إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [149]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله عز وجل لم يجعل لعمل المؤمن انقطاعاً إلا الموت، لهذا جعل الله مواسم للخير لتكون تنشيطاً على العمل الصالح والإقبال إلى الله تبارك وتعالى بالأعمال الصالحة المقربة إليه، ويجب ألا تفتر هممنا عن فعل الطاعات بانتهاء هذه المواسم؛ لأن الله لم يجعل الأعمال الصالحة مقيدة بهذه المواسم، فمثلاً: الصيام يكون في رمضان فريضة وفي غير رمضان نفلاً وغيرها من العبادات.

    1.   

    أعمال صالحة لا تنتهي بالمواسم

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

    فهذا هو اللقاء التاسع والأربعون بعد المائة من لقاءات (الباب المفتوح) الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثالث عشر من شهر شوال عام 1417هـ.

    نسأل الله أن يجعل هذه اللقاءات مباركة لنا ولإخواننا المسلمين.

    بمناسبة انتهاء شهر الصيام والفراغ النفسي الذي يعتري كل إنسان كان مجتهداً في شهر رمضان أود أن أذكر الإخوان بأن عمل المؤمن لا يتقيد بالمواسم -أي: بمواسم الخيرات- كشهر رمضان وعشر ذي الحجة وما أشبهها، بل هو باقٍ مستمر إلى أن يموت الإنسان، لقول الله تبارك وتعالى: وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، ولقوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، فلم يجعل الله تعالى لعمل المؤمن أمداً إلا الموت، ولهذا يجب علينا أن نجعل هذه المواسم تنشيطاً لنا على العمل الصالح والإقبال على الله تبارك وتعالى بالأعمال الصالحة المقربة إليه، وألا تفتر هممنا عن فعل الطاعات بانتهاء هذه المواسم.

    وأنا أذكر لكم نماذج تدل على أن أعمال المسلم لا تنتهي بالمواسم.

    الصيام

    الصيام -مثلاً- لا ينتهي بانتهاء رمضان .. الصيام مشروع كل وقت، وأفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وهناك ألوان أخرى من الصيام، منها: صيام الستة الأيام من شوال، فإن (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر) فإذا صام الإنسان رمضان كله أداءً أو أداءً وقضاء إن كان عليه قضاء ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صيام ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله) وثبت عنه أنه قال: (صوم يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده) وقال في صيام عاشوراء وهو العاشر من شهر محرم: (إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) وأمر بصيام يوم قبله أو يوم بعده.

    وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم).

    القيام

    كذلك القيام لم ينته بانتهاء رمضان، القيام مشروع كل ليلة، فقد قال الله عز وجل في وصف أهل الجنة: كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18] وقال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ [المزمل:20] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتورم قدماه، وثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له وذلك كل ليلة).

    إذاً: فقيام الليل لم ينته بانتهاء قيام رمضان، بل هو مستمر دائم في كل ليلة، فينبغي للإنسان أن يجعل لنفسه حضاً من آخر الليل يقوم فيه ولو نصف ساعة حسب ما يتيسر له، وإذا قام الليل فليستمر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل) ثم إنه لا يحقر شيئاً من العمل الصالح، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) وليختم صلاة الليل بالوتر، فإن كان يرجو آخر الليل فليوتر آخره، وإن كان لا يرجو فليوتر أوله قبل أن ينام.

    النفقات والصدقات

    النفقات والصدقات لا تزال أيضاً مشروعة لم تنته بانتهاء رمضان، فإن من الصدقات أن ينفق الإنسان على أهله، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـسعد بن أبي وقاص : (واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فيّ امرأتك) أي: في فمها.

    فالصدقات والنفقات لم تزل مشروعة في كل وقت، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام: (أنه ما من مسلم يتصدق بما يعادل تمرة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذه الله تعالى بيمينه فيربيها لـه كما يربي أحدنا فلوه -أي: صغار خيله- حتى تكون مثل الجبل) وأخبر: (أن سبعة يظلهم الله في ظله.. -ومنهم:- رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه).

    العمرة

    كذلك العمرة في رمضان وفي غيره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) فلا تختص برمضان بل هي في أشهر الحج أفضل منها في رمضان عند كثير من العلماء، واحتجوا لهذا القول بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يعتمر في رمضان قط وإنما كانت عمره في أشهر الحج، فعمرة الحديبية في ذي القعدة، وعمرة القضاء في ذي القعدة، وعمرة الجعرانة في ذي القعدة، وعمرته مع حجه كذلك -أيضاً- في ذي الحجة وإحرامها في آخر ذي القعدة.

    فالحاصل بارك الله فيكم أن الأعمال الصالحة لا تنقضي بانتهاء المواسم، بل المواسم ما هي إلا بيان لفضل الله عز وجل ورحمته لعباده وتنشيطه للإنسان بعودته إلى الله عز وجل وقيامه بطاعته، وينبغي أن يتخذ من ذلك قوةً ونشاطاً على العمل في المستقبل.

    أسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجعلنا من عباده الصالحين الموفقين لكل خير إنه على كل شيء قدير.

    1.   

    الأسئلة

    توجيه لقادة وأفراد الجماعات الإسلامية العاملة في الساحة

    السؤال: الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، سماحة الوالد الكريم الشيخ/ محمد بن صالح بن عثيمين حفظه الله ورعاه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أستأذنكم فنحمد الله تعالى إليكم على نعمه وندعوه تعالى بدوام العافية وقوة العزيمة وأن يزيدكم الله عز وجل من فضله وهداه ويبارك في عمركم وينفع العباد والبلاد بجهودكم وجهادكم، يا شيخنا الجليل! نحمد الله تعالى بأن أعاننا بتوفيقه ورعايته لشد الرحال إليكم من البلد الشقيق الأردن وبلغنا مجلسكم ومنزلكم في هذه البلدة الطيبة، حاملين لكم كما حملناها لنخبة من مشايخنا الأفاضل في هذه المملكة الطيبة عبر شهر رمضان مروراً بـالمدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، ثم جدة والرياض أمانة نحمد الله تعالى أن وفقنا بفضله لتبليغها لهم، ثم الحمد له سبحانه أن أعاننا على حط الرحال في منزلكم هذا وفي وقت انعقاد مجلسكم العلمي الأسبوعي المعهود في يوم الخميس، ولقد قدر الله تعالى أن يوافق وقت وصولي إليكم بتسليمكم هذه الأمانة التي أحملها بين يدي الآن موعد انعقاد مجلسكم هذا مع أبنائكم الطلبة، وأرجو وألح في الرجاء يشاركني في ذلك إخوانكم وأبناؤكم في الأردن يا والدنا الفاضل وأبناءه الحضور!

    أيها الإخوة الأحبة! زادنا الله وإياكم حرصاً على الخير وزودنا جميعاً البر والتقوى إني لأرجو أن استأذنكم وهو رجاء إخوانكم في الأردن الذي حملوني هذه الأمانة أن أقرأها على مسامعكم وهي سؤالان أطرحهما على فضيلة الوالد الكريم.

    يا سماحة الوالد! لقد وفق الله تعالى صهر فضيلة والدنا الشيخ الألباني الأستاذ نظام سلام سكجها وهو صاحب المكتبة الإسلامية حيث وجه هذه الدعوة وهذه المذكرة إلى خمسة وخمسين عالماً من علماء المسلمين في الأردن وخارج الأردن وقد خص هذه المملكة بنخبة طيبة من مشايخنا أن يخصوهم كذلك بهذه المذكرة، وأنتم ولله الحمد بعد أن لاقينا في المدينة وفي جدة وفي الرياض نخبة وعلى رأسهم سماحة والدنا الشيخ عبد العزيز بن باز الذين رحبوا وقدموا بعض توجيهاتهم حيث بعون الله سيتم طبع الكتاب بعنوان: نصائح وتوجيهات علماء المسلمين للجماعات والأحزاب الإسلامية في العالم ، وهو كتاب نرجو الله تعالى أن يتوج بكلمة ونصيحة وتوجيه منكم وقد أجاب علماؤنا في الرياض على هذه الأسئلة وهذا هو السؤال الأول:

    قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، وقال عز وجل: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38]، وقال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) ، يا سماحة الوالد! على ضوء هذا الهدي الرباني الجليل وذلك التوجيه النبوي الشريف، وبحكم تجربتكم ومسيرتكم الطويلة في ميدان الدعوة والميدان الإسلامي: هل لنا أن نحظى بتوجيهاتكم واقتراحاتكم كما تفضل إخوانكم علماء المملكة إلى قادة وأفراد الجماعات والأحزاب الإسلامية العاملة في الوطن الإسلامي الكبير، وذلك من أجل ولو ببداية خطوة أولى تبدأ بها على الدرب والمسيرة نحو لم الصدع واجتماع الكلمة وتوحيد الجهود فيما بينها أملاً في العمل الجاد المنظم للغاية الواحدة المرجوة وهي: رضوان الله تعالى ونصرة دينه وإعلاء كلمته، وللوقوف صفاً واحداً أمام المتربصين لهذه الأمة -أمة التوحيد- وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.

    الجواب: أما السؤال الأول: فهو الجماعات المتفرقة المتحزبة التي طفحت على سطح الماء في هذه الآونة الأخيرة، بينما كان الشباب قبل سنوات اتجاههم سليم لا يعتقد أحدهم أن الآخر مضاد لله، أو أنه في جانب وهو في جانب، لكن بدأت في الآونة الأخيرة ما نزغ الشيطان بين شبابنا من التحزب والتحمس لطائفة معينة أو لشخص معين، حتى صار الولاء والبراء موقوفاً على من يحب هذا الشخص أو لا يحبه، ولا شك أن هذه وصمة عظيمة ومرض فتاك يذيب الأمة ويمزق شملها ويفرق شبابها، فنصيحتي لأبنائي الشباب وإخواني: أن يدعوا هذا التحزب وأن يدعوا تصنيف الناس وألا يهتموا بالشخص المعين، ويجعلوا الولاء والبراء موقوفاً على الموالاة أو البراءة منه، وأن يأخذوا بالحق أينما كان ويدعوا الباطل أينما كان، ومن أخطأ من العلماء فخطؤه على نفسه، ومن أصاب فإصابته لنفسه ولغيره.

    ولا يجوز إطلاقاً أن نعتقد أن أحداً معصوماً من الخطأ في دين الله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بالنا نمتحن الناس الآن ونقول: ما تقول في كذا؟ ما تقول في الرجل الفلاني؟ ما تقول في الطائفة الفلانية؟ أكان الرسول عليه الصلاة والسلام يمتحن الناس بهذا؟ أم كان الصحابة يمتحنون الناس بهذا؟ إن هذا من شأن الشعب الضالة التي تريد أن تفرق الناس حتى لا يكون جبلاً راسياً أمام التحديات التي نسمعها كل يوم ونشاهدها في الصحف والمجلات ممن يحاربون هذا الدين وأهل الدين.

    إذا تفرق الشباب الذي يقول: إنه يعتني بالإسلام ويغار للإسلام، إذا تفرقوا فمن الذي يجادل عن الإسلام ومن الذي يحاج هؤلاء المبطلين؟

    أقول: أيها الشباب! ألم تعلموا أن هذا التفرق قرة عين الملحدين من العلمانيين وغيرهم؛ لأنهم يقولون: كفينا بغيرنا، لو أن أحداً من هؤلاء الملحدين، بل لو أن أمة من هؤلاء الملحدين أرادوا أن يفرقوا شباب الإسلام هذا التفريق وهذا التمزيق ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً لو خلصت النية وصلح العمل، أما الآن فالشباب في وضع يؤسف له، لهذا أنا أناشدهم الله عز وجل أن يكفوا عن هذا التحزب، وأن يكونوا أمة واحدة، قال الله عز وجل: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92] وألا يهتم الإنسان بالتحزب لفلان أو لفلان، أو للطائفة الفلانية أو الطائفة الفلانية فلينظر طريقه وليشق طريقه إلى الله، وهذه التحزبات وهذه المجادلات لا شك أنها تصد الإنسان عن دين الله، لو فتشت عن قلوب هؤلاء الذين يغالون في بعض الأشخاص، ويعتقدون فيهم العصمة، وإذا وقع الخطأ منهم قالوا: لعلهم رجعوا عن هذا الخطأ؛ لأن الأخطاء التي تقع من بعض الناس إن كانت تحتمل التأويل أولوها على المعنى الصحيح، وإن كانت لا تحتمل قالوا: رجع عنه، وهذا غلط، ما عليهم من هذا الرجل الذي أخطأ خطؤه على نفسه، والله هو الذي يحاسبه.

    على الإنسان أن ينظر طريقه إلى الله عز وجل كيف يعبد الله؟ وكيف يصل إلى دار كرامته؟ وليس له شأن في الناس. هذا باعتبار السؤال الأول.

    أرى أنه يجب أن يتحد الهدف ويتحد العمل وألا يكون همنا التعصب لحزب أو طائفة أو شخص، ليكن همنا الوصول إلى شريعة الله عز وجل وأن نتحد عليها ونتفق عليها. هذه واحدة.

    معالم ومميزات العلماء ودورهم في نشر العلم والدعوة

    أما السؤال الثاني: فعن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وأن العلماء ورثة الأنبيا) رواه أحمد وابن ماجة بسند صحيح.

    لا يخفى على سماحتكم ما للعلم وأهل العلم من المنزلة والدرجات عند الله تعالى ثم عند الناس وقد بين سبحانه أن العلم بمثابة مفتاح للإيمان به تعالى والسبيل القويم إلى معرفته وتوحيده وعبادته لقوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ [محمد:19]، على ضوء ما تقدم نرجو من سماحتكم في هذا السؤال الثاني وقد من الله عليكم من نعمة العلم والبصيرة ولا نزكي أحداً على الله، نرجو منكم بياناً يوضح لنا المعالم والأمارات التي بها يتميز هذا الصنف من العلماء نعني: العلماء العاملين الذين عناهم صلى الله عليه وسلم ووصفهم بهذا الوصف الجليل (بأنهم ورثة الأنبياء) والذين يصلحون أن يكونوا الأسوة الحسنة في حياة الناس؟

    الجواب: أما بالنسبة للعلماء وهو السؤال الثاني، فالعلماء لا شك أن عليهم دوراً كبيراً في نشر العلم وفي الدعوة إلى الله وفي العمل المبني على شريعة الله؛ لأن العلماء هم قادة الشعوب في الحقيقة، والشعوب التي تنقاد للعلماء هي الشعوب الراضية المطمئنة، أما الشعوب التي لا تخضع إلا للسلطة فهذه لا شك أنها سوف تمارس المخالفات في الخفاء؛ لأن السلطة مهما بلغت في مخابراتها ومباحثها فلن تستطيع أن تستولي على العقول، لكن القيادة الدينية هي التي تستولي على العقول، وإذا استولت على العقول صلحت الجوارح.

    فالعلماء عليهم دور عظيم أولاً في طلب العلم من منابعه الصحيحة وهي: الكتاب والسنة وعمل الصحابة والسلف الصالح، لا من رأي فلان وفلان من المتأخرين أو المتحمسين حماساً أهوج.

    ثانياً: عليهم أن يكونوا أول عامل بعلمه بقدر المستطاع؛ لأنهم إذا علموا بالحق ولم يعملوا به كان علمهم حجة عليهم، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والقرآن حجة لك أو عليك) وليس من العقل ولا من الشرع أن يعلم الإنسان بالشيء أنه حرام فيفعله أو أنه واجب فيتركه، فعليهم بعد طلب العلم من مظانه ومنابعه عليهم أن يعملوا به.

    الثالث: أن ينشروه بين الناس بقدر المستطاع سواء في حِلق الدراسة أو في فصول الدراسة أو في المساجد على عامة الناس أو في الصحف أو في الإذاعة، المهم جميع وسائل نقل العلم يجب على العالم أن يسلكها بقدر استطاعته؛ لأن الله أخذ على الذين أوتوا الكتاب أن يبينوه للناس ولا يكتموه.

    الرابع: أن يدعو إلى الله على بصيرة، والدعوة إلى الله على بصيرة تكون من وجهين:

    الوجه الأول: بصيرة في الشريعة بألا يدعو الله على جهل؛ لأن من دعا عباد الله إلى شريعة الله وهو يجهلها فإنه يفسد أكثر مما يصلح، لابد أن يكون لديه بصيرة في شريعة الله حتى يدعو إليها، على بصيرة في كيفية الدعوة؛ وذلك بسلوك الحكمة؛ لأن المقصود الوصول إلى الحق لا الانتقام ولا الانتصار للنفس.

    وكثير من الإخوة الدعاة الغيورين تجده لا يستعمل الحكمة في الدعوة بل تحمله الغيرة على العنف وكأنه يريد أن ينتقم من هذا المخالف سواء كان مخالفته جهلاً أو عناداً أو يريد الانتصار لنفسه ولقوله، وهذا غلط؛ لأن الله يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ [النحل:125]، قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ [يوسف:108] لا إلى هواي ورأيي وقولي، اجعل همك أن تدعو إلى الله عز وجل وإلى سبيل الله، وحينئذٍِ لابد أن تكون على بصيرة في كيفية الدعوة إلى الله.

    ثم إني أقول لكم: الداعي إلى الله أليس يريد أن يصلح المدعو؟ إذا كان كذلك فلابد أن يسلك السبيل التي تكون وسيلة إلى إصلاحه، ومن المعلوم أنك لو رأيت مخالفاً وانتهرته وغضبت عليه أن هذا لا يزيده إلا نفوراً منك ومما تدعو إليه، ولكن لو أتيته بالتي هي أحسن بأسلوب سهل لين يسير أدركت مطلوبك، وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [لقمان:17] لأنه لابد أن يصيبك شيء ولو بالضغط النفسي، قد لا يصيبك قول يجرحك أو فعل يؤلمك لكن الضغط النفسي اصبر عليه، قد ترى أنك لا تستطيع أن تصبر؛ لأنك ترى هذا الرجل على محرم فتعجز عن الصبر وتعنف وتغضب، لكن هذا ليس من طريق الحكمة، اصبر نفسك واضغط عليها والغرض إصلاح المدعو، وقد جربنا هذا وجربه غيرنا أن من دعا بعنف وغيرة زائدة لم يحصل على المقصود، ومن دعا باللين واللطف والتيسير حصل مقصوده.

    كيفية معاملة العلماء للطلبة وعامة الناس والعكس

    وهناك السؤال الثالث: إذا سمحتم وإذا سمح الإخوان الأسئلة الثلاثة التي طرحناها على المشايخ وأجابوا عنها وتختارون أي سؤال، ونرجو أن يكون لكم الوقت للإجابة على ذلك.

    السؤال الثالث والأخير: يا سماحة الوالد! عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا، وفي رواية: ويوقر كبيرنا) وكما جاء عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قولها: [أنزلوا الناس منازلهم] ولا شك أن العلماء كما أشرنا في السؤال السابق هم أجدر الناس بالتقدير والتفضيل والاحترام؛ وذلك لشرف العلم الذي يحملونه للخلق، ومن هذا المنطلق نرجو من سماحتكم تقديم نصائحكم وإرشاداتكم لأبنائكم الشباب الناشئ من طلبة العلم وخاصة للمتحمسين منهم للدين والدعوة على ما فيهم من غيرة وحرص على العلم والفقه، فكيف يرى سماحتكم السبيل القويم والمعالجة الناجعة التي يمكن وصفها لهذا الصنف من الشباب المتحمس لتظل موافقه مع علماء الأمة وأهل الاجتهاد مواقف التوقير والاحترام لا مواقف التجريح والاتهام، وكذلك نرجو منكم بيان واجب الطرف الآخر؛ أعني: آباءنا العلماء ورجال الدعوة الكبار إزاء أبنائهم من هذا الشباب، وذلك حتى تتم الموازنة الواردة في الحديث الشريف الآنف الذكر بين رحمة الكبير للصغير مع توقير الصغير للكبير.

    انتهى نص الأسئلة ونرجو توجيهاتكم، وهذا تفويض من الإخوة في الأردن ؟

    الجواب: أما السؤال الثالث وهو: معاملة العلماء للشباب أو لعامة الناس، فيجب أن تكون المعاملة باللطف واللين والتواضع، وأن يضع الإنسان نفسه أمام الحق ويتواضع لله عز وجل، وكذلك لا يحتقر الخلق، لا يقول: هذا شاب صغير وأنا شيخ كبير، لا ألتفت إليه ولا أنظر إليه ولا أصغي لهذا، هذا غلط كبير، كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أرفع الخلق شأناً عند الله كان يمازح الصغير، ويسلم على الصغار، ويحمل الصغار وهو يصلي عليه الصلاة والسلام.

    فالتواضع لا شك أن له تأثيراً بالغاً في جذب الناس إلى الإسلام.

    ويجب على الشباب -أيضاً- أن يعاملوا من يكبرهم في العلم والسن والقدر أن يعاملوه بما يستحق لا أن يخاطبوه مخاطبة الند للند، بل يخاطبونه بالاحترام والتوقير والتبجيل، حتى يحصل الوئام بين الشباب والكبار، أما مع التفرق فلا شك أنه ضرر عظيم أن يكون الشباب في جانب وأهل العلم والعقل في جانب آخر. هذا ما يتعلق بهذه الأسئلة.

    ونرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون قد أوفينا بعض الشيء.

    من دعي إلى وليمة وهو صائم

    السؤال: امرأة صامت يوم الإثنين والخميس تطوعاً، فذهبت إلى وليمة فلما حضرت قالت: لعلي أفطر معهم، هذا في التطوع وكذلك في القضاء، فما الحكم؟

    الجواب: أما القضاء فلا يجوز للإنسان أن يفطر إذا دعي إلى وليمة فليحضر، ويحضر المائدة ولا يأكل، وأما التطوع فينظر إذا كان في إفطاره وأكله جبر لقلب الداعي فليفطر، وإذا كان الداعي لا يبالي فالأفضل ألا يفطر وإن أفطر فلا بأس.

    قضاء رمضان لا يجب فيه التتابع ولا الفورية

    السؤال: امرأة عليها قضاء شهر رمضان أفطرت ستة أيام، فهل يجب التتابع أم تصوم يوماً وتفطر يوماً؟

    الشيخ: قضاء رمضان لا يجب فيه التتابع ولا الفورية، ولهذا كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لا تقضي ما عليها من رمضان إلا في شعبان، لكن الأفضل أن يبادر ويتابع؛ لأن ذلك أسرع في إبراء ذمته، ولأجل أن يدرك صيام ستة أيام من شوال.

    حكم من ترك قضاء صيام رمضان جهلاً

    السؤال: فضيلة الشيخ! امرأة ولدت في رمضان فلم تصمه منذ عشرين عاماً جهلاً منها؟

    الجواب: يجب عليها أن تصوم الآن وليس عليها سوى الصيام، هذه المرأة النفساء التي لم تصم كل الشهر جهلاً منها نقول: ليس عليها إثم، لكن الآن تطالب بالصوم وليس عليها كفارة.

    أدلة عدم وجوب تحية المسجد

    السؤال: ذكرتم -حفظكم الله- أنكم كنتم ترون وجوب تحية المسجد، ثم رجعتم عن ذلك، فما هي الأدلة الصارفة للوجوب؟

    الجواب: الأدلة الصارفة للوجوب:

    أن الخطيب يوم الجمعة يأتي ويحضر ولا يصلي تحية المسجد، هذه واحدة.

    وكذلك أيضاً: ظاهر حديث الثلاثة الذين أتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في حلقة أحدهم جلس، والثاني صار خلفهم، والثالث أدبر، فإنها لا تجب.

    وكذلك: قصة كعب بن مالك لما دخل المسجد بعد توبة الله عليه ليس فيه أنه صلى تحية المسجد.

    على أنه يحتمل أن هؤلاء الثلاثة وكعب بن مالك لم يكونوا على وضوء، ولكن قضية الخطيب واضحة، هذا الذي جعلني أتراجع عن الإيجاب؛ لأن الإيجاب ليس معناه ألا نأمر الإنسان بصلاة الركعتين، لكن معناه ألا نؤثمه إذا ترك، فنحن نأمره بإلحاح ألا يجلس حتى يصلي ركعتين سواء في وقت النهي أو غير وقت النهي، لكن كوننا نؤثمه إذا لم يفعل، هذا يحتاج إلى دليل تطمئن إليه النفس.

    السائل: هل يكون -خاصاً بالخطيب- هذا الاستدلال؟

    الشيخ: لا يمكن، الأصل عدم الخصوصية، بل يدل على أنها مؤكدة لكنها لا تجب فالمهم أن التأثيم بالترك يحتاج إلى دليل.

    المسلم ليس مكلفاً بمسائل الغيب

    السؤال: جاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لكل إنسان قرينان) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فأين هذان القرينان في رمضان، وأين هما إذا دخلا الحرم؟

    الجواب: هذه -يا أخي- من مسائل الغيب، ومسائل الغيب ما لنا فيها أكثر مما سمعنا، فإذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من أمور الغيب أخذنا به ولا نقول: كيف يكون كذلك؟ أو لم كان كذلك؟ هذه مسائل من مسائل الغيب.

    وأنا أنصحكم وأنصح من يسمع كلامي هذا: ألا يتعرض لمسائل الغيب بـ(كيف) ولا (لِمَ)، بل يقول: آمنا بالله وصدقنا بما قال، والحمد لله نحن لسنا مكلفين.

    الرضاع لا يحرم إلا إذا كان خمس رضعات معلومات

    السؤال: امرأة أرضعت طفلاً قبل فترة تقرب من ثلاثين أو أربعين سنة في الليل ولا يدرى كم عدد الرضعات، وبعد الصباح أرضعته مرة أخرى، فما الحكم؟

    الجواب: إننا سنعطيك قاعدة مبنية على أن: (الرضاع لا يحرم إلا إذا كان خمس رضعات معلومات) كما جاء في حديث عائشة : (نسخن بخمس رضعات معلومات) يحرمن، فإذا شكت المرضعة هل أرضعت هذا الطفل أو لا، فلا عبرة بالرضاع، وهل شكت هل أرضعته خمساً أو أقل فلا عبرة في ذلك، لكن لو شكت أرضعته خمساً أو ستاً ما تقول؟ أسألك.

    السائل: تأخذ بالخمس.

    الشيخ: ويكون الرضاع محرماً، لكن لو شكت أرضعته أربعاً أو خمساً؟

    السائل: لا تأخذ الأقل.

    الشيخ: أحسنت.

    حكم فرقعة الأصابع بعد الصلاة

    السؤال: فضيلة الشيخ! فرقعة الأصابع بعد الصلاة، ما الحكم فيها؟

    الجواب: فرقعة الأصابع لا بأس به، إذا انتهت الصلاة يبقى العمل الذي ليس من أعمال الصلاة فهذا ما هو عليه على الأصل، ولهذا لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي وسلم من ركعتين شبك بين أصابعه، مع أن تشبيك الأصابع في الصلاة وحال انتظار الصلاة غير مستحب بل هو مكروه.

    كيفية نصح العاملين في البنوك وتحذيرهم من الربا

    السؤال: إنه يسوْؤُنا كثيراً ما نشاهده من بيوت الربا، فهل لو قام الإنسان وقام شخص بتوزيع أشرطة تحذر من الربا أو كروت دعوية على العاملين في نفس البنك، هل هذه لائقة؟

    الجواب: لا شك أن بيان حكم الربا وأنه من أعظم الذنوب أمر مطلوب، ولكن يبقى النظر: هل لا يكون في هذا عرضة لهذا الفاعل من أن يعرض نفسه لأمر يكون ضرراً عليه وعلى غيره، فأنت إذا تمكنت من أن تنصح العمال في البنوك نصيحة خاصة قد يكون أثرها أحسن.

    حكم صيام شخص نوى الصيام من الظهر ولم يتناول مفطراً من الفجر

    السؤال: فيما يتعلق في صيام الست من شوال، شخص لم يتناول شيئاً من المفطرات حتى الظهر -مثلاً- ولم ينو الصيام إلا بعد الظهر، فهل هذا يعتبر جائزاً ويعتبر صومه صحيحاً يا شيخ؟!

    الشيخ: ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال)، وماذا قال؟ (إنما الأعمال بالنيات) حسناً، طبق الآن هذين الحديثين على رجل نوى الصيام عند الظهر وهو لم يفعل مفطراً من قبل، ونوى أن يكون هذا أول يوم من الست يصوم بعده كم يوماً؟

    السائل: خمسة أيام.

    الشيخ: كم صام في الحقيقة بناءً على الحديثين؟

    السائل: خمسة أيام ونصف يوم.

    الشيخ: هل يصدق عليه أنه صام ستة أيام من شوال؟

    السائل: لا.

    الشيخ: انتهى الجواب.

    إذاً: هذا اليوم الذي نوى صيامه يكون نفلاً مطلقاً يؤجر عليه الإنسان إن شاء من حين نوى، ويصوم بعده ستة أيام.

    حكم امرأة نفست في شهر رمضان كاملاً وتريد أن تصوم الست من شوال

    السؤال: امرأة نفساء نفست في شهر رمضان كاملاً، فتريد أن تصوم الست من شوال، فإذا قضت في شوال رمضان فهل لها أن تقضي الست الأيام من شوال في شعبان؟

    الجواب: إي نعم. إذا قضت ما عليها من رمضان فلتواصل، ولو لم تصم إلا في ذي القعدة.

    السائل: تقضي الست يا شيخ؟!

    الشيخ: إي نعم؛ الست من شوال لكن تعذر صيام الست من شوال؛ لأنها ما صامت رمضان.

    السائل: تقضيه في غير شهر شوال.

    الشيخ: إي نعم؛ في غير شوال، أليست ذي القعدة من شوال؟!!

    السائل: لا ليست من شوال.

    حكم الطواف في سطح الحرم

    السؤال: رجل طاف في سطح الحرم وفي أثناء الطواف نزل في المسعى ولم يكن ذلك عن شدة زحام، كان هناك زحام ولكن كان يطيقه، ولكنه نزل وطاف في المسعى عدة أشواط، فما حكم طوافه هذا وهو طواف الوداع في الحج؟

    الجواب: حكم طوافه هذا أنه لم يصح؛ لأنه طاف خارج المسجد، وإذا طاف خارج المسجد لم يصدق عليه أنه طاف بالبيت، والله عز وجل يقول: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ [الحج:29]، إذا طاف خارج المسجد صار طاف بماذا؟ بالمسجد لا بالبيت؛ لأنه حال بينه وبين البيت جدار المسجد.

    فعلى هذا يكون طوافه غير صحيح، وإذا كان طواف الوداع فقد ترك واجباً، والمشهور عند العلماء: أن من ترك واجباً فعليه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء.

    كيفية التفريق بين الجنس والنوع والعين والعدد

    السؤال: كيف التفريق بين الجنس والنوع والعين والعدد؟ وكيف يجتمع الحرمة والوجوب في العدد؟ وكيف نفرق بين النوع والعدد؟

    الجواب: الجنس، مثلاً: كلمة صلاة جنس تشمل الفرض والنفل، الفرض نوع من الصلاة، الظهر عين فرض، يعني: عيناه، مثلاً نقول: الحب جنس يشمل كل الحبوب من ذرة بر أو شعير أو عدس أو أي شيء، القمح نوع من هذا الجنس، الحنطة نوع أخص، وهكذا، يعني: الشيء العام الذي يدخل تحته أنواع هذا نسميه جنساً، والنوع الذي يدخل تحته أفراداً نسميه نوعاً، والفرق واضح تشخصه بعينه.

    تعدد أجر صلاة الجنازة على عدد الجنائز

    السؤال: في الحرم تتعدد الجنائز فهل يتعدد الأجر الذي أخبر عنه الرسول عليه الصلاة والسلام؟

    الجواب: إذا تعددت الجنائز في صلاة واحدة هل يأخذ الإنسان أجر عدد هذه الجنائز؟ الظاهر: نعم. لأنه يصدق عليه أنه صلى على جنازتين أو ثلاث أو أربع فيأخذ الأجر، لكن كيف ينوي؟ ينوي الصلاة على واحدة أو على الجميع؟ ينوي الصلاة على الجميع، وإذا كان معه أطفال فالطفل له دعاء خاص إذا انتهى من الدعاء للكبار دعا للأطفال، وإذا كان رجل وامرأة دعا لهما بصيغة التثنية فيقول: اللهم اغفر لهما، وكذلك إذا كانا رجلين يقول: اللهم اغفر لهما، وكذلك إذا كانا انثيين يقول: اللهم اغفر لهما، أما إذا كانوا جماعة نساء يقول: اللهم اغفر لهن، جماعة ذكور يقول: اللهم اغفر لهم، ذكور وإناث يقول: اللهم اغفر لهم، فيفصل ضمير الذكور على ضمير الإناث.

    حكم من أغمي عليه عدة أيام في رمضان

    السؤال: رجل أغمي عليه في شهر رمضان لمدة عشرة أيام، هل يقضي هذه الأيام؟

    الجواب: إذا أغمي على الإنسان في شهر رمضان فإنه يقضي الأيام التي أغمي عليه فيها؛ لأنه لم يحصل منه نية، لكن إذا أغمي عليه في أثناء النهار صح صومه.

    السائل: إذا أغمي عليه الشهر كله؟

    الشيخ: يلزمه قضاء الشهر كله؛ لأن هذا ليس مجنوناً، الجنون لو جن الإنسان في شهر رمضان فإنه لا يلزمه القضاء؛ لأن المجنون ليس عليه صوم بخلاف المغمى عليه.

    عندنا الآن: جنون، وإغماء، ونوم.

    لو نام الإنسان في رمضان ثلاثة أيام ما استيقظ فصومه صحيح، ولا يلزمه القضاء.

    ولو أغمي عليه لزمه القضاء.

    ولو جن لم يلزمه القضاء.

    المراجعة قد تكون بمعنى الرجوع

    السؤال: مر بنا في درس الحرم في حديث ابن عمر : (مره فليراجعها) في الطلاق في الحيض، والخلاف بين شيخ الإسلام والجمهور، وقلتم: إن كلام شيخ الإسلام أقعد والجمهور يعني أحوط وأسد للذريعة، لكن الذي أشكل عليَّ قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها) كلمة المراجعة ألا تكون بعد الطلاق؟

    الجواب: لا. المراجعة قد تكون بمعنى الرجوع كما في قوله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا [البقرة:230] ومعلوم أن رجوعها للزوج الأول بعد الزوجة الثانية ليس مراجعة اصطلاحية بل هي مراجعة لغوية أي: فليرجع إليها، فيكون معنى: فليراجعها: يردها إلى عصمته.

    ما لا يتم الوجوب إلا به فهو واجب

    السؤال: نريد مثالاً أو أمثلة على القاعدة التي تقول: ما لا يتم الوجوب إلا به فهو واجب؟

    الجواب: مثلاً: الإنسان إذا ملك نصاباً يجب عليه أن يزكي، فهل نقول: يلزمك أن تتجر حتى تملك نصاباً؟ لا يلزمك.

    إذا ملك زاداً وراحلة وجب عليه الحج، فهل نقول: يجب عليك أن تسعى في ملك زاد وراحلة؟ لا.

    والأمثلة كثيرة جداً، وهذان مثالان، لكن إذا وجب الشيء فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، مثلاً: وجبت عليه الزكاة فيجب عليه أن يرسلها إلى مستحقيها، لا نقول: انتظر حتى يأتيك الفقير، بل نقول: يجب عليك أنت بنفسك أن توصلها إلى الفقير.

    حكم من خرج خارج البلد ولا يسمع صوت المؤذن إلا عبر مكبر الصوت

    السؤال: شباب خرجوا في رحلة إلى منطقة بعيدة ونزلوا في مكان بعيد من البلد لكنهم ما زالوا يسمعون الأذان بسبب وجود المكبرات، فهل تلزمهم الجمعة والجماعة مع أهل ذلك البلد؟

    الجواب: لا تلزمهم، يعني: إذا بعدوا عن البلد بحيث لا يسمعون صوت المؤذنين ولولا وجود مكبر الصوت فلا تلزمهم، وأما إذا كانوا قريبين من البلد بحيث لو كان المؤذنون يؤذنون بغير مكبر لسمعوه فإنه يلزمهم.

    الواجب على من ميز حق الفقراء عن أمواله قبل أن يوصله إلى ذويه

    السؤال: رجل عنده مال زكوي ولما حال عليه الحول ميز حق الفقراء عن أمواله، ثم قبل أن يوصله إلى ذويه، ماذا يجب عليه؟

    الجواب: يجب عليه أن يضمنها؛ لأن هذا الذي عزله لم يملكه الفقراء، ولهذا لو عزل الزكاة لنفرض أن عنده أربعون شاة عزل منها شاة للزكاة ثم بدا له أن يخرج غيرها فلا بأس؛ لأنها ملكه، فإذا تلفت هذه الشاة يجب عليه إخراج الزكاة شاة أخرى.

    صيغة الدعاء للطفل في الصلاة عليه

    السؤال: صيغة الدعاء على الطفل وهو في صلاة الميت هل تفرق بينه وبين الطفل غير البالغ، وما هي الصيغة مثلاً؟

    الجواب: الطفل: المراد به من لم يبلغ.

    السائل: وما هي الصيغة؟

    الشيخ: الصيغة: أن تدعو له ولوالديه تقول مثلاً: (اللهم اجعله فرطاً لوالديه، وذخراً وشفيعاً مجاباً، اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما وألحقه بصالح سلف المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم) هكذا قال الفقهاء وهو دعاء طيب، وإن كان بعضه لم يكن مأثوراً، لكنه دعاء طيب!

    الصيام في حال الطهر صحيح

    السؤال: امرأة طَهُرت في رمضان وصامت يومين ورجع الدم في رمضان، فما حكم صيام هذين اليومين؟

    الجواب: هذا الدم الذي رجع هل هو دم الحيض الذي تعرفه؟

    السائل: هي نفست من قبل رمضان ولدت قبل رمضان.

    الشيخ: ولدت وإلا حاضت؟

    السائل: لا، بل نفاس.

    الشيخ: نفاس ثم؟

    السائل: ثم صامت رمضان يومين وبعدها رجع الدم مرة ثانية.

    الشيخ: هل هذا الدم هو دم حيض الذي تعرفه؟

    السائل: والله ما أدري.

    الشيخ: تسأل إذا كان دم الحيض فهي حائض، لكن صوم اليومين في حال الطهر صحيح.

    الدَّين لا يمنع من إخراج الزكاة

    السؤال: إنسان لديه محل بيع قطع الغيار -مثلاً- وعليه ديون لهذا المحل وأقساط، هل تجب فيه زكاة عليه؟

    الجواب: الصحيح أن عليه الزكاة إذا كان الإنسان عنده تجارة وهو مدين بها، فالصواب: أن الزكاة واجبة عليه؛ لأن الدين لا يمنع وجوب الزكاة لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم حرف واحد يقول: من عليه دين فلا زكاة عليه، والتعليل: بأن الزكاة مواساة وأن المدين ليس أهلاً لها، تعليل في مقابلة النص، فيقال: هذا التعليل لا يخصص أدلة وجوب الزكاة، ثم من الذي قال: إن الزكاة مواساة، قد يقول قائل: إن الزكاة عبادة لله عز وجل هذا أهم ما فيها، فالإنسان حين يخرجها وإن كان يريد أن ينفع الفقراء لكن لا ينبغي أن يكون هذا هو أهم عنده، بل الأهم أنه يتعبد لله تعالى بإخراج ما يحب من الأموال طاعة لله عز وجل، فالقول: بأن الزكاة مواساة وأن المدين ليس أهلاً للمواساة، وأن من عليه دين وعنده مال زكوي لا يزكي، قول ضعيف، الصواب: أن من عليه دين تجب عليه الزكاة لعموم الأدلة، والتعليل بأنها مواساة كما رأيت فيه نظر؛ لأن الزكاة عبادة يخرج الإنسان أحب شيء إليه لمحبة الله عز وجل له، قال الله تعالى: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً [الفجر:20] وقال: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ يعني: المال لَشَدِيدٌ [العاديات:8] ومع ذلك يخرجه طيبة بها نفسه؛ لأن الله أمره بذلك.

    السائل: عليه ديون لهذا المحل.

    الشيخ: لا بأس يخرج الزكاة، والديون يستعين الله عز وجل على قضائها ويسأله قضاءها.

    الرد على من يقول: إن ابن عمر وأبا هريرة يجيزان الأخذ من اللحية عن القبضة

    السؤال: كيف نرد على من استدل بفعل ابن عمر وأبي هريرة على الأخذ من اللحية مما زاد عن القبضة؟

    الجواب: أخذها ابن عمر متى؟

    السائل: فيما ثبت عن ابن عمر أنه كان يأخذ من لحيته.

    الشيخ: متى؟

    السائل: في الحج.

    الشيخ: الذين استدلوا بفعل ابن عمر مع الأسف توسعوا وقالوا: خذوا في الحج وغيره، والاستدلال يجب أن يكون مطابقاً للدليل.

    السائل: وكيف بقية الصحابة؟

    الشيخ: من بقيتهم؟

    السائل: أبو هريرة.

    الشيخ: تثبت هذا عنه؟

    السائل: ورد في مصنف ابن أبي شيبة.

    الشيخ: ومصنف ابن أبي شيبة ما أكثر الضعيف فيه.

    ولنتنزل معك إلى أبعد الحدود، نقول: صح عن ابن عمر أنه يأخذ من لحيته في الحج وغير الحج، وعن أبي هريرة وعن فلان وفلان من الصحابة.

    فعندنا قول إمامهم وهو الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أعفوا اللحى) وهل قال: ولكم أن تأخذوا ما زاد على القبضة؟

    السائل: لا.

    الشيخ: بماذا تحاجج ربك يوم القيامة؟

    والله يقول: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65] بماذا تقول؟ تقول: والله أنا سمعت من ابن عمر أو غيره من الصحابة فعل هذا، ما تستطيع.

    فمثل هذه المسائل إذا جاء فيها نص فلا تسأل، ابن عباس رضي الله عنه قال: [توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر وعمر] وأين ابن عمر من عمر وأين أبو هريرة من أبي بكر، ومع ذلك أنكر ابن عباس على من يعارض قول الله وقول رسوله بقول هذين الإمامين اللذين قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيهما: (اقتدوا باللذين من بعدي أبو بكر وعمر) وقال: (إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا).

    خذ هذه قاعدة عندك: لا تعارض قول الرسول بقول أحد ولا بفعل أحد، لكن اعتذر عن ابن عمر وأبي هريرة في مخالفتهما ظاهر النص، اعتذر عنهما بأن هذا اجتهاد، فيعذران فيه كما عذر عثمان رضي الله عنه في إتمام الصلاة في منى، وهذه دعها قاعدة عندك: أي إنسان يخالف القرآن أو السنة فاعتذر عنه ولا تحتج بقوله ولا بفعله.

    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767973809