أما بعد:
فهذا هو اللقاء التاسع عشر بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو التاسع عشر من شهر رجب عام (1420هـ).
نبتدئ هذا اللقاء بالكلام بما ييسره الله عز وجل على ما انتهينا إليه من تفسير القرآن.
أما الإيمان بالرسل فإنه يتضمن تصديقهم فيما أخبروا كلهم من أولهم إلى آخرهم، يجب أن نصدق بما أخبرت به الرسل إذا صح عنهم، وأما العمل بشرائعهم فإننا لا نعمل -أو لا يلزمنا العمل- إلا بشريعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك لأن الشرائع السابقة كلها نسخت بهذه الشريعة، لقول الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة:3].
وقوله: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85] وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة -يعني أمة الدعوة- يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار).
إذاً.. الإيمان بالرسل يتضمن شيئين:
أولاً: تصديقهم فيما أخبروا به، لكن بشرط أن يصح عنهم.
ثانياً: العمل بالشرائع، ولكن هذا لا يكون إلا بشريعة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن شريعته نسخت جميع الشرائع.
قوله: أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ (أولئك) أي: الذين آمنوا بالله ورسله.
(هم الصديقون) أي: البالغون في الصدق مبلغاً كبيراً؛ لأن الصديق صيغة مبالغة، والصدق يكون بالقصد وبالقول وبالفعل، فأما الصدق بالقصد فأن يقصد الإنسان بعبادته وجه الله تبارك وتعالى لا يقصد غيره، فمن قصد بعبادته شيئاً غير الله فقد أشرك ولا يقبل عمله، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحديث القدسي عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه).
الثاني: الصدق في القول، بأن يكون الإنسان صادقاً فيما يخبر به، وقد أثنى الله تعالى على الصادقين وأمر أن نكون معهم، فقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119] وأثنى على المهاجرين الذين هاجروا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون.
وأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالصدق وحث عليه ورغب فيه، فقال: (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً).
أما الصدق بالفعل: فمتابعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن من كان صادقاً فيما يدَّعي من محبة الله ورسوله فليتبع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لقوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31] وقد سمَّى بعض السلف هذه الآية آية المحنة -أي: آية الامتحان- فمن ادعى أنه يحب الله ورسوله قلنا له: اتبع الرسول، فإن اتبعه فهو صادق، وإن خالفه فليس بصادق.
فهذا يقال فيه شجاعة؛ لأنه شجاع يحب أن يقاتل.
(ويقاتل حمية) أي: عصبية لقومه.
(ويقاتل ليرى مكانه): أي: رياءً، كما جاء في اللفظ الآخر (ويقاتل رياء) قال صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) من قاتل ليسترد أرضه المغصوبة فقتاله من باب الحمية، إلا إذا قاتل يريد أن يستردها ليقيم عليها شعائر الإسلام فهذا في سبيل الله، وأما من قاتل؛ لأن هذه أرضه ويريد أن ترد عليه فهذه حمية، ليس له أجر الشهداء إذا قتل.
هؤلاء شهداء (لهم أجرهم عند ربهم) أي: ثوابهم العظيم، كما قال تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:169-171].
قال تعالى: وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ [الحديد:19] ولما ذكر عز وجل أصحاب اليمين وثوابهم ذكر أصحاب الشمال بعد ذلك، فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [الحديد:19] وهذا لأن القرآن مثاني، أي: تثنى فيه الأمور والمعاني، ولهذا تجد القرآن الكريم في الغالب إذا ذكر الله الجنة ذكر النار، وإذا ذكر أولياء الله ذكر أعداء الله، والحكمة من ذلك: ألا يمل الإنسان؛ لأنه كلما تنقل المعنى إلى معنى آخر نشط الإنسان.
وحكمة أخرى: أن يكون الإنسان سائراً إلى الله -أي: متعبداً لله- بين الخوف والرجاء؛ لأنه إذا ذكر صفات المؤمنين أو إذا مرت به صفات المؤمنين قوى جانب الرجاء، وإذا ذكرت أحوال الكافرين غلب جانب الخوف، ولهذا قال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا [الحديد:19] عطف التكذيب على الكفر وهو نوع منه، لكن لأنه أشد، الذي يكفر ولكن لا يكذب أهون من الذي يكذب، فعطف (كذبوا بآياتنا) على (كفروا) من باب عطف الخاص على العام كعطف الروح على الملائكة وهو منهم، قال الله تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا [القدر:4] والروح جبريل وهو من الملائكة.
في الآيات الأولى الترغيب بالأوصاف التي توصل إلى الجنات، لأن الله تعالى لم يذكر لنا هذه الأمور لنطلع عليها فقط، ولكن لنسعى لها، وفيها التحذير من الكفر والتكذيب، لئلا يقع الإنسان في هذا العقاب الأليم أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [الحديد:19].
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وهي حياتنا هذه لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ خمسة أشياء، اللعب بالجوارح، واللهو بالقلوب.
أما اللعب بالجوارح: كأن يعمل الإنسان أعمالاً تصده عن ذكر الله وعن الصلاة.
وأما اللهو بالقلوب وهو الغفلة، وهذا أشد وأعظم غفلة القلب أعاذنا الله وإياكم منها وأحيا قلوبنا وقلوبكم، الغفلة عظيمة تفقدك جميع لذات الطاعات، وتحرم من جميع آثارها، لقوله تعالى: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [الكهف:28] لم يقل: لا تطع من أسكتنا لسانه، قال: (من أغفلنا قلبه) وما أكثر ذكرنا باللسان مع غفلة الجنان، وهذا لا شك أنه ينقص الثواب وينقص الآثار المترتبة على الذكر، من صلاح القلب والاتجاه إلى الله، وإنابته إليه، وغير ذلك.
لَعِبٌ وَلَهْوٌ اللعب في الجوارح، واللهو في القلوب.
وَزِينَةٌ نعم زينة في الملابس، زينة في المراكب، زينة في المساكن، زينة في كل شيء، ولذلك تجد الإنسان ولو كان فقيراً يحب أن يزين بيته بالديكور وغيره، وكذلك سيارته، عنده أزواج إذا أراد الزوج أن يركب سيارة يجعل عليها عقوداً من الأزهار زينة.
وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ كل واحد يفخر على الآخر، أنا من القبيلة الفلانية وأنت من القبيلة الفلانية، قبيلتك لا تساوي شيئاً في المجتمع، وقبيلتي قبيلة رفيعة يتفاخرون.. تفاخر في العلم، يكون هذا عنده علم في الطب وهذا لا يعرف الطب، هذا علمه بالهندسة وهذا لا يعرف فيفخر عليه، وأقبح من ذلك التفاخر بالعلم الشرعي؛ لأن العلم الشرعي يجب على الإنسان إذا اكتسبه ومنَّ الله عليه به أن يزداد تواضعاً وأن يعرف نفسه وقدر نفسه.
وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ ومن ذلك ما يحصل بين الشعراء في بعض الأحيان من التطاول على الآخرين والتفاخر، كما يوجد في بعض الأفراح وبعض المناسبات كما نسمع ذلك.
وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ تكاثر كل واحد يحب أن يكون أكثر أموالاً وأكثر أولاداً، وهذا كقوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:14] هذه حقيقة الدنيا، ومع هذا اللهو واللعب والتفاخر والزينة هل تبقى؟
أبداً لا تبقى لا بد أن تزول، وإذا طال بالإنسان زمان عاد إلى الهرم، وفي هذا يقول الشاعر:
لا طيب للعيش ما دامت منغصة لذاته بادكار الموت والهرم |
كل إنسان إذا فكر في عيشه وأنه في نعيم نقول: فما بعد ذلك؟ إما موت أو هرم، إما أن تموت وتنتهي من الدنيا، وإما أن تهرم وتكون عالة على ابنك وبنتك حتى أهلك يملون منك، ولهذا أشار الله عز وجل إلى هذه الحالة، فقال: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء:23] لأنهما إذا بلغا الكبر اختل تفكيرهما، وصارا يتعبان، فأنت إما أن تموت أو تصل إلى حال الهرم، هذا إن بقيت لك الدنيا وإلا فقد تسلب إياها قبل أن تصل إلى الهرم.
إذاً.. نأخذ من هذا الحذر من فتنة الدنيا، وكم من إنسان أطغته الحياة الدنيا فهلك، وفي الحديث القدسي: (إن من عبادي من إذا أغنيته أفسده الغنى) بل قد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والله ما الفقر أخشى عليكم وإنما أخشى عليكم أن تفتح الدنيا عليكم فتنافسوا فيها كما تنافس فيها من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم) وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام، أكثر الفسقة والكفرة من الملأ والأشراف، اقرءوا القرآن! من يكذب الرسل؟ الملأ والأشراف، اعتبروا بالواقع الآن، أكثر ما يفسد في الدنيا هم الأثرياء والأغنياء الذين فتحت عليهم الدنيا، فليحذرها العاقل اللبيب وليقتصر منها على ما ينفعه في الآخرة.
ثم ضرب الله لها مثلاً في قوله: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد:20].
الجواب: لا بأس، هذا إنسان يقول: يشتغل في قرية بعيدة عن بلده وأنه يأتي متعباً بعد الظهر ويخشى ألا يقوم لصلاة العصر أو أن يشق عليه ذلك مشقة كبيرة، فهل يجمع العصر مع الظهر وينام إلى المغرب؟
الجواب: نعم له ذلك، لأن الجمع أوسع من القصر، القصر ما له إلا سبب واحد وهو السفر، أما الجمع فسببه محدود وليس بمعدود، وهو المشقة، متى وجدت مشقة فاجمع، بل الجمع يجوز لأهون من هذا، إذا خفت أن تفوتك الجماعة فاجمع، ولهذا في أيام المطر يجمع الناس في البلد لماذا؟ لأنه لو لم يجمع فاتته الجماعة، وإلا لو انصرف الناس من صلاة المغرب مثلاً وقيل لهم: صلوا في بيوتكم؛ لأنه مطر فاتتهم صلاة الجماعة، فمن أجل تحصيل الجماعة جاز الجمع.
إذاً.. الجمع جائز للمشقة أو لمصلحة تتعلق بالصلاة. أما مسألة السفر هذه فلا أراه سفراً؛ لأن كل الناس لا يرونه سفراً.
الجواب: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً [الكهف:50] أصوات الفنانين لا يصلح أن تقلدها، ولا تستمع لهم، ولا خير فيهم، وكذلك أصوات الحيوانات، ماذا يقلد الإنسان؟ صوت كلب ينبح، أو حمار ينهق.
السائل: لا. يقلد عصفوراً.
الشيخ: عصفور! حتى العصفور، ماذا يقول العصفور؟ قلده وأسمعنا.
على كل حال لا يصلح تقليد الحيوان؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يلحق الآدمي بالحيوان إلا في مقام الذم.
السائل: يا شيخ أسد الله ؟
الشيخ: هذا يضرب مثلاً بالشجاعة معروف هذا أسلوب عربي.
الشيخ: ما معنى: "وصلان"؟
السائل: أي: يحتضر، فتركت الفطور ورجعت إليه فجئت وهو لا يدري من يروح ومن يجيء، فاستمر في هذه الحالة إلى ليلة العيد وليلة العيد توفي.
الشيخ: مِن متى؟
السائل: رمضان صامه كله إلى يوم الثامن عشر وهو صائم، لكن غلب عليه المرض من بعد يوم الثامن عشر، فمات ليلة العيد، فهل علي شيء أنا عندما طلب الغداء؟
الجواب: لا ليس عليك شيء، وعليكم أن تطعموا عن كل يوم مسكيناً في الاثني عشر يوماً.
الجواب: لا يجوز هذا، الواجب إعفاء اللحية وتركها، وقص الشارب سنة مؤكدة، ولهذا جاء في الحديث: (من لم يأخذ من شاربه فليس مني) فذهب بعض أهل العلم إلى وجوب الأخذ من الشارب، وقال: إنَّ ترك الأخذ من الشارب من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تبرأ منه، وممن صرح بذلك ابن حزم رحمه الله، قال: إن إعفاء اللحية والأخذ من الشارب فرض.
الجواب: إذا رجعنا إلى كلام القاموس يقول: إن اللحية شعر الوجه والخدين، فأطلق قال: شعر الوجه، وهذا يقتضي أن تكون العنفقة وهي التي بين الشفة واللحية من اللحية.
الجواب: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] الواجب إنكار كل منكر على كل فاعله، لكن فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] لأن كون الإنسان مثلاً في مجتمع أكثرهم حالقو لحاهم ليس من المستطاع أن الإنسان يمسك كل شخص ويقول: هذا حرام، لكن اتق الله ما استطعت، ربما إذا جمعك مجلس مع أحد من هؤلاء تنصحه.
الجواب: سمعت كلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) بالنسبة للشيشان هل طلبوا منا أن نأتي إليهم؟
لأننا يا إخواني إذا لم يطلبوا منا هذا صار الناس عبئاً عليهم، لأن كل واحد يحتاج إلى نفقة، ويحتاج إلى سلاح، ويحتاج إلى مكان، فنكون عبئاً عليهم، ثم ثانياً ربما يقع هذا المجاهد الذي ذهب من غير البلد للشيشان ربما يعثروا عليه جنود الروس، فيقولون: إذاً.. هذه الدولة أو الجمهورية تئوي أهل الإرهاب فيكون في ذلك ضرر، إنما حق إخواننا الشيشان علينا الآن أن ندعو الله عز وجل لهم في كل وقت؛ لأن سقوط جمهورية إسلامية على يد ملاحدة كفرة طُردوا منها بالأمس فيأتوا اليوم منتصرين ليس هيناً، ثم إن انتصارها أيضاً نواة لانتصار الجمهوريات الأخرى التي قد استعمرها الروس نسأل الله أن ينزل في قلوبهم الرعب، وأن يخذلهم ويردهم من حيث جاءوا.
أيضاً: يمنع سريان الإسلام في تلك الجمهوريات فالمسألة خطيرة جداً، وليت المسلمين عرفوا قدر هذه النكبة وقاموا مثنى وفراداً ينكرون على الروس وينكرون على دول الغرب؛ لأن دول الغرب نصرانية كافرة، والروس ملاحدة كفار، والله عز وجل يقول: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:73] لا تقل: هؤلاء أهل كتاب بدعواهم وهؤلاء ملاحدة كلهم سواء، كلهم حرب على الإسلام، والدليل على هذا تيمور الشرقية جزء من إندونيسيا لكن غالبها نصارى، لما حصل ما حصل في الانتخابات ثارت الأمة الغربية كلها بأسطولها الجوي والبحري والأرضي من أجل تحقيق انفصال هذا الجزء عن إندونيسيا المسلمة، انظر كيف؟ الشيشان الآن دولة مستقلة تضرب بها الروس، الآن تقود الفتيات إلى الفجور، والفتيان إلى المذابح، ولم يتكلموا بشيء، ولكن نحن لا نشرح على الكفار. الكفار كفار، الذي نشرح عليهم هي هذه الدول الإسلامية أين هي عن هذه؟
ولهذا كان الواجب على الدول الإسلامية -أقولها وأرجو الله أن يصل كلامي إلى أسماعهم- أن ينفروا خفافاً وثقالاً إلى نصرة هؤلاء ولو بالكلام، أما السكوت هكذا ولا كأن شيئاً كان، فهو والله مزعج، وليس حزننا أن تهزم دولة مقابل دولة، حزننا أن هذا هزيمة للإسلام، لأن الروس ما تسلطوا هذا التسلط إلا خوفاً من الإسلام، والدول الغربية -قاتلها الله وأذلها وأخزاها- ما سكتت عن الروس أن تفعل ما تفعل؛ إلا أنها ترى في ذلك القضاء على الإسلام مع أننا لا ندري لأني أسمع أن اليهود يساعدون الروس على هذا القتال، ولا يستبعد، اليهود أعداء واضحون.
أقول: علينا الآن أن ندعو الله عز وجل، في السجود، وبين الأذان والإقامة، وفي آخر الليل، ويوم الجمعة إذا جاء الإمام حتى أثناء الصلاة أن الله ينصر إخواننا الشيشان ويذل هؤلاء الكفرة والله المستعان.
الشيخ: لكن كيفية البيع الذي يكون على هؤلاء؟
السائل: هم يملكون سيارات.
الشيخ: السيارات عندهم موجودة؟
السائل: نعم في معرض يقولون: إنه تابع لهم.
الشيخ: لا بأس، فمثلاً يقول: اشتر من المعرض سيارة نقداً بخمسين ألفاً ومؤجلاً بسبعين ألفاً مثلاً ولكن نريد أن نرهن الراتب بحيث يحول علينا من أجل أن نخصم القسط؟
السائل: نعم.
الشيخ: أقول: هذا جائز ولا شيء فيه.
السائل: ألا يكون معاونة لهم على الإثم؟
الشيخ: إذا كنت لا تريد أن تعاونهم فلا تشتر منهم أصلاً.
السائل: لكن الحكم أنه جائز.
الشيخ: الحكم جائز، الرسول عامل اليهود قبل هديتهم وباع لهم واشترى منهم.
السائل: الربا يكون للمسلمين يعني اليهودي كافر أم مسلم؟
الشيخ: الربا حرام على المسلم وغير المسلم.
السائل: لكن نقول: الكافر لا ذنب له.
الشيخ: بل يؤاخذ.
السائل: لكن هل يعاقب؟
الشيخ: يعاقب لا على الحرام فقط بل يعاقب حتى على ثيابه التي يلبس، وأكله الذي يأكل، ألم تسمع قول ربك: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا [المائدة:93] والذين لم يؤمنوا ولم يعملوا الصالحات عليهم جناح أم لا؟ عليهم جناح.
ألم تسمع قول ربك قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32] وغير الذين آمنوا ما هي لهم في الدنيا حرام عليهم، وما هي بخالصة يوم القيامة سيجزون عليها.
الآن لا تظن أن الكافر يشرب شربة إلا ويحاسب ويعاقب عليها، ولا يأكل لقمة من العيش إلا ويحاسب عليها.
السائل: بالنسبة للبنوك لا يملكون السيارات، يقولون: اذهب إلى المعرض وهات ثمن السيارة؟
الشيخ: هذه لا تجوز هذه حرام، مثلاً: يأتي إنسان إلى شخص .. تاجر .. بنك أو غيره، يقول: أنا أريد سيارة وأنا ما عندي مال قال: اذهب انظر المعرض الذي تريد وأعطني إياه وأنا أشتريها من المعرض ثم أبيعها عليك، هذه حرام، وهذا أشد من كونه يقول: خذ هذه خمسين ألف ريال بستين ألفاً، لأنه إذا أعطاه خمسين ألف ريال يشتري بها السيارة بستين ألفاً إلى سنة، هذا رباً صريح أم لا؟ بلى. وإذا قال: اذهب اختر السيارة وأنا أشتريها وأبيعها عليك؟ هذه حيلة، وخداع، وفعل الذنب مع الخداع أشد من فعله الصريح لسببين:
السبب الأول: أن هذا المخادع -والعياذ بالله- كالمستهزئ بآيات الله، كأن الله لا يطلع على نيته.
السبب الثاني: أنه ما دام يعتقد أن هذا حلال سوف يستمر عليه، لكن الصريح يفعله الإنسان وهو خجلان من الله .. مستحٍ من الله، يترقب أول ساعة تأتيه يمن الله عليه بالتوبة.
وأضرب لكم مثلاً بشيء أكبر من هذا، أيهما أعظم ذنباً: كافر يعلن الكفر أم منافق؟ المنافق أعظم، لأن المنافق كافر ومخادع والكافر صريح.
إذاً.. هؤلاء الذين يقولون: اذهب اختر السيارة ونحن نشتريها ونبيعها منك أملى عليهم الشيطان كلمة اغتروا بها، قالوا: إن الذي يريد أن يشتريها ثم يبيعها، لو أن الرجل ترك الشراء بعدما اشتراها التاجر أو البنك كما سأل السائل ترك الشراء فإنه لا يلزمه بها، قالوا: إذا كان لا يلزمه معناه ما صار بيع قبض، فنقول: الأعمال بالنيات، ومتى يأتي شخص يترك الشراء؟! الرجل اختار السيارة هو الذي اقترحها يريد أن يترك ما هو بتارك، وكلمة لو ترك ما خالفناه ما هو بصحيح، لأننا سمعنا أنه يكتب اسمه في القائمة السوداء بمعنى أنه لو أراد المعاملة الثانية لا يعامل.
المهم على كل حال أرجو منكم أن تشيعوا بين الناس أن هذه معاملة حرام، ووقوع في الربا، ووقوع في المخادعة.
الجواب: نعم صحيح أنا أُجيز التصوير بالفيديو، وليس عندي فيه إشكال، وأجيز الخبز يأكله الواحد إذا أراد أن يتغدى وليس عندي فيه إشكال، سمعت يا أخي؟
لكن لو أن أحداً أكل الخبز يستعين به على المحرم؟ لا يجوز، وإذا أجزنا التصوير هل معناه أننا نجيزه في كل شيء؟
السائل: هذا فهم الناس يا شيخ.
الشيخ: رد عليهم، قل لهم: الذي أباح هذا يقول: هو كغيره من المباحات إذا اشتمل على المحرم صار حراماً، ولهذا نحن ننهى ونشدد في تصوير حفلات الزواج، لأنه تخرج النساء بالكاميرا وهذا محرم، بل أنا أمنع من تصوير النساء مطلقاً في الفيديو؛ لأننا لا نأمن أن تكون هذه المرأة جميلة، وكل واحد يعرضها على الناس يقول: انظر! ماذا تقول في هذه المرأة؟ هذه ملكة الجمال، قال: لا، هناك ملكة جمال أحسن منها، أين هي؟ انظر الفيديو الذي عندك، وهكذا يتلاعبون بالنساء، فهذا ممنوع.
السائل: تصوير الأموات يا شيخ.
الشيخ: اترك تصوير الأموات، هذا إن كانوا يحفرون القبر ويصوروا، هذا لا يجوز.
السائل: أقصد قبل موته؟
الشيخ: هذا مصور في حياته، لكن قل: عرض صورته بعد موته ليس تصوير الأموات، لا أعلم فيها بأساً إلا إن خيفت الفتنة، كقوم نوح فهذا يمنع، لو خيف مثلاً أنه إذا صور هذا الشخص العابد أو العالم أنه يبقى تذكاراً عند الناس، ويدعي أنه كلما كسل في العبادة ذهب ينظر صورته، هذا حرام بلا إشكال ويجب إتلافها فوراً.
أما إذا صارت لا يأبه بها الإنسان ولا يهمه، فلا شيء فيها.
الشيخ: يعني التبادل قصدك؟
السائل: إي نعم.
الشيخ: إذا سمحت الجهات المسئولة فلا بأس؛ لأن هذا تنازل عن حق معلوم، والجهة المسئولة التي تطالب بالحق سامحة فلا حرج.
الجواب: هذا بارك الله فيك مبني على مسألة: هل يجوز أن تباع السلع في محلها أم لا؟
بعض العلماء يقول: يجوز إذا قبضها المشتري ولو بقيت في المكان، وبعض العلماء يقول: هذا خاص بالطعام يعني: البر والرز وما أشبه ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من باع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه) لكن الأقرب أنه عام، وأنه لا يجوز للإنسان أن يبيع السلعة في مكان شرائها، خصوصاً إذا كان فيها فائدة، فمثلاً: اشتراها بألف وباعها بألفين، وقال: إن الحديث ورد على هذا لئلا يندم من البائع الأول ويصير في قلبه شيء على المشتري، فتقول له نفسه: هذا الرجل خدعك، اشتراها بألف ثم انظر كيف باعها بألفين! أو بألف ومائة فيكون في قلبه شيء، أما إذا باعها بثمن مثلها أو بأقل قالوا: فلا بأس ولو في مكانها، ولا شك أن الورع وتمام التقوى أن لا تبيعها حتى تئويها إلى رحلك.
الشيخ: هل الأولاد كبار أم صغار؟
السائل: نعم كبار يا شيخ.
الشيخ: هل سمحوا بهذا؟
السائل: إلى الآن هو على قيد الحياة.
الشيخ: أقول: هل سمحوا، أي: هل قال لهم: يا أولادي أنا أعطيت أخواتكم كذا وكذا هل تسمحون أم لا؟
السائل: سمحوا.
الشيخ: عن طيب نفس؟
السائل: نعم.
الشيخ: ما فيه شيء.
السائل: فما حظ الأولاد في التركة.
الشيخ: لا إذا مات تقسم التركة حسب فرائض الله.
الجواب: الزهد ليس ترك البيع والشراء، لأن الله عز وجل أمر بالبيع والشراء، فقال عز وجل: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ [الجمعة:10] أي: صلاة الجمعة فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً [الجمعة:10] مع أنه قال قبل ذلك: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] إذاً.. بم نبتغي من فضل الله إذا قضيت الصلاة؟ بالبيع والشراء، فالبيع والشراء ما فيه بأس، الزهد: هو ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع: ترك ما يضر في الآخرة، فإذا باع الإنسان واشترى بنية أن يبتغي من فضل الله، بنية أن يستغني بما أعطاه الله عن سؤال الناس وتكففهم، بنية أنه ينفق على أولاده وعلى أهله، بنية أنه يتصدق مما أعطاه الله، صار هذا زهداً، لا تظن الزهد أن يلبس الإنسان ثياباً رديئة ومشلحاً ويركب على سيارة رديئة ويترك مثلاً البيوت التي تناسب حاله، الزهد هذا كما قال شيخ الإسلام أو ابن القيم : ترك ما لا ينفع في الآخرة.
فاتركه يبيع ويشتري بهذه النية الطيبة، أن يكف نفسه عن الناس، وأن يقوم بنفقة من ينفق عليه، وأن يتصدق.
الشيخ: ما معنى شراء السيارة بالتقسيط المنتهي بالتمليك وبمجرد ما يشتريها يملكها؟
السائل: بالإيجار.
الشيخ: طيب قل لي: الإيجار المنتهي بالتمليك، كيف؟
السائل: يعني تكون باسم الشركة ولا تكون باسم المشتري حتى ينتهي من جميع الأقساط ثم ينقلونها بعد ذلك باسمه.
الشيخ: معناه بيع معلق.
السائل: نعم.
الشيخ: البيع المعلق لا يجوز ولكني أقول لك: المسألة الآن تحت أنظار هيئة كبار العلماء، وهي محل البحث، وبعد أن يبحثوا إن شاء الله يتبين، يفتون بما يرشدهم الله إليه إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطئوا فلهم أجر. انتظر حتى تخرج الفتوى عن قريب إن شاء الله.
السائل: هو قد اشترى يا شيخ؟
الشيخ: يحاول أن ينقد قيمتها الآن.
السائل: لا يستطيع.
الشيخ: يحاول أن يلغي العقد.
السائل: يوجد بينهم عقد.
الشيخ: لا يمكن أن يلغيه يقول: تعال يا أخي أجرني السيارة إجارة لا تنتهي بالتمليك؛ لأن هناك فرقاً بين الإيجار وبين الملك، الآن مثلاً: إذا صارت السيارة تحت يدي بالتأجير وتلفت على من تتلف؟ على مالكها، إذا لم يحصل مني تعدٍ ولا تفريط ما علي منها، لو كانت ملكه، تلفت علي، لأنه قد أعطى الرجل ثمنها كاملاً سواء تعديت أو ما تعديت فرطت أو ما فرطت.
الشيخ: يعني لا يمسك البول، إذا كان هذا الرجل لا يمسك البول كلما جاءه البول نزل عليه أن يصلي ولو نزل منه البول.
السائل: لا. بعض الأحيان يمكن أن يتحمل وبعض الأحيان ينـزل منه.
الشيخ: يمكن يتحمل ويمسك البول؟
السائل: نعم.
الشيخ: يمسك البول ويصلي ويخفف الصلاة حتى لو كان مع الإمام ينفصل عن الإمام ويسرع بالصلاة وينتهي.
ولما قلنا: وينتهي، انتهى المجلس، وإن شاء الله تعالى إلى مجلس قادم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر