أما بعد:
فهذا هو اللقاء السادس والتسعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثامن عشر من شهر شوال عام (1419هـ).
نبتدئ هذا اللقاء بما جرت به العادة من الكلام بما ييسره الله عز وجل من آيات الله، وقد انتهينا إلى سورة الواقعة، قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم. والبسملة آية من كتاب الله مستقلة ليست تابعة لما بعدها ولا لما قبلها، ولهذا كان القول الراجح: أنها ليست آيةً من الفاتحة، وأن الإنسان لو اقتصر في قراءته على: (الحمد لله رب العالمين) إلى آخر السورة لكان قد أتى بالركن وصحت صلاته، ولو جعلنا البسملة من الفاتحة لكانت صلاته باطلة، إذا لم يأتِ بالبسملة؛ لأنه نقص منها -أي: من الفاتحة آية- فالصواب الذي لا شك فيه أنها -أي: البسملة- ليست آية لا من الفاتحة ولا من غيرها.
وأما قوله تبارك وتعالى في سورة النمل: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30] فهذا نقلٌ لكتاب سليمان عليه السلام وليس من القرآن الذي أنزله الله على محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم تشريعاً لهذه الأمة، إنما هو كلامٌ منقول عما كتبه سليمان عليه السلام.
(بسم الله الرحمن الرحيم) أي: أبتدئ أو أقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم سورة الواقعة.
حذف الله جواب الشرط في هذه الآيات من أجل أن يذهب الذهن في تقديره كل مذهب، أي: إذا وقعت الواقعة صارت الأهوال العظيمة، وصار انقسام الناس، وحصل ما حصل مما أخبر الله به ورسوله مما يكون في يوم القيامة، وقوله: (إذا وقعت الواقعة) كقوله: (الحاقة ما الحاقة) والمراد بذلك يوم القيامة، (ليس لوقعتها كاذبة) أي: ليس لوقعتها كذب، بل وقعتها حق ولابد، والإيمان بيوم القيامة أحد أركان الإيمان الستة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان، قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) وكثيراً ما يقرن الله تعالى الإيمان به بالإيمان باليوم الآخر؛ لأن الإيمان باليوم الآخر يحدو بالإنسان أن يعمل العمل الصالح وأن يبتعد عن العمل السيئ؛ لأنه يؤمن بأن هناك يوماً آخر يجازى فيه الإنسان المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
(خافضة رافعة) يعني: هي خافضة رافعة، يعني: يُخفض فيها أناس ويُرفع فيها آخرون، من الذي يُرفع؟ قال الله عز وجل: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11] فأهل العلم والإيمان هم الذين لهم الرفعة في الدنيا والآخرة، ومن سواهم فإنهم موضوعون بحسب بعدهم عن الإيمان والعلم، إذاً: تَخفض أهل الجهل والعصيان، وترفع أهل العلم والإيمان، وكم من إنسان في الدنيا رفيع الجاه معظمٌ عند الناس يكون يوم القيامة من أحقر عباد الله، الجبارون المتكبرون يحشرون يوم القيامة كأمثال الذر يطأهم الناس بأقدامهم، مع أنهم في الدنيا متبخترون مستكبرون عالون على عباد الله، لكنهم يوم القيامة موضوعون مهينون قد أخزاهم الله عز وجل.
فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ أي: أنه عز وجل أخبر بأن أحد الأصناف أصحاب الميمنة، ثم قال: مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ من هم؟ سيأتي إن شاء الله ذكرهم مفصلاً، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ أي: ذوو الشؤم، وسيأتي أيضاً ذكرهم مفصلاً.
وقيل المراد بالأولين: أول هذه الأمة، أي: ثلة من هذه الأمة وقليل من آخرها، وهذا القول هو الصحيح، بل هو المتعين؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إني أرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة) أي: نصفهم، وفي حديثٍ آخر: (إن أهل الجنة مائة وعشرون صفاً، منهم ثمانون من هذه الأمة) وعلى هذا فلا يصح أن نقول: قليلٌ من هذه الأمة وكثيراً من الأمم السابقة، بل نقول: (ثلةٌ) أي: كثيرٌ من هذه الأمة من أولها، (وقليلٌ) من آخرها، ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ .
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ [الواقعة:17-18] (أكواب) هي عبارة عن كئوس لها عروة، والأباريق أيضاً أواني لها عراوي، (وكأس من معين) ليس له عروة، وقوله: (من معين) أي: من خمرٍ معين.
لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ [الواقعة:19] أي: لا يوجع بها الرأس ولا ينزف بها العقل، بخلاف خمر الدنيا فإنها توجع الرأس وتذهب العقل.
لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ [الواقعة:19-20] معطوفة على قوله: (بأكواب) أي: ويطوف عليهم الولدان بفاكهة وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ [الواقعة:20] لطيبها منظراً وطيبها مشماً وطيبها مأكلاً، هذه الفاكهة طيبة في منظرها، طيبة في رائحتها، طيبة في مأكلها ومذاقها؛ لأن الله قال: مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ [الواقعة:20] وكون الإنسان يعاف الشيء إما لقبح منظره، أو لقبح رائحته، أو لقبح مأكله، الفاكهة في الجنة لا، بل بالعكس، طيبة في لونها وحجمها وريحها ومذاقها، وسبحان الله! يؤتون بها متشابهة، متشابهة في اللون والحجم والرائحة، لكن في المذاق مختلفة، وهذا مما يزيد الإنسان فرحاً وسروراً، وإيماناً بقدرة الله عز وجل، وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الواقعة:21] أي: ويطوف عليهم هؤلاء الولدان بلحم طير وذكر لحم الطير؛ لأن لحوم الطير أنعم اللحوم وألذها، وهذا الطير من أين يتغذى؟ الجواب: ليس لنا أن نسأل هذا السؤال؛ لأن أمور الغيب يجب علينا فيها أن نؤمن بها بدون السؤال عما لم يصل إلينا الخبر عنه، فنقول: إن كانت هذه الطيور تحتاج إلى غذاء فما أكثر ما تتغذى به؛ لأنها في الجنة، وإن كانت لا تحتاج إلى غذاء فالله على كل شيءٍ قدير.
وإلى هنا ينتهي الكلام على ما منَّ الله به من تفسير هذه الآيات الكريمة، أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من السابقين السابقين إلى الخيرات، إنه على كل شيءٍ قدير.
الجواب: أهم أسباب الثبات هو الإيمان بالله عز وجل، والرضا به، والقيام بطاعته بقدر الاستطاعة ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العوام أو العامة) مع أن هذا الوصف لم ينطبق علينا الآن والحمد لله، نعم هناك (شح مطاع) تكالب الناس على حب المال وطلبه (دنيا مؤثرة) كذلك موجود، فإن كثيراً من الناس يؤثر الدنيا على الآخرة (هوىً متبع) كذلك موجود، حتى بين العلماء تجد بعض العلماء لا يريد إلا أن ينصر رأيه وهواه، بغض النظر عن كونه الصواب أو الخطأ، (وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه) هذا أيضاً من البلاء: أن الإنسان إذا رأى رأياً وإن كان ليس عالماً، رأى رأياً في أمور الدنيا مثلاً وأعجب به ولا ينصاع إلى غيره ولو تبين أنه الحق فهنا عليك بخاصة نفسك، فعلى الإنسان أن يصير إلى الله عز وجل حسب ما جاء في القرآن والسنة، وحسب ما درج عليه السلف الصالح ، ويتقي الله ما استطاع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله على بصيرة.
الشيخ: ماذا قرر؟
السائل: القبيلي توفي، والمرور قرر حادث الخطأ على المتوفى (100%) ورحنا إلى الشيخ وقال بعض الناس: ما عليك صيام، وأنا صار في نفسي شك، لا أدري أصوم أم لا؟!
الشيخ: ما سبب الحادث؟
السائل: كنت ذاهباً إلى جدة وهو قادم من الرياض ، وعندما رأيت السيارة قد جاءت أمسكت (الفرامل) وكنت في جهة اليمين من الرصيف فطلعت عليَّ سيارة القبيلي وصار الحادث، وجاء المرور وقرر الحادث كما تقدم.
الشيخ: هل تعدى عليك؟
السائل: نعم تعدى عليَّ، أنا ماسك يمين وهو حاد يساراً.
الشيخ: معروف، هو يكون عن يسارك ..
السائل: نعم على يساري وجاء نحوي وأنا ماسك (الفرامل) على اليمين، وبأمر الله توفي القبيلي؛ لكن بعض الناس قالوا: لا تصم -يا شيخ- وواحد قال: صم.
الشيخ: لا تصم ليس عليك شيء ..
السائل: ما عليَّ شيء ..
الشيخ: نعم، ما جاء منك خطأ.
الجواب: توجيهنا أن هذا خطأ، وأن الإنسان يجب عليه أن يدين لله عز وجل ويلتزم بدين الله، ولا يتشاءم، وهؤلاء الذين انتكسوا والعياذ بالله لانتكاستهم أسباب، منها: أن الإيمان لم يرسخ في قلوبهم، ولو رسخ الإيمان في قلوبهم ما انتكسوا؛ لأن الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب لم يؤثر عليها شيء كما قال هرقل لـأبي سفيان .
وهذا الذي يريد أن يلتزم يثبت على الإيمان ويدع عنه مصاحبة أهل الشر، ويبتعد عنهم، ويصحب أهل الخير، ويسأل الله الثبات.
الجواب: أقول بارك الله فيك: على الإمام أن يلتزم بالسنة في إمامته، وإذا التزم السنة فمن أخطأ فعلى نفسه، ولكن لا يخرج عن السنة ابتغاء مرضاة الناس كما يوجد بعض الأئمة يخفف التخفيف المخالف للسنة من أجل إرضاء الناس أو بعضهم، ثم تزين له نفسه، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف) والمراد بالتخفيف هنا ما كان على نحو صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولهذا قال أنس بن مالك : [ما صليت وراء إمامٍ قط أخف صلاةً ولا أتم صلاةً من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم] وعليه أن يراعي المأمومين، فمثلاً: إذا كان ما بعد التشهد الأول فالقراءة سرية، يقرأه الفاتحة آية آية، كما كان يقرأها وهو يجهر، فبعض الأئمة تجزم أنه فيما بعد التشهد الأول يقرأ الفاتحة بسرعة أكثر مما كان يقرأها في حال الجهرية، فالذي أرى أنه يقرأها مرتلة آية آية، أولاً: أن هذا هو السنة، والثاني: من أجل أن يتمكن من وراءه من قراءة الفاتحة.
فهذا الذي يتأخر فلينظر إذا كان يتأخر لعذر، كرجلٍ يشق عليه القيام، فهنا نقول: إذا قام يقرأ الفاتحة ويكملها ولو ركعة واحدة، بل ولو ركع ورفع، يكمل الفاتحة ثم يركع ثم يرفع، ويتابع الإمام، وأما إذا كان يتأخر عن الإمام تكاسلاً فهذا يأثم بسبب تكاسله.
الجواب: الفرق: أن المنافقين في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام منافقون في زمنه، والمنافقون في هذا الزمان منافقون في هذا الزمان، الزمان مختلف لا شك، والنفاق لا يختلف، النفاق هو النفاق في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عهدنا هذا، فكل من آمن ظاهراً وراءى الناس في إيمانه، ولكن قلبه والعياذ بالله ممتلئ كفراً، فهذا منافق، ثم إن كان ذا سيادة في قومه ودعوة لنفاقه صار مثل عبد الله بن أبي بن سلول نسأل الله العافية.
الجواب: النساء المتبرجات عاصيات، والعاصي يقبل صيامه وصلاته وصدقته، ولو عصى، وربما تكون صلاته وصدقته وصيامه سبباً لمغفرة ذنوبه؛ لأن الموازين يوم القيامة بالقسط، فقد ترجح الحسنات على السيئات، وحينئذٍ لا تضره السيئات؛ لأن من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، وقد تتساوى الحسنات والسيئات فيكون الإنسان من أهل الأعراف، الذين يكونون في منزلة بين الجنة والنار، وفي النهاية يكونون من أهل الجنة، وقد تزيد السيئات فيكون مستحقاً للعقوبة في النار، ثم قد يعفو الله عنه وقد لا يعفو، وأما الذي يحبط العمل ولا ينفع معه العمل فهو الكفر والعياذ بالله، هذا هو الذي لا ينفع معه العمل، حتى لو تصدق الكافر وبنى المساجد والمدارس وطبع الكتب وأنفق على الفقراء وأهل العلم، فإنه لا يقبل منه.
فالمتبرجة عاصية من جملة العصاة يجب عليها أن تتوب إلى الله وتقلع عن التبرج، وأما صلاتها وصيامها وصدقتها فمقبولة إذا تمت الشروط.
فضيلة الشيخ! هل لهؤلاء الدعاة وجهة نظر للمطالبة بهذه العقوبة الغير شرعية لمن يمس الذات الإلهية، يعني: فهم يقولون: إن هذا أخف الضررين. أو الواجب يعني غير ذلك؟ ولما كان لفضيلتكم كلمة مسموعة عند هؤلاء أحببنا أن نسمع رأيكم.
الشيخ: أنا ما فهمت السؤال. هؤلاء يطالبون بأن من سب الله عز وجل أو رسوله أو كتابه أو دينه ماذا يجب عليه؟
السائل: أن يحبس عشر سنوات ويغرم بثلاثة آلاف دينار، أو يعاقب بإحدى العقوبتين، يعني: لو أن واحداً سب الله عز وجل أو الدين فللقاضي أن يحكم عليه بغرامة ثلاثة ألف دينار تكون عقوبة له، فلا يعاقب بعقوبة أخف من هذه، فلذلك طالبوا بهذه العقوبات.
الشيخ: لكن من سب الله أو رسوله أو كتابه أو دينه فهو مرتد يجب أن يقتل، ويقتل على أنه كافر، فلا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإنما يخرج به إلى البرية ويحفر له حفرة يرمس فيها كما ترمس جيفة الشاة، وليس له سوى ذلك.
لكن اختلف العلماء فيما لو تاب، فقال بعضهم: لا تقبل توبته سواءً كان مرتداً أو كان كافراً أصلياً، وبعضهم يقول: إن كان كافراً أصلياً قبلنا توبته لقول الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38] وهذا عام، وإن كان مرتداً لم تقبل توبته، بل يقتل على كل حال، وتوبته فيما بينه وبين ربه يوم القيامة.
وفصَّل بعضهم في هذا، فقال: أما من سب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيجب أن يقتل حتى لو تاب، حتى لو صار يثني على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كل مكان، فإننا نقتله، لكن إذا تحققنا من توبته عاملناه في أحكام الآخرة معاملة المسلم بمعنى: أننا نغسله ونكفنه ونصلي عليه وندفنه مع المسلمين، وإن لم تظهر توبته أنها صحيحة عاملناه معاملة المرتد.
أما من سب الله عز وجل فإنه إذا تاب وعلمنا توبته وأنه صادق فإننا نرفع عنه القتل ونحكم بأنه مسلم.
وهذا القول التفصيلي هو الصواب، لكن لو رأى ولي الأمر أن هذا الذي سب الله مع توبته أن يقتل لئلا يجرأ أحدٌ مثله فله ذلك، ويكون هنا قتله تعزيراً لا ردة.
السائل: هل ما تفضلت به هو الحكم الشرعي، يقال: لو طالبنا بالحكم لا يستجاب لنا، فهم يطالبون بهذه الأحكام يقول: بما أن ولاة الأمر لا يطبقون الحكم الذي تفضلت به فأقل الأحوال أن نطالب بهذا، وهو أن يغرم أو أن يحبس، أقصد هذه المطالبة هل هي شرعية أم لا؟
الشيخ: هذه المطالبة غلط، وليست بصحيحة، بل يجب علينا أن نطالب بالحكم الشرعي، ثم إن هدى الله الولاة إلى تطبيق هذا المطلوب وإلا بقي الحكم الشرعي ثابتاً؛ لأننا لو تنازلنا عن الحكم الشرعي إلى عقوبة أخف بقيت هذه العقوبة قانوناً شرعياً، ولم يلتفت إلى أنه يقتل مرتداً أو ما أشبه ذلك، فلا أرى التنازل أبداً في دين الله، كما لو قال مثلاً: أنا لو أمرت شخصاً أن يصلي الصلوات الخمس ما صلى أبداً، لكن لو قلت: صلِّ الظهر والعصر وأنت منها مستيقظ والعشاء والفجر لا تصلِّ، هل نقبل التنازل؟ لا نقبل.
الجواب: إذا كان -بارك الله فيك- الانتداب لعمل فمتى أنهيت العمل استحققت الانتداب ولو زادت المدة، كالمثال الذي ذكرت، انتدبتم لعمل ترتيب أشياء أو غيره لمدة خمسة أيام وأنهيتموها في يومين فلا حرج عليكم أن تأخذوا الجعل الذي جعل لكم لمدة خمسة أيام، أما إذا كان على زمن فهذا لابد أن تستغرق الزمن، كما لو انتدبتم لتعملوا خمسة أيام فلابد أن تعملوا خمسة أيام، أما إذا قيل: انتدبتم لعمل فكما قلت لك إن أنجزتموه في وقته المحدد أو قبله فلا حرج.
الجواب: أنت تعلم -بارك الله فيك- أن وضع الدراهم عند البنوك ليس وديعة إنما هو قرض، وتسمية الناس له وديعة غلط؛ لأنك إذا أعطيت البنك الدراهم هل هو يحفظها في صورتها ويجعلها محفوظة عنده حتى تأتي، أو يدخلها في صندوق ويستعملها؟ يدخلها في صندوق ويستعملها، إذاً هو قرض، وإذا كان قرضاً فإنه لا يجوز للمقرض أن يأخذ ممن استقرض منه شيئاً، لا هدية ولا غيره، إلا إذا قبض ما أقرضه، فإنه لا بأس إذا أهداه بعد أن يستوفي منه، لا حرج عليه أن يقضي، وكذلك لو كانت البنوك تهدي لمن وضع المال فيها هدية عامة تهديها لكل أحد مثل: أن بعض البنوك تهدي تقاويم، فلا بأس أن يقبلها؛ لأن هذه التقاويم تهدى لمن أقرضهم المال ومن لم يقرضهم.
الجواب: هو على أصل التحريم، ولكن يظهر من فعل الرسول عليه الصلاة والسلام أنه ليس للتحريم وإنما هو للكراهة، وهذه المسألة اختلف فيها الأصوليون إذا ورد فيها النهي مطلقاً هل هو للتحريم أو لا؟ وإذا ورد الأمر مطلقاً هل هو للإيجاب أو للاستحباب؟ وليس هناك ضابط بيّنٌ يحسم الموضوع، لكن الشيء الذي يجب علينا أن نسلكه: أننا إذا سمعنا أمر الله ورسوله ما نقول: هل هو للاستحباب واللزوم، ما نقول هذا؛ لأن الله يقول: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36] ولا عهِدنا أن الصحابة رضي الله عنهم إذا أمرهم الرسول بأمر أنهم يقولون: هل هذا مؤكد -يا رسول الله- للوجوب أو للاستحباب، كانوا يمتثلون على الفور، إلا إذا شكوا هل الرسول أمر به تعبداً أو أمر به مشورة؟ فهنا يسألون كما جرى لـبريرة مع زوجها مغيث ، فإن بريرة أَمَة مملوكة، عتقت والمملوكة إذا عتقت وزوجها مملوك خيرناها إن شاءت بقت معه وإن شاءت فسخت النكاح، خيّرها النبي صلى الله عليه وسلم هل تحب أن تبقى مع زوجها، أو تفسخ النكاح؟ فقالت: أفسخ النكاح، ففسخت النكاح لنفسها، وكان زوجها يحبها حباً شديداً حتى كان يجري وراءها في أسواق المدينة يبكي، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تعجبون من حب
وكذلك يقال في النهي، صوَّر نفسك كأن الرسول أمامك عليه الصلاة والسلام، قال لك: لا تفعل. هل يليق بك أن تقول: يا رسول الله! أنت جازم أو ما أنت جازم؟ لا يجوز، أو أمرك هل يليق لك أن تقول: يا رسول الله أنت جازم أو ما أنت جازم؟ ما يليق، افعل يا أخي، إن كان واجباً أثبت عليه ثواب الواجب، وإن كان مستحباً أثبت عليه ثواب المستحب، لكن إن تركت فأنت على خطأ، إنما لو تورط الإنسان ووقع في المخالفة فعل المنهي أو ترك المأمور حينئذٍ يسأل، يقول: هل الأمر للوجوب أو هل النهي للتحريم من أجل يحدث توبةً للمخالفة، أما في أول الأمر فقل: سمعنا وأطعنا ولا تتردد.
الجواب: هذا يسير، نقول: هذا قدره الله عليك، لكن أنت حين مباشرتك إياه، هل تعلم أن الله قدره عليك؟ -نسأل- هل تعلم قبل أن تسرق أن الله قدر أن تسرق؟ إذاً لماذا تقدم على السرقة، أنت لا تعلم بأن الله كتب عليك السرقة إلا إذا سرقت، فيكون فعلك باختيارك، لكن بعد أن تفعل تعلم أن الله قدر عليك هذا، ولماذا لا تقدِّر أن الله قدر لك العفاف والغنى وتترك السرقة، لماذا لا تقدِّر هذا؟ أنت في خيار الآن لو وقع منه شيء فلا بأس أن يحتج بالقدر، لو وقع منه الشيء وندم وقال: والله مع الأسف! لكن هذا شيء مقدر، يعني: رجل شرب الخمر فقيل له في ذلك، قال: والله! إني أكره ما يكون عندي الخمر، لكن هذا شيء مقدر وقدر الله وما شاء فعل، وأنا تائب إلى الله، هذا لا بأس به؛ لأنه بتوبته اندفع عنه اللوم وارتفع عنه اللوم، واحتجاجه بالقدر لعموم مشيئة الله سبحانه وتعالى.
ومن ذلك (أن النبي صلى الله عليه وسلم طرق
ومن ذلك أيضاً قول آدم لما احتج عليه موسى (أخرجتنا ونفسك من الجنة، قال: أتلومني على شيء كتبه الله عليَّ...) ففرق بين إنسان يحتج بالقدر ليبرر موقفه من فعل المعصية ويستمر فيها، وإنسان احتج بالقدر مع توبته إلى الله عز وجل ورجوعه.
الثاني لا بأس به، ويدل على هذا حديث وهو: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل) ولهذا أنكر الله على الذين أشركوا وقالوا: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا [الأنعام:148] مع أنه قال لنبيه: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا [الأنعام:107] لأن أولئك يحتجون بالقدر لدفع اللوم عنهم، وعذرهم في استمرارهم على الشرك، وأما قوله تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا [الأنعام:107] فالمراد تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا يلحقهم الندم الشديد على شركهم؛ ليبين أن الله تعالى هو الذي شاء أن يشركوا.
السؤال: أي العبارتين أتم فنقول: كل ما في الأمر أن الله علم هذا الأمر؟
الشيخ: لا. لا. لأنك لو قلت هذا أنكرت أن يكون من مشيئة الله.
السائل: أحسنت، بارك الله فيك!
الشيخ: أنا أرى أن نعاملهم كما يعاملوننا تماماً؛ لأنه ليس من العدل أن يعاملك شخص وتعامله بأسوأ مما يعاملك به، حتى إن أهل الكتاب وهم يهود أو نصارى إذا سلموا علينا وجب علينا أن نرد عليهم، حتى لو قال لك اليهودي أو النصراني: السلام عليك، قل: عليك السلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أهل الكتاب إذا سلموا عليكم يقولون: السام عليكم، فقولوا: وعليكم) وهذا يقتضي أنهم إذا قالوا: السلام، نقول: عليكم السلام؛ لأنه لو فرضنا أنهم قالوا: السام بلفظ صريح، قلنا: وعليكم، ما معنى وعليكم؟
فالنبي عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نرد على أهل الكتاب بقولنا: وعليكم؛ لأنهم يقولون: السام عليكم، فقلنا: وعليكم. انظر إلى أدب الإسلام الرفيع، فنحن لا نقول: وعليكم السام، نقول: وعليكم، حتى نكون أحسن منهم رداً؛ لأنه فرق بين أن يقول: وعليكم، وأن يقول: وعليكم السلام، الثاني أشرف.
السائل: نحن نسلم عليهم.
الشيخ: هل هم يبدءونكم أم لا؟
السائل: يبدءون.
الشيخ: قابلوهم بمثل ما يعاملوكم به، ثم اعلم -يا أخي- أن الشيعة ليس كلهم كفار، يختلفون اختلافاً عظيماً، فهم فرق كثيرة، راجع كتاب الملل والنحل تجد الفرق، ثم إن هناك عامياً بحتاً، لا يعرف الحق، ربما لو دعوته بأقل عبارة لاستجاب لك، أو على الأقل تشكك بما هو عليه من الباطل، ومع كثرة الممارسة يرجع إلى الحق -والحمد لله- الآن كثيرون، ومما سمعنا كثيرٌ منهم ترك هذا المذهب الباطل ورجع إلى الحق.
الشيخ: أنت لو أعطوك لا تودع عندهم شيئاً، هم يريدون أكثر، يمكن أكبر ما يريدون أن تكون دعاية لا إحساناً للغير، لكن دعه عندك أنت ولا تجعله دعاية، دعه مثلاً في غرفتك الخاصة حتى لا يغتر أحد ويقول: ما دمت أنت تشجع هؤلاء فالأمر في هذا سهل. ما أرى في هذا شيئاً، لكن إن خفت أنت وهذا يرجع إلى كل إنسان بنفسه، إن خفت من هذا مثلاً يهون عليهم أمر البنوك فلا تقبلها.
السائل: أليس فيه إقرار لهم؟
الشيخ: لا. ليس فيها إقرار.
الجواب: أما مسألة الأفلام التي فيها الاطلاع على الحيوانات من طيور وسباع وغيرها أو على مخلوقات الله عز وجل في الكون، هذه لا بأس بها، وأما مسألة القصص البطولية وما أشبهها فلا أراها، وأضرب لهذا مثلاً: يوجد قصة لـمحمد الفاتح ، هذه القصة إذا سمعها الطفل وشاهدها انقدح في ذهنه أن بطل الأبطال في الإسلام هو محمد الفاتح ، وهذا غلط، هذا له محذور بعيد لا يدركه من ألف هذا الفيلم، ومعلوم أن محمد الفاتح عليه ما عليه ونسأل الله له العفو، لكن لا ينبغي أننا نلقن صبياننا منذ نعومة أظفارهم بأن هذا الرجل هو بطل الإسلام، لذلك المحذور.
كذلك أيضاً يوجد أفلام في تصوير أصحاب الأخدود، من قال: إن أصحاب الأخدود على هذا الشكل؟ لا نعلم، والخلق يتضاعف منذ أن خلق آدم إلى هذه الأمة، بمعنى: يتناقص، فقد كان آدم طوله ستون ذراعاً وما زال الخلق ينقص إلى هذه الأمة، ومن الذي أعلمنا أن أصحاب الأخدود كانوا على هذا الشكل، فهذا كذب، ثم من يعلم أن عددهم كما يشاهد، قد يكون آلافاً مؤلفة، أو أقل من هذا المشاهد، فمثل هذه الأشياء ينبغي للإنسان أن يتفطن لغور المسألة، وما هي النتيجة الاقتصادية.
الجواب: لا يمكن هذا يا رجل! إلا إذا جَاَمَع، الظاهر إنك ما تزوجت أنت.
السائل: سمعته من أحد طلاب العلم وقال هذا وكان يقول: لا غسل إلا إذا أولج فيها.
الشيخ: لا، لابد منه، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يكني عن الشيء الذي يستحيا من ذكره بما يدل عليه.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر