أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثاني والسبعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السابع والعشرون من شهر رجب عام (1418هـ).
نبتدئ هذا اللقاء بما كنا نعتاده من تفسير لكلام الله عز وجل، وإني أحثكم على الحرص على تدبر القرآن ومعرفة معناه؛ لأنه إنما أنزل لهذا، قال الله تبارك وتعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29].
ثم قال الله عز وجل: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى [النجم:30] هو أعلم عز وجل بمن ضل عن سبيله فعلاً ومن سيضل؛ لأنه عالمٌ بما كان وما يكون، فقوله: (بمن ضل) لا تعني أنه لا يعلم إلا من حصل منه الضلال بالفعل، بل هو يعلم من حصل منه الضلال بالفعل ومن سيحصل منه؛ لأن الله سبحانه وتعالى موصوفٌ بالعلم التام في الحاضر والمستقبل والماضي، وقوله: وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى [النجم:30] ضد الضلال، فالناس بين فئتين: إما مهتدٍ، وإما ضال، وإنما بيّن الله سبحانه وتعالى أنه (أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) لفائدتين:
الفائدة الأولى: أن نعلم أن ما وقع من الضلال والهداية فهو صادرٌ عن علم الله وبإرادته؛ إذ لا يمكن أن يوجد في خلقه خلاف معلومه، لو قدر أن يوجد في خلقه خلاف معلومه لكان الله جاهلاً وحاشاه من ذلك.
الفائدة الثانية: التحذير من الضلال والترغيب في الاهتداء، ما دام أن الإنسان يعلم أن أي عملٍ صدر منه فعلمه عند الله فإنه سوف يخشى أن يعصي الله، وسوف يرضى أن يرضي الله عز وجل، فإذاً الفائدة أمران:
الأولى: أنه لا يحصل شيء في الكون إلا بعلم الله سبحانه وتعالى.
والثانية: الترغيب في الهداية أو في الاهتداء والترهيب من الضلال، أي: كأنه يقول: إن ضللت فالله عالمٌ بك، وإن اهتديت فالله عالمٌ بك، فيجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى [النجم:30].
إذاً قدم فيها ما حقه التأخير وهو الخبر؛ لأن حق الخبر أن يكون متأخراً عن المبتدأ تقول: الرجل قائمٌ، ولا تقل: قائمٌ الرجل، فالأصل أن المبتدأ على اسمه يكون هو الأول والخبر هو الثاني، لكن أحياناً يقدم الخبر لفائدة، فهنا الفائدة: (ولله ما في السماوات) والفائدة الحصر، والحصر يعني: لله لا لغيره، (ما في السماوات وما في الأرض) ولا أحد يملك ما في السماوات وما في الأرض إلا الله تبارك وتعالى، نحن نملك ما نملك من أموالنا لكن هل ملكنا عام؟ ليس عاماً، حقيبتي ليست حقيبة لك، وحقيبتك ليست حقيبةً لي، فأملاكنا ليست عامة، ثم هل نحن نملك التصرف بما هو ملكنا كما نشاء؟! لا، تصرفنا محدود حسب الشريعة، ولهذا لو تراضى اثنان في بيع الربا قلنا: إنكما لا تملكان ذلك، لو أراد الإنسان أن يحرق ماله قلنا: هذا ممنوع.
إذاً.. ملك غير الله قاصر غير شامل، وملك غير الله قاصر حتى بالتصرف، الواحد منا لا يملك أن يتصرف في ماله كما يشاء؛ لأن تصرفنا في المال محدود حسب ما جاءت به الشريعة.
إذاً.. الملك التام الواسع الشامل لله عز وجل، ولهذا قال: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الشورى:49] فهو مالكٌ لذواتهما، مالكٌ لما فيهما أيضاً، وكم من ملك في السماوات؟ كم من مخلوقٍ في الأرض؟ كله ملكٌ لله عز وجل يتصرف فيه كما يشاء، حسب ما تقتضيه حكمته، وإيماننا بأن الله ملك السماوات والأرض يفيد أيضاً فائدتين عظيمتين:
الفائدة الأولى: الرضا بقضاء الله، وأن الله عز وجل لو قضى عليك مرضاً لا تعترض، ولو قضى عليك فقراً لا تعترض؛ لأنك ملكه يتصرف فيك كيف يشاء، فهو كما يتصرف في السحاب يمطر أو لا يمطر، يمضي أو لا يمضي، ويتصرف في الشمس والقمر، ويتصرف في المخلوقات، يتصرف فيك أيضاً كما يشاء، إن شاء أعطاك صحة وإن شاء سلبها، إن شاء أعطاك عقلاً وإن شاء سلبه، إن شاء أعطاك مالاً وإن شاء سلبك، أنت ملكه، فإذا آمنت بهذا رضيت بقضائه.
الفائدة الثانية: الرضا بشرعه وقبول شرعه والقيام به، لأنك ملكه، قال لك: افعل افعل، قال: لا تفعل لا تفعل، أرأيت لو كان لك ملك عبد رقيق فأمرته ولكنه لم يفعل، هل تعتقد أن سيادتك تامة عليه؟ لا، أو نهيته ففعل فالسيادة ناقصة.
إذاً: أنت إذا عصيت ربك إما بفعل المحرم وإما بترك الواجب؛ فإنك خرجت عن مقتضى العبودية التامة؛ لأن مقتضى العبودية التامة أن تخضع لشرعه كما أنك خاضعٌ كرهاً أو طائعاً لقضائه وقدره، وليس معنى قوله تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الشورى:49] أن يخبرنا أنه مالك فقط، لكن من أجل أن نعتقد مقتضى هذا الملك، وما هو مقتضاه؟ الرضا بقضائه والرضا بشرعه، فهذا حقيقة الملك.
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31] انظر! جاءت كلمة (ليجزي) كأن قائلاً يقول: وإذا تبين أن الملك لله فما النتيجة؟
أن الناس بين محسن وبين مسيء، كما قال عز وجل: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ [التغابن:2] إذا كانوا بين محسن ومسيء فما جزاء كل واحد؟ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا [النجم:31] (الذين أساءوا) وهم الذين خالفوا المأمور أو ارتكبوا المحذور، هذا هو الضابط، هؤلاء أساءوا، (ليجزيهم بما عملوا) السيئة بالسيئة لا تزيد، أو يعفو عز وجل عمن يستحق العفو، وهو كل من مات على غير الشرك فهو مستحق للعفو، إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] المهم أنه لا يمكن أن يزيد سيئة لم يعملها الإنسان، ولهذا قال: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا [النجم:31] بدون زيادة، وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31] ولم يقل: بما عملوا؛ لأن فضل الله أوسع من أعمالهم، وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31] أنت إذا فعلت حسنة تكون عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة. انظر الآن مثلاً صلاة الظهر بقي لها ثلث ساعة عندما تتوضأ وتسبغ الوضوء ثم تخرج من الصلاة لا يخرجك من بيتك إلا الصلاة فما الثمرات التي تحصل عليها؟
كل خطوة تخطوها يرفع الله لك بها درجة ويحط عنك بها خطيئة، كم عدد الخطوات؟ لا يحصيها إلا الله عز وجل، مع أن المقصود شيء واحد وهو الصلاة، لكن سعيك إلى الصلاة فيه أجر، ما دمت خرجت من بيتك لا يخرجك إلا الصلاة وتأهبت في بيتك، وأسبغت الوضوء في بيتك، فأنت لا تخطو خطوة إلا رفع الله لك بها درجة وحط عنك بها خطيئة، وهذه الخطوات لا يحصيها إلا الله.
ثم إذا وصلت المسجد وصليت ما شاء الله ثم انتظرت الصلاة ولو تأخر مجيء الإمام عن صلاة الجماعة يكتب لك أجر المصلي، (لا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة) أليس هذا أحسن من أعمالنا؟!! بلى، ولهذا قال: وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31] أي: بما هو أحسن وأكثر من عملهم، وهذا يدلك على سعة فضل الله عز وجل وإحسانه وكمال أدبه، فالمسيئون يجازيهم بالعدل أو يعفو، والمحسنون يجازيهم بالفضل.
أما الذين حدوها -أي: جعلوا لها ضابطاً- فقالوا في ضابطها: كل ذنبٍ رتب الله عليه لعنة، أو غضب، أو سخط، أو تبرأ منه، أو ما أشبه ذلك فهو كبيرة، ورأيت لبعضهم ومنهم شيخ الإسلام رحمه الله أنه قال: كل ذنبٍ جعلت له عقوبة خاصة إما في الدنيا أو في الآخرة فهو كبيرة، وعلى هذا فالزنا فيه عقوبة وهو الجلد أو الرجم، والسرقة كبيرة، قطع الطريق كبيرة، وعقوق الوالدين كبيرة، وهلم جراً، كلما رأيت شيئاً من الذنوب جعل الشارع له عقوبة خاصة فهو كبيرة.
أما الذنب الذي نهي عنه فقط فهو صغيرة، كنظر الرجل مثلاً للأجنبية لشهوة هذا ليس كبيرة، هو صغيرة من الصغائر، لكن إن أصر الإنسان عليه وصار هذا ديدنه صار كبيرة بالإصرار لا بالفعل، مكالمة المرأة على وجه التلذذ حرام وليس بكبيرة، ولكن إذا أصر الإنسان عليه وصار ليس له هم إلا أن يشغل الهاتف على هؤلاء النساء ويتحدث إليهن صار كبيرة، فالإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة من حيث الإصرار؛ لأن إصراره على الصغيرة يدل على تهاونه بالله عز وجل، وأنه غير مبال بما حرم الله.
إذاً.. كبائر الإثم: كل ذنبٍ رتب الشارع عليه عقوبة خاصة إما في الدنيا وإما في الآخرة، وأما ما حرمه وسكت ولم يذكر له عقوبة خاصة بل دخل في العموم فهذا من الصغيرة، ولكن الصغائر إذا أصر عليها صارت كبيرة من حيث الإصرار.
وقوله: (والفواحش) هذه كبائر الكبائر؛ لأن الكبائر منها ما هو فاحش يستفحش ويستعظم ويستقبح بشدة، ومنها ما هو دون ذلك، فمثلاً: الزنا فاحشة، قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً [الإسراء:32] واللواط فاحشة أعظم من الزنا؛ لأن الله قال في الزنا: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً [الإسراء:32] وقال لوط لقومه: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ [الأعراف:80] فأتى بـ(أل) الدالة على القبح، وأنها جامعة لكل أنواع الفواحش.
نكاح المحارم فاحشة، قال الله: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً [النساء:22] فهو أشد من الزنا، أي: لو زنا الإنسان بامرأة أجنبية منه، وبأم زوجته مثلاً، صار الثاني أعظم وأشد وأشنع، ولهذا كان القول الراجح من أقوال العلماء: أن من زنا بامرأة من محارمه وإن لم يكن محصناً فإنه يرجم، يعني: الزنا بذوات المحارم ليس فيه جلد ما فيه إلا الرجم؛ لأن الله فرق بين الزنا وبين نكاح ذوات المحارم، نكاح ذوات المحارم وصفه بوصفين: إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً [النساء:22] والزنا وصفه بوصف واحد وهو: إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً [الإسراء:32].
وجاءت السنة للتفريق بينهما -أي: بين من زنا بامرأة من محارمه أو بامرأة أجنبية- فجعلت حد الأول القتل بكل حال وإن لم يتزوج، وإن لم يكن ثيباً؛ لأن هذا أعظم -والعياذ بالله- إنسان يزني بأمه أو أخته أو أم زوجته أو بنت زوجته التي دخل بها، هذا فاحشة عظيمة.
إذاً: (يجتنبون كبائر الإثم والفواحش) قلنا: الفواحش كبائر الكبائر أعظم.
لكن هل نأخذ من هذه الآية أن الكبائر تختلف والفواحش تختلف؟
نعم نأخذ من الآية أنها تختلف؛ لأن الكبائر وصف كلما كان أعظم صار أشد كبيرة، والفواحش كذلك، ولهذا سمعتم وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً [النساء:22] ... وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً [الإسراء:32] .. أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ [الأعراف:80] فرق الله مع أنها كلها فواحش لكن بعضها أعظم من بعض.
إِلَّا اللَّمَمَ [النجم:32] قيل: إنه استثناء متصل، وقيل: إنه استثناء منقطع؛ لأن اللمم الشيء القليل، فهل المعنى: إلا الشيء القليل من الكبائر، أي: أنهم يأتون الشيء القليل من الكبائر، أو المعنى: إلا الصغائر من الذنوب؟ إن قلنا بالأول فالاستثناء متصل، وإن قلنا بالثاني فالاستثناء منقطع، وتكون (إلا) بمعنى: لكن، والمعنى الثاني أقرب من حيث التقسيم؛ لأن الله ذكر الكبائر والفواحش والصغائر، وعلى هذا فيكون معنى: (إلا اللمم) أي: إلا أن هؤلاء الذين أحسنوا يأتون الصغائر، والصغائر -والحمد لله- مكفرة بالحسنات، قال الله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31] وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام: (أن الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) وقال عليه الصلاة والسلام: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) وعلى هذا فيكون المعنى: أن الصغائر تقع مكفرة إما باجتناب الكبائر، أو باجتناب الكبائر مضموماً إليها فعل هذه الحسنات العظيمة؛ الصلوات الخمس، الجمعة إلى الجمعة، رمضان إلى رمضان.
والخلاصة: أن الصغائر تكفر عن الإنسان منها إذا اجتنب الكبائر، وإذا أحسن في الصلوات الخمس والجمعة ورمضان.
قال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ [النجم:32] في هذه الجملة إشارة إلى قوله: (إلا اللمم) أي: أن اللمم يقع في سعة مغفرة الله عز وجل فيغفره الله، والمغفرة: هي ستر الذنب مع التجاوز عنه، أن الله يستر عليك الذنب ويتجاوزه، ولا يكفي ستر الذنب بل لا بد من تجاوزه، والدليل على هذا أمران: لغوي، وسمعي:
أما اللغوي: فلأن المغفرة مشتقة من المغفر؛ والمغفر: هو ما يوضع على الرأس عند القتال ويسمى خوذة، ويسمى بيضة، يوضع على الرأس من أجل أن يتقي السهام، هذا الذي وضع على الرأس جمع بين أمرين: الوقاية والستر، فإذاً.. المغفرة لا بد من ستر ووقاية.
أما السمعي: فهو قوله تبارك وتعالى إذا خلا بعبده المؤمن يوم القيامة وقرره بذنوبه وأقر قال: (قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) فدل هذا على أن الوقاية من الذنوب وعدم المؤاخذة من المغفرة.
نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ولكم ما تقدم من ذنوبنا وما تأخر إنه على كل شيء قدير.
الجواب: لا. الأحسن أن يتوضأ قبل أن يأتي إلى المسجد.
السائل: إذا كان على وضوء ولكنه أحدث؟
الشيخ: مثلاً خرج بعد الشمس، ويريد أن يمكث في المسجد إلى صلاة الظهر، يتوضأ في بيته، ويخرج قاصداً صلاة الظهر، وإذا وصل المسجد سوف يتطوع بما شاء الله ثم يبقى ينتظر الصلاة إما في قراءة قرآن، وإما في صلاة، وإما في علم، ويكتب له الآن من حينما دخل المسجد إلى أن تقام الصلاة وهو في صلاة، هذا هو الأحسن.
ثم إن طرأ عليه حاجة لقضاء بولٍ أو غائط يخرج ويقضي حاجته ويرجع ويبقى على أجره.
الشيخ: لا. هم قالوا: يعفى عن يسير سلس البول مع كمال التحفظ.
السائل: أقصد خروج المذي؟
الشيخ: المسألة فيها خلاف هل يعفى عن يسيره أم لا؟ لكن لو عفي عن يسيره فالمراد مثلاً نقطة أو نقطتان لا تضر.
السائل: الحكم إذا أصاب الثوب؟
الشيخ: إذا أصاب الثوب أو الفخذ، لكن احتياطاً ينضحه ويصب عليه الماء حتى يغرقه بدون أن يعصره أو يدلكه.
الجواب: بايعهم على ألا يسألوا الناس أي شيء إلا عند الضرورة، قال الصحابي: [حتى إن أحدنا ليقع سوطه في الأرض وهو على راحلته فلا يقول لأحد: ناولني إياه، بل ينـزل ويأخذه] وهذا يعم الأصل العموم، ولهذا قال بعض العلماء: إن قول القائل لأخيه: يا فلان ادع الله لنا، أو لا تنسنا من دعائك أن هذا من المسألة المذمومة؛ لأنه سأله، ولا شك أن قول الإنسان: لا تنسنا من دعائك أنه ليس من هدي السلف الصالح فيما نعلم، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يقول هذا؛ لأنك أولاً: تحرم نفسك من الدعاء، والله يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، لم يقل: اطلبوا من غيركم أن يدعوا لكم (ادعوني).
ثانياً: أنك تحرم نفسك من عبادة: (الدعاء هو العبادة).
ثالثاً: أنك تعلق نفسك بهذا الرجل الذي طلبت منه الدعاء.
رابعاً: إنه ربما يغتر هذا الرجل وينتفخ ويقول: أنا من أنا حتى يطلب مني الناس الدعاء.
نعم إن طلبت من رجل صالح ترجو إجابة الله دعاءه في شأن المسلمين عموماً لا بأس، مثل أن تأتي إلى رجل صالح تقول: الناس الآن في جدب وقحط والمطر تأخر، نعم إذا تأخر المطر سنة من السنين ادع الله لهم، هذا لا بأس به، ولذلك لا ينبغي للإنسان أن يقول لأحد: ادع الله لي، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الذين يسترقون وهم مرضى يقولون: يا فلان! اقرأ علينا، جعلهم عادمين لوصفٍ من الأوصاف التي إذا تحققت دخل الإنسان الجنة بغير حسابٍ ولا عذاب.
لكن إذا كان الذي تسأله هذا تعلم أنه ممنون منك، إذا قلت: يا فلان أعطني هذه الساعة أو هذا القلم وهو لا يضره لكن تعرف أنه يفرح؛ لأن بعض الناس يفرح أن يقول لفلان: يا فلان، أريد كذا وكذا، هذا لا بأس به.
الجواب: إذا تذكر الإنسان في صلاته أن على ثوبه نجاسة أو علم وكان لا يدري فليخلع هذا الثوب إذا كان عليه ما يستتر به تحته.
السائل: لكن السروال يا شيخ؟
الشيخ: السروال سهل؛ لأن السروال عليه قميص أليس كذلك؟ يخلع السروال ويمضي في صلاته، أو عليه مثلاً قميص وتحته سروال وفنيلة يخلع القميص.
أما إذا كان رجل ليس عليه إلا قميص واحد، وذكر أن هذا القميص نجس، أو رأى النجاسة فيه وهو لا يدري عنها من قبل، هذا لا بد أن يخرج من الصلاة، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بنعليه فخلع نعاله، فخلع الصحابة نعالهم، ولما انتهت الصلاة سألهم الرسول عليه الصلاة والسلام: (لماذا خلعتم النعال؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً فخلعتهما) ومضى في صلاته.
الجواب: انظر بارك الله فيك! التطبب ليس كالطب، والتكحل ليس كالكحل، الإنسان الذي يتكلف وقلبه خال من خوف الله، هذا ليس فيه فائدة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم بطبيعته يخاف؛ لأنه أعرف الناس بالله، وقد قيل: من كان بالله أعرف كان منه أخوف. ومعلوم أن الرسول كان يتغير وجهه ويخرج ويدخل حتى تمطر، وقال: (ما يؤمننا أن يكون فيه عذاب فقد عذب قومٌ بالريح) وأما الإنسان الذي جرت به العادة وحسب الفطرة فإنه يفرح ويسر ويؤمن بهذا السحاب خيراً.
الجواب: المراد بالأمر هنا الأمر الكوني؛ لأن الأمر يطلق على الأمر الشرعي مثل قوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52]، ومثل قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل:90] .. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58].
ويطلق على الأمر الكوني، كما في قوله تعالى: وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر:50] فالمراد بالأمر هنا الأمر الكوني، فإذا أراد الله تعالى أن يهلك قرية أمر مترفيها أمراً كونياً ففسقوا، وحينئذٍ يحق عليها القول فتدمر.
وفي الآية: التحذير الشديد من عقوبة غير المترفين، من عقوبة الطائعين؛ لأنه قال: (أمرنا مترفيها ففسقوا) أي: المترفون، (فحق عليها القول) وهذا يشهد له قوله تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً [الإسراء:16] ومنها قوله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:25].
وأما قول بعض العلماء عفا الله عنهم: إن المراد بالأمر في الآية الأمر الشرعي، والمعنى: أمرناهم ونهيناهم ففسقوا، فهذا مستحيل على الله عز وجل أن يأمر وينهى ليهلك، فهذا غير صحيح، بل هو يأمر وينهى ليرحم سبحانه وتعالى.
فالقول: إن المراد به الأمر الشرعي قولٌ ضعيفٌ جداً، ومن تأمله عرف أنه لا يليق بالله سبحانه وتعالى أن يأمر أمةً وينهاها من أجل أن تفسق فيعذبها، فصار الغاية من الشرائع على هذا القول العذاب، والغاية من الشرائع الرحمة، المهم أنه يتعين أن يكون بالمراد هنا الأمر الكوني القدري.
الشيخ: لا شيء عليه.
السائل: إذاً برأت ذمته؟
الشيخ: نعم. لأن هذا الرجل ما لم يجبرهم لو شاءوا لقالوا: لا، نصبر ونأخذ حقنا كاملاً، فهو لم يجبرهم، والتنازل عن الحق المؤجل أو المعجوز عنه ببعضٍ منه جائز، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (ضعوا وتعجلوا) ثم إن إفساد الأعيان للحفاظ عليها جائز، فالخضر خرق السفينة مع أنه إفساد لها؛ لكن لأجل الحفاظ عليها، فهذا العمل جائز ولا بأس به، ولكن بشرني عسى الأمر تم على هذا، بمعنى أنهم تنازلوا عن ثلثي الحق وأعطوا ثلثاً؟
السائل: واستلموا.
الشيخ: الحمد لله ذلك من فضل الله.
الشيخ: هل هذا مسافر؟
السائل: ليس مسافراً، لكن بعض الإخوان تشكل عليهم القضية.
الشيخ: لا يشكل، نحن نرى أن الذي يرجع في يومه هذا ليس بالمسافر ولو بلغ تسعين كيلو؛ لأنه لا يودع عند الذهاب، ولا يستقبل عند المجيء، فليس بمسافر، ما عده الناس سفراً فهو سفر، وما لا فلا.
أما من حده بالمسافة وهو ثلاثة وثمانون كيلو فيقول: إذا جاوز (83كم) ولو رجع بساعته فهو مسافر، لكن النفس لا تطمئن لهذا، والأصل وجوب الإتمام، وإذا كان الأصل وجوب الإتمام فإنه لا يجوز العدول عنه إلى القصر إلا إلى شيء تطمئن إليه النفس؛ لأن وجوبها تامة أمر متيقن، وكونها تقصر في هذه المسافة فإنه أمر مشكوك فيه، وما هو العقل؟ أن تترك اليقين وتأتي المشكوك فيه؟
السائل: اليقين.
الشيخ: إذاً الحمد لله، ما دمنا في شك من هذا وهو محل خلاف بين العلماء، والقرآن والسنة لم يقيدا ذلك بمسافة، فإننا نقول: هذا عند الناس ليس بسفر، والأصل وجوب الإتمام فليتم.
الجواب: أولاً: بارك الله فيك لا نرى جواز تغيب الإمام عن الإمامة لمدة شهر، إلا لشيءٍ ضروري كمرض مثلاً؛ لأنه من أين يأخذ المكافئة؟
السائل: من بيت المال.
الشيخ: من بيت المال الذي فيه الحق لكل واحد حتى العجوز في بيتها لها حق، فكونه يأخذ على شيءٍ لم يقم به لا يجوز أبداً، وكونه ينوب شخصاً لا يكفي، لكن إذا دعت الضرورة إلى هذا مثلاً إما لمرض أو لصحبة مريض لا بد من صحبته إياه، فإنه إن شاء أعطاه مكافئة الشهر أو أقل أو أكثر أو ما أعطاه شيئاً حسب ما يرضي صاحبه، ولكنه لا يضع في هذا المسجد إلا من يرضاه أهل المسجد.
السائل: والبيت يا شيخ هل يدفع عنه الإيجار؟
الشيخ: أبداً لا يدفع عنه إيجاراً ولا شيئاً؛ لأن النائب راضٍ بأي شيء يعطيه إياه.
الجواب: ما بينهما تعارض، نقول: إن معنى: (كلتا يديه يمين) أي: كلتا يديه يمنٌ وبركة، لكنها يمين وشمال، وإنما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (كلتا يديه يمين) لئلا يتوهم واهم أن يدي الله عز وجل مثل يدي المخلوق الذي تفضل فيها اليمين عن الشمال، فقال: (كلتا يديه يمين) احترازاً من هذا الوهم، وإلا فهي يمين وشمال.
الجواب: إن قضت الصلاة فهو خير، وإن لم تقض فلا شيء عليها؛ لأن تركها للصلاة مبني على أصل، وهو أنها نفساء، فهي من جنس المرأة التي جاءت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقالت: (يا رسول الله! إني أستحاض حيضة شديدة تمنعني الصلاة ...)، فأرشدها الرسول عليه الصلاة والسلام إلى أن تجلس عادتها أو تعمل بتميزها ولم يأمرها بقضاء الصلاة التي كانت تتركها؛ لأنها بنت على أصل، فهذه المرأة نقول: إن قضت الصلاة فهو خير وإن لم تقضها فلا شيء عليها.
السائل: وما حكم الصيام كذلك إذا كانت في رمضان مثلاً؟
الشيخ: الصيام لا بد أن تقضيه على كل حال.
السائل: براءة للذمة تقضيه أم هي أصلاً ما فطرت يا شيخ إلا لأنها تظن أنها ..
الشيخ: ما يخالف هي ما صامت؟
السائل: ما صامت.
الشيخ: تقضي الصوم، لأن الصيام يقضى على كل حال، لكن الصلاة لا تقضى في الحيض أو النفاس.
السائل: على أكبر مدة يا شيخ، أطول مدة للنفساء؟
الشيخ: أطول مدة ستون يوماً ولا حد لأقله، أي: لو لم تنفس إلا يوماً وليلة كفى، أو يوماً كفى أو ساعة كفى.
الجواب: نعم صحيح، أنا أفتي بأنه لا بأس أن يعطي الإنسان ورقاً فئة عشرة ويأخذ تسعة معدنية؛ لاختلاف الجنس، والحديث: (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد).
السائل: ولو كان المبلغ هو عن قيمته وحده؟
الشيخ: قيمته وحده عند الحكومة، لكن في العرض والطلب ليست بواحدة، ألم تعلم أن الريال الفضي هذا عنه ورقة في تسعير الحكومة، لكن الآن كم يساوي؟
السائل: يساوي عند الناس تسعة ريالات بعشرة ريالات ورقية.
الشيخ: لا. قصدي الريال العربي الفضي الأول، كم كانت الورقة عن الريال العربي؟
السائل: كانت ستة وخمسين ريالاً.
الشيخ: الآن لا، الريال الواحد يساوي أربعة ريالات أو خمسة ريالات.
الجواب: لا شيء فيها ولا هي بحرام ولا بدعة؛ لأن هذا مما جرت به العادة أن الناس يصنعون هذه الإنزالة فرحاً بالمنزل الجديد وإكراماً لإخوانهم وليس فيها شيء.
الجواب: هذا صحيح من جهة وغير صحيح من جهة، أما الشيء الذي لا يقصد فليس فيه كفارة، مثل قول الرجل لولده مثلاً: والله لا تذهب إلى فلان وإن ذهبت لأكسرن رأسك أو ما أشبه ذلك، هذا من المعلوم أنه لم يقصد اليمين، لو ذهب ولده هل يكسر رأسه؟
لا يكسر، هذا لا شيء فيه.
أما إذا كان حقيقة يريد إلزامه مثل أن يقول: والله لتجلسن في البيت حتى يأتي الضيوف ولم يجلس فهذا يحنث.
الشيخ: كيف أربعة وعشرين ألفاً ومائة ألف ما هذا؟
السائل: هي أقساط في السنة أستلم منه أربعة وعشرين ألفاً، وفي ذمته لي مائة ألف ريال، فإذا حال الحول هل أزكي الأربعة والعشرين ألفاً التي وصلتني؟
الجواب: إي نعم زكِ الأربعة والعشرين التي وصلتك.
السائل: فقط.
الشيخ: فقط، ثم إذا تمت المدة زك ما بقي لكل السنوات الماضية إذا قبضته.
الشيخ: قول المدين.
السائل: أي الذي هو المقترض؟
الشيخ: إي نعم المقترض، إذا قال مثلاً: الدين مائة ألف بلا رهن، ومائة ألف برهن، ثم أوفاه وقال: هذا عن الدين الذي فيه الرهن، فالقول قوله؛ لأنه هو الغارم.
الجواب: هذا ليس داخلاً في حديث جعفر لوجهين:
الوجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اصنعوا لآل
الثاني: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يجتمع إلى آل جعفر ، ولا اجتمع أقاربهم إليهم، ولا أصحابهم إليهم، إنما هو طعامٌ يصنع لهم غداءً أو عشاءً حسب الظرف فقط، إذا أتاهم ما يشغلهم.
لكن الشيطان يجعل من الأشياء المتشابهة في الشريعة سلماً لأهل البدع، كما جعل قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] جعلها سلماً للذين ينكرون الصفات، فينكرون الصفات بحجة أنها لو ثبتت الصفة لكان الله مماثلاً للخلق، فهؤلاء استدلوا بهذا الحديث وليس فيه دليلٌ لهم، بل هو دليلٌ عليهم في الواقع، هل الرسول عليه الصلاة والسلام اجتمع إليهم وجعفر بن أبي طالب ابن عمه؟ وهل أحد من أقاربهم اجتمعوا إليهم؟ أبداً، بل قال جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه-: [كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة] والنياحة يعذب بها الميت في قبره، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الميت يعذب بما نيح عليه) ولقلة تنبيه العوام على هذا صاروا يظنون أن هذا لا بأس به، لكن أي إنسان تقول له: إن صاحبك الذي مات أبوك أو أخوك أو أمك أو عمك تعذب لما فعلت، لا أعتقد أن أحداً يجرؤ على أن يفعل هذا الشيء أبداً، ثم أصبحت هذه الأشياء وكأنها وليمة عرس، أي: في بعض البلاد تمر بقصد المأتم تجد الأنوار الكثيرة والكراسي والسرادق، وهذا يدخل وهذا يخرج وكأنها وليمة عرس -والعياذ بالله- وقد قال بعض العلماء المعاصرين وفقهم الله: إن أصل هذا مأخوذ عن النصارى، هم الذين يعملون من أجل أن ينسوا الإنسان هذه المصيبة بما يلهي من الدنيا، لا بالتعزية المشروعة؛ التعزية المشروعة أن يوعظ الإنسان ويقال كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فاصبر واحتسب) لا أن تقام هذه المعمعة وهذه السرادقات.
ولذلك أرى: أن على أهل العلم وطلاب العلم مسئولية كبيرة حول هذا الموضوع، يجب أن تكرس الجهود للقضاء على هذه البدعة.
الشيخ: التركيب ممنوع بارك الله فيك، هات سؤالك أنت؛ لأن الوقت الآن قريب جداً؟
السائل: قلتم عن الدعاء للإنسان أنه أنه لا يُطلب من إنسان دعاء، ما رأيكم في الحديث الذي يروى: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لـعمر وهو مسافر: (لا تنسنا من دعائك)؟
الجواب: هذا لم يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام.
أنا أنبهك على مسألة: الآن عند الناس عامة على المستوى الرسمي والشعبي المدينة المنورة ، وأنا لا أقول في هذا شيئاً، لكن أختار وصفاً أحسن من هذا تشرف به المدينة أكثر، وهي المدينة النبوية، هذا الفخر، المدينة المنورة كل بلدة دخلها الإسلام فهي منورة، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً [النساء:174] فمتى دخل هذا النور في أي بلد فهي منورة، لكن المدينة النبوية من يحصل؟ أي بلدة نحصلها إلى مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا كانت عبارة علمائنا وسلفنا على وجهين:
إما المدينة فقط، وإما المدينة النبوية .
الموجود حتى في القرآن المدينة فقط، وهل يمكن أن نعظم المدينة أكثر من تعظيم الله لها؟ لا يمكن، إذاً.. أنا أفضل ولا أمنع من المنورة، ولا تقولوا: إننا منعنا، أنا لا أمنع من المنورة؛ لأن هذا المصطلح عليه الآن، لكن إذا أردنا وصفها -زادها الله شرفاً- أن نقول: المدينة النبوية هذا هو الأحسن؛ أولاً: هذا هو المتابعة لسلفنا.
وثانياً: إذا قلنا المدينة المنورة صار هذا عام؛ لأن كل مدينة دخل فيها الإسلام فهي منورة، لكن المدينة النبوية خاص لا يدخل فيها إلا المدينة التي سكنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعلنا الله وإياكم من أتباعه.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر