أما بعد:
فهذا هو اللقاء الشهري الذي يتم في ليلة الأحد الثالث من كل شهر، وهذه الليلة ليلة إحدى وعشرين من شهر شعبان عام ثمانية عشر وثمانمائة وألف، وهي أطول ليلة في السنة، ولهذا بعد يومين سيكر النهار على الليل ويأخذ من الليل ما أخذه منه، وهذا دليل على حكمة الله تعالى وقدرته، فهذه الشمس التي يختلف بها الليل والنهار تارة تكون في أقصى الجنوب وتارة تكون في أقصى الشمال، والذي يسيرها ويدبرها ويجريها إلى أجل مسمى هو خالقها عز وجل، قال الله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ [القصص:71] ما الجواب؟ لا أحد يأتينا بضياء إذا جعل الله الليل سرمداً إلى يوم القيامة قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ [القصص:72]؟ الجواب: لا أحد أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ [القصص:72-73] أي: في الليل وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [القصص:73] أي: في النهار وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص:73] نسأل الله أن يرزقنا وإياكم شكر نعمته وحسن عبادته.
نحن الآن في استقبال شهر رمضان، نسأل الله تبارك وتعالى أن يفيض علينا وعليكم من بركاته، وأن يجعلنا وإياكم ممن يصومه ويقومه إيماناً واحتساباً، ولكن كيف نستقبل هذا الشهر المبارك؟
إنه شهر لا نظير له في شهور السنة، إنه شهر خصه الله بخصائص لا توجد في غيره من شهور السنة، فهو الشهر الذي فرض الله صيامه، وجعل صيامه أحد أركان الإسلام، وهو الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان، وهو الشهر الذي فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وهو الشهر الذي أعز الله فيه هذه الأمة في بدر حيث كانت الغلبة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه، وهو الشهر الذي فتحت به أم القرى وأنقذها الله تعالى من الشرك والمشركين، ففي هذا الشهر فضائل سابقة وفضائل لاحقة.
ينبغي لنا أن نستقبل هذا الشهر بكل انشراح، وبكل سرور، وبكل عزم، وبكل نشاط على الأعمال الصالحة حتى نغتنم الفرصة، فكم من إنسان تمنى أن يدرك هذا الشهر ولم يدركه، وكم من إنسان أدرك هذا الشهر وفات عليه -خسره- ولم يعمل فيه شيئاً؛ لذلك أحث نفسي وإياكم على أن نستقبل هذا الشهر بالأعمال الصالحة المقربة إلى الله عز وجل، وأعظم ما فيه من الأعمال الصالحة الصيام؛ لأنه فرض، وركن من أركان الإسلام، ولكن هل الصيام أن نصوم عن الأكل والشرب والأهل؟ لا. هذا صيام ظاهري حسي، لكن الصيام المعنوي الحقيقي هو: أن يصوم الإنسان عما حرم الله، ولهذا قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] لم يقل: لعلكم تجوعون، لعلكم تعطشون، لعلكم تتشوقون للأهل، قال: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21].
وبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا بقوله: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) إن الله تعالى لم يفرض علينا صيامه ليعذبنا به جوعاً وعطشاً وإمساكاً عن الأهل، إنما أراد منا أن ندع قول الزور والعمل به والجهل، فما قول الزور؟
قول الزور: كل قول محرم فهو قول زور، سواء شهادة زور، أو غيبة، أو نميمة، أو كذب، أو غير ذلك، كل قول محرم فهو قول زور؛ لأنه مأخوذ من الازورار وهو: الانحراف.
والعمل به -أي بالزور- ويراد به كل عمل محرم، كالنظر في النساء، والنظر في الكتب البدعية، والنظر إلى الأفلام السيئة وغير ذلك.
والجهل: العدوان على الناس، وليس ضد العلم؛ لأن الجهل هنا يراد به العدوان كما في قول الشاعر الجاهلي:
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا |
معنى لا يجهلن أحد علينا أي: لا يعتد ويبغ علينا، فإن بغى علينا صرنا أشد منه.
ولا شك أن مؤمناً يمر به شهر كامل يتأدب بآدابه؛ لا شك أنه سيتغير مسيره، سيرجع إلى الله بعد الهرب منه، وسيرجع إلى الطاعة بعد المعصية، وستتهذب أخلاقه؛ لأن شهراً كاملاً يعتكف فيه الإنسان على ما يرضي الله عز وجل لا بد أن يؤثر فيه مهما كان.
شرب الدخان حرام، وقد تبين للعلماء كثيراً الآن أنه حرام، وأن الشارب عاص لله ورسوله، وأنه إذا أصر على شربه انتقل من دائرة العدالة إلى دائرة الفسوق، فيكون فاسقاً، وشهر رمضان ميدان فسيح لمن أراد الله هدايته؛ فأمسك عن الدخان؛ لأنه سيمر به اليوم كاملاً وهو لا يدخن، فليتحمل وليصبر ليلته ثم يأتي اليوم الثاني، وبعد مضي أسبوع تتغير الأحوال، قد يكون في أول الأسبوع يشق عليه هذا كثيراً؛ لكن فيما تتبعنا وسبرنا وجدنا أن الأمور التي يريد الله أن تتغير تتغير في أسبوع، ولهذا كانت العقيقة -الذبيحة عن الولد- في اليوم السابع، يمر به الأسبوع، وهذا يطور الشيء، كثير من المرضى يحسون بالمرض ويصبرون عليه، وبعد أسبوع تتغير الحال إما إلى أسوء وإما إلى أصح.
فأقول: إن هؤلاء الذين ابتلوا بشرب الدخان سيجدون في أول الأسبوع مشقةً عظيمة شديدة، لكن عليهم أن يتحملوا ويصبروا؛ لأنه وإن كان الثمن باهظاً فالسلعة غالية، الثمن باهظ سيتكلفون ويشق عليهم، لكن السلعة غالية، وهي أن يعصمهم الله من هذا الدخان الخبيث، وإذا مضى أسبوع تتغير الأحوال، والأسبوع الثاني تتطور إلى أحسن، وهلم جرا، فلا يخرج هذا الشهر المبارك إلا وقد عصم الله تعالى من شاء من عباده من شرب هذا الدخان الخبيث، لكن يبقى عليه أن يتعاهد هذه العصمة بحيث يبتعد عن الذين يشربونه حتى لا ينتكس بعد الاستقامة.
كذلك -أيضاً- بعض الناس يذهب إلى مكة ويبقى كل الوقت هناك ويضيع أهله وأولاده، يسفهون ويتسكعون في الأسواق ليلاً ونهاراً، ويضيعون الواجب؛ لأن بعض الناس في رمضان يحيون الليل وينامون النهار، ويتركون الصلاة مع الجماعة؛ فيضيعهم وهو مسئول عنهم، فيكون هذا الرجل فعل مستحباً وترك واجباً، وكل إنسان عاقل لا يمكن أن يفضل المستحب على الواجب.
وشر من ذلك من يذهب بعائلته إلى مكة ويدع العائلة الشباب والشابات يتسكعون في مكة، ويسفهون مع من يسفه ولا يبالي، تجده في المسجد الحرام يمكن في أول صف ويرى أنه حصل على أجر كثير وخير عميم، ولم يدر المسكين أنه بإضاعته أهله على إثم كبير؛ لذلك يجب علينا -يا إخواني- إذا أردنا عبادة أن نستشير أطباء العبادة، فمنهم أطباء العبادة؟ العلماء، فنستشير العلماء: هل هذا خير أو غير خير؟ هل هو شر أو خير؟ وأما أن يتعبد الإنسان لربه بعاطفته فهذا خطأ عظيم، قال الله عز وجل: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ [المؤمنون:71] أي: بالقرآن الذي فيه تذكرهم فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:71].
الجواب: يجزئه؛ لأنه نوى شيئاً محتملاً، يعني: ليلة الثلاثين من شعبان يمكن أن تكون هي أول يوم من رمضان، أليس كذلك؟ وقد استثنى: إن كان غداً من رمضان فأنا صائم فصار غداً من رمضان، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) هذا الرجل له ما نوى أو لا؟ نعم. له ما نوى، وقد نوى إن كان غداً من رمضان فهو صائم.
فإذا قال إنسان: هذا شرط في العبادة، والشرط في العبادة ليس بصحيح، فلابد من الجزم بالعبادة. قلنا: بل الشرط في العبادة صحيح، الدليل: أن ضباعة بنت الزبير أرادت الحج فأتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقالت: (يا رسول الله! إني أريد الحج وأنا شاكية -أي: مريضة- فقال لها: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني، فإن لك على ربك ما استثنيت) الله أكبر! حجي واشترطي، ما دمت مريضة تخشين ألا تكملين النسك فاشترطي، قولي: (إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، ثم قال: إن لك على ربك ما استثنيت).
فإذا قال قائل: ما هو الدليل على أن صومه صحيح؟
قلنا: لأنه أخذ برخصة الله، وقد قال الله تعالى: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ [البقرة:187] إذاً هو أكل برخصة من الله؛ لأنه ما تبين له، فليس عليه قضاء وصيامه صحيح، والدليل هذه الآية: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187].
أيضاً دليل آخر: قال الله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] ماذا قال الرب عز وجل؟ قال: قد فعلت. أي: لن أؤاخذكم إن نسيتم أو أخطأتم، وهذا الرجل مخطئ أو متعمد؟
مخطئ، فليس عليه شيء رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] هذا مخطئ وقد قال الله عز وجل: قد فعلت فالحمد لله.
أيضاً: رجل سمع المؤذن يؤذن للمغرب وهو صائم، سمع المؤذن يؤذن والدنيا مظلمة فأكل وشرب، ثم تبين أن المؤذن أخطأ، الساعة مقدمة والشمس لم تغرب، هل يلزمه القضاء أو لا يلزمه والصوم صحيح؟ الصوم صحيح يا إخواني، كيف يكون صحيحاً وقد تبين أنه أكل قبل أن تغرب الشمس؟
نقول: نعم. هذا الرجل هل هو متعمد أن يأكل قبل أن تغيب الشمس أو مخطئ؟
مخطئ، فإذا كان مخطئاً فهذا كلام الله عز وجل: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] فقال الله: قد فعلت. وقال جل وعلا: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5] الحمد لله، فهو كريم تكرم على العباد جل وعلا، أفلا يليق بنا أن نقبل كرمه؟ بلى والله، نقبل كرمه.
ثم نقول: هذه المسألة بعينها وقعت في زمن البشير النذير محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: [أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم طلعت الشمس] أفطروا في يوم غيم بناءً أن الشمس غربت، ثم طلعت الشمس ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالقضاء مع أنهم أكلوا قبل غروب الشمس، ولو كان القضاء واجباً عليهم لبلغهم الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك؛ لأنه إذا كان القضاء واجباً كان من شرع الله، والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم مأمور أن يبلغ شرع الله، وإذا بلغه فلا بد أن ينقل إلينا؛ لأن الشرع إلى يوم القيامة، فلما لم ينقل إلينا أنهم قضوا يومه، علمنا أن الرسول لم يأمرهم بذلك وأن صيامهم صحيح.
إذاً ليس عليه القضاء؟ نعم. فيه دليل خاص في الموضوع وهو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) الفعل ليس فعله في الواقع، لأنه ناسٍ، فكأنه لم يفعل، ولهذا قال: فإنما أطعمه الله وسقاه.
هذا الرجل الذي هو حديث عهد بعرس يقول: إنه يعلم أنه حرام، لكن لا يدري أن عليه هذه الكفارة المغلظة، ولو علم أن عليه هذه الكفارة المغلظة ما فعل -والكفارة هي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، فإن لم يجد سقطت- وهو يعلم أنه حرام لكن لم يعلم أن عليه هذه الكفارة، ولو علم ما فعل، فهل نلزمه بالكفارة أو لا؟
الجواب: نعم. نلزمه بالكفارة، ولدينا على ذلك دليل وتعليل، الدليل: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: (يا رسول الله! هلكت هلكت، قال: ما الذي أهلكك؟ قال: أتيت أهلي في رمضان وأنا صائم) الرجل يعلم أنه حرام ولهذا قال: إنه هلك، قال: (أتيت أهلي في رمضان وأنا صائم، قال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اعتق رقبة، قال: لا أجد. قال: صم شهرين متتابعين، قال: لا أستطيع. قال: أطعم ستين مسكيناً، قال: لا أجد) كم الخصال الآن؟ الخصال ثلاث، عتق، فإن لم يجد فصيام، فإن لم يستطع فإطعام، لكن ما عنده شيء (فبينما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جالس إذ جيء إليه بزنبيل فيه تمر، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهذا الرجل: خذ هذا فتصدق به قال: يا رسول الله! أعلى أفقر منا؟ والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا) سبحان الله! رجل قد أتى خائفاً هالكاً وطمع هذا الطمع، قال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أطعمه أهلك) فرجع إلى زوجته بتمر يكفيهم إلى ما شاء الله.
فلم يعذره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بجهله في وجوب الكفارة؛ لأنه عالم.
التعليل: هو أن هذا الذي يعلم التحريم قد انتهك حرمة الزمن وحرمة الصيام فلا عذر له؛ لأنه انتهك الحرمة.
قال بعض أهل العلم: لا يجوز؛ لأنه لما تلبس بالفرض صار إتمامه واجباً، والقاعدة الفقهية: أن من دخل في فرض لزمه إتمامه. فلا يجوز أن يفطر.
وقال بعض العلماء: بل يجوز أن يفطر، وهذا القول هو الصحيح، أن من سافر في أثناء اليوم وهو صائم فله أن يفطر سواء شق عليه الصيام أم لم يشق، الدليل: لأن التعليل الذي ذكره المانعون تعليل قوي، دخل في فرض ولا يمكن أن يخرج منه إلا لضرورة، لكن نقول لدينا دليل: وهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفطر في السفر وكان صائماً. ولا شك أن لنا في رسول الله أسوة حسنة -عليه الصلاة والسلام- فعليه: إذا سافر في أثناء اليوم وهو صائم فله أن يفطر ولا حرج عليه.
لو قدرنا أن معه أهله هل يجامع أو لا؟ نعم يجامع؛ لأنه متى جاز الأكل والشرب جاز الجماع، هما قرينان في القرآن الكريم: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187] ولذلك لو دخل وقت الصلاة وأنت في بلدك ثم سافرت قبل أن تصلي، فهل تصلي أربعاً أو ركعتين؟
تصلي ركعتين؛ لأنك الآن مسافر، فلو قال قائل: هذا وجبت عليه الصلاة أربعاً؛ لأنه أذن وهو في البلد، قلنا: نعم. وجبت عليه أربعاً؛ لكن الآن هو في سفر، وقد قال الله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ [النساء:101] فيصلي ركعتين.
كما لو أنه كان بالعكس، لو قدم من السفر وقد دخل عليه وقت الصلاة وهو في السفر ثم وصل بلده كم يصلي؟ يصلي أربعاً، العبرة بفعل الصلاة.
لو سألنا سائل: الصائم الذي سافر للعمرة هل الأفضل أن يؤدي العمرة في النهار ولكنه لا يستطيع إلا أن يفطر ويتقوى على الأكل والشرب، أو الأفضل إذا وصل إلى مكة أن يبقى إلى آخر النهار فإذا أفطر وتقوى أتى بالعمرة؟ أيهما أفضل؟ الأول أفضل، نقول: أفطر وأد العمرة منذ أن تصل إلى مكة؛ لأن المعتمر لا ينبغي أن يقدم شيئاً على العمرة من حين أن يصل إلى مكة، حتى أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان ينيخ راحلته عند المسجد قبل أن يذهب إلى رحله ويؤدي العمرة، فنقول: هذا أفضل.
هذا المثال الذي ذكرته الآن قد لا نحتاج إليه اليوم؛ لأن اليوم النهار بارد ويمكن للإنسان أن يأتي بعمرته من حين أن يصل بدون مشقة، لكن قبل سنوات كان الإنسان يشق عليه جداً أن يؤدي العمرة وهو صائم، والأمر والحمد لله واسع.
نعم. لو فرض أنه ضرب إبرة تغني عن الطعام والشراب ويتغذى عليها الإنسان فهذا نقول: إنه يفطر لكنه لا يحتاج إليها غالباً إلا لمرض ونقول: أفطر من أجل المرض، الأمر واسع -والحمد لله- ومن ذلك من يصابون بالفشل الكلوي يحتاجون إلى إبر تخرج الدم وينظف ثم يعود، هؤلاء نقول: أفطروا والأمر واسع، أفطروا وأجروا هذه العملية، وإن كان المرض مستمراً لا يرجى برؤه فأطعموا عن كل يوم مسكيناً، وإن كان يرجى برؤه فانتظروا حتى يعافيكم الله وتقضون لقوله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185].
بالنسبة للأئمة يجب عليهم أن يتقوا الله فيمن وراءهم، وأن يؤدوا الصلاة على وجه يطمئن الناس فيه، ويتمكنون من الدعاء في الركوع والسجود، والدعاء في السجود أوكد من الدعاء في الركوع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن -أي: حري- أن يستجاب لكم) فليعط المأمومين فرصة للدعاء والتسبيح والثناء على الله عز وجل، ولا يكن همه أن يخرج مبكراً؛ لأن بعض الأئمة يلاحظ هذا، يسرع في التراويح لأجل أن يخرج هو الأول، ولا يغره أن الناس يكثرون وراءه؛ لأن الناس يحبون العجلة، لا يغره هذا، ليكن أكبر همه أن يؤديها على الوجه المطلوب، هذا هو المهم.
والتراويح اختلف فيها السلف ، بعضهم يقول: ثلاثة وعشرون، وبعضهم يقول: إحدى عشرة، وبعضهم يقول: ثلاث عشرة، وبعضهم يقول: تسع عشرة، اختلفوا فيها على أقوال كثيرة، فمن أتى بوجه من الوجوه الواردة عن السلف فلا لوم عليه أبداً حتى لو أتى بثلاثة وعشرين فإنه لا لوم عليه، ولذلك نرى أن من الغلط ما يفعله بعض المجتهدين إذا صلوا وراء إمام يكمل ثلاثة وعشرين وصلوا معه عشر ركعات تركوه وانصرفوا، هؤلاء مساكين حرموا أنفسهم أنهم يقومون مع الإمام حتى ينصرف فضاعت عليهم الليلة، ثم خالفوا الجماعة ويد الله مع الجماعة، ثم إن بعضهم ولا سيما في المسجد الحرام يجلس يشرب القهوة والناس يصلون، أو يتحدث والناس يصلون، وهذا من الغلط الذي يغلط فيه كثير من الناشئين في العلم.
وكذلك -أيضاً- بلغنا أن بعض الأئمة يوتر بالناس التسع، والتسعة إذا أوتر الإنسان بها لا يسلم إلا في آخرها، السنة إذا أوترت بالتسع ألا تسلم إلا في آخرها، تجلس في الثامنة وتقرأ التحيات وتقوم وتأتي بالتاسعة، سمعنا أن بعض الأئمة يفعل ذلك، وهذا من الغلط، هل جاءهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام يصلي بالناس تسع ركعات؟ إذا جاء عن الرسول فعلى العين والرأس، وإذا لم يأت عن الرسول فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أيكم أم الناس فليوجز، فإن من ورائه الضعيف والمريض وذا الحاجة) وهل هذا إيجاز أنه يبقى يصلي بالناس لمدة ساعة أو ساعة ونصف لا ينصرفون؟ قد يكون بعضهم محصور في بول أو غائط أو ريح أو للشغل.
ثم الذين يدخلون المسجد يجدونه يصلي التراويح يصلي هذا الوتر، ماذا ينوون؟ يريدون نية التهجد فتختلط عليهم النية، فلا يدرون ما ينوون، يقول بعض الذين يصنعون هذا: إننا نريد أن نبين السنة. فنقول: أثابكم الله على هذه النية، وتؤجرون عليها، لكن لا بالفعل، وبينوا للناس السنة بالمقال، قولوا: إذا أوترتم بالثلاث فإن شئتم اجمعوها وإن شئتم صلوا ركعتين ثم سلموا، وفي الخمس اجمعوها، وفي السبع اجمعوها... وهلم جرا، أما أن تشقوا على الناس فهذا خلاف ما أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: (أيكم أم الناس فليخفف، ومن صلى بنفسه فليصلي كيف شاء).
رجل له أخ فقير وهو غني، هل يجوز أن يعطي أخاه من زكاته؟ الجواب: نعم. وإعطاء أخيه من زكاته أفضل من إعطاء البعيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (الصدقة على القريب صدقة وصلة) ولما أمر بالصدقة وكانت زينب امرأة عبد الله بن مسعود تريد أن تتصدق، فقال لها زوجها عبد الله بن مسعود: تصدقي علي أنا وأولادي -لأنه قليل ذات اليد- فقالت: أنت زوجي وهؤلاء أولادي، كيف أتصدق عليك؟ قال: نحن أحق من الأباعد، قالت: أبداً لا أتصدق عليك حتى أسأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فسألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: (نعم. زوجك وولدك أحق من تصدقت عليه) فإذا كان لك أقارب فقراء من أهل الزكاة فأعطهم من زكاتك وهم أفضل من الأباعد.
كذلك لو كان لك أب عليه دين، وأنت قد أغناك الله وعندك مال كثير، هل يجوز أن تقضي دين والدك من زكاتك؟ نعم. يجوز، أليس والدي غارماً؟ وقد قال الله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ [التوبة:60].
لك ولد له سيارة صدمت وأصلحها بدراهم، هل تقضي دينه إذا لم يجد ما يوفي به؟
نعم. يجوز، إلا إذا استدان للنفقة الواجبة عليك فهنا لا يجوز أن تعطيه من زكاتك؛ لأنك إذا أعطيته من زكاتك مع وجوب الإنفاق عليه وفرت مالك، لكن شيء يلزم الولد وهو لا يجب على الوالد فله أن يقضيه من زكاته (يوفي عنه من الزكاة).
وإنني أبين للإخوان أن الأوصاف الثمانية التي ذكر الله الأصل أن الزكاة تصرف فيهم على أي حال كانوا إلا بدليل، اقرأ الآية، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
هذه الأوصاف الثمانية إذا وجدت في أي أحد من الناس فهو من أهل الزكاة إلا بدليل.
رجل عنده خادم مسلمة وزوجها كذلك، ولهما أولاد في بلادهما، وهما فقيران (الخادم والخادمة) أيجوز أن يعطيهما من زكاته؟
الجواب: نعم. يجوز أن يعطيهما من زكاته؛ لأنهم فقراء والله تعالى يقول: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ [التوبة:60].
رجل عنده عامل لكنه غير مسلم، هل يجوز أن يعطيه من زكاته؟
الجواب: لا يجوز أن يعطيه حتى وإن كان فقيراً إلا إذا كان يشعر أن هذا الرجل له اتجاه إسلامي، يحب الإسلام ويرى أنه إذا أعطاه من الزكاة تألفه وقبل الإسلام، فهنا يعطيه على أنه من المؤلفة قلوبهم.
رجل عنده سيارة مرسيدس كبيرة، يكدها ويتعيش عليها، هل فيها زكاة؟
الجواب: لا. ما فيها زكاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) فليس فيها زكاة.
وأجرتها؟
أجرتها إن تمت الحول عنده يزكيها؛ وإن كانت الأجرة يصرفها على السيارة وعلى أولاده فلا زكاة فيها؛ لأن من شرط الزكاة تمام الحول، وهذا الرجل لا يبقى عنده المال إلى سنة، فهو يصرفه في مصالح السيارة وكذلك في أهله فليس عليه زكاة.
ولعلنا نقتصر على هذا القدر لنجيب بما تيسر على الأسئلة إن شاء الله تعالى، ونسأل الله التوفيق للصواب، لكنني أحث نفسي وإياكم على الجد والنشاط في الأعمال الصالحة لا سيما في شهر رمضان المبارك.
الجواب: لا شك أن الله سبحانه وتعالى ربط الإمساك والإفطار بعلامات محسوسة أفقية، الإمساك بطلوع الفجر، فمتى طلع الفجر ورأيته فأمسك سواء أذن أم لم يؤذن، ومتى أذن ولم يتبين الفجر فلك الأكل، لكن من المعلوم أننا الآن لا يمكن أن نشاهد الفجر؛ لأن البلد مضيئة بالأنوار، والناس أكثرهم في الحجر لا يشاهدونه، فمن باب الاحتياط أنك إذا سمعت المؤذن فأمسك، ولكن لا حرج عليك أن تأكل اللقمة التي في يدك أو تشرب الكأس الذي في يدك.
أما بالنسبة للغروب فكذلك، فالإفطار مقرون بغروب الشمس، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا أقبل الليل من هاهنا -وأشار إلى المشرق- وأدبر النهار من هاهنا -وأشار إلى المغرب- وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) فإذا قدر أنك في مكان مرتفع وشاهدت الشمس قد غربت فأفطر؛ سواء أذن أم لم يؤذن، وإذا قدر أنك سمعت الأذان وأنت في مكان مرتفع لكنك تشاهد الشمس حرم عليك الإفطار؛ لأن المدار على غروب الشمس وعلى تبين الفجر في الإمساك.
الجواب: هذه الأمراض بعضها شديد ولا يستطيع أن يصوم ولا يرجى زوالها، فهذه الأمراض يباح لمن ابتلي بها أن يفطر، ويطعم عن كل يوم مسكيناً، إن شاء أطعم كل يوم ليومه وإن شاء جمعها في آخر الشهر وأطعم على عدد الأيام، ثم إن شاء أطعم عشاءً أو سحوراً وإن شاء فرق لكل يوم كيلو من الرز على كل مسكين.
أما الإنسان الذي يقدر على الصوم ولا يلحقه ضرر ولا مشقة فيجب عليه أن يصوم، والصيام ليس كالسفر، السفر يباح لك فيه الفطر وإن لم تجد مشقة، وأما المرض فلا يباح لك الفطر إلا إذا وجدت مشقة.
الجواب: لا تستعمل هذه الحبوب؛ لأنها ضارة كما ثبت ذلك عندنا بقول الأطباء، والأطباء في هذه الأمور هم مرجعنا، فيذكرون عنها أضراراً كثيرة؛ ولذلك كثرت التشوهات في الأجنة -أي: في الأحمال- ما أكثر اللاتي يقلن: إن الولد ما له جمجمة، ما له يد، ما له رجل وما أشبه ذلك، قال لي بعض الأطباء الموثوقين: إن من أسبابها أكل هذه العقاقير؛ لذلك نقول: لا تأكل المرأة شيئاً من ذلك.
فإذا قالت: يفوتني الصوم والصلاة. نقول: بأمر من فاتك الصوم والصلاة؟ بأمر الله عز وجل، وقد دخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على عائشة وهي تبكي في حجة الوداع قبل أن يصلوا إلى مكة، وكانت عائشة رضي الله عنها محرمة بالعمرة وحاضت بسرف في الطريق، ودخل عليها النبي عليه الصلاة والسلام وهي تبكي قال: (ما لك؟ فأخبرته أنها لا تصلي، قال: هذا شيء كتبه الله على بنات آدم).
والواجب على المرأة أن ترضى بقضاء الله وقدره، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (هذا شيء كتبه الله على بنات آدم) تسليةً لها، يعني: ليس خاصة بك، فكل بنات آدم يأتيها الحيض، لذلك أقول: لا تستعملي هذه الحبوب، والحمد لله إن صمت فبأمر الله وإن أفطرت فبأمر الله.
الجواب: الواجب لمن نذر الصيام إذا كان معلقاً بشرط أن يوفي به من حين أن يوجد الشرط ولا يتأخر، مثال ذلك: قال: إن شفاني الله من هذا المرض فلله عليَّ نذر أن أصوم ثلاثة أيام. فشفي من المرض، فالواجب أن يبادر الإنسان بالصوم ولا يتأخر؛ لأن الله تعالى قال: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ [التوبة:76-77] أعوذ بالله بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ [التوبة:77].
أما النذر الذي ليس معلقاً بشرط، إنسان أراد أن يحمل نفسه على الصوم فقال: لله علي نذر أن أصوم ثلاثة أيام. من غير سبب، فهذا يجب عليه أن يبادر لكن ليس كوجوب الأول، فإذا أتاه رمضان وهو لم يصم فمن المعلوم أنه يبدأ برمضان، وإذا انتهى رمضان صام النذر، لكن لو أنه صام النذر في رمضان لم يصح صوم نذره ولا صوم رمضان.
إنسان عليه نذر ثلاثة أيام فصام من رمضان ثلاثة أيام للنذر، فماذا عليه؟ لا ينفعه عن النذر ولا عن رمضان، أما كونه لا ينفعه عن النذر فلأن رمضان وقته مضيَّق لا يصح أن يصوم غيره فيه، وأما كونه لا يجزئ عن رمضان فلأنه لم ينو عن رمضان، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).
الجواب: الظاهر أنه يجب عليها أن تطعم ستين مسكيناً؛ لأن الكفارة المغلظة عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، فعليها أن تطعم ستين مسكيناً، وإني أقول لكم: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن النذر وقال: إنه لا يرد القضاء، وإنه لا يأتي بخير. فليس فيه مصلحة شرعية ولا قدرية، بعض الناس إذا مرض ونذر ظن أنه إذا نذر أن الله سيشفيه، وهذا غلط، إذا كان الله أراد أن يشفيك شفاك بدون نذر، وإن كان الله لم يرد ذلك لم ينفع النذر.
كذلك يستخرج به من البخيل؛ لأن البخيل شحيح بالمال، فمن أجل أن يحمل نفسه يقول: لله علي نذر أن أتصدق من أجل أن يحمل نفسه، وهذا غلط، قال الله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ [النور:53] الجواب: قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ [النور:53] أطيعوا الله بدون قسم.، كذلك نقول: أطع الله بدون نذر، فالنذر مكروه، بل إن بعض العلماء حرمه، ولهذا تجد الذين ينذرون يندمون ندماً عظيماً، ويأتون إلى فلان ماذا تقول في النذر، خفف عني، يأتون الثاني: ما تقول في النذر خفف عني. وبعضهم -والعياذ بالله- يعطيه الله تعالى ما نذر عليه ولكن لا يفي، هذا خطره عظيم، خطره: فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ [التوبة:77] ربما يجعل الله في قلبه هذا نفاقاً إلى أن يموت، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
الجواب: هذا شيء يطاق، الرواتب كل إنسان يطيقها، لكن إذا سافر سقطت عنه؛ لأنه إنما نذر صلاة الرواتب والرواتب في السفر تسقط إلا راتبة الفجر، انتبه لقول الرواتب من النوافل! النوافل في السفر لا تسقط، ومن قال: إن السنة في السفر ترك السنة فقد أخطأ.
الذي يسقط من الرواتب في السفر ثلاث: الظهر والمغرب والعشاء؛ لكن لو سافر لأجل أن يسقط الرواتب الثلاث هل تسقط عنه؟ لا. هذه حيلة لا تنفع، ولهذا قال العلماء: المسافر لا يلزمه صيام، لكن لو سافر لأجل أن يفطر حرم عليه السفر وحرم عليه الفطر.
المهم أن أقول للأخ: هذا شيء يطاق، وقوله: أنه لا يطيقه ما هو صحيح، كل يستطيع أن يصلي ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر، ما في صعوبة، فليستعن بالله وليوف بنذره، ولينصح غيره عن النذر.
الجواب: في ملاحظة على هذا السؤال.. يقول: قبل تكليفي وهو يستخرج المني! فهل يصح هذا التعبير؟! لا. لأنه إذا خرج منه المني بلذة فقد بلغ وإن لم يكن له إلا عشر سنوات، لكن نحن نقول في الجواب: ما دام يفعلها في الصيام وهو لا يدري أنها حرام فصيامه صحيح؛ لأننا ذكرنا أن هذه قاعدة.
أما بالنسبة للصلاة التي كان يصليها ولا يغتسل وهو لا يدري أن ذلك موجب للغسل فكذلك -أيضاً- لا يلزمه القضاء؛ لأنه جاهل، ولهذا لم يلزم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرجل الذي كان يترك الأركان في الصلاة، رجل دخل المسجد وصلى صلاة لا يطمئن فيها، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ارجع فصل فإنك لم تصل) فرجع وصلى كالأولى فعاد فأعاده الرسول عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات ولم يأمره بقضاء صلواته السابقة، مع أنه قال له: (لم تصل) .
فأقول لهذا السائل: ليس عليك قضاء صلاة ولا قضاء صيام، ولكن أوصيك بكثرة الأعمال الصالحة والإنابة إلى الله عز وجل.
الجواب: ليس عليها شيء، يعني: لا بأس أن تحمل المرأة ولدها إذا صاح وهي لا تدري هل فيه نجاسة أو لا؛ ودليل ذلك: أنه وقع نظير هذا من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان يصلي وهو حامل بنت بنته - أمامة بنت زينب - وأبوها أبو العاص بن الربيع ، كانت هذه الجارية صغيرة، فجعل الرسول عليه الصلاة والسلام يصلي بالناس وهو يحملها، إذا قام حملها وإذا سجد وضعها، ومعلوم أن الأطفال في الغالب لا تخلو ثيابهم من نجاسة، لكن هل الرسول يعلم أن فيها نجاسة؟ لا نعلم، لكن الذي يظهر أنه لا يعلم، بدليل أنه لما صلى بنعليه وفيهما قذر جاءه جبريل فأخبره في أثناء الصلاة فخلعهما ومضى في صلاته.
فأقول لهذه المرأة: ما دامت هذه الطفلة محفظة، ولا تدري هل خرج منها شيء نجس أو لا فالأصل الطهارة ولا بأس أن تحملها وتسكتها. لكن إذا كان تسكيت الطفلة هذه يحتاج إلى ضرب خفيف على الظهر من أجل تسكيتها فهل يجوز أم لا؟ نعم. يجوز أن تضرب على ظهرها، لأن هذه حاجة، إلا أنها لا تكثر؛ لأنها إن أكثرت ربما تبطل الصلاة، لكن هل لها أن تقول: اسكتي يا بنية ماذا بك، أو لا؟ الجواب: لا، لأن هذا كلام، والصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس.
الجواب: الذي أرى أنه يجب عليه مراعاة الشريعة دون مراعاة الخلق، الخلق لا ينفعون أحداً ولا يضرونه، افعل الشريعة يرضى عنك من شرعها وهو الله عز وجل، وإذا رضي الله عنك أرضى عنك الناس، فأولاً: كونه يقيم بعد أذان الفجر بخمس دقائق هو مخاطر؛ لأن كثيراً من الإخوة شاهدوا الفجر ورأوا أن التوقيت في التقويم يتقدم على الفجر؛ فهذا مخاطر جداً، ومسألة الصلاة أهم من الصيام.
ثانياً: أن الفجر لها سنة قبلية وإذا بادر بالإقامة فاتت الجماعة كلهم أو أكثرهم هذه السنة القبلية التي قال عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) سنة الفجر الراتبة خير من الدنيا وما فيها، الدنيا من أولها إلى آخرها بملوكها ورؤسائها وزخارفها (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)والله نعم يا إخوان، نِعم، نِعم! يعني: أنت إذا صليت راتبة الفجر كأنما الدنيا كلها من أولها إلى آخرها قد حصلت عليها، بل حصلت على خير منها (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها).
فنصيحتي لأخي الإمام هذا: أن يتأنى قليلاً أولاً مراعاةً للفجر لما فيه من الخطورة؛ لأنك لو قلت: الله أكبر قبل طلوع الفجر (تكبيرة الإحرام فقط) ما صحت صلاتك، لا بد أن تكون الصلاة من أولها إلى آخرها في الوقت.
ثالثاً: أعطهم مهلة لمن أراد أن يصلي الراتبة.
رابعاً: بالنسبة للتخفيف فهو خلاف هدي الرسول عليه الصلاة والسلام في الفجر، كان هدي الرسول في الفجر عليه الصلاة والسلام أن يقرأ من طوال المفصل، وطوال المفصل من ق إلى عم.
الجواب: معلوم أنه يجب، يجب على من وجد ضالة أو لقطة يعرف صاحبها أن يبلغه عنها، فإما أن يوصلها إليه أو يبلغ بها، لا بد من هذا، وهذه المسألة ليست في اللقطة، اللقطة إذا وجد الإنسان شيئاً لا يهتم الناس به فهو له، لكن هذا إذا عرف صاحبه ولو كان قرشاً واحداً، فيجب أن تنتبهوا لهذا، إذا وجدت شيئاً لشخص تعرفه لا تقل: هل هو كثير أو قليل، ولو كان ريالاً واحداً يجب أن تسلمه له، أو على الأقل تبلغه به وهو يأتي ليأخذه منك.
فعلى هذا نقول للأخ الذي وجد مائة ريال يعرف صاحبها: يجب عليه أن يبلغ صاحبها، أو هو بنفسه يذهب إليه ويسلمه له.
الجواب: الذي أشير به عليها ألا تقسم مالها على أبنائها؛ لأنها لا تدري في المستقبل لعلها تحتاج إلى هذا المال، وإذا كانت قد فرقته لا يمكن أن ترجع فيه؛ لأن الأم ليست كالأب، الأب إذا وهب ابنه شيئاً له أن يرجع فيه، لكن الأم إذا وهبت ابنها شيئاً وقبضه ليس لها حق الرجوع، فلا أشير عليها أن تقسم مالها بين أبنائها، تبقيه ومن احتاج من أبنائها تعطيه، وإذا أعطت الابن لحاجته لم يلزمها أن تعطي الآخرين؛ لأن دفع الحاجة مطلوب، فمن احتاج منهم لزواج أو لشيء يحتاجه حقيقة فلها أن تعطيه دون إخوته.
هذا المعاق في حال إعاقته لا يحتاج لشيء؛ لأنه يأكل ويشرب مع أهله وليس محتاجاً إلى سيارة يركبها أو ما أشبه ذلك، فتعطيه من النفقة ما يحتاج والباقي تدخره لنفسها، فإذا قضى الله أمره عليها بالموت ورثوه على حسب فريضة الله.
الجواب: والله التوجيه -في الحقيقة- مني ومن غيري من العلماء -والحمد لله- ومازال المشايخ يحذرون من طبق الاستقبال هذا، وأنا ظننته طبق طعام لاستقبال رمضان، هذا أول ما سمعته، على كل حال: هذا الطبق في رمضان وفي غيره لا شك أنه دمر الأخلاق وأفسد العقائد وأضل كثيراً من عباد الله، وفي رمضان سيكون إثمه أشد؛ لأن رمضان موسم خير فإذا أضاعه الإنسان بمشاهدة هذه المنكرات أضاع شيئاً عظيماً، وأضاع فائدة الصيام التي قال عنها الرسول عليه الصلاة والسلام: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل؛ فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
والذي ينبغي للمسلم أن ينتهز فرصة رمضان بتلاوة القرآن؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يدارسه جبريل القرآن في رمضان حتى يكمله، وفي السنة التي مات فيها دارسه مرتين، وإذا لم يحسن القرآن فالذكر: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، قال الله تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ [الكهف:46] فسر كثير من العلماء الباقيات الصالحات، بأنها التسبيح والتحميد والتكبير.
وليعمره -أيضاً- بصلاة الضحى والليل، ليغتنم هذا الشهر المبارك بالأعمال الصالحة.
الجواب: نصيحتي لها: أن تصلي في بيتها فهو خير لها، ولا يحل لها أن تخرج متعطرة أو متبرجة، أو تمشي مشية الرجال أو تضحك إلى أختها وتضحك إليها في الأسواق؛ لأن المقام خطر، والفتنة تدب إلى القلوب كالنار في الهشيم، فأولاً أقول: صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد.
ثانياً: إذا خرجت فلتخرج تفلة، أي: غير متطيبة ولا متبرجة بزينة، فإن خرجت متطيبة فإنها على خطر عظيم؛ لأنها عصت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: (أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا صلاة العشاء)هذا وهو بخور، أقل من دهن العود وشبهه.
الجواب: إذا كان الناس محصورين فعلى رغبتهم إن شاء طول وإن شاء قصر، وأما إن كانوا غير محصورين فلا ينبغي أن يطول القراءة، أي: فليس بلازم أن تكمل القرآن، لا تطل به فتمله، لكن أهم شيء هو الركوع والسجود، والقيام بعد الركوع والجلوس بين السجدتين والتشهد، كثير من الذين يصلون التراويح مع الأسف إذا وصلوا "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد" سلموا، وهذا غلط، لقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا تشهد أحدكم التشهد الأخير فليقل: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال).
الجواب: هذا من الغلط أن نكمل الصف الأيمن والأيسر ما فيه شيء، والأيمن أفضل عند التساوي أو التقارب، وأما إذا كان الأيمن بعيداً فالقريب من الإمام في اليسار أفضل، فلذلك نقول: إنه ينبغي أن يكون اليمين واليسار متساوياً أو متقارباً؛ لفائدتين:
الفائدة الأولى: القرب من الإمام.
والفائدة الثانية: أن الإمام يكون وسطهم.
ولا أظن أن أحداً يتصور أن الصحابة كان يقف الرجل منهم خلف الرسول عليه الصلاة والسلام ثم يكملون الأيمن كله ثم يبدءون مع اليسار، لا أظن أن هذا يقع من الصحابة، ولذلك ذكر كثير من العلماء ومنهم ابن مفلح في كتابه الفروع: أن قولهم اليمين أفضل يعني مع التقارب أو التساوي، وإلا فاليسار القريب أفضل من الأيمن البعيد لا في الرجال ولا في النساء.
الجواب: معلوم أن الأفضل الاعتكاف في المسجد الحرام، إلا إذا كانت المساجد الأخرى أخشع له؛ لأن بعض الناس مع الكثرة والضوضاء ما يكون عنده خشوع فنقول: اعتكف في مسجد آخر أخشع لك، أما في غير مكة فالمساجد والجوامع التي فيها الجُمع أفضل.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر