أما بعد:
فهذا هو اللقاء التاسع والخمسون بعد المائة من اللقاءات المعروفة باسم لقاء الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس، وهذا هو يوم الخميس الرابع عشر من شهر صفر عام (1418هـ).
ولعلنا نتكلم عن موضوع مهم يكثر وقوعه في أيام الإجازة ألا وهو النكاح.
وقال الله تعالى في كتابه: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً [الرعد:38] فهو -إذاً- من سنن المرسلين الذين ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وهو واجب على الشاب القادر؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه لـه وجاء) وهذا يدل على أن المراد بالشباب الذين وجه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم الخطاب هم ذوو الشهوة بقوله: (ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه لـه وجاء) فإذا كان الشاب ذا شهوة، وكان قادراً عليه وجب عليه أن يتزوج لما في ذلك من المصالح العظيمة، أما إذا كان شاباً ليس له شهوة أو شهوته ضعيفة لا تحمله على النكاح، أو كان عنده شهوة قوية لكن ليس عنده ما يستطيع أن يتزوج به من مهر ونفقات وغيرها فإنه لا يجب عليه، لكن ماذا يصنع؟
أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصوم قال: (عليه بالصوم فإنه له وجاء )؛ لأن الصوم عبادة يشتغل به الإنسان عما يتعلق بالنكاح والشهوة؛ ولأن الصوم يضعف مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان فيحصل به العفاف.
فإن لم يستطع الصوم فقد قال الله عز وجل: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33] يعني: يتصبر، ومن يتصبر يصبره الله عز وجل، وإذا كان الله تعالى قد وعد: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33] أي: إلى أن يغنيهم الله من فضله، حتى هنا للغاية لكنها تشير إلى أن الله سبحانه وتعالى سيجعل لهم فرجاً ومخرجاً إذا استعفوا.
فإن لم يصبر وعجز وخاف على نفسه من الزنا، فلا حرج عليه أن يتناول ما يهدئ الشهوة من الأدوية ونحوها حتى لا يقع في الحرام.
أولاً: لابد في النكاح من شروط، من أهمها: الرضا، فلا يمكن أن يجبر الرجل على أن يتزوج امرأة معينة، ولا تجبر المرأة على أن تتزوج رجلاً معيناً بل لابد من الرضا، وبذلك يتبين جهل بعض العامة الذين يجبرون شبابهم على أن يتزوجوا بقريباتهم، فمثلاً يقول الرجل لابنه: لابد أن تتزوج بنت عمك، ويجبره على هذا إما بالقوة الحسية وإما بالقوة المعنوية بحيث يخجله لو خالفه، وهذا حرام عليه، حرام على الأب أن يجبر الولد على أن يتزوج ببنت عمه أو غيرها من النساء؛ لأن هذه مسائل خاصة بالإنسان نفسه.
ولا يجب على الابن أن يطيع أباه في ذلك، يعني: لو قال الأب: تزوج بنت عمك، وقال الابن: لا أريدها، فإنه لا يجوز للأب أن يجبره ولا يلزم الابن أن يطيعه، فإذا قال الابن: إن لم أطعه غضب عليَّ وهجرني وقاطعني فماذا أصنع؟ نقول: إذا فعل الأب هذا فالذنب عليه، وأنت ليس عليك شيء، بل هو الجاني وهو المعتدي وأنت يجب عليك أن تقوم ببره ولو جفاك ولو هجرك.
كذلك بعض الناس يجبر ابنته أن تتزوج من شخص معين، وهذا أيضاً لا يجوز، لا يجوز أن يجبرها ولو أجبرها فإن النكاح لا يصح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر) بل نص على البكر والأب، فقال عليه الصلاة والسلام: (البكر يستأمرها أبوها).
وما جرت به عادة بعض الناس من أنه يدخر ابنته لابن أخيه، حتى إنه يخطبها الخطاب ذوو الكفاءة في الدين والخلق ولكن يقول: أنا أريدها لابن عمها، هذا حرام ولا يجوز أن يحتكرها لابن أخيه، بل يجب عليه إذا خطبها من هو كفء في دينه وخلقه ورضيت به أن يزوجها ولا يمنعها؛ لأن هذا أمانة وقد قال الله تبارك وتعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72] فإن أجبرها بالقوة على أن تتزوج ابن أخيه أو غيره فالنكاح غير صحيح؛ لأنه نكاح عصي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وخولف فيه، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود باطل، فالمرأة لا تحل للزوج الذي زوجت به وهي كارهة له، ولا يجوز إبقاء النكاح بينهما، لكن لو رضيت البنت بعد أن تم الزواج فهل رضاها ينسحب على العقد السابق ونقول: إن النكاح الآن صحيح؛ لأنها أجازته، أو لابد من تجديد العقد؟
الاحتياط أن يجدد العقد مرة أخرى، فيطلب من الزوج أن يبتعد عنها ويحضر شاهدان ويعقد لـه ويعود عليها بهذا العقد الجديد الاحتياطي.
ثانياً: ومن المهم في عقد النكاح الولي، فالمرأة لا تزوج نفسها حتى لو كانت من أعقل النساء، وحتى لو كانت ثيباً فإنها لا تزوج نفسها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) وهذا نفي للصحة، يعني: لا يصح نكاح إلا بولي، ويشير إلى هذا قول الله تبارك وتعالى: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232] وهذا يدل على أن الولي لـه تأثير في عقد النكاح وعدمه، فلابد من أن يكون النكاح بولي، والولي: هو من يتولى أمرها من العصبات، فلا مدخل لذوي الأرحام في عقد النكاح، ولا لمن أدلى بأنثى في عقد النكاح، مثلاً: الأب ولي، والابن ولي، والأخ الشقيق ولي، والأخ لأب ولي، والعم الشقيق ولي، والعم لأب ولي، وابن العم الشقيق ولي، وابن العم لأب ولي، المهم أنهم من العصبات، أما الأخ من الأم فليس بولي؛ لأنه يدلي بأنثى، وعلى هذا إذا وجد امرأة لها أخ من أم ولها ابن عم بعيد فالذي يزوجها ابن عمها البعيد، أما العم لأم يعني: أخا أبيها من الأم هل له الولاية؟ لا؛ لأنه مدلٍ بأنثى، ويخطأ بعض الناس حيث يظن أن الجد من قبل الأم ولي أو أن الخال ولي أو أن الأخ من الأم ولي أو ما أشبه ذلك، هؤلاء ليس لهم ولاية النكاح إطلاقاً.
فالولي إذاً: من كان من عصباتها، لا من أدلى بأنثى.
ولكن يجب على الولي أن يتقي الله عز وجل في من ولاه الله عليها، فإذا خطبها من هو كفء زوجها إذا رضيت، وإذا خطبها من ليس بكفأ لم يزوجها حتى لو رضيت هي بهذا الرجل وهو ليس كفئاً بدينه، فإنه لا يجوز لوليها أن يزوجها؛ لأنه مسئول عنها، فلو خطبها من لا يصلي لا يزوجه، ولو خطبها من كان معروفاً بالفجور وبشرب الخمر وبالحشيش لا يزوجها، حتى لو رضيت هي وقالت: أنها تريد هذا الرجل فإنه لا يزوجها، لو قالت: لا تريد أن تتزوج بغيره هل يزوجها؟ لا، لا يزوجها، حتى لو ماتت وهي لم تتزوج فليس عليه إثم؛ لأن هذه أمانة يجب عليه أن يختار من هو كفء في دينه وخلقه؛ لأنه مؤتمن على هذه المرأة.
إذاً: العدة إذا طلقت المرأة قبل الدخول والخلوة ليست واجبة، ويجوز أن تتزوج رجلاً آخر، لكن لو مات عنها قبل أن يدخل بها ويخلو بها فعليها العدة، كرجل عقد على امرأة ثم مات قبل أن يدخل بها وقبل أن يخلو بها فعليها العدة؛ لعموم قول الله تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [البقرة:234] ولم يشترط الله تبارك وتعالى دخولاً ولا غيره بخلاف الطلاق، فالطلاق بين الله تعالى أنه إذا طلقها قبل أن يمسها فليس عليها عدة.
لا يجوز أن يطلقها في طهرٍ جامعها فيه، إلا إن تبين حملها.
ولا يجوز أن يطلقها وهي حائض ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ [الطلاق:1] إلى قوله: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1] فما معنى قوله: (فطلقوهن لعدتهن)؟
بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، هذا هو الطلاق للعدة، إذا طلقها وهي حائض قبل أن يدخل بها ويخلو بها يكون حلالاً؛ لأنه ليس عليها عدة أصلاً، والله يقول: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] وهذه ليس عليها عدة.
وإن طلقها وهي صغيرة بعد أن دخل بها، وهي لا تحيض.
فهذا جائز؛ لأن هذه عدتها بالأشهر، فمن حين أن يطلق تشرع بالعدة، والله عز وجل يقول: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] والمرأة الصغيرة التي لم يأتها الحيض بعد، عدتها ثلاثة أشهر تبدأ من حين الطلاق، ولهذا قال الله تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4].
إنسان عنده امرأة قد بلغت سن اليأس، يعني: أنها انقطع حيضها فطلقها بعد الجماع.
فهذا جائز يا إخوان؛ لأنه من حين أن يطلقها تبدأ في العدة وعدتها ليست بالحيض ولكنها بالأشهر وقد شرعت فيه من حين الطلاق.
إنسان جامع زوجته وهي حامل وطلقها بعد الجماع فهذا جائز.
لأنها تشرع في العدة من حين الطلاق، إذ أن عدتها من الفراق إلى أن تضع الحمل، والله عز وجل يقول: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] لكن إذا طلقها في الحيض لم يطلقها للعدة؛ لأن هذه الحيضة التي طلقها فيها لا تحسب من الحيض التي هي ثلاثة قروء.
وإن طلقها في طهر جامعها فيه، لا يدري هل حملت من هذا الوطء فتكون عدتها بوضع الحمل، أو لم تحمل فتكون عدتها بالحيض.
لذلك إذا طلقها في طهر جامعها فيه لم يطلقها لعدة معلومة، لا يفرق، إن نشأ بها حمل من هذا الطلاق فعدتها بالحمل، إن لم ينشأ فعدتها بالحيض، فنحن الآن في شك فهو لم يطلقها لعدة متيقنة.
والخلاصة هي: أن الطلاق قبل الدخول والخلوة جائز بكل حال سواء حائض أو غير حائض، وطلاق الحامل جائز بكل حال، وطلاق الطاهر في طهر لم يجامعها فيه جائز، وطلاق الحائض حرام، وطلاق الطاهر التي جامعها في طهرها حرام، فإن تبين حملها طلقها لأنها تكون حاملاً.
هذا كان في أول الإسلام، لكنه بعد ذلك نسخ وصار يجب على الإنسان إذا جامع المرأة أن يغتسل هو وهي أيضاً، دليل ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل) وهذا نص صريح في وجوب الغسل من الجماع بدون إنزال.
ويجب الغسل أيضاً في حال أخرى وهي ما إذا أنزل سواء جامع أم لم يجامع، فلو قبل زوجته وأنزل وجب عليه الغسل، والمرأة كذلك يجب عليها إن أنزلت وإلا فلا، فصار الغسل واجباً بواحد من أمرين هما: الجماع أو الإنزال، فإن حصل جماع وإنزال يجب الغسل، لكن هل يجب غسل واحد أو اثنان؟
الجواب: واحد؛ لأن الفعل واحد، بل لو جامع ولم يغتسل ثم جامع مرة أخرى ولم يغتسل ثم جامع ثالثة ولم يغتسل كم يجب عليه من الغسل؟
الجواب: واحد؛ لأن الأحداث وإن تعددت يكفي فيها طهر واحد، ولهذا لو أن الإنسان بال وتغوط وخرج منه ريح وأكل لحم إبل ونام نوماً عميقاً، خمسة أشياء، فإن عليه وضوءاً واحداً.
فالواجب على كل من الزوجين أن يقوم بما أوجب الله عليه من العشرة الحسنة وألا يتسلط الزوج على الزوجة لكونه أعلى منها وكون أمرها بيده، وكذلك للزوجة لا يجوز أن تترفع على الزوج بل على كل منهما أن يعاشر الآخر بالمعروف.
ومن المعلوم أنه قد يقع من الزوج كراهة للزوجة إما لتقصيرها في حقه أو لقصور في عقلها وذكائها وما أشبه ذلك، فكيف يعامل هذه المرأة؟
نقول: هذا موجود في القرآن وفي السنة، قال الله تبارك وتعالى: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19] وهذا هو الواقع، قد يكره الإنسان زوجته لسبب ثم يصبر فيجعل الله عز وجل في هذا خيراً كثيراً، تنقلب الكراهة إلى محبة، والسآمة إلى راحة وهكذا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة) يعني: لا يبغضها ولا يكرهها (إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) انظر المقابلة، الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه الله الحكمة، (إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) هل أحد يتم لـه مراده في هذه الدنيا؟
لا، أبداً، لا يتم مرادك في هذه الدنيا، وإن تم في شيء نقص في شيء، حتى الأيام يقول الله عز وجل: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] وفي ذلك يقول الشاعر الجاهلي:
ويوم علينا ويوم لنـا ويوم نُسَاءُ ويوم نُسَرّ |
وجرب هذا تجد، لا تبقى الدنيا على حال واحد، ومن الأمثال السائرة: (دوام الحال من المحال).
فإذا كرهت من زوجك شيئاً فقابله بما يرضيك حتى تقتنع، وكذلك يقال للمرأة: هذا الذي قدر لك من الرجال فاصبري واحتسبي ويجعل الله لك فرجاً ومخرجاً، فإن تعذر الصبر فإننا نحاول الإصلاح كما قال الله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35] هذا إذا كان الشقاق بين الطرفين.
يرى بعض العلماء أنه للإرشاد، ويرى آخرون أنه للإلزام إذا لم يستقم الحال بينهما؛ لأنهما إذا بقيا على غير استقامة صارت عيشتهما نكداً، وإذا كان بينهما أولاد وحصلت الخصومة بينهما عند الأولاد صار هذا أنكد وأنكد، لكن إذا تفرقا فقد قال الله تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130] يجعل الله له فرجاً ولها فرجاً، فيرى بعض العلماء أن قول الرسول عليه الصلاة والسلام لـثابت : (اقبض الحديقة وطلقها) للإلزام؛ وذلك إذا لم يمكن استقامة الحال بينهما، لأن المقصود من الزواج ما ذكره الله عز وجل: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21] فإذا انتفى هذا المقصود فلا فائدة، يبقى كل منهما نكداً حتى ربما يشتغل بهذا النكد عن طاعة الله، يكون همه وتفكيره كله راجع إلى ما بينه وبين أهله وكذلك المرأة، فالفراق هنا خير من البقاء.
والحقيقة أن أحكام النكاح كثيرة لكن لقرب الوقت نقتصر على ما ذكرنا، ولعله يتيسر لنا جلسة أخرى إن شاء الله تعالى نكمل الباقي؛ لأنه مهم، وكثير من الناس تخفى عليه أحكام وكثير من الناس عنده عنجهية لا يبالي بإضاعة الحقوق لا بالنسبة للزوجة ولا بالنسبة للزوج.
نسأل الله لنا ولكم الهداية والاستقامة، وأن يجعلنا ممن تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة.
الجواب: أولاً: نقول إن هذا حرام عليه، ولا يحل لـه أن يمنع ابنته أن تتزوج بشخص كفء إن رضيته، لكن إذا فعل قلنا: الحمد لله اجلس، وننتقل إلى الولي الآخر فمثلاً: إذا كان لها أخ وأبى الأب أن يزوجها نظراً إلى أنه سيستولي على راتبها، يزوجها أخوها ولو مع وجود الأب، والأب إذا تكرر منه الرد أي: رد الأكفاء صار بذلك فاسقاً لا تقبل شهادته ولا تقبل إمامته في الناس أي: لا يصلي بالناس على رأي بعض العلماء، ولا يصح أن يكون ولياً؛ لأنه كان فاسقاً لإصراره على المعصية. ويقال لهذا الأب: هذا الراتب الذي تأخذه البنت لك أن تتملك منه حتى ولو تزوجت؛ لأن الأب لـه أن يأخذ من مال ولده ما شاء ما لم يضره أو تتعلق به حاجة الابن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك) فأنت زوجها وخذ من راتبها ما تريد إذا لم يكن عليها ضرر.
الجواب: هذا يسمى خلعاً فله أن يخالعها ولو قبل الدخول، لكن كونه يطلب هذه الفدية لا شك أنه أخطأ في ذلك، ولهذا قال بعض أهل العلم: لا يجوز للزوج أن يطلب فدية من الزوجة إلا بمقدار ما أعطاها فأقل، فمثلاً: إذا كان أصدقها مائة ألف وطلب مائة ألف فهذا يجوز؛ لأنه لم يأتها ضرر، لكن لو أصدقها ألفاً وطلب ألفين فمن العلماء من يقول: إنه لا يحل لـه ذلك، ولا يعطى ألفين، لا يعطى إلا مقدار ما أعطى فقط، وهذا يرجع إلى اختلافهم في قوله تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229] هل المعنى: فيما افتدت به مطلقاً، أو فيما افتدت به من المهر الذي أعطاها؟ وينبغي أن يرجع في ذلك إلى رأي القاضي الذي يتولى هذه المسألة، فإذا رأى من المصلحة أن يفرق بينهما ولا يعطى الزوج إلا ما أعطى فليفعل لقول النبي عليه الصلاة والسلام لامرأة ثابت: (أتردين عليه حديقته؟)
الشيخ: يعني: أنها تطلق نفسها متى شاءت؟
السائل: نعم.
الشيخ: لا يصح هذا.
السائل: وما حكم العقد -يا شيخ- لو رضي الزوج؟
الشيخ: العقد صحيح والشرط غير صحيح، لكن يجب على العاقد (المأذون) قبل أن يعقد يقول: هذا شرط غير صحيح، لكن لها الخيار في مسألة أخرى -مثاله- لو قالت لـه: إذا لم يطب لي المقام عند أهلك فلي الخيار، أو إذا لم تكن أخلاقك على ما ينبغي فلي الخيار، فهذه مسألة اختلف فيها العلماء:
فمن العلماء من يقول: إنه لا بأس به، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
ومنهم من يقول: لا يصح، لأن المرأة قريبة بعيدة، لو ينتهرها زوجها مرة واحدة قالت: أريد أن أختار لنفسي، فإنها لا تصبر ولا تتحمل، لو أحسنت لإحداهن الدهر كله ثم وجَدَت منك إساءة واحدة قالت: لم أر منك خيراً قط.
لكن ما ذهب إليه شيخ الإسلام لا بأس به؛ لأنه شرط لا ينافي مقتضى العقد، ولمشترطه غرض صحيح، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج).
السائل: يا شيخ! لا يظهر فرق؟
الشيخ: لا، هناك فرق إذا قالت: الطلاق بيدها يعني: تطلق متى شاءت ولو بدون سبب.
الجواب: إي نعم القاعدة هي: أن كل إنسان جاهل يفعل محرماً أو يترك الواجب فلا شيء عليه، إلا إذا كان منه تفريط في السؤال، مثل أن يقال لـه: هذا الشيء واجب افعله، فيقول: لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [المائدة:101] ويتهاون في السؤال، فهنا لا نعذره بالجهل لأنه فرط في أنه لم يتعلم.
أما إذا كان إنساناً في بادية بعيداً عن العلم ولا يعرف شيئاً فهذا يعذر بجهله سواء في الواجب أو المحرم، ويدل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما جاء الرجل وصلى صلاة لا يطمئن فيها أمره أن يعيد الصلاة وقال: إنك لم تصل، لكنه لم يأمره بإعادة الصلوات الماضية مع أنه كان يصلي صلاة لا تصح، وكذلك المستحاضة التي كانت لا تصلي مدة استحاضتها تظن أن هذا حيض لم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الصلاة.
فالحاصل: أن الجهل عذر، لكن قد لا يكون عذراً إذا فرط في السؤال فلم يسأل مع قيام الشبهة عنده.
الجواب: الأولاد إذا كان الزوج يعلم أن النكاح فاسد فجماعه حرام وأولاده ليسوا له؛ لأنه يعتقد أنهم نشئوا من حرام، وأما إذا كان الزوج لا يدري عن هذا فإن أولاده يلحقون به لأنهم من وطء شبهة.
الجواب: والله لا شك أن التوسع في ولائم العرس يدخل في باب الإسراف أحياناً، فالأولى أن يقتصر على وليمة ليست بتلك الكثرة، ولهذا تجد الناس في ولائم العرس يستأجرون قصور الأفراح بثمانية آلاف ريال أو عشرة آلاف ريال وربما أكثر، وهذا يرهق الزوج والزوجة وهو ضياع للمال، فلو أن الناس اقتصروا على وليمة واحدة أو كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام لـعبد الرحمن بن عوف : (أولم ولو بشاة) إذا اقتصروا على شاة أو شاتين وجمعوا الجيران والأقارب في البيت كالعادة الأولى لكان هذا أحسن وأبرك، وقد جاء في الحديث: (أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة).
الجواب: شرب البيرة جائز، والبيرة التي في بلدنا السعودية كلها قد اختبرت وليس فيها مادة مسكرة، فإذا شربها الإنسان فإنه داخل في عموم قول الله تبارك وتعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة:29] وأنت إذا شككت في شيء هل هو حلال أو حرام فهو حلال، إذا شككت في مطعوم أو مشروب أو ملبوس أنه حرام أو حلال فاجعله حلالاً، حتى يقوم الدليل على أنه حرام.
الجواب: إذا كان تاركاً للصلاة فتارك الصلاة كافر، فإذا سلب العقل فهو باقٍ على كفره، وأما المعصية فالمعصية لا تخرج من الإسلام، يعني: لو كان مسرفاً على نفسه في المعاصي في الزنا وفي شرب الخمر وفي السرقة وفي غيرها من المعاصي التي لا توصل إلى الكفر ثم جن بعد ذلك ومات على جنونه فهو فاسق يصلى عليه ويدعى له بالرحمة، ويدفن مع المسلمين.
الجواب: نعم يجوز للمرأة عند العقد أن تشترط ألا يتزوج عليها؛ لأنه ليس في ذلك الشرط ضرر على أحد، وفيه منفعة لها، أما منفعتها فظاهر، وأما أنه لا ضرر فيه على أحد؛ فلأن الرجل ليس له زوجة، ولهذا لو اشترطت أن يطلق زوجته التي معه فهذا الشرط حرام ولاغ.
الجواب: لا بأس به، يعني: لا بأس أن ينادي الولد أباه باسمه أو كنيته ما لم ير أن أباه يكره هذا، فإذا كان يكره هذا فلا، أو يخالف عادة الناس ويناديه أمام الناس، لأنه ربما يكون الأب لا يكره هذا الشيء لكن عادة الناس أنه لا ينادي الناس باسمه أو كنيته فحينئذ نقول: لا تناديه أمام الناس باسمه أو كنيته؛ لأن هذا عيب عند الناس، أظن أنك لو ناديت أباك مثلاً في السوق عند الناس واسمه عبد الله تقول: يا عبد الله أو يا أبا فلان، الظاهر الناس يعيبون هذا، فإذا كان أمام الناس لا تناديه باسمه ولا بكنيته وإن كان لا يكره، لأنه عيب عند الناس، ويعدون هذا إهانة لأبيه حتى إني سمعت رجلاً يقول: والله! لو ناداني ابني باسمي لأعطيته كفاً، وهو الضرب بالكف.
الجواب: ننظر أيهما أولى أن يزوج المرأة أبوها أو ابنها؟
الجواب: أبوها هو الذي يزوجها، فإذا زوجها ابنها مع وجود الأب فإن كان الأب في مكان بعيد لا يمكن مراجعته فلا حرج، أو كان الأب منعها أن يزوجها من هذا الشخص الذي رضيته وهو كفء في دينه وخلقه فلا بأس أن يزوجها ابنها، أما إذا كان الأب حاضراً ولم يمتنع فالعقد غير صحيح وتجب إعادته.
الشيخ: الأصل في التسمية الجواز، لكن (رينان) ما هو معناها؟
السائل: بعض مراجع اللغة كلسان العرب ومجمل مقاييس اللغة كأنهم يومئون إلى أنه اسم نوع من الطيب يقولون مفرده: الرندة.
الشيخ: الرندة ليست هي مفردة لرينان، لو كانت الرينة يمكن ذلك.
على كل حال انظر إذا لم يوجد في الأسامي إلا هذا فأنا أبيحه لك، أما إذا مازال في المسألة إشكال فيترك.
الجواب: والله! لا أستطيع أن أقول لك شيئاً، لو قلت لك: هذا أذان غير صحيح معناه أننا أبطلنا أذان الحرمين، وإن قلت: إنه صحيح فأنا لا أستطيع أيضاً؛ لأن العلماء يقولون رحمهم الله: يكره التلحين في الأذان كراهة فقط، ولم يقولوا أن هذا يبطل الأذان، وعليه فنقول: تابعه ولا حرج عليك.
الشيخ: قل الشيب أيضاً.
السائل: أو الشيب.
الشيخ: لا يجوز نتفه.
السائل: طيب لحيته شقراء مثلاً ويكون فيها مثلاً شعر أسود أو أبيض أو غير الشيب.
الشيخ: خلقة؟
السائل: أي: يكون مثلاً لوناً مغايراً للون ..
الشيخ: يعني أن الله جعل لونها مثلاً أشقر؟
السائل: نعم.
الشيخ: لا بأس، يبقى أشقر.
السائل: لا. أقصد يا شيخ! لحيته مثلاً سوداء وظهر فيها بعض الشعرات حمر فلو أزالها مثلاً.
الشيخ: هذا لا يجوز هذا من النمص؛ النمص نتف شعر الوجه، فكيف إذا كانت لحية؟!! ثم إذا نتف هذه الشعرة الحمراء وظهرت الشعرة الحمراء مرة ثانية إذا نتفها ظهرت ثانية وثالثة ورابعة؛ لأنه ربما يعاقب ويخرج من هذا الشعر كثير ثم عاد ما يبقى له لحية إطلاقاً، اتركها على ما هي عليه، واعلم أنك ربما تخجل أول ما تطلع في لحيتك لكن بعدئذ يستقر الوضع.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين.
وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر