أما بعد:
فهذا هو اللقاء السابع والثمانون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الرابع من شهر جمادى الآخرة عام (1419هـ) نبتدئ هذا اللقاء بما كنا نبتدئ به عادةً في تفسير كلام الله عز وجل الذي هو أشرف الكلام، وأحسن الكلام، وأصدق الكلام.
وبما قررناه يزول الإشكال عند بعض الناس في قول الله تبارك وتعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ [محمد:31] فإن بعض الناس قد تشكل عليه هذه الآية، كيف يقول عز وجل: (حتى نعلم) وهو قد علم، يعني: العلم الذي يترتب عليه الثواب، وأما علم الله السابق، فإنه لا يترتب عليه الثواب ولا العقاب.
إذاً كل شيءٍ فعلوه في الزبر أي: كل شيءٍ فعلوه مكتوب، الكتابة السابقة: كتابة أنه سيفعل كذا، والكتابة اللاحقة كتابة أنه فعل، طيب ما هي الكتابة التي يترتب عليها العقوبة أو الثواب السابقة أو اللاحقة؟
اللاحقة، أما الكتابة السابقة فإن الله سبحانه وتعالى كتب في اللوح المحفوظ كل شيء، كما جاء في الحديث الصحيح: (إن الله لما خلق القلم قال له: اكتب، قال: ربِّ وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة: (فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه) نؤمن بهذا، قال الله تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج:70] وقال عز وجل: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105] الكتابة اللاحقة: هي أن الله سبحانه وتعالى إذا عمل الإنسان عملاً كتب هذا، قال الله تعالى: كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ [الانفطار:9-11] وهذه كتابة هي التي يترتب عليها الثواب والعقاب.
وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ معنى الآية: أن كل شيءٍ يفعله الإنسان فإنه مكتوب، فلا تظن أنه يضيع عليك شيء أبداً، كما قال عز وجل: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً [الكهف:49] سبحان الله! بعد مئات السنين التي لا يعلمها إلا الله يجدونه حاضراً: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً .
أقل، لا يحصر لكن قليل بالنسبة للقول، فإذا كانت الأقوال تكتب فالأفعال من باب أولى.
عليك أن تتق الله عز وجل.. اتق ربك.. لا تخالف الله، إذا سمعت الله يقول شيئاً خبراً، فقل: آمنت به وصدقت. وإذا سمعت الله يقول شيئاً أمراً، فقل: آمنت به وسمعاً وطاعة.
أو نهياً؛ فقل: آمنت به وسمعاً وطاعة. فاترك المنهي عنه، وافعل المأمور به، وهذه نصيحة.
(كل صغيرٍ وكبيرٍ مستطر) الحركات مكتوبة، حروف الأقوال مكتوبة، كل شيءٍ مكتوب.
عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:55] وهو الله جل وعلا -اللهم اجعلنا منهم- يتنعمون بلذة النظر إلى الله عز وجل، وهو أنعم ما يكون لأهل الجنة، قال الله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] (الحسنى) الجنة، و(الزيادة) النظر إلى وجه الله، وقال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ [القيامة:22] يعني: حسنة بهية: إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:23] يكسوها الله تعالى نظراً -أي: حسناً وجمالاً وبهاءً- لتكون مستعدة للنظر إلى الله عز وجل، ثم ينظرون إلى الله فيزدادون حسناً إلى حسنهم، ولهذا إذا رجعوا إلى أهليهم قال لهم أهلوهم: إنكم ازددتم بعدنا حسناً. بالنظر إلى وجه الله تبارك وتعالى.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العليا أن تجعلنا من هؤلاء بمنك وكرمك، إنك على كل شيءٍ قدير.
الجواب: إذا أدرك الإنسان الإمام وجلس معه في التشهد الأخير وهو قد سبق بركعة أو ركعتين فإنه يقرأ التشهد كله، ولا يقتصر على التشهد الأول، وإن اقتصر على التشهد الأول وكرره فيما إذا كان التشهد الأخير للإمام هو التشهد الأول له فلا بأس، لكن تكميله لا يضر، وهو أبلغ في متابعة الإمام.
السائل: إذا تورك في التشهد الأخير، فعلى هذا المسبوق أن يتورك في التشهد الأخير.
الجواب: أما التورك لا يتورك، هو يسأل عن التشهد، لكن لا بأس زيادة فضل، التورك لا يتورك؛ لأنه ليس تشهده الأخير.
الجواب: الأمر في هذا واسع، إن شاء وضع اليد اليمنى عند التثاؤب وإن شاء وضع اليسرى، لكن اليسرى أولى، أما بالتسوك فاختلف فيه العلماء، قال بعض العلماء: باليمين؛ لأن التسوك سنة، فكان حقه أن يكره، وقال بعضهم: باليسار؛ لأن التسوك إزالة أذى، واليسرى أحق بإزالة الأذى من اليمنى، ولهذا يكون الاستنثار بأيش؟ باليسرى، ويكون الاستنجاء باليسرى، والاستجمار باليسرى، التسوك باليسرى؛ لأنه إزالة أذى، وفصَّل بعض العلماء فقال: إن كان التسوك تسنناً فهو باليمنى، وإن كان التسوك تطهيراً فهو باليسرى، ولا شك أن التسوك تطهيراً، ولا شك أن التسوك عبادة كما جاء في الحديث الصحيح: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب).
وبناءً على ذلك أقول: إن الأمر في هذا واسع، إن شاء تسوك باليمين، وإن شاء تسوك باليسار، ومثل ذلك التختم -لبس الخاتم- إن شاء باليمين وإن شاء باليسار، ومثل ذلك لبس الساعة إن شاء باليمين، وإن شاء باليسار.
الجواب: لا بأس أن يأكل مع الكافر في إناءٍ واحد، لكن ينبغي في هذه الحال أن ينتهز الفرصة أولاً بفعل الآداب الإسلامية في الأكل، فيأكل باليمين، ويقول: بسم الله، ولا يأكل بشرهٍ، ويقتصر على ما هو الأولى وهو ثلثٌ للطعام، وثلثٌ للشراب، وثلثٌ للنفس، حتى يعرف هذا الكافر أن دين الإسلام عامٌ في كل شيء، ولا شك أن الأكلة الإسلامية بمجرد ما يتأملها العاقل يعرف أنها الأكلة المطابقة تماماً لمصلحة البدن، كما أنها مصحوبة بعبادة، بالأكل باليمين، بالتسمية، بالحمد، فينتهز الفرصة ويقول للكافر: يا فلان! انظر إلى الإسلام، انظر إلى آداب الإسلام ويدعوه، أما إذا كان لا فائدة من الأكل معه، وليس ملجأً للأكل معه فلا يأكل معه؛ لئلا يقع في قلبه شيء من مودته، ومودة الكافر لها ما لها من المحذور.
الجواب: أولاً نقول لهذا الرجل: أخطأت خطأً عظيماً، وإثم هذه المعصية عليك منه نصيب؛ لأنك أنت السبب، ولا يحل له هذا بأي حال من الأحوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلو رجلٌ بامرأة إلا مع ذي بمحرم، فكيف بالذي ينام معه؟!!
الثانية: إذا وقع المحذور فالذي أرى أن نبلغ به؛ لأن في هذا مصلحة وهي أن يحذر الناس من جلب الخدم، وأن يحذروا من أن يجعلوا الذكر والأنثى خاليين، ولو كانت المسألة بالنسبة للخدم لقلنا: الستر أحسن، لكن هذه في مصلحة عامة حتى يحذر الناس من جلب الخدم الذي أصبح موضةً من الموضات، ومفاخرة من المفاخرات، حتى إن الإنسان يجلب الخادم بلا حاجة، أو السائق بلا حاجة، حتى أنه قيل لي: إن بعض الناس خدمهم أكثر من أفرادهم. تجد البيت ليس فيه إلا رجل وامرأته وعنده أربعة من الخدم، لماذا؟ فلعل الناس يقللون من جلب الخدم.
السائل: هل يجب تسليمهم إلى السلطة؟
الجواب: مسألة الوجوب شيء آخر؛ لأن الوجوب معناه الإثم بالترك، ..... نقول: يخبر به السلطة للمصلحة التي ذكرت.
السائل: بعضهم يقول: أخشى أن يكون إذا سترت عليهم أن أكون عطلت أحكام الله فيهم؟
الشيخ: انظر بارك الله فيك، أخبرتك، أحكام الله ما هي معطلة ولا زائدة ولا ناقصة؛ لأنه يستطيع أن يقول: ما هو منه الرجل، وإذا لمست عليه شيئاً ما صار عليه شيء، لكن نحن نريد أن نلاحظ المصالح العامة، المصالح العامة مقدمة على المصالح الخاصة.
الجواب: والله! ما أدري إذا كان الرجل الذي وقعت عليه القرعة أن يذهب إلى أمريكا أو غيرها من بلاد الكفر إذا كان هذا الرجل داعية عنده علم، وعنده قدرة في الإقناع، وعنده عزمٌ على الدعوة إلى الله، فذهابه حسن لا شك؛ لأن الدول الكافرة الآن في خناق، تريد أحداً ينفس لها من الوضع الذي هي عليه من الناحية الدينية، وبعضها حتى من الناحية الدنيوية اقتصادياً وعملياً؛ فهذا طيب، أما إنسان من عامة الناس فلا أرى أن يذهب: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:2-3]؛ لأن الذي بلغنا أن الذين يذهبون إلى هناك كثيرٌ منهم يرجع بلا خلق ولا دين -والعياذ بالله- ليس كلهم لكن كثيرٌ منهم، وفيهم -والحمد لله- من هو طيب، أرضٌ خصبة، ونباتٌ طيب، ونفع الناس، وانتفع بنفسه.
الجواب: هذه إن كانت ترجو النكاح بأن تكون امرأة عليها طلب فالأولى أن تختار من هو فحل ينجب، أما إذا كان الطلب عليها قليلاً فإن هذا الرجل الذي يرضى دينه وخلقه يكون خيراً لها، فالمسألة ترجع إلى حال المرأة.
الجواب: ليس عليها شيء، لكن الطيب تزيله متى ذكرت، أما الكحل فلا يضر، الطيب لأنه محرم في الإحرام، الكحل ليس محرماً في الإحرام، ثم إني أقول لكم يا معشر الإخوة: جميع المحرمات في العبادات إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه، في كل العبادات، سواءً في الصلاة أو في الصيام أو في الحج، فلو قدر أن الإنسان في الحج جامع زوجته ليلة مزدلفة بناءً على أنه لما وقف بـعرفة انتهى الحج متوهماً معنىً فاسداً في الحديث الصحيح: (الحج عرفة) هذا وقف في عرفة وانتهى الحج، وجامع زوجته ليلة مزدلفة ، فلا شيء عليه، لا فدية، ولا فساد حج، ولا قضاء حج؛ لأنه جاهل، وهكذا نقول في جميع المحظورات، لو قتل صيداً وهو جاهل أو ناسٍ فلا شيء عليه، في الصلاة لو أنه تكلم يظن أن الكلام لا بأس به، كأن نادته أمه وهو يصلي، فظن أن جواب الأم واجب ولو في الفريضة، فتكلم وهو لا يعتقد أنه مبطل للصلاة فصلاته صحيحة، وفي الصيام لو أكل يظن أن الشمس قد غربت ثم تبين أنها لم تغرب فصيامه صحيح، المهم خذوا هذه القاعدة: كل من فعل شيئاً محرماً في العبادة ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فليس عليه شيء، لا إثم ولا قضاء ولا كفارة، لقول الله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] فقال الله تعالى: قد فعلت. ولقوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الأحزاب:5]، ولقوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل:106].
الجواب: قال الله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [النور:35] فقل ما قال الله عن نفسه، ولا تتجاوز ذلك، ولك سلفٌ خيرٌ منك، وللمسئول سلفٌ خيرٌ منه، السلف الذين هم خيرٌ منك الصحابة رضي الله عنهم، والمسئول الذي هو خير من المسئول هنا في وقتنا الرسول الله عليه الصلاة والسلام، هل لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله! هل النور من أسمائه الله أو صفاته؟ لم يسألوا، هل يسعنا ما وسعهم، أو يجوز أن نتعداهم؟ لا يجوز أن نتعداهم. يسعنا ما وسعهم، ولذلك أنا أنصح الإخوان الموجودين الآن من طلبة العلم وغير طلبة العلم أن يكفوا عن السؤال فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته عما كف عنه الصحابة رضي الله عنهم، فوالله! إنهم لخيرٌ منا، وإن الذي يتوجه السؤال إليه في وقتهم خيرٌ منا، فعلينا أن نقف، لماذا هذا التكلف؟ نقول كما قال الله عنه نفسه: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [النور:35] إنك إذا سلكت هذه القاعدة، ونهجت هذا المنهج سلمت، وسلمت عقيدتك من شكوكٍ وأوهام، وسلمت من اتباع الهوى أو القول على الله بلا علم، فنصيحتي لكم ولمن يستمع إلى كلامي: أن يتقي الله في نفسه، وأن يتجنب كلما تجنبه الصحابة الكرام رضي الله عنهم في الكف عن السؤال فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، والصحابة رضي الله عنهم قد وفوا بالمقصود، والله عز وجل قد أكمل لنا الدين، ولو كان شيءٌ يحتاج إلى سؤالٍ وتوضيح لوفق الله تعالى من الصحابة من يسأل عنه، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم أهل المدينة يستحيون أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيءٍ من الأشياء حتى يتمنوا أن يأتي رجلٌ من الأعراب يسأل عنه، فيقيض الله تعالى من يسأل عن الشيء فيجيب عنه الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى سأله رجل: أين كان الله قبل خلق السماوات والأرض؟ -إلى هذا الحد- فأجابه النبي عليه الصلاة والسلام، لو كان شيءٌ مما يتعلق بالدين يحتاج الناس إليه لقيض الله تعالى من يسأل عنه، فكف عما كف عنه الصحابة، اترك هذا التقييد ، يجيء واحد متحذلق متعمق متكلف يقول: كم أصابع الله مثلاً؟ سبحان الله! أنت مكلف بهذا؟ عليك أن تؤمن بما جاء في الكتاب والسنة من صفات الله واسكت، قال الإمام أحمد : لا نتجاوز القرآن والحديث، ونصف الله بما وصف به نفسه في كتابه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا نتجاوز القرآن والحديث.
الشيخ: هؤلاء الرافضة يقولون: إنهم مسلمون، أليس كذلك؟
السائل: نعم.
الشيخ: وأنت مسلم، أليس كذلك؟ يجب عليك أن تدعوهم إلى الإسلام الذي ترى أنه الحق، لكن بدون أن تعنفهم على ما هم عليه مما يخالف الإسلام، ادعهم إلى الإسلام، قل: هذا كتاب الله، لم ينقص منه حرف، ولم يزداد فيه حرف، هؤلاء أصحاب رسول الله، هؤلاء الخلفاء الراشدون، وهلم جرا، والإنسان إذا دعا إلى الله بصدق، وبيَّن الحق فإنه سيثمر، وسيكون لدعوته فائدة، أما أن يأتي إلى شخص فيهاجم ما هو عليه من البدع أو ما هو عليه من الكفر، وهو يدعي أن هذه غيرة وأنه داع إلى الله فلن ينتج شيئاً إلا زيادة العداوة والبغضاء، ولا أحد أحكم من الله كما قال عز وجل: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ [التين:8] وقد قال لنا: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108] فالواجب عليكم أن تدعوهم إلى الإسلام الصحيح بدون أن تتعرضوا لما هم عليه من العقيدة الباطلة حتى يألفوا ويقبلوا: (ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).
السائل: يا شيخ! حفظك الله يصلون معنا في المساجد؟
الشيخ: الحمد لله هذا هو المطلوب إذا صلوا معنا في المساجد فليتخذ إمام المسجد كتاباً يحتوي على معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
السائل: عفواً -يا شيخ- يصلون على قراطيس، وعلى أوراق، وعلى تربة مصنعة.
الشيخ: ما علينا منهم، هذه مسائل فرعية، إذا لم يصحبها اعتقاد شرك، فهذه مسائل فرعية، يوجد الآن من الناس مثلاً من لا يرفع يديه عند الركوع، ولا عند الرفع منه، ولا عند القيام من التشهد الأول، ويوجد من الناس من يرفع يديه في كل خفض ورفع، وكلٌ يدعي أنه على حق، فالمسائل الفرعية أمرها سهل، المقصود أن تجمع القلوب على الحق، وأن يسلك أقرب طريقٍ يوصل إلى ذلك، هل كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا دعا الناس إلى الدين الإسلامي يهاجمهم أولاً فيما هم عليه من الباطل؟ يدعوهم إلى الإسلام أولاً، فالحقيقة أنا لا أنكر بل أحبذ أن يكون عند الإنسان غيرة تحمله على بغض كل ما سوى الحق، لكن أريد أن يكون عنده حكمة في الدعوة إلى الحق.
الشيخ: سأسألك: من الذي بيده الإجابة والرد؟
السائل: الله سبحانه وتعالى.
الشيخ: هل الله عز وجل يعلم من هو على حق أو على باطل؟
السائل: نعم.
الشيخ: هل الله عز وجل يمكن أن ينصر معتدياً على من ظلم؟
السائل: لا.
الشيخ: إذاً! مهما دعا الإنسان بغير حق فإن الله لن يقبل منه؛ لأن الله قال في القرآن الكريم: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55]، ويقول عز وجل: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:21] فكل من دعا دعوةً بغير حق فإن الله لا يقبلها، ثم إن كان معتدياً فقد ترجع الدعوة إليه وتصيبه كما جاء ذلك في اللعنة: أنه يصعد بها إلى السماء فترد، ثم تتجول فإن كان صاحبها أهلاً لها وقعت عليه، وإن كان غير أهل رجعت إلى قائلها. وكما جاء في الحديث الصحيح: (من دعا رجلاً بالكفر أو قال: يا عدو الله! وليس كذلك رجع إليه) إلى القائل.
لكن الإنسان أحياناً عند تأديب أولاده مع الغضب يدعو بالشر بدل الخير، بدلاً من أن يقول: الله يهديك، الله يصلحك، الله يشرح صدرك يقول: الله يهلكك، الله يفعل بك كذا وكذا .. وقد فسر بعض العلماء قوله تعالى: وَيَدْعُ الإنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ عَجُولاً [الإسراء:11] بهذا، أي: بكون الناس يدعو بالشر في موضعٍ الأليق به أن يدعو بالخير عجلةً وتسرعاً، وما أعطي الإنسان عطاءً خيراً وأوسع من الصبر، صبر نفسك، احبسها، عود لسانك إذا أغضبك أولادك أو أهلك أن تدعو لهم بالخير.
بعض الناس يقول: الله يكفينا شركم، يصلح هذا أو ما يصلح؟ يصلح، نحن نقول: نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، فإذا قال لولده: الله يكفينا شرك، ما أكثر ما تغضبني، هذا ما فيه شيء، لكن: الله يأخذك، الله يدمرك، الله يسود وجهك، الله لا يوفقك لا في الدنيا ولا في الآخرة، حرام هذا. اصبر، وطن نفسك، وادع لأهلك بالخير.
الجواب: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) يكفيك الجواب أو ما يكفي؟!
وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر