أما بعد:
فهذا هو اللقاء المتمم للخمسين بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الموافق للعشرين من شهر شوال عام (1417هـ).
أرسله الله تعالى بسلطان مبين، أي: بحجة بينة في نفسها مبينة لغيرها، فالآيات التي جاء بها الأنبياء بينات واضحات لكل ذي عدل وإنصاف، وهي -أيضاً- مبينة لصدق ما جاءت به الرسل، ولهذا اعلم أنه كلما جاء في القرآن المبين كلمة (مبين) فهي بمعنى مبين في ذاته مبين لغيره، إلا ما دل السياق على أن المراد البين في ذاته.
إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ من الآيات العظيمة التي جاء بها موسى العصا، عصا موسى التي كان يستعملها فيتوكأ عليها عند الحاجة، ويهش بها على غنمه أوراق الشجر عند رعيها، وله فيها حاجات أخرى، كما قال الله لموسى عليه الصلاة والسلام لما سأله : وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى [طه:17-18] فهي آية في كونه إذا وضعها على الأرض صارت ثعباناً مبيناً، أي: حية عظيمة تخيف من رآها، ولهذا رهب منها موسى عليه الصلاة والسلام حين ألقاها وولى هارباً، فناداه الله عز وجل: لا تَخَفْ [النمل:10].
ومنها: أنه يدخل يده في جيبه فتخرج بيضاء في الحال، بيضاء بدون سوء، أي: بدون عيب، ليست بيضاء برص، ولكنها بيضاء مخالفة للون جلده في الحال، حقيقة لا تخييلاً.
وقال الله تعالى في سورة الإسراء: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [الإسراء:101] المهم أنه أتى إلى فرعون بسلطان مبين وحجة دامغة بالغة لكنه -والعياذ بالله- (تولى بركنه) أي: بقوته وسلطانه وجنده، أعرض عن موسى استكباراً وجحوداً وظلماً وعدواناً، قال الله تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً [النمل:14].
(أو مجنون) قال: إنه مجنون؛ وذلك لكونه يدعي أن الله وحده خالق السماوات والأرض، وهو الرب وهو الإله؛ لأنهم كانوا لا يعرفون الإله إلا فرعون، فإذا جاء شخص يقول: هو الله رب العالمين، وأن فرعون ليس إلهاً ولا رباً، فإنهم يرمونه بالجنون، هذا مجنون خرج عما نعلم وخرج عما نعهد.
فقال: كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62] وهذه معية خاصة تقتضي النصر والتأييد، وقوله: (سيهدين) ولم يقل: سوف يهدين، قال: سيهدين إشارة إلى قرب هذا الحصر وأنه سيزول قريباً، وهذا هو الذي حصل، أوحى الله تعالى أن يضرب البحر بعصاه فضربه فانفلق اثنتي عشرة طريقاً في الحال، ويبس في الحال، وصار صالحاً للمشي عليه في الحال، كما قال عز وجل: فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى [طه:77].
فعبر موسى وقومه من هذه الطرق العظيمة التي كان الماء بينها كالجبال، ولما انتهوا خارجين كان فرعون في أثرهم وانتهوا داخلين، فأمر الله عز وجل بقدرته وسلطانه البحر أن يعود إلى ما كان عليه، فانطبق على فرعون وقومه فهلكوا عن آخرهم والحمد لله، ولهذا قال: فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ [الذاريات:40] أي: فرعون فعل ما يلام عليه، ولا شك أن رده للرسالة الإلهية وادعاءه أنه الرب وقوله: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] وما أشبه ذلك من الكلمات التي لا شك أنها كلمات يلام عليها؛ لأنه قد تبين له الحق، ولكنه عاند وأبى أن ينقاد للحق، كما قال له موسى: لَقَدْ عَلِمْتَ أي: يا فرعون مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً [الإسراء:102].
فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا [الأحقاف:24] قال الله: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الأحقاف:24] أرسل الله عليهم هذه الريح العقيم التي ليس فيها ثمرة ولم تحمل ماءً، كالمرأة العقيم التي لا تلد هذه، كذلك ريح عقيمة لا تحمل سحاباً ولا مطراً، هذه الريح العقيم هي الريح الغربية، كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام: (نصرت بالصَبا وأهلكت عاد بالدبور) أي: بالريح الغربية.
أرسل الله عليهم هذه الريح العقيم مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [الذاريات:42] كل شيء تأتي عليه تجعله كالرميم هامداً، حتى إنها تأخذ الرجل -والعياذ بالله- إلى فوق ثم ترده إلى الأرض، فأصبحوا كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَة [الحاقة:7]... كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر:20] هلكوا عن آخرهم.
تأمل الآية! قوم عتاد أقوياء أشداء هلكوا بهذه الريح اللطيفة التي لا ترى لها جسماً وإنما تحس بها بدون أن ترى شيئاً، ومع ذلك قضت عليهم بأمر الله عز وجل، ولهذا قال الله تعالى: مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [الذاريات:42] فهذا فيه آية من آيات الله عز وجل.
أرسل الله عليهم هذه الريح فأهلكتهم عن آخرهم، ففيهم آيات.
الجواب: إذا كان العقد على مدة معينة فإنه لا يستطيع أن يمنعه حتى تنتهي المدة، فإذا انتهت المدة قال له: إما أن ترفعه وإما نلغي عقد الإيجار، وهو في هذه الحال -أي: فيما إذا وضعه المستأجر لمدة الإجارة- ليس عليه إثم؛ لأنه لم يؤجر البيت لأجل هذا.
الجواب: المسعى ليس من المسجد الحرام بل هو خارجه، ولهذا يجوز للمرأة الحائض أن تنتظر أهلها في المسعى، لكنها لا تدخل المسجد، ولا يجوز للمعتكف في المسجد الحرام أن يخرج إلى المسعى؛ لأن المسعى خارج المسجد، فإذا كان كذلك فإنه لا يجوز الطواف في سطح المسعى؛ لأنه خارج المسجد، لكن لو حصل ضرورة كالزحام الشديد الذي لا يتمكن الإنسان معه من أن يستمر في سعيه وطوافه فأرجو ألا يكون به بأس؛ لأن جهة المسعى في السطح ضيقة، فقد يأتي الناس -مثلاً- وهم قد ملئوا ما قبلها، فإذا جاءوا منها ضاقت عليهم، فيضطر الإنسان إلى أن ينزل إلى سطح المسعى، أقول: في هذا ضرورة أرجو ألا يكون فيه بأس.
أما الدليل على أنه لا يجوز الطواف في المسعى أو خارج المسجد الحرام فإن الله تعالى قال: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29] وإذا طاف الإنسان من وراء المسجد فقد طاف بالمسجد لا بالبيت، فلا يصح طوافه.
الجواب: إذا كان أقرأهم وليس فيهم إمام راتب فهو أولى بالإمامة، ويصلي ركعتين ويسلم، ويخبرهم من قبل بأنه سوف يصلي ركعتين؛ لأنه مسافر، وكونه يشوش عليهم إنما يقع هذا التشويش من الجهل بالسنة، ولو كانت هذه السنة معروفة معلومة للناس ما حصل التشويش، فكونه يصلي ركعتين ويسلم ويخبرهم من قبل أنه مسافر وأنه سيصلي ركعتين هذا فيه نشر للسنة.
السائل: طلاب صغار.
الشيخ: ولو كانوا طلاباً صغاراً، إذا كانوا طلاباً صغاراً وخشي أن يفهموا شيئاً آخر فلا بأس أن يقول للمقيم: صلِ أنت.
السائل: ولو كان فاسقاً؟
الشيخ: لا إله إلا الله! ولو كان فاسقاً، الفاسق صلاته صحيحة، ومن كانت صلاته صحيحة فإن إمامته تصح.
الجواب: ينظر لهذا الدين إذا كان سببه شيئاً محرماً فهذا يقال له: تب ونقضي دينك، وأما إذا كان سببه مباحاً فلا بأس أن يقضى دينه من الزكاة.
الجواب: نقول: إنه ضال وجاهل؛ لأن توحيد الحاكمية هو توحيد الله عز وجل، فالحاكم هو الله عز وجل، فإذا قلت: التوحيد ثلاثة أنواع كما قاله العلماء: توحيد الربوبية فإن توحيد الحاكمية داخل في توحيد الربوبية؛ لأن توحيد الربوبية هو توحيد الحكم والخلق والتدبير لله عز وجل، وهذا قول محدث منكر، وكيف توحيد الحاكمية ما يمكن أن توحد هذه؟ هل معناه: أن يكون حاكم الدنيا كلها واحد أم ماذا؟ فهذا قول محدث مبتدع منكر ينكر على صاحبه، ويقال له: إن أردت الحكم فالحكم لله وحده، وهو داخل في توحيد الربوبية؛ لأن الرب هو الخالق المالك المدبر للأمور كلها، فهذه بدعة وضلالة.
الجواب: هذا غير صحيح، الجهاد ماضٍ في هذه الأمة إلى يوم القيامة، ولكن الجهاد يجب أن يكون مدبراً من قبل ولي الأمر؛ لأنه إذا كان غير مدبر من قبل ولي الأمر صارت فيه فوضى وصار كل طائفة تفتخر على الأخرى بأنها هي التي فعلت كذا وفعلت كذا، وبالتالي ربما لا تحمد العاقبة، كما جرى في أفغانستان مثلاً، فإن الناس بلا شك ساعدوا الأفغانيين مساعدة عظيمة بالغة وكانت النتيجة ما تسمعون الآن.
الجواب: أولاً: بارك الله فيك الإطعام ليس على أبيك إذ لا يلزم الزوج أن يطعم عن صيام زوجته.
السائل: هي أمه.
الشيخ: ولا أمه أيضاً ولا كفارتها، مسائل العبادات تجب على كل إنسان بنفسه ليست من جنس النفقات، النفقات صحيح أنها تجب على من تجب عليه النفقة حسب الشروط المعروفة عند العلماء، لكن الواجب الذي يتعلق بالعبادة على نفس المكلف.
على كل حال: إذا أحب الآن هو أو أحد إخوته أن يطعم عنها عن كل يوم مسكيناً فهذا جيد.
الجواب: أما الزكاة فلا يجوز؛ لأنها لدفع حاجة الفقير الحاضر، وهو إذا استثمرها ربما يحلو للفقراء الموجودين ويستغل هذا الفقراء الذين لم يوجدوا الآن، وهي لدفع حاجة الفقراء الحاضرين، فلا يجوز استثمار الزكاة في مشاريع.
أما الصدقات فنعم، ربما نقول: إذا كانت الصدقات فائضة عن حاجة أهل البلد ورأى أن يستثمرها فهذا جيد، بشرط ألا يحرم الموجودين الآن، فإذا قال قائل في الزكاة: وإذا كان أهل البلد لا يحتاجونها؟
قلنا: اعطها البلاد الأخرى من بلاد المسلمين في الشرق أو في الغرب، أما الصدقة فهي أوسع.
فحاصل الجواب الآن وهو جواب مهم؛ لأن بعض أهل الخير الذين يتولون مثل هذه الجمعيات يتصرفون تصرفاً بحسن نية لكنه غير صالح: الزكاة لا يجوز أن ينشأ فيها أشياء استثمارية؛ لأنها وجدت في حاجة الفقير الحاضر، فإن كان البلد ليس فيه فقراء نقلت إلى أقرب البلاد إليهم.
أما الصدقة فهي أوسع، فيمكن أن يقال: إذا كان أهل البلد ليسوا محتاجين إليها فلا مانع أن ينشأ فيها أشياء استثمارية.
الجواب: هذه فيها خلاف بين العلماء:
من العلماء من يقول: إن اتخاذ آنية الذهب والفضة حرام سواء استعملت أو لم تستعمل، سواء استعملت في الأكل أو الشرب أم في غيرهما.
ولكن الصحيح: إنما يحرم استعمالها في الأكل والشرب فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن الأكل والشرب، والنهي تخصيص؛ لعموم قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة:29] فإذا كان كل ما في الأرض فهو لنا ننتفع به حيث لا نهي فيه فإنه يدخل في ذلك اتخاذه للزينة أو استعمالها مثلاً في غير الأكل والشرب، كما أذن استعمالها في حفظ بعض الأدوية وحفظ الدراهم وما أشبه ذلك، هذا هو الصحيح، وإذا كان الرسول إنما نهى عن الأكل والشرب فسكوته عن بقية الانتفاع يدل على الجواز.
هذا هو الذي يترجح عندي والمسألة فيها خلاف بين العلماء.
الجواب: نعم. النمص: هو نتف شعر الوجه.
السائل: الوجه كاملاً؟
الشيخ: مطلقاً الوجه من الأذن إلى الأذن ومن منحى الجبهة إلى أسفل.
السائل: ونتف الساقين والذراعين؟
الشيخ: لا يدخل في هذا؛ لأنها ليست من النمص المعروف عند العرب، لكن مع ذلك نقول: إزالة الشعر من الساقين والذراعين وما أشبه ذلك إن كان لحاجة مثل: أن يكون الشعر كثيراً مشوهاً فلا بأس، وإلا فإن الأفضل التحرز منه.
الجواب: من جهة السلام أم من جهة البيع والشراء؟
السائل: من جهة السلام.
الشيخ: من جهة السلام سلم على كل إنسان إلا الكافر فلا تبدأه بالسلام، لكن إذا سلم عليك فيجب أن ترد عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نرد على أهل الكتاب اليهود والنصارى، أما إذا كان في هجره مصلحة كرجل فاسق إذا هجرناه ارتدع عن معصيته وتاب إلى الله فهنا نهجره؛ لأن في ذلك مصلحة، كما أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهجر كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع حين تخلفوا عن غزوة تبوك، لكن كان في هجرهم مصلحة، أما إذا كان في هجرنا لهذا الرجل الفاسق مضرة كما لو كان هجرنا إياه يوجب أن يتمادى في معصيته وأن يكرهنا وألا يقبل منا صرفاً ولا عدلاً فهنا لا يجوز الهجر؛ لأن هذا الفاسق مهما عظم فسقه فهو مؤمن، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل للرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث) وهو مؤمن وأخ لنا، ولاحظوا هذه المسألة! فإن بعض الناس من شدة غيرتهم على دين الله لا يعتقدون أخوة بينهم وبين الفساق، وهذا من الغلط العظيم، هذا الرأي تشم منه رائحة مذهب الخوارج، العصاة مهما بلغت معصيتهم فهم إخواننا، علينا أن ننصحهم فإن كان في هجرهم مصلحة بحيث يتركون المعصية فالهجر هنا إما مستحب أو واجب، وإن لم يكن فيه مصلحة فلا تهجره سلم عليه.
الجواب: بارك الله فيك أولاً: بين لي ما هي عقائد التيجانية حتى أخبرك عن الجواب؟
السائل: أكثر عقائدهم في الاعتقادات في مشايخهم.
الشيخ: بين لي.
السائل: منهم من يعتقد يا شيخ! أن التيجاني يحل في جلسة حلقة وهم جالسون، وأنه يأتي في وقت معين ويحضر في هذه الحلقة، والتيجاني يحضر الرسول صلى الله عليه وسلم في حلقته، هذا من بعض عقائدهم.
الشيخ: لكن هذه العقيدة هل هي عقيدة حقيقة؟
السائل: نعم؟
الشيخ: هل هي عقيدة حقيقة لو سألت هذا الرجل قلت: الآن تعتقد أن التيجاني أو أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم معك أين هو؟
السائل: عندما تسألهم يحتارون ولا يجيبون.
الشيخ: إذاً يا أخي! بين لهم هذا الكلام، بين لهم أن هذه خيالات، وأنا أعتقد أنك إذا بينت لهم هذا فما أسهل أن يرجعوا عن هذه العقيدة الفاسدة المبنية على الخيال.
السائل: والصلاة؟
الشيخ: الصلاة إذا عاندوا وقالوا: أبداً إن الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي إلينا، وإن التيجاني يأتي إلينا ودعوة الرسول له دعوة التيجاني ، فهؤلاء كفار لا تصلي خلفهم.
الجواب: إذا لم نجد محكمة تحكم بالشريعة وصارت حقوقه من المال ستضيع فإننا نتحاكم إليهم لا على أن حكمهم شرع ولكن نجعلهم بمنزلة الشُرط نستخرج بهم حقوقنا، لاحظ هذا القيد: (لا يتحاكم إليهم على أن حكمهم شرع ولكن كأنهم شُرط يأخذون حقوقه) فلا بأس أن يتحاكم إليهم لاستخراج حقه، ولكن لو حكموا له بباطل شرعاً فإنه لا يجوز أن يأخذ به؛ لأنه لا يمكن أن يضيع حقوق الناس بحجة أن هؤلاء يحكمون بالقانون ولا يجد تحاكماً إلى الله ورسوله، يقول: أنا لا أتحاكم إليهم على أن قولهم فصل وحكم، لكن أتحاكم إليهم على أنهم شُرط يخرجون حقي أو أستخرج بهم حقي.
الجواب: ما هو الحديث؟
السائل: معنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إفراد صيام يوم السبت في غير الواجب.
الشيخ: الحديث: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب -أي: أعواد العنب ... يأكلها فليفعل) لكن هذا الحديث ليس في الصحيحين ولا في أحدهما، والحديث الثابت في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على إحدى أمهات المؤمنين فوجدها صائمة، فقال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا. قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا. قال: فأفطري) فهذا الحديث يدل على أن صيام يوم السبت جائز، والحديث الذي أشرت إليه رواه أبو داود وغيره من أصحاب السنن لا يماثل هذا في الصحة، وإذا لم يماثله في الصحة فإن من القواعد المقررة في مصطلح الحديث: أن يكون شاذاً؛ لأنه خالف ما هو أقوى منه، والشاذ لا يعمل به، هذا وجه، وسلكه بعض العلماء، وقال: هذا الحديث شاذ لا يعمل به.
ومنهم من ضعفه سنداً، يعني: الذين يقولون بشذوذه ضعفوه متناً ومنهم من ضعفه سنداً، وقال: لا يصح، وطعن في بعض رواته، ومنهم من قال: إنه منسوخ، ومنهم من جمع بينه وبين حديث جواز الصوم بيوم السبت فقال: إن أفرده وصامه لأنه يوم السبت فهذا هو المنهي عنه، وإن صامه تبعاً لغيره أو لمناسبة تقتضي تخصيص هذا اليوم فلا بأس، وإلى هذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهذا لا شك أنه جمع حسن بين الحديثين.
فنقول: لا تفرد يوم السبت بصوم، لكن إن صمته مع غيره فلا بأس، أو صمته لأنه يوم يسن صومه مثل أن يوافق يوم عرفة أو يوافق يوم الخامس عشر من الشهر وأنت تصوم أيام البيض أو يوافق يوم عاشوراء فإنه لا بأس به، وهذا القول أحسن الأقوال التي سمعتم، فليكن هو المعتمد، أي: يكره أن يصوم يوم السبت؛ لأنه يوم السبت، أما إذا صامه لسبب آخر فلا بأس، وكذلك لو لم يفرده بأن صام قبله يوماً أو بعده يوماً فإنه لا بأس به.
الجواب: نقول: ابن بها مساجد؛ لأنه أخذها على وجه غير شرعي فليصرفها في نظيرها الشرعي، والكنائس -كما تعلمون- متعبدات النصارى والمساجد متعبدات المسلمين، وصرفها في مساجد المسلمين خير من صرفها في معابد النصارى.
فنقول له: ابن بها مساجد للمسلمين واسأل الله الثبات على الإسلام.
الجواب: لا يجوز للإنسان أن يمس المصحف إلا بوضوء، لكن له أن يقرأ في المصحف بأن يضع على يديه حائلاً يحول بينه وبين مباشرة المصحف ويقرأ ما لم يكن جنباً، فإن الجنب يحرم عليه أن يقرأ القرآن لا في حال الوضوء ولا في غيره.
السائل: ولو كان مضطراً يا شيخ؟
الشيخ: ما في اضطرار ما هي الضرورة؟
السائل: أحياناً لا يجد ماءً يتوضأ به.
الشيخ: أنا قلت لك: ضع شماغك بينك وبين المصحف واقرأ، هل هذا ممكن أم غير ممكن؟
السائل: ممكن.
الشيخ: وأين الضرورة؟ ليس هناك ضرورة.
السائل: الدليل؟
الشيخ: الدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يمس القرآن إلا طاهر) أي: طاهر من الحدث؛ لأن الله تعالى قال في سورة المائدة: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ [المائدة:6] والقول بأن الطاهر هو المسلم ضعيف؛ لأننا لم نجد في كتاب الله تعالى ولا في سنه رسوله صلى الله عليه وسلم التعبير عن المسلم بالطاهر، لكن يخبر بأن المسلم لا ينجس صحيح، لكن الطاهر هو المتطهر كما قال الله تعالى: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222] فيكون حمل الحديث على المعهود في لغة القرآن والسنة أولى من حمله على وجه بعيد، ثم هو أفضل بالاتفاق، حتى الذين يقولون: يجوز أن يمسه بلا حائل هم يتفقون مع الآخرين بأن الأفضل ألا يمسه إلا على طهارة، فأنت الآن إذا لم تمسه إلا على طهارة صار ذلك أفضل لك بالاتفاق، وأبرأ لذمتك عند من يقول: إنه لا بد من الوضوء عند مس المصحف.
الشيخ: لكنه صائم؟
السائل: أمسك بعد الفجر.
الشيخ: بعد الفجر وإلا قبل؟
السائل: بعد الفجر.
الشيخ: ما نوى إلا بعد الفجر.
السائل: إي نعم.
الشيخ: الأخ صومه غير صحيح ما دام أنه ما نوى إلا بعد الفجر.
السائل: هل يقلبه نقلاً؟
الشيخ: هذا على قول من يقول: إنه لا يصح النفل قبل أداء القضاء، لا يصح أن يقلبه نفلاً، وعلى القول الثاني يصح، لكنه لا يعتبر من الأيام الست؛ لأن الأيام الست لا تكون إلا بعد قضاء رمضان، أما من صام ونوى الصيام قبل الفجر واستمر وفي أثناء النهار تردد هل يتم أو يقطع.
السائل: هذا في القضاء يا شيخ؟
الشيخ: قضاء أو غير القضاء، في رمضان لا يمكن أن يتردد؛ لأنه لا بد أن يبقى، لكن في القضاء فهذا لا يبطل صومه على القول الصحيح؛ وذلك لأن نيته الأولى جازمة والتردد لا يقضي على المجزوم به، ومن العلماء من قال: إذا تردد في أثناء اليوم هل يتم أو لا بطل صومه، والصحيح أنه لا يبطل، بخلاف الذي لم ينو إلا بعد طلوع الفجر فهذا لا يمكن أن يصح قضاؤه.
الجواب: هذا إن جاء تلقائياً فهذا ما فيه بأس؛ لأن بعض الناس يستعين -مثلاً- بالهز على التلاوة، وإن جاء تعبدياً فإنه لا يجوز وهو بدعة، ومع ذلك نحن نحث الذين يهتزون تلقائياً أن يعودوا أنفسهم على ترك الهز؛ لأنه قد يقتدي بهم غيرهم ويظن أن هذا أمر مشروع.
الجواب: لا بأس به، لا حرج للإنسان أن يؤجر الحلي من الذهب والفضة لامرأة تلبسه يوماً أو يومين أو ساعة أو ساعتين؛ لأن المنافع هنا مباحة، وكل نفع مباح يجوز عقد الإجارة عليه.
الجواب: أنا أرى أن الاحتفاظ بالصور للذكرى حرام؛ لأنه يدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة) وأن تعليقها أشد حرمة؛ لأن تعليقها يوحي بتعظيمها، ولهذا تجد الذين يعظمون آباءهم أو إخوانهم أو مشايخهم يضعون صورهم معلقة في أماكن جلوسهم، وهذا حرام لا شك فيه.
أما الذي يقتنيها لحاجة، إنسان -مثلاً- عنده بطاقة شخصية أو قيادة الرخصة أو يتوقع أن يحتاج هذه الصورة في المستقبل فهذا لا بأس به.
الجواب: الأفضل أن توضع الدراهم في عمارة مساجد أخرى، فمثلاً: إنسان عنده مليون ريال وأنفق على هذا المسجد سبعمائة ألف، وبقي عنده ثلاثمائة ألف، يقول: هل الأفضل أن أضعها في مسجد آخر أو أبني بها بيتاً أو بيتين للإمام والمؤذن؟
نقول: الأفضل أن تضعها في مساجد أخرى خصوصاً إذا كنت وكيلاً بأن أعطيت دراهم لبناء المساجد فإنه لا يجوز لك أن تصرفها في بناء بيتين للإمام والمؤذن؛ لأنك وكيل.
السائل: ولو كانت بحاجة؟
الشيخ: أبداً ما في حاجة، المسجد سيقوم سواء كان للإمام والمؤذن بيت أم لم يكن، صحيح أنه يعين على وجود الإمام والمؤذن لكن ليس بحاجة.
الجواب: أولاً: هذا ليس إجماعاً، فإن كثيراً من العلماء ومنهم الشوكاني رحمه الله يقول: إن كل إنسان مخاطب عن فطرته، فالزوج لا يلزمه فطرة زوجته ولا فطرة ابنه ولا بقية عائلته، ومنهم من يقول: إن هذا مستثنى؛ لأن الصحابة كانوا يخرجون عن أنفسهم وعمن يمونون فيكون هذا مستثنى، ولأن هذا أقرب ما يكون إلى النفقة التي يقوم بها عائل البيت، لكني أميل إلى الأول وأقول: إن جريان العادة وهي أن كل إنسان مخاطب عن نفسه بحيث لو أن صاحب البيت قال: لا أخرج عنكم وهم قادرون أن يخرجوا عن أنفسهم لكني أقول: ما دامت العادة الآن جارية بأن الرجل يخرج عن نفسه وعائلته نمشي على هذه العادة.
الجواب: من أجل ماذا؟
السائل: بعضهم يا شيخ يصور للذكرى.
الشيخ: ذكرى ليس من قفاه، تذكره من قفاه؟!
السائل: لا يا شيخ! أحسن الله إليك، في بعض الأسفار يا شيخ! يكون شخص مسافر فيصور للذكرى.
الشيخ: لا يا أخي لا يصلح هذا، كيف هذا؟ أنا لا أتصور هذا، إنسان تصوره من ورائه لا تدري من هذا.
السائل: وجد هذا يا شيخ.
الشيخ: أنا أرى أنها سفه ولا نفتي بشيء سفه، وإذا قدر أنها وجدت فليست بصورة، يعني: هذه مثل الظل، مثل إنسان يمشي في الشمس يكون له ظل.
الجواب: هذا ينظر إذا كان المؤذن لا يؤذن إلا إذا رأى الفجر وجب عليه أن يمسك من حين أن يسمع، لكن روى الإمام أحمد في مسنده بسند جيد: (أن الإناء إذا كان في يد الإنسان فلا يضعه حتى يقضي نهمته منه).
وأما إذا كان المؤذن يؤذن على التقويم فالأمر في هذا واسع؛ لأن هؤلاء المؤذنين لو قلت لهم: تشهدون أن الفجر طالع؟ قالوا: لا نشهد، وتجدهم في المغرب يؤذنون على التوقيت، وأخبرني الثقات أنهم سمعوا المؤذنين يؤذنون والشمس لم تغرب؛ لأنهم لا يشاهدون الفجر ولا يشاهدون الشمس، وحسب علمنا الآن أن المؤذنين لا يؤذنون على الفجر إنما يؤذنون على ما بأيديهم من التقويم، فالأمر في هذا واسع، إذا شرب وهو يؤذن أو أكل شيئاً وهو يؤذن ليس به بأس.
السائل: يقضي احتياطاً يا شيخ.
الشيخ: والله لا أدري، الاحتياط إنما يكون إذا كان له أصل.
الجواب: نعم. (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الإثنين والخميس، فسئل عن ذلك؟ فقال: إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله عز وجل، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)، وسئل عن صوم يوم الإثنين؟ فقال: (ذاك يوم ولدت فيه وبعثت فيه أو أنزل علي فيه).
الجواب: توجيهها أن الطير هنا معطوفة على محل المنادى: يا جبالُ؛ لأن (جبال) هنا منادى، تقول: مبنية على الضم في محل نصب، فمحلها النصب، فعطفت هذه على جبال باعتبار المحل لا باعتبار اللفظ.
الشيخ: صوم الست هذا أمر لا إشكال فيه، لا يمكن أن تكون مشروعة إلا إذا أتم الإنسان رمضان، والحديث: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال) وقوله: (ثم أتبعه) يقتضي أن يكون رمضان قد تم، فكما أن الإنسان لا يصح منه راتبة الظهر البعدية قبلها كذلك أيضاً أيام الست؛ لأن أيام الست بمنزلة الراتبة بعد الفريضة فلا يصح، لكن قل لي: هل يدل على أنها لا تصوم يوم عرفة أو يوم عاشوراء أو أيام البيض؟
لا ندري، الله أعلم، قد تصومها وقد لا تصومها، إن صامتها فليس بغريب؛ لأن القضاء وقته موسع والنفل قبل الفرض موسع جائز، وإن لم تصمها فهو -أيضاً- ليس بغريب على فقهها؛ لأن الفقه يقتضي أن يبدأ الإنسان بالواجب قبل التطوع، وقد قال أبوها أبو بكر رضي الله عنه: [إن الله لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة].
فعلى كل حال: صيامها النفل قبل القضاء أمر محتمل، لكن صيام الست قبل القضاء أمر مقطوع به بأنها لم تصمها؛ لأن عائشة رضي الله عنها أفقه منا ونحن نفقه من هذا الحديث الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم أن الست تابعة لرمضان، فلا يمكن أن تصام قبل إتمامه.
قد يقول قائل: أليس الرسول يصوم في أيام البيض أو يصوم ثلاثة أيام من كل شهر أو يصوم يوم الإثنين والخميس، لماذا لم تصم معه؟
فيقال: ألا يمكن أن يكون وقت صوم الرسول عليه الصلاة والسلام حائضاً؟ يمكن، ولهذه الأمور المحتملة لا تكون دليلاً.
الجواب: هل أنت تسكن هناك؟
السائل: لا يا شيخ أنا ذهبت إلى هناك.
الشيخ: وسكنت معهم.
السائل: لا سألوني.
الشيخ: كم بقيت عندهم من ساعة؟
السائل: أنا بقيت أسبوعين.
الشيخ: ماذا تصنع؟
السائل: أنا ما ذهبت إلى المنطقة نفسها إلا أني كنت في جنوبها.
الشيخ: أنت قلت ذهبت إليهم الآن.
السائل: لا. سألوني الذين يعيشون هناك والتقيت بهم في الجنوب في نفس البلد.
الشيخ: وماذا قلت؟
السائل: لم أفتهم، أنا أعلم يا شيخ فتواكم وهي: أن يقدروا له قدره.
الشيخ: أنا ما سألت عن فتواي.
السائل: لم أفتهم.
الشيخ: قلت: لا أدري.
السائل: لكن أذكر الفتوى وهي: اقدروا له قدره، إلا أني ما استطعت تحديد هذا القدر.
الشيخ: على كل حال لا شك أنهم يقدروا له قدره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حدث عن الدجال قال: (إن أول يوم كسنة، قالوا: يا رسول الله! هل تكفينا فيه صلاة يوم واحد؟ قال: لا اقدروا له قدره).
فعلى هذا نقول لهؤلاء: اقدروا قدره، ثم ما هو القدر؟
بعض العلماء يقول: يقدر نصف نصف، يعني: أربعة وعشرين ساعة تعتبر يوماً وليلة فيها خمس صلوات، وبعضهم يقول: ينظر إلى أقرب مكان لهم فيه ليل ونهار فيأخذون به، وبعضهم يقول: يرجع في ذلك إلى توقيت مكة؛ لأن الله سماها أم القرى فهي الأم والمرجع، وما دام تعذر العمل في المنطقة فإنه يرجع إلى الأصل وهي الأم.
وأقرب قول عندي من هذه الأقوال الثلاثة: أن يعتبروا بما حولهم ويمشون عليه، أما الصوم إذا قدر أنه يحدث عندهم مشقة وأنهم لا يتحملون فيفطرون ويقضون الصوم في أيامٍ أخر.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر