أما بعد:
فهذا هو اللقاء الشهري الذي يتم في ليلة الأحد الثالث من كل شهر ما لم يوجد مانع، وهذا اللقاء هو الثامن والستون من اللقاءات الشهرية، وهذه الليلة هي ليلة الأحد السادس عشر من شهر جمادى الثانية عام (1420هـ).
وسوف نتكلم في هذا اللقاء عما بقي من آيات آخر سورة الفرقان.
وقد انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ [الفرقان:77] ولا حرج علينا أن نعيد ما قبلها لما فيه من الفائدة.
يقول الله تبارك وتعالى: أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً [الفرقان:75] (أولئك) أي: الذين اتصفوا بتلك الصفات السابقة من قوله: الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً [الفرقان:63] إلى هذه الآية: أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا [الفرقان:75] والذي يجزيهم ذلك هو الله عز وجل، لكنه لم يسم للعلم به، والشيء المعلوم إذا لم يسم فلا حرج، أرأيتم قول الله عز وجل: وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً [النساء:28] فإن الخالق هو الله، حذف لأنه معلوم.
إذاً: يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ [الفرقان:75] الذي يجازي هو الله عز وجل، وحذف لأنه معلوم، لا أحد يمكن أن يدخل أحداً الجنة إلا الله عز وجل، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن أهل الجنة إذا مروا على الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار واقتص لبعضهم من بعض الاقتصاص النهائي الذي يزيل الغل والحقد في الصدور، فإذا أتوا إلى باب الجنة وجدوه مغلقاً، يحتاجون إلى أن يشفع لهم أحد في فتحه، فيشفع النبي صلى الله عليه وسلم. هذا بعد أن وصلوا إلى الجنة فكيف إذا لم يصلوا إليها؟! لا يمكن الوصول إلى الجنة ولا يمكن جزاء الغرفة إلا من قبل الله عز وجل، وقولنا: الغرفة، المراد به الجنس، وإلا فهي أكثر من واحدة، كما قال تعالى: وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [سبأ:37] غرفات: جمع غرفة، فالمراد بقوله: (الغرفة بما صبروا) المراد الغرفات وهي غرفات الجنات، كما قال عز وجل: لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [الزمر:20].
الأول: الصبر على طاعة الله.
الثاني: الصبر عن معصية الله.
الثالث: الصبر على أقدار الله.
ثم اذكر قول الله عز وجل: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق:16] يعلم الوسوسة والذي يوسوس به، وحينئذٍ يكون هذا عوناً على حضور القلب، والشيطان سوف يهجم عليك، وإذا صددت القلب عن الهواجس في هذا الشيء فتح لك باباً ليس له قيمة ولا ينفعك لا في دينك ولا دنياك، فإذا سددته فتح آخر، لم يكن يطرأ على بالك أبداً .. وهلم جرا. فاصبر قلبك واحبسه عن الهواجس، وأحضره معك في صلاتك. هذا صبر على الطاعة.
والإنسان في الحج يجد مشقةً عظيمة في الزحام .. في الطواف .. في السعي .. في رمي الجمرات .. في الطريق، فاصبر نفسك، لا تقل: ليتني ما حججت هذا العام. اصبر نفسك واحبسها على هذه المشقة. وهذا صبر على طاعة الله.
وفي الصيام في أيام الصيف النهار طويل، والجو حار، والبدن يحتاج إلى رطوبة، فتنشف الأعضاء ويتألم الإنسان، ولكن اصبر نفسك، لا تتأسف على صوم تطوع، ولا تمل من صوم واجب.
وكذلك طاعة الوالدين، قد يأمرك الوالد بما لا تريد، لكن ليس عليك فيه ضرر وله فيه مصلحة، فاصبر عليه وإن كنت لا تريده. والأمثلة على هذا كثيرة.
وهذا القانون باطل، والإعراض عن حكم الله واتباع هذا قد يؤدي إلى الكفر المحض والعياذ بالله.
فإذا صبر الإنسان نفسه مع قوة الداعي وقلة المانع كان هذا من الصبر المحمود.
أيهما أشد كلفة على الإنسان: الصبر على الطاعة، أو عن المعصية؟
الأصل أن الصبر على الطاعة أشد؛ لأن فيه حمل الناس على الفعل، والفعل أهون من الترك، لكن قد يكون في بعض الناس الصبر عن المعصية أشق عليه، ولكلٍ درجات مما عملوا.
وما منا أحد إلا يصاب، والمصيبة مصيبة الدين, ولهذا نقول في دعاء القنوت: اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا. الدنيا مهما كانت مصيبتها فهي هينة، غاية ما فيها الموت، والموت انتقال من أدنى إلى أعلى بالنسبة للمتقين، قال الله عز وجل: وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى [النساء:77] مصيبة الدنيا سهلة بالنسبة لمصيبة الدين، مصيبة الدين -والله- أعظم وأشد على العاقل، أما الدنيا فكما قلت لكم أولاً: الحال لا تدوم وكما قيل: دوام الحال من المحال. والثاني: أنها أنهى ما تكون أن توصل إلى الموت الذي لا بد منه.
والصبر على أقدار الله: ألا يتسخط الإنسان بقلبه ولا بلسانه ولا بجوارحه .. ألا يتسخط بقلبه بأن يسخط على الله عز وجل ويقول: كيف ابتلاني ولم يبتلِ فلاناً؟ يا أخي! من أنت؟ ألست عبداً لله؟! إذا كنت كذلك فالسيد يفعل بعبده ما شاء، ثم اعلم أنك لا تصاب بمصيبة وإن قلَّت إلا كُفَّر بها عنك سيئات أو رُفعت بها درجات، حتى جاء في الحديث: (إن الرجل ليطلب المفتاح من جيبه -يفتح الدار- ولا تقع عليه يده أول مرة يكتب له به أجر) لأنه يفزع، ويقول: لعله ضاع، أين وضعته؟ هذا الفزع يكتب له به أجر، إلى هذا الحد!!
حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الشوكة يشاكها يثاب عليها). أنت مأجور، فكيف تتسخط من قضاء الله وقدره والخير لك؟!
يقال: إن رابعة العدوية وهي من جملة العابدات أصيبت بمصيبة فقطعت أصبعها فلم تتأثر، فقيل لها في ذلك، قالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها. ما شاء الله!
أما التسخط باللسان: كأن يشكو الله عز وجل إلى الخلق، أو يقول: واويلاه! واثبوراه! وما أشبه ذلك.
وأما التسخط بالجوارح: فشق الجيوب، ولطم الخدود، ونتف الشعور، وما أشبه ذلك، ويوجد أناس يفعلون هذا، وأعظمه وأقبحه وأشده: الانتحار والعياذ بالله! يوجد أناس إذا أصيبوا بالمصائب التي يعجزون عنها ذهبوا يقتلون أنفسهم، ولقد حكى لنا نبينا صلى الله عليه وسلم قصة رجل جُرح فلم يصبر، ففعل ما لا يجوز فعله، فأوجب الله له النار. والذي ينتحر تخلصاً من هذه المصيبة لن يتخلص، هو يظن أنه إذا مات استراح وليس كذلك، بل إذا مات فإنه معذب في نار جهنم بما قتل به نفسه خالداً مخلداً فيها أبداً.
ولهذا ننعى إخواننا الذين يذهبون إلى بلاد فلسطين المحتلة ويفجرون أنفسهم بين جمع اليهود، ويظنون بذلك أنهم يتقربون إلى الله، ولكن هذا لا يزيدهم إلا بعداً؛ لأنهم يقتلون أنفسهم والعياذ بالله! وقتل النفس من كبائر الذنوب، يُعذب في النار بما قتل به نفسه. ولكننا لا نقول لهؤلاء: إنهم من هذا الصنف؛ لأنهم مجتهدون، يظنون أن هذا خير، والمتأول نرجو الله له العفو، لكن هذا العمل محرم شرعاً وليس من الجهاد في سبيل الله، وهو أيضاً خلاف المعقول فإذا قدرنا أنه قتل نفسه كم يقتل من اليهود؟ أكبر شيء اجعله يقتل خمسين أو مائة، فتأخذ اليهود بالثأر وتقتل مئات، وتزداد تعصباً لما ترى من استحلال البلاد، لكن أكثر الناس لا ينظر إلى العواقب ولا ينظر إلى الأمور العميقة.
المهم يا إخواني: أن الصبر على أقدار الله مواضعه ثلاثة، وهي: القلب، واللسان، والجوارح، هذه أنواع الصبر، فقول الله عز وجل هنا: أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا [الفرقان:75] أي: بصبرهم، والصبر كما سمعتم ثلاثة أنواع. واعلم أن مما يسليك في المصائب أن تنظر إلى من حولك، هل من حولك قد أصيبوا أم لا؟ إنك لن ترى إلا مصاباً مثلك، أو أعلى منك، أو دونك، لكن لا يخلو أحد من مصيبة، إلا من قصر عمره فهلك قبل أن تناله المصائب، هذا إن قدر وجوده. فسلِّ نفسك بأقرانك وأصحابك، وقد كانت الخنساء ترثي أخاها صخراً وتقول:
ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي |
وما يبكون مثل أخي ولكـن أسلي النفس عنه بالتأسي |
خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً [الفرقان:76] يعني: ما أحسنها! وهذه الجملة تفيد التعجب، أي: ما أحسن مستقرهم! وما أحسن مقامهم! فهم في نعيم ومستقر آمنين .. : لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:48].
قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ [الفرقان:77] أي: لولا عبادتكم لم يعبأ الله بكم شيئاً ولأهلككم، ولولا دعاؤكم لأهلككم .. وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ [فاطر:45].
فَقَدْ كَذَّبْتُمْ والخطاب للكفار .. فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً [الفرقان:77] أي: سوف يكون العذاب لزاماً لكم لأنكم التزمتم الكفر في حياتكم فلزمكم العذاب بعد مماتكم.
اللهم نجنا من النار، اللهم نجنا من النار، اللهم نجنا من النار، وأسكنا دار القرار. وإلى هنا ينتهي الكلام على الآيات الأخيرة من هذه السورة.
أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن تدبر كلامه وعمل به وصار قائده إلى جنات النعيم، إنه على كل شيء قدير.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الجواب: أولاً: أنا أرى أن شعبنا -والحمد لله- شعب محافظ، قد بنى سلوكه ومنهجه على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى ما درج عليه سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم، هذا معظم شعبنا ولله الحمد، ولا إشكال في ذلك، وأحب بكل قلبي ألا ننتهز الفرص كلما جاءتنا موضة ذهبنا نأخذ بها. وهذه الموضات التي ترد إلينا: إما أن تخالف الشريعة وإما أن تخالف العادة، فإن كانت مخالفة للعادة دون الشريعة فإن اتباعها يعتبر سفهاً في العقل، إذ أي فرقٍ بين هذه العادة التي وردت والعادة التي نحن عليها؟ بل إن عاداتنا -والحمد لله- أقرب إلى الستر والمصونة من العادات الواردة.
أما إذا كانت مخالفة للشريعة فكيف يرضى المسلم أن يتلبس بعادات قوم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر مخالفة لشريعة الله؟! ثم اعلم -يا أخي- أن التشبه بالكفار يزيد الكفار قوة ويزيدك ضعفاً، بغض النظر عن نوع الملبوس؛ لأنك إذا تشبهت بقوم فهذا يعني أنك جعلتهم سادة لك، وجعلت نفسك تابعاً لهم وهم متبعون..
إذاً: أنت أنزلت نفسك في منزل الذل وأنزلت أولئك في منزل العز؛ لأنه لولا أنك تعتقد أنهم أرقى منك لما قلدتهم، وهذه كثير من الناس يغفل عنها، كثير من الناس لا يعرف هذا، ويكفي أن نعلم أن أولئك إذا علموا أنك آخذ بعاداتهم فرحوا بهذا، وقالوا: نحن القادة ونحن السادة.
فأود من كل قلبي ألا ننتظر كل موضة تخرج فنأخذ بها، ثم إننا إذا جعلنا نتتبع الموضات ألهانا ذلك عن مصالح ديننا ودنيانا، وصار الواحد منا -ولا سيما النساء- ليس له هم إلا أن ينظر ماذا حدث اليوم، ماذا ورد إلى السوق من اللباس، وما أشبه ذلك، وهذه مصائب تدل على ضعف الشخصية وعلى قلة الدين.
والآن هناك شيء عجيب! فتحت مطاعم للأكل والشرب في بلد كـعنيزة ، بلد أهلها -والحمد لله- غالبهم مواطنون، فوجدنا أن أناساً يرتادون هذه المطاعم من أهل البلد الصميم يتعشون هم وأهلهم في هذه المطاعم! سبحان الله! عجائب! أيهما أحسن: عشاء أنت الذي توليته بنفسك وعرفت ما فيه وعرفت نظافته، أم طعام قد يكون بقايا طعام وضع بعضه على بعض وسخن في النار وكأنه مطبوخ الآن؟!
ثانياً: أنت لا تدري، أحياناً قد يوجد في هذه المطاعم طعام متسمم.
ثالثاً: كيف تخرج بعوائلك؟! بنات أعمارهن تسع عشرة سنة أو عشرون سنة أو خمس عشرة سنة، وشباب صغار، كيف تخرج بهم إلى هذه المطاعم؟! أليس من الأجدر بك وأنت الرجل المصون الحريص على سلامة عرضك، أليس الأجدر بك أن تبقى أنت وأهلك في بيتك؟! والله هذا هو الأجدر.
فالحقيقة أن الإنسان كلما تفكر في المجتمع وجد هناك أشياء تَنِمُّ عن ضعف الشخصية، وعن قلة الدين، وعن سفه العقل.
أما بالنسبة لهذه العباءات، فلا يشك أحد أن العباءة العادية التي كانت تلبسها نساؤنا أستر من هذه العباءات وأبعد من الفتنة، وأقوى للشخصية؛ حيث إن الإنسان لم يتنزل إلى ما ورده من غير المسلمين، وهذا يكفي في أن نرجح العباءات السابقة على العباءات الجديدة. ثم إننا نقول: بالله عليكم أيهما أستر: العباءة السابقة، أم هذه التي تبين الأكتاف وتبين العنق طوله من قصره، وربما تكون ضيقة تبين مقاطع الجسم؟ الأول أفضل وأستر، ثم لا ندري أيضاً ربما تتطور المسألة وتكون اليوم عباءة وغداً قميصاً، ويستطيع الواحد أن يقول: ما الفرق يبن هذه العباءة الكتفية وبين القميص؟ وتكون النساء تخرج بالقمص، وربما تتطور الدعوى ولا يكفي هذا، ربما تخرج بالقمص المفتوحة من الأمام والخلف وليس على المرأة إلا السروال، فالمسألة ليست تطوراً بل هي تدهور، وإذا لم يقم الرجال من أهل العلم والدين والعقل والمصونة على هذه العادات التي وردتنا فسوف تنتشر على وجه لا يمكننا أن نقوم أمامه؛ لأن الماء إذا كان قليلاً يمكن حبسه في أي حابس، لكن إذا جاء واد كبير فما الذي يسده؟!
فالواجب على عقلائنا وأهل الدين منا وأهل العلم أن يحاربوا هذه الأشياء قبل أن تستفحل ويعجزوا عنها، واسألوا الدول الكافرة والمقلدة للكفار ماذا حصل لهم بالتفسخ والتبرج؟ حيث عجزوا الآن عن أن يقيموا حرماتهم وشخصياتهم.
الجواب: يقولون: حدث العاقل بما لا يعرف، فإن صدق فلا عقل له. ما أُخبرنا أن أحداً يشفي الله المرضى على يده بمجرد المس بيده إلا عيسى عليه السلام. فأنا لا أصدق بهذا أبداً، وإن قدر أن الناس فتنوا به وحصل أن أحداً ذهب إليه وعالجه بدون عملية، فهناك شياطين تعمل له.
لو قال لنا أحد: هذه الشمس ليست شمساً، إنما هي لمبات مكونة ومجموعة وتضيء الأرض، فلن نوافقه على هذا، وأي إنسان له عقل بل أدنى ذرة من عقل لا يمكن أن يصدق أن رجلاً من بني آدم يؤتى إليه بمرضى يحتاجون إلى عمليات فيعالجهم بدون جراحة .. سبحان الله عجائب! وهذا مما ابتلي به الناس اليوم، وصاروا يعتمدون على غير ربهم عز وجل ويتعلقون بالمخلوق، فيصدقون بما لا يعقل.
فأقول للأخ الذي يريد أن يسافر: لا تسافر، ابق في مكانك واسأل ربك عز وجل، فالله على كل شيء قدير .. كم من أناس حفرت قبورهم، وجهز الماء لتغسيلهم، وجلبت الأكفان ليكفنوا فيها ولم يموتوا! لأن الله على كل شيء قدير، الذي أنزل المرض قادر على أن يرفعه ما لم يكن الأجل قد حل فلا فائدة .. ماذا قال زكريا حين بشره الله بالولد؟ وماذا قال الله له؟ قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنْ الْكِبَرِ عِتِيّاً [مريم:8] .. قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً [مريم:9] من الذي أوجدك؟ إنه الله، فالله عز وجل قادر على أن يوجد لك ولداً، وأنا أقول للمريض: من الذي أمرضك؟ إنه الله، فالذي أمرضك قادر على أن يرفع المرض عنك، لكن الله تعالى يقول: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ [الطلاق:3] ولا بد أن أمره يبلغ مكانه: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً [الطلاق:3] قد يكون الله عز وجل قدر أن هذا المرض هو المرض النهائي، والدعاء حينئذٍ يكون رفعة للدرجات، وقد يكون الله قدر أن هذا المرض لا يزول إلا بدعاء فلان أو فلان فيدعو الله ويبرأ.
الجواب: إذا كان الذين يضعون سهامهم في هذا الصندوق يعتقدون أن ملكهم باقٍ على هذا الذي وضعوه، بمعنى: أنه لو أراد أن يسحبه سحبه، وأنه لو مات ورث عنه، فالملك ملك الجميع وتجب زكاته. انتبه للتفصيل حتى يزول الإشكال .. أما إذا كان المساهم في هذا الصندوق يعتقد أن الدراهم خرجت عن ملكه ولن يستطيع سحبها ولن تورث من بعده، فهذه لا زكاة فيها؛ لأنها خرجت عن ملكه.
السائل: أمين الصندوق هل يأثم إذا لم يخرجها؟
الشيخ: إذا وجبت الزكاة لا بد أن يخرجها، وكما قلت في التفصيل: يطلب من كل منهم أن يوكلوه في إخراج زكاتهم ويخرجها، وإن لم يكن توكيل فعلى كل واحد منهم أن يعرف ما وضع في هذا الصندوق ويخرج زكاته.
الجواب: إذا كان هؤلاء الجماعة الذين حضروا دخل عليهم الوقت وهم في البر لم يؤذنوا ولم يسمعوا أذاناً؛ فإنهم إذا وصلوا إلى المسجد يؤذنون ويقيمون الصلاة؛ لأنهم في البر لم يؤذنوا لأنفسهم ولم يكونوا في حكم المؤذَن لهم، أما إذا كانوا يسمعون الأذان وهم في الطريق ووصلوا إلى المسجد فإنهم يقيمون الصلاة بلا أذان.
الجواب: أولاً: ينبغي للإنسان أن يكون قوياً بدينه عزيزاً به، ما دام متمسكاً بدين الله حق التمسك فلا يهمنه أحد، وليعلم أنه لم يسلم أحدٌ من هذا؛ حتى رب العالمين جل وعلا كذبه بنو آدم وشتموه، قالوا: إن الله لا يقدر على أن يعيد الموتى، وهذا تكذيب، وقالوا: إن له ولداً، وهذا شتم، والنبي صلى الله عليه وسلم ما سلم من الناس، لا هو ولا غيره من الرسل، وكل إنسان مؤمن سيكون له عدو من المجرمين، كما قال عز وجل: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ [الفرقان:31] فما دمت -يا أخي- على حق فاعتز بالحق الذي أنت فيه: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8] حتى لو قال لك الشيطان: إن الناس يزدرونك. فقل: الحمد لله، إذا ازدروني على ديني فأنا فوقهم في هذا الدين.
أما مسألة اللباس القصير، فاللباس القصير ليس هو الميزان، بل إن الميزان الأخلاق واتباع السنة، وبالنسبة للثوب الصحابة رضي الله عنهم كانت ثيابهم إلى الكعب، بل إن الحديث يدل على جواز لبس الثوب إلى الكعب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرتب العقوبة إلا على ما كان أسفل من الكعبين، وأنا أرى الناس ينفرون من صاحب الثوب الذي إلى نصف الساق أو لا يقبلون منه النصيحة، بعض الناس -والعياذ بالله- لا يقبل النصيحة ممن ثوبه إلى نصف ساقه، فما دام الأمر واسعاً فأكف الناس عن عرضي، وأتمتع بما أحل الله، ورب مفضول يكون أفضل.
أما بالنسبة لمن يكره هؤلاء أو يستهزئ بألبستهم فننظر: هل قصده كراهة ما هم عليه، أم كراهتهم هم أنفسهم؟ إن كان قصده كراهة ما هم عليه من الحق، فهذا خطر، وقد يكون ردة عن دين الإسلام، وإن كان كارهاً لهم هم بأنفسهم؛ فهذا لا يكون ردة، لكنه مع ذلك يجب أن يصبر نفسه. وأضرب لكم مثلاً: لو أن رجلاً عالماً موثوقاً عند الناس محبوباً إليهم جعل ثوبه إلى نصف ساقه، ولا حاجة إلى التمثيل بالشخص، وآخر ليس له ذكر عند الناس ومغمور جعل ثوبه إلى نصف ساقه، فهل تكون النفس قابلةً للأول دون الثاني، أم هم على حد سواء؟ الأول تقبله أكثر من الثاني، وربما تقتدي به أيضاً، لذلك يجب على الإنسان أن يعرف قدر نفسه بين الناس، وما دام الأمر واسعاً والحمد لله فلا يكلف نفسه ما ليس بواجب، وفيه نفور الناس عنه وعدم قبول نصيحته إياهم.
الجواب: هذا من الأمور التي ذكرتها من قبل وهي الانهزامية أمام ما يرد إلينا من أعدائنا.
أولاً: هذه الصور لا يجوز أن تعلق على الأجسام مهما كان حتى لو كانت منفصلة، وهذه الآن الموجودة أمامي عقارب وقطط وشيء ما أدري ما هو، على كل حال: لو أن المرأة علقتها كان حراماً عليها، فكيف وهي تلصقها على عضوها ويمنع وصول الماء في الوضوء والغسل، وربما ينطبع منه صورة تبقى -كما قال السائل- وتكون كالوشم، وكل هذا حرام، ويجب أن يمنع، ومن رأى منكم أحداً من البقالات أو غيرها تبيع هذا الشيء فليبلغ المسئولين من أجل منعها، وإن كان ثمة عقوبة تعاقب، أما أن نجعل سباع بني آدم يلعبون بنا هذا اللعب، يأخذون دراهمنا ويؤثموننا! فهذا لا يليق يا جماعة، اتقوا الله، تآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، أي إنسان يرى هذا فالواجب عليه أن يبلغ المسئولين، إما هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإما المحافظة أو الإمارة حتى تصل إلى وزارة التجارة ووزارة التجارة يجب عليها أن تمنع هذا؛ لأنها مسئولة عند الله عز وجل أن تدخل هذه الأشياء بلادنا تفسد نساءنا وأشباه النساء والناس يتفرجون على هذا، ليس هذا بصحيح، تعاونوا على البر والتقوى.
الخلاصة: وضع هذه الأوراق التي فيها صور على الثوب أو على الجسد محرم لا يجوز، وطبعه على الجلد حتى يكون فيها قشرة تمنع وصول الماء لا يجوز، ووضعه على الجلد حتى تنطبع الصورة ولا تزول بالماء لا يجوز، وتمكين نسائنا وسفهائنا من هذا لا يجوز، وإقرار الدكاكين التي تبيع هذا لا يجوز.
الواجب علينا نحن الشعب إذا رأينا مثل هذا أن نرفع به إلى المسئولين، وعلى المسئولين أن يبلغوه أعلى مسئول في البلد حتى يقوم بمنعه، أما ترك الحبل على الغارب كل من شاء أن يأتي بشيء أتى به، ونحن مثل الدجاج التي يوضع لها الحب وفيه السم يأكل هذا الحب ويموت، فهذا غلط! أنتم المسئولون، أنا لا أستطيع أن أمشي على كل دكان وأنظر ما فيه، ولا أستطيع أن أغير كل شيء، لكن أنتم -والحمد لله- تستطيعون أن تنظروا إلى هذه الدكاكين وتناصحوهم أولاً، فإن اهتدوا فهذا المطلوب، وإلا فارفعوهم إلى المسئولين، هذا ما في ذمتكم، وأرجو من الأخ الذي أعطانا هذا أن يهبها لي وأتصرف فيها بما أريد.
الجواب: الإخوة من الأم لا يرثون إذا وجد أحد من الآباء أو الأجداد بمحض الذكور، بمعنى: أن الإخوة من الأم يحجبهم الأب، يحجبهم أبو الأب، وأبو أب الأب، ما دامت السلسلة كلها من الذكور فإن الإخوة من الأم لا يرثون، أيضاً الإخوة من الأم تحجبهم البنات، والأبناء، وأبناء الأبناء، وبنات الأبناء.
بقي الميراث لأمه وجده، فالأم لها السدس؛ لقول الله تبارك وتعالى: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11] والباقي للجد، والإخوة من الأم ليس لهم شيء.
الجواب: الرضاع لا يحرم إلا إذا كان خمس رضعات فأكثر، كل رضعة منفصلة عن الأخرى، وأما تنفس الصبي في الرضعة الواحدة فليس بشيء، فلو أن الصبي في حجر المرضعة تنفس خمس مرات فالرضعة واحدة، فلا بد أن تتفرق الرضعات ومقدارها خمس رضعات، فإذا أرضعت المرأة الطفلة مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً فلا أثر لها، فلا بد من خمس، وحينئذٍ صار ولدها من الرضاعة، حتى لو فرض أنها أرضعته بلبن ابنها الذي له ثلاث سنوات، فلو أنها فطمت ابنها وأرضعت هذا الطفل بما بقي من اللبن؛ فإنه يكون ابناً لها من الرضاع إذا تمت خمس رضعات، وقد ورد في السؤال أنها أرضعته ثلاث رضعات إذاً: ليس ولداً لها. ولو أنه أُ رضع خمس مرات من الفنجان، كأن وضعت المرأة حليبها في فنجان وأرضعته، ثم بعد مدة أرضعته بفنجان آخر، حتى أكملت خمسة فناجين؛ فإنه يصير ولداً لها سواءً أشبع أو لم يشبع.
مسألة: بلغني أن بعض الأزواج يستمتع بزوجته بمص ثديها فيشرب حليبها، فإنه يكون ابناً لها من الرضاع، وهنا المشكلة أنه إذا كان ابنها من الرضاع فإن النكاح ينفسخ، فتكون هذه اللذة أعقبها شقوة، ولهذا نحذر الأزواج من هذا العمل. وهذا الذي قلته هو رأي ابن حزم رحمه الله وأصحابه من الظاهرية، يقولون: إن الرضاع يؤثر حتى في الكبير، وبناءً على هذا الرأي نقول: إذا رضع الزوج من زوجته خمس مرات كل صباح يفطر على حليبها، فإنه يكون ولداً لها على رأي هؤلاء العلماء وينفسخ النكاح.
لكن على كل حال: قول الجمهور أنه لا يكون ولداً لها؛ لأنه لا بد أن يكون الرضاع قبل الفطام.
الجواب: نصيحتي لك: أن تكسر هذه الوسيلة التي توصلك إلى مشاهدة القنوات الفضائية التي تصدك عن ذكر الله وعن الصلاة، اكسرها لله وستجد في قلبك -والله- لذة الإيمان وحلاوة الإيمان أشهى من كل شيء: (ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه) جرب من الليلة وأتني بعد أسبوع وانظر ماذا كان لقلبك، ستتغير إذا فعلت ذلك لله عز وجل.
ذكر أن سليمان عليه السلام كان يحب الجهاد في سبيل الله، ولهذا أقسم ذات ليلة وقال: والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، تلد كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله. لمحبته للجهاد، فقيل له: قل: إن شاء الله، فما قال: إن شاء الله. وذلك لتأكد عزيمته، فجامع في تلك الليلة تسعين امرأة فولدت واحدة منهن شق إنسان، الله أكبر! نصف واحد، حتى يتبين له أن الأمر أمر الله عز وجل، وقد قال الله لنبيه: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24].
عرضت عليه ذات يوم الخيل المسومة واستمتع بها ولها بها، يقولون: لها عن صلاة العصر حتى غابت الشمس، وفسروا بذلك قول الله عز وجل: فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ [ص:32] أي: حتى غابت الشمس ولم يصلِ العصر، فقال: رُدُّوهَا عَلَيَّ [ص:33] فردوها عليه فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ [ص:33] (السوق): جمع ساق؛ ساق الرجل، فجعل يعقرها ويضرب أعناقها، انتقاماً من نفسه حيث تلهى بها عن الصلاة، قتلها أو عقرها لله عز وجل، فماذا جازاه الله؟ جازاه الله بالريح، سخر الله له الريح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب وبقوة عاصفة، وكم تبلغ العواصف الآن؟ تبلغ مائتي كيلو في الساعة، أو ما بين ذلك، والريح التي سخرها الله لسليمان قال: غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ [سبأ:12] أي: في اليوم مسيرة شهرين، وبأمره، قالوا: إنه يضع البساط ويجلس عليه هو وحاشيته ثم يأمر الريح فتحمله، على بساط بدون أي فزع! رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ [ص:36].
فأنت يا أخي! إذا تركت هذه الآلة لله عز وجل وكسرتها؛ فإن شاء الله تعالى ستجد لذة إيمان وحلاوة إيمان لا تستطيع أنت ولا أنا أن أصفها، فكسره الليلة ونم نوماً هادئاً وصلِ الفجر، وإن تيسر لك أن تقوم آخر الليل فالحمد لله.
الجواب: هذه لا يجوز لها أن تذهب إلى الطبيب وتكشف وجهها عنده، ما دام يصف لها الدواء ولا تستعمله، فما هي الفائدة؟ لكن إن احتاجت حاجة حقيقة فلا بأس أن يكشف الطبيب على ما يحتاج إلى النظر إليه، بشرط ألا ينفرد بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم).
الجواب: هذه ينظر فيها من عدة أوجه:
أولاً: هل الأم ملحة على أن ينقلها ابنها إلى بيته؟
ثانياً: هل له أولاد من هذه الزوجة بحيث لو طلقها لتشتت الأولاد وحصل بذلك مفاسد؟
ثالثاً: هل يمكن أن يستأجر بيتاً بجواره ويجعل أمه فيه ويجعل بينه وبينها باباً يدخل إليها وتدخل إليه؟
إذا كان هذا ممكناً فهو الواجب، ولا أستطيع الآن أن أقول: طلق امرأتك، لأني أخشى أن الأم لم تلزمك في الموضوع وقانعة بما هي عليه ولا يهمها، وأخشى أيضاً أن طلاق الزوجة يكون فيه تشتت الأولاد وضرر كثير، فأسأل الله تعالى أن يهيأ له أن يجمع بينه وبين أمه وزوجته على وجه مستقيم.
الجواب: إذا كان الخف دون الكعبين فمن العلماء من أجاز المسح عليه كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ومنهم من لم يجز المسح عليه، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم في المحرم إذا لم يجد نعلين: (فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين) قال: وهذا دليل على أن الخف الذي أسفل من الكعبين حكمه حكم النعل وليس حكم الخف، فالاحتياط: إذا كان الخف دون الكعبين ألا تمسح عليه، تبعاً لرأي الجمهور.
وأما إذا تمت المدة وأنت على طهارة في مسح فاستمر على طهارتك حتى ينتقض وضوؤك بناقض آخر، لأن انتهاء مدة المسح لا تنقض الوضوء على القول الصحيح، إذا لا دليل على انتقاض الوضوء بتمام مدة المسح، وإذا لم يكن دليل فالذي يقول: إنه ينتقض، يحتاج إلى دليل، والأصل بقاء ما كان على ما كان، وكذلك لو خلع الإنسان الجورب الذي كان يمسح عليه فإن طهارته باقية، ولا تنتقض إلا إذا وجد ناقض آخر كبول أو غائط أو ريح، فهو على طهارته، فإذا انتقض وضوؤه وتوضأ فلا بأس أن يعيد الخفين أو الجوارب بعد الوضوء الثاني.
الجواب: المتكآت لا أرى فيها بأساً بشرط أن يكون تجاوزها سهلاً، لأن بعض المتكآت ترفع فيشق على من أراد أن يجاوزها، فإذا كانت قصيرة لا تشق على من أراد أن يتجاوزها فلا بأس بها.
أما الاعتماد عليها فقد ذكر العلماء رحمهم الله: أن الإنسان لو اعتمد وهو قائمٌ على عمود اعتماداً كاملاً، بحيث لو أزيل العمود لسقط؛ فإن صلاته الفريضة لم تصح؛ لأنه لم يقم قياماً يعتمد فيه على أعضائه، أما إذا كان ذلك في حال الجلوس فلا بأس أن يتكئ عليها ولو كان اتكاءً كاملاً، لكن اعتماده على أعضائه أحسن.
الجواب: لا بأس به، ولو كان يمنع وصول الماء، لكن في الغسل من الجنابة والحيض لا بد من إزالته، ويدل على أن الأول لا بأس به: أن النبي صلى الله عليه وسلم في إحرامه في الحج كان قد لبَّد رأسه، أي: وضع عليه لبد من صمغ أو عسل أو ما أشبه ذلك؛ اتقاء الشعث، كما قال صلى الله عليه وسلم حين قيل له: (يا رسول الله! ألا تقصر -أي: من العمرة- وتحل كما حل الناس؟ قال: إني قد سقت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أنحر) فالحناء على الرأس ولو منع وصول الماء لا بأس به في الوضوء، لكن في الغسل من الجنابة أو الحيض لا بد من إزالته.
الجواب: لا حرج عليه؛ لأنه حين اغتساله كانت عليه هذه اللصقة، لكن لا بد أن يمر يده عليها ليكون ماسحاً، فإذا مسحها تمت طهارته، حتى لو أزالها فيما بعد فهو على طهارته.
السائل: يقول: لم يمسح عليها يا شيخ.
الشيخ: إذا تجاوزها الماء فإن بعض العلماء يقول: إذا غسل الممسوح أجزأه عن المسح، وبعضهم يقول: لا يجزئه غسل الممسوح عن مسحه، وبعضهم يقول: إن أمر يده عليه فلا بأس وإلا فلا. مثال ذلك: الرأس، فلو أن الإنسان توضأ وضوءاً عادياً فوضع رأسه تحت (البزبوز) حتى امتلأ الشعر من الماء ولم يمر يده عليه فإنه لا يجزئ؛ لأن هذا عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) هذا في الوضوء، أما في الغسل فيجزئ؛ لأن الغسل ليس فيه شيء ممسوح إلا الجبيرة. وبعضهم يقول: إن كان حين غسله أمر يده عليه أجزأ. وبعضهم يقول: إنه يجزئ مطلقاً، لكن الاحتياط: أنه لا بد من المسح في الممسوح.
الجواب: أما الصغار فليس عليها قضاء؛ لأنهم دون البلوغ فلم يكلفوا، وأما الكبار فما داموا قد استفتوا عالماً فإثمهم على من أفتاهم وليس عليهم شيء.
وأما حكم المسألة: فإن القرآن والسنة يدلان على أنه لا يجوز جمع العصر إلى الجمعة لا في سفر ولا في حضر، والدليل من القرآن العزيز قول الله سبحانه وتعالى: فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء:103] أي: لها وقت محدد، فإذا صلى الإنسان الصلاة قبل وقتها فهي غير صحيحة، إلا إذا صح أنها تجمع لما قبلها فهي صحيحة، وهنا نقول: السنة دلت على أن العصر لا تجمع للجمعة لوجود سبب الجمع ولم يجمع الرسول عليه الصلاة والسلام وأنا أسأل الآن: المطر من أسباب الجمع أم لا؟
الجواب: نعم من أسباب الجمع، وكذلك الوحل في الأسواق من أسباب الجمع، وقد وجد هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع العصر وذلك فيما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: يا رسول الله! -اسمع كلام الصحابة، الصحابة رضي الله عنهم فصيحون صريحون- قال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ورفع الناس أيديهم، وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. قال
وفي الجمعة الثانية دخل رجل أو الرجل الأول، وقال: (يا رسول الله! غرق المال وتهدم البناء) وذلك من المطر، يحتمل أن الزروع لكثرة الأمطار غرقت، والمواشي جرفتها الشعاب وهلكت، أما تهدم البناء فواضح؛ لأن البناء كان من الطين فتهدم .. (فادع الله يمسكها عنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر. قال
ويتبين من هذا أن الجمعة الأولى فيها سبب الجمع وهو المطر، ولم يجمع النبي صلى الله عليه وسلم، والجمعة الثانية فيها سبب الجمع وهو الوحل ولم يجمع، ومن المعلوم أنه لو كان الجمع سائغاً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه بالمؤمنين رءوف رحيم: (وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً).
ثم نقول: هل الجمعة كالظهر، أم أنها تفارقها في الأحكام؟ تفارقها في أكثر من ثلاثين حكماً، فكيف يصح أن نقيس الجمعة على الظهر؟! هذا قياس فاسد؛ لوجود النص المانع من القياس، ولظهور الفرق الموجب للتفريق.
فمن قال بجواز جمع العصر إلى الجمعة فقد أخطأ، والدليل كما سمعتم من القرآن: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء:103] والأصل: أن العصر لا تصلى إلا إذا دخل وقت العصر، ومن السنة ما سمعتم. والقياس غير صحيح لأمرين:
أولاً: لمصادمة الدليل.
ثانياً: لأنه قياس مع الفارق، ولا يقاس فرع على أصل إلا إذا تشابه في كل شيء.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر