أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثاني والثلاثون بعد المائتين من اللقاءات التي تعرف بلقاء الباب المفتوح، تتم كل يوم خميس، هذا الخميس هو الخامس عشر من شهر محرم عام (1421هـ).
نبتدئ لقاء هذا اليوم بما جرت العادة به من تفسير كتاب الله عز وجل، وقد سبق في اللقاء السابق أن تكلمنا على آيات الظهار فلنسأل الآن: ما هو الظهار؟
هو أن يشبِّة الرجل زوجته بمن تحرم عليه تحريماً مؤبداً مثل أن يقول: أنت عليَّ كظهر أمي، أو: كظهر أختي، أو: كظهر عمتي، أو: خالتي.
حكمه: أنه منكر من القول وزور.
كفارته: إذا أراد الإنسان أن يعود إلى هذه المرأة التي ظاهر منها: أن يعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين من قبل أن يمس امرأته، فإن مسها أثناء الشهرين أعاد من جديد، فإن لم يستطع أن يصوم شهرين متتابعين أطعم ستين مسكيناً، هذا الظهار وهذا حكمه.
الجواب: قد يكون في الدنيا فقط، وقد يكون في الآخرة فقط، وقد يكون فيهما جميعاً، المهم أن غايتهم هو الذل. جزاء ما تعالوا عن الحق واستكبروا عنه، أذلوا، (كما كبت الذين من قبلهم) أي: ممن حاد الله ورسوله من الأمم السابقة ماذا حصل لهم؟ حصل لهم الإهانة والخزي -والعياذ بالله- وصارت أخبارهم تقرأ في كتاب الله عز وجل، يتقرب المسلمون إلى الله تعالى بقراءة أخبارهم، ويقرءونها في صلاتهم.
وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [المجادلة:5] يعني: أن هؤلاء الذين يحادون الله ورسوله قد حادوا الله ورسوله عن علم، لأن الله أنزل آيات بينات، أي: علامات على صدق الرسل وصحة رسالتهم (بينات) ظاهرات لا تخفى على أحد، ومع ذلك يحادون الله ورسوله.
وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ [المجادلة:5] أي: لكل كافر، وهنا قد يقول قائل: لماذا لم يكن سياق الآية: ولهم عذاب مهين؟ لأنه قال: كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ [المجادلة:5] فأظهر في موضع الإضمار للإشارة إلى أن هؤلاء الذين حادوا الله ورسوله كفار، وليعم هؤلاء وغيرهم وإن كان كل من كفر فهو محاد لله ورسوله، لكن ذكر الوصف أبلغ.
ولست بالأكثر منهم حصـى وإنما العزة للكاثر |
يعني: أنهم في الجاهلية إذا أرادوا أن يعدوا قومهم عدوهم بالحصى، فيأخذ حصى بعدد القوم ثم يضعه في كيس أو إناء حتى إذا شاء أن يستعيد العدد وإذا هو موجود، الحصى موجود، فأصل (أحصاه الله) يعني: ضبطه وهو مأخوذ من الحصى لأن الناس في الجاهلية إنما يحصون الأعداد بالحصى، (أحصاه الله ونسوه) بماذا أحصاه؟ أحصاه عز وجل بعلمه وأحصاه بواسطة رسله الذين يكتبون، كما قال عز وجل: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:80] يعني: نسمع السر والنجوى والرسل حاضرة يكتبون.
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المجادلة:6] هذه الجملة تأكيد لما سبق من حيث المعنى، يعني أن الله شهيد على كل شيء سواء كان فعلاً أو قولاً أو إضماراً في القلب، كل ذلك فالله شهيد عليه، والمقصود من هذا: بيان إحاطة علم الله عز وجل، ثم التحذير من المخالفة، لأن الإنسان إذا علم بأن الله على كل شيء شهيد ماذا يحصل؟ يحذر ويكف عن المعاصي ويقوم بالواجبات، اقرءوا القرآن وأنتم تعرفون معناه، ليس المراد مجرد الإخبار بأن الله شهيد على كل شيء، هذا المراد لا شك لكن ليس هو المراد فقط، المراد أن تحذر من أن يشهد الله عليك بشيء لا يرضاه عز وجل، انتبه لهذه النقطة، فأكثر الناس يقرءون ولا يفهمون، لا بد أن نفهم وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:265] وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المجادلة:6] وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور:64] وما أشبه ذلك المقصود منها ماذا؟ أن نعرف هذه الصفة لله عز وجل فقط، أم أن نتعبد لله بمقتضاها؟ الجواب: الثاني مع الأول، يا أخي! إذا عرفت أن الله بكل شيء عليم هل تخالف الله؟ لا تخالفه لا في السر ولا في العلانية، إذا علمت بأنه على كل شيء شهيد، وأنه سينبئك بما عملت، ستخشى، والله! ستخشى، لأنك سوف تلاقي ربك عن قريب يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6] الفاء تدل على قرب الشيء، تفيد الترتيب والتعقيب، فملاقيه عن قرب، وما أقرب الآخرة من الدنيا، أحسن ما خلفت وراءك من الزمن كأنه لحظة، المستقبل كذلك سيمر بك كأنه لحظة، وإذا بك على الباب قد لاقيت ربك، احذر يا أخي! لا تغرنك الدنيا، ولا يغرنك بالله الغرور، الدنيا زائلة، كم من إنسان خطف شبابه وهو في غاية ما يكون من الفرح والمرح وفارق الدنيا، وكم من كهل قد استوى على الدنيا وحاز من الأموال والجاه والشرف ما لم يجز عليه أمثاله؛ وإذا هو يدس في التراب، أليست هذه هي الحقيقة؟
ثم ما وراء ذلك؟ وراء ذلك اليوم الموعود الشاهد والمشهود، الأهوال والأفزاع يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً [المزمل:17-18] اللهم أحي قلوبنا بالموعظة يا رب العالمين.
إخواني! الدنيا ليست دار قرار، ما هي دار القرار؟ الآخرة، ولهذا قال مؤمن آل فرعون: يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [غافر:39] أكثر الناس الآن جعلوا الدنيا هي القرار ونسوا الآخرة، ولهذا قال في نفس الآية: أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة:6] لما مر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بقوم يعدون التسبيح بالحصى قال لهم: [مهلاً! ما من عمل صالح تعملونه إلا وقد أحصاه الله -لا حاجة لأن تضعوا الحصى- لكن أحصوا أعمالكم السيئة لتتوبوا منها] وهذا من فقهه رضي الله عنه. أنت لا تحصي أنك سبحت ثمانين أو ألف أو ألفين أو صليت على النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، لا، هذا معلوم مكتوب لا يضيع، لكن أحصِ العمل السيئ ماذا عملت من العمل السيئ حتى تتوب إلى الله وترجع منه؟ نعم الذكر المحدود بعدد حدده مثل: التسبيح خلف الصلوات، (من قال: سبحان الله، مائة مرة ...) (إني لأستغفر الله وأتوب إليه مائة مرة) وما أشبه ذلك. المحدد حدده.. غير المحدد لا تحدد، لا يضيع شيء، إنك إذا حددت ثم فخرت وقلت: إني صليت على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مليون مرة، المعنى أنك مننت على الرسول، أو قلت: إني ذكرت الله ألف مرة، المعنى أنك مننت على الله. لا تحدد إلا ما حدده الشرع والباقي أطلقه، اذكر الله ذكراً كثيرا، صل على النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا، وكل شيء محصى.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الاتعاظ في الآيات الكريمة، والأحاديث النبوية والمخلوقات العظيمة.
الجواب: الإنسان لا يمكن أن يكون على وتيرة واحدة، حتى الصحابة قالوا: (يا رسول الله! إننا عندك نتعظ ونؤمن، وإذا ذهبنا إلى أهلنا -النساء والأولاد- نسينا، فقال: ساعة وساعة) لا يمكن للإنسان أن يكون على وتيرة واحدة، لكن يحافظ الإنسان على صلاح القلب، وإذا صلح القلب صلح الجسد كله، يدع الخوض فيما لا يعنيه، يدع النزاع الذي لا فائدة منه، يدع التحزب الذي فرَّق الأمة ويقبل على الله عز وجل، ولهذا ترى العامي خيراً في عقيدته وإخلاصه من كثير من طلاب العلم، الذين ليس لهم هم إلا الأخذ والرد، والقيل والقال، وماذا تقول يا فلان؟ وماذا تقول في الكتاب الفلاني؟ وفيما كتبه فلان، هذا هو الذي يضيع العبد ويسلب قلبه عن الله عز وجل، ولا يجعل له هماً إلا القيل والقال.
فنصيحتي لكل إنسان: أن يكون مقبلاً على الله عز وجل، وأن يدع الناس وخلافاتهم، هذا أحسن شيء.
الجواب: لو كان السؤال غير هذا، كأن نقول: هل يعتبر هذا من الاستهزاء باللحية؟ لكان قريباً، أما الوصل، فهي ليست من شعره، فهو يضعها أثناء التمثيلية فقط، لكن هل يليق أن يفعل هذا؟ أنا أرى أن ترك هذا أولى، وأن هذا يؤدي إلى أن يسخر الحاضرون أو بعضهم بأصحاب اللحية.
ثم إن أصل التمثيلية فيها نزاع بين علماء العصر: هل تجوز أم لا تجوز؟ يأتي واحد يمثل شخصاً ويحضر له كبة من الشعر ويضعها هكذا، فيها نوع من السخرية.
الجواب: إذا لقيت أخاك فصافحه هذا طيب، لكن الشيء الذي أحدثه الناس ولا أعلم له أصلاً في السنة: أنه إذا دخل المجلس قام يصافحهم واحداً واحداً يمر عليهم، هذا ليس من السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل المجالس ولا يصافح الناس وإنما يجلس حيث ينتهي به المجلس، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومشايخنا السابقون لا يفعلون هذا ولا يُفعل عندهم أيضاً، لكن حدث هذا من بعض الإخوة المستقيمين ظناً منهم أن هذه المصافحة كالمصافحة مع الملاقاة وليس كذلك، الملاقاة كل واحد يلاقي الثاني، أما هذا فرجل دخل على أناس جالسين، فهل كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا دخل يسلم على الناس واحداً واحداً؟! من كان عنده سنة في هذا فليخبرنا بها، ومن ليس عنده سنة فخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذلك أيضاً بعض الناس إذا دخل بدأ باليمين من عند الباب، ولو كان أصغر القوم، وهذا غلط، إذا دخلت فابدأ بالأكبر كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بمن عن يمينك، إنما تبدأ باليمين إذا كانوا عن جنبيك واحداً عن يمينك وواحداً عن شمالك، تبدأ باليمين ولو كان أصغر، أما عند الدخول وإعطاء القهوة أو الشاهي أو البخور فابدأ بالأكبر، ثم بمن عن يمينك حتى تنتهي، ثم عد إلى من على يمين الأكبر، وخذهم واحداً واحداً.
الجواب: نصيحتي لهم:
أولاً: أن يشكروا الله عز وجل، أن أوصلهم إلى هذا المستوى.
ثانياً: أن يجتهدوا في نشر العلم الذي ألهمهم الله إياه في كل مناسبة.
ثالثاً: أن يكونوا قدوة في الأخلاق ومعاملة الناس لأن بعض طلاب العلم الآن أجفى من الأعراب، لا عنده بشاشة ولا تسليم ولا تواضع، بل بعض الناس كلما ازداد علماً يزداد كبراً والعياذ بالله، والعالم حقاً هو الذي إذا ازداد علماً ازداد تواضعاً، ثم لا حرج عليهم أن يقدموا في الوظائف ولا يقال: أن هذا من باب السؤال المذموم، لأن كل إنسان يريد أن يعمل لينفع الناس فإذا قدموا فلا حرج لا سيما إذا نووا بذلك أن يتبوءوا مكاناً ينفعون به عباد الله.
الشيخ: لماذا؟ هل القارب صغير؟
السائل: نعم. صغير يا شيخ!
الشيخ: لكن هو حوض؟
السائل: نعم مثل الحوض.
الشيخ: حسناً! هذا الحوض لم لا يصلون فيه. أولاً: إذا أمكن يوجهونه إلى القبلة لكي يتسع لصفوف أكثر.
السائل: لكن الصف لا يكفي.
الشيخ: لا إشكال، الإمام وحده.
السائل: نعم في الأمام.
الشيخ: وراءه اثنان.
السائل: نعم.
الشيخ: ......... هل يتسع لاثنين آخرين؟
السائل: لا هؤلاء الاثنين الآخرين يكونا متقدمين أو متأخرين قليلاً.
الشيخ: لا بأس أن يفصل بينهم وبين الآخرين ...
السائل نفسه: يفصل أم يكون هذا متقدماً عن الصف قليلاً.
الشيخ: أما مسألة الفاصل لا يضر، لكن مسألة الاستواء التي في نفسي منها شيء، لأن تسوية الصفوف عند كثير من العلماء واجبة، فهذا الذي لم يجد مكاناً في الصف لا بأس أن يصلي ولو كان منحازاً عن الصف، كما أن الإنسان إذا جاء في المساجد العادية ووجد الصف مملوءاً له أن يصلي وراء الصف مع الجماعة.
السائل: هل يصلي منفرداً؟
الشيخ: يصلي مع الجماعة لكن في المكان الذي هو فيه.
الجواب: ضوابطه كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه من الكعب -كعب الرجل- إلى الكف -كف اليد- هذه ضوابط لباس النساء في البيوت في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما في السوق فإنه يجب أن تكون عليهن ثياب طويلة تستر الأقدام، حتى أن أم سلمة استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لها إلى شبر، قالت: إذاً تنكشف أقدامهن، قال: (فيرخين إلى الذراع لا أزيد).
الجواب: لا شك أنه فعل معصية، وأنه آثم، معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه من خلفاء المسلمين، وأحد كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم ائتمنه على كتابة الوحي وهو من أعظم ما يكون فهو أمين، ولا يجوز أن نسبه لما جرى بينه وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ لأن هذا جرى عن اجتهاد، والمجتهد من هذه الأمة ينال أجراً أو أجرين، إن أخطأ فأجراً، وإن أحسن فأجرين، ونحن لا نشك في أن علياً رضي الله عنه أقرب إلى الصواب من معاوية ، لكننا لا نسب معاوية لما حصل، لأنه عن اجتهاد، ولهذا قال في العقيدة: ونسكت عن حرب الصحابة فالذي جرى بينهم كان اجتهاداً مجرداً.
وأصل هذا -أعني سب معاوية كما يزعم الساب- انتصار لـعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعلي بن أبي طالب يقول: [إني لأرجو أن أكون أنا ومعاوية من الذين قال الله فيهم: عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47]] يعني: في الجنة، ثم إن معاوية رضي الله عنه كان خليفة بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحسن بن علي رضي الله عنه وهو أفضل من أخيه الحسين قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين متقاتلين من المسلمين) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم تنازل الحسن رضي الله عنه عن الخلافة لـمعاوية جعلها إصلاحاً وهذا نوع من الإقرار لـمعاوية رضي الله عنه، ولا يخفى على أحد من المسلمين أن الحسن أفضل من الحسين رضي الله عنهما جميعاً، وأن ما حصل من القتال فـعلي فيه أقرب إلى الصواب، لكننا نحب أيضاً معاوية، ونرى أنه خليفة ذو خلافة شرعية، وأن ما جرى منه فهو على سبيل الاجتهاد الذي لم يكن صواباً، وكل إنسان يخطئ ويصيب.
الشيخ: قتل من الكفار؟
السائل: من الكفار.
الشيخ: إن كان حقاً فجزاه الله خيراً.
السائل: في البداية والنهاية يا شيخ!
الجواب: البداية والنهاية تاريخ معتبر، لكن يجب أن تعلموا جميعاً أن كتب التاريخ إلا ما شاء الله يكون فيها الضعيف لماذا؟ لأن التاريخ يخضع للسياسة، دائماً يخضع للسياسة، حتى عصرنا الآن تجد مثلاً الرئيس في هذه الجهة يمدح ما دام رئيساً، وتجعل له وقائع حق أو باطل، وإذا مات أو عزل فهو لكع بن لكع بمعنى: أنه لا يمدح، ويغفل عنه وربما يسب، كذلك التاريخ فيما سبق.
الجواب: المسألة هذه فيها خلاف: أولاً: هل تجب الفاتحة أم لا تجب؟
من العلماء من قال: الفاتحة لا تجب على أي مصلٍّ لقوله تعالى: فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20] وقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: (اقرأ ما تيسر معك من القرآن) لكن هذا مذهب غير صحيح، لأن قوله: (ما تيسر من القرآن) فسر بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).
ثانياً: بعض العلماء يقول: الفاتحة لا تجب على المأموم مطلقاً لا في السرية ولا في الجهرية. وهذا أيضاً ضعيف لأن حديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) عام.
ومن العلماء من يقول: تجب على المأموم في السرية دون الجهرية لأن الإمام يقرأ له ولمن وراءه، والدليل على أنه يقرأ له ولمن وراءه أنهم يؤمنون على قراءته، فالقراءة للجميع.
ومن العلماء من يقول: تجب على كل مصل، الإمام والمأموم والمنفرد، في الصلاة السرية والجهرية، وهذا أقرب الأقوال إلى الصواب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة الصبح ذات يوم فسأل الصحابة: (هل قرأتم خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) وهذا نص في صلاة جهرية مؤيدٌ بالعموم، إلا أنه يستثنى من هذا مسألة واحدة: المسبوق إذا أدرك الإمام راكعاً فإنه يكبر تكبيرة الإحرام ويركع وتسقط عنه الفاتحة، ودليل ذلك: حديث أبي بكرة رضي الله عنه حين دخل والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي بالناس وكان راكعاً فأسرع أبو بكرة وكبر ودخل في الصف فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد) ولم يأمره بإعادة الركعة، ولا إعادة الصلاة.
من جهة النظر أن نقول: هذا الرجل لم يدرك القيام الذي هو محل القراءة، وإذا سقط المحل سقط الحال، بدليل: أن الإنسان لو قطعت يده من المرفق؛ سقط عنه غسل العضد؛ لأن محل التطهير قد زال.
فالذي يترجح عندي القول بوجوب قراءة الفاتحة على كل مصل بلا تفصيل، إلا المسبوق إذا جاء والإمام راكع فتسقط عنه.
كذلك لو جاء والإمام لم يركع لكن لم يتمكن من قراءة الفاتحة فليركع ولا شيء عليه.
لجواب: نقول له: اطلب العلم أولاً، ثم ائت إلى قريتك ثانياً، لأنه كيف يدعو قومه وهو لا يعرف؟ وما ضر الناس إلا هؤلاء الذين يتكلمون بما لا يعلمون، وتأمل الفتاوى التي على الساحة تجد العجب العجاب من إفتاء أنصاف العلم، الفتاوى التي ليس لها زمام، ويا ويل هؤلاء الذين يتعجلون في الفتوى، إنهم سيسألون يوم القيامة، حيث قالوا على الله ما لا يعلمون، قال الله تبارك وتعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33] ويا سبحان الله! لو أن طبيباً صار يتطبب في الناس وهو لا يعلم، وهلك كثير من الناس على يده ماذا يقول الناس عن هذا الطبيب، أساء أم أحسن؟ أساء أي إساءة، هذا في طب الأبدان فكيف في طب القلوب وهو الشريعة؟!!
ثم عجباً لهؤلاء الذين يتسرعون السيادة أن يشار إليهم بالأصابع، ويقال: فلان عالم!!
يا أخي: لا تتسرع! اصبر! إن كان الله قد قدر لك السيادة حصلت لك، وإلا لم تحصل لك، ولا يزيدك هذا التسرع إلا هواناً عند الله وعند عباد الله، كل شيء مكتوب للإنسان سوف يعطاه في حياته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها) لو لم يبق له من الرزق إلا حبة أرز لأكلها، ولو لم يبقَ عليه إلا لحظة من الأجل أدركها، فأنا أحذر هؤلاء الذين يتسرعون في الفتوى وأقول: اصبروا، انهلوا من العلم ثم أفتوا، وأحذر الناس أيضاً من الالتفات إلى فتاويهم.
فهذا الرجل نقول: اقرأ العلم أولاً ثم اذهب إلى قريتك، وإذا أمكن أن تجمع بين هذا وهذا بأن تأتي إلى قريتك يوماً من الأسبوع وتبين لهم الحق فهذا طيب.
الشيخ: أولاً أنت قلت لي: الشباب الملتزم، من أعطاك هذه العبارة؟
السائل: نحسبه من الشباب الملتزم.
الشيخ: لا أقصد هذا، ولا أقصد تزكيته من عدمها، لكن كلمة الملتزم إطلاقها على الإنسان الطيب ليس صحيحاً، اقرأ قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] أم التزموا؟ طيب اقرأ قول النبي صلى الله عليه وسلم: (قل آمنت بالله ثم استقم).
فأرجو من إخواننا أن يبدلوا هذه الكلمة؛ لأن هذا هو الذي جاء في القرآن والسنة. على أن كلمة ملتزم عند الفقهاء لها معنى آخر، يقولون: "ملتزم" من التزم أحكام الإسلام ولو كان يهودياً أو نصرانياً، فيسمون أهل الذمة ملتزمين، اقرأ كتاب الحدود في الفقه تجد أنه يجب الحد على كل بالغ عاقل ملتزم عالم بالتحريم، قالوا: والملتزم هو المسلم واليهودي والنصراني (أهل الذمة).
خذها معك وأدها إلى أصحابها، غيِّر (ملتزم) إلى (مستقيم) اتباعاً للقرآن والسنة، واحترازاً مما اصطلح عليه الفقهاء في كتبهم.
أقول: الأناشيد الإسلامية كانت أول ظهورها لا بأس بها، سمعناها، فيها حماس، تحريك للقلب وإن كان تحريكاً ليس كالتحريك التعبدي، لأن الإنسان يأتي من نفسه حماس وإقدام، ولا يجد زهداً وورعاً وتعبداً كما لو سمعه من الأناشيد الأخرى، يعني: فيه قصائد ترقق القلوب وتوجب الخشية، وفيه قصائد بالعكس للحماس والاندفاع، لكن قيل لي: إنها الآن تطورت لتتدهور، صار فيها موسيقى أحياناً أو دفوف، فيها أيضاً أنها تصاغ على صفة الأغاني الهابطة، فيها أيضاً أصوات جميلة تفتن الرجال والنساء، فلهذا لا يمكن أن نحكم عليها بحكم عام حتى نعرف الشريط الذي في هذا.
الجواب: التغيير باليد لا يمكن إلا من ذي السلطان، يعني الأمير أو نوابه الذين جعلهم قائمين مقامه، لا من أفراد الناس، خصوصاً في عصرنا هذا؛ لأنه قد يظن الفرد منا أن هذا منكر وليس بمنكر، فيغيره بيده ويحصل في هذا مفاسد عظيمة. إذاً التغيير باليد الآن هذا لا يمكن، هذا للحكام.
أما التغيير باللسان فنعم تغير باللسان وتنصحه برفق ولين، وتبين له المصالح من ترك هذا المنكر، والمفاسد إذا أصر عليها.
التجسس لا يجوز، إلا إذا وجدت قرائن تدل على وجود المنكر، قرائن قوية، ثم لا يجوز أن يتجسس كل واحد، لأن هؤلاء الذين على منكر لو خرج واحد منهم ووجد هذا الرجل ماذا يصنع به؟
السائل: يؤذيه.
الشيخ: لا يؤذيه، ربما يقتله. لكن إذا جاءت من الجهات المسئولة، فهذا ممكن، لكن مثلما قلت: بشرط أن توجد قرائن ظاهرة، كأن يدخل على هذا البيت نساء أو مردان أو ما أشبه ذلك.
الجواب: الفقهاء قالوا: يسن تحريكه. ولكن إذا كان ضيقاً فلابد من تحريكه، لأنه إذا لم يحركه لم يصل الماء إلى ما تحته، والله عز وجل يقول: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ [المائدة:6] فلابد من غسل اليد كلها من أطراف الأصابع إلى المرفق.
الجواب: الاحتباء: أن الإنسان يقيم فخذه وساقه ويربطها بسير، هذه يفعلها الناس عند طول الجلوس، لكنها عند مجيء الإمام لخطبة الجمعة لا ينبغي، ولو قيل بكراهتها لكان جيداً، لأنه إذا فعل هذا أتاه النوم.
الجواب: الأفضل أن الإنسان لا يعلق ذلك بالمشيئة بل عليه أن يجزم، لكن إذا قال: (إن شئت) -يخاطب الله عز وجل- صار محرماً، يعني: يجب أن تعرف الفرق بين (إن شاء الله) وبين (إن شئت)، (إن شئت) أعظم وأقبح، لأنها خطاب لله عز وجل، فكأن الإنسان يخاطب الله ويقول: إن شئت فاغفر لي وإن شئت لا تغفر لي، أنا لا يهمني، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، فإن الله تعالى لا يتعاظمه شيء أعطاه) وفي رواية: (لا مكره له).
الشيخ: في أي بلد؟
السائل: في المسجد.
الشيخ: أي بلد؟
السائل: في مصر .
الشيخ: والله! اسأل عنها شيخ الأزهر.
السائل: هناك خلاف بين العلماء عندنا ..
الشيخ: إذا وجد الخلاف فخذ بالأحوط، انتظر حتى تعلم أو يغلب على ظنك أن الوقت قد دخل..
السائل: يعني إذا صلى ...
الشيخ: أنت تريد أن أفتيك أم لا؟
السائل: نعم أريد أن تفتيني.
الشيخ: فتوى تأخذ بها؟
السائل: فتوى آخذ بها ...
الشيخ: قل: إن شاء الله، قل: إن شاء الله.
السائل: إن شاء الله، وأريد كتابتها.
الشيخ: اصبر، أفتيك فتوى تأخذ بها إن شاء الله؟
السائل: إن شاء الله.
الشيخ: ارجع إلى شيخ الأزهر.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر