إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [185]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد قص الله عز وجل لنا أقوام كثير من الأنبياء، وكيف كانت دعوة رسلهم لهم، وفي نهاية المطاف يصرون على استكبارهم وعنادهم؛ فيذيقهم الله العذاب الأليم، ومن هذه الأقوام المكذبة قوم لوط حين كانوا يرتكبون الفاحشة النكراء، ويكذبون رسول الله لوط، ولم يؤمنوا به، وعند ذلك حق عليهم العذاب من الله عز وجل، فقتلهم الله شر قتلة!

    1.   

    تفسير آيات من سورة القمر

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    أما بعد:

    فإننا نستأنف هذا اللقاء المسمى بـ(لقاء الباب المفتوح) الذي يتم كل يوم خميس بعد أن تركناه مدة الإجازة الصيفية؛ نظراً لأن الناس يتفرقون هنا وهناك، فنستفتح هذا الاستئناف هذا اليوم الخميس التاسع عشر من شهر جمادى الأولى عام (1419هـ)، نسأل الله تبارك وتعالى أن يمن علينا وعليكم بالعلم النافع والعمل الصالح.

    كنا رأينا أن يكون ابتداء اللقاء تفسير الآيات الكريمة في سور المفصل.

    تفسير قوله تعالى: (كذبت قوم لوط بالنذر...)

    وانتهينا إلى قوله تعالى في سورة القمر: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ [القمر:33] قوم لوط هم أناس كفروا بالله عز وجل وأشركوا به، وكان ما اختصوا به من المعاصي هذه الفعلة القبيحة الشنيعة وهي اللواط أي: إتيان الذكر الذكر، وحذرهم نبيهم من هذا وقال لهم: أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ [الشعراء:165-166] ولكنهم والعياذ بالله استمروا على هذا حتى جاءهم العذاب، وهذه السورة ذكر الله تعالى فيها قصة الأنبياء على سبيل الإجمال فقال فيما سبق ما تقدم الكلام عليه، وقال هنا: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ النذر: جمع نذير، وهي الكلمات التي أنذرهم فيها لوط عليه الصلاة والسلام، وجمعها يدل على أنه كان يكرر عليهم هذا، ولكنهم أبوا وأصروا على هذا الفعل، فبين الله عقوبتهم بقوله: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ [القمر:34] (حاصباً) يعني: شيئاً يحصبهم من السماء، أمطر الله عليهم حجارة من سجيل فهدمت بيوتهم حتى كانت عاليها سافلها؛ لأن البناء إذا تهدم صار أعلاه أسفله. (إلا آل لوط) وآل لوط هم أهل بيته إلا زوجته كما قال تعالى: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:35-36] نبي يبعث إلى قومه ولم يتبعه إلا أهل بيته إلا امرأته أيضاً فكانت كافرة، ومع ذلك فهو صابر حتى أذن له بالخروج: إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ أي: في السحر في الصباح، وذلك أن هؤلاء القوم أخذهم العذاب صباحاً كما ابتدئ عذاب عادٍ بالصباح: سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً [الحاقة:7] لأنه ابتدئ في الصباح، فأخذهم العذاب -والعياذ بالله- في الصباح، فأهلكهم الله.

    تفسير قوله تعالى: (نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر)

    قال تعالى: نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا [القمر:35] أي: أنعمنا على آل لوطٍ نعمة من عند الله عز وجل من وجهين:

    الوجه الأول: أن الله أنجاهم.

    والوجه الثاني: أن الله أهلك عدوهم. لأن إهلاك العدو من نعمة الله، فصارت نعمة الله على آل لوط بالنجاة وإهلاك العدو.

    كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ [القمر:35] أي: مثل هذا الجزاء وهو الإنجاء والنعمة، نجزي من شكر نعمة الله، وشكر نعمة الله تعالى -أيها الإخوة- هو القيام بطاعته وليس مجرد قول الإنسان: أشكر الله. بل لابد من القيام بالطاعة، ولهذا من قال: أشكر الله. وهو مقيم على معاصيه فإنه ليس بشاكر، بل هو كافر بالنعمة، مستهزئٌ بالله عز وجل، إذ أن مقتضى النعمة أن يشكر الله، ولكنه عكس الأمر، قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ [إبراهيم:28-29] فكل من شكر الله فإن الله تعالى ينجيه ويهلك عدوه.

    تفسير قوله تعالى: (ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر)

    قال تعالى: وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا [القمر:36]يعني: أن لوطاً عليه الصلاة والسلام أنذر قومه البطشة وهي الأخذ بالقوة فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ [القمر:36] أي: تشككوا فيه، ولم يؤمنوا به.

    تفسير قوله تعالى: (ولقد راودوه عن ضيفه)

    قال تعالى: وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ [القمر:37] يعني: أن قومه راودوه عن ضيفه الذين جاءوا إليه من الملائكة، وكان الله تعالى قد بعث إليه الملائكة على صورة شبابٍ مرد ذوي جمال وهيئة امتحاناً من الله عز وجل، فلما سمع قوم لوط بهؤلاء الضيوف أتوا يهرعون إليه، يسرعون يريدون هؤلاء الضيوف ليفعلوا بهم الفاحشة والعياذ بالله، فراودوه عن ضيفه فطمس الله أعينهم.

    أما كيف طمس أعينهم هل جبريل ضربهم بجناحه أو غير ذلك الله أعلم، إنما علينا أن نؤمن بأن الله تعالى طمس أعينهم حتى أصبحوا لا يبصرون.

    فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ [القمر:37] والأمر هنا للامتهان، أو إنه أمرٌ كوني، يعني: أن الله أمرهم أمر إهانة، أو أمراً كونياً أن يذوقوا العذاب، ومثل هذا قول الله تبارك وتعالى عن صاحب الجحيم: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان:49] فإن هذا الأمر أمر إهانة بلا شك، وليس أمر إكرام، ولا أمر إباحة.

    تفسير قوله تعالى: (ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر...)

    قال تعالى: وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ * فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ [القمر:38-39] أي: أن العذاب صبحهم وأتاهم في الصباح على حين قيامهم من النوم واستقبالهم يومهم وهم فرحون، كل واحدٌ منهم يفكر فيما يفعل في هذا اليوم، فإذا بالعذاب يقع بهم -نسأل الله العافية- فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ .

    من العبر في هذه الآية: أن هؤلاء الذين قلب الله فطرتهم وطبيعتهم قلب الله عليهم البنيان برميهم بحجارة من سجيل، فتهدم البنيان حتى صار أعلاه أسفله، وقيل: إن الله تعالى قلب بهم ديارهم، اقتلعها من أساسها، حتى رفعها ثم قلبها، فإن صح هذا فالله على كل شيء قدير، وإن لم يصح فليس علينا إلا أن نأخذ بظاهر القرآن أنهم أمطروا بحجارة من سجيل فتهدم البناء عليهم.

    أخذ أهل العلم من ذلك: أن اللوطي يقتل بكل حال، الفاعل والمفعول به، وهذا هو القول الراجح، أن اللوّاط يجب فيه القتل على كل حال، وليس كالزنا، الزنا يفرق فيه بين المتزوج وغير المتزوج، أما اللواط فيقتل فيه على كل حال ما دام الفاعل والمفعول به بالغين عاقلين فإنه يجب قتلهما بكل حال إلا المكره، فإنه ليس عليه شيء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أجمع الصحابة رضي الله عنهم على قتل الفاعل والمفعول به إلا أنهم اختلفوا كيف يقتلان؟ فقال بعضهم: يقتلان بالرجم بالحجارة حتى يموتوا، وقال بعضهم: يقتلان بأن يلقيا من أعلى مكانٍ في البلد ويتبعان بالحجارة، وحرق أبو بكر رضي الله عنه اللوطية بالنار، وكذلك خالد بن الوليد وأحد خلفاء بني أمية حرقوهم بالنار لعظم جرمهم والعياذ بالله، ولأن هذه الفاحشة إذا انتشرت في قومٍ صار رجالها نساءً، وصار الواحد منهم يتتبع فحول الرجال حتى يفعلوا به الفاحشة والعياذ بالله، وانقلبت الأوضاع، وضاع النسل بمعنى: أن الناس ينصرفون إلى الذكور ويدعون النساء اللاتي هن حرث للرجال والتحرز منه صعب؛ لأنه لا يمكن أن نجد اثنين ونقول: كيف صحبت هذا مثلاً؟ لكن لو وجدنا رجلاً وامرأة .. يمكن التحرز منهم، فلذلك كان دواء المجتمع من هذه الفعلة القبيحة الشنيعة أن يقتل الفاعل والمفعول به، وقد جاء في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به).

    ولهذا يجب علينا -أيها الإخوة- أن نحترز من هذا غاية الاحتراز، وأن نتفقد أبناءنا أين ذهبوا؟ ومن أين جاءوا؟ ومن أصدقاؤهم؟ وهل هم على الاستقامة أو لا؟ حتى نحمي المجتمع من هذا العمل الخبيث.

    تفسير قوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)

    ثم قال عز وجل: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:40] يسر الله عز وجل القرآن للذكر لحفظه ولفهم معناه، وهذا الخبر يراد به الحث على حفظ القرآن وعلى تدبر معناه؛ لأنه ميسر سهل، وأنت جرب تدبر في آيات الله عز وجل لتفهم معناها، وانظر كيف ييسر الله لك فهمها حتى تفهم منها ما لا يفهمه كثيرٌ من الناس، ولهذا قال: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:40] والاستفهام هنا للتشويق، يعني: هل أحد يدكر، يتذكر، يتعظ بما في القرآن؟

    1.   

    الأسئلة

    المراد بالأخوة بين شعيب ومدين أخوة النسب

    السؤال: ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم قوله تعالى: كَذَّبَ أَصْحَابُ لْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:176]، وقال تعالى في آية أخرى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً [العنكبوت:36] فهل مدين هم أصحاب الأيكة؟

    الجواب: أصحاب الأيكة ليسوا من قوم شعيب، ولهذا قال في قومه: (أخاهم) وقال في هؤلاء: كَذَّبَ أَصْحَابُ لْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:176] لكنهم قومٌ كلف الله شعيباً أن يذهب إليهم، فذهب إليهم بأمر الله، ومن ثم نعرف ضلال من قال: إن قوله: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً [العنكبوت:36] أن هؤلاء إخوة له في الإنسانية، وأن الأخوة الإنسانية الشاملة لكل إنسان، فالكافر على تقدير قول هؤلاء يكون أخاً لنا، وهذا لا شك أنه خطأٌ عظيم، بل هي أخوة النسب؛ لأنهم قومه فهم إخوانه، ولا يمكن أن نقول: إن بني آدم إخوة في الإنسانية أبداً؛ لأنه لا ولاية ولا إخوة بين المؤمن والكافر.

    كيفية قضاء صلاة الوتر وعدم اعتبار صلاة الضحى في قضاء الوتر

    السؤال: فضيلة الشيخ! لو أن شخصاً فاتته صلاة الوتر في الليل، وأراد أن يقضيها في النهار في الضحى هل يدخل معها ركعتي الضحى؟ وقراءة (قل هو الله أحد) هل يجعلها في الركعة الأخيرة أو التي قبلها الشفع؟

    الجواب: إذا فاتت الإنسان صلاة الوتر فإنه يقضيها في النهار لكن شفعاً، إذا كان من عادته أن يوتر بثلاث يقضي أربعاً، وإن كان من عادته أن يوتر بخمس يقضي ستاً لحديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا فاتته صلاة الليل من نومٍ أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة).

    وأما ما يقرؤه فالأقرب أن يجعل (قل هو الله أحد) في الركعة الأخيرة، وأما هل تغني عن ركعتي الضحى فلا؛ لأن ركعتي الضحى سنة مستقلة، فلابد من فعلها وحدها.

    التحلل الأول لا يحصل إلا بالرمي والحلق

    السؤال: إذا كان يثبت التحلل الأول بنسك واحد وهو رمي جمرة العقبة هل نستطيع أن نقيس الحلق على ذلك لأنه نسك من الأنساك التي فعلها النبي عليه الصلاة والسلام في يوم الحج الأكبر؟

    الجواب: من المعلوم أن الحديث الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا رميتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء)، وفي لفظٍ: (إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء)، وقول بعض الفقهاء: أنه إذا فعل اثنين من ثلاثة حل التحلل الأول لا دليل عليه، بل يقال: إن التحلل الأول مرتبط إما بالرمي وحده وإما بالرمي والحلق، أما اثنين من ثلاثة فهذا وإن كان له حظ من النظر لكنه ضعيف، فيقتصر على ما جاء به النص، أما هل يحصل التحلل بالرمي وحده، أو بالرمي والحلق؟

    فالصواب: أنه لا يحصل إلا بالرمي والحلق؛ لأن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) ومعلوم أنه لا طواف بالبيت بالنسبة لفعل الرسول عليه الصلاة والسلام إلا بعد الرمي والحلق، ولو كان يتحلل قبل الحلق لقالت: ولحله قبل أن يحلق. فلما قالت: (قبل أن يطوف) . علمنا أنه لا يحل التحلل الأول إلا بالحلق.

    وأيضاً: فإن الحلق رتب عليه الحل في مسألة الإحصار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أحصر في الحديبية أمرهم أن يحلقوا ثم يحلوا، ولا حل لمحصر إلا بعد الحلق.

    فالصواب: أنه لا يحل التحلل الأول إلا بعد الرمي والحلق، وأنه لو رمى وطاف لم يحل، ولو حلق وطاف لم يحل، وإنما يقتصر في الحل على ما جاء به النص وهو الرمي والحلق.

    تحديد عورة المرأة مع المرأة

    السؤال: ما هي عورة المرأة أمام المرأة، سواءً كن من نسائها أو النساء الأجنبيات؟

    الجواب: الظاهر أن عورتها كعورة الرجل، عورة المرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل، سواءً من أهل البيت، أو من نساء خارجيات، أو من مؤمنة أو من كافرة، لا فرق، لكن ماذا تريد من هذا السؤال؟

    أتريد أن تخرج المرأة بثوبٍ يستر ما بين السرة والركبة لنسائها، أتريد هذا؟!! إن النساء اللاتي يسألن عن هذه النقطة يردن هذا، يردن منا أن نقول: تخرج المرأة أمام المرأة وليس عليها إلا لباس يستر ما بين السرة والركبة، وهذا لا يمكن القول به، أبداً، حتى نساء الكفار لابد أن تجعل على ثديها شيئاً، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى الناظرة ولم يرخص للابسة، قال: (لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة) وهنا فرق، ولذلك نقول: معنى هذا الحديث: أن المرأة لو انكشف ساقها لعمل شيءٍ في بيتها، أو انكشف ذراعها وعورتها لعمل شيءٍ في بيتها، أو انكشف صدرها لحرارةٍ أو ما أشبه ذلك، أو خرج ثديها لإرضاع ولدها أمام النساء فلا بأس به، أما اللباس فيجب أن يكون فضفاضاً ساتراً كما يفعلن نساء الصحابة، أي: من الكف إلى الكعب في البيت، أما إذا خرجت فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن لها -أي: للمرأة- أن ترخي ثوبها ذراعاً؛ لئلا ينكشف قدمها، ودع عنك من يتبعون المتشابه من نصوص الكتاب والسنة، فإن هؤلاء على خطرٍ عظيم.

    ومن حكمة الله عز وجل أن الله جعل نصوص الكتاب والسنة بعضها محكم لا التباس فيه ولا اشتباه، وهذا من المعلوم أن كل إنسان سيؤمن به، وجعل بعضها متشابهاً امتحاناً، فمن كان مؤمناً راسخاً في العلم حمل المتشابه على المحكم، فيكون الكل محكم، ومن في قلبه زيغ حمل المحكم على المتشابه واتبع المتشابه، فليحذر المؤمن أن يكون من هؤلاء، ولتعلم -أيها الأخ- أن فتنة النساء عظيمة، وأنه هلك بها من هلك من الأمم السابقة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما كانت فتنة بني إسرائيل في النساء) وهذه الفتنة أيضاً ستكون في هذه الأمة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لتركبن سنن من كان قبلكم، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: نعم) في عصرنا الحاضر أعداؤنا لم يأتونا يقولون: اعبدوا المسيح، ولا: اعبدوا اللات والعزى، ولا: اعبدوا البقر أو الشمس أو القمر؛ لأنهم يعلمون أن هذا غير مقبول لدينا، لكن أتونا من قبل الشهوات، فوضعوا الفتنة في النساء، ومعلومٌ أن الإنسان إذا اتبع هذه الفتنة صار بمنـزلة البهيمة، ليس له همّ إلا إشباع بطنه، واتباع شهوته؛ فهلك وضل وأضل، ولذلك انظر تسابق الناس إلى أقراص الـ(فياجرا) لما ظهرت صاروا يشترونها بأغلى الأثمان وهي قد تقتل الإنسان أحياناً، لكن يقول: لعلي أكون من الناجين، لماذا؟

    لأن هذه الأقراص تقوي الشهوة، فتراكض الناس عليها، ولو صيح به بأن معلماً في البلد الفلاني القريب أو البعيد يعلم الشريعة بأصولها وفروعها أتراهم يتراكضون على هذا؟! ما أظنه، وإن ركض بعضهم تخلف الآخرون، فهذه الفتنة الآن أصبحت مشكلة، النساء نزع من كثيرٍ منهن الحياء، وصرن ينظرن إلى نساء الغرب، اللاتي نزع الله منهن الحياء والإيمان، والحياء كما نعلم من الإيمان، وبعض الناس ممن يتبعون الشهوات وممن ركبتهم نساؤهم صاروا على هذا.

    ولذلك يجب على شباب المسلمين أن يحذروا من هذه الفتنة، فتنة عظيمة هذه ليست هينة، وأن نسد كل طريق، وأن نوصد كل باب يصل إلينا، نسأل الله أن يحمي المسلمين.

    وقت ابتداء غسل الجمعة

    السؤال: متى يبدأ وقت غسل الجمعة؟

    الجواب: غسل الجمعة يبتدئ من طلوع الفجر، لكن الأفضل ألا يغتسل إلا بعد طلوع الشمس؛ لأن النهار المتيقن من طلوع الشمس، ولأن ما قبل طلوع الشمس من وقت صلاة الفجر، فصلاة الفجر لم تنقطع بعد، فالأفضل ألا يغتسل إلا إذا طلعت الشمس، ثم الأفضل أيضاً ألا يغتسل إلا عند الذهاب إلى الجمعة ليكون ذهابه إلى الجمعة بعد الطهارة مباشرةً.

    حكم المرأة التي يتخللها طهر أثناء الحيض

    السؤال: فضيلة الشيخ: الحيض عند المرأة له وقت معلوم، والمرأة تعرف توقيته، إذا كان نزل في أول يوم قليل من دم الحيض ثم انقطع في اليوم التالي من خمسة فروض كاملة، ثم استمر بشكله الطبيعي في اليوم الثالث، فهل تقضي هذا اليوم، أم بأنه يعتبر من ضمن الأيام المعدودة والمعروفة لديها؟

    الجواب: بعض أهل العلم رحمهم الله يقولون: إن الانقطاع اليسير هذا، يعني: يوم من سبعة أيام ليس بشيء يعني: حكمه حكم الحيض؛ لأنه جرت العادة في كثير من النساء أنه يحصل لهن جفاف في أثناء الحيض فيلحق به، وبعض العلماء يقول: لا، إذا طهرت في يوم تغتسل وتصلي، وإذا جاءها الحيض تتوضأ، وهذا فيه مشقة بلا شك، يعني: المرأة

    يأتيها يوم الحيض، ويوم دم، ويوم طهارة، ويوم حيض، ويوم طهارة، هذا فيه مشقة تغتسل في الحيضة الواحدة ست سبع مرات.

    الصواب: أن هذا حكمه حكم الحيض.

    خطر التلفاز وكيفية وقاية الأبناء منه

    السؤال: ابتلي كثير من بيوت المسلمين لدينا بوجود التلفاز داخل البيت بحجة معرفة الأخبار العالمية والأحداث في بلاد المسلمين وما يحدث لدى غيرهم، وفيه من المفاسد ما فيه، ودخل الآن الذي هو (الدش) بقصد التوسع في أخبار العالم وغير ذلك، وهذا الإنسان حريص على أن يقتلع التلفاز من بيته لكن لابد أن أولاده وزوجته: قد يشاهدونه في بيت الوالد أو بيت الجد أو بيت العم أو بيت الخال فكيف العمل في ذلك جزاكم الله خيراً يا شيخ؟

    الجواب: والله! يا أخي! إلى الله المشتكى، وسائل الإعلام الخارجية لا يستغرب منها أن تبث ما يفسد العقائد والأفكار والأخلاق؛ لأنها أعداء، كل الكافرين أعداء للمسلم، مهما تظاهروا بأنهم أصدقاء فإنهم أعداء والله! بشهادة الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [الممتحنة:1]، وقال تعالى: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89]، وقال تعالى: وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ [الممتحنة:2] ونصوص الكتاب والسنة في هذا واضحة، ولا يجوز أن نغتر بما يلقونه إلينا بألسنتهم من المودة الكاذبة، أو أن نكون كالنعامة تدس رأسها في الرمل، هم أعداء، لكنهم يتكيفون بعدم إيمانهم بما يرونه أنه من مصلحتهم، هم الآن صاروا يبثون في هذه القنوات الفضائية ما يستحي العاقل فضلاً عن المؤمن من ذكره حسبما نسمع أنهم يبثون العراة والعاهرات والفاجرات، ويشاهد الرجل يفعل بالمرأة عارية، فما ظنك -أخي- إذا نشر مثل هذا أمام شبابٍ ممتلئ شباباً، شابع البطن، صحيح البدن، ماذا يكون؟ أسوأ شيء أو أسهل شيء سيكون الشر، ولهذا سمعنا بناءً على ذلك من يأتي ابنته عهراً أو أخته، وهذا لا يمكن أن نتحدث به فضلاً عن أن نصدق بخبره فضلاً عن أن يكون واقعاً بيننا، لذلك أرى: أن الإنسان العاقل يخرج هذه عن بيته، والأخبار هل أنت مكلف بها؟ والله ما نسمع من الأخبار إلا ما يأتينا بالحزن؛ لأنه ليس بأيدينا حلٌ له، من يستطيع أن يحل مشكلة كوسوفا الآن، من يستطيع؟ إلا أنها تضيق الصدور وتلحق الهم والغم، ثم إنه ليس كل إنسان ينتفع بالأخبار، الناس في الأخبار ثلاثة أقسام:

    قسم ينتفع بها، يعرف ما جرى للعالم، ويمكن أن يكون للرجل عنده شيءٌ من السياسة يستطيع أن يصرف ما فيه المنفعة.

    قسم آخر: ميت القلب، لا يعرف خيراً ولا شراً، فهذا إضاعة وقت وإضاعة مال في مشاهدة مثل هذه الأشياء.

    قسم ثالث: حي القلب لكنه ليس ذا رأيٍ وسياسة، فيحزن ويتألم، فمطالعته لا خير فيها.

    لذلك أنصحك أن تخرجها من بيتك.

    أما كونهم يذهبون إلى الأقارب ويجدون هذا عندهم، نعم هذا صحيح، فإن قدرت أن تمنعهم من ذلك فامنعهم، وإذا لم تقدر لكون الأقارب قريبين جداً أو أنهم شبابٌ لا تستطيع أن تمنعهم فاتخذ شيئاً آخر يكون فيه تسليتهم، وصدهم مثلما يسمونه الكمبيوتر والأفلام التي تختار أنت ما تريد منها.

    وأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم). نعم معلوم، لكن هل اهتمامي بأمر المسلمين موقوف على مشاهدة هذه البلايا؟

    ثم لو فرض أنها تبعث على الاهتمام فمفاسدها أكبر، من يضمن لي أنه لا يطالع إلا ما فيه مصلحة المسلمين؟ أكثر الذين يقتنونها ليس هذا قصدهم وليس هذا واقع حالهم.

    حكم تعلم التجويد

    السؤال: ذكرت من الآيات ما يحث على تدبر القرآن وحفظه، فهل يلزم من ذلك حفظ القرآن بأحكام التجويد؟

    الجواب: مسألة التجويد ليس بواجب، ومن تأمل حال الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم يعرف أنه ليس بواجب، ولو قلنا: إنه واجب لأثمَّنا كثيراً من الناس اليوم، حتى من أئمة المساجد والمشايخ أيضاً، مشايخ علماء كبار لو سألتهم عن أحكام التجويد ما عرفوا، المهم أن تقرأ القرآن بدون لحنٍ يحيل المعنى وألا تدغم ما لا يمكن إدغامه، وأن تقيم الحروف والحركات بقدر الإمكان.

    أما التجويد فينقسم إلى قسمين:

    قسم مبالغ فيه ومتكلم فيه، فهذا إلى النهي أقرب منه إلى الإباحة.

    قسم آخر: طبيعي، فهذا محمود ومستحب ومن تزيين الصوت بالقرآن، لكن لا نقول: إنه واجب.

    جواز قطع أذن الغنم الشامي إذا كان لحاجة

    السؤال: فضيلة الشيخ: ينسب إليك بعض هواة الغنم -المعز الشامي- أنك أفتيتهم بجواز قطع أذن الغنم الشامي؛ لأنهم يرون أن المعز الشامي ما لم تقطع أذنها فليست بجميلة، وجمالها ما يكتمل إلا بقطع الإذن، فما أدري ما صحة هذا؟

    الجواب: صحيح هذا، يجوز أن يقطع الأذن لزيادة الثمن بشرط ألا يؤلم الحيوان، يعني: يبنجها مثلاً ويقطعها.

    الشيخ: وإذا لم يبنجها فهذا لا يجوز وليس أيضاً في هذا مثلة لأن المثلة إنما تكون في الآدمي أما الحيوان فلا ولذلك يجوز لنا أن نكويها بالنار في الوسم.

    وجه الجمع بين حديث: (وإن تأمر عليكم عبد حبشي) وبين حديث: (الأئمة من قريش)

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما وجه الجمع بين قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (عليكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي)، وقوله: (الأئمة من قريش)؟ وهل يمكن أو يجوز لعبدٍ حبشي أن يكون إماماً أعظم؟ وهل يوجد في هذا الزمان إمام أعظم؟

    الجواب: نعم إذا يسر الله للعبد الحبشي أن يكون إماماً أعظم فليكن إماماً أعظم، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما قال ذلك في الاختيار، إذا أردنا أن نختار إماماً للمسلمين فلنختر من قريش، ولكن من قريش من؟ الذين قاموا بالدين، أما مجرد الانتساب لقريش أو إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه ليس بفضيلة إلا إذا اقترن بالدين، لو جاءنا رجل من قريش وقال: إنه أحق بالإمامة من غيره وهو فاسق. قلنا: لا، لأن من شرط الإمامة عند ابتداء الاستخلاف: أن يكون عدلاً، لكن لو أن أحداً قهر الناس وحكمهم فإنه يجب له السمع والطاعة، ولو كان عبداً حبشياً كأن رأسه زبيبة، ففرق بين الاختيار وبين أن يسطو أحد ويستولي على الناس بقوته، فهنا نقول: نسمع ونطيع ولا ننابذ إلا أن نرى كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان.

    ولا يوجد إمام أعظم، وهذا من زمان، الإمامة العامة فقدت من وقت وعهد الصحابة رضي الله عنهم، ألم تعلم أن عبد الله بن الزبير كان خليفةً في مكة والحجاز، وأن بني أمية في الشام وما والاها، وأن فرقة أخرى في العراق؟ لكن من تولى على قطعة من الأرض وصار إمامها فهو إمام.

    عدم ورود تحديد للمدة التي يقصر فيها المسافر

    السؤال: معروف بالنسبة للجمع والقصر في السفر فيمن حدد من أهل العلم بأربعة أيام، لذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جمع وقصر في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً، وكذلك في غزوة تبوك مدة شهرين إن كانت رواية صحيحة...؟

    الجواب: الصحيح: أنه لا حد لإقامة المسافر، وأن الإنسان ما دام مفارقاً وطنه وينوي الرجوع إليه فهو مسافر، ولو بقي عشرين يوماً أو سنة أو سنتين أو أكثر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد هذا لأمته، لم يرد عنه حديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف أنه حدد أبداً، إقامته في عام الفتح تسعة عشر يوماً، وفي مكة عام حجة الوداع عشرة أيام، لأن أنس بن مالك رضي الله عنه الله عنه سئل: كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم في حجته في مكة ؟ قال: عشرة أيام. وأما قول بعض الفقهاء: أنه أقام أربعة أيام، ثم خرج إلى منى بنية المغادرة. فهذا غلط لا يقوله أحد إلا عند المضايقات في المناظرة، هل يعقل أن الرسول جاء ليحج ونقول: إنه من حين ما خرج للحج نوى المغادرة وهو ما جاء إلا للحج، كيف هذا؟ لكن المشكل أن بعض الناس يعتقد أولاً ثم يحاول أن يلوي أعناق النصوص إلى ما يعتقد، والواجب أن تتبع النصوص ولا تجعلها تابعة.

    فالصحيح: أنه لا حد للإقامة، حتى لو كنت تريد أن تقيم شهراً في هذا المكان فأنت مسافر.

    وهل الأفضل الجمع والقصر، أو ماذا؟

    نقول: أما الجمع فلا تجمع إلا لحاجة، وإن جمعت فلا بأس، وأما القصر فهو أفضل على كل حال.

    حكم السعي والحلق قبل الطواف والتحلل بعدهما وجعل طواف الإفاضة طواف الوداع

    السؤال: سعينا ثم حلقنا هل علينا شيء؟

    الجواب: سعيتم وحلقتم، يعني: قدمتم الطواف على السعي؟

    السائل: لا، السعي قبل الطواف..

    الشيخ: عندما جئتم مزدلفة ماذا صنعتم؟

    السائل: سعينا، بعد مزدلفة .

    الشيخ: بعد مزدلفة على الفور إلى السعي.

    السائل: سعينا ثم حلقنا.

    الشيخ: لا بأس، ما هناك مانع.

    السائل: تحللنا بعدما سعينا وحلقنا ثم جعلنا طواف الإفاضة طواف الوداع، هل فيه بأس؟

    الشيخ: تحللتم بعد الرمي، أو بعد طواف السعي؟

    السائل: سعينا ثم حلقنا ثم تحللنا ثم رمينا.

    الشيخ: هذا غلط، لا يمكن حل إلا بعد رمي جمرة العقبة، اجعل هذا على بالك، وما فعلتم من التحلل فأنتم على جهل، والجاهل معذور فلا شيء عليكم، لكن لا تعودوا إلى هذا.

    مشروعية الجماعة الثانية بعد الجماعة الأصلية وعدم وجوب الأذان عليها

    السؤال: الجماعة الثانية التي تقام بعد الجماعة الأصلية، هل عليها أذان أم إقامة فقط؟

    الجواب: عليها إقامة فقط، وليس عليها أذان، لكن بقينا هل تشرع أو لا تشرع؟ الآن الناس يسألون: هل تشرع الثانية أو لا تشرع؟

    فالصواب: أنها مشروعة، إلا إذا اتخذت عادة، بأن يقال: هؤلاء الجماعة قالوا: سوف ننتظر حتى تنتهي الجماعة الأولى، ثم نذهب ونقيم جماعة. هذا الفصل بدعة ولا يجوز.

    لكن لو فرض أن جماعةً دخلوا المسجد ووجدوا الناس قد صلوا، هل نقول: صلوا فرادى أو صلوا جماعة؟

    الثاني بلا شك، نقول: صلوا جماعة، هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه دخل رجل قد فاتته الصلاة فقال: (ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه) فأمر من صلى أن يقيم جماعة بهذا، فكيف بمن لا يصلي؟

    ثم إنه ثبت عنه أنه قال: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع رجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله).

    وأما ما تشبث به بعض الناس من أن ابن مسعود أتى المسجد فوجدهم قد صلوا ثم رجع. فقد ذكر في المغني أن ابن مسعود أيضاً صلى في المسجد جماعة، فإما أن يكون عنه في ذلك روايتان، وإما أن تكون إحداهما أرجح من الأخرى.

    وعلى كل حال: حتى لو رجع ابن مسعود ومن معه وصلى في البيت فإنه لا يدل على أن صلاة الجماعة الثانية غير مشروعة؛ لأنه تعارض عندنا فعل ابن مسعود وقول النبي صلى الله عليه وسلم، أيهما نقدم؟ قول الرسول عليه الصلاة والسلام، أيضاً فعل ابن مسعود ربما خشي أنه لو أقام الجماعة وهو صحابيٌ جليل فقيه اتخذها الناس عادة، وقالوا: هذا فعل ابن مسعود، ويخشى -أيضاً- إذا أقام الجماعة أن يكون في قلب إمام المسجد شيء، ويقول: هذا ابن مسعود ترك الصلاة معي وأقام جماعةً وحده.

    وهناك أيضاً اعتبارات أخرى، لذلك نرى أن صلاة الجماعة الثانية مشروعة، وأن فيها أجراً لكن ليس كأجر الجماعة الأولى.

    حكم نظام بيع المرابحة مع البنوك

    السؤال: ما هو رأيكم في نظام البيع بالمرابحة؟

    الشيخ: كيف المرابحة؟ أن أشتري سلعةً بألف ثم يأتيني شخص آخر ويقول: بعني إياها بربح، سواءً مؤجل أو غير مؤجل، أقول له: ما هناك مانع، أربحني بالألف مائة، وأبيعها لك، هذا لا بأس به، ولا إشكال فيه.

    السائل: أوضح لك -يا شيخ- كيف يكون النظام عندنا، مثلاً: أنت تريد أن تشتري بيتاً بسعر -مثلاً- مائة ألف دينار، يأتيك الرجل وأنت تريد إكمال هذا المبلغ من هذا البنك، يقول: نعم أنا أكمل لك باقي المبلغ مثلاً باقي عشرين ألفاً، يقول: وأخذ عليك أبيعك البيت مثلاً بمائة وعشرة آلاف، يعني ربح له 50% هذا هو؟

    الشيخ: غلط هذا، يعني: أشتري بيتاً بثمانين؟

    السائل: نعم، يعني هو يشتري من صاحب الملك ثم يبيعك إياها مرة ثانية.

    الشيخ: لا، هذا حرام بالإجماع الظاهر، ما أحد يقول هذا.

    الآن افهموا السؤال هذا: اشتريت هذا الشيء مثلاً بمائة وأنا ما عندي مال، ذهبت إلى التاجر قال: أنا سأشتريه منك بمائة وأبيعه لك بمائة وعشرين، هذا حرام لا إشكال فيه، إن كان هذا هو السؤال فهو حرام ما فيه إشكال.

    السائل: أنا أريد أن أشتري هذا البيت بمائة ألف ولا أملك هذا المبلغ فأذهب إلى البنك فأقول: اشتروا لي هذا البيت الذي هو بمائة ألف، يقولون: نحن نشتريه لك من صاحبه ثم نبيعه عليك بمائة وعشرين أو بمائة وثلاثين؟

    الشيخ: الآن البنك لولا أن هذا جاء وقال: اشترِ البيت يشتريه أم لا يشتريه؟ لا يشتريه، إذاً.. هذا الشراء من البنك حيلة على الربا، فبدلاً من أن يقول البنك: خذ هذه مائة ألف بمائة وعشرين ألفاً واشترِ البيت أنت يقول: أنا أشتريه وأبيعه عليك، فليس للبنك غرض من شراء هذا البيت إلا الزيادة الربوية، معلوم أن البنك ما له غرض بالبيت، لولا أنك جئت أنت وطلبته ما اشتراه، إذاً ليس تاجراً، لكنه متحيل على من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، متحيل بدلاً من أن يقول البنك: خذ المائة الألف اذهب اشترِ البيت وأعطِ بدلها على رأس السنة مائة وعشرين ألفاً قال: أنا اشتري البيت وأبيعها عليك. الله المستعان!! أيهما أقرب حيلة للربا: هذا، أو ما فعلت اليهود لما حرمت عليهم الشحوم قالوا: لا نأكل ما لا يحل، ذوبها حتى تكون ودكاً، ثم بع الودك وكل ثمنها؟ هذا أبعد، يعني: حيلة اليهود أبعد من الحرام من الحيلة التي ذكرت لك.

    لهذا أنا لا أشك أنها حرام، وأنصح إخواني أن يحذروا منها، وأقول: ربما كانت قسوة القلوب، والبعد عن علام الغيوب بسبب هذه المآكل المحرمة التي لا يكاد أحدٌ يقلع منها؛ لأنه يرى أنها حلال، وربما أفتاه بعض الناس بذلك، ونحن أمةٌ صرحاء، أمةٌ إسلامية، نأتي البيوت من أبوابها، ونأتي مثل الشمس، كلٌ يعرف أن هذا حرام ولا أحد يقول: حلال، أو يقول: أين البيت الذي تريده فيذهب البنك ويشتريه بمائة ألف ويبيعه على هذا بمائة وعشرين ألفاً، أي فرق يا إخوان؟! أما لو كان البيت أو السيارة عند البنك من الأصل وباعه عليك بربح، واشتراه بمائة وقال: بمائة وعشرين عليك، هذا ما فيه شيء، إلا إذا كان القصد الدراهم فهي مسألة التورق وفيها الخلاف.

    أولاً: هل يعقل أن هذا الرجل الذي اختار هذا البيت أو السيارة ينبهونه وهو يعرف ثمنها ويريدها؟!! يعني: إن وجد واحد من ألف يمكن أن يكون نادراً جداً، ما يمكن يجيء يختاره، ويأتي البنك ولا يدري بالثمن.

    ثانياً: أنه إذا هوَّن -أي: تراجع- كتبت دائرة سوداء في صفحته، ما يوثق به بعد ذلك، إذاً فلن يهوّن -أي: لن يتراجع-.

    والله يا أخي انظر أنا أقول يا إخواني: نحن أمة إسلامية ونبينا عليه الصلاة والسلام قال: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) والله! ثم والله! ثم والله! لو كان فيها شيءٌ من الحل لكنت أفتي بحلها، لكن كيف أقابل رب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، اترك البنك يشتري هو ما شاء من أراضي أو من دور أو من سيارات ويعرضها للبيع آتي أنا وأقول أريدها نقداً فيقول: بمائة، يجيء الثاني يقول: أريدها مقسطة يقول: بمائة وعشرين. هذا لا ينكره أحد أنه جائز إن شاء الله، أما هذه فهي لعبة يا إخوان! فكروا فيها، لكم من الآن إلى أن تبلغ الروح الحلقوم، وما هي النتيجة؟!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767952529