أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثامن والعشرون بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس في كل أسبوع، وهذا الخميس هو الخامس والعشرون من شهر ذي القعدة عام (1420هـ) نتكلم فيه عما يناسب هذا الوقت وهو الأضحية.
وذلك أن المسلمين يتقربون إلى الله تعالى في هذه الأيام بالهدي إن كانوا حجاجاً، وبالأضاحي إن لم يكونوا حجاجاً، فمن حكمة الله عز وجل أن تكون الأرض معمورة للتقرب إلى الله بالذبح إما هدياً وهذا بالنسبة للحجاج، وإما أضاحٍ وهذا بالنسبة لغير الحجاج.
قال العلماء: وإذا كان لا يحسن الذبح فليوكل وليشهد الذبح ويسمي الذابح.
ويفوت من المصالح أيضاً: أن الإنسان لا يأكل منها وقد أمر الله بالأكل منها وقدمه على إطعام الفقير فقال: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28] وقد قال كثير من العلماء: إن الأكل من الأضحية واجب لأن الله أمر به وقدمه على إطعام الفقير، فكما أن إطعام الفقير واجب من الأضحية فالأكل منها واجب، وهذا قول له حظ من النظر.
أما ما يخشى من المخاطر فهو أن هذه الدراهم قد تقع في يد أناس لا يعرفون الشروط فيضحون بالصغير والكبير، والسليم والمعيب، وربما تكثر الضحايا في المنطقة فلا توجد المواشي، قد تكون الدراهم التي وصلت ليضحى بها تبلغ خمسة آلاف .. ستة آلاف، والقرية ليس فيها ذلك العدد من المواشي، فتبقى متعطلة، وقد يكون المنفذون للذبح قليلين والضحايا كثيرة، فيعجزون عن التضحية في أيام الأضاحي فتخرج الأيام وهم لم يضحوا، فالمخاطر كثيرة، لذلك نقول لإخواننا المسلمين عموماً: إياكم أن ترسلوا بالدراهم ليضحى بها في أي بلاد كانت ضحوا ببلادكم وأطعموا وأرسلوا إن شئتم.
ثم إخواننا هناك ماذا تغني عنهم نتفة لحم، يأكلونها يوماً أو يومين، ألا يكون من الأفضل أن ترسل إليهم الدراهم يشترون بها القمح والثياب والفرش وغيرها، أو ترسل إليهم أطعمة أو خياماً أو تحفر لهم الآبار هذا هو الذي ينبغي، أما أن نفسد هذا النسك العظيم ونخرجه من بلادنا إلى بلاد أخرى فليس ذلك من الشريعة ولا من المستحب بل ينبغي التحذير منه والحذر منه.
- الشرط الأول: أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم (الضأن والمعز) فإن ضحى بغيرها ولو أكثر منها قيمة لم تقبل، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
- الشرط الثاني: أن تبلغ السن المعتبر شرعاً، وهو في الإبل خمس سنوات، وفي البقر سنتان، وفي المعز سنة، وفي الضأن ستة أشهر، فما دون ذلك لا يضحى به ولو ضحي به لم يجزئ، ما دون هذا السن لا يضحى به ولو ضحي به لم يقبل، ودليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة -أي: ثنية- إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) والجذعة من الضأن ما له ستة أشهر.
- الشرط الثالث: أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء، وأصلها قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء التي لا مخ فيها) هذه أصول العيوب التي تمنع من الإجزاء، والحديث نص فيها، أربع لا تجوز في الأضاحي، ما عدا ذلك من العيوب إن كان مثلها أي مثل هذه العيوب أو أولى منها فإنه لا تجزئ التضحية بما تعيَّب بها، وإن كانت دون ذلك أجزأت، لكن كلما كانت الضحية أكمل فهي أفضل.
وعليه: لو ضحى بمكسورة القرن كله أو أكثره فالأضحية مجزئة، أو بمقطوعة الأذن فالأضحية مجزئة، أو بعوراء لا تبصر بعينها لكن عورها ليس ببين، يعني: من رآها لا يظن بأنها عوراء، أو بعرجاء لكن ليس عرجها بيناً، أو بهزيلة قليلة اللحم والشحم لكن فيها مخ أجزأت، كل هذه تجزئ لأنها ليست من العيوب المنصوص عليها ولا بمعنى العيوب المنصوص عليها.
- الشرط الرابع: أن تكون في الوقت الذي يضحى به، فإن ضحى قبل دخول الوقت فهي شاة لحم، وإن ضحى بعد الوقت فهي شاة لحم، إلا لعذر، كالنسيان وضياع البهيمة فلم يجدها إلا بعد فوات أيام النحر فإنه يضحي بعد فوات الأيام ولا بأس.
فما هي الأيام التي يضحى بها؟
الأيام التي يضحى بها يوم العيد عيد الأضحى من بعد الصلاة واليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، فالأيام إذاً كم؟ أربعة، كلها أيام للذبح ليلها ونهارها سواء، وإن كان النهار أفضل لأنه أتم للتضحية والتوزيع، فالشروط إذاً أربعة.
وكون الشارع يجعل لها شروطاً معينة محددة يدل على أنه ليس المقصود هو اللحم، المقصود عبادة موصوفة بأوصاف معينة وشروط معينة ولذلك فرق بينها وبين المقصود بها اللحم، واسمع إلى حديث أبي بردة بن نيار رضي الله عنه حين ذبح أضحيته قبل الصلاة، فلما خطب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (من ذبح قبل الصلاة فلا نسك له، قال
لو ضحى في اليوم الرابع عشر أتجزئ أم لا؟ لا تجزئ لأنها في غير الوقت بل تكون شاة لحم، إلا إذا كان لعذر كإنسان نسي أن يضحي ثم ذكر يعني قد عين الشاة وجعلها أضحيته لكن نسي ثم ذكر بعد تمام أيام التشريق فليذبحها وتكون أضحية، أو إنسان جهل، إنسان في بادية ولم يعلم عن دخول الشهر وظن أن اليوم الرابع عشر هو الثالث عشر ثم ذبح فلا بأس تجزؤه لأنه جاهل، أو إنسان عين الشاة أضحية فهربت ولم يعثر عليها إلا في اليوم الرابع عشر فليذبحها ولا حرج، أو سرقت ثم لم يجدها إلا في اليوم الرابع عشر فليذبحها ولا حرج، لماذا؟ لأنه معذور، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الصلاة: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك).
ولكن كيف يكون أكل الأضحية؟
نقول كما قال الله عز وجل: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28] ولم يحدد الله شيئاً، تأكل النصف وتطعم النصف للفقير لا بأس، تأكل الثلث وتطعم الثلث صدقة والثلث الآخر هدية لا بأس، المهم أن تعطي الفقير منها على كل حال والباقي أنت فيه حر تصرف كما شئت إلا أنك لا تبيع شيئاً منها، لأنك أخرجتها لله، وما أخرج لله لا يمكن أن يعتاض الإنسان عنه شيئاً من الدنيا.
المسئول: الجلد.
الشيخ: هل الإنسان يأخذ من جلده؟
المسئول: الشعر.
الشيخ: لا. يقول: (لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشرته).
المسئول: لا أدري.
الشيخ: النبي صلى الله عليه وسلم كلامه جد، فكيف قال: ولا من بشرته؟ من يعرف؟
مسئول: تقصير شيء من جلده.
الشيخ: كيف يقطع شيئاً من جلده.
المسئول: إذا كان فيه ألم فيجوز قطعه.
الشيخ: ما وصلنا إلى متى يجوز، لكن كيف يتصور أن يقطع جلده؟
المسئول: يعني إذا أصابه شيء واحتاج إلى قطع.
الشيخ: لا. إذا احتاج هذا فلا بأس جائز.
المسئول: القشرة الزائدة على سطح الجلد.
الشيخ: نعم.
المسئول: بعض الناس حافة القدم يكون فيه جلد زائد، فيقشرونه ويأخذون الزائد.
الشيخ: هو على كل حال أمر متصور، أحياناً كما قال الأخ: توجد قشرة منجرحة من قبل وجفت وصار عليها شيء متجمد لا تأخذه، هذه واحدة.
الثاني: بعض الناس يكون في أقدامه ولا سيما في أعقابه شقوق فيبدأ يقشرها، فلا تفعل، أما لو انسلخ شيء من الجلد وآذاك فلا بأس أن تقص ما يؤذيك؛ لأن هذا لحاجة، وهذا الحكم أعني النهي عن أخذ الشعر والظفر والبشرة خاص بمن يضحي فقط، أما من يضحى عنه فلا بأس أن يأخذ، وعلى هذا فعلى الإنسان إذا أراد أن يضحي عنه وعن أهل بيته فالحكم يتعلق به هو نفسه، أما أهل البيت فلا حرج عليهم أن يأخذوا من ذلك شيئاً، خلافاً لمن قال من العلماء: إن من يضحى عنه كمن يضحي، أي يتجنب الأخذ من هذه الأشياء، فإن هذا القول ضعيف لأن الحديث صريح: (إذا أراد أحدكم أن يضحي) ولم يقل: أو يضحى عنه.
ثم إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يضحي عنه وعن أهل بيته ولم ينههم عن ذلك.
فعليك.. -أخي المسلم- عليك بكثرة الأعمال الصالحة في هذه الأيام العشر من قراءة القرآن والذكر والصدقة والصيام، وأظنكم ترون ما أرى من غفلة الناس عن فضل هذه الأيام، حتى أنك ترى الناس تمر بهم هذه الأيام لا يحدثون شيئاً، بينما الناس في عشر رمضان يكثرون من الأعمال الصالحة، والمساجد فيها القارئ وفيها الداعي ويتهجدون في الليل، لكن هذه الناس في غفلة عنها، فعليكم -طلبة العلم- أن تبينوا فضلها للعامة، والعامة يحبون الخير ولكن قد غفل الناس عن تنبيههم فتجدهم لا يختلف عملهم فيها عن عملهم فيما قبلها، حثهم على الأعمال الصالحة ولا سيما التكبير في هذه الأيام: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، أو تثلثوا: الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. ولله الحمد، يجهر بها الرجال في المساجد والأسواق والبيوت وتسر بها النساء.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا جميعاً اغتنام الأوقات بالأعمال الصالحات، وأن يجنبنا وإياكم منكرات الأخلاق والأعمال والأقوال، إنه على كل شيء قدير، وإلى الأسئلة.
الجواب: أنت فسرت أقرب الطرق، أنت تجاهد نفسك، جاهد نفسك وصبرها على طلب العلم بلزوم العلماء وحفظ كتاب الله عز وجل، ثم ما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كـعمدة الأحكام ، ثم في كتب الفقهاء مع ملازمة الشيوخ، ورجاء الثواب والرفعة في الدنيا والآخرة، إذا كان التجار تجار المال يكدحون ليلاً ونهاراً لزيادة أموالهم، فطالب العلم يطلب ما هو أشرف من المال، فليكدح ليله ونهاره حتى ينال ما وعد الله به في قوله: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11].
الجواب: صحيح، هذا من نعي الجاهلية، الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، لأن هذا نعي، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النعي، فكل ما يكون سبباً لتهييج الأحزان وتجديدها فإنه داخل في هذا، فوصيتي: أن تتصل بهذا الرجل وتقول: إني أسلم عليه، ولينزع هذا من بيته ومن طاولة مكتبه، وليستعن بالله على الصبر؛ لأنني أخشى أن هذا العمل مع كونه قريباً من الإثم أخشى أن يحرم الصبر.
السائل: إذا كان ما علقها صور السيارة فقط؟
الشيخ: أبداً أبداً وليتناسها ويعرض عن هذا، كأن شيئاً لم يجر والحمد لله كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:26-27].
الجواب: الظاهر أنها حسب العمل والدرجة؛ لأنه لا يستوي أبو بكر رضي الله عنه مع مؤمن ناقص الإيمان.
الجواب: له أن يوصي بثلث ماله فيما يرى من أضحية أو عمارة مساجد أو طبع كتب نافعة أو ما أشبه ذلك، المهم أن الله تصدق علينا بثلث أموالنا بعد موتنا نوصي بها بما شئنا من عمل البر.
السؤال: رجل أناب آخر في الحج ثم هرب بالمال ..
الشيخ: من الذي هرب؟
السائل: المناب.
الشيخ: أين ذهب؟
السائل: هرب بالمال يا شيخ!
الشيخ: أين ذهب؟
السائل: لا يعلم أين ذهب.
الشيخ: بعد أن أدى الحج؟
السائل: لا قبل ذلك.
الجواب: حسناً إذا كان حجه واجباً ينيب غيره، ويسعى في طلب هذا الهارب.
الجواب: لا، يقول: رجل حاج توفي بعد أن وقف بـعرفة فهل يتمم عنه الحج، أم يحج عنه في السنة الأخرى؟
الجواب: لا، لأن هذا أدى الواجب عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة قال لهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) ولم يقل أتموا عنه.
الجواب: لأن قوله: (رميت بعدما أمسيت) هذه قضيته واقع يعني، قضية عين يسأل عنها، وليس هنا سنة تدل على أنه إذا غابت الشمس انتهى وقت الرمي، والأصل بقاء الوقت، كما قلنا في الوقوف بـعرفة يمتد إلى الفجر.
السائل: يا شيخ! عند الرجوع إلى اللغة في المساء أنه يمتد إلى قدوم الليل.
الشيخ: نعم لكن هل قال الرسول لا يرمين أحد بعد المساء؟ هذا الرجل يحكي قضية وقعت له: بعدما أمسيت، قال: لا حرج. فدل هذا على أن هذه العبادة لا تختص بالنهار، وإذا لم تختص بالنهار فالليل كله وقت.
الشيخ: من هم جماعة التبليغ ؟
السائل: هؤلاء الذين يطلع عليهم الإخوان يا شيخ!
الشيخ: من هم الإخوان؟
السائل: هذا يا شيخ! والله! ما أدري أيش أشرح لك.
الشيخ: اشرح لي كي أجيب عليك.
السائل: هذا يا شيخ! عندهم مثل: الخروج يمشون بين الناس يدعون إلى الله.
الشيخ: الله أكبر سنة رسول الله.
السائل: سنة رسول الله، لكن عندهم الخروج في الشهر ثلاثة أيام يذهبون إلى مدينة أخرى يجتمعون مع أناس يحيون سنناً، فعارضهم أناس وقالوا: هذه بدعة من أين أتيتم بنظرية الخروج هذه، هذه لم ترد عن الرسول، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
الشيخ: نعم!
السائل: يعني يقول: هذه بدعة كيف أنتم أتيتم من عندكم.
الشيخ: نعم!
السائل: وهناك مؤيدون لهم ومعارضون، وليسوا موجودين في المنطقة.
الشيخ: قل: وهناك متوقفون، لكي يكون وسطاً وطرفين.
السائل: وهم في كل منطقة نشيطون، وقد التزم على أيديهم أناس كثيرون، وفي وقت العصر يجتمعون ويشكلون مجموعات، مجموعة زيارة للمنطقة الفلانية، وأنتم عندكم مجموعة زيارة للمنطقة الفلانية.
الشيخ: ترتيب؟
السائل: ترتيب يا شيخ!
الجواب: أما المشي في دعوة الناس فهذا نبيك صلى الله عليه وسلم كان في أيام موسم الحج يدور على الناس في منازلهم ويدعوهم، هذه واحدة، وهاجر إلى المدينة للدعوة، لأن أهل مكة كما هو معروف آذاه أهلها ومنعوه من الدعوة فأمر بالهجرة إلى المدينة لتتم الدعوة، إذاً هذه ما فيها شيء.
السائل: إذاً: ما في ذلك بدعة يا شيخ؟!
الشيخ: اصبر يا رجل! نأخذها قليلاً قليلاً، كما أعطيتنا إياها.
وأما ترتيبها بثلاثة أيام أو بأربعين يوماً أو بستة أشهر أو ما أشبه ذلك فهم يقولون: نحن لا نقول إن هذه سنة نقول هذه ترتيب وسيلة للاستقامة في الدعوة، والوسائل ما لها حصر ألست الآن أخطب بـ(الميكرفون)؟
السائل: نعم.
الشيخ: حسناً هل الرسول خطب بـ(الميكرفون)؟ لم يكن موجوداً أصلاً، لكن لم يقل: لا تخطبوا بوسيلة، وإذا كان الرسول لا يعلم أنه سيكون (ميكرفون) فالرب عز وجل يعلم، فالوسائل وسائل العبادات ليست مقصودة لذاتها إنما هي لغيرها، فهم يقولون: نحن نقول: اخرج ثلاثة أيام، من أجل أن يبتعد عن الدنيا ولذاتها، ونريد أن نركز على أن نشغل وقته بالذكر والتسبيح وقراءة القرآن وما أشبه ذلك.
وأما ترتيب اتجاههم كل يذهب إلى جهة فهذا أيضاً لا بأس به؛ لأن كونهم يجتمعون كلهم في جهة واحدة أو كونهم يتفرقون، أيهما أولى؟ أجيبوا يا جماعة.
الحضور: يتفرقون.
الشيخ: كونهم يتفرقون أولى، لأنه أوسع انتشاراً؛ ولأنهم إذا اجتمعوا جميعاً وهم مثلاً أربعون رجلاً أو خمسون رجلاً لم يتكلم إلا واحد أو اثنان أو خمسة، فتوزيعهم على الجهات ليس فيه بأس، وهاهو النبي صلى الله عليه وسلم يرسل واحداً إلى اليمن وواحداً إلى جهات أخرى لدعوة الناس، إذاً: ما فيها بأس.
إذا رجعنا إلى التأثير: فاعتقادي أنه لم يؤثر أحد من أي جهة أو من أي حزب أو من أي طائفة مثل تأثيرهم، لهم تأثير عجيب، كم من ضال اهتدى على أيديهم وكم من فاسق اعتدل، بل وكم من كافر أسلم، إنه يقال: إنهم تهبط الطائرة في مطار موسكو بلد الإلحاد ثم يؤذن المؤذن ويقيمون الصلاة جماعة أمام الناس، من يقدر على هذا؟ ويحجب الله عنهم السوء، فهم لهم تأثير ولا شك في تأثيرهم، وهناك قصص عجيبة أخبرنا عنها.
حدثني من أثق به وتوثيق الثقة مقبول عند علماء الحديث يقول: إن رجلاً كان له ابن أخت من أفسق عباد الله وأقبحهم منظراً .. سكر وبلاوٍ .. وعدم صلاة، وإذا رأيت وجهه كرهته، فغاب يوماً من الأيام لمدة نصف شهر أو أقل أو أكثر المهم مدة، يقول: فقلنا فيما بيننا: لعل الله سلَّط عليه أحداً من هؤلاء الطائشين دهسه وتركه، انظر إلى هذا الحد، يقول: فبينما نحن كذلك إذا بالرجل يقرع الباب بعد الظهر، يقول خاله: وكنت في مكتبتي فقلت في نفسي: من هذا الغشيم الذي يأتي بعد الظهر الناس ما بين قائل ومتردٍ وما هذا؟
فقلت له: ادخل، وإذا الباب مغلق فلم يستطع أن يدخل، فجعل يقرع الباب وأقول: ادخل، فيقول: الباب مغلق، يقول: فقمت ففتحت الباب وإذا هذا الرجل النير الوجه الملتحي الذي أحببته قلت: وماذا عندك ولماذا تجيء -يا أخي- في هذا الوقت؟! لو جئت بوقت مناسب نجلس معك!
قال: أنا ابن أختك فلان بن فلان، فقلت له: كذبت، ابن أختي حليق، وجهه مكفهر، لا تحب العين أن تراه، لست هو فأنكرته!
فقال لي: بل أنا ابن أختك، وإذا شئت أن أعد عليك بيتك الآن حجرة حجرة عددتها لك، إذا دخلت رحت من اليمين إلى الحجرة الفلانية، ومن اليسار الحجرة الفلانية، ومن الأمام المكان الفلاني!!
فقلت: أنت هو؟
قال: أنا هو.
قلت: ادخل، وما الذي قلبك من تلك الحال إلى هذه الحال؟ والرجل -هذا الخال- فيه شيء من العنف. ما الذي قلبك من تلك الحال إلى هذه الحال؟
فقال: إنه أتاني الإخوان وأمسكوني برفق وقالوا: إلى المسجد.
فقلت: مالي وللمسجد! ما دخلته قط! قالوا: وإن لم تدخله في حياتك فإن الله غفور رحيم، امش معنا!
يقول: فلما دنونا من المسجد قالوا لي: ادخل الحمام واغتسل ما دمت على حالك الأولى أنت كافر، والكافر إذا أسلم لابد يغتسل، يطهر ظاهره وباطنه، يقول: فاغتسلت، يقول: ألان الله قلبي لهم فاستجبت، يقول: دخلت المسجد وصليت وهم جعلوا يدعون لي بالثبات رافعي أيديهم يبتهلون إلى الله وقالوا: اخرج معنا، فوالله! يا خالي! ما ذقت لذة الدنيا إلا بهذا، وكأني بعثت الآن، والحمد لله الذي هدانا لهذا.
لكن لأجل أن نقول الحق الذي بيننا وبين الله: القوم عندهم جهل عظيم أكثرهم جاهل جداً، ولذلك لا يحبون النقاش في العلم ولا الكلام فيه، عندهم هذا المسلك نمشي عليه: تسبيح وتكبير وتهليل وقرآن وصلاة ودعوة للخير، لكن نقاش أو خلاف فقهي بل وعقدي أيضاً لا يتكلمون فيه، هذا وجه النقص فيهم.
لو أن طلبة العلم الذين يشار إليهم صحبوهم ودرسوهم وعلموهم ما يجب في العقائد لكان فيهم خير كثير، لكن هم من هذا الباب صار فيهم نقص، وصار بعض المشايخ ينتقدهم من هذا الباب انتقاداً مطلقاً بدون أن ينظر إلى محاسنهم، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8] ولو أننا عاملنا هؤلاء بالعدل وقلنا: أنتم -جزاكم الله خيراً- نيتكم طيبة وقلوبكم طيبة .. أخلاق .. إيثار، إلى غير ذلك من المحاسن، ونشكركم على هذا، لكن نريد أن نتكلم معكم في العقيدة وفي الأقوال الراجحة من أقوال الفقهاء في المسائل العملية، فانتدبوا لنا الكبار منكم حتى نعلمهم، لو حصل هذا لحصل خير كثير، لكن مع الأسف أن بعض الناس ينفر منهم تنفيراً بالغاً.
فنسأل الله أن يجمع كلمة الجميع على الحق.
الجواب: لا توجد قاعدة عامة، وإن كان بعض العلماء قال: الأصل في النهي التحريم، ولا نعدل عنه إلا بدليل، وبعضهم قال: الأصل في النهي الكراهة ولا نحرمه إلا بدليل، وبعضهم فصل فقال: الأصل في العبادات أن النهي للتحريم، وفي الأخلاق والآداب أن النهي للإرشاد والكراهة، يعني: للإرشاد إلى تركه وكراهة فعله، لكن بعدما أجلنا الفكر والنظر لم نجد قاعدة مستقرة، فيحكم على كل نص بما يقتضيه وبالقرائن الشرعية من الأدلة الأخرى.
الجواب: أيش هذه؟ كأنها أعجمية!
السائل: المراسلات.
الشيخ: مراسلات ماذا؟
السائل: المراسلات على جهاز، يراسلون بعضهم.
الشيخ: إذاً المراسلات إذا كان فيها خير وهي بين رجال ورجال أو نساء ونساء فهي طيبة، وأما بين رجال ونساء فلا.
السائل: لا. يخلطون رجال مع نساء.
الشيخ: كيف تختلط؟ أليست رسائل؟!
السائل: نعم.
الشيخ: لا يجوز للمرأة أن تكتب للرجل.
السائل: هذا جهاز.
الشيخ: ما فهمت!
أحد الحضور: مثل التلفون يا شيخ: جهازين؛ جهاز مع شخص، وجهاز مع الثاني، والأجهزة التي تشترى تختلط مع بعضها، لها قنوات كالمذياع.
الشيخ: يعني قصدك أنك قد تفتح على أحد وتسمع ما يقول لصاحبه؟ هذا لا يجوز، لا يجوز لأن الكلام بين الاثنين سر، فلا يجوز لأحد أن يتصنت عليهم.
الجواب: أولاً بارك الله فيك: هل يسن أن تؤخذ الأظفار والشعر عند الإحرام، أسألك؟
السائل: لا.
الشيخ: قل: نعم، أو: لا، أو: لا أدري.
السائل: يسن يا شيخ!
الشيخ: أين الدليل؟ هل عندك دليل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أراد أن يحرم قلم أظفاره وقص شعره.
السائل: لا، يا شيخ!
الشيخ: ما عندك دليل، عندك دليل أنه اغتسل، إذاً: ليس لإزالة الأشعار والأظافر دليل عند الإحرام لكن بعض العلماء استحبها، لأنهم كانوا فيما سبق يبقون على الإحرام عشرين يوماً أو نحوها، فتطول هذه الفضلات فقالوا: الأحسن أن الإنسان يزيلها عند الإحرام وإلا فلا دليل، هذه واحدة.
لكن لو فرض أن الإنسان لما وصل الميقات وجدها طائلة وأراد أن يقص وأن يحلق الشعور وينتف الآباط، فليفعل. فإذا كان في عمرة وطاف وسعى وقصر فلا بأس، لأن التقصير حينئذ واجب، فهمت.
أهم شيء أنك تفهم: أنه ليس من السنة إزالة هذه الأشياء عند الإحرام بذاته، ما لم تكن طويلة ويريد أن يأخذها على كل حال.
الشيخ: الثالث من أيام التشريق وهو الثالث عشر من ذي الحجة.
السائل: الثالث عشر من ذي الحجة يا شيخ! الذي هو آخر يوم من أيام التضحية متى تنتهي وقت الأضحية؟
الشيخ: إذا غابت الشمس.
السائل: بغياب الشمس.
الشيخ: إي نعم، يعني: لو ذبحتها قبل غروب الشمس بدقيقة فهي أضحية، ولو سلختها فيما بعد فلا حرج.
الجواب: إذا كان شرطاً لا يجوز، لأنه الإنسان لا يجوز أن يأخذ على أمر الآخرة شيئاً من الدنيا، أما إذا كان لم يقولوا له هذا قالوا: نريد أن تحج معنا ونحن نحملك مجاناً لما نرجو منك من الخير والمنفعة، فلا بأس، أما إن كان معاوضة لا.
على أن بعض أهل العلم رحمه الله يقول: إن هذا لا بأس به لأنه أخذ العوض على تعليم العلم جائز، بل حتى على تعليم القرآن لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله).
الجواب: لا. صلِّ الظهر والعصر في الطائرة، على أي حال الذي تقدر عليه افعله؛ لأنه لا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها.
السائل: لكن القبلة تتغير؟!
الشيخ: استدر، كلما اختلف اتجاه الطائرة فاستمر على القبلة، في طائراتنا الأخيرة -والحمد لله- لائحة معلقة بالسقف تبين لك اتجاه القبلة.
الشيخ: هل يجب عليها أن تحج هي أم لا؟
السائل: يجب عليها أن تحج.
الشيخ: إذاً تبدأ بنفسها، أما إذا كان لا يجب عليها بحيث لا يكون عندها محرم يحج معها فلا بأس أن تحجج عن أخيها.
الجواب: لا بأس به بإذن المسئولين، انظر إلى الإدارة التي عندك في البلد بلغها عن هذا واستأذنها في نقلها إلى المسجد الآخر المحتاج، أما بدون إذن بل باجتهاد من الإمام إمام المسجد الزائد وإمام المسجد الناقص فهذا لا يجوز.
الشيخ: مكان ماذا؟
السائل: المكان الذي يضحي فيه، يضحي في المكان الذي هو يسكن فيه، أم الذي فيه ماله، أم الذي فيه عائلته؟
الشيخ: لا. المكان الذي هو فيه.
السائل: مثل زكاة الفطر، زكاة على الشخص.
الشيخ: نعم. كزكاة الفطر.
السائل: في بلد وأهله في بلد كمن حج مثلاً وهو يريد التضحية.
الشيخ: ماذا؟
السائل: كمن حج مثلاً وهو يريد التضحية.
الشيخ: لا. الحاج -كما قلت لكم- ليس عليه إلا الهدي فقط، أما التضحية في بلده، فيوكل من يضحي عن أهله.
السائل: ومثل الذي يعمل هنا وأهله في بلد آخر.
الشيخ: يضحي هنا في مكانه هو، وأهله يضحون لأنفسهم من عندهم.
السائل: ألا يضحي عنهم؟!
الشيخ: يضحون عن أنفسهم عندهم؛ لأنه لو ضحى عنهم في هذا المكان لن ينتفعوا بهذه الأضحية.
الجواب: هو أصلع أم له شعر ولكنه محلوق.
السائل: محلوق.
الشيخ: محلوق، ألم تعلم أن الحلق يتبين في خلال أربعة وعشرين ساعة؟
السائل: هو يتأخر.
الشيخ: سؤالي: هل تعلم هذا أم لا؟
السائل: لا.
الشيخ: هذا هو، يكفي أن يمر الموس على رأسه، لأن الشعر سبحان الله! ينمو بالثانية، أنت ترى إذا حلقت رأسك وصار من الصباح على طول الإصبع، تظن هذا أم لا؟
السائل: لا.
الشيخ: لا. إذاً هو ينمو شيئاً فشيئاً في اللحظة الواحدة ينمو، لكن بعض الناس يكون نموه سريعاً ويكون بعضهم أقل.
السائل: فهمت.
الشيخ: الحمد لله، إذاً لو قدر أنه حلق قبل أن يمشي بيوم ومشى إلى الحج، سوف يبقى عنده اليوم الثامن والتاسع يومين، في اليوم الثالث سيجد شعراً.
السائل: ماذا يعمل الأصلع؟
الشيخ: ما هو الأصلع.
السائل: الذي لا ينبت له شعر مطلقاً.
الشيخ: هذا ما عليه شيء.
السائل: لا يمر بالموسى؟
الشيخ: يمر بالموسى! ماذا يحلق؟ أم تريده أن يقشر الجلد!! الله المستعان! أرأيت رجلاً قطع ذراعه من المرفق نقول له: اغسل العضد؟ أسألك.
السائل: لا.
الشيخ: لا نقول هذا، لأن مكان الواجب قد زال، فلا يمرر موسىً، هل بلغك خلاف في هذا بين العلماء؟
السائل: سمعت أحد الأشخاص ينقل لي عن بعض العلماء.
الشيخ: نعم. صحيح بعض العلماء يقول: يمر الموسى عليه، لكن هذا عبث، مثل ما قال بعض العلماء: إن الأخرس الذي لا يستطيع أن يتكلم إذا أراد يقرأ الفاتحة في الصلاة يحرك لسانه وشفتيه، ما الفائدة؟ هذه زيادة حركة في الصلاة لا قيمة لها، وإلى هنا ينتهي هذا المجلس أو هذا اللقاء حتى أول خميس من شهر محرم إن شاء الله تعالى.
نسأل الله أن يعيدنا وإياكم معاد الخير، ويجعل ما علمنا حجة لنا لا علينا، إنه على كل شيء قدير.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر