أما بعد:
فإن من المناسب أن يكون لقاؤنا هذا وهو اللقاء الشهري الذي يتم في مساء كل سبت من السبت الثالث من كل شهر، وهذا هو السبت السادس عشر من شهر جمادى الأولى عام (1417هـ).
وكان ما ذكره أخونا الشيخ/ حمود بن عبد العزيز الصايغ هو موضوع البحث لاستقبال دور العلم للشباب، لكن قد يكون هناك شيء معترض كما يقول النحويون: هذه جملة معترضة، والشيء الذي اعترض هو ما حصل قبل الليلة الماضية من كسوف القمر، يقال: كسوف القمر وخسوف القمر ويقال: كسوف الشمس وخسوف الشمس، لكن الأكثر أن يقال في القمر: خسوف، وفي الشمس: كسوف.
نحن نعلم جميعاً أن خالق السماوات والأرض هو الله عز وجل، وخالق الشمس والقمر هو الله عز وجل، ومسير الشمس والقمر هو الله عز وجل، يقول الله تبارك وتعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا [يس:38] محجوب وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ [يس:38-39] فهما -أعني: الشمس والقمر- يسيران بأمر الله عز وجل منذ خلقهما الله تعالى وإلى أن يأذن الله تعالى بخرابهما وانتهاء العالم، هذه الشمس تطلع كل يوم، والهلال يهل كل شهر بأمر الله عز وجل هو المدبر لهما؛ ولهذا لما حاج الرجل إبراهيم في ربه، فقال له إبراهيم عليه الصلاة والسلام: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258]فقال له إبراهيم: إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ [البقرة:258] فما استطاع أن يرد على هذا الإيراد: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258] ولهذا لو اجتمعت الخلائق كلها على أن ترد الشمس عن طلوعها أو تعجل في غروبها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وإنما الذي يقدر على ذلك هو خالقها الله رب العالمين جل وعلا.
وإذا أراد الله تعالى أن ينذر عباده خسف القمر وكسف الشمس بأمره جل وعلا، هما آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، هكذا أعلن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك لأن الشمس كسفت في آخر حياته عليه الصلاة والسلام، في اليوم التاسع والعشرين من شهر شوال سنة عشر من الهجرة، وصادف أن ذلك اليوم كان فيه موت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم؛ لأنهم في الجاهلية يقولون: الشمس تكسف إذا مات عظيم، والقمر يخسف إذا مات عظيم، فأعلن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بطلان هذه العقيدة وقال: (إنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته) قال: (لموت أحد) لأن هذا هو المعتقد في زمن الجاهلية (ولا لحياته) طرداً للباب، وإلا فلا نعلم أن أحداً من الناس قال: إن الشمس تنكسف أو القمر ينخسف لحياة أحد، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الموت بذكر الحياة طرداً للباب، وأن حياة الناس وموتهم لا يؤثر في العالم العلوي أبداً.
لأنه لما كان الكسوف غير معهود كانت الصلاة غير معهودة، فلهذا قيل: آية شرعية لآية كونية، ما هي الآية الشرعية؟ الصلاة، لأنه لا نظير لها في الصلوات، لآية كونية: وهي كسوف الشمس الذي حصل.
قرأ قراءة طويلة حتى إن الصحابة على قوتهم في دين الله، وشدة أجسامهم، بعضهم صار يخر، يغشى عليه، والنبي عليه الصلاة والسلام في آخر عمره ومع ذلك بقي قائماً القيام الأول بمقدار سورة البقرة، كم البقرة؟ جزآن ونصف تقريباً، ومع ذلك بقي يقرأ عليه الصلاة والسلام، ثم ركع ركوعاً طويلاً طويلاً، ثم قام وقرأ الفاتحة وسورةً طويلة لكنها دون الأولى، وهذا من حكمة النبي عليه الصلاة والسلام، يبدأ الصلاة بالطول ثم يقصرها؛ لأن الناس إذا ابتدءوها بالطول ربما يلحقهم كسل أو ملل أو عجز وتعب، فصار أول الصلاة طويلاً وآخرها قصيراً، حتى في الصلوات الخمس يطيل الركعة الأولى في الظهر أكثر من الثانية، وكذلك من العصر، وكذلك من الفجر لهذه الحكمة.
ثم قرأ قراءةً طويلة دون الأولى، ثم ركع ركوعاً طويلاً دون الأول، ثم قام وقال: سمع الله لمن حمده، وقام قياماً طويلاً نحواً من ركوعه إلا أنه لم يقرأ، ثم سجد سجوداً طويلاً، ثم جلس بين السجدتين جلوساً طويلاً، ثم سجد سجوداً طويلاً، ثم قام إلى الثانية وصنع كالأولى إلا أنها أخف منها. وانصرف وقد تجلت الشمس، وتعلمون أن الكسوف إذا كان كلياً تطول مدته، لكن الرسول أطال الصلاة.
ثم عرضت عليه النار وتأخر حتى كاد يبلغ الصف خوفاً من لفحها، ورأى فيها من يعذب، رأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يعذب يجر قصبه في النار، ما هي القصب؟ الأمعاء، يجرها في النار؛ لأنه أول من أدخل الشرك وسيب السوائب في جزيرة العرب.
ورأى فيها صاحب المحجن وهو رجل يسرق الحجاج بمحجنه، يأخذ متاع الحاج ويجذبه حتى يسقط من البعير، فإن فطن له الناس قال: علق بالمحجن -أي: هو لم يتقصد- وإن لم يفطنوا له أخذه ومشى، رآه يعذب في النار.
ورأى أيضاً امرأةً عذبت في هرة حبستها، لا هي أطعمتها حين حبستها، ولا هي أطلقتها تأكل من خشاش الأرض، فعذبت بسبب هذه الهرة.. انظر تعذيب الحيوان يعذب عليه الإنسان، والإحسان إلى الحيوان يثاب عليه الإنسان، امرأة بغي زانية مرَّ بها كلب يأكل الثرى من العطش، ما هو الثرى؟ التراب الرطب، يأكله من العطش، فنزلت وأخرجت ماءً بخفها وأسقته الكلب فغفر الله لها. قالوا: (يا رسول الله! ألنا في البهائم أجراً؟ قال: نعم، في كل ذات كبد حراء أجر) الله أكبر! أنت الآن إذا أطعمت الشاة من العلف وسقيتها من الماء تنمي مالك، والمصلحة لك، ومع ذلك لك أجر عند الله، أنت إذا أطعمت أهلك تبتغي بذلك وجه الله أثابك الله على ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم لـسعد بن أبي وقاص : (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعله في فم امرأتك).
هذه صفة صلاة الكسوف، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته إذا رأوا الكسوف أن يفزعوا إلى الصلاة والدعاء والذكر والتكبير والاستغفار والصدقة والعتق، من أجل أن يندفع الشر الذي انعقدت أسبابه، والكسوف نفسه ليس هو عذاب لكنه منذر بعذاب، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يخوف الله بهما عباده) ولم يقل: يعاقب الله بهما عباده، تخويف، فالأمر عظيم، يجب الفزع له، ولهذا كان أرجح أقوال العلماء: أن صلاة الكسوف فرض كفاية، لا بد أن تقام في البلد.
وأيضاً إذا اجتمعوا على إمام واحد فقد يكون عند الإمام من الموعظة ما يلين القلوب بخلاف ما إذا تفرقوا.
المسألة الثانية: إذا جاء المأموم وقد رفع الإمام من الركوع الأول في الركعة، فهل يكون أدرك الركعة؟
الجواب: لا، لو دخلت مع الإمام وقد ركع الركوع الأول فقد فاتتك الركعة، ولنضرب لهذا بأربعة أمثلة:
المثال الأول: رجل دخل مع الإمام قبل أن يركع الركوع الأول فهذا نقول: إنه أدرك الركعة، وبعد أن ركع الركوع الأول لكنه يقرأ للركوع الثاني.. ماذا نقول؟ فاتته الركعة.
المثال الثالث: دخل مع الإمام في قراءة الركوع الأول من الركعة الثانية فهذا فاتته الركعة الأولى وأدرك الركعة الثانية.
المثال الرابع: دخل مع الإمام بعد أن رفع من الركوع الأول في الركعة الثانية، فاتته الصلاة كلها، فإذا سلم الإمام أتى بما فاته على صفته، أي: يركع ركوعين في كل ركعة.
المسألة الثالثة: لو انجلى الكسوف قبل أن يتم الصلاة فماذا يصنع؟
يتم الصلاة ولكن يخفف؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (صلوا حتى ينجلي) فإذا انجلى والإمام في أثناء الصلاة فإنه يخففها ويتممها.
المسألة الرابعة: لو انجلى الكسوف قبل أن يصلوا، فماذا يفعلون؟ لا يصلون؛ لأنه انجلى وفات وقته، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (صلوا حتى ينجلي).
المسألة الخامسة: لو حصل الكسوف كما حصل في شهرنا هذا -أي: عند طلوع الفجر- فنقول: إن علموا به قبل الأذان صلوا الكسوف؛ لأنهم علموا به ولا ينبغي أن يؤخروا الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (افزعوا) أي: صلوا بسرعة كالفزع من الخوف، فإذا صلوا وطلع الفجر وخافوا أن تطلع الشمس قبل أن ينتهوا من صلاة الفجر فماذا يصنع؟ يخفف الصلاة -أي: صلاة الكسوف- من أجل صلاة الفجر.
المسألة السادسة: إذا طلع الفجر قبل أن يصلوا صلاة الكسوف، فماذا يصنعون؟
يبدءون بالفريضة قبل صلاة الكسوف، لأن الفريضة صلاة، فتدخل في عموم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (افزعوا إلى الصلاة) ولأنها فريضة والفريضة أحب إلى الله من النافلة؛ لقول الله تعالى في الحديث القدسي: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) ولأنه إذا صلى الفريضة صار الناس في سعة، يستطيع الإنسان أن يخرج إذا كان له شغل أو يخرج إذا كان يريد قضاء حاجته، بخلاف ما إذا كانت صلاة الفجر هي المؤخرة، فالمهم أنه متى صار الكسوف بعد دخول وقت الصلاة المفروضة فإنه يبدأ بالصلاة المفروضة.
هذه مسائل تتعلق بالكسوف، ونسأل الله تعالى أن يعاملنا جميعاً بعفوه، إنه على كل شيء قدير.
أولاً: عباداتهم.
ثانياً: دعوتهم إلى الله عز وجل.
ثالثاً: أخلاقهم.
فالعالم يجب عليه أولاً أن يكون من أسبق الناس إلى عبادة الله؛ لأنه يدعو الناس إلى العبادة فكيف يدعوهم وهو معرض عنها، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي حمله الله أعظم رسالة كان أخشى الناس وأتقاهم لله عز وجل، حتى إنه يقوم يتهجد فتتورم ساقاه وقدماه من طول القيام.
قام معه مرة حذيفة بن اليمان وهو أشب من الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول: فقرأ البقرة، فقلت: يقف عند المائة -أي: مائة آية- فاستمر عليه الصلاة والسلام حتى أتم البقرة، ثم شرع في النساء فأتمها، ثم في آل عمران فأتمها.. ثلاث سور تبلغ خمسة أجزاء وربع، ويقول حذيفة : (كان لا يمر بآية تسبيح إلا سبح، أو آية رحمة إلا سأل، أو آية وعيد إلا تعوذ) فسيكون قيامه طويلاً!!
ابن مسعود أيضاً صلى معه وأطال القيام عليه الصلاة والسلام، قال ابن مسعود: [حتى هممت بأمر سوء -و
فأقول: إن وارث الأنبياء الذي منَّ الله عليه بالعلم يجب أن يرثهم في العبادة أيضاً فيكون من أعبد الناس لله عز وجل.
دعاهم باللين واللطف مع شدة غيرته عليه الصلاة والسلام، هو أشد الناس غيرة، لما أنزل الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:4] وكان سعد بن عبادة رضي الله عنه من أشد الناس غيرة، قال: (يا رسول الله! أراه على امرأتي وأذهب آتي بأربعة شهداء؟!! والله لأضربنه بالسيف) انظر إلى كلام سعد! أي: يجد رجلاً على امرأته: (والله لأضربنه بالسيف غير مصفح) ما معنى غير مصفح؟ أي: أضربه بحده، أقطعه نصفين. فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ألا تعجبون من غيرة
وسأضرب لكم مثلاً في قصة أعرابي دخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وتنحى ناحية وجلس يبول، في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أشرف المساجد بعد المسجد الحرام، وعنده الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة، زجره الناس وصاحوا به، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (دعوه لا تزرموه) أي: لا تقطعوا عليه بوله، فتركوه امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهم يرون أن هذا الأمر منكر، فالمنكر منكر لكن كيف يكون التغيير؟!!
لما انتهى من بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدلوٍ من ماء فصب على البول، انتهت المفسدة الآن، المكان الذي تنجس بالبول صار الآن طاهراً، بقينا في علاج هذا الرجل الأعرابي، دعاه النبي عليه الصلاة والسلام فقال له: (إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى والقذر، إنما هي للتسبيح والتكبير وقراءة القرآن) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فانشرح صدر الأعرابي لكلام الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنه ضاق من وجهٍ آخر، ماذا قال؟ قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً! لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عامله باللطف واللين فانشرح صدره، والصحابة رضي الله عنهم عاملوه بالشدة، وصاحوا به.
فتأمل! كيف بلغت هذه الكلمة من هذا الأعرابي إلى هذا المبلغ العظيم؟! إلى أن تحجر واسعاً يقول: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً.
فالداعي إلى الله يجب أن يكون عنده علم بشريعة الله قبل كل شيء، ويجب أن يكون عنده حكمة كيف يعالج الأمور؟ كيف يدعو الناس؟ وليصبر على مضضٍ إذا رأى شخصاً على منكر وكان صياحه به يؤدي إلى نفوره، المقصود هو إصلاح الخلق، الطبيب الناصح يؤتى إليه بالمريض كله نتن، كله مرض، يصبر عليه، يصبر على نتنه، على مرضه، لأنه يريد علاجه، كذلك أنت تتعامل مع هذا الجاهل حسب ما يقتضيه جهله حتى تتمكن من قلبه؛ لأنك إذا تمكنت من قلبه انفتح لك وانشرح صدره.
عليك يا أخي بحسن الخلق، إنك لا يمكن أن تسع الناس برزقك مهما كان عندك من المال، لكن بحسن الخلق يمكن أن ترضيهم كلهم إذا حَسُنَ خلقك، ألم تعلموا أن الرسول عليه الصلاة والسلام جاءه أعرابي مرة من المرات وجذب رداءه بشدة حتى أثر في عنقه، وقال: اقسم يا محمد! -الأعراب يحبون المال- قال: اقسم. ولم يقل له الرسول عليه الصلاة والسلام شيئاً بل التفت وضحك، مع أن مقامه أرفع مقامات البشر صلوات الله وسلامه عليه، لكن خالق الناس بخلق حسن، إن كنت تريد أن تكون محترماً بينهم معظماً مقبولاً فعليك بحسن الخلق، واجعل دائماً أمام عينك قول الله عز وجل: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] (خذ العفو) أي: ما عفا وسهل من أخلاق الناس، لا تكلف الناس أمراً تريد أن يكونوا عليه.. لا، أنت كن عليه لا يكون الناس عليه، خالق الناس بخلق حسن، وخذ ما عفا منهم، وما فات فلا تحرص على طلبه، تسامح، غض عنهم حتى تكون على أخلاق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم اتباعه ظاهراً وباطناً، وأن يتوفانا على ملته، ويحشرنا في زمرته، ويسقينا من حوضه، ويقر أعيننا فيه بدار كرامته إنه على كل شيء قدير.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. وإلى الأسئلة التي نرجو الله تعالى أن نوفق فيها للصواب.
الجواب: من المعلوم أن الكسوف لم يقع بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة، فكم تكون صلاته؟ صلاة واحدة، وإذا اجتمع البخاري ومسلم على أنها ركوعان في كل ركعة ثم انفرد مسلم أو غيره بأنها ثلاث ركوعات فإن ما اتفق عليه البخاري ومسلم هو المعتمد، ولهذا من قواعد علم المصطلح: أن الثقة إذا خالف من هو أرجح منه عدداً أو حفظاً فالمخالف يسمى شاذاً لا يعول عليه. وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن المحفوظ في صلاة الكسوف هو حديث عائشة رضي الله عنها أنه صلى ركعتين في كل ركعة ركوعان وسجودان، وما عدا ذلك فهو شاذ. لكن صح عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم صلوا ثلاث ركوعات في كل ركعة.
الجواب: على كل حال ينبغي للإنسان أن يكون منظماً لوقته، بقدر المستطاع، فمثلاً: أولاً ينظم الكتب التي يريد قراءتها، فيبدأ قبل كل شيء بفهم كتاب الله عز وجل؛ لأن الله تعالى قال: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص:29] هذا قبل كل شيء، لكن لا مانع من أن يضيف إلى ذلك شيئاً من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام.
ثم بما قاله العلماء في التوحيد والصفات، ثم بما قاله العلماء في الفقه، وكذلك أيضاً لا مانع من أن يخلط مع هذه العلوم شيئاً من علوم اللغة العربية، فهي الآن تكاد تكون مهجورةً عند كثير من الطلبة، تجد طالب علم متقدماً في العلم، إذا قرأ وإذا اللحن في قراءته كثير، وإذا كتب وإذا اللحن في كتابته كثير.. وهذا لا ينبغي.
فعلى كل حال طالب العلم لا بد أن يكون على يد شيخ يوجهه لما ينبغي أن يبدأ به.
الجواب: أنا أوصي بالحفظ أولاً من كان صغيراً؛ لأن الصغير يمتاز بالحفظ عن الكبير بشيئين:
أولاً: سرعة الحفظ.
ثانياً: عدم النسيان.
ولهذا كان من الأمثال السائرة المشهورة: (العلم في الصغر كالنقش في الحجر) ولأن الصغير لا يحتمل ذهنه إلى شرح المعاني وتشقيقها وتحليلها لأنه صغير.. هذه واحدة.
ثانياً: أول وأولى ما يحفظ كتاب الله عز وجل هذا أول شيء، لأن كتاب الله إذا حفظته فهو الأصل في إثبات الأحكام والأدلة، إذا حفظته وأمكنك أن تقرأه على كل حال ما لم تكن جنباً، تقرأه وأنت تمشي في السيارة، أو على قدميك، أو على فراشك، أو في كل وقت ما لم تكن جنباً أو في أماكن لا يليق أن تقرأ القرآن فيها.
ثم بعد ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا سيما في الكتب المخصصة لذلك كـعمدة الأحكام فإن ما فيها مأخوذ من الصحيحين .
ثم ما كتبه العلماء في الفقه، وأحسن ما نرى زاد المستقنع في اختصار المقنع وكان شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله يوصينا فيه، ويقول: إنه من أجمع الكتب المختصرة، وقد تناوله العلماء بالشرح والحاشية والتعليق وغير ذلك.
الجواب: الذي أرى ألا يخبرهم، وألا يشيع الخبر أيضاً إذا علم به؛ لأن الناس إذا علموا به من قبل لم يهتموا به كثيراً، وظنوه كالهلال إذا هل، والكسوف رهبة وتخويف، وصلاته صلاة رهبة، ليست كصلاة العيد التي هي صلاة فرح وسرور حتى يعلن عنها، فكتم خبر الكسوف أولى بكثير من الإخبار عنه.. هذا ما نراه في هذه المسألة، وكذلك يراه شيخنا عبد العزيز بن باز ، وهو أولى بلا شك؛ ولهذا تجد الناس الآن يأتون مثلاً إلى صلاة الكسوف وكأنما أتوا إلى صلاة عيد، وجد الكسوف فجاءوا يصلون، لكن لا تجد الرهبة العظيمة التي أدركناها، كان الناس يأتون إلى المساجد مسرعين، يبكون، وتجد المسجد له صوتاً من البكاء، أما الآن فأصبح كأنه هلال عيد هلَّ، وجاء الناس يصلون.
فلذلك أرى ألا تعلن وألا تشاع إذا سمع بها الإنسان حتى يأتي الناس مفاجأة ويحصل لهم الرهبة والخوف من الله عز وجل.
الجواب: أقول: نصيحتي لهؤلاء أبدؤها بعلماء البلاد: يجب عليهم أن يبينوا للعامة ما حملهم الله إياه، بأن صلاة الكسوف سببها تخويف الله عز وجل للعباد، وأنها تصلى على الصفة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذه الخرافات والخزعبلات لا أصل لها، كيف يذهب الناس يضربون بالدفوف ويرقصون في الأسواق والله عز وجل جعل ذلك تخويفاً؟! فالواجب أولاً على العلماء.
أما العامة فالواجب عليهم الكف عن هذه الأشياء والاتجاه إلى المساجد وإقامة صلاة الكسوف كما أقامها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الجواب: المعاصي لا شك أنها تؤثر لكنه ليس التأثر من نفس المعاصي، بل المعاصي سبب، والذي يغير الأفلاك هو الله عز وجل، قال الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم:41] ولهذا جاء في الحديث -أعني: حديث الكسوف- (لينظر من يحدث منهم توبة) لأن الله يقدر ذلك لينظر من يحدث منهم -أي: من الناس- توبة إلى الله عز وجل، فدل ذلك على أن سبب هذا الكسوف هو المعاصي.
الجواب: صلاته صحيحه؛ لأنه قرأ الركن وهو الفاتحة، واعلموا أن الركوع الثاني من كل ركعة ليس بواجب، بل هو سنة، والركوع الأول هو الواجب وهو الركن، ولهذا قلنا: إن الركعة لا تدرك إلا بإدراك الركوع الأول؛ لأنه هو الركن، أما الثاني فإنه تطوع، لكن يا حبذا لو أن الأئمة طلبوا دورة من المسئولين عن شئون المساجد تبين لهم هذه الأحكام التي تخفى على كثير منهم.
الجواب: لا غرابة على إخوان القردة والخنازير أن يقع منهم ذلك؛ لأن اليهود خونة، لما أنجاهم الله تعالى ومروا بقوم يعبدون الأصنام قالوا: يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138] ولما جاء موسى لميقات الله عز وجل وتأخر عنهم صنعوا من حليهم عجلاً جسداً له خوار، وقالوا: هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ [طه:88] وأفعالهم كثيرة، من أراد المزيد من الاطلاع عليها فليرجع إلى كتاب: إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان لـابن القيم رحمه الله، ذكر عنهم أشياء عجيبة، ووصفهم بأنهم الأمة الغضبية استناداً إلى قول الله تعالى: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ [المائدة:60] هذه الأوصاف لليهود، لا غرابة أن ينكثوا العهد وأن يغدروا، فقد غدروا بأوفى الناس ذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لما قدم المدينة وكان فيها ثلاث قبائل من اليهود: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، عاهدهم ولكنهم نقضوا العهد، ولكن والحمد لله كان نقضهم للعهد سبباً في إجلائهم عن البلاد الطاهرة المطهرة منهم وأمثالهم، فلا تستغرب أن يقع منهم مثل ذلك لا سيما وأن الحكومة الآن صارت من جانب المتشددين المتطرفين منهم.
الجواب: أما إذا كان ذلك قبل طلوع الفجر؛ لأن بعض الناس رأى الكسوف قبل الفجر بنحو ثلث ساعة وصلى، فهذا إذا كان قبل طلوع الفجر فصلاته غير صحيحة، لا تصح فرضاً، يستمر مع الإمام أو يقطعها أحسن، يقطع صلاة الفجر التي نواها ويدخل مع الإمام في صلاة الكسوف.
وأما إذا كان ذلك بعد طلوع الفجر كما هو غالب الناس الذين صلوا بعد طلوع الفجر، فهنا إذا دخل معهم على أنها الفجر ثم تبين له أنها صلاة الكسوف فإنه ينوي الإنفراد عن الإمام ويكملها على أنها صلاة الفجر.
مثال ذلك: دخل معه وهو يقرأ ثم ركع الركوع الأول، فلما قام شرع في القراءة، سوف يعلم هذا المسبوق أن هذه صلاة كسوف وهو قد نوى الفجر، نقول: الآن انوِ الانفراد وأتمها على أنها صلاة فجر ثم ادخل مع الإمام فيما بقي من صلاة الكسوف.
الخلاصة الآن: إذا كان الإمام قد شرع في صلاة الكسوف قبل دخول الوقت، وهذا دخل بنية الفجر، ماذا نقول له إذا علم أنها كسوف؟ اقطع النية، لأنه لا يمكن أن تبني صلاة الكسوف على الفريضة، اقطع النية الآن وادخل من جديد مع الإمام، إذا كان ذلك بعد طلوع الفجر وعرفت أن هذه صلاة كسوف فانوِ الانفراد ولا تقطع الصلاة، انوِ الانفراد وأتمها على أنها صلاة الفجر ثم ادخل مع الإمام فيما بقي من صلاة الكسوف.
الجواب: لا يوجب الغسل؛ لأن الغسل لا يجب إلا بواحد من أمرين -أعني: غسل الجنابة وما يتعلق به-: إما بالجماع ولو بدون إنزال، وإما بالإنزال ولو بدون جماع، وإذا حصل إنزال وجماع صار الحكم معروفاً يجب الغسل.
الجواب: لا شك أن العلماء كل منهم تناول الشريعة من وجه، هذا محدث، وهذا فقيه، وهذا عالم في العقائد، وهذا عالم في النحو، وهذا عالم في البلاغة، لا شك في هذا، وخير الناس من جمع بين الحديث والفقه، ولكن ليعلم أن من المحدثين من ليس عنده فقه بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: (رب مبَلغ أوعى من سامع) من المبلِغ؟ ناقل الحديث، والمبلَغ: هو الذي أخذ الحديث عمن رواه ولكن فقه في دين الله، فليس كل محدث يكون فقيهاً، وليس كل فقيه يكون محدثاً، من الفقهاء مثلاً من يعتني بكتب العلماء ويحققها ويدققها لكنه ضعيف في الحديث، ومنهم بالعكس عنده علم من الحديث لكنه لا يفقه، قليل الفقه في الحديث، فتجده يعتقد العموم فيما ليس بعام، أو الخصوص فيما ليس بخاص، وهلم جراً.
لكن المشكلة الآن ليست هذه، المشكلة تصنيف الناس بمعنى: هذا محدث لا تسأله عن مسألة فقهية، هذا فقيه لا تسأله عن مسألة حديثية.. هذه هي المشكلة، والواجب أن نعتقد الخير والبركة بعلمائنا، وأقصد بالبركة: بركة العلم، وألا نزهد فيما عندهم من العلم؛ لأنك إذا زهدت فيما عند العلماء من العلم فعمن تأخذ الشريعة؟ عن الجهال، هذا من الخطأ العظيم.
الجواب: أقول: إن من نعمة الله عز وجل أنه لا يؤاخذ عباده بما تحدثهم به نفوسهم، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) وهذا مأخوذ من قوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] ألم تعلموا أن الله لما أنزل: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة:284] لما أنزل الله هذه الآية جاء الصحابة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وجثوا على ركبهم بين يديه، وقالوا: (يا رسول الله! لا نطيق هذا، كيف يحاسبنا الله على ما في قلوبنا سواء أبديناه أو أخفيناه؟ فقال لهم الرسول عليه الصلاة والسلام: لا تكونوا كالذين قالوا: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا [النساء:46] قولوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [النور:51] فقالوا كلهم: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285] -ماذا كان ثوابهم؟- ثوابهم أن قال الله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] قال الله: نعم، لا أكلف نفساً إلا وسعها: لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ [البقرة:286] قال الله: نعم. رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]قال الله: نعم. رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا [البقرة:286] قال الله: نعم. رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا [البقرة:286] قال الله: نعم). انظر الجزاء والثواب!
لما أذعنوا واستسلموا أنزل الله الفرج: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] هذه الشكوك التي يلقيها الشيطان في قلب الإنسان لا عمل عليها، ولا أثر لها والحمد لله، ولكن عليك بوصفة دوائية من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي: أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن تنتهي عن ذلك، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر هذه الوصفة لأصحابه حين شكوا إليه أنهم يجدون في نفوسهم ما يحبون أن يخروا من السماء ولا يتكلموا به، قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وانته، بمعنى: أعرض عن هذا، اشتغل بالأمور الأخرى.
وإني أسأل أي إنسان يرد في قلبه هذا الشك: ألست تصلي؟ سيقول: بلى. ألست تتوضأ في أيام الشتاء؟ بلى. ألست تصوم فتجوع وتعطش؟ بلى. لمن؟ لله، أين الشك؟ فما يكون هذا الشك إلا وهماً يلقيه الشيطان في قلبك لعله يجد منك قبولاً ثم اعتقاداً ثم انتكاساً -والعياذ بالله- عليك بالدواء الذي وصفه أعلم الخلق بدواء القلوب ودائها، ماذا يقول؟
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهذه استعاذة بالله تعالى من شيء لا تقدر عليه، الشيء الذي تقدر عليه ما هو؟
(ولينته) اعرض عن هذا، لا يهمك، قم، تطهر، صل، تصدق، أحسن الخلق، ولا يهمك، والله لو أننا سألنا هذا الرجل الذي الآن يشكو الأمر وما أكثر الذين يشكون من ذلك لو قلنا له: تعال.. أنت تتوضأ وتصلي وتتصدق وتصوم وتحج لمن؟ لقال: لله، ما في إشكال، إذاً.. اترك الوهم الذي أدخله الشيطان على قلبك، أعرض عن هذا، وحينئذٍ إذا استعذت بالله ولجأت إليه عز وجل وهو يجير من استجار ثم انتهيت لا يمضي عليك إلا زمن يسير حتى يطهرك الله من ذلك.
الجواب: ليس هذا من عقوق الوالدين، إذا كان اغترابك عن أهلك وعن وطنك أكثر لعلمك وأقوى لإيمانك فعليك به، وليس هذا من عقوق الوالدين، ويمكن أن تزور والديك في الشهر مرة أو مرتين حسب ما يتيسر لك، ويمكن أيضاً أن تتصل بهم صباحاً ومساءً بواسطة الهاتف، لو فرض أن الوالدين مضطران اضطراراً تاماً لك فحينئذٍ نقول: لا بد أن تدفع ضرورتهما، أما والأمر ليس فيه حاجة لكنهما يحبان أن تكون عندهما، وأنت ترى أن وجودك في البلد الذي هم فيه يؤثر عليك، الحمد لله ابق في البلد الذي يزداد فيه علمك وإيمانك، ويمكنك أن تبر والديك بطرق متعددة.
الجواب: الواقع أنه كما قال السائل، لا يمكن للإنسان أن ينكر كلما يشاهده في السوق مع كثرة المنكرات، لو أنه فعل ذلك ما خطا خطوةً أو خطوتين، لأنه سيجد من حلق لحيته، وسيجد من يشرب الدخان، وسيجد امرأة متبرجة، وسيجد رجلاً أسبل ثيابه، يقف مع كل واحد؟! مشكلة، هذا لا يجب، وربما يكون أضحوكةً للناس إذا فعل هذا، لكن من الممكن من حين لآخر أن يمسك رجلاً يرى أنه أقرب للقبول ويسر إليه بأن هذا العمل الذي أنت تعمله حرام ولا يجوز، وقد قال الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] وقال: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
أما سؤال الأخ في مسألة الدخان: فأنا أرى والحمد لله أن الناس الآن انكفوا عنه انكفافاً بالغاً، يعني: ظني الآن أن الشباب خاصة لا يوجد منهم (20%) يشربون الدخان حسب علمي، وأنا لست أتجول في الأسواق لكن هذا ما نشاهده.
فعلى كل حال: الذي ينبغي للإنسان ألا يهول الأمور أكثر من الواقع، الحمد لله الدخان قليل فيما نعلم.
على كل حال: الدخان في الواقع أتعجب ممن يتناوله وهو ضار في البدن، ومضيع للمال، ومضيع للوقت، ومثقل للعبادة، ومفسد للأسنان، ومفسد للرائحة، آفاته كثيرة، ويقال لي: إن بعض البلاد التي يعتبرها كثير من الناس راقية في أمور الدنيا الدخان عندهم ممنوع منعاً باتاً، حتى إذا اضطر أحد منهم إلى أن يشرب السيجارة ذهب مختفياً، وهي بلاد كفر، حتى بلغنا أن الذين في الطائرات إذا مرت بهم من فوق هذه الحكومة امتنعوا من شربها، يشربون الدخان وهم في الجو، فإذا كان هذا شأن أولئك القوم الكفار الذين لا يعرفون التعبد لله عز وجل بالشريعة فما بالنا نحن المسلمين؟ نسأل الله الهداية للجميع.
الجواب: أما توجيهي لعموم الناس: فإن الواجب اجتناب هذه الأغاني؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أنه سيكون من أمته قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، أتدرون والحر هو الزنا، فقرن النبي عليه الصلاة والسلام استحلال الخمر والزنا باستحلال المعازف، والمعازف في اللغة العربية وعند العلماء: هي آلات اللهو، وهذه الأغاني المسموعة لا تخلوا من آلة لهو، فاستحلالها حرام، والاستماع إليها حرام، وإعلاء الصوت بين المسلمين حرام، فالواجب الانتهاء عنها وألا تسمع، وألا تبث أشرطتها، حتى نكون أمةً صالحة تتعاون على البر والتقوى ولا تتعاون على الإثم والعدوان.
وليعلم أن هذا الذي يعلي صوت الأغاني إن كان قصده المراغمة لأهل العلم والدين فهو في الحقيقة لم يراغم هؤلاء لأشخاصهم إنما راغمهم لما يحملوه من علم الشريعة ودين الله عز وجل، وهو على خطر عظيم أن يزيغ الله قلبه ويفسد عليه دنياه وآخرته -والعياذ بالله.
وإن كان قصده أن يستمع إليها من يهوون هذه الأغاني ليجذبهم إليه فهذا دون الأول لكنه قبيح، والواجب الحذر من هذه الأغاني، وأن يُستبدل بدلها بأشرطة قرآنية أو حديثية أو علمية حتى ينتفع الإنسان بها.
الجواب: الزوج يجب عليه أن ينفق على زوجته ولو كانت غنية؛ لقول الله تعالى: ليُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7]؛ ولقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) لكن ينبغي للزوجة إذا كان زوجها فقيراً وليس ذا سعة من المال ينبغي لها أن تساعده على مئونة البيت ومئونة العيال ومئونة نفسها أيضاً، وإلا فإن الزوج ملزم بنفقتها ونفقة أولادها منها.
الجواب: نصيحتي لهؤلاء الرجال: أن يكونوا رجالاً كما هم كذلك، وأن تكون لهم السلطة على أنفسهم، وألا يخضعوا للغضب، ولقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أوصني. قال: لا تغضب فردد مراراً قال: لا تغضب).
ثم إن دواء الخلاف بين الزوجين ليس بأن يطردها من البيت إلى أهلها، هذا لا يزيد الأمر إلا شدة، بل الذي ينبغي أن يتودد إلى زوجته، وأن يعفو عن السيئات، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة) لا يفرك أي: لا يبغض ولا يكره: (إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) والذي ينبغي أن يكون الرجل رجلاً بمعنى الكلمة، من الذي ينسى الحسنات إذا حصلت عليه سيئة واحدة؟ المرأة، أتريد أن تنزل بنفسك حتى تكون بمنزلة المرأة إذا رأيت منها سيئةً واحدة قلت: ما رأيت خيراً قط.
فلذلك أنصح إخواننا إذا حصل بينهم وبين زوجاتهم مشاكل أو سوء تفاهم أن يصبر الرجل ويتحمل، ويعامل المرأة بما هي أهله مما أوصى به الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: (إنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمها كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها على عوج) هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام، وإني واثق من أن الرجل إذا أطاع الله ورسوله في معاشرة أهله فسوف يقلب الله تعالى العداوة والبغضاء في قلبها إلى ولاية ومحبة، يقول الله عز وجل: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] القلوب بيد الله عز وجل، ادفع بالتي هي أحسن وستتغير الأمور.
الجواب: أما إذا كان الجنين قد نفخت فيه الروح، وتنفخ فيه الروح إذا تم له أربعة أشهر، فهذا لا يجوز إسقاطه بأي حال من الأحوال سواء كان مشوهاً، أو أصيبت الأم بمرض لو بقي حتى الوضع لهلكت فإنه لا يجوز إسقاطه أبداً، حتى لو قرر الأطباء أن الحمل لو بقي في بطنها لماتت، نقول: فلتمت ولا يمكن أن نسقطه .. لماذا؟
لأننا لو أسقطناه لقتلنا نفساً بغير حق، جنين لم يجن ولم يعتد على أحد كيف نقتله؟
فإن قال إنسان: أنت إذا أبقيته في بطن أمه هلكت أمه ثم هلك هو أيضاً؟ فالجواب على هذا من وجهين:
الوجه الأول: أنه لو ماتت أمه وكان في زمن يمكن أن يبقى حياً فإنه يمكن أن يبادر بالعملية ويشق بطنها ولو بعد الموت ويخرج الجنين..
ثانياً: لو قدر أن هذا متعذر وأنه لا يمكن إخراج الجنين، وأن بقاءه سوف يكون سبباً لموت أمه قلنا: إذا ماتت أمه فهل موتها بسبب منا أو من الله؟ من الله، إذاً ليس بأيدينا حيلة، لكن لو أننا أخرجنا الجنين ومات فموته بسبب منا.. هذا إذا كان بعد نفخ الروح فيه وهو ما تم له أربعة أشهر.
أما إذا كان قبل ذلك فالأمر فيه أهون، يمكن أن يسقط ويعمل إجهاض؛ لأنه الآن ليس إنساناً، لم تنفخ فيه الروح، ولهذا قال الله عز وجل لما ذكر أطوار الجنين، قال: ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ [المؤمنون:14] فارتقى من الجماد إلى الحياة، وعلى هذا فنقول: إذا كان ذلك بعد تمام أربعة أشهر وهو الوقت الذي تنفخ فيه الروح فإن تنزيله حرام، حتى لو أدى بقاؤه إلى موت أمه.. هذه واحدة، وإذا كان قبل ذلك فلا بأس، إذا قرر الأطباء أنه سيخرج مشوهاً ويتعب هو ويتعب أهله، أو قالوا: إن بقاءه يكون سبباً لهلاك أمه فحينئذٍ لا حرج أن نجهض هذا الحمل.
الجواب: الدواء والعلاج أن يتوب إلى الله، كلما أذنب يتوب إلى الله فإن الله يتوب على من تاب، ولكن بعد التوبة ينبغي أن يتجنب الأسباب التي تكون بها هذه المعصية، يبتعد عنها حتى يسلم من شرها، ويستعين الله عز وجل، ويسأل الله تعالى دائماً الثبات على التوبة، والله سبحانه وتعالى كريم، إنما ليبشر أنه كلما أذنب واستغفر وتاب توبةً حقيقةً يعلم الله منه أنه صادق فإن الله يتوب عليه.
الجواب: أما نصيحتنا لهؤلاء فالظاهر أن كلامنا فيها من باب التكرار، كل يعلم أنه لا يجوز للإنسان أن يسهر ليله ويدع صلاة الفجر.
وأما الذين يؤخرون صلاة الفجر حتى يخرج وقتها مع قدرتهم على أن يصلوا في الوقت فهؤلاء لا تقبل صلاتهم ولو صلوا ألف مرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه، ومن أخر الصلاة عن وقتها بلا عذر شرعي فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً عليه، لكن عليه أن يتوب إلى الله، وأن يكثر من الأعمال الصالحة، ويسأل الله السلامة.
الجواب: نقول: بارك الله فيك، لا تجعل الهم هو الراتب، اجعل همك أن تكون إماماً للمتقين، فإن الحاضرين إلى المساجد من المتقين إن شاء الله، وأنت إمامهم، فتدخل في عموم قوله تعالى: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74] واترك الراتب كأنه إن جاء فهو سوف يأتي وإن لم يأت فلا يهمنك، وحينئذٍ تكون نيتك خالصة.
أما وضع الراتب للأئمة والمؤذنين والمعلمين والمدرسين والدارسين فهذا من باب التشجيع على الخير، ولا بأس به، وكان النبي عليه الصلاة والسلام في غزواته يجعل جعلاً ينشط الغزاة على القتال، حتى قال: (من قتل قتيلاً فله سلبه) أي: ما عليه من الثياب والرحل وما أشبه ذلك مما يعد سلباً، كل هذا من باب التشجيع على الخير، ولا حرج على الإنسان أن يأخذ بدون طلب، المشكل أن يطلب زيادة على وظيفة دينية، ولهذا سئل الإمام أحمد رحمه الله: عن رجل طلبوا منه أن يصلي التراويح فقال: أنا أصلي بكم التراويح، لكن بكم؟ ما أصلي إلا بكذا وكذا، فسئل الإمام أحمد عن هذا فقال: من يصلي خلف هذا؟! من يصلي خلف هذا؟! معناه أن هذا الرجل يريد أن يكون إماماً من أجل الدنيا، قال: نعوذ بالله! من يصلي خلف هذا؟
بعض الناس يقول: إن أخذه الراتب على الإمامة ينقص من إخلاصه، وهذا غير صحيح، ينقص من إخلاصه إذا كان لا يصلي إلا لأجله، أما إذا كان يصلي لله عز وجل ويستعين بما يأخذه على نوائب الدنيا فلا بأس بذلك.
الجواب: إذا كان لا يبلغ النصاب والنصاب خمسة وثمانون جراماً فلا زكاة فيه، وإذا كان يبلغ النصاب فالأرجح من أقوال أهل العلم: أن الزكاة واجبة فيه، يقدر كل سنة ويخرج ربع العشر -أي: (2،5%)- وأما أخذها الزكاة من أجل نفقتها ونفقة عيالها من طعام وشراب وكسوة فلا بأس به إذا كان الذهب الذي عندها لا يزيد عما يلبسه مثلها، أما إذا كان يزيد فلتبع منه ولتستغن بذلك عن أخذ الزكاة.
وفي سؤالها عبارة: (لا سمح الله) وينبغي أن يستبدل بدلاً منها "لا قدر الله" لأن كلمة "سمح الله" تشعر بأن الله تعالى يكره على الشيء إن شاء سمح وإن شاء ما سمح، ولكن الأفضل أن يقال: لا قدر الله ذلك مثلاً.
الجواب: أعوذ بالله، هذا خبر صحفي ليس صحيحاً، ولا نوافق عليه، اللهم إلا إذا كان في بعض الأماكن فممكن.
الجواب: هذه مسألة فيها خلاف بين العلماء: منهم من حدد المسافة، ومنهم من جعل الأمر راجعاً لعرف الناس، فالذين يحددون المسافة يقولون: إذا تجاوز (83كم) فإنه يعتبر مسافراً يقصر ويجمع إن احتاج للجمع، لأن الجمع ليس من رخص السفر دائماً، بل الجمع الأفضل تركه للمسافر النازل في المكان دون السائر، أما القصر فإنه سنة للمسافر ولو كان نازلاً.
ومن العلماء من يقول: السفر ليس محدداً بمسافة وإنما السفر ما عده الناس سفراً وتأهبوا له، وهذا الثاني هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وعليه فنقول: إذا خرج الإنسان عن بلده نحو (70كم) أو (80كم) أو (100%) أو أكثر، ومن نيته أن يرجع عن قرب خرج في الصباح ورجع في آخر النهار فهذا لا يعد سفراً عند الناس، فالأحوط له أن يصلي أربعاً وأن يصلي كل صلاة في وقتها.
وأرى أن مثل هؤلاء أن يصلوا بلا قصر وألا يجمعوا، إلا إذا دعت الحاجة إلى الجمع فليجمعوا بدون قصر.
ثم إني أحب من الإخوة ألا يختلفوا، فمثلاً: هؤلاء الذين اختلفوا: أحد يقول نقصر والآخر يقول: لا نقصر، والثاني يقول: نجمع، والآخر يقول: لا نجمع. يمكن أن نجمع بين الجميع فنقول: أتموا وصلوا كل صلاة في وقتها حتى تؤدوها بلا خلاف.
الجواب: إذا كان الرجل الذي قام عن التشهد الأول ناسياً ثم ذُكِّر إذا كان العهد قريباً يسجد للسهو ولا حرج عليه، وإن كان العهد قد تطاول وطال الزمن فإنه يسقط عنه سجود السهو وصلاته صحيحة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر