أما بعد:
فهذا هو اللقاء الشهري الأخير في هذا العام عام (1415هـ)، والذي يتم هذه الليلة، ليلة الأحد الثامن والعشرين من شهر ذي الحجة، نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل خاتمتنا خيراً من ماضينا.
موضوع هذا اللقاء يشمل شيئين:
الشيء الأول: ما الذي أودعناه في العام الماضي؟
الشيء الثاني: ماذا أعددنا للعام المقبل؟
وكلاهما يحتاج إلى عناية، أما الأول فما الذي أودعه الإنسان في عامه الماضي؟
هل كان قائماً بالواجبات التي لله عز وجل والتي لعباده، أم هو مفرط مهمل مضيع؟
هل أخلص لله في عبادته؟
هل محَّص عمله في اتباع شريعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟
هل قام بالصلاة على ما ينبغي؟ هل صلاها في أوقاتها؟ هل صلاها مع الجماعة؟ هل أدى شروطها وأركانها على ما يجب؟
هل أدى زكاة ماله؟ هل أحصاه إحصاءً دقيقاً وكأن مستحقي الزكاة يحاسبونه محاسبة دقيقة؟
هل أتقن صيام رمضان؟ هل قام فيه بما يجب؟
هل أتقن حجه إن كان قد حج؟
هل قام ببر والديه؟ هل قام بصلة أرحامه؟ هل قام بالإحسان إلى جيرانه؟ هل قام برحمة الأيتام؟ هل قام برحمة البهائم؟
هل قام بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ هل قام بالدعوة إلى الله عز وجل؟
هل قام بما يجب عليه من الإنفاق على أهله؟ هل قام بما يجب عليه من دفع أثمان المبيعات وأجور الأجراء؟
كل هذه تساؤلات يجب أن يعرف الإنسان الجواب عليها، إن كان قد فرط فيها فليتب إلى الله وليتدارك ما يمكن تداركه، وإن كان قد قام بما يستطيع وحسب ما أوجب عليه فليحمد الله على ذلك، وليسأل الله الثبات عليه.
إننا نعلم أن التجار إذا تمت سنة إدارة تجارتهم فإنهم يسهرون الليالي يتفقدون الدفاتر، ماذا دخل على المتجر؟ وماذا خرج منه؟ ماذا اكتسب الإنسان في هذه السنة وماذا خسر؟ حتى يتداركوا ما يمكن تداركه، أما التجارة العظمى وهي التي قال الله عنها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ [الصف:10-11] فإن هذه التجارة نحن في غفلة عنها، ولا نعلم ماذا أدينا فيها إلا أن يشاء الله.
ولهذا أقول لنفسي ولكم: الواجب علينا أن نتفقد .. أن ننظر فما يمكن تداركه قمنا به، وما لا يمكن استغفرنا الله منه وتبنا إليه عز وجل.
أما المستقبل: فالمستقبل في الواقع لا يمكن لأي أحد أن يجزم بما يفعل في المستقبل، ولو أنه جزم بما يفعل في المستقبل لعد سفيهاً مخالفاً لقول الله تعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24].
لقد سأل كفار قريش رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن قصة أصحاب الكهف، فقال: أخبركم غداً، ولم يقل: إن شاء الله، فماذا كان من الله عز وجل، تأخر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمدة خمسة عشر يوماً، ثم نزل الوحي، وفي تلك السورة قال الله لرسوله: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24] وكان هذا من حكمة الله عز وجل أن تأخر الوحي بعد أن وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقص عليهم القصة، وفي هذا أكبر دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان صادقاً، إذ لو كان كاذباً للفق قصة من القصص وقال: هذه قصة أصحاب الكهف، لكنه لا ينطق في علم الغيب إلا بما أوحي إليه عليه الصلاة والسلام.
نحن لا نجزم بما نفعل غداً، ولا يمكننا أن نجزم، كم من إنسان أراد ولكن صار الواقع خلاف مراده! كم من إنسان أمل ولكن انقطع حبل الأمل! ولكن المؤمن مأمور بأن يستقبل الأيام بحزم ونشاط، وقد أشار الله إلى ذلك في قوله: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً [الفرقان:62] أي: جعل الليل والنهار يختلفان، يخلف بعضها بعضاً من أجل أن ينشط الناس، كل يوم يتجدد لهم النشاط.
كذلك الأعوام: جعل الله تعالى الأعوام أطول من الأيام بلا شك؛ لأنها شهور والأيام ساعات، لكنه سبحانه وتعالى كررها على العباد وجعل عدة السنة اثني عشر شهراً، حتى إذا تمت السنة وإذا بالإنسان يستجد نشاطه إلى سنة مقبلة.
فانظر يا أخي ماذا أعددت للسنة المقبلة، هل أعددت نشاطاً في فعل الخير، فأنفذ ذلك وأمضه، فإن العزيمة على الرشد تكون رشداً إذا فعله الإنسان، أما مجرد العزيمة بدون أن يكون هناك حركة فإنها تمنِّ يصح أن نصف صاحبها أنه عاجز، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني).
رتب وقتك حتى ينزل الله لك فيه البركة، رتبه ولكن لا تجعل هذا الترتيب أمراً متعيناً، لا. بل هو على حسب الحال، وقد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل، لكن رتب نفسك، رتب عملك، فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) مثلاً: اجعل لك ساعة تقرأ فيها كتاب الله عز وجل، وساعة تقرأ فيها من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، وساعة تتفكر في معاني القرآن ومعاني الأحاديث، وساعة تتفكر ماذا عملت في يومك وماذا تركت، رتب نفسك حتى يبارك لك الله في أيامك وساعاتك.
أما من أهمل نفسه ولا يبالي أعمل أم لم يعمل! أنشط أم كسل! فهذا لا شك أنه مفرط، وأنه سيضيع عليه الوقت وسيندم يوم لا ينفع الندم، لأنه أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، قال: أنا إن شاء الله مؤمن، أنا سأكون من أهل الجنة، أنا سأكون كذا، ولكنه ليس معه عمل .. لا بد من عمل!
وفي شهر المحرم عبر، أعظمها ما جرى لموسى وقومه وفرعون وقومه: فإن موسى عليه الصلاة والسلام أرسل إلى طائفتين من الناس: بني إسرائيل وفرعون، أما مع فرعون فلم تجدِ الرسالة فيه شيئاً ولم يؤمن، بل ما زاد إلا عتواً ونفوراً، وتوعد موسى، وصار يُقتل بني إسرائيل ويستحيي نساءهم، وجرى منه ما هو معلوم في كتاب الله عز وجل، وكان يفتخر على قومه ويقول: يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ [الزخرف:51-52].
ولما مضى لموسى في دعوته ما مضى أوحى الله تعالى إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي [طـه:77] فأسرى بهم ليلاً وخرج من مصر متوجهاً نحو الشرق نحو البحر الأحمر، فلما علم بهم فرعون دعا قومه ليخرج إلى موسى وقومه ليقضي عليهم، فلما وصل موسى إلى البحر قال له قومه: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61] لا بد أن نهلك، لماذا؟
لأن فرعون وراءهم والبحر أمامهم، فرعون بجنوده وعَدَدِهِ وعُدَدِه خلفهم والبحر أمامهم، فهم إن تساقطوا في البحر غرقوا، وإن وقفوا أهلكم فرعون، ولكن موسى عليه الصلاة والسلام قال وهو موقن: كَلَّا [الشعراء:62] لن ندرك إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62] وبهذا نعرف قوة توكل الرسل على الله عز وجل وقوة ثقتهم بوعد الله قَال كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62] فهداه الله، أمره أن يضرب البحر، فضرب البحر بعصاه، فانفلق البحر اثني عشر طريقاً على حسب أسباط بني إسرائيل، والغريب أن البحر لم يتميز ويندفع ولكنه بقي أسواقاً وطرقاً وبينها كتل الماء كالجبال مع أن الماء جوهر مائع يسيل، لكن وقف الماء كالجبال، وقيل: إنه كان في كل قطعة فرجة، من أجل أن يطمئن بنو إسرائيل بعضهم على بعض.
هذه الطرق التي انفتحت بضربة عصا هل بقيت أياماً حتى تجف ويمكن السلوك عليها؟
الجواب: لا. قال الله تعالى: فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً [طه:77] في الحال صارت أرضاً يابسة، استطاع موسى وقومه أن يمشوا عليها حتى تكاملوا خارجين منها، وبتكاملهم دخل فرعون وجنوده، فلما تكاملوا داخلين أمر الله عز وجل البحر أن يرجع إلى حاله فانطبق على فرعون وقومه، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].
غرق فرعون بالماء الذي كان بالأمس يفتخر به، ويقول: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51] غرق بالماء، ولما أدركه الغرق قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ [يونس:90] انظر إلى الذل العظيم، لم يقل: آمنت بأنه لا إله إلا الله قال: إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، وهذا اعتراف منه بفضل بني إسرائيل عليه، واعتراف منه بأنه كان الآن تابعاً ومقلداً لهم وكان بالأمس يقتلهم على دين الله، أما الآن فأذله الله حتى قال: إنه على دين بني إسرائيل آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ [يونس:90].
لكن متى قال ذلك؟
حين رأى الموت، وإذا رأى الإنسان الموت فإنه لا تنفعه التوبة، ولهذا قيل له: آلْآنَ آلآن تشهد أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل؟ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:91] ولن ينفعك، ولكن الله قال: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ [يونس:92] ببدنك فقط لا ببدنك وروحك لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس:92] من الذين خلفه؟ بنو إسرائيل، ليكون آية على أن هذا الرجل الذي كان يرعبهم ويخوفهم ويقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم هو الآن جثة في البحر، لأنك تعرف أنه إذا كان للإنسان عدو مخيف، فجاءه من قال له: إن عدوك قد مات. هل يطمئن وتكون طمأنينته كما لو شاهده؟
الجواب: لا، ولهذا أبقى الله جسد فرعون حتى شاهده بنو إسرائيل وعرفوا أنه قد هلك فاطمأنوا واستقروا.
هذه من العبر العظيمة التي حصلت في يوم عاشوراء.
لكن في عهد عمر رضي الله عنه عندما اتسعت رقعة الإسلام شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وصارت الرسائل تأتيه، ويشتبه عليه: هل هذه الرسالة قبل الرسالة الأخرى أو بعدها؟
قال: لا بد من تاريخ، وهذه من سنن عمر رضي الله عنه، قال: لا بد من تاريخ، فتشاوروا كعادتهم في النوازل إذا نزلت بهم نازلة تشاوروا:
أولاً: من أين نبدأ التاريخ: هل من مولد النبي عليه الصلاة والسلام، أو من بعثته، أو من هجرته؟
إن كان مولده صار المسلمون أتباعاً للنصارى؛ لأن النصارى ابتدءوا التاريخ من مولد عيسى، والمسلمون يجب أن يكونوا أمة مستقلة، ذات طابع خاص، متميزة عن غيرها.
قالوا: إذاً.. نبدأ من البعثة؛ لأن ببعثته بدأ النور ينزل على هذه الأمة وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً [النساء:174] فيكون من البعثة، قالوا: نعم هذا رأي حسن، لكن البعثة لم يظهر فيها للإسلام دولة، ونحن نريد أن نؤرخ تاريخاً خاصاً بدولة الإسلام، والدولة لم تكن إلا بعد الهجرة، فإنه بعد الهجرة صارت الأمة الإسلامية لها بلداً خاصاً مستقلاً.
قالوا: إذاً يكون ابتداء التاريخ من الهجرة التي تكونت بها الدولة الإسلامية.
ثم اختلفوا اختلافاً آخر قالوا: من أي الشهور؟
قال بعضهم: من شهر رمضان؛ لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن.
وقال آخرون: بل من شهر ربيع الأول؛ لأن ربيع الأول هو الذي ابتدأ فيه الوحي على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو الذي كانت فيه هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام.
قالوا: وهذا رأي حسن، لكن فيه شيء، ما هو الشيء؟
أنه الشهر الذي توفي فيه الرسول عليه الصلاة والسلام، فيخشى أن يكون هذا ذكرى لوفاته، ثم اختاروا أن يكون ابتداء التاريخ من المحرم؛ لأنه الذي ينصرف فيه المسلمون من أداء آخر أركان الإسلام وهو الحج، فكأن شهر ذي الحجة به تمام الأركان، فنبتدئ من شهر المحرم.
وما زال المسلمون سائرين على هذا حتى حصل استعمار الكفار لبلاد المسلمين، فغيروا التاريخ، ولهذا تجد عامة المسلمين الذين استعمرت بلادهم تجد تاريخهم يبتدئ بالميلادي، تحول من التاريخ الإسلامي الهجري إلى تاريخ كفري لا أصل له، وسبب ذلك هو الاستعمار، ولهذا نجد العلماء في الأمصار التي تؤرخ الآن بالتاريخ الميلادي، نجد العلماء يؤرخون بالتاريخ الهجري ولا يعرفون التاريخ الميلادي، انظر إلى تراجم العلماء السابقين في البلاد الإسلامية، يقولون: ولد هذا العالم في السنة الهجرية، في الشهر الهلالي، وتوفي في السنة الفلانية الهجرية في الشهر الهلالي، حتى استعمر الكفار بلاد المسلمين فغيروا التاريخ، ونسي التاريخ الإسلامي في هذه البلاد، حتى إن بعض الإخوة الذين قدموا إلينا قبل نحو عشرين سنة أو أكثر، قال: والله ما عرفت الأشهر العربية إلا حين أتيت إلى هنا!! لأنهم نشأوا على الأشهر الفرنجية والسنوات الميلادية.
وقد كره الإمام أحمد رحمه الله أن يؤرخ بالأشهر الفرنجية، فقال: (أكره بأن يؤرخ بآذرما)، لأن هذا خلاف ما سار عليه المسلمون، والمهم أن هذا الشهر -أعني: شهر المحرم- هو ابتداء السنوات الإسلامية الهجرية.
ولكن مع الأسف أن بعض المسلمين الذين سلمت بلادهم من استعمار الكفار صاروا الآن يؤرخون بالتاريخ الميلادي، على الرغم من أن نظام هذه الدولة ونظام الحكم فيها أن التاريخ بالتاريخ العربي الإسلامي نصاً، ولكن مع الأسف أنك الآن يبيع لك صاحب البقالة وأحياناً يعطيك الفاتورة تاريخها بالميلادي، سبحان الله! هذا يخالف تاريخ الإسلام ويخالف تاريخ الدولة، ولهذا لو كان هناك متابعة تامة لنظام الدولة للأخذ على أيدي هؤلاء، قبل أن يكون هذا هو تاريخ المسلمين من أزمنة متباعدة، ولكن مع الأسف أن ضعف الشخصية في الرجل المسلم عندنا هي التي أدت إلى هذا الخذلان.
وأعجب من ذلك! أن المريض يُعطى وصفة بورقة للدواء بالتاريخ الميلادي والحرف اللاتيني، فيبقى المريض لا يدري، كتب له: خذ هذا الدواء يوم (19/9) وهو عامي يعتقد هذا الدواء متى يستعمل في رمضان! لأنه قيل له: في (19/9)، أيضاً يستعمله ثلاث مرات، ويكتب له بالرقم غير المعهود عنده، فيختلف عليه الأمر، إذا قال: خذ سبع حبات وكتبها بالحرف الذي لا يعرفه يظن السبعة ستة، لأنها شبيهة بها، كل هذا والله يحزن الإنسان لأن هذا يدل على ضعف الشخصية.
لغتنا والحمد لله لغة عربية .. لغة القرآن .. لغة السنة، بل هي لغة أهل الجنة كما جاء في بعض الأحاديث، كيف نفرط بها؟ لماذا لا نعلم هؤلاء الذين يباشرون الشراء من إخواننا المسلمين الذين جاءوا من بلادٍ لا يعرفون اللغة العربية .. لماذا لا نعلمهم؟
لكن المشكلة الآن أنهم هم الذين علمونا لغتهم، بدلاً من أن نعلمهم صاروا يعلموننا ونتعلم منهم، بدلاً من أن يقول الواحد منا: ما أدري يقول: ما فيه معلوم، أيهما أخصر؟ لا أدري أخصر وأوضح وأبين وأصدق؛ لأن قوله: لا أدري نفي للعلم عن نفسك فقط، لكن: ما فيه معلوم نفي عن كل الناس، لكن مع الأسف بدلاً من أننا نعلمهم اللغة العربية صاروا هم الذين أثروا على ألسنتنا!
وكل هذا من ضعف الشخصية فينا، والواجب أن تكون هذه الأمة لها ميزة وخاصية تنفرد بها عن سائر الأمم، ولا مانع أن تعامل كل إنسان بما يعرف، فمثلاً: إذا كنت أخاطب شخصاً لا يعرف العربية، وأنا أعرف لسانه لا بأس أن أكلمه بلسانه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود من أجل أن يكاتبهم ويراسلهم بلغتهم، وقال لـأم خالد وقد قدمت من الحبشة وهي صغيرة عليها ثوب جديد، جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (هذا سنا هذا سنا) وسنا في لغة الحبشة أي: حسناً، يخاطبها باللغة التي تفهم، لكن لا يعني أن أخاطب الأخ العربي بلسان هذا الأخ الذي لا يعرف العربية كما هو الشأن في بعض الأحيان.
فنسأل الله تعالى أن يختم لنا عامنا هذا بالخير والقبول والمغفرة والعفو، وأن يجعل مستقبلنا في عامنا الجديد مستقبلاً حافلاً بالنصر والمسرات إنه على كل شيء قدير.
الجواب: هذه الآية لا تدل على أن هذه الجثة ستبقى أبد الآبدين، بل الظاهر والله أعلم أنها ذهبت وأكلتها الحيتان والسمك، لأنه ليس هناك في ذلك الوقت من يعتني بهذه الجثة، المهم أن يطمئن بنو إسرائيل على أن عدوهم اللدود قد هلك، وما يذكر أنه بقي من الفراعنة أناس جثثهم باقية، فهذا ينظر فيه، قد يكون منهم وقد لا يكون، إنما الذي يظهر لي أن فرعون الذي هلك في زمن موسى قد هلك وذهب.
الجواب: لا، وقوفنا في عرفة ليس فيه شك، لكن اختلف دخول الشهر شرعاً ودخوله نظاماً، دخوله نظاماً سابق على دخوله شرعاً، فإنه دخل حسب التقويم ليلة الأحد، فتكون الليلة ليلة تسعة وعشرين، ودخل شرعاً ليلة الإثنين فتكون الليلة ليلة ثمان وعشرين، وليس في الوقوف هنا شك والحمد لله.
ثم إني أقول لكم: لو فرض أن الناس وقفوا بـعرفة، ثم تبين يقيناً أنهم وقفوا في العاشر، فإن حجهم صحيح، ولا شيء عليهم، وبهذا يندفع وسواس بعض الناس في هذا العام، حيث قاموا يوشوشون بناءً على أنهم يوسوسون، فنقول: اطمئنوا، الشهر شرعاً ما كان متمشياً على شريعة الله.
ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا إذا لم نرَ الهلال أن نكمل الشهر السابق ثلاثين يوماً، ثم إنه ثبت عندنا أنه في صباح يوم الأحد كسفت الشمس على القارة الأمريكية ، وكسوفها في ذلك الوقت يدل دلالة قاطعة بأنه لا يمكن أن يهل الهلال ليلة الأحد، وهذا شيء معلوم عند علماء الفلك أنه إذا كسفت الشمس بعد غروبها فإنه لا يمكن أن يهل الهلال إطلاقاً؛ لأن السبب الحسي لكسوف الشمس هو حيلولة القمر بينها وبين الأرض، وهذا لا يمكن إذا تأخر القمر حتى رئي بعد الغروب أن يقفز حتى يكون حائلاً بينها وبين الأرض، هذا شيء مستحيل، وهذا مما يزيد الإنسان طمأنينة، وإلا فالإنسان مطمئن بأن الناس -والحمد لله- قد مشوا في إثبات شهر ذي الحجة على الطريقة الشرعية التي ليس فيها لبس.
الجواب: أقول: لا حرج والحمد لله: إذا أتيت إلى هذا اللقاء ووجدتنا في الصلاة فادخل معنا، امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم) فإن كنا في الركعة الأولى سلمتم معنا، أو في الركعة الثانية فاتتكم ركعة، أو في الثلاثة فاتتكم ركعتان، أو في الرابعة فاتتكم ثلاث ركعات، وبإمكانكم أن تقوموا وتقضوها قبل أن نشرع في اللقاء، لأن الناس بعد السلام يذكرون الله ويسبحون الله، ويقرءون آية الكرسي، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وهذا وقت طويل يمكن للإنسان أن يقضي ما فاته من صلاة العشاء، وهذا ليس فيه حرج، وهذا والله خير من كونك تبقى خارج المسجد يفوتك هذا الأجر العظيم بهذه الصلاة، ربما يكون قولك في هذه الصلاة: (رب اغفر لي) سبب لمغفرة الله لك.
وأما الجنازة فهي نفس الشيء، إذا جئت والناس يصلون فادخل معهم، وامتثالك أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الدخول مع هذه الجماعة قد يكون أفضل من انتظارك ثم صلاتك الجنازة، ثم إذا سلَّم الإمام وأنت قد فاتتك قل: ثلاث ركعات، يمكنك أن تقضيها في ظرف إحضار الجنازة إذا كانت -مثلاً- في آخر المسجد، أو يمكنك إذا كان الإمام يفعل كما نفعل نحن إذا رأينا طائفة كبيرة تقضي أمرنا أهل الجنازة أن يتأخروا في تقديمها، حتى تنتهي صلاة هؤلاء، فيشاركونا في الصلاة ويحصل في ذلك كثرة الدعاء للميت، وربما تكون الدعوة المجابة من أحد هؤلاء الذين يقضون ما فاتهم من الصلاة، لا ندري، لهذا ينبغي للأئمة إذا رأوا أن في المسجد طائفة كبيرة تقضي الصلاة أن يقولوا لأهل الميت: انتظروا، هؤلاء ما جاءوا إلا ليصلوا على الميت، لا تحرموهم، انتظروا ولا يضر انتظاركم خمس دقائق أو أكثر.
الجواب: إن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4] ويقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] فأنت ما دمت اتقيت الله وتبت إلى الله فأبشر بأن الله سيجعل لك من أمرك يسراً، وسيجعل لك فرجاً ومخرجاً.
والطريق لذلك: إذا كنت قد أيست من معرفة أصحاب هذه الشنطة أن تقوِّم الشنطة كم قيمتها؟ والدراهم الثلاثة آلاف معروفة وتضيف ثمن الشنطة إلى هذه الثلاثة آلاف وتتصدق بها عن صاحبها، تخلصاً منها لا تقرباً إلى الله بها، تصدق بها على فقير، تصدق بها على شاب يحتاج إلى زواج، ساهم بها في بناء مسجد وما أشبه ذلك، وبهذا تبرأ ذمتك.
الجواب: يجب على من استقدم عمالاً أن يتمشى معهم حسب النظام الذي في بلده، وذلك لأنه قدم طلباً لاستقدام هؤلاء العمال وهو يعرف شروط النظام، فكأنه في تقديم الطلب التزم بما في هذا النظام من الشروط، وقد قال الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] فيجب عليك أن تفي لدولتك على حسب ما أذنت لك فيه، فإذا كان النظام يمنع أن تشغل هذا العامل بسهم من أجرته التي يحصلها أو تطلقه يعمل كما شاء وتضرب عليه ضريبة كل شهر إذا كان النظام يمنع هذا فيجب عليك أن تمتنع منه، حتى وإن كان في الأصل لولا النظام لجاز، فإنه يجب أن تأخذ بالنظام، وليس إلزامنا بالنظام إيجاباً لما لم يوجبه الله، أبداً، بل إلزامنا بالنظام إلزام بما أوجب الله؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بطاعة ولاة الأمور ما لم يأمروا بمعصية، ولولا هذا لكان النظام لا فائدة منه، أي: لولا أنه يجب التمشي بالنظام إذا لم يخالف الشرع، أي: إذا لم يكن معصية لكان النظام لا فائدة منه، إذا قلنا: إنها لا تجب طاعة ولاة الأمور إلا بما أمر الله به، صار حقيقة الأمر أنها لا تجب طاعتهم، لأن ما أمر الله به على سبيل الوجوب واجب سواء أمر به ولاة الأمور أم لم يأمروا، ولو أننا قلنا: كل إنسان يرى أن هذا النظام لا يجب العمل به لصارت الأمور فلتة، ولم يقم للناس أمن ولا استقرار ولا طمأنينة.
والذي أعلم أن نظام الدولة في استقدام العمال لا يجيز لك أن تشغلهم بنسبة، ولا يجوز أن تقول: اذهبوا فأنتم الطلقاء وأحضروا لي كل شهر كذا وكذا.
أما من حيث الشرع فإنك إذا قلت لفلان: اذهب واشتغل واجمع لي مثلاً كل شهر كذا وكذا فإنه لا يجوز؛ لأنه ربما يربح أكثر مما قدرت بكثير، وربما يربح أقل منه أو لا يربح شيئاً، فيكون هذا عملاً مجهولاً وهو ميسر؛ لأنه مبني على المغالبة إما غانم وإما غارم، وكل عقد يكون هكذا فهو ميسر.
وأما أن تقول: اذهب واعمل بسهم فمن الذي أحل لك السهم وأنت لم تعمل، هو حر مالك لنفسه، فكيف يشتغل هو بنفسه ويكون عليه ضريبة الثلث أو الربع وأنت لم تعمل شيئاً، هذا من أكل المال بالباطل.
الجواب: هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكل حديث فيه تقدير الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه ضعيف، الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مطلقة، أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نكثر من الصلاة عليه ولا سيما في يوم الجمعة، وأخبر أن تسليمنا معروض عليه عليه الصلاة والسلام، فأكثر يا أخي من الصلاة والسلام على نبيك في كل وقت، ودون تقييد بعدد، فإن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً.
الجواب: الواجب قضاء الشهر على من بلغت ولم تصم، لأن المرأة إذا جاءها الحيض فهي بالغة سواء جاءها بعد تمام خمس عشرة سنة أو قبل ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار). ولكن أوصيك لأمك أن تأمريها بالتوبة إلى الله والاستغفار حيث منعتك من أمر واجب عليك، فعليها أن تتوب إلى الله وتستغفر، وأما أنتِ فاستعيني بالله واقضي هذا الشهر، سواء قضيتيه أياماً متتابعة وهو أفضل أم أياماً متفرقة إذا كان يشق عليك التتابع.
هذا إذا كان الشهر غير الشهر القريب، أما الشهر القريب فلك الخيار أن تؤخري الصوم إلى أن يبقى إلى رمضان بقدر الأيام التي عليك.
الجواب: القول الراجح: أن البقاء بـعرفة حتى تغرب الشمس واجب، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يدفع قبل أن تغرب الشمس، ولو كان جائزاً لدفع قبل أن تغرب الشمس؛ لأنه نهار وأيسر للناس، وأيضاً: إذا دفع الإنسان قبل أن تغرب الشمس فقد خرج عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم إلى سنة الجاهلية، لأن أهل الجاهلية هم الذين يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، ومن فعل ذلك فإن كان متعمداً ترتب على فعله أمران:
الأمر الأول: الإثم.
الأمر الثاني عند أكثر العلماء: فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء.
أما إذا خرج قبل غروب الشمس من عرفة وهو جاهل فإنه يسقط عنه الإثم، لكن يجب عليه عند أكثر العلماء البدل وهو أن يذبح شاة في مكة ويوزعها على الفقراء.
الجواب: المرأة مع محارمها كالمرأة مع المرأة، لقول الله تعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ [النور:31] ولكن لا ينبغي للمرأة أن تكشف ثديها عند إرضاع ولدها وحولها رجال، اللهم إلا أن يكون أباها أو تكون عجوزاً وليس عندها إلا ابنها مثلاً؛ لأن كشف المرأة ثديها أمام محارمها يخشى منه الفتنة، فإن النفس أمارة بالسوء، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وعلى هذا فإذا احتاجت إلى إرضاع ولدها وحولها رجال من محارمها، فلتغطِ الثدي بطرف الثوب حتى لا يراه أحد من الرجال.
الجواب: أولاً: نسأل ما هو آخر أمره .. أكان يصلي؟ إن كان الأمر كذلك فهذه من نعمة الله عليه، وختام عمره بالصلاة يعتبر توبة، أما إذا كان آخر أمره الترك فإن من مات تاركاً للصلاة فقد مات كافراً، ولا يجوز أن يصلى عليه، ولا يدعى له بالرحمة ولا بالمغفرة، فلا بد أن نحقق هذا الأمر، هل كان آخر أمره الصلاة أم كان آخر أمره ترك الصلاة؟
فإن شككنا فإننا نقول: اللهم إن كان فلان مات على الإسلام فاغفر له وارحمه، قيد المسألة واشترط، وتقييد الدعاء بقيد له أصل، يدل عليه قول الله تبارك وتعالى في الذي يرمي زوجته بالزنا: فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [النور:6-7] هذا شرط، دعا على نفسه باللعنة بشرط أن يكون من الكاذبين، وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النور:8-9].
هذا الذي مات ونحن لا ندري هل مات على الإسلام أو على الكفر، لنا أن نقول: اللهم اغفر له إن كان مات على الإسلام، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنام فسأله -أي: شيخ الإسلام سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن مسائل مشكلة عليه، فأجابه النبي عليه الصلاة والسلام، ومنها أنه قال: يا رسول الله، إنه يقدم إلينا جنائز من المبتدعة وغيرهم، لا ندري من المسلم من غير المسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: عليك بالشرط يا أحمد - أحمد اسم ابن تيمية - ما معنى: عليك بالشرط؟ أن تقول: اللهم إن كان مؤمناً فاغفر له وارحمه.
الجواب: الرجوع إلى المعاصي بعد أداء فريضة الحج نكسة عظيمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع -أي: من ذنوبه- كيوم ولدته أمه) وقال صلى الله عليه وسلم: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) فإذا نقى صحيفته بهذا الحج فإن من السفه أن يسود الصحيفة بسيئات أعماله بعد الحج، وهكذا -أيضاً- موسم الصوم في رمضان إذا عاد الإنسان إلى المعاصي فقد خسر خسارة عظيمة، وانتكس نكسة عظيمة، فعليه أن يعود إلى الله مرة أخرى، وأن يستغفر ويتوب، والتائب من الذنب كالذي لم يفعل الذنب أو أشد.
قد يكون الإنسان بعد ذنبه إذا تاب إلى الله واستغفر أحسن حالاً منه قبل ذلك، ألم تروا إلى آدم عليه الصلاة والسلام قال الله عنه: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه:121-122] وهذا الاجتباء والتوبة والهداية حصلت بعد الذنب، فقد يكون الإنسان بعد الذنب أحسن حالاً منه قبل الذنب إذا تاب إلى الله ورجع وعرف أنه مفتقر إلى الله عز وجل.
الجواب: أولاً: كلام هذا الرجل متناقض، لأنه يقول أولاً: تيقن أنه في مزدلفة ، ثم يقول: مشى خمسين متراً فوجد لوحة تدل على أنه لم يصل إلى مزدلفة ، واليقين لا يعارض الواقع، وعلى هذا فنقول: العبرة بالحقيقة، والحقيقة أنه لم يبت في مزدلفة ، لكن يسقط عنه الإثم؛ لأنه بنى على ظنه، ومن بنى على ظنه فإن الله يقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] لكن نرى من باب الاحتياط: أن يذبح فدية في مكة ويوزعها على الفقراء.
الجواب: نعم يصح صيام عاشوراء وحده، ويثاب على ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في صوم عاشوراء: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) لكن بعض العلماء كره أن يفرده -أي: أن يصوم العاشر وحده- ولا يصوم يوماً قبله ولا بعده، قال: لأن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (خالفوا اليهود صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) وقال: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) وعلى هذا فنقول للأخ: صم يوماً قبله أو يوماً بعده.
السائل: إذا كان عليه قضاء من رمضان هل يصوم يوم عاشوراء؟
الشيخ: نعم. الذي عليه قضاء من رمضان يصوم يوم عاشوراء ويصوم يوم عرفة ويصوم أيام البيض، لكن الأفضل أن يبدأ بالواجب.
الجواب: أما متى يوقظ ولده للصلاة فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حد لنا حداً واضحاً، فقال: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع) وهذا يشمل أمرهم نياماً أو يقضاناً، فيؤمر الصبي بالصلاة ولو كان نائماً، اللهم إلا أن يكون عليه في ذلك ضرر فهو لم يكلف بعد.
وأما قول السائل: إنه لا يرى في المساجد إلا كبار السن، فلعل مسجده كذلك، أما مساجد البلد فإنها حسب علمنا وحسب ما نشاهده أكثر من فيها الشباب ولله الحمد، صحيح أننا قبل عشرين سنة أو أكثر؛ أكثر من في المساجد الكبار والشيوخ، لكن بعد أن حصلت اليقظة ولله الحمد صار أكثر من في المساجد هم الشباب.
إلا أن هذه اليقظة في الآونة الأخيرة صار فيها ما يكدرها ألا وهو تفرق الشباب، ذلك التفرق الذي هو خلاف الدين وليس له داعٍ، تجد بعض الشباب يضلل الآخرين أو يبدعهم أو يكفرهم أحياناً، لا للهدى ولكن للهوى والعياذ بالله، صار الآن بعض الشباب -وأما بعضهم والحمد لله فمستقيم- ولاؤه وبراؤه معلق بأشخاص معينين، وهذا غلط، الولاء والبراء يجب أن يعلق بمن كان أهلاً لأن يتبرأ منه أو يوالى، أما أن نجعل هذا مربوطاً بأشخاص فهذا هوى وليس هدى.
ثم إنه من المؤسف أن بعض الناس الآن صار يمشي في ولائه وبرائه على قاعدة من أفسد القواعد وهي: من ليس معي فهو عليَّ. هل هذا صحيح؟ أبداً، من ليس معك فهو إما عليك إن كان ضدك، وإما أن يكون موقفه حيادي.
وعلى كل حال فأنا أوجه نصيحة إلى الشباب: ألا يفسد يقظته بهذا التفرق والتمزق من أجل فلان أو فلان، أناس في بلد ينتمون إلى أشخاص معينين ويضللون من سواهم، وأناس في بلد آخر ينتمون إلى أناس معينين ويضللون من سواهم، هذا غلط، الواجب أن نزيل ما بيننا من خلاف، وأن نكون يداً واحدة، لا أن نغذي هذا الخلاف بالسب والشتم والنشرات، أقول لكم هذا لأني لمست هذا الأمر بيدي، وقد وقع في يدي اليوم ورقة منشورة بالحرف الدقيق صفحة كاملة مكتوب فيها: (العدد الأول) يسبون فلاناً وفلاناً، ما هذه الطريقة؟ ومتى كانت بلادنا تصل إلى هذا الحد من التشويه والتشنيع؟ هذا يؤدي إلى حرب لسان في أول أمره، ثم في النهاية حرب سنان بالسيف، ولهذا يجب على ذوي العقول والألباب من الشباب أن يحاربوا هذه الظاهرة محاربة تامة، وأن يقال: اجلس ولننظر ما الفائدة من أن نسب فلاناً وفلاناً، ما هي الفائدة؟ فالواجب أن يقضى على هذه الظاهرة السيئة التي نسأل الله تعالى أن ينجي شبابنا منها.
الجواب: لا شك أن ما ذكره الأخ السائل يدمي القلب، ويفتت الكبد، ويدل على أن المسلمين مع الأسف ليسوا على المستوى الذي يجب أن يكونوا عليه من الدفاع عن إخوانهم المسلمين.
لو تأملت الإذاعات الآن وجدت أكثر الإذاعات أو الصحف أو وسائل الإعلام فيما بين اليهود وبين الفلسطينيين، مع أن قضية اليهود كلها ألعوبة فيما نرى وخيانات وغدر، وليس عجيباً أن يكون اليهود أهل غدر وخيانة؛ لأن هذا دأبهم، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة كان فيها ثلاث قبائل، وكلهم عاهدوا الرسول ونقضوا العهد، لكن إذا وجدت كلمات عن البوسنة والهرسك أو الشيشان وجدتها في زاوية صغيرة في جريدة، إلا أن صحفنا -والحمد لله- أحياناً تنشر عنهم وتبسط القول في ذلك، وكذلك إذاعتنا، وهذا من نعمة الله علينا.
لكن موقفنا من ذلك نحن كأفراد لا كدول أن نلجأ إلى الله عز وجل بالدعاء في كل وقت وفي كل حال يكون فيها الإنسان أقرب إلى الإجابة أن ينصر الله إخواننا المسلمين في كل مكان، وأن يدمر أعداء المسلمين.
ونحن نشهد الله عز وجل أن كل كافر فهو عدو لنا سواء كان نصرانياً أو يهودياً أو شيوعياً أو وثنياً، أي كافر فهو عدو للمسلم، والكفار بعضهم أولياء بعض ضد المسلمين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51].
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يقوي المسلمين على أعدائهم حتى يتمكنوا منهم وحتى يكون الدين كله لله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر