أما بعد:
فإنني أبشركم -أيها الإخوة- الذين حضروا إلى هذا المكان لالتماس العلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء، كلنا ينشد أن يصل إلى الجنة، كلنا يقوم بعبادة الله يبتغي من الله فضلاً ورضواناً، وأسباب ذلك كثيرة، وطرقه -ولله الحمد- كثيرة ومنها: أن الإنسان يسعى إلى المحاضرات والملتقيات العلمية النافعة، فإنه يدخل في عموم هذا الحديث: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة).
وأما الغزوة الثانية: فهي غزوة الفتح، فتح مكة، فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج من مكة أم القرى وهو أحق الناس بها، خرج منها خائفاً على نفسه بما حصل له من أذية قريش، حتى اجتمعوا وتشاوروا فيما بينهم: ماذا يصنعون بهذا الرجل، وفي هذا يقول الله تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ [الأنفال:30] أي: ليثبتوك بالحبس فلا تتحرك، أو يقتلوك بإزهاق النفس، أو يخرجوك من البلد، ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، خرج من البلد بإذن الله عز وجل مختفياً؛ حتى بقي في غار ثور مختفياً ثلاث ليال؛ خوفاً من أن يدركه طلب قريش؛ لأن قريشاً بثت البعوث في طلب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حتى إنهم أخرجوا مائة بعير لمن يأتي به، ومائتي بعير لمن يأتي به وبصاحبه أبي بكر رضي الله عنه، ولكن الله تعالى من ورائهم محيط، وبما يكيدون لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليم، فكف الله أبصارهم عنه حتى كانوا يقفون على الغار الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر ويقول أبو بكر : (يا رسول الله.. لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا) لأنه ليس ثمة حائل، لا عش للعنكبوت، وليس ثمة ما يتروء بالبشر، فلا غصن عليه حمامة، كما قاله المؤرخون من غير سند صحيح، بل إن باب الغار مفتوح، وليس فيه ما يمنع الرؤية، ولكن الله عز وجل أعمى أبصارهم، فكان يقول: (لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا، فيجيبه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟!) حتى أنجاه الله.
وبعد ثمان سنوات رجع هذا الذي خرج من مكة مختفياً خائفاً من أهلها رجع فاتحاً ظافراً منصوراً مؤيداً بنصر الله عز وجل، حتى إنه وقف على باب الكعبة وقريش تحته ينتظرون ماذا يفعل، فقال لهم -أي: رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: (يا معشر قريش.. ما ترون أني فاعل بكم -أي: ما تظنون أن أفعل بكم بعد أن قدرت عليكم-؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم قال: لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم، اذهبوا فأنتم الطلقاء).
انظروا إلى هذا العفو العظيم عند المقدرة لقوم أخرجوه من بلده، أخرجوه من بلد الله الحرام الذي هو أحق الناس به! كما قال الله تبارك وتعالى في قريش: وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الأنفال:34].
هذه مناسبة عظيمة، بعدها ذل العرب وأكمل الله ذلك الذل بما حصل من هزيمة ثقيف، ودانت العرب لدعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وقيام رمضان قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيه: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه).
الاعتكاف: اعتكف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في العشر الأواخر من رمضان حينما تقرر أن ليلة القدر في العشر الأواخر فقط.
وحينئذ يحسن بنا أن نتكلم عن الزكاة فنقول: الزكاة ركن من أركان الإسلام، وهي الركن الثالث بارك الله فيكم، الأول: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والثاني: إقام الصلاة، والثالث: الزكاة -إيتاء الزكاة- فموقعه الركن الثالث من أركان الإسلام.
وما أكثر ما تجدونه مقروناً بالصلاة في كتاب الله عز وجل؛ لأن الزكاة حق المال، حتى إن أبا بكر رضي الله عنه قاتل الذين يمنعونها، وقال: [والله لأقاتلن من فرق بين الزكاة والصلاة، فالزكاة حق لله] فهي عظيمة جداً يجب على الإنسان أن يعتني بها، يجب على الإنسان أن يعرف ما الذي تجب زكاته والذي لا تجب، يجب على الإنسان أن يعرف أين يضع هذه الزكاة؛ لأنه إذا لم يضعها في موضعها لم تنفعه ولم تبرأ بها ذمته.
وهذا هو القول الراجح -أعني: القول بوجوب الزكاة في الحلي- هو القول الراجح الذي تدعمه الأدلة.
إذاً الذهب والفضة تجب فيها الزكاة على كل حال، ولكن بشرط أن يبلغ النصاب، والنصاب في الذهب عشرون مثقالاً، وفي الفضة مائة وأربعون مثقالاً، وهي تساوي بالمعايير الحاضرة خمسة وثمانين جراماً للذهب، وخمسمائة وخمسة وتسعين جراماً للفضة.
الورق ليس ذهباً ولا فضة لكن تقدر قيمته بالفضة، فإذا كان عند الإنسان من الورق ما تساوي قيمته خمسمائة وخمسة وتسعين جراماً من الفضة ففيه الزكاة، وقدره علماؤنا بالريالات السعودية الفضية بستة وخمسين ريالاً، فاسألوا الصراف مثلاً: كم تساوي مائة ورقة بالنسبة للدراهم الفضة السعودية؟ وبذلك تعرف الواجب.
وهل يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب أو لكل واحد منهما نصاب منفصل؟ الثاني هو القول الراجح، وعليه فإذا كان عند الإنسان نصف نصاب من الذهب ونصف نصاب من الفضة فلا زكاة عليه، مع أنه لو جمع أحدهما مع الآخر لأتما نصاباً. لكن الصحيح أنه لا يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب، كما لا يضم الشعير إلى البر في تكميل النصاب، فلو كان عند إنسان نصف نصاب من البر ونصف نصاب من الشعير، فلا زكاة عليه لأنه لا يضم الشعير إلى البر، فكذلك لا يضم الذهب إلى الفضة.
مثال: رجل عنده معرض سيارات، السيارة نفسها ليس فيها زكاة، لكن هذا رجل يتاجر بالسيارات، ويوجد عنده معرض، فيه الزكاة؟ نعم، لماذا؟ لأنها معروضة، فهو لا يريد السيارة بل يريد الاتجار، يمكن هذا الشهر يتجر بالسيارات والشهر الثاني يتجر بالمكائن.. أليس كذلك؟ لأن الرجل تاجر، ما له غرض بنفس السلعة، بل غرضه في الربح.
مثال: رجل عنده سيارة طابت نفسه منها واشترى أخرى، ووضع هذه السيارة الأولى في المعرض وبقت سنة كاملة.. ليس فيها زكاة؛ لأن الرجل ليس تاجر سيارات، الرجل عنده سيارة طابت نفسه ويريد أن يبيعها.
مثال: رجل منحت له أرض من الحكومة، أعطاها صاحب مكتب العقار ليبيعها، ليس فيها زكاة؛ لأن الرجل ليس تاجر أراضٍ، لكن هذه أرض أعطيها ويريد أن يبيعها، ليس فيها زكاة؛ لأن عروض التجارة -بارك الله فيكم- هي التي يتجر بها الإنسان.
الآن -مثلاً- صاحب الدكان عنده أقمشة للبيع فعليه الزكاة فيها؛ لأنه يتجر، يشتري اليوم هذا نوعاً من القماش واليوم الثاني نوعاً آخر، فإذا وضع رجل من الناس عنده قماش ليبيعه مع قماشه، هل على الثاني هذا الذي وضع قماشه زكاة وهو ليس صاحب عروض؟ لا، انظر الآن! عندك مثلاً هذا القماش من اليمين فيه زكاة، وهذا القماش من اليسار ليس فيه زكاة؛ لأن هذا عروض تجارة والثاني ليس عروض تجارة.
لكن .. هل تدخل عروض التجارة في رجل عنده آلات كهربائية وهو يتاجر فيها أو لا تدخل؟
الجواب: تدخل؛ لأن عروض التجارة لا تقيد بمال معين، قد تكون أراضي، وقد تكون أدوات كهربائية، وقد تكون مكائن، وقد تكون سيارات، وقد تكون أقمشة، وقد تكون أواني، وقد تكون طيباً.. المهم أنها لا تتقيد بمال، لها ضابط وليس لها حد، والضابط: أن يعدها للتجارة.
مسألة .. رجل عنده عمائر كثيرة يؤجرها ويستلم أجرتها كل سنة مليوناً أو مليونين هل فيها زكاة؟ الجواب: ليس فيها زكاة؛ لأن الرجل يريد أن تبقى العمائر، لكن رجل آخر صاحب عقارات يشتري العمارة اليوم ويبيعها غداً هل فيها زكاة؟ الجواب: نعم. فيها الزكاة، ولهذا عروض التجارة تشكل على بعض طلبة العلم، لكن إذا عرفت الضابط سهل عليك الأمر.
مسألة.. إذا كان الإنسان متردداً يقول: والله ما أدري أتجر بها أو أبقيها، مثلاً عنده أرض يقول: لا أدري أتجر بها أو أبقيها أو أعمر عليها عمارة هل فيها زكاة أو لا؟
الجواب: ليس فيها زكاة؛ لأن الأصل عدم وجوب الزكاة حتى تتمحض النية لإرادة التجارة.
بعد أن عرفنا عروض التجارة أن فيها زكاة فكم يكون نصابها؟
نقول: إذا كان عنده دراهم يضمها إلى الدراهم، فإذا قدرنا عنده نصف نصاب من الفضة ونصف نصاب من العروض هل فيها زكاة أو لا؟
الجواب: فيها زكاة، العروض تضم إلى الفضة؛ لأن قصد صاحب العروض هي الفضة "القيمة" لا بقصد السلعة إطلاقاً، وإنما قصده القيمة.
لكن إذا كان رجل عنده ثلاث سيارات إحداها للركوب والثانية للأجرة والثالثة يبيع ويشتري بالسيارات، انتبه الآن سيارة للركوب، وسيارة للأجرة، وسيارة للتجارة، فالأولى ليس فيها زكاة، والثانية ليس فيها زكاة لكن الزكاة في أجرتها، قد تكون أجرتها كثيرة، الثالثة فيها الزكاة بعينها، بمعنى: أن يقدر فيمة هذه السيارة إذا تم الحول ويزكيها.
يوجد بعض الناس عندهم بساتين والحمد لله، وبعض أهل البادية عندهم غنم، لكنهم يعلفونها الشعير والعلف وهم يريدون بها التنمية ولا يريدون التجارة، هل عليهم زكاة أو لا؟
الجواب: لا، ليس عليهم زكاة حتى لو بلغت مائة بعير فليس فيها زكاة، أو ألف شاة ليس فيها زكاة؛ لأنها معلوفة والمعلوفة ليس فيها زكاة، فلا بد أن تكون سائمة، أي: ترعى الحول أو أكثره، فما تقولون: في رجل عنده بستان وعنده مائة شاة للتنمية تتوالد، يأخذ لبنها يبيع ما فضل عن حاجته من أولادها هل فيها زكاة؟ ليس فيها زكاة؛ لأنها معلوفة.
مثال: رجل عنده مائة شاة للتنمية لكنها ترعى، ولا ينفق عليها ولا فلساً هل فيها زكاة؟
الجواب: فيها زكاة.. لكن رجل عنده شاة للتجارة، إنسان يبيع ويشتري بالغنم وعنده شاة للتجارة تبلغ قيمتها نصاباً من الفضة هل فيها زكاة؟
الجواب: نعم، لأنها عروض تجارة.
وآخر عنده تسع وثلاثون شاة للتنمية، وترعى ولا يعلفها أفيها زكاة؟
الجواب: ليس فيها زكاة.. ؟ لأنها لم تبلغ النصاب، ونصاب الغنم التي للتنمية لا يقل عن أربعين شاة، سبحان الله! عروض التجارة شاة واحدة فيها الزكاة؛ لأن المعتبر قيمتها، لكن إذا كانت للتنمية وهي تسع وثلاثون شاة فليس فيها زكاة؛ لأن أقل نصاب الغنم للتنمية أربعون.
الجواب: لا؛ لأنها لم يتم حولها، ومن شرط وجوب الزكاة تمام الحول إلا شيئاً واحداً -مما تدعو الحاجة إلى بيانه وإلا فهناك أشياء مستثناة- وهو ربح التجارة، فحوله حول أصله، مثال هذا: رجل اشترى أرضاً للتجارة بعشرة آلاف ريال، وشراؤه إياها في محرم، يعني: ملك مالاً قدره عشرة آلاف ريال واشترى به أرضاً للتجارة، وفي ذي الحجة، زادت الأراضي فبلغت قيمة الأرض التي اشتراها بعشرة آلاف ريال عشرين ألف ريال.. هل تجب الزكاة في عشرة آلاف ريال عند تمام حول العشرة أو في العشرين؟
الجواب: في العشرين.. انتبه إلى هذه، الربح يتبع الأصل فليس له حول، وإنما حوله حول أصله.
الجواب: لا؛ لأنه ما تم عليها الحول.
ورجل آخر ينفق من راتبه النصف ويبقى النصف فكيف الزكاة والمال يتجدد كل شهر؟ نقول: له طريقان: الطريق الأول: أن يحصي ما يوفره كل شهر وإذا تم عليه الحول زكاه، وعلى هذا يجب أن يلاحظ ماله كل شهر، وهذا فيه نوع من المشقة، وقد يكون فيه غفلة من الإنسان فينسى، وربما يمر عليه الشهران أو الثلاثة وما زكاها. لكن طريق آخر أهون من هذه: مثلاً: أول راتب استلمه في رمضان، نقول: إذا جاء رمضان الثاني زك ما عندك حتى وإن لم يتم عليه سنة.
لكن الذي تمت سنته واضح أنه أدى زكاته في وقتها والذي لم تتم تكون الزكاة فيه معجلة، وتعجيل الزكاة لا بأس به، ولهذا لو كان الرجل تحل زكاته في رمضان ثم جاءه فقير في شعبان وقال: أنا محتاج. وقدم زكاته فلا بأس.
إذاً نقول: الطريق الثاني لمسألة الرواتب أسهل، انظر أول شهر بدأت تأخذ الراتب واجعله هو رأس الحول كل سنة، وعليه إذا كان الرجل أخذ أول راتب في محرم، متى يأتي الحول؟
الجواب: في محرم، كلما جاء محرم أحصى الذي عنده وأخرج زكاته ويستفيد، لا يحتاج إلى تعب ولا إلى غفلة ولا إلى شيء، هذا أحسن طريق في الرواتب.
مثل ذلك الأجور، بعض الناس عنده عقارات يؤجرها وتختلف المدة: هذا أجره في أول السنة وهذا أثناء السنة وهذا في آخر السنة، فنقول: لك الآن طريقان:
الطريق الأول: أن تزكي كل أجرة على حدة.
والطريق الثاني: أن تأخذ أول أجرة وتجعل الحول عليها وتعجل الباقي الذي لم يتم حوله.
الفقراء والمساكين: هم الذين لا يجدون كفايتهم وكفاية عيالهم، إما أنه ليس عنده شيء، فيتكسب يوماً يربح عشرة ريالات ويوماً يربح عشرين ويوماً لا يربح شيئاً، المهم أنه لا يجد كفايته وكفاية أهله.. فهذا فقير.
وكذلك المسكين، ولكن المسكين أخف حاجة، لكن هل يعطى حتى يصبح غنياً أو يعطى مقداراً معيناً؟ الثاني هو الأرجح وإلا فبعض العلماء يقول: تعطيه من الزكاة حتى يزول عنه وصف الفقر، وهذا ربما يتطلب مئات الألوف، لكن أكثر العلماء يقول: أعطه مقدار كفايته لسنة واحدة فقط، وإذا انتهت السنة وأقبلت زكوات السنة الأخرى يصرف له منها.
لكن كيف نعرف أن المال الذي عنده لا يكفيه سنة، وأنتم تعلمون أنه قد يعتري الإنسان حوادث، وقد يكون على الناس مسغبة.. كيف نقدر هذا؟ نفرض أن هذا في رجل له وظيفة، يتقاضى منها خمسة آلاف، لكنه ينفق عشرة آلاف؛ لأنه صاحب عائلة كبيرة والأجور غالية ومرتفعة، فكم نعطيه؟ نعطيه خمسة آلاف لتكمل حاجته، فخمسة آلاف مضروبة في اثني عشر، تبلغ ستين ألفاً، يعني: نعطيه ستين ألفاً، لكن قد يكون بعض الناس أخرق، تعطيه ستين ألفاً فيذهب يشتري سيارة بستين ألفاً ويبقى جائعاً، ماذا نعمل؟ نعطيه بقدر، وهذا لا بأس به وإن كان فيه تأخير للزكاة لكن لمصلحة الفقير.
فإذا كان الإنسان عنده راتب يكفيه هو وعائلته طعاماً وشراباً وكسوةً وسكناً ولكنه مدين .. تدين لزواجه، أو تدين لشراء بيت وما أشبه ذلك، ولا يستطيع الوفاء أنعطيه من الزكاة؟ نعم، ولكن هل نعطيه هو ويوفي أو نذهب إلى الذي يطلبه ونعطيه؟
الجواب: هذا ينظر من باب المصلحة يا إخوان! فإذا كان الرجل المدين حريصاً على إبراء ذمته وأميناً، ونعلم أننا إذا أعطيناه ذهب مباشرة وأدى الدين، فهذا نعطيه؛ لأنه أستر وأبعد عن الرياء ويتولى هو بنفسه قضاء دينه.
أما إذا كنا نخشى أن هذا الرجل لو أعطيناه المال ليوفي به تلاعب به؛ فهل نعطيه أو نذهب إلى من يطلبه ونعطيه؟ الثاني نذهب لصاحبه ونقول: يا فلان.. بلغنا أنك تطلب فلان بن فلان كذا وكذا من الدراهم. قال: نعم. نقول: تفضل، هذه هي. ونعطيه إياها.
هذا هو ما يمكن أن نتكلم عليه فيما يتعلق في أهل الزكاة.
الجواب: على القول الراجح نعم تصرف؛ لكن لا تصرف في شيء يجب على المزكي أن يقوم به، فمثلاً: إنسان له ولد منعزل عنه في بيته، والولد فقير هو وزوجته وأولاده، وأبوه عنده زكاة، هل يجوز للأب أن يعطي زكاته لهذا الابن؟
الجواب: لا نقول: لا، ولا نقول: نعم. ولكن ينظر إذا كان مال الأب واسعاً يمكن أن ينفق منه على ولده الذي خرج عنه فهنا لا يجوز أن يعطيه الزكاة، وإنما ينفق عليه من ماله رغماً عن أنفه، حتى إن العلماء رحمهم الله قالوا: يجوز في هذه الحالة أن يطالب الولد أباه عند القاضي حتى يلزمه القاضي بالنفقة؛ لأن هذا حق واجب لله عز وجل، ليس الولد هو الذي أوجبه كالدين مثلاً، فالولد لا يطالب أباه بالدين، لكن يطالب أباه بالنفقة، وهذا لحفظ النفس ولحق الله.
أرجو الانتباه الآن، هذا رجل له ولد فقير منعزل عن بيته، في بيت وحده هل يعطيه من الزكاة؟ ينظر إذا كان مال الأب واسعاً يمكنه أن ينفق على ولده، فحرام أن يعطيه من الزكاة ووجب عليه أن ينفق على ولده، أما إذا كان مال الأب قليلاً ففي هذه الحال يجوز أن يعطي ولده من الزكاة.
لكن لو كان هناك إنسان له ولد في بيته، وحصل من الولد حادث وتلفت به سيارة شخص آخر، وقدرت هذه السيارة بعشرين ألفاً، هل يجوز للأب أن يدفع هذه الغرامة عن ابنه الذي في بيته؟
الجواب: يجوز أن يدفع؛ لأن الأب لا يلزمه أن يدفع الغرامات عن ابنه، أما النفقة فيلزمه، لكن دفع الغرامات عن ابنه لا يلزم، ولهذا يجوز للأب في هذه الحال أن يقضي دين ابنه من زكاته، والعلة: لقول الله تعالى: وَالْغَارِمِينَ [التوبة:60] وهذا الابن من الغارمين، والأب لا يلزمه قضاء دين ابنه وكذلك بالعكس: لو كان الإنسان له أب عليه دين، والأب لا يستطيع أن يوفي، فهل يجوز لابنه الغني الذي عنده مال كثير، أن يقضي دين أبيه من زكاته؟
الجواب: نعم يجوز، لكن هل يجوز أن ينفق على أبيه من زكاته؟
الجواب: لا؛ لأن الإنفاق واجب على الابن، لكن قضاء الدين لا يجب على الابن، وحينئذٍ نقول: اقض دين أبيك من زكاتك ولا حرج.
والخلاصة: أن الإنسان إذا كان دفع الزكاة يسقط واجباً عليه لم يجزئ، وإذا كان لا يسقط واجباً أجزأه.
أرأيتم لو أن إنساناً نزل به ضيف، وعنده زكاة تمر، فقال: أخرجها لهذا الضيف بدلاً من أن أبحث عن فقير نقول: هذا لا يجوز؛ لأنه يسقط عن نفسه واجباً عليه وهي الضيافة، فاعرفوا هذا الضابط.
الجواب: الصحيح أنه لا يجوز، وقد حكى ابن عبد البر رحمه الله وأبو عبيد صاحب كتاب الأموال أن العلماء أجمعوا على أنه لا يجوز أن يقضى من الزكاة دين على ميت، لكن الواقع أن فيها خلافاً؛ إلا أن الصواب أنه لا يقضى من الزكاة دين على الميت، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل أن يفتح الله عليه، ويكثر عنده المال، كان إذا قدموا إليه ميتاً عليه دين قال: (صلوا على صاحبكم) ولم يؤد عنه الدين من الزكاة، ولما فتح الله عليه وكثر المال عنده صار إذا قدم إليه الرجل عليه الدين قال: (من ترك ديناً أو ضياعاً -أو ضيعاً- فإلي وعلي) فأصبح يقضي الدين وصلى على الميت..
إذاً الذي عليه جمهور الأمة وعلمائها: أن الزكاة لا يقضى منها دين على ميت، ولأننا لو فتحنا هذا الباب -قضاء الديون عن الأموات- لكان الإنسان يحسب ما هو الذي على آبائه وأجداده من الديون ويصرف زكاته إليه، ولكان الناس يعطفون على الأموات ويؤدون الزكاة في قضاء ديونهم وينسون الأحياء؛ لأن عاطفة الإنسان على الميت أقوى من عاطفته على الحي، وحينئذ يتطلب الذهاب إلى سجلات التجار يقول: تطلبون الميت الفلاني والميت الفلاني، ويقضي الدين عن الأموات ويترك الأحياء، مع أن الحي أحق، وأما الميت فكل من مات له ميت وعليه دين فإنه إذا كان أخذه وهو يريد أداءه، فإن الله يؤدي عنه، ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله).
وإلى هنا ينتهي الكلام عن الزكاة، وأسأل الله أن يجعل فيه خيراً وبركة.
ولهذا أقول: يجب علينا ونحن صيام أن تكون تقوانا لله عز وجل أكثر من تقوانا في الإفطار، وإن كانت التقوى يجب أن تكون في الإفطار والصيام، لكن يجب أن نعتني بالتقوى في حال الصوم أكثر، وإني أظن لو أن أحداً من الناس أمسك عن المعاصي شهراً كاملاً فسوف يتغير منهجه ومسلكه؛ لأنه سيبقى شهراً كاملاً لا يعصي الله.
ومن رحمة الله عز وجل بنا أن شهر رمضان تصفد فيه الشياطين حتى لا تسلط علينا بتحسين المعاصي في قلوبنا، وأنها تغلق فيه أبواب النيران، وتفتح فيه أبواب الجنة؛ حتى يسهل على الإنسان العمل بما يباعده من النار ويقربه من الجنة، وهذه نعمة من الله عز وجل! فهذا الشهر فيه ما يساعد الإنسان على التقوى فاتقوا الله.
ليس من الصوم يا إخوان أن يملأ الإنسان بطنه مما أحل الله له ثم ينام عن صلاة الفجر والظهر والعصر، فإذا قرب المغرب قام ليصلي بل ليفطر؛ لأنه لو كان يصلي لصلى أولاً، لكن ليفطر، ثم يصلي في آخر النهار، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق: يرقب الشمس حتى إذا صارت بين قرني شيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً) وهذا يوجد عند بعض الناس نسأل الله العافية، يتمتعون بما أحل الله لهم في ليلهم، ثم ينامون عما أوجب الله عليهم في نهارهم.
مثلاً: رجل آخر صام عن الطعام والشراب، فجلس إلى صاحبه على عتبة الدكان أو على الرصيف أو في أي مكان، وجعلا يأكلان لحوم الناس: فلان فيه، وفلان فيه... وربما يؤزهم الشيطان فيقعون في أعراض العلماء، وهذا أشد وأخبث، فغيبة العالم أعظم إثماً من غيبة العامي.. انتبه! لأنك إذا اغتبت العامي تضرر هو بنفسه إن تضرر أو قد لا يضره غيبتك، لكن إذا اغتبت العالم تضررت الشريعة الإسلامية، فحملة الشريعة هم العلماء، فإذا قدح الإنسان فيهم هبطت قيمتهم عند الناس وضعفت الثقة بأقوالهم، وحينئذ يكون ذلك ضرراً على الشريعة الإسلامية، ولهذا لما كان قائد الشريعة الإسلامية محمد رسول الله في منـزلة التشريع قال: (إن كذباً علي ليس ككذب على أحدكم، إن من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) لأنه إذا كذب على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم صار ما ينسبه للرسول شريعة، فأدخل في الشريعة ما ليس منها أو أخرج من الشريعة ما هو فيها.
أقول يا إخوان: رجل صام وفي أثناء النهار جلس إلى صاحبه يأكلان لحوم الناس، أهو صائم حقا؟ لا: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه) فهذا لم يدع قول الزور.
في مسند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله الذي صنفه في الحديث، والذي قال لابنه: يا بني.. إن هذا المسند سيكون للناس إماماً. في هذا المسند : (أن امرأتين في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، صامتا فجلست إحداهما إلى الأخرى تأكلان لحوم الناس، فعطشتا عطشاً شديداً -أصابهما العطش- فدعا بهما النبي عليه الصلاة والسلام -أي: طلب مجيئهما- فجاءتا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فأمرهما أن تقيئا فقاءتا دماً وصديداً ولحماً -نسأل الله العافية- فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما، وأفطرتا على ما حرم الله عليهما، جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس) وهذا الحديث ضعيف السند لكن يذكر في مقام الترهيب حتى ينكف الناس عن الغيبة.
ويكفي من ذلك قول الله عز وجل: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً [الحجرات:12].
لجواب: لا يحب فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12] قال بعض أهل العلم: إنه يؤتى بالرجل الذي اغتيب يوم القيامة بجثة ميت، ويعذب الذي اغتابه بالأكل منه، وهو لا يريده بل يكرهه، لكن يعذب، وهذا نظير الذي يصور، حيث إنه إذا كان يوم القيامة يجعل له صورة ويقال له: انفخ فيها الروح. وهو لا يستطيع لكن يعذب.
من كذب في الرؤية قال: رأيت كذا وكذا. وهو كاذب، إذا كان يوم القيامة يكلف أن يعقد بين شعيرتين، تعرفون الشعير؟ هو حب الشعير، لا يمكن أن تعقد بينهما لكن يعذب، ويلزم، فيجد حرجاً ولا يستطيع.
على كل حال أقول: إن الواجب على الصائم أن يتقي الله عز وجل فيقوم بما أوجب الله، ويترك ما نهى الله حتى يكون صومه صوماً حقيقياً.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (تسحروا فإن في السحور بركة) ومن بركاته: أولاً: أكل السحور فيه بركة؛ لأنه إعانة على طاعة الله.
ثانياً: لأنه امتثال لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تسحروا).
ثالثاً: لأنه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه كان يتسحر، قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: (تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم قمنا إلى الصلاة).
رابعاً: لأنه فصل ما بيننا وبين صيام أهل الكتاب، فأهل الكتاب اليهود والنصارى يصومون لكن لا يتسحرون، والأمة الإسلامية تتسحر، فيكون سحورها فصلاً بين صيام المسلمين وصيام اليهود والنصارى، ففيه بركة.
وإذا أذن المؤذن وأنت في مكان مرتفع وتشاهد الشمس فلا تفطر، لكن يجب عليك أن تنبه من يمكنك تنبيهه بأن الشمس لم تغرب، ويجب عليك -أيضاً- أن تبلغ الجهات المسئولة: أن المؤذنين يؤذنون قبل غروب الشمس، وأن تبلغ من تستطيع إبلاغه من المؤذنين حتى يتأخر.
مسألة: لو أن الإنسان أكل وشرب، ثم تسحر، يظن أن الليل باق ولما خرج وجد الناس قد خرجوا من الصلاة أيلزمه القضاء؟
الصحيح: أنه لا يلزمه القضاء، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] فقال الله: قد فعلت. وهذا الرجل الذي أكل لو كان يعلم أن الفجر قد طلع ما أكل أبداً.
وبالعكس: رجل ظن أن الشمس قد غربت -مثلاً: السماء كانت مغيمة وظن أن الشمس قد غربت- فأكل، ثم طلعت الشمس أعليه القضاء؟
الجواب: لا؛ لقوله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] فقال الله: قد فعلت.
ولأنه ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم طلعت الشمس) وفي عهد الرسول لم يكن هناك ساعات، وكانت السماء ملبدة بالغيوم فظنوا أن الشمس قد غربت فأفطروا ثم طلعت الشمس، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين أظهرهم ولم يأمرهم بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لكان من شريعته، وإذا كان من شريعته وجب أن يكون محفوظاً لأمته، ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه أمرهم بالقضاء، وهذا مبني على القاعدة العظيمة التي جاءت من عند الله وهي: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] والحمد لله على التيسير، لما كان الإنسان ضعيفاً يجهل وينسى عفا الله عن الجهل والنسيان.
رجل أكل ناسياً وهو صائم ثم ذكر أنه صائم بعدما شبع تماماً فهل عليه قضاء؟
لا، ليس عليه قضاء والدليل: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] فهذه الآية قاعدة عظيمة، بل ورد في النسيان قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) فالدين يسر، وسمح، لكن بعض الناس يعسر على نفسه.
كنا نتحدث ونحن صغار أن رجلاً اشترى لأهله عنباً وهو صائم -أنا أحدث بها بدون سندها- وجعل يأكل من العنب وهو يمشي، ولما وصل إلى أهله لم يبق في العنقود إلا عنبة واحدة، فأفتى نفسه قال: إن كان العنب الذي أكلته سابقاً لم يفطر فهذه لا تفطر، وإن كان قد فطر فهذه تبع. فالآن أفطر من الواحدة؛ لأنه تعمد، ولم يبق ناسياً.
على كل حال: من أفطر ناسياً أو جاهلاً من أول النهار أو من آخر النهار فليس عليه شيء، ولكن يجب عليه إذا زال العذر أن يتوقف، حتى لو ذكر والماء في فمه يجب عليه أن يمجه، ولو ذكر واللقمة في فمه يجب عليه أن يلفظها؛ لأنه بعد العلم لا يجوز إدخال شيء إلى الجوف.
ولعل في ما ذكرنا كفاية، وسنأخذ بعض الأسئلة.
الجواب: أولاً: نقول: من كان عليه قضاء من رمضان فليبدأ من الغد، فغداً الثلاثاء فيبدأ من الغد؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يصوم أحد قبل رمضان بيوم أو يومين، لكن إذا لم يمكن، فقد تكون امرأة عليها عادة تمنعها من الصيام فلا بأس أن تصوم الأربعاء أو الخميس إذا لم يكن من رمضان.
الجواب: أسأل الله أن يعافيها، اللهم عافها، اللهم عافها، لا شك أن الوسواس أمره عظيم، وأن بعض الموسوسين لا يتمكنون إطلاقاً من العبادة، يعني: بعضهم يخر مغشياً عليه إذا أراد أن يجبر نفسه، ولكن يجب على هذا الذي ابتلي بالوسواس أن يكثر من التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يكثر من ذكر الله، وأن يكثر من قراءة القرآن، وأن يجبر نفسه على فعل الطاعة ولو تعب، هو سيتعب مرة أو مرتين أو ثلاثاً لكن في النهاية سيزول هذا بإذن الله؛ لأن الوسواس من الشيطان: مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس:4-6] فبدأ بالجنة، والشياطين من الجن، والجن من الشياطين أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي [الكهف:50] فالشيطان ذريته الجن كما قال تعالى: وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ [الرحمن:15] وقال الشيطان للرب عز وجل: قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12].
ومعلوم أن الشيطان إذا رأى من بني آدم إعراضاً عن طاعة الله بواسطة الوسواس فسوف يتعبه في هذا، لكن ما هو إلا تعب يسير ثم يزول، وهذا والحمد لله مجرب، فدائماً يتصل بنا أناس من هذا النوع فإذا أجبروا أنفسهم على ذلك فإنه يزول عنهم بإذن الله، وأسأل الله لهذه المرأة المبتلاة أن يشفيها عاجلاً غير آجل، آمين.
الجواب: لا يأثم إذا صام؛ لأن هذا داخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) لأن الحديث: (لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) فإذا كان من عادته أن يصوم يوم الخميس، وفي هذا العام ربما يصادف يوم الخميس آخر يوم من شعبان فإنه يصوم وليس هناك مانع، وكذلك من لم يتيسر له أن يصوم ثلاثة أيام قبل هذا الوقت فله أن يصوم؛ لأنه داخل في قوله: (إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه).
الجواب: لا يجوز الصيام؛ لأن الصيام لا بد أن يمسك الإنسان عن الأكل والشرب والجماع وسائر المفطرات من طلوع الفجر، وهذا لا يصح صومه، لكن الحمد لله النفل أمره واسع، إذا قام بعد طلوع الفجر وهو ناو أن يصوم فإما أن يبقى على نيته بدون أكل ولا شرب ولا شيء من المفطرات، وإما أن يأكل ويشرب ويقضي يوماً مكانه، وإما أن يأكل ويشرب ولا يقضي شيئاً منه؛ لأن النفل تطوع إن شاء فعل الإنسان وإن شاء لم يفعل.
الجواب: أما الأول وهو القطرة في العين أو في الأذن فلا تفطر ولو وصلت إلى الحلق لأن هذا ليس أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب، وليست العين والأذن من المنافذ المعتادة في إيصال الشيء إلى المعدة، لكن الاستنشاق من الأشياء المعتادة في إيصال الشيء إلى المعدة، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال للقيط بن صبرة : (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) وهذا يدل على أن ما دخل من الأنف كالذي يدخل من الفم، هذا هو الفرق، ولهذا نقول: لا بأس أن يتطيب الصائم بالبخور والدهون وغير ذلك والروائح -أيضاً- لكن دخان البخور لا يستنشقه؛ لأنه ربما يصل إلى جوفه.
الجواب: قولي في ذلك أنه لا شيء عليها، ما دام زوجها قد استفتى بعض العلماء وقال: ليس عليها إلا الإطعام، فليس عليها شيء، لكن الصحيح: أنه يلزمها القضاء لعموم قوله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] أما ما مضى وبني على الفتوى التي نقلها الزوج فلا شيء عليها، وهكذا كل مسألة يسأل عنها العاميُ من يعتقده عالماً ثم يفتي بخلاف الصواب فلا شيء عليه، لكن بشرط أن يعرف أن هذا المستفتى أهل للفتوى، ليس كل من لبس زي العلماء وأعفى اللحية يكون عالماً، فقد يكون جاهلاً، لكن إذا علم من كونه رجلاً مشهوراً، أو من كون الناس يستفتونه أنه أهل للفتوى وأفتاهم ولو بخلاف الصواب فلا شيء على المستفتي.
الجواب: هي بالخيار: إن شاءت دفعت فدية كل يوم بيومه، لكن لا تدفع في اليوم الثاني للفقير الأول؛ لأنه لا بد أن يكون عدد الفقراء كعدد الأيام، إذا كان الشهر ثلاثين يوماً فيكون عدد الفقراء ثلاثين مسكيناً أو ثلاثين فقيراً، وإذا كان تسعة وعشرين يوماً فعدد الفقراء تسعة وعشرون فقيراً.
أما مقدار ما يبذل فليس كما قال السائل صاعاً، بل هو أقل، والصاع الموجود عندنا -من الأرز- يكفي لخمسة فقراء.
ويجوز أن الإنسان يجمع في العشر الأول عشرة من الفقراء ويعشيهم، وفي العشر الوسطى عشرة من الفقراء غير الأولين يعشيهم، وفي العشر الأخيرة عشرة من الفقراء غير الأولين ويعشيهم، ويجوز أن يجمع ثلاثين فقيراً في آخر يوم كما كان أنس بن مالك رضي الله عنه يصنع ذلك لما كبر.
الجواب: نعم هناك توجيه، والشكايات في هذا كثيرة، بعض الناس يصطحب عائلته في العمرة لكنه يعتمر ويبقى في مكة يوماً أو يومين ثم يرجع، هذا حصل أجراً كاملاً؛ لأنه أدى عمرةً في رمضان ومن أدى عمرة في رمضان فكمن أدى حجاً وانتهى، ويرجع إلى بلده، وينشط أهل مسجده، وربما يكون خشوعه في بلده أكثر من خشوعه في المسجد الحرام؛ لكثرة الناس وكثرة الضوضاء والأصوات وما أشبه ذلك، فهذا لا شك أنه على خير.
ورجل آخر ذهب بأهله وأدى العمرة وأبقاهم هناك ورجع، وهذا خطأ عظيم، وإهمال، وليس له من الأجر -والله أعلم- أكثر من الوزر إذا فعل أهله ما يوزرون به؛ لأنه هو السبب.
ورجل ثالث ذهب بأهله وبقي طيلة شهر رمضان، لكن كما قال السائل: لا يبالي بأولاده ولا ببناته ولا بزوجاته، يتسكعون في الأسواق، وتحصل منهم الفتنة وتحصل بهم الفتنة، ولا يهتم بشيء من ذلك، وتجده عاكفاً في المسجد الحرام، سبحان الله! تفعل شيئاً مستحباً وتترك شيئاً واجباً! هذا آثم بلا شك، وإثمه أكثر من أجره؛ لأنه ضيع واجباً، والواجب إذا ضيعه الإنسان يأثم به، والمستحب إذا تركه لا يأثم.
فنصيحتي لهؤلاء: أن يتقوا الله، فإما أن يرجعوا بأهلهم جميعاً، وأما أن يحافظوا عليهم محافظة تامةً، والله المستعان.
الجواب: تقديمها جائز، أما تأخيرها فلا يجوز إلا إذا كان لا يوجد في المكان مستحق، أو كان يؤخرها لحاجة أشد مثل أن يقول الناس في رمضان: الفقراء مستغنون، أؤجلها إلى شوال، أو إلى ذي القعدة، أو إلى ذي الحجة؛ لأنهم أكثر حاجة، فهذا لا بأس به، لكن عليه أن يضبطها بالقيد؛ لأنه لا يأمن أن يموت ويضيع الواجب عليه.
الجواب: الضابط ما ذكرناه: وهو ألا يدفع شيئاً واجباً عليه، فإذا دفعها للابن أو للأب من أجل النفقة وهو ممن يجب عليه الإنفاق عليه فإنها لا تجزئ، وإذا دفعها في قضاء دين أو نحوه مما لا يجب عليه فهي مجزئة.
الجواب: لا يجوز، الزكاة لا بد أن تدفع دراهم، لكن إذا وجد أحد يقبض الزكوات نيابة عن الدولة فهنا لا بأس أن يشتري بها حوائج للفقراء ويعطيهم إياها، وأما إذا كان من نفسه أو كان وكيلاً لشخص آخر فإنها لا تحول إلى أعيان بل تصرف دراهم.
الجواب: ما دام أن هذا الرجل لم يفرط في حفظ الدراهم ووضعها في محل أمين، ووضعها -أيضاً- في جيبه الذي على صدره لا في جيبه الذي على جنبه؛ لأن الجيب الذي على الجنب في الزحام ليس بحرز في الواقع، لأن كل واحد في الزحام يمكنه أن يدخل يده فيها ويخرج ما شاء، لكن يكون الجيب في الصدر، فأقول: إذا لم يفرط فلا بأس، وأما إذا كان مفرطاً فإن عليه أن يضمن هذه الدراهم، ويرد ما زاد إلى صاحبه الذي أعطاه إياها.
الجواب: إذا كان قد اشترى فيها أرضاً للبيع والشراء وللتكسب ففيها زكاة لا شك، ولكن كيف يزكيها؟
الجواب: إذا جاء حولُ الزكاة فيقدر قيمة الأرض، ويقدر سهمه منها، ثم يكتب عنده، يجب علي لهذا العام عام (1417هـ) مائة ريال زكاة نصيبـي من الأرض الفلانية، ولا يلزمه الدفع إذا لم يكن عنده دراهم إلا إذا باعها فيزكي لما مضى، أما إذا كان عنده دراهم فيجب أن يدفع زكاتها؛ لأن عروض التجارة كبقية المال يندمج بعضه في بعض.
الجواب: أما إذا قدر الله عليها وماتت من قبل أن ينفذ، فالمال يرجع إلى الورثة إذا أرادوا أن يبنوا به مسجداً فلا بأس وجزاهم الله خيراً، وأما قبل أن تموت فلا يجوز أن يتصرف فيه؛ وذلك لأن هذه العجوز لا حكم لقولها؛ لأنها لا تشعر ولا تدري فقولها هدر، ولا يجوز أن ينفذ شيئاً مما قالته إلا إذا كانت قالته عن وعي وعقل فنعم.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وأرجوكم المعذرة لأن لنا موعداً في محاضرة في بلاد مجاورة، ونريد أن يسمع صوتنا في هذه البلاد وهي بلاد بعيدة، وموعدهم الساعة الثامنة والنصف فبقي ساعة إلا ربع، وهي الصلاة والذكر والمشي فنرجوكم المعذرة.
ونسأل الله يجزيكم خيراً، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح إنه على كل شيء قدير.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر