إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [161]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ورد وصف الجنة في سورة الطور في آيات بينت النعيم والسرور، والمآكل والمشارب والغلمان والجواري، وتقابل أهل الجنة على أسرتهم في حبور، وتذكرهم لما سلف من الأمور. بعد ذلك -كعادة هذه السلسلة من اللقاءات- فقرة مطولة خاصة بالأسئلة، جاءت فيها كثير من الفتاوى العامة، والفوائد الهامة، والنقاش العلمي المؤصل.

    1.   

    تفسير آيات من سورة الطور

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا هو اللقاء الحادي والستون بعد المائة من اللقاءات المعبر عنها بلقاء الباب المفتوح، والتي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس من شهر ربيع الأول عام 1418هـ.

    نبتدئ بما كنا نبتدئ به من الكلام على شيءٍ من تفسير كتاب الله عز وجل، وقد انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى في سورة الطور: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الطور:17-19].

    تفسير قوله تعالى: (متكئين على سرر مصفوفة)

    ثم قال تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ [الطور:20] (متكئين) حال، أي: حال كونهم متكئين، والمتكئ تدل هيئته على أنه في سرور وانشراح وطمأنينة؛ لأن الاتكاء يدل على ذلك.

    (والسرر) جمع سرير وهي: الكراسي الفخمة المهيأة أحسن تهيئة للجالس عليها.

    (مصفوفة) أي: مصفوف بعضها إلى بعض، يصفها الخدم والولدان.

    وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ [الطور:20] أي: قرناهم بحورٍ عين، والحور جمع حوراء، والعين جمع عيناء، والأصل الحور والبياض وأما العيناء فهي التي كانت جميلة العين في سوادها وبياضها، فهن حسان الوجوه حسان الأعين.

    تفسير قوله تعالى: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان)

    ثم قال عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور:21] الذين آمنوا واتبعتهم الذرية بالإيمان، والذرية التي يكون إيمانها تبعاً هي الذرية الصغار، فيقول الله عز وجل: أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور:21] أي: جعلنا ذريتهم تلحقهم في درجاتهم.

    وأما الكبار الذين تزوجوا فهم مستقلون بأنفسهم في درجاتهم في الجنة، لا يلحقون بآبائهم؛ لأن لهم ذرية فهم في مقرهم، أما الذرية الصغار التابعون لآبائهم فإنهم يرقون إلى آبائهم، هذه الترقية لا تستلزم النقص من ثواب ودرجات الآباء، ولهذا قال: وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [الطور:21] (ألتناهم) يعني: نقصناهم، يعني: أن ذريتهم تلحق بهم ولا يقال اخصم من درجات الآباء بقدر ما رفعتم درجات الذرية، بل يقول: وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ .

    كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21] هذه قاعدة عامة في جميع العاملين: أن كل واحد فإنه رهين بعمله لا ينقص منه شيء، أما الزيادة فهي فضل من الله تبارك وتعالى على من شاء من عباده.

    تفسير قوله تعالى: (وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون)

    قال تعالى: وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الطور:22] أمدهم الله تعالى أي: أعطاهم عطاءً مستمراً إلى الأمد وإلى الأبد (بفاكهة) وهي ما يتفكه به من المأكولات.

    وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ أي: مما يشتهونه ويستلذونه، وقد بين الله تبارك وتعالى نوع هذا اللحم بأنه لحم طير، وهو أشهى ما يكون من اللحم وأضرؤه وأمرؤه.

    تفسير قوله تعالى: (يتنازعون فيها كأساً لا لغو فيها ولا تأثيم)

    قال تعالى: يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً [ أي: أن أهل الجنة (يتنازعون) ينازع بعضهم بعضاً على سبيل المداعبة، وعلى سبيل الأنس والانشراح، كَأْساً لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ [ والمراد بالكأس كأس الخمر، ومعنى: لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ [ أنه لا يحصل بها ما يحصل من خمر الدنيا، فإن خمر الدنيا يحصل به السكر والهذيان، ولكن خمر الآخرة ليس فيه لغوٌ ولا تأثيم، أي: لا يلغو بعضهم على بعض، ولا يتكلمون بالهذيان، ولا يعتدي بعضهم على بعض.

    تفسير قوله تعالى: (ويطوف عليهم غلمان لهم..)

    قال تعالى: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ [الطور:24] أي: يتردد على أهل الجنة وهم على سررهم متكئين غِلْمَانٌ لَهُمْ [الطور:24] أي: غلمان مهيئون لهم بالخدمة التامة المريحة كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ [الطور:24] أي: محفوظ عن الرياح والغبار وعن غير ذلك مما يفسده.

    تفسير قوله تعالى: (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون)

    يقول الله تبارك وتعالى: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ [الطور:25] أي: صار بعضهم يسائل بعضاً لكن على وجه الأدب، يتكلم معه وهو مقابلٌ له .. لوجهه، فلا يصعر خده له ولا يستدبره بل يتكلم معه بأدبٍ ومقابلة تامة، (قَالُوا) أي: قال بعضهم لبعض، إِنَّا كُنَّا قَبْلُ أي: في الدنيا فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ [الطور:26] أي: خائفين من عذاب الله، فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [الطور:27] (مَنَّ) أي: أنعم علينا بنعمة عظيمة (ووقانا عذاب السموم) أي: عذاب النار، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ [الطور:28] أي: قبل أن أصل إلى هذا المقر وذلك في الدنيا نَدْعُوهُ [الطور:28] أي: نعبده ونسأله؛ لأن الدعاء يطلق على معنيين: على العبادة، وعلى السؤال.

    - فمن إطلاقه على العبادة قول الله تبارك وتعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].

    - وأما الدعاء بمعنى السؤال ففي قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].

    فقولهم: (إنا كنا من قبل ندعوه) يشمل دعاء العبادة: كالصلاة والصدقة والصيام والحج وبر الوالدين وصلة الأرحام كل هذا دعاء وإن كان هو عبادة، لكن لو سألت العابد: لماذا تعبد الله؟

    لقال: أرجو رحمته وأخاف عذابه، فيكون هذا لهذه العبادة بمعنى الدعاء، كذلك ندعوه دعاء مسألة لا يسألون إلا الله ولا يلجئون إلا إلى الله؛ لأنهم يعلمون أنهم مفتقرون إليه، وأنه هو القادر على كل شيء.

    إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور:28] (البر) أي: الواسع الإحسان والرحمة، ومن ذلك البرية للمكان الخالي من الأبنية، والمعنى: أنه جل وعلا واسع العطاء والإحسان والجود.

    (الرحيم) أي: ذو الرحمة البالغة، يرحم بها من يشاء من عباده تبارك وتعالى.

    ففي هذه الآيات بيان نعيم أهل الجنة، وفيها أيضاً لمَّا ذكر عذاب أهل النار ذكر نعيم أهل الجنة؛ لأن هذا القرآن الكريم مثان تثنى فيه المعاني، إذا ذكر فيه الخير ذكر فيه الشر، وإذا ذكر فيه نعيم المتقين ذكر فيه جحيم الكافرين، وهكذا حتى يكون الإنسان قارئ القرآن بين الخوف والرجاء، إن قرأ آيات النعيم رجا، وإن قرأ آيات العذاب خاف، فيعبد الله تبارك وتعالى بهذا وهذا.

    نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنات، الناجين من الدركات إنه على كل شيء قدير.

    1.   

    الأسئلة

    حكم الذبيحة بنجاح الابن في الدراسة

    السؤال: فضيلة الشيخ! سؤالي حول نجاح الطلبة، إذا نجح أحد الأبناء في الدراسة فهل يجوز لي أن أذبح ذبيحة احتفاءً بنجاح الابن وشكراً لله عز وجل؟

    الجواب: لا بأس إذا نجح الأبناء أو أحدهم أن يصنع الإنسان وليمة يدعو إليها أحبابه وأصحاب ابنه فرحاً بنعمة الله تبارك وتعالى وتشجيعاً للابن وتنشيطاً له.

    أهمية الإحرام عند المرور بأحد المواقيت

    السؤال: فضيلة الشيخ! رجل يريد العمرة والسفر في الطائرة ويحب أن يبقى هناك ستة أيام ثم يعود إلى ميقات ذي السيل، فيحرم منه وينـزل إلى مكة ويعتمر فهل في ذلك من بأس حفظكم الله؟

    الجواب: نعم في هذا من بأس، لا يحل لإنسان أراد العمرة أن يمر بميقات ويتجاوزه بلا إحرام، سواء كان ميقاته أو ميقات غيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت وقال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة) وإني أنصح إخواني المسلمين الذين ابتلوا بمثل هذه الحال إذا كانوا ذاهبين يريدون العمرة فلماذا لا يجعلون مرادهم الأصلي الذي هو قربة إلى الله عز وجل هو الأول؟! فيحرمون بالعمرة من الميقات ويذهبون إلى مكة ويؤدون العمرة ويرجعون إلى جدة والمسألة لا تساوي ثلاث أو أربع ساعات، لكن الشيطان يثبط الإنسان عن الخير، هذا الذي ذهب من بيته إلى مكة يريد العمرة له أجر من حين ينطلق من بيته إلى أن يرجع، لكن الشيطان يحرمه، يجعل المراد الأول هو جدة .. الزيارة، فيحرمه من العمرة، ولا يكون له أجر العمرة إلا من الميقات الذي يحرم منه، لذلك أوجه أولاً توجيه إرشاداً إخواننا المسلمين الذين يكون لهم شئون في جدة وهم يريدون العمرة أن يبدءوا بالعمرة أولاً حتى يكون لهم الأجر من حين ينطلقوا من بيوتهم إلى أن يرجعوا.

    ثانياً: لا يحل لإنسان إذا مر بالميقات وهو يريد الحج والعمرة أن يدع الإحرام منه، فإن قدر أنهم تجاوز الميقات قلنا لهم: ارجعوا إلى الميقات الذي تجاوزتم وأحرموا منه، فإذا كانوا مثلاً بميقات أهل المدينة وبقوا في جدة وانتهى شغلهم نقول: ارجعوا إلى ميقات أهل المدينة ولا يحل لكم أن تحرموا من السيل وإن كان السيل هو ميقات أهل نجد الأصلي، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام جعل الفرعي إذا مر به كالأصلي يجب عليه أن يحرم منه، فإن قدر أنه فعل وذهبوا إلى السيل وأحرموا منه فقد ذكر العلماء رحمهم الله أن من ترك واجباً من واجبات الحج أو العمرة لزمه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء.

    الفرق بين الشح والبخل

    السؤال: ما هو الشح؟ وما الفرق بينه وبين البخل؟

    الجواب: الشح والبخل متقاربان، لكن الشح يكون بخلاً مع طمع فيما ليس عنده، البخيل يمنع ما عنده، والشحيح يمنع ما عنده ويطلب ما عند غيره، فهو كالنار تريد أن تلتهم، هذا هو الفرق.

    السائل: والله يا شيخ نريد توضيحاً للشح جزاك الله خيراً.

    الشيخ: الشح أن الإنسان يمنع مما عنده فلا يخرج الصدقة ولا النفقة الواجبة ومع ذلك هو يطلب ما عند الآخرين، تجده يلهث وراء الدنيا، أما البخيل ربما لا يهمه يأتي المال أو يذهب، لكنه لا يؤدي ما يجب عليه، فالشح أشد ذماً وقبحاً من البخل.

    حكم إجابة الدعوة إلى حفلة فيها منكرات

    السؤال: فضيلة الشيخ! حضور دعوات الزواج للمرأة المسلمة إذا كان يحتوي هذا الزواج على ألبسة سافرة من إخراج الظهر والصدر والساق وجزءٍ من الفخذ، فإذا أنكرت سخر منها ونبذت، وإذا باركت وانصرفت نيل من عرضها، فهل يجوز عدم الإجابة وإن كانت معينة بالدعوة وبالذات، والزواجات تكون في وقتٍ واحد ويصرف لها من الأموال استعداداً ومن الوقت، فهل يجوز لها البقاء في بيتها وعدم إجابة هذه الدعوات؟

    الجواب: سأعطيك قاعدة في دعوة الزواجات وغيرها: إذا كان هناك منكر فإن كان المجيب إذا حضر يستطيع أن يغير المنكر وجب عليه الحضور لتغيير المنكر، وإن كان لا يستطيع حرم عليه الحضور، وعلى هذا فإذا دعيت المرأة إلى زفافٍ يشتمل على منكر من ضربٍ بطبل أو زير أو بأناشيد سخيفة أو كانت الألبسة فيها ألبسة محرمة، فإنه لا يجوز لها أن تذهب، بمعنى: أنه يجب عليها أن تبقى في بيتها ولا تجيب هذه الدعوة.

    قد يقول قائل: إذا كان هذا الزفاف لقريب كأخٍ وابنٍ وما أشبه ذلك؟

    نقول: ولو كان لأقرب قريب، يقال له: هل أنت على استعداد ألا تقوم بهذا المحرم فعلى العين والرأس، هل أنت ستبقى على محرم فلن أشاركك فيه، ولو أن الناس فعلوا هذا لحسم كثيرٌ من مداخل الشر، لكن الناس بعضهم يجامل في هذا الشيء المحرم، يقول: هذا قريب .. هذا أخ .. هذا ابن .. هذا خال .. هذا عم، فيقال: رضا الله فوق كل رضا، والناس لو قاطعوا هذه الزواجات التي تشتمل على المحرم لترك الناس هذا المحرم.

    حكم طاعة ولي الأمر وضوابطها

    السؤال: ما هو الضابط في طاعة ولي الأمر؟

    الجواب: الضابط في طاعة ولي الأمر في غير معصية الله أنه إذا أمر بمعصية فإنه لا يطاع، لو قال مثلاً: لا تصلوا مع الجماعة .. لا تصلوا إلا بعد خروج الوقت .. احلقوا لحاكم .. اشربوا الخمر، وما أشبه ذلك، يقال: لا سمع ولا طاعة، ويجب على كل من أمر بمعصية من ولي الأمر أن يردها؛ لأن الأمر كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (قضاء الله أحق) حكمه أحق أن يتبع.

    أما الشيء الذي ليس فيه معصية فيجب على الإنسان أن يطيع ولي الأمر وجوباً، وطاعة ولي الأمر في ذلك طاعة لله عز وجل؛ لأن الله تعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] ولو قلنا: إن الإنسان لا يجب عليه أن يطيع ولي الأمر إلا فيما أمر الله به لصار الأمر فوضى، وأما الوزراء والأمراء والمدراء والرؤساء فهم نواب عن ولي الأمر، فأمرهم كأمر ولي الأمر يطاعون في غير معصية الله.

    السائل: إذا أمر ولي الأمر بهدم جدار البيت، فهل يطاع؟

    الشيخ: إذا كان الجدار معيباً فتهدمه وإن لم يأمرك، فإنه يجب عليك أن تكف الأذية والخطر عن المسلمين، اهدم الجدار، فإن لم تهدمه وسقط على أحد فأنت ضامن.

    أما مسألة الزراعة أمام البيت: فإن كانت الزراعة في نفس البيت لم يجب عليك طاعته؛ لأن داخل بيتك من خصائصك، وإن كانت خارج البيت كعلى الرصيف مثلاً فالظاهر أنه يجب عليك طاعته؛ لأن هذا من المصالح العامة إذا أراد ولي الأمر أن يكون مظهر البلد مظهراً واحداً.

    حضور الزواج وتجنب المنكرات

    السؤال: فضيلة الشيخ! إذا كان زواج أخ فيه غناء نساء وأريد أن أذهب، فإذا جاء وقت الغناء خرجنا، فهل يجوز؟

    الجواب: لا بأس، فمثلاً: إذا كان القريب في زفاف في ليلة زفافه منكر وتخشى من قطيعة الرحم وتذهب فإذا جاء المنكر خرجت فهذا لا بأس به.

    السائل: يجوز أنه يحضر الزواج ويبارك له؟

    الشيخ: يجوز أن يحضر الزواج ويبارك، وإذا جاء المنكر خرجت.

    حكم مد التكبيرة عند الانتقال إلى التشهد

    السؤال: فضيلة الشيخ! سمعنا أنك تقول: لا يجوز مد التكبيرة في التشهد الأول والتشهد الأخير، هل هذا صحيح؟

    الشيخ: من أين سمعته؟

    السائل: من شخص قال لي ذلك.

    الشيخ: تقول: حدثني من أثق به أم من لا أدري عنه؟

    السائل: من لا أثق به.

    الشيخ: على كل حال هذا غير صحيح، نحن لا نقول: إنه لا يجوز، لكن نقول: إنه لا يشرع؛ لأنني لا أعلم أنه ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه ميز بين تكبيرة الجلوس وتكبيرة القيام.

    نعم، بعض العلماء قال: الانتقال الطويل يمد فيه التكبير، والانتقال الطويل عندنا في موضعين:

    الموضع الأول: النزول إلى السجود.

    والموضع الثاني: القيام إلى الوقوف، ومع هذا فإنما قاله استحساناً، لا عن دليل.

    فالذي أرى: أن السنة أن يكون التكبير سواءً، وهذه السنة فيها فائدة للمأمومين، وهي: أن كل شخص يشد نفسه ليحترز من السهو؛ لأن التكبير إذا كان التكبير وكان المأموم غافلاً ربما يكبر الإمام جالساً وهو يقوم، أو قائماً والمأموم يجلس، لكن لو كانت التكبيرات متميزة مشى على هذه التكبيرات كالاسطوانة.

    ضابط الإنكار في المسائل الاجتهادية

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما هو الضابط في الإنكار وعدمه في المسائل الاجتهادية؟

    الجواب: الضابط: أن المسائل العلمية ينكر فيها؛ لأنها أمور غيبية لا يجوز أن يتعدى فيها الإنسان النص، وأما العملية فما خالف نصاً صريحاً لا يحتمل التأويل أنكر، وما خالف دليلاً يحتمل التأويل فإنه لا ينكر، هذا هو الضابط، ولهذا ننكر على الذين يحرفون الكلم عن مواضعه في أسماء الله وصفاته أو في اليوم الآخر؛ لأن هذه أمور علمية لا يمكن يدخلها أشياء، علمية خبرية محضة.

    أما الأمور الاجتهادية فينظر أيضاً: إذا كان النص واضحاً أنكر عليه، وإن كان غير واضح يحتمل التأويل فإنه لا ينكر عليه، مثال ذلك: رجلان أكلا لحم إبل أحدهما يرى أنه ناقض والثاني يرى أنه غير ناقض، هذه المسألة عملية اجتهادية، فلا ينكر أحدهما على الآخر، فلو قام الذي أكل وهو يرى أنه لا ينقض الوضوء وصلى أمامه اعتقد هذه الصلاة باطلة في نظري لكن بالنسبة له غير باطلة، ولهذا يجوز أن يكون الرجل إماماً لي، أصلي خلفه وأنا أعتقد أن صلاته في نظري باطلة لكنها في نظره صحيحة.

    حكم التورية وتمييزها عن الكذب

    السؤال: ما هي التورية وما الفرق بينها وبين الكذب؟

    الجواب: التورية: أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره.

    والكذب صريح في أنه تكلم بخلاف الواقع.

    السائل: السامع ربما يفهم شيئاً آخر.

    الشيخ: لا يهم، هذا هو بعد التورية أن يفهم السامع من خطابك خلاف ما تريد، التورية قد يحتاج الإنسان إليها، إذا حلفك إنسان ظالم عن وديعة عندك لفلان، تعرف الوديعة؟ نعم، إنسان وضع عندك دراهم قال: خذ هذه عندك وديعة، اطلع عليها شخص من المباحث وجاء إليك وقال: أعطني الوديعة التي عندك لفلان، هل هي عندك الآن؟ تقول: ليست عندي؟ فقال: احلف، فتحلف وتقول: والله مال فلانٍ عندي وديعة، يجوز، ماذا يفهم؟ يفهم أن ما عندك شيء، لكنك تريد أن (ما) اسم موصول فيكون إثبات أو نفي؟

    السائل: إثبات.

    الشيخ: هذه هي التورية.

    السائل: هل فيها ضابط يستخدم في موضعه؟

    الشيخ: نعم هناك ضابط، أما الظالم فلا تصح توريته ولا تحل، والحكم فيها أنها على حسب ما يعتقده خصمه، ولهذا جاء في الحديث: (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) فإذا قال الظالم بهذا التأويل لم ينفعه، والمظلوم ينفعه، ومن ليس بظالم ولا مظلوم من العلماء من قال: إن التورية جائزة، ومنهم من قال: إنها غير جائزة، والراجح أنها غير جائزة، وأن الإنسان يجب أن يكون صريحاً؛ لأن الإنسان إذا اعتاد التورية ثم ظهر الأمر على خلاف ما ظهر من كلامه اتهمه الناس بالكذب، وأساءوا فيه الظن، لكن إذا كان مظلوماً فهذه حاجة، والظلم قليل بالنسبة للحوادث، فإذا جاء إنسان يطلبك مائة ريال حقاً في ذمتك له مائة ريال، وتخاصمتما عند القاضي، فقلت: والله ما عندي له مائة ريال، هذا نفي أمام القاضي إذا أردت أنه إثبات فقد وريت لكن وريت وأنت ظالم، يعني: لو نويت: والله الذي عندي له مائة ريال كنت ظالماً فلا تنفعك التورية.

    والخلاصة: التورية للمظلوم جائزة، وللظالم غير جائزة، ولمن ليس ظالماً ولا مظلوماً على خلافٍ بين العلماء والراجح أنها حرام.

    حكم قراءة المأموم الفاتحة

    السؤال: ما حكم قراءة المأموم بالفاتحة في الصلاة الجهرية؟

    الجواب: الذي أرى أن قراءة المأموم الفاتحة واجبة في الجهرية والسرية، ولا تسقط إلا لمن لم يدرك الوقوف الذي يتمكن فيه من قراءتها، مثل: أن يدخل مع الإمام والإمام راكع، هنا تسقط عنه، أو يدخل مع الإمام وهو قريب الركوع فلا يقرأ إلا آية ثم يركع الإمام، هذا تسقط عنه.

    وأما من كان مع الإمام من أول الصلاة فلا بد أن يقرأها في السرية والجهرية.

    السائل: فضيلة الشيخ الإمام لا يدع الوقت للقراءة.

    الشيخ: إذا كان الإمام لا يدع وقتاً للقراءة فاقرأ وهو يقرأ ولا يضر؛ لأن هذا مستثنى.

    حرمة النظر إلى السماء في الصلاة

    السؤال: هل النظر إلى السماء في الصلاة مبطل لها، وما وجه صحة ذكر بعض الأصحاب وذكره صاحب الإنصاف: أنه يجوز النظر إلى السماء عند التجشؤ؟

    الجواب: رفع البصر إلى السماء في الصلاة والإنسان يصلي ثبت النهي عنه والتشديد فيه، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من أن يخطف البصر ولا يرجع إلى فاعله -أي: إلى رافع بصره إلى السماء- وهذا الحديث يدل على أن رفع البصر إلى السماء في الصلاة محرم، وإذا طبقناه على القواعد المعروفة عند الفقهاء لزم من ذلك أن تكون صلاته باطلة؛ لأن هذا منهيٌ عنه في الصلاة بخصوصها، والشيء المنهي عنه في العبادة بخصوصها يقتضي بطلانها، وإلى هذا ذهبت الظاهرية وقالوا: إن رفع البصر إلى السماء في الصلاة مبطلٌ لها، وقولهم ليس بعيداً من الصحة؛ لأن النهي صريح.

    وأما استثناء بعض العلماء ذلك عند التجشؤ فإنما فعلوا هذا قالوا: لأن المتجشي تخرج منه رائحة كريهة في الغالب، فينبغي أن يرفع وجهه لئلا يؤذي من حوله من المصلين، لكن هذا الاستثناء فيه نظر.

    أولاً: أن المتجشي في الصف وجهه ليس إلى اليمين ولا إلى الشمال، إنما إلى الأمام فلن يؤذي أحداً.

    الثاني: إذا رفع وجهه إلى السماء عند التجشي قد يكون قصيراً فيؤذي الطوال، وما أكثر الطوال الذين يكونون عند القصار في الصلاة، فعلى كل حال هذا الاستثناء لما لم يكن عليه دليلٌ من الشرع صار منخرماً غير مطرد.

    فالصواب: أن رفع البصر إلى السماء محرم في حال الصلاة، لكن البطلان قد يتردد الإنسان فيه، والقول بالبطلان قويٌ جداً.

    حكم جمع المرأة لشعر رأسها

    السؤال: ما تفعله بعض النساء من جمع لشعر رءوسهن على شكل كرة في مؤخرة الرأس، هل يدخل في الوعيد: (نساء كاسيات عاريات رءوسهن كأسنمة البخت

    الجواب: أما جمع المرأة رأسها للشغل ثم بعد ذلك ترده فهذا لا بأس؛ لأنها لا تفعل هذا زينة ولا تجملاً لكن للحاجة.

    وأما رفعه وجمعه على سبيل التزين، فإن كان إلى فوق فهو داخلٌ في النهي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رءوسهن كأسنمة البخت) والسنام يكون فوق، وإن كان على الرقبة فليس داخلاً، لكنه يحذر منه إذا كانت المرأة تريد أن تخرج إلى السوق، فإنها إذا خرجت إلى السوق وجمعته على رقبتها برز من وراء العباءة فلفت النظر، فتنهى عنه إذا أرادت الخروج إلى السوق.

    توضيح حول أخوة الأنبياء لأقوامهم

    السؤال: في سورة الشعراء عندما ذكر الله فيها قوم نوح وصالح، قال: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ [الشعراء:105-106] وبعدهم قوم عاد: أخوهم هود، وبعدهم قوم صالح وقوم لوط ولم يذكر في قصة أصحاب الظلة أن شعيباً أخوهم، فما السبب؟

    الجواب: وفي آية أخرى في الأعراف: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً [الأعراف:85] وسبب ذلك: أن أصحاب الأيكة غير قومه؛ فلهذا لم يقل: "أخاهم" أما الآخرون فهم إلى أقوامهم، فقيل: (أخاهم)؛ أي: في النسب وليس في الدين، هذا هو الفرق.

    مناداة الأجانب بـ(يا محمد)

    السؤال: اعتاد الناس أن يقولوا لأصحاب المحلات من العمالة الوافدة يسمونهم بمحمد، أبداً ما ... يا محمد أعطني كذا وكذا، أحياناً ربما يكون غير مسلم، ما رأي فضيلتكم في هذا؟

    الجواب: الذي أعرفه أن العمالة الأجنبية يقولون: يا صديق يا رفيق.

    السائل: الناس الآن قد غيروا الناس.

    الشيخ: ماذا يقولون الآن؟

    السائل: يقولون: يا محمد، مباشرة في الغالب يقولونها.

    الشيخ: أصحيح؟!

    أنا عندي خيرٌ من هذا أن يقول: يا عبد الله؛ لأنهم كلهم عباد لله، حتى الكافر عبد لله، فلو أنها غيرت إلى يا عبد الله لكان أحسن.

    بيان حكم زكاة حلي المرأة

    السؤال: هل في حلي المرأة من زكاة؟

    الجواب: القول الراجح من أقوال العلماء: أن حلي المرأة المستعمل والمعد والمتخذ للحاجة متى احتاجت باعت منه وأنفقت والمعد للأجرة كل ذلك تجب فيه الزكاة؛ لعموم الأدلة، بل لخصوص الأدلة في ذلك، فإنه في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب -يعني: سوارين- فقال: أتؤدين زكاة هذا؟ فقالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟ -يعني: إن لم تخرجي الزكاة- فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقالت: هما لله ورسوله) قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: أخرجه الثلاثة وإسناده قوي.

    والحافظ ابن حجر لا أحد يجهل منـزلته في علم الحديث، وقال الشيخ ابن باز في هذا الحديث: إن إسناده صحيح، وهو مؤيد بالعموم كما في حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم : (ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار) إلى آخر الحديث.

    والمرأة التي عندها حلي من الذهب هي صاحبة ذهب، فمقتضى هذا الإطلاق والعموم دخولها في هذا الوعيد، وأما من قال: إنه لا زكاة في ذلك، وأن هذا كالثياب إذا أعد للاستعمال فلا زكاة فيه، فهذا يسميه العلماء القياس في مقابلة النص، والقياس في مقابلة النص فاسد الاعتبار، لا يؤخذ به، وأما ما استدلوا به من أثر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس في الحلي زكاة) فهذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم هو لا يصح من حيث المعنى؛ لأن بعض الحلي فيه زكاة بالاتفاق.

    فالصواب: أن الواجب على المرأة أن تخرج زكاة حليها إذا بلغ النصاب كل سنة تقومه وتخرج ربع العشر -أي: (2.5%)- ثم إن كان عندها مال أخرجت من ماله، وإن لم يكن عندها وأخرج عنها زوجها أو أحدٌ من أقاربها فلا بأس، وإن لم يكن ذلك باعت من الحلي بقدر الزكاة وأخرجت الزكاة.

    قد يقول قائل: إذا ألزمناها بأن تبيع من الحلي ينفد الحلي ولا يبقى عندها شيء، فالجواب على ذلك من وجهين:

    الوجه الأول: أن الحلي إذا نقص عن النصاب ولو شعيرة فليس فيه زكاة (خمسة وثمانون جراماً) هذا هو النصاب، و(أربعة وثمانون جراماً) لا زكاة فيها، الحمد لله يكفيها أربعة وثمانون جراماً.

    ثانياً: لنقول: ولينفذ كل المال فأي فرق بين الحلي وبين الدراهم، إذا كان عند الإنسان دراهم وقلنا: أخرج زكاتها كل سنة وصارت الزكاة تنقصها تنقصها تنقصها، حتى لو فرضنا ذهبت الدراهم كلها أي فرق بين هذا وهذا؟ ثم إننا نبشر المرأة التي تخرج زكاتها أنه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما نقص صدقة من مال) وأن الله تعالى ربما ينزل لها البركة في هذا الحلي، فيمنعه من الآفات والضياع، وإلا فقد تبتلى المرأة بضياع حليها أو سرقته أو تعيره لأحدٍ وينكر أو ما أشبه ذلك.

    ثم إذا أدت الصدقات عن هذا الحلي فإنه سيكون ظلاً لها يوم القيامة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة) فالحمد لله هي غانمة وليست بغارمة، هي قد أبرأت ذمتها بيقين إذا أدت الزكاة وأصبحت مستريحة.

    حكم العقيقة وأثر تأخيرها

    السؤال: ما رأيكم فيمن يؤخر العقيقة حتى أن شخصاً حكى لي أن عنده ثلاثة أبناء قال: لم أعق عنهم حتى الآن، وسوف أذبح عنهم وأوزعها، فما معنى قول: (المولود مرتهن بعقيقته) أو نحو ذلك حفظكم الله ورعاكم؟

    الجواب: الصحيح: أن العقيقة ليست واجبة وأنها سنة مؤكدة، ولا ينبغي للإنسان تركها، حتى إن الإمام أحمد رحمه الله قال: إذا لم يجد فليستقرض ويخلف الله عليه إنه أحيا سنة، لكن قول الإمام أحمد: فليستقرض، مقيدٌ بما إذا كان يرجو الوفاء، كإنسان حلت عليه العقيقة وهو ما عنده دراهم، لكن يعرف أنه في آخر الشهر سيأتيه الراتب، هذا نقول: استقرض وادفع العقيقة في وقتها في اليوم السابع.

    أما الإنسان الذي لا يرجو الوفاء فلا يستقرض؛ لأن العقيقة سنة، والدين واجب قضاؤه.

    أما من أخرها بلا عذر وكانت نيته أن يفعل لكنه تهاون فهذا -إن شاء الله- يؤجر عليها، لكن أجرها أقل من ذبحها في وقتها، وهو اليوم السابع من ولادته، فإذا ولد الإنسان في يوم الأربعاء تكون العقيقة يوم الثلاثاء، وهذه قاعدة: في اليوم الذي قبل ولادته تكون العقيقة، وإن ولد يوم الأربعاء فالعقيقة يوم الثلاثاء، وإن ولد يوم الثلاثاء فالعقيقة يوم الإثنين، وإن ولد يوم الإثنين فالعقيقة يوم الأحد، وهذا مجرب.

    أما التوزيع فالأصل أن يوزعها ويدعو إليها، يوزع البعض على الفقراء وعلى الجيران ويدعو حتى يظهر السنة وتتبين السنة.

    السائل: ما معنى: (مرتهن بعقيقته

    الشيخ: معنى: (مرتهن بعقيقته) قال بعض أهل العلم: إنه مرتهن لا يشفع لوالديه يوم القيامة، ولكن ابن القيم ضعف هذا القول وقال: (مرتهن) أي: يكون منحبساً منقبضاً قد يكون فيه كثير من المصالح؛ لأن المرتهن هو الشيء المحبوس، كما لو رهنت مثلاً السيارة عند الدائن أي: انحبست عنك مصلحتها.

    حديث ضمة القبر

    السؤال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن للقبر ضمة لو نجا منها أحد لنجى منها سعد بن معاذ

    الجواب: هذا الحديث مشهور عند العلماء، وعلى تقدير صحته: فإن ضمة الأرض للمؤمن ضمة رحمة وشفقة، كالأم تضم ولدها إلى صدرها.

    أما ضمتها للكافر فهي ضمة عذاب والعياذ بالله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الإنسان إذا دفن أتاه ملكان يسألانه عن ثلاثة أصول: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فالمؤمن يقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، أسأل الله أن يجعل جوابي وجوابكم هذا،أما المنافق أو المرتد أعاذنا الله وإياكم من هذا فيقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون قولاً فقلته، فيضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه والعياذ بالله، يدخل بعضه في بعض من شدة الضم، ففرق بين ضم الأرض للكافر أو المرتد وضمها للمؤمن.

    السائل: لماذا خصص سعد بن معاذ في الحديث؟

    الشيخ: لأن سعد بن معاذ أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه اهتز عرش الله تعالى لموته، كما قال حسان بن ثابت:

    وما اهتز عرش الله من أجل هالكٍ     سمعنا بها إلا لـسعد أبي عمر

    وسعد بن معاذ -رضي الله عنه- له مقاماتٌ عظيمة، فإنه كان سيد الأوس، وكان بنو قريظة حلفاءه، ولما استسلم بنو قريظة على أن ينـزلوا على حكم سعد بن معاذ ظناً منهم أن يكون سعد بن معاذ مثل رأس المنافقين عبد الله بن أبي الذي أمَّن حلفاءهم اليهود، قالوا: ننظر سعد بن معاذ، وكان سعد بن معاذ -رضي الله عنه- قد أصيب في أكحله في غزوة الخندق، فضرب له النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب؛ لأنه غالٍ عند النبي عليه الصلاة والسلام، فقال سعد -رضي الله عنه-: [ اللهم لا تقبض روحي حتى تقر عيني ببني قريظة ] رضي الله عنه، فلما رضوا بحكمه -أعني: اليهود- أرسل النبي عليه الصلاة والسلام إليه وجيء به من المسجد النبوي على حمار، ولما أقبل قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: (قوموا إلى سيدكم) فقاموا إليه وأنزلوه من الحمار، ثم جلس للمحاكمة، فلما جلس والنبي عليه الصلاة والسلام والصحابة عن يمينه وبني قريظة عن يساره قال: حكم نافذ على هؤلاء؟ يشير إلى بني قريظة قالوا: نعم حكمك نافذ، فقال: وعلى هؤلاء؟ ويشير وهو قد غض بصره احتراماً للرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: نعم، فقال: أحكم بأن تقتل مقاتلتهم، وتغنم أموالهم، وتسبى ذراريهم، حكم صارم مع أنهم حلفاؤه، لكنه حكم بما يرضي الله عز وجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات) ونفذ فيهم هذا الحكم، وقتلهم في المدينة، قتل نحو سبعمائة رجل من اليهود، ثم بعد ذلك انبعث الدم من العرق لـسعد بن معاذ وتوفي، سبحان الله! استجاب الله دعاءه فلم يمت حتى أقر الله عينه ببني قريظة ورجعوا إلى حكمه، فلهذا قال إن صح الحديث: (لو نجا منها أحدٌ لنجى منها سعد بن معاذ)، وإلى هنا انتهى هذا اللقاء، وإلى اللقاء القادم إن شاء الله،وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767977576