إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [173]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من خلال تفسير الشيخ لآيات من سورة النجم تحدث عن عموم ملك الله سبحانه وتعالى واختصاصه بهذا الملك، بالإضافة إلى ذلك تكلم عن عباده المحسنين الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم، وعن سعة مغفرة الله سبحانه وتعالى، ثم ذكر مراحل نشأة خلق الإنسان، وبعد ذلك تحدث عن تزكية النفس المنهي عنها، مستدلاً بها على حكم التلفظ بالنية.

    1.   

    تفسير آيات من سورة النجم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا هو اللقاء الثالث والسبعون بعد المائة، من اللقاءات المعبر عنها بلقاء (الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا هو الرابع من شهر شعبان عام (1418هـ).

    نبتدئ في هذا اللقاء بما كنا نبتدئ به من تفسير القرآن، وقد انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31]2 وهو في سورة النجم.

    تفسير قوله تعالى: (ولله ما في السماوات وما في الأرض....)

    قال تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [النجم:31] هذه الآية تدل على أمرين:

    الأمر الأول: عموم ملك الله سبحانه وتعالى لما في السماوات والأرض، ويؤخذ هذا العموم من قوله: (ما في السماوات) لأن (ما) للعموم.

    والأمر الثاني: اختصاص ملك السماوات والأرض لله عز وجل، وهذا يؤخذ من تقديم الخبر: (ولله ما في السماوات) والعلماء يقولون: إن تقديم ما حقه التأخير يفيد العموم، وهذه قاعدة بلاغية لغوية، ولها أمثلة كثيرة: منها هذه الآية، ومنها قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] (إياك) هذه مفعول مقدم ذو جملتين: لنعبد ولنستعين، وحق المفعول أن يكون مؤخراً، لكنه قدم من أجل الاختصاص، ونضرب مثلاً لهذا بما يجري بيننا، فإذا قلت لشخص: إياك أردت، فهي ليس كقولك: أردتك؛ لأن إياك أردت يعني: ولم أرد غيرك، لكن أردتك قد تكون أردته وأردت غيره أيضاً. المهم افهموا هذه القاعدة: تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، يعني: اختصاص الشيء هذا لهذا الشيء.

    إذاً: هل أحد يملك ما في السماوات والأرض؟ لا، إلا الله عز وجل هو الذي يملك ما في السماوات والأرض، ولما ذكر سبحانه وتعالى عموم الربوبية ذكر ما يترتب على هذا العموم في قوله: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31] إذاً فمقتضى هذا الملك، أن يأمر وينهى، ثم يجازي بعد ذلك الذين أحسنوا بالحسنى، والذين أساءوا بما عملوا، ما معنى: الحسنى؟ الحسنى: أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة.

    أساءوا بما عملوا يعني: السيئة بمثلها فقط ولا زيادة، قال الله تبارك وتعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40] وهذا في معاملات الخلق، وأما الخالق فقال عز وجل: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الأنعام:160].

    تفسير قوله تعالى: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم)

    قال تعالى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ [النجم:32] (إلا اللمم) لها معنيان:

    المعنى الأول: يعني الصغائر.

    والمعنى الثاني: القليل من الكبائر والفواحش، (إلا اللمم) يعني: إلا القليل، ذكرنا بناء على اختلاف القولين الاختلاف في (إلا) هل هي متصلة أو منقطعة؟ (إلا اللمم) متى تكون منقطعة؟ إذا فسرنا (اللمم) بالصغائر صارت منقطعة، وعلامة (إلا) المنقطعة، أن ما بعدها ليس من جنس ما قبلها، فمثلاً: كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم:32] إذا قلنا اللمم الصغائر، فهل الصغائر من الكبائر والفواحش؟ لا، إذا قلنا: المراد باللمم القليل من الكبائر والفواحش صارت (إلا) متصلة؛ لأن اللمم القليل مما سبق فهو من جنسه.

    إذاً: الاستثناء عندنا يكون منقطعاً ويكون متصلاً فما هو المتصل؟

    إذا كان المستثنى من جنس المستثنى منه فهو متصل، وإذا كان من غير جنسه فهو منقطع، وإليك ما مثل به النحويون يقولون: إذا قلت: جاء القوم إلا أميرهم، فالاستثناء متصل؛ لأن الأمير من جنسهم.

    وقالوا: إذا قلت: جاء القوم إلا حمارهم، فالاستثناء منقطع؛ لأن الحمار ليس من جنس القوم.

    تفسير قوله تعالى: (إن ربك واسع المغفرة)

    ثم قال عز وجل: إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ [النجم:32] إشارة إلى أن الصغائر تغفر، وقد ثبت في القرآن الكريم أن الصغائر تغفر باجتناب الكبائر، فقال جل وعلا: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً [النساء:31]، ولهذا قال: إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ .

    أما إذا قلنا: اللمم القليل من الفواحش والكبائر، فيكون قوله: إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ إشارة إلى أن الكبائر إذا تاب الإنسان منها غفر الله له، وكأنها لم تكن، وإن لم يتب منها فهو تحت المشيئة إن شاء الله غفر له وإن شاء عاقبه بما تستحق هذه الكبيرة.

    وهناك قومٌ من هذه الأمة يقولون: إن الكبيرة لا تغفر، وهم الخوارج والمعتزلة ، فـالخوارج والمعتزلة يقولون: إن الإنسان إذا زنى فهو من أهل النار وهو كافر، وإذا سرق كذلك، وإذا شرب الخمر كذلك، لكن قولهم باطل، والصواب: أن فاعل الكبيرة داخل تحت قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

    لو قال قائل: أنت إذا قلت هذا، فتحت الباب على مصراعيه لفعل الكبائر؛ لأن أي إنسان يفعل كبيرة يقول: أنا يمكن أن يغفر الله لي، وهذا فعلاً يحتج به العوام، يقول: إذا كان الله يقول: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ أي: ما دون الشرك لمن يشاء، إذاً سيفعلون الكبائر ويقولون: سيغفر الله لي، فكيف تجيبه؟

    نجيبه بأن الله قال: يَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ وما قال: لكل أحد، بل قال: (لمن يشاء) فهل أنت متيقن الآن أنك ممن شاء الله أن يغفر له؟ هل أحدٌ يتيقن هذا؟ لا أحد يتيقن... إذاً: لا حجة في هذه لأهل المعاصي.

    ثم إن قوله تعالى: (لمن يشاء) نعلم أن الله حكيم، لا يشاء أن يغفر للمذنب غير الشرك إلا إذا اقتضت الحكمة ذلك، ومن منا يستطيع أن يقول: إن حكمة الله تقتضي أن يغفر الله لي؟! لا أحد يقول هذا، بل لو قال هذا لقلنا: إن قولك هذا من أسباب المؤاخذة والمعاقبة؛ لأنك تأليت على الله.

    تفسير قوله تعالى: (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض)

    ثم قال عز وجل: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ [النجم:32] فهو أعلم بنا منذ ذلك الوقت الطويل البعيد، (إذ أنشأكم من الأرض) بماذا؟ بخلق أبينا آدم؛ لأن آدم خلق من التراب، ثم صار طيناً ثم صار صلصالاً، ثم خلقه الله بيده جسماً ونفخ فيه الروح فصار آدمياً إنساناً، إذاً نحن من الأرض، سبحان الله نحن من الأرض؟!! نعم نحن من الأرض، مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طـه:55] الإخراج الذي ليس بعده وفاة، وهو في يوم القيامة.

    (إذ أنشأكم من الأرض) ولذلك الآن بنو آدم كالأرض تماماً فيهم الحزن الصلب الشديد، وفيهم السهل، وفيهم ما بين ذلك، وفيهم الأبيض، وفيهم الأحمر والأسود؛ لأن الأراضي تختلف هكذا، وقد ذُكر أن الله لما أراد أن يخلق آدم أخذ من كل الأرض سهلها وحزنها أسودها وأبيضها.

    تفسير قوله تعالى: (وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم)

    قال تعالى: وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ [النجم:32] وهذه النشأة الثانية (أجنة): جمع جنين وهو الحمل، وسمي الحمل جنيناً؛ لأنه مستتر (إذ أنتم أجنة) أي: مستترين في بطون أمهاتكم، من حين كان الإنسان نطفة ومن النطفة يخلق، وهذا معنى قوله: ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [المؤمنون:13] فمن حين ما يكون نطفة يكون جنيناً، ثم يتطور أربعة أطوار.

    أولاً: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة مخلقة وغير مخلقة، ثم أنشأناه خلقاً آخر، الطور الأخير الذي فيه تحل الروح.

    إذاً.. هو عالمٌ بنا حين النشأة الأولى وحين النشأة الثانية في بطون أمهاتنا.

    تفسير قوله تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم)

    قال تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ [النجم:32] لا تقل: عملت كذا وكذا، صليت .. زكيت .. صمت .. جاهدت .. حججت .. لا تقل هكذا، تدل بعملك على ربك، هذا لا يجوز، فإن قال قائل: أليس الله يقول: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]؟

    فالجواب: بلى، لكن معنى: (من زكاها) أي: من عمل عملاً تزكو به نفسه، وليس المعنى: (من زكاها) من أثنى عليها ومدحها بأنها عملت وعملت، بل المراد عمل عملاً تزكو به نفسه، فلا معارضة بين الآيتين، ولهذا نقول: من زكى نفسه بذكر ما عمل من الصالحات فإنه لم يزك نفسه حقيقة؟ من زكى نفسه فإنه لم يزك نفسه، فرق بينهما.

    التزكية التي يحمد عليها الإنسان: أن يعمل الإنسان عملاً صالحاً تزكو به نفسه.

    والتزكية التي يذم عليها: أن يدل بعمله على ربه ويمدحه، وكأنه يمن على الله، يقول: صليت .. تصدقت .. صمت .. حججت .. جاهدت .. بررت والدي .. وما أشبه ذلك، هذه لا يجوز للإنسان أن يزكي نفسه، ويقول: أنا من أنا، وفي هذا رد على أولئك الصوفية الذين يدعون أنهم أئمة، ويزكون أنفسهم، ويقول: وصلنا إلى حدٍ لا تلزمنا الطاعات؛ لأن هناك من الناس من يقول: إنه وصل إلى عالم الملكوت ولا عليه صلاة، ولا عليه صدقة، ولا عليه صيام، ولا يحرم عليه شيء، وهؤلاء منسلخون من الدين انسلاخاً تاماً، لذلك نقول: هؤلاء الذين يزكون أنفسهم هم أبعد الناس عن الزكاة؛ لأنهم أعجبوا بأعمالهم وأدلوا بها على الله عز وجل، وجعلوا لأنفسهم منصباً لم يجعله الله تعالى لهم.

    قال تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى كأنه يقول: لماذا تزكون أنفسكم؟!! أتريدون أن تعلموا الله بما أنتم عليه؟

    الجواب: لا، ولهذا قال: هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى أي: إن كنت متقياً لله فالله أعلم بك، لا حاجة إلى أن تقول لله: إني فعلت وفعلت.

    وفي هذا إشارة إلى أن النطق بالنية عند فعل العبادة قد يدخل فيه نوع من التزكية، يعني: إذا أردت أن تتوضأ هل تقول: اللهم إني نويت أن أتوضأ؟

    لا، هل تقولها سراً؟

    لا، بعض العلماء يقول: قلها سراً بينك وبين نفسك، وعللوا هذا قالوا: من أجل أن يطابق اللسان القلب، القلب نوى لكن قل باللسان: اللهم إني نويت أن أتوضأ، أو نويت أن أصلي أيضاً، تريد تصلي قل: اللهم إني نويت أن أصلي، متى؟ الظهر أو العصر؟ الظهر، وهل تحتاج إلى عدد الركعات أو لا تحتاج؟ لا ما تحتاج، فما دام عينت يكفي، بعض العلماء يقول هكذا -يا إخوان- وهم علماء أجلاء من الفقهاء.

    لماذا النطق باللسان؟ لتطابق القول القلبي واللساني.

    فيقال: هذا غلط، هذا قياسٌ في مقابلة النص، هل الرسول عليه الصلاة والسلام شرع لأمته أن ينطقوا بالنية؟

    أبداً، لا في حديث صحيح ولا ضعيف: أن الإنسان إذا أراد العمل نطق النية، أبداً ما يوجد.

    ومن الطرف الطريفة: أن رجلاً عامياً في المسجد الحرام سمع شخصاً يريد أن يصلي، فقال بعد أن أقيمت الصلاة: اللهم إني نويت أن أصلي الظهر أربع ركعات في المسجد الحرام، ولما أراد أن يكبر قال له: باقي عليك، قال: ما هو الباقي؟ قال: باقي التاريخ، قل في اليوم الفلاني، فأنت الآن ذكرت المكان وذكرت العمل وباقي التاريخ قل: في اليوم الفلاني من الشهر الفلاني من السنة الفلانية.

    مداخلة: مأموماً؟

    الشيخ: لا أعلم مأموم أو غير مأموم المهم أنه قال له الكلام هكذا، فانتبه الرجل وقال له: يا أخي! أنت تعلم ربك بنيتك، الله أعلم بنيتك: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19].

    كذلك عند الصيام مثلاً: إذا تسحر الإنسان وأراد أن يصوم يقول: اللهم إني نويت الصيام إلى الليل؟ لا يقول هذا، ونحن عندما كنا صغاراً كانوا يلقوننا هذا، يقول: إذا تسحرت قل: اللهم إني نويت الصيام إلى الليل، ونقوله؛ لأننا لا ندري، لكن في الواقع أن هذا من البدع.

    بقي أن يقال في الحج هل تقول: اللهم إني نويت العمرة، أو نويت الحج، أو نويت القران، أو التمتع؟ لا ما تقوله، حتى في الحج عندما تغتسل وتلبس الإحرام لا تقل: اللهم إني نويت العمرة أو نويت الحج، بل تكفي التلبية؛ لأنك سوف تقول لبيك عمرة إن كنت في عمرة، أو لبيك حجاً إن كنت في حج، أو لبيك عمرة وحجاً إن كنت قارناً، فلا حاجة، فكل العبادات لا ينطق فيها بالنية، ولهذا قال عز وجل: هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى .

    1.   

    الأسئلة

    كيفية جعل المكتبات مفيدة

    السؤال: بارك الله فيكم، ونفع بكم المسلمين! هذا أولاً، وثانياً: حفظكم الله! تعلمون أنه دندن كثيرٌ من الناس حول المكتبات الخيرية، وهم لا يعلمون ما دورها أو ما نتاجها، وقد يخفى عليهم هذا الأمر، فلذلك نحن إخوانكم من مدينة حائل ننقل لكم تحيات الإخوة هناك وسلامهم لكم جميعاً؟

    الشيخ: عليك وعليهم السلام، وأبلغهم سلامنا.

    السائل: إن شاء الله تعالى، إخوانكم في مكتبة محمد بن عبد الوهاب الخيرية في مدينة حائل لما رأينا أن هناك أخطاء في المكاتب، فحرص إخوانكم في المكتبات هناك في مدينة حائل بالتعاون مع بعض طلاب العلم على تصحيح الأوضاع بدلاً من هدم هذا الكيان أو تحطيمه، إصلاح ما فيه من أخطاء وتعديل ما فيه من ملاحظات، ولكن ما زال هناك أناسٌ يحاولون هدم هذه المكاتب وتشويش أذهان كثيرٍ من الشباب وقد يدخلون مداخل أخرى كأن يصلون إلى العامة وإلى أولياء أمورهم وغيرهم، وهم الذين يقولون: يريدون -مثلاً- تغيير النظام أو أنهم يريدون تحريف عقول الشباب أو يريدون .. أشياءً كثيرة ما تقال لا يخفى عليكم حفظكم الله هذا الشيء، فنرغب منكم أولاً توجيه النصح لهؤلاء؛ لأن بعضهم قال: استفتوا الشيخ بهذا الأمر وكأنه لا يسمع أو لا يقرأ، توجيهكم لهم وتوجيهكم لنا أيضاً بما ينفعنا وينفعهم إن شاء الله تعالى؟

    الجواب: هذا سؤال مهم، والواقع أن المكتبات نفعها أو ضررها يعتمد على شيئين:

    الشيء الأول: الكتب الموضوعة فيها، ما هذه الكتب؟ هل هي كتب سلفية مبنية في العقيدة على مذهب أهل السنة والجماعة ، أو كتبٌ فكرية منحرفة؟ إن كانت الأولى فنعم المكتبات، وإن كانت الثانية فلابد من التصحيح.

    الثاني: القائمون على هذه المكاتب من هم؟ ما منهجهم؟ ما عبادتهم؟ ما أخلاقهم؟ لابد أيضاً أن يكون القائمون عليها ممن يوثق بهم علماً وديناً وخلقاً ومنهجاً؛ لأن هذه المكتبات مأوى الشباب، والشاب كالعجينة بيد العاجن يتكيف حسب ما يكيف، فإذا يسر له أهل الخير يدلونه على الحق ويرشدونه لما فيه مصلحته دنيا وأخرى، نفع الله بهذه المكتبات، وصارت في الحقيقة نواة خيرٍ للشباب، وإن كانت الأخرى يعني: إن كان القائمون عليها ذوي انحراف لاتجاه غير سليم، فهنا يكون الضرر، فإما أن يغير القائمون عليها وإما أن تغلق؛ لأن الدين الإسلامي مبني على تحصيل المصالح إما الخالصة أو الراجحة، وعلى درء المفاسد إما الخالصة وإما الراجحة، وإذا كان في الشيء مصلحة ومفسدة قدم الراجح منهما، كما قال تعالى: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219] ولهذا حرمت، وإن كانت المصلحة أكبر أخذ به، واندرجت المفسدة في ضمن المصلحة، وهذا كما ينطبق على الأعمال ينطبق على العامل أيضاً، هل كل عاملٍ من أهل الخير عمله كله خيرٌ محض؟ لا، فيه خير وشر، لكن من الناس من خيره أكثر، ومن الناس من شره أكثر، ولهذا لا يجوز أن ننظر للمسلمين من منظار الشر فقط، بل من الأمرين جميعاً، ونوازن ونقارن، وعلى حسب ما يظهر يكون العمل.

    فأرى أن المكتبات إذا قام عليها أهل الخير من ذوي العلم والأمانة والاتجاه السليم والخلق الكريم فهي من خير المنشآت بشرط أن يتحقق الأمر الثاني وهو سلامة الكتب.

    ومن المعلوم أنه إذا كان القائمون على المكتبات أهل الخير، فإنهم سوف يبعدون عنها الكتب المنحرفة فكرياً أو عقدياً أو منهجياً.

    هذا ما أريد وهو بصفة عامة، بقطع النظر عن المكتبة في البلد الفلاني أو في البلد الفلاني.

    حكم من صلى المغرب مع جماعة يصلون العشاء أو العكس

    السؤال: فضيلة الشيخ: صليت مع جماعة كانوا يصلون المغرب وأصلي العشاء، فلما جلسوا في الركعة الثالثة جلست معهم، فلما سلم الإمام قمت فأتيت برابعة فما حكمه؟

    الجواب: لا بأس، هذا عمل سليم، تصلي العشاء خلف من يصلي المغرب فإذا سلم الإمام قمت فأتيت بما فاتك، فلا بأس.

    بقي مشكلة الثانية: لو صليت المغرب خلف من يصلي العشاء، فإن دخلت في الركعة الثانية فلا إشكال، لماذا؟ لأنك ستسلم مع الإمام، هو صلى أربعاً وأنت صليت ثلاثاً، وإن دخلت في الركعة الأولى فحينئذٍ سيقوم الإمام إلى الرابعة فماذا تصنع أنت؟ انو الانفراد وتشهد وسلم، ثم ادخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء.

    معنى (وكلتا يديه يمين)

    السؤال: بالنسبة للدرس السابق تطرقنا إلى موضوع يد الله عز وجل وقول أن النبي صلى الله عليه وسلم: (وكلتا يديه يمين) فقلت: المراد باليمين البركة والخير، ثم ذكرت أن الله سبحانه وتعالى له يد يمنى ويد شمال، فهل ورد في ذلك أدلة؟

    الجواب: اقرأ بارك الله فيك آخر باب في كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وانظر للحديث، وانظر للمسائل التي أخذت من الحديث.

    حكم قضاء السنن الرواتب لمن شغل عنها

    السؤال: بحكم عملنا كمدرسين عند الاصطفاف لصلاة الظهر نحتاج إلى تنظيم الطلاب في البداية والنهاية فلا نتمكن من أداء السنن الرواتب، فهل نقضيها أو ..؟

    الجواب: هل إنكم من حين يؤذن تصفون الطلاب أو هناك فرصة للصلاة؟ قبل أن يبدأ صف الطلاب صلِّ الراتبة؟

    السائل: نحتاج إلى وقت.

    الشيخ: على كل حال احرص، وإن لم يتيسر فقيامكم على هؤلاء لا شك أنه مصلحة كبيرة، وبإمكانك بعد الصلاة تأتي بالراتبة الأخيرة ثم تقضي الراتبة التي قبل الصلاة.

    السائل: وهل ورد أن سنة راتبة الظهر القبلية ركعتان فقط؟

    الجواب: نعم ورد ركعتان وورد أربع بسلامين، أما ركعتان ففي حديث ابن عمر : (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات .. وذكر اثنتين قبل الظهر وركعتين بعدها)، وأما اثنا عشر فكذلك أيضاً صح عن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث عائشة وغيرها.

    الصلاة على الجنازة بعد دفنها بعد العصر

    السؤال: رجل دخل المقبرة بعد صلاة العصر وقد صُلي على جنازة ودفنت، فهل يجوز له الصلاة على هذه الجنازة بعد الدفن؟ وهل هذا الوقت وقت نهي لا يدفن فيه الميت؟

    الجواب: إذا أتيت إلى المقبرة وقد دفن الميت بعد العصر فلا تصل عليه، لعموم قوم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس) ولك أن تصلي عليه في الليل أو في النهار من الغد.

    وأما الصلاة عليه قبل أن يدفن فلا بأس؛ وذلك لأن الصلاة عليه قبل أن يدفن صلاة لها سبب، وجميع الصلوات التي لها سبب ليس عنها نهي، كل صلاةٍ لها سبب صلها متى وجد سببها في أية ساعةٍ شئت من ليل أو نهار، فمثلاً: إذا دخلت المسجد بعد العصر صلِّ ركعتين، لو توضأت بعد العصر صلِّ ركعتين للوضوء، لو حدث لك أمر تريد أن تستخير الله فيه ويفوت قبل انتهاء وقت النهي، صل ركعتين واستخر.

    الصلاة خلف الإباضي

    السؤال: ما حكم الصلاة خلف الإباضي؟ عفا الله عنك

    الجواب: ليس هذا محل جوابها.

    السائل: قد حصلت الصلاة؟

    الشيخ: الحمد لله حصل قل: اللهم إني أسألك القبول.

    تقسيم الطلاب إلى حلقات في الدراسة الشرعية

    السؤال: تقوم بعض النساء المدرسات الفاضلات في المدارس أو الكليات بتقسيم البنات في فصول الكلية إلى أقسام أو حلقات حلقة عائشة، حلقة خديجة، وهكذا حتى لا تحصل الفوضى، فتقول بعض الأخوات: إنه وجد أن هناك بنات معنا في المصلى تركن المصلى بحجة أن هذا التقسيم ليس على المنهج وليس من طريقة السلف، وخرجن خارج المصلى وأقمن حلقة أخرى خارج المصلى، مما أدى إلى انقسام الصف وتشتت البنات وحدث بعض الخلافات، والسؤال يقول: ما توجيهكم؟ وهل هذه الطريقة خاطئة أو صحيحة؟

    الجواب: أقول بارك الله فيك، بلَّغهن أن كلتا الطريقتين غير صحيحة: لا تقسيم النساء عند الصلاة، ولا انفراد هؤلاء في مكانٍ آخر.

    السائل: ليست الصلاة ولكن في حلقة المصلى.

    الشيخ: ما هي حلقة المصلى؟

    السائل: تبدأ الدراسة من سبع ونصف فتحضر البنات الساعة السابعة يقمن حلقة درس قرآن أو تفسير.

    الشيخ: القصد أنها حلقات تحفيظ.

    السائل: نعم، حلقات تعليم: تفسير، وقرآن، وحديث، وفقه.

    الشيخ: المهم حلقات يسمونها تحفيظ القرآن؟

    الجواب: هذه ليس فيها شيء هذا، فكوني أقول: الحلقة هذه حلقة عائشة، وهذه حلقة خديجة، وهذه حلقة فاطمة، ما في مانع.

    السائل: والنساء اللاتي خرجن؟

    الشيخ: اللاتي خرجن هذا خطأ منهن.

    السائل: بحجة أن هذه الطريقة ليست من طريقة السلف؟

    الشيخ: ما هي من طريقة السلف لكن هذا تنظيم، هل من طريقة السلف الدراسة الفصولية؟

    السائل: لا.

    الشيخ: ما هي من طريقة السلف، هل من طريقة السلف تبويب السنة: الطهارة، الصلاة، الزكاة، الصيام، الحج؟

    ما هي من طريقة السلف، هذه ما حدثت إلا بعد الصحابة بعد ما ألفت الكتب.

    فهذا خطأ، قل للاتي ينفصلن: هذا خطأ منهن؛ لأن هؤلاء الذي انفصلن بالمكان وبالتسمية.

    السائل: حتى لا يخفى -يا شيخ- أنه بعدما انفصلت البنات حصل انفصالهن مع الطالبات، وحصل في ..

    الشيخ: قل لهن: لابد أن يرجعن إلى المكان الأول، وكل واحدة، مثلاً لها مستوى ولها اسم خاص.

    حكم استخدام بطاقة الفيزا

    السؤال: بعض البنوك لها بطاقة (الفيزا) تأخذ مبلغاً وتسدده بعد خمسين يوماً أو خمسة وأربعين يوماً نفس المبلغ، ما يأخذون عليه فوائد فما حكم ذلك؟

    الشيخ: وإذا مضت المدة، ولم تسلم؟

    السائل: لا أعلم يا شيخ!

    الشيخ: إنهم يجعلون عليك مبلغاً إضافياً، وهذا حرام لا يجوز، حتى لو وثق الإنسان أنه سيوفي في المدة، قد تختلف الأمور، وقد يحدث له حادث يحتاج إلى أموال يتداوى بها هو أو عائلته، وقد تكون الدراهم ما حصلت عنده، ثم لو قدر أن الرجل غني جداً سيجد يقيناً قبل أن تتم المدة ما يوفي به، فأصل دخوله على مبدأ الربا حرام؛ لأن المعروف عنهم أنه إذا تمت المدة أضافوا إليه ما يسمونه ربحاً، وهو في الحقيقة خسارة، فالدخول في هذا لا يجوز.

    كيفية الجمع بين قوله تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم) وقوله: (وأما بنعمة ربك فحدث)

    السؤال: كيف الجمع بين قوله تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم:32]، وقوله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11]؟

    الجواب: نعم أحسنت بارك الله فيك، قوله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11] معناه: أن يتحدث الإنسان بما أنعم الله عليه، لا أن يزكي نفسه على ربه، وبينهما فرق، إنسان يقول: صلى، زكى، صام، حج، يريد أن يدل بعمله على ربه، ويزكي نفسه على الله هذا هو الممنوع.

    لكن: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11] فيقول: الحمد لله هداني بعد أن كنت كذا وكذا، هذا لا بأس به، هذا عمرو بن العاص رضي الله عنه، كان قبل أن يسلم أشد الناس بغضاً للرسول عليه الصلاة والسلام، ويقول: وددت لو تمكنت منه فقتلته. ولما أسلم قال بعد أن أسلم متحدثاً بنعمة الله: [كنت لا أستطيع النظر إليه تعظيماً له] أو كما قال، هذا ما فيه بأس.

    الشيخ: الأخ سلم وأنت سلمت أيضاً وأنتم معنا، كيف تسلمون علينا وأنتم معنا؟! السلام المعروف من الصحابة أنهم إذا جعلوا يسألون الرسول ما يسلمون، إلا من قدم على الحلقة.

    أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    السؤال: فضيلة الشيخ! نظراً لعملنا في جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكثرة من يخوضون في هذا الجهاز ويتكلمون في أخطائه ويتداعون عليه، نريد منكم كلمة تشجيعية يا فضيلة الشيخ؟!

    الجواب: الكلمة التي أريد أن أقولها هي: أن مقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم المقامات في الدين، حتى كان من وصف الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] فذكر أربعة أوصاف، بدأها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم قال: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) فهي وظيفة الرسول عليهم الصلاة والسلام، وهي خصيصة هذه الأمة: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110] وبنو إسرائيل كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه.

    فمقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعلى المقامات في الدين، والذي يدخل فيه بقصد إصلاح عباد الله كالمجاهد في سبيل الله، والذي يوجه الذم والقدح فيه، إن قصد المقام مقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو على خطرٍ عظيم؛ لأنه إذا قصد هذا فقد قدح في الدين، والشريعة، وإن قصد القدح والذم في بعض رجال الحسبة الذين قد لا يكون عندهم الحكمة في الأمر والنهي، فهذا لا يكون خطره كالأول، لكن مع ذلك الواجب على المسلمين إذا رأوا من بعض القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا رأى من بعضهم شيئاً منافياً للحكمة، أن ينصحهم، إما بطريقٍ مباشر، وإما عن طريق رئيسه، يعني: إما أن يقول لرجل الحسبة نفسه: يا فلان أنت قلت كذا وكذا وهذا لا ينبغي، أو عن طريق الرئيس المباشر له.

    ثم إني أقول لهؤلاء الإخوة: لا بد أن ينالكم أذى، كما قال لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [لقمان:17] لابد من أذى؛ لأن الناس كلهم ليسوا على الصراط المستقيم، ولابد أن يكون لهم أعداء، لكن عليهم الصبر والاحتساب وأن يعلموا أن كل ما ينالهم من الهم والغم والحزن فإنه مكتوبٌ لهم، فيكتب للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أجران:

    الأجر الأول: قيامه بالعمل.

    والأجر الثاني: الأذى الذي يصيبه من الناس. كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (أنه ما من همٍ ولا غم ولا أذى يصيب المؤمن إلا كفر الله به عنه) فعليهم بالصبر والاحتساب، واستعمال الحكمة إذا اشتد قبيلهم، فليلينوا حتى يلتئم هذا وهذا، أما إذا اشتد قبيلك واشتددت أنت فإنه لا وفاق بينكما، وكم جرى من الأشياء التي تؤيد ما قلت بأن اللين من أحسن ما يكون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    وفي الآداب الشرعية في الجزء الأول لـابن مفلح أحد تلاميذ شيخ الإسلام فصول جيدة جيدة جيدة، ينبغي للهيئات أن تطلع عليها، وتنظر كيف يعامل السلف الصالح ، أو كيف يتعاملون مع أهل المنكر والتاركين للمعروف.

    حكم نقل الأعضاء من شخص إلى شخص آخر

    السؤال: فضيلة الشيخ! بالنسبة لنقل الأعضاء من شخص إلى شخص آخر قبل الموت أو بعده هل في ذلك إشكال؟

    الجواب: نرى أنه لا يجوز، لا قبل الموت ولا بعد الموت، حتى لو أوصى به الميت وقال: إذا مت فأعطوا قرنية عيني فلاناً، أو كليتي فلاناً، أو كبدي فلاناً أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يجوز أن تنفذ هذه الوصية؛ لأنها وصية بمحرم، والوصية بمحرم لا تنفذ، وقد ذكر ذلك أهل العلم، وارجع إلى كتاب: الإقناع في فقه الحنابلة في كتاب الجنائز في فصل: تغسيل الميت تجده تماماً نصوا: على أنه لا يجوز أخذ شيءٍ من أعضاء الميت ولو أوصى به، واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كسر عظم الميت ككسره حياً) وكيف يجوز هذا؟

    أنت لست حراً في نفسك، لقد قال الله لك: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء:29] وقتل النفس ليس معناه: الواحد يأخذ سكين ويذبح نفسه، لا، حتى كل شيء يؤدي إلى الضرر فهو من قتل النفس.

    الدليل: أن عمرو بن العاص بعثه النبي عليه الصلاة والسلام في سرية وأجنب ذات ليلة، وكانت الليلة باردة، فتيمم وصلى بأصحابه، فلما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ قال: يا رسول الله! ذكرت قول الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء:29] وكانت الليلة باردة فتيممت وصليت، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم) مقراً أو منكراً؟ مقراً، لو كان منكراً نبهه.

    فأقول: إن نقل الأعضاء محرم في الحياة وفي الممات.

    فإن قال قائل: أليس إنقاذ الإنسان من الهلاك واجباً؟

    فالجواب: بلى واجب، لكن هل هو الآن جائع ومعي طعام يجب أن أطعمه إياه، عطشان من الماء يجب أن أعطيه إياه، لكن أن أقطع شيئاً من أعضائي له هذا لا يجوز.

    شبه بعض الناس في هذه المسألة الذين يفتون بالجواز شبهوا بأن الله سبحانه وتعالى ذكر أن الخضر قتل غلاماً وكان كافراً وكان أبواه مؤمنين الآية: وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً [الكهف:80] قالوا: هذا قتل لأجل مصلحة الوالدين، فنقول: الله المستعان!! أين الاستدلال بهذا؟!! هذا الغلام كافر، والكافر دمه حرام أو حلال؟ دمه حلال، ثم هو كافر مفسد أيضاً؛ لأنه يقول: فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً [الكهف:80] فإذا كان كافراً مباح الدم فلا دلالة فيه؛ لأن كلامنا في من كان معصوماً.

    فالحاصل أن هذا هو رأيي، وكذلك هو رأي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز كما سألته في مجلس هيئة كبار العلماء وقال هكذا: إنه حرام.

    كل من تأمل النصوص وجد أنه حرام، ثم فيه مفسدة الآن: في بلادٍ أخرى يسطون على الصغار في الأسواق، يأخذ الصغير ويذبحه ويأخذ كبده ويبيعها بملايين الدراهم؛ لأنهم لا يخافون الله ولا يرحمون عباد الله.

    حكم استعمال العطور التي فيها كحول

    السؤال: هل العطور التي فيها كحول يجوز استعمالها؟

    الجواب: هي ليست نجسة، أهم شيء أنها ليست بنجسة، لو أصابت الثوب أو البدن لم يجب غسله، لكن استعمالها إن كان لحاجة فلا بأس؛ لأن بعضها تعقم بها الجروح، وإن كان لغير حاجة فتركها أحسن، وفي الأطياب التي لا شبهة فيها غنىً عنها، لكنها ليست حراماً.

    السائل: يا شيخ! لكن الخمر، أي مادة الكحول هي مسكرة، فلو أتينا بالخمر نفسه المسكر فيه هو الكحول، فالكحول هو النجس؟

    الشيخ: لكن من قال لك أن الخمر نجس؟! الخمر ليس بنجس، يعني: ليس كالبول أو الغائط؛ لأن الله قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ [المائدة:90] رجس عملي، الميسر هو نجس ولا غير نجس؟ المغالبة ما هي نجسة، الأنصاب التي تعبد من دون الله ما هي نجسة، يمسها الإنسان ولا نقول: يجب تطهر يدك، الأزلام كذلك، لكنها نجسة نجاسة معنوية، هذا دليل.

    دليل آخر: لما حرمت الخمر وهي في أواني المسلمين لم يقل الرسول اغسلوها، ولما حرمت الخمر قال: اغسلوا الأواني.

    ثالثاً: لما حرمت الخمر أراقها المسلمون في الأسواق، ولو كانت نجسة لحرم أن تراق في الأسواق كما يحرم أن يراق البول في السوق.

    رابعاً: أتى رجل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ومعه راوية من الخمر؛ -أي: قدر كبير- أهداها للرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أما علمت أنها حرمت؟ فتكلم رجلٌ من الصحابة مع صاحب الراوية سراً، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: بم ساررته؟ قال: قلت: بعه، فقال: لا، إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، فما كان من صاحب الراوية إلا أن فتح فمها وأراقها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم) ولم يقل له: اغسل الراوية، ما قال: اغسلها، هذا يدل على ماذا؟ على أنه طاهر؛ لأنه لو كان نجساً لوجب تطهير الراوية.

    دليل خامس: ما هو الأصل في الأشياء؟ الحل والطهارة، ولهذا لو ادعى عليك إنسان قال: هذا حرام، قل: هات الدليل، لو قال: هذا نجس، قل: هات الدليل، لو قال: الدليل على أن الخمر نجس لأنه حرام، يصح هذا أو لا يصح؟ لا يصح؛ لأن هناك أشياء حرام وهي طاهرة، السم حرام وهو طاهر، الدخان حرام وهو طاهر، فلا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجساً، هل يلزم من نجاسة الشيء أن يكون حراماً؟ نعم، ولهذا نقول: كل نجس حرام وليس كل حرامٍ نجساً، فأنا أقول: هذه الأطياب ليست نجسة ما فيها إشكال عندي، أم هي حرام أو ليست حراماً؟ نقول: إن احتاج الإنسان إليها فلا بأس، وإن لم يحتج إليها فاجتنابها أولى، وإلى هنا ينتهي هذا المجلس.

    وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وبارك الله فيكم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767950018