناس من تجده هيناً ليناً طليق الوجه مسروراً كل من رآه سُر في وجهه، وكل من جلس إليه زال عنه الغم والهم، ومن الناس من هو بالعكس قطوب عبوس بمجرد ما تراه لو كنت مسروراً لأتاك الحزن والسوء، هذه -أيضاً- من آيات النفس وهي كثيرة جداً، ومن أراد المزيد من هذا والاطلاع على قدرة الله تعالى فيما في أنفسنا من الآيات فعليه بمطالعة كلام ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة، يجد العجب العجاب، وكذلك -أيضاً- في كتابه الصغير وهو كبير في المعنى وهو التبيان في أقسام القرآن، ذكر من ذلك العجب العجاب.
أَفَلا تُبْصِرُونَ الاستفهام هنا للتوبيخ والإنكار، كأن الله عز وجل يقول: ابصروا في أنفسكم، تبصروا، تأملوا، تفكروا، فإذا لم تعرفوا هذه الآيات فأنتم لا تبصرون، فيكون الاستفهام هنا للتوبيخ والإنكار، ألا نتبصر، وهي دعوة من الله عز وجل لعباده أن يتبصروا في الآيات، إذا لم تتبصر في الآيات فاعلم أنك محروم، قال الله تعالى: وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [يونس:101].
إذاً.. إذا لم تتعظ بالآيات فاعلم أنك محروم وأن إيمانك ناقص وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [يونس:101] فعليك يا أخي! أن تتفكر، في آيات الله الكونية وما في هذا الكون العظيم من آيات الله الدالة على عظمته وسلطانه ورحمته وحكمته، وكذلك في آيات الله الشرعية ومن فتح الله عليه في الآيات الشرعية ينتفع بها أكثر مما ينتفع بالآيات الكونية، إذا تأمل ما أخبر الله به عن نفسه من الأسماء والصفات والأفعال والأحكام ازداد إيماناً بالله عز وجل، وعرف بذلك الحكمة والرحمة، إذا تأمل فيما أخبر الله به عن اليوم الآخر وما يكون فيه من ثواب وعقاب وجزاء وحساب -أيضاً- ازداد إيماناً بالله، وكلما تأمل الإنسان في آيات الله الشرعية ازداد إيمانه، وبعض الناس الموفقين يكون ازدياد إيمانه بالآيات الشرعية أكثر من ازدياد إيمانه بالآيات الكونية، أما الإنسان الذي يفتح الله عليه في هذا وهذا فيا حبذا.
ذهب كثير من العلماء أن المراد بالرزق هنا المطر؛ لأن الله تعالى قال: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ [غافر:13].
فقال في السماء: (رزقكم) أي: المطر، وسمي المطر رزقاً؛ لأنه سبب للرزق، إذا أنزل الله المطر أخرجت الأرض الماء والمرعى متاعاً لنا ولأنعامنا، وهذا رزق، كم من أناس يكون رزقهم على ما ينزل من المطر، من الزروع والحشيش والمياه وغيرها، بل إن الله تعالى قال: أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ [الواقعة:68-69].
هل أحد يستطيع أن ينزل من المزن ماءً؟
لا يمكن.
هل أحد يستطيع أن يخلق في المزن ماءً؟
لا يمكن.
الله عز وجل هو الذي يتولى ذلك، هذا هو مادة الرزق، لولا الماء لهلكنا، وتأمل قوله تعالى: أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ [الواقعة:69-70].
لم يقل: لو نشاء لم ننزل، مع أنه لو شاء لم ينزل، لكن قال: لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً [الواقعة:70] أي: لو نشاء أنزلناه، لكن جعلناه أجاجاً مالحاً لا يمكن أن يُشرب، وحسرة الإنسان على ماء بين يديه ولكن لا يستطيعه ولا يستسيغه أشد من حسرته على ماء مفقود؛ لأن الماء الموجود ا لذي لا تنتفع به ولا تستطيع شربه أشد حسرة من الماء المفقود، ولهذا ذكرنا الله هذه الحالة، أرأيتم الآن هذا المطر العذب الزلال اللذيذ صار أجاجاً مالحاً كيف تكون الحال؟ صعبة جداً، ولهذا قال: لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ [الواقعة:70].
يقول: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ [الذاريات:22] إذاً.. الرزق هو المطر، كما في الآية الكريمة: وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً [غافر:13].
ويمكن أن نقول: إن الرزق الذي في السماء أعم من ذلك، فقد يقال: إن في السماء رزقنا من المطر، وما كتب الله لنا في اللوح المحفوظ من المصالح والمنافع الجسدية من أموال وبنين.. وغير ذلك، فيكون هذا القول أشمل وأعم.
واعلم أنه ينبغي أن يراعي المستدل بالقرآن والسنة قاعدة وهي: إذا فسرنا النص القرآني أو النبوي بمعنى أقل وفسرناه بمعنى أعم، فأيهما نأخذ؟ نأخذ بالأعم؛ لأن الأعم يدخل فيه الأخص ولا عكس، اللهم إلا إذا دل دليل على أنه خاص فهذا يتبع فيه الدليل، لكن عندما لا يدل الدليل خذ بالأعم؛ لأن الأعم يدخل فيه الأخص ولا عكس، فهنا إذا قلنا: المراد بالرزق ما هو أعم من المطر، فالجواب صحيح، فيدخل فيه المطر والشمس والقمر وغيره.
وقوله: وَمَا تُوعَدُونَ أي: وفيه الذي توعدون، فما الذي نوعد؟
الذي نوعد الجنة، والجنة في السماء وليست في الأرض، ولهذا قال الله في قصة آدم: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا [البقرة:38] والهبوط يكون من أعلى إلى أسفل، فالجنة في السماء، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الجنة درجات، وأن أعلاها الفردوس، وأنه أعلاها وأوسطها، وهو إشارة إلى أن الجنات مثل القبة، أعلاها هو وسطها، قال: (ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن) إذاً.. هي أعلى شيء، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من ساكنيها، إنه على كل شيء قدير، فالذي نوعد هو الجنة، فالرزق في السماء، والجنة التي نُوعدها في الآخرة في السماء.
إذاً.. نحن أهل الأرض مرتقبون إلى السماء في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ففي السماء رزقنا في الدنيا، وفيها ما نوعد في الآخرة وهي الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها.
الجواب: نحن تكلمنا على مسألة المعية وقلنا: إن المعية معية حقيقية، أنه سبحانه وتعالى نفسه مع خلقه لكن ليس في الأرض، وذكرنا أدلة على ذلك، منها سياق الآيات الكريمة، مثل: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الحديد:4].
الضمائر هذه كلها تعود إلى الله، فإذاً.. هو ذات، لكن لا يعني ذلك ما ذهبت إليه الجهمية الذين يقولون: إن الله في الأرض، فهذا نرى أنه ضلال وكفر، وأن من اعتقده في ربه فهو كافر، لكننا نقول: هو معنا وهو في السماء، فهو معنا حقيقة وهو في السماء، ولا منافاة.
فإذا قال قائل: كيف يكون معنا وهو في السماء؟
جوابنا على هذا من عدة وجوه.
الوجه الأول: أن الله قال: وَهُوَ مَعَكُمْ [الحديد:4] وقال: هو في السماء، ومادام أنه قال: هو معنا وهو في السماء نؤمن بهذا وهذا، ولا يمكن أن يخبر الله بشيء ثم يخبر بضده مما يناقضه أبداً، والأمور الغيبية ولاسيما فيما يتعلق بذات الله، لا يجوز للإنسان أن يسأل كيف ولم؛ لأنه مهما كان لا يمكنه أن يدرك هذا.
الوجه الثاني: أنه لا منافاة بين العلو والمعية، قد يكون الشيء معك وهو بعيد عنك، ولهذا العرب كان من كلامهم أنهم يقولون: ما زلنا نسير والقمر معنا، ما زلنا نسير والقطب معنا، وما أشبه ذلك، ومن المعلوم لكل أحد أن موضع القمر وموضع القطب في السماء، وتطلق العرب عليه أنه معها، ولا يرون هذا منافياً لهذا، وإذا كان لا منافاة في العلو والمعية في حق المخلوق ففي حق الخالق من باب أولى.
الوجه الثالث: على فرض أن هذا لا يتصور في المخلوق، أن يكون بعيداً عنك وتقول: إنه معك، على فرض شيء غير واقعي، نقول: على فرض أن ذلك لا يقع بالنسبة للمخلوق فهو واقع بالنسبة للخالق؛ لأن الله تعالى محيط بكل شيء السماوات السبع والأرضين السبع في كفه عز وجل كخردلة ما هي بشيء، يوم القيامة يطوي الله سبحانه وتعالى السماء كطي السجل للكتب، الكاتب إذا طوى الورقة سهل عليه، ما هي صعب، ويقول عز وجل: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً [الزمر:67] كل الأرض بما فيها من بحار وأنهار وأشجار وغيرها وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67] كل السموات السبع التي لا يعلم قدرها إلا الله عز وجل (مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) فالله عز وجل محيط بكل شيء، لكن أن نقول كما قالت الجهمية: إنه معنا في الأرض هذا كلام باطل، فنحن نقول: إن الله معنا حقاً، وكما قاله غيرنا كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من العلماء ولكننا لا نقول: إنه معنا هنا في الأرض، ونقول: من قال ذلك فهو ضال وكاذب، لكن بعض الناس فهم من هذا فهماً خطأً ونحن بريئون منه والحمد لله، من أول عقيدتنا إلى أن نلقى الله عز وجل، أن نقول: إن الله معنا في الأرض هذا لا نقول به إطلاقاً، ففهم بعض الناس هذا الفهم وإذا فهم هذا فلا شك أن هذا منكر يجب إنكاره، فهو إذا كانت نيته حسنة لا يلام على هذا، وإن كان سيئاً فالله يتولى السرائر.
الجواب: الذي أرى أنه لا يرتفع الحدث، إذا نوى غسلاً مسنوناً لا يرتفع الحدث؛ لأنه لم ينوِ رفع الحدث، مثل ما لو اغتسل من غسل الميت، إذا غسل الميت يسن له أن يغتسل، فإنه لا يجزئ عن الحدث، وإذا كان لا يجزئ عن الجنابة، فلا يجزئ -أيضاً- عن الوضوء، لا بد له أن يتوضأ، كما أن غسل الجمعة -وهو واجب فيما أرى- لا يجزئ عن الوضوء؛ لأن غسل الجمعة ليس عن حدث وإنما للتطهر، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو تطهرتم يومكم هذا) فهو لا يجزئ عن الوضوء، فالذي يجزئ عن الوضوء هو غسل الجنابة فقط.
الجواب: نقول: استدلاله بقول الشافعي في غير محله؛ لأن قول الشافعي لا يحتج به، وإنما يحتج له، هذا إذا سلمنا أن الشافعي قاله، وأنا لا أدري، لكن إذا سلمنا وأن هذا الرجل متأكد نقول: قول الشافعي لا يحتج به، وإنما يحتج له، والشافعي رحمه الله وغيره من الأئمة يقولون: إذا وجدتم كلامنا مخالفاً لكلام الله وكلام رسوله فاضربوا به عرض الحائط.
ثانياً: لا يمكن دعوة من لا يفهم اللغة العربية إلا بلغته بنص القرآن، قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:4] ومعلوم أن العربية سابقة، منذ زمن إسماعيل والعربية موجودة، ومع ذلك يرسل الله الرسل بلغة قومهم؛ لأنه لا يمكن أن يفهم الإنسان لغة عربية إلا إذا كان من أهلها، أو قد تعلمها.
فالصواب أنه يجب أن يتعلم الإنسان لغة من يريد أن يدعوهم إلى الإسلام إذا لم يوجد غيرها، فتعلم اللغة التي يدعى بها إلى الإسلام إذا أردنا أن ندعو من لا يعرف العربية فرض كفاية، كما أن الدعوة إلى الإسلام فرض كفاية، الذي يعرف اللغة العربية لا ندعوه بغيرها، والذي ينطق بالعربية لا ينطق بغير العربية، ولهذا كان عمر بن الخطاب يضرب الناس إذا تكلموا برطانة الأعاجم، والعلماء كرهوا أن يكون التخاطب بلغة غير العربية لمن يعرف اللغة العربية، ولذلك -مع الأسف الشديد- الآن عندنا هنا في السعودية التي هي أم العربية نجد بعضهم يتكلم باللغة غير العربية مع أخيه العربي، بل بعضهم يعلم صبيانه اللغة غير العربية، بل بعضهم يعلمهم التحية الإسلامية باللغة غير العربية، سمعنا من يقول لصبيه إذا أراد مغادرته أو أتى إليه، يقول: باي باي، ما معنى باي باي؟ معناها: مع السلامة في الإنجليزي، كيف نذهب إلى هذا؟
ثم نرى الآن مع الأسف الشديد أنه يوجد لافتات على بعض المتاجر باللغة غير العربية، يعني: في بلادنا العربية يأتي العربي من البلد يقف على هذا الدكان لا يدري ما معناه، وما الذي فيه؟ ولا يدري ما هذا المتجر؟ ويأتي إنسان أوروبي لا يعرف البلد، ويقف ويعرف ما في الدكان، لماذا؟ لأن المكتوب باللافتة بلغته، أما نحن فلا، وهذا لا شك أنه من نقص التصور في شأننا في الواقع، من عندك ممن يفهم من اللغة الإنجليزية، أي: ولا (1%) من السكان، ثم تجعل اللافتة على دكانك بهذه اللغة! هذا أقل ما يكون حياءً من أهل البلد، لكن الحقيقة أن القلوب ميتة، وإلا كان يهجر هذا الذي جعل دكانه باللغة غير العربية، كان الذي ينبغي لنا نحن ونحن عرب، والله أنت ما فتحت دكانك لنا، إنما فتحته لأهل هذه اللغة ونقاطعه، ولو أننا قاطعناه لكان غداً يكتبها بالحرف الكبير باللغة العربية، لكن الناس الحقيقة أن قلوبهم موتى إلا من شاء الله، وأنا أرى أنه يجب على المسئولين وإن كنت أحب ألا أقول هكذا أن يدوروا على هذه الدكاكين والمتاجر ويقولوا: أدنى ما نقول لكم: إذا غير العرب فيكم كثيرون أقل ما يجب عليكم أن تكتبوها باللغة العربية فوق، وباللغة غير العربية تحت، ثم نقول: إذا كان هذا البلد أكثر الأجانب الذين هم غير العرب، أكثرهم باكستانيين، هل يليق أن نكتبها باللغة الإنجليزية أم باللغة الباكستانية، إذا أردنا أن نكوّن لغة غير العربية، اللغة الباكستانية.
الآن هؤلاء يكتبون إذا كان أكثر الذي في البلد من العمال باكستانيين -مثلاً- وكتب باللغة الإنجليزية وترك العربية والباكستانية، بقي الآن لا يعرف لا العرب ولا الباكستانيين، كل هذه من أجل إضاعة الشخصية في كثير من الناس، بهرتهم هذه الحضارة في الدول العالمية، فظنوا أنها هي منطلق التقدم.
المهم على كل حال هذه جاءت استطراداً، والكلام على من دعا قوماً غير عرب يجب أن يدعوهم بلغتهم وإلا فلن يستفيدوا.
السائل: الدعوة توقيفية؟
الشيخ: الدعوة توقيفية لكن الوسائل..؟
وهل يمكن الآن أن أجلس بين عشرة من غير العرب وأتكلم بأرقى الفصاحة والبيان باللغة العربية ماذا يفهمون؟ لا شيء، فهل يقال: إن هذه دعوة إلى الله؟! ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلم لغة اليهود من أجل أن يرد عليهم كتاباتهم ويقرأ كتاباتهم، أمره أن يتعلم ذلك، ثم إنه قال لـأم خالد : سنة سنة، لما جاءت إلى الحبشة ووجد عليها ثوباً أظنه جديداً قال: سنة سنة، أي: حسن حسن، الرسول تكلم بغير العربية، مع أنه ليس في مقام دعوة، لكن بعض الناس يتكلم عن جهل، وهنا أسأل: أيهما أشد خطراً على الإسلام، الجهل البسيط أم الجهل المركب؟
الجهل المركب؛ لأن الجاهل جهلاً مركباً يظن أنه عالم، وهو جاهل فيتكلم بما لا يعرف، والجاهل جهلاً بسيطاً لا يتكلم، عارف بنفسه، يقول: لا أدري، فنصيحتي لهذا الأخ أن تبلغه سلامي وتقول له: عليه أن يتأمل في الأدلة ويتقي الله، ولا يتكلم بما لا يعرف إنه مسئول: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36].
الجواب: ما معنى تصديق الشيكات.
السائل: إيداع على شأن تصديق شيك.
الشيخ: من أجل أن تسحب منه؟
السائل: لا. وإنما من أجل أن تأخذ الشيك منه وتعطيه شخصاً آخر مصدق ويوضع حساب الشخص هذا.
الشيخ: المهم لا تأخذ ربا ولا شيئاً، فإن كان لحاجة فلا بأس، وإن كان لغير حاجة فلا.
والطريقة الثانية: أن بعضهم يمسك بيد المعيون ثم يقرأ القرآن، ثم يقول: تخيل في مخيلتك شخصاً ثم يتخيل، فيقول: هذا هو الذي أعينك، فما الحكم في هذه الطريقة؟
الجواب: كلتا الطريقتين لا أعرف لهما أصلاً عن السلف الصالح ، والشيء الذي ليس له أصل في هذه الأمور يوجب الشك، والأصل المنع، حتى يقوم دليل على أن ذلك مفيداً، وما دمنا لا ندري فإننا نقول: الطريقة الثانية من تتهم من تظن؟ ما الفائدة من هذا؟ لأنه ربما يقول هذا المصاب: أنا أتهم فلاناً لسوء تفاهم معه أو لأحقاد بينه وبينه، وهو ليس كذلك، ثم يبني هذا القارئ على ما ظنه، فالذي أرى أن نتجنب مثل هؤلاء، لا يذهب إليهم ولا يؤبه بقولهم.
الشيخ: أقول إن الله تعالى رسم لنا الطريق، فقال: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].
فهل من الحكمة أنك كلما رأيت إنساناً على معصية تنصحه -مثلاً- حلق اللحية، شرب الدخان، ربما لا تجده على شرب الدخان، لكن إذا رآك لن يشرب، لكن حلق اللحية تعرف هذا الرجل حلق لحيته، نصحته أول مرة، ثم مضى شهر أو شهران ووجدته حالق اللحية، وبعد شهر أو شهرين يمكن أكرر، هل كلما رأيته أنصحه؟ هذا ليس من الحكمة؛ لأنه سوف يمل ويتعب، فأنت حين ترى أن للموعظة مكاناً عظه، ولهذا يجب أن نتذكر دائماً قول الله تعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى [الأعلى:9].
فهذا الشرط لا بد من اعتباره، أحياناً الذكرى لا تنفع بل تضر، والمقصود إصلاح الخلق لا إطفاء الغيرة، الإنسان في قلبه غيرة، ويكره كل معصية، لكن هل المقصود أنك تطفئ غيرتك بالإنكار أو تصلح غيرك بالإنكار؟ الجواب: الثاني ولهذا نجد الطب الحسي، تجد -مثلاً- الطبيب يباشر هذا المريض المنتن الريح، الكريه المنظر، لكن من أجل المصلحة، تجد أنه يشق شرح الخبيث من أجل المصلحة، فأنت انظر إلى المصلحة، فنحن لا نستطيع أن نحدد؛ لأن الناس يختلفون، لكن إذا كانت المصلحة في الدعوة والإنكار فافعل، وإلا فاسكت إلى وقت آخر، ولهذا أول ما أمر الرسول بالإنذار قال الله له: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] ثم بدأت الدعوة تتوسع حتى انتهت بعد أن هاجر الرسول إلى قتال الأعداء.
الجواب: لهؤلاء الذين يقولون: الدين الخامس يمكن بعضهم يعبر بهذا المذهب الخامس؛ لأنه يقول: أنتم الوهابية، المذاهب أربعة، الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، وأنتم مذهب خامس، يعني: للتعبير بالدين الخامس هذا لا يعبر به إلا العوام؛ لأنه ليس ديناً مستقلاً، لكن مذهب -على زعمهم- مستقل وهذا كذب، هذا إنما أذاعه أعداء الدعوة إلى التوحيد تشويهاً له، قالوا: محمد عبد الوهاب أتى بمذهب خامس خرج عن إجماع الأمة؛ لأنهم يعتقدون أن ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة فهو إجماع، وهم أخطئوا، محمد عبد الوهاب رحمه الله مذهبه حنبلي وكتبه في العقيدة والتوحيد والفقه كلها مبنية على أصول الإمام أحمد رحمه الله.
ولم يأتِ بمذهب خامس، ولكن أنت تعرف أن الأعداء يشوهون الدعوة والداعي، أعداء الرسل ماذا قالوا؟ قالوا: إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [الصافات:15] فطعنوا في الدعوة، وقالوا في الداعي: إنه سَاحِرٌ كَذَّابٌ [ص:4] فطعنوا في الداعي.
كذلك هؤلاء طعنوا فيما يدعو إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من التوحيد، وشوهوا السمعة لسببين:
السبب الأول: تنفير العوام من التمسك به.
السبب الثاني: استساغة حرب هذا الرجل ومن أخذ بطريقته، أنه أتى ببدع من مذاهب المسلمين فاستحق أن يحارب ويقاتل، وكل هذا كذب على محمد بن عبد الوهاب.
على كل حال، حتى الساخرين بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر -أيضاً- قد يتوقف الإنسان في كونه كفراً؛ لأن الإنسان ربما يسخر بالآمر دون الأمر، وبالناهي دون النهي، وأضرب لكم مثلاً: لو جاء إنسان من العلماء المعتبرين هنا في البلاد، ونهاك عن شيء، وجاء إنسان آخر من الذين لا يعرفون ونهاك، هل تكون قيمة النهي من الرجلين سواء؟ لا. تحترم الأول، والثاني ربما لا تحترمه ليس أنك لم تحترم المنكر لكن لأنك لا تأبه بهذا الناهي ولا تأخذ عنه.
الآن يأتينا طالب علم صغير يرفع ثوبه إلى نصف الساق، وتجد بعض العوام يسخرون به ويرونه أخطأ، ويأتي إنسان من العلماء المعتبرين الموثوق بهم يجعل ثوبه إلى نصف الساق هل يسخرون به؟ لا.
إذاً.. ليست السخرية بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في زمننا كالسخرية بمحمد وأصحابه، بينهما فرق عظيم؛ لأن محمداً عليه الصلاة والسلام معصوم، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في زمننا غير معصومين، لكن الذي يسخر بالمعروف نفسه، هذا الذي يكون كافراً، أما بالآمر به فلا يمكن أن نطلق عليه الكفر؛ لأنه قد يسخر بالرجل دون ما دعى إليه، وهذه مسألة يجب أن نتفطن لها، وأن نعلم الفرق بين السخرية بالرسول وأصحابه، والسخرية بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هنا.
فيقال للساخر: هل أنت تسخر بالمعروف الذي أمروا به كما لو أمروك بالصلاة مع الجماعة وقلت: ما هذا؟ هذا تأخر، هذا تقهقر، يريدون أن نرجع إلى العصور الوسطى وما أشبه ذلك، فهذا كفر، أم أنه يسخر بالرجل نفسه؟ فالرجل نفسه قد يكون الإنسان غير قابل له، والله أعلم.
الشيخ: لا. التسمية قبل الدخول، تقول: باسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث.
السائل: إذا نسيت؟
الشيخ: إذا نسيت قد أقول ولا أجزم بذلك: اخرج وسم وادخل، لأجل ألا تفوتك التسمية ولا تسم داخل الحمام.
الشيخ: ولا تأمن عليه.
السائل: ليس معها إلا محرمها ومعها امرأة ثانية.
الشيخ: لكن لا تأمن أن تضع الطفل عند المرأة الثانية وتذهب ترمي.
السائل: لأنهم جماعة سوف يرمون سوياً والله أعلم.
الشيخ: على كل حال إذا تركت ذلك خوفاً على ابنها أو عجزاً ووكلت فلا بأس.
السائل: وإذا أرادت أن تذبح؟
الشيخ: إن أرادت أن تذبح هدياً في مكة ، فدية توزع على الفقراء فجزاها الله خيراً، وإن كان واجباً عليها أدت الواجب، وإن كان غير واجب فهو تطوع وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ [البقرة:158].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر