إسلام ويب

اللقاء الشهري [76]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • النكاح سنة من سنن المرسلين له فوائد عظيمة جداً، منها: غض البصر، وتحصين الفرج، وتكثير النسل، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الشباب المستطيع أن يتزوج، وأمر من لم يستطع أن يصوم؛ لأنه هو الحل الوحيد لمن لا يستطيع الزواج، وقد جاءت هذه المادة لبيان كل ذلك، مع توضيح لشروط الزواج، وشروط الخروج منه.

    1.   

    النكاح وفوائده

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإننا في هذه الليلة ليلة الأحد الثالث عشر من شهر ربيع أول عام (1421هـ) نفتتح هذا اللقاء السادس والسبعين من اللقاءات الشهرية التي تتم كل شهر ليلة الأحد الثالث من كل شهر في الجامع الكبير في عنيزة، والتي يشاركنا فيها في الآونة الأخيرة إخوانٌ لنا في مدن أخرى، نسأل الله تعالى أن ينفع بهذه اللقاءات.

    هذا اللقاء سنجعله مناسباً لما يحدث في هذه الإجازة من كثرة الزواج. فنقول: الزواج من سنن المرسلين، كما قال الله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً [الرعد:38] وكما فعل صاحب مدين مع موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام حين قال له: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ [القصص:27] ولأن فيه فوائد عظيمة للمجتمع عموماً وللزوجين خصوصاً، ولأنه من طبيعة البشر؛ فإن الطبيعة الفطرية تهوي النكاح وتريده، ولولا أن الله جعل في الفطرة هواية النكاح ما تزوج أحد؛ لأنه يستحيا -لولا قوة الشهوة- أن يكشف الرجل عورته للمرأة وتكشفها للرجل، لكن الله جبل الخلق على هذه الفطرة من أجل المصالح العظيمة التي منها: بقاء النسل وبقاء البشر، إذ لولا النكاح ما توالد البشر ولهلكوا.

    وفي النكاح فوائد كثيرة:

    منها: التأسي بالمرسلين كما سبق.

    ومنها: غض البصر وتحصين الفرج؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة -أي: النكاح- فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج).

    ومنها: تكثير نسل الأمة، ولهذا حث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أن نتزوج بالودود الولود؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكاثر الأنبياء يوم القيامة بأمته، وأمته أكثر الأمم بلا شك.

    ومنها: ما يترتب على ذلك من الإنفاق على الزوجة والأولاد.

    ومنها: ما يترتب على ذلك من تقارب الناس بعضهم لبعض، كما قال عز وجل: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً [الفرقان:54] تجد الرجل لا يعرف هؤلاء القوم وليس لهم به صلة، فإذا تزوج منهم حصلت الصلة حتى كأنهم من أقاربه، وهذه هي إحدى الحكم في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حتى يكون له في كل قبيلة من قريش صلة بالمصاهرة، ولهذا مات صلوات الله وسلامه عليه عن تسع نسوة.

    1.   

    شروط النكاح

    النكاح فيه فوائد كثيرة، ومن أجل هذه الفوائد جعل الله تعالى له حدوداً في الدخول فيه وحدوداً في الخروج منه.

    نذكر الحدود في الدخول فيه:

    الولي

    أولاً: لا بد من الولي، وهو الرجل البالغ العاقل من عصبات المرأة، وعلى هذا فالمرأة لا تكون ولياً، بمعنى: لا تزوج الأم ابنتها؛ لأن الأم نفسها تحتاج إلى ولي. والبالغ ضده الصغير، فالصغير لا يكون ولياً ولو كان من أذكى الناس، فذكرٌ له أربع عشرة سنة ومن أذكى الناس وأعقل الناس لا يمكن أن يكون ولياً، فلو كانت امرأة لها أخٌ شقيق ذكي عاقل، ولها ابن عم بعيد لكنه بالغ عاقل تمت به شروط الولاية، فمن الذي يزوجها؟ يزوجها ابن العم البعيد، وذلك لفقد البلوغ. والعاقل ضده المجنون، ولا يكون ولياً، بل هو يحتاج إلى ولاية.

    (من عصبات المرأة) احتراز من ذوي الفروض والأرحام، فذوو الفروض لا ولاية لهم، وذوو الأرحام لا ولاية لهم .. أبو الأم هل يكون ولياً لبنت ابنته؟ لا. لأنه ليس من العصبة .. وجد المرأة لأمها لا يكون ولياً لها؛ لأنه ليس من العصبة، أما جدها لأبيها فهو ولي؛ لأنه من العصبة، وعلى هذا لو اجتمع أبو أم وابن عم بعيد فإن الذي يزوج المرأة ابن العم البعيد دون أبو الأم، والأخ من الأم هل يزوج أخته من الأم؟ الجواب: لا يزوج؛ لأنه ليس من العصبة، وعلى هذا فلو وجد ابن عم بعيد جداً وأخ من أم فإن الذي يزوجها ابن العم البعيد إذا تمت شروط الولاية.

    إذاً: ولي المرأة هو الرجل البالغ العاقل من عصبات المرأة، وما هو الدليل على أنه لا بد أن يكون لها ولي؟ أليست المرأة يجوز أن تبيع كل مالها كما شاءت في الحدود الشرعية؟ الجواب: بلى. لكن لا تزوج نفسها؛ لأن النكاح ليس بالأمر الهين، بل خطير جداً، الدليل قول الله تعالى: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232] تعضلوهن أي: تمنعوهن، وهذا يدل على أنها لا تتزوج إلا بولي وإلا لكان العضل وعدمه سواءً.

    ثانياً: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا نكاح إلا بولي) أي: لا نكاح صحيح إلا بولي، هذا شرط من شروط النكاح، ولو زوجت المرأة العاقلة العالمة الذكية نفسها رجلاً خليقاً ديناً فإن النكاح باطل؛ لأنها لم تتزوج بولي، و(لا نكاح إلا بولي).

    رضا الزوجين

    الشرط الثاني: رضى الزوج والزوجة .. فإن أكره الزوج أو الزوجة على النكاح فلا نكاح، وكيف يكره الزوج؟ عند بعض البوادي يكره الرجل ابنه على أن يتزوج ابنة عمه ويقول: إما أن تتزوجها وإلا فالرصاصة في رأسك، وهذا إكراه فلا يصح النكاح، بعض البادية يفعل هذا؛ لأنه قد حجر ابنة أخيه لابنه، فيقول: كيف أقابل الرجال وأنا قد حجرت ابنة عمك لك ثم تقول: لا؟ فيكره ابنه على أن يتزوجها، فالنكاح باطل، كذلك لو أكرهت البنت على أن تتزوج من لا تريد فإن النكاح باطل، حتى لو كان أباها فإن النكاح باطل، فلو أكره ابنته على النكاح بأن قال لها: يا ابنتي! هذا ابن عمك قد حجرناه لك ولا يمكن أن تخجلينا، إما أن تتزوجي وإلا فالرصاصة في رأسك. فوافقت وتم العقد، فإن هذا العقد غير صحيح لعدم الرضا، الدليل: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تنكح الأيم -أي: الثيب- حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت) وقال: (البكر يستأذنها، أو قال: يستأمرها أبوها) فنص على البكر ونص على الأب.

    وما ذهب إليه بعض العلماء من جواز إجبار الرجل ابنته على الزواج، مستدلين بحديث عائشة حين زوجها أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وليس لها إلا ست سنين؛ فقولهم ضعيف واستدلالهم باطل؛ لأن أبا بكر زوج عائشة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهل يعقل أن عائشة تمانع في هذا؟ أبداً، هو يعلم علم اليقين أنها تفرح بهذا، ولهذا لما نزل قول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:28-29] فالرسول خير النساء: إن كنتن تحببن الدنيا وزينتها فأنا أسرحكن سراحاً جميلاً، وإن كنتن تردن الله ورسوله فلكن الله ورسوله، وبدأ بـعائشة، عائشة البكر الصغيرة خيرها وخاف أن يدركها الشباب وقال لها: (ما عليك أن تستأمري أبويك) أي: شاوري أبويك، خاف أن تتعجل وتقول: أريد الدنيا؛ لأنها صغيرة، قالت: يا رسول الله! أفي هذا أستأمر أبوي أن أخير بين الله ورسوله وبين الدنيا، أفي هذا أستأمر أبوي؟ أريد الله ورسوله. سبحان الله! هل يعقل أن مثل هذه إذا زوجها أبوها بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تمانع؟ لا تمانع، إذاً الاستدلال بهذا الحديث خطأ وغلط، لكن أروني بكراً أقر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نكاحها وهي كارهة، لا تجدون هذا، وما يفعله بعض البادية يحبس ابنته على كثرة ما يعطى من الأموال فقد خان أمانته، وسقطت ولايته، وفعل إثماً مبيناً والعياذ بالله، ولن تغنيه الدنيا عن الآخرة، وما يدري فلعله لا يستمتع بما اشترط لنفسه من الأموال. هذا هو الشرط الثاني.

    تعيين الزوجة

    الشرط الثالث: تعيين الزوجة .. كأن يسميها باسمها، أو يصفها بوصف لا ينطبق إلا عليها، أو يشير عليها إن كانت حاضرة، فالتعيين يكون بواحد من أمور ثلاثة: أن يسميها باسمها، كأن يكون هناك رجل له ابنتان إحداهما زينب والثانية فاطمة، فقال: زوجتك إحدى ابنتي، من هي؟ لا بد من أن يعين، لكن قال: زوجتك ابنتي فاطمة؛ فهذا تعيين، أو له ابنتان إحداهما طويلة والثانية قصيرة، وقال: زوجتك ابنتي القصيرة، وهذا الوصف لا تتصف به الأخرى، هذا تعيين صحيح، أو بناته عنده في المجلس لكنهن متغطيات، فقال: زوجتك هذه، وأشار إليها، فهذا تعيين صحيح. لعلكم تقولون: أليس صاحب مدين قال لموسى: زوجتك إحدى ابنتي؟ فالجواب بلى، قال: إحدى ابنتي، ما قال هذه ولا هذه، لكننا نعلم أن موسى عينها، فإحدى ابنتي للتخير، أي: خذ من شئت، فعينها فزوجه إياها، فهنا عينها بعد الإبهام وهذا الصحيح.

    الشهود

    بقي شرط رابع مختلف فيه وهو: الشهود .. أن يكون العقد بشاهدين ذكرين بالغين عاقلين، فإن تزوج بلا شهود فلا نكاح، أو بشهادة امرأتين فلا نكاح، أو بشاهدة عشر نساء فلا نكاح، أو بشاهدة غلامين فلا نكاح، لا بد أن يكونا رجلين بالغين عاقلين، لكن هذا الشرط فيه خلاف بين العلماء، منهم من يقول: إنه شرط للصحة، ومنهم من يقول: إنه شرط للكمال، بمعنى: أنه إذا كان هناك شهود فهو أكمل وإلا فالعقد صحيح، وهل يصح أن يكون أحد الشاهدين المأذون الشرعي الذي يكتب أو لا يصح؟ يصح أن يكون أحد الشاهدين المأذون الشرعي، وعلى هذا فإذا حضر الرجل والمأذون الشرعي وشاهد، وزوجه الولي فالعقد صحيح؛ لأن المأذون شاهد.

    إذاً: لا بد في العقد من هذه الشروط، ولا بد ألا يزيد عن العدد المشروع وهو أربع، فلو تزوج خامسةً ومعه أربع فالنكاح باطل؛ لقوله تعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] فإن طلق إحدى الأربع فهل يتزوج الخامسة؟ الجواب: ما دامت المطلقة في العدة فلا يتزوج، وإذا انتهت العدة تزوج.

    1.   

    تعلم ما يجب في النكاح وما يحرم وما يباح

    ثم إنه ينبغي للإنسان أن يتعلم ما يجب في النكاح وما يحرم وما يباح، حتى يؤدي الواجب ويجتنب المحرم ويستمتع بالمباح. والواجب على الرجل وعلى المرأة -أيضاً- أن يعاشر كل منهما الآخر بالمعروف؛ لقول الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] وأما ما يفعله بعض الناس من الرجال والنساء من كونه يعاكس الآخر، وينكد عليه حياته، ويثير غضبه؛ فهذا حرام وإثم والعياذ بالله! وأشر منه من إذا غضب أدنى غضبة طلق ثم يأتي نادماً .. أمسك أعصابك، لا تطلق إلا بعد روية ومشاورة وتفكير: هل في الطلاق خير أم لا؟

    فعلى كل من الزوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف .. على الرجل إذا رأى امرأته على منكر أن ينصحها، وعلى المرأة إذا رأت الرجل على منكر أن تنصحه، وعلى كل منهما أن يقبل النصيحة ولا تأخذه العزة بالإثم، لكن إذا كان الرجل يتهاون بالصلاة ونصحته المرأة ثم نصحته ثم نصحته، فهل تلح عليه دائماً؟ الجواب: لا. تدعو بالمعروف؛ لأنها لو تلح عليه دائماً كرهها وأبغض حتى الحق، وقال: لن أصلي، ما عليك مني، كما هو معلوم، لكن بالتي هي أحسن، فإذا عجزت عنه فهل عليها إثم من معصيته؟ لا. ليس عليها إثم، قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:20] عليها أن تبين النصيحة وليس عليها إثم من مخالفة الزوج، إثمه عليه، وكذلك يقال في المرأة.

    وهل للزوج أن يمنع امرأته من الخروج من المنـزل أم لا؟ نعم. له أن يمنعها من الخروج من المنـزل، وهل له أن يمنعها من زيارة أمها وأبيها؟ لا. إلا إذا خاف أن تفسد الأم ابنتها عليه؛ لأن بعض الأمهات -نسأل الله العافية- تفسد ابنتها على زوجها، تقول لها: زوجك لا يعطيك نفقة ولا يعطيك حلياً، ولا يذهب بك إلى الاستراحات، ولا يشتري لك سيارة، وما أشبه ذلك، تذهب من عند زوجها مثل الزبد سهلة لينة ثم تأتي وهي حجر؛ لأن أمها ملأت قلبها على زوجها، والعجب أن هذا يأتي من الأم غيرةً من ابنتها أن زوجها يحبها! وكان عليها إذا كان زوجها يحبها أن تشكر الله أن ابنتها محبوبة عند زوجها؛ لأن هذا من مصلحة الجميع.

    ومما ينبغي أن يعلم -وهو يخفى على كثير من الشباب والشابات- أنه إذا حصل الدخول وحصل الجماع وجب الغسل سواءٌ أنزل أم لم ينزل، وبعض الجهال يظن أنه لا يجب الغسل إلا إذا أنزل، وهذا غلط، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل) فيجب الغسل بواحد من أمرين:

    إما الإنزال ولو بدون جماع، وإما الجماع ولو بدون إنزال.

    والجماع والإنزال من باب أولى، انتبهوا لهذا ونبهوا الشباب؛ لأنه يتصل بنا البعض ويقول: له سنة وسنتين وثلاث يجامع الزوجة ولا يغتسل؛ لأنه يظن أن الجماع الذي يوجب الغسل هو الذي يحصل فيه إنزال، وليس كذلك، فنبهوا إخوانكم وأصحابكم على هذا وأشيعوه بين الناس حتى لا يمضي الأمر.

    1.   

    طرق الخروج من النكاح

    أما بالنسبة للخروج من النكاح فلا بد فيه من شروط، فإن الإنسان يخرج من النكاح إما بالطلاق وإما بالفسخ وإما بالموت .. إما بالطلاق بأن يطلق الرجل امرأته وينتهي، أو بالفسخ بأن تكون المرأة اشترطت على زوجها شرطاً ولم يفِ به فلها الفسخ، أو يجد الرجل في امرأته عيباً لم يعلم به فله الفسخ، أو يفارق الرجل زوجته على عوض فهذا فسخ، وهل أحد يفارق امرأته على عوض؟ نعم. كأن تكون العشرة بينهما غير جيدة وتطلب الطلاق فيقول: لا أطلقك إلا بكذا وكذا، فتبذل هي أو وليها، فهذا فسخ، لا ينقص به عدد الطلاق ولا يحتسب من الطلاق، بل هو فسخ وفداء، ولهذا قال الله عز وجل: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229] ثم قال فَإِنْ طَلَّقَهَا [البقرة:230] أي: الثالثة.

    قال ابن عباس : [كل طلاق أجازه المال فهو خلع] أي: أن كل طلاق فيه عوض فإنه خلع، أي: فسخ وليس بطلاق.

    ثم الطلاق هل كلما أراد الإنسان أن يطلق يطلق أم لا بد من حدود؟ لا بد من حدود:

    أولاً: لا تطلق المرأة بعد الدخول وهي حائض، ودليل ذلك قول الله تعالى: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] فسر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك بأن يطلقها طاهراً من غير جماع، وذلك في قصة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: فإن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما طلق زوجته وهي حائض، فأخبر عمر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتغير فيه، أي: غضب، لماذا يطلق وهي حائض؟ ثم قال لـعمر : (مره -أي: مر ابن عمر - فليراجعها ثم ليتركها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً) فالطلاق في الحيض منكر وحرام وتعدٍ لحدود الله، ولكن لو أن الإنسان أحمق فطلق في الحيض فإنه يقع، وهكذا قول العلماء -علماء الأمة- أكثر العلماء ومنهم المذاهب الأربعة يقولون: إذا طلق في الحيض فإنه يقع، وأظهر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا يقع الطلاق في الحيض، ونصر هذا القول واحتج له بما يقبل وما لا يقبل.

    فاعلموا -أيها الإخوة- أن طلاق الرجل امرأته في الحيض ليس أمراً هيناً، فلو طلقها في الحيض وقلنا: إنه يقع، وجمهور العلماء على أنه يقع، ثم ردها بدون اعتبار لهذه الطلقة فإنه يطؤها وطء زنا، أكثر العلماء يقولون هذا، والآن مع الأسف الشديد تساهل الناس في هذا الأمر، صار الواحد مباشرة يبت الطلاق وهي حائض ولا يهمه، هذا خطأ عظيم، ثم يأتي إلى أبواب العلماء ويقول: أفتوني، وكان هذا القول أعني القول: بأن الطلاق في الحيض لا يقع، كان هذا القول مهجوراً لا يعرفه الناس في هذه البلاد، حتى ظهرت الفتوى وانتشر أن الطلاق في الحيض لا يقع، وصار الزوج العامي الذي لا يعرف كوعه من كرسوعه إذا طلق في الحيض جاء يستفتي وقال: إني طلقت في الحيض، قال له المفتي: إذاً وقع الطلاق عليك، قال: كيف يقع وأنا طلقت في الحيض والطلاق في الحيض لا يقع؟ وهو عامي جاهل، لكن لما كان له حظ نفس في هذه المسألة صار عالماً يحاج طلبة العلم.

    المهم لا تتهاونوا بالطلاق في الحيض، وأنا وإن كنت أرى أنه لا يقع، لكن أرى أن الإنسان على خطر؛ لأن كل الأمة وأئمة الأمة يرون أنه يقع إلا ما ندر، ولهذا في هذا الجمع كل الذين أجابوا قالوا: يقع، وواحد منهم قال: إنه لا يقع، فمثلتم خلاف العلماء تماماً، أكثركم يقول: إنه يقع. وبالنسبة لي أنا إذا جاءني شخص وقال: إنني طلقت زوجتي في الحيض عام (1410هـ)، ثم طلقتها طلاقاً صحيحاً عام (1415هـ)، ثم طلقتها طلاقاً صحيحاً عام (1420هـ) هذه ثلاث طلقات، جاء يستفتيني وأنا أرى أن الطلاق في الحيض لا يقع، فهل أقول: طلقتك الأولى لم تقع ولك المراجعة؟ أنا شخصياً لا أفتي بهذا، أقول: طلقتك الأولى وقعت، والدليل: لو أنها حين انقضت عدتها من طلقتها الأولى تزوجت إنساناً هل يأتي زوجها الذي طلقها ويقول للرجل: أنت الآن استحللت امرأتي؟ لا يأتي أبداً، إذاً الذي عندي أنه لو جاءني الرجل الذي طلق في الحيض في العدة فهنا أقول: طلاقك غير واقع والزوجة في عصمتك؛ لأنها لم تحل لغيرك الآن، لكن بعد أن انقضت العدة وندم وجاء يريد أن يفسد الأول لا أفتيه بأنه لم يقع، بل أقول: وقع، ويحسب عليك من الطلاق، انتبهوا إلى الخطة التي مشيت عليها تأسياً بـعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين ألزم الناس بوقوع الطلاق الثلاث المجموعة لما انتهكوا حرمات الله وصاروا لا يبالون بالطلاق الثلاث المجموعة، وبعض العلماء السابقين رحمهم الله أشار إلى هذه المسألة وقال: إن الرجل إذا طلق زوجته الطلقة الثالثة جاء يقول: إن أحد الشهود على عقد النكاح غير عدل، فاسق، من أجل أن يبطل العقد؛ لأنه ليس بشهود عدول، وإذا بطل العقد بطل الطلاق المبني على العقد، فلا يحسب عليه، انظر هذا الرجل -والعياذ بالله- يتبع هواه، لما كان يستحل زوجته ويطؤها ليلاً ونهاراً صار الشاهد على العقد عدلاً، ولما ضاقت عليه الحيلة صار الآن غير عدل، هذا تلاعب بآيات الله عز وجل، أقول: إن بعض العلماء المعاصرين قبل مدة ذكر هذا في بعض أجوبته المطبوعة.

    على كل حال لا يطلق في حيض.

    ثانياً: لا يطلق المدخول بها في طهر جامع فيه، إلا أن تكون حاملاً فلا بأس؛ لأنه لو جامع ثم طلق بعد الجماع فبماذا تعتد: أتعتد بالحمل أم بالحيض؟ إن قلت: بالحمل، قلنا: لا، لاحتمال أنها لم تحمل، وإن قلت: بالحيض، قلنا: لا تعتد بالحيض؛ لأنها تحتمل أنها حملت، انتبه للحكم العظيمة في الشريعة الإسلامية! فإذا طلق في طهر جامع فيه فهو حرام؛ لأنه لم يطلق لعدة متيقنة، يحتمل أن تكون حاملة فعدتها وضع الحمل، ويحتمل ألا تكون حملت فعدتها بالحيض، فلما صار هذا محتملاً صار هذا حراماً؛ لأن الله تعالى قال: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [الطلاق:1] وإذا كنا لا ندري أعدتها عدة الحامل أم عدة غير الحامل لم نكن أحصينا العدة، وقد قال الله عز وجل: وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [الطلاق:1].

    إذاً: يحرم طلاق المرأة المدخول بها إذا كانت حائضاً، أو في طهر جامع فيه أما إذا كانت في طهر لم يجامع فيه فالطلاق جائز، وإذا كانت حاملاً فالطلاق صحيح ولو جامعها ولو لم يغتسل من جماعها.

    وغير المدخول بها إذا طلقها وهي حائض .. رجل عقد على امرأة والدخول بعد شهر، وفي أثناء هذه المدة طلقها، فالطلاق هنا حلال؛ لأنه ليس عليها عدة، وقد قال الله تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] فإذا طلقها قبل الدخول والخلوة فلا عدة، ويطلق متى شاء ولو حائضاً.

    سؤال: لو طلقها وهي نفساء عليها الدم حلال أم حرام؟ حلال؛ لأنه طلق للعدة، إذ أن النفساء إذا طلقت شرعت في العدة من حين الطلاق، فيكون قد طلق للعدة، فإذا أورد علينا شخص فقال: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لـعمر : (مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً) فنقول: هو يخاطب رجلاً طلق امرأته في حيض، والمعنى: طاهرة من الحيض لا مطلق الطهر، وعلى هذا فالطلاق في النفاس جائز وليس بطلاق بدعي، وهو نافذ؛ لأنه إذا طلقها في هذه الحال فقد طلق للعدة.

    1.   

    الأسئلة

    نصيحة في التقليل من تكاليف الزواج

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل من نصيحة للإخوة الحاضرين والسامعين في التقليل من تكاليف الزواج من مهر وغيره، وبطاقات الزواج التي مصيرها إلى القمامة وقد تساوي خمسة إلى عشرة ريالات، ولو وضعت على شريط أو كتاب بريال أو ريالين لنفع الله بها وحفظت هذه البطاقة ونشر الخير بذلك الزواج؟

    الجواب: أنا أنصح إخواني المسلمين عن الإسراف في المهور والمغالاة فيها وعن الإسراف في الولائم، فإن النكاح ليس بغريب، كل بني آدم يتزوجون، فليس أمراً غريباً حتى نسرف في مناسباته، هو أمر طبيعي، فليكن طبيعياً .. (وأعظم النكاح بركة أيسره مؤونة) وكلما سهَّل الإنسان مؤونة النكاح صار ذلك سبباً في الالتئام بين الزوجين وحسن العشرة بينهما؛ لأن ذلك من بركته، فنصيحتي لإخواني أولاً: ألا يغالوا في المهور.

    ثانياً: ألا يغالوا في الولائم .. بلغني أنه يوجد في بعض البلدان من ينفق مائة ألف ريال على وليمة واحدة أو أكثر، باستجلاب المغنيات والمغنين، واستئجار الفنادق الرفيعة، وما أشبه ذلك، هذا خطأ عظيم وإسراف يخشى من العقوبة.

    ثالثاً: ألا يغالوا في بطاقات الدعوة .. أحياناً تأتيك البطاقة تساوي عشرة ريالات أو أكثر وهي -كما قال السائل- مرجعها إلى القمامة، ومع ذلك إذا وجه الدعوة إلى مائة رجل فستكون قيمتها ألف ريال، وهذا خطأ عظيم، حتى الذين تأتيهم البطاقة -وأنا منهم- أرق لهؤلاء الإخوان وأرحمهم وأقول: مساكين! بذلوا الأموال في غير طائل، أرأيت لو أنهم صوروا على آلة التصوير ألف نسخة، ولتكن بخمسين ريال وتغني عن هذا، والمقصود إشعار المدعو بأنه عند الداعي له منزلة يحتاج أن يوجه الدعوة إليه.

    رابعاً: الإسراف في ليالي الزفاف .. في ملابس النساء التي يصدق على بعضها ما جاء في الحديث: (نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات) وأقبح من ذلك أن يقوم الرجل وزوجته على المنصة، وربما يقبلها، وربما يعطيها الحلوى أو التفاح، وربما تأكل بعض التفاح وتعطيه يأكل بعضه أو بالعكس! بالله عليكم هل هذا يثير الشهوة أم لا؟! نعم. يثير الشهوة الراقدة التي ما تعرف الحياء، وأقبح من ذلك أن تؤخذ صورة الرجل والمرأة بالفيديو، يزعمون أنها للتذكار، وهي فضيحة وإنكار! وشر من ذلك أن يرى النساء أمامه متبرجات متطيبات لابسات أحسن ثياب، وربما تكون الواحدة منهن بالنسبة إلى زوجته كالقمر بالنسبة إلى السهى، السهى نجم ضعيف، فيتعلق قلبه بمن يشاهد من النساء ويعرض عن زوجته، وتكون ليلته سوداء ولو في الليالي المقمرة؛ لأنه رأى من النساء من نكد عليه حياته، هو في نفسه يشعر بأن زوجته أجمل النساء وأنها خير النساء، فتأتي هذه المرأة التي شاهدها في هذا الحفل فتغطي محاسن زوجته، والعجيب أن الذي يدعو هؤلاء النساء هم أهل الزوجة، فهم يخربون بيوتهم بأيديهم! يأتون بهؤلاء النساء حتى تكون زوجته فيهن رخيصة، وهذا والله من المنكر، ولم يحدث إلا أخيراً، وأنا أحبذ أن يأتي الزوج بعد صلاة العشاء إلى بيت الزوجة ومعه أنفار قليل، فيجلسون ويتحدثون بنحو ربع ساعة ويشربون القهوة والشاي ثم يقولون: السلام عليكم، بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير. ويقول قائل منهم: بارك الله لمن زار وخفف، وهم لم يبقوا إلا ربع ساعة، والآن يبقون إلى الفجر، والله بلغني أنهم يبقون إلى الفجر، ويديرون رأس الزوج، مسكين! هو معهم كالشاة يمشي ويتعب ويمل، فإذا وصل إلى الصفر من قوته البدنية والجنسية أدخلوه على زوجته، ما الفائدة؟ الآن من حين يدخل إلى أين يذهب؟ إلى الفراش، إلى النوم مباشرة .. من أين جاءتنا هذه العادات؟ المثال الذي ذكرته لكم بعد ربع ساعة من صلاة العشاء أو نصف ساعة إلى الأكثر يأخذون بيد الزوج ويدخلونه على زوجته في بيت أبيها، نكاح هادئ جميل لذيذ موافق للفطرة، ولكن كما قيل: في الترف التلف. وهذا هو المطابق للواقع، كلما ازداد الناس ترفاً ازدادوا تلفاً وتهالكاً، فنسأل الله الهداية.

    حكم التعدد من أجل مجاراة الناس أو لتأديب الزوجة

    السؤال: بما أن الحديث حول مناسبات الأعراس هذا سؤال: ما رأي فضيلتكم فيمن يتزوج امرأة ثانية بقصد المجاراة للغير، أو من أجل أن يؤدب زوجته كما يزعم، وغالباً ما يفشل هذا الزواج؟

    الجواب: أما من حيث تعدد الزوجات، فهل الأفضل التعدد، أو الأفضل الإفراد؟ في هذا للعلماء قولان مشهوران:

    القول الأول: أن الأفضل أن يقتصر على واحدة. وهذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد رحمه الله عند أصحابه المتأخرين، قالوا: يسن أن يتزوج نكاح واحدة، وعللوا ذلك: بأنه أبعد عن الجور، وأجمع للقلب، وأبعد عن التشويش.

    وقال آخرون: بل الأفضل أن يعدد؛ لأنه أكثر في تحصيل مصالح النكاح.

    والقول بالتعدد أقرب إلى الصواب من القول بالإفراد، لكن من تزوج لقصد مجاراة الغير ومماراتهم فهذا قصد سيئ مذموم، النساء لسن ثياباً يلبسهن الرجال، فإذا لبس الآخرون ثوباً جديداً لبس هو ثوباً جديداً، بل المرأة مكرمة لها حقها، ومن تزوج من أجل تأديب زوجته فلا حرج؛ لأن بعض النساء لا يؤدبهن إلا النساء، ولهذا يقال: أدبوا النساء بالنساء. وكثيرٌ من النساء تكون ناشزة لا تؤدي زوجها الحق الواجب له، فيريد أن يبسط نفسه وأن يتزوج عليها، وإذا تزوج عليها فمنهن من تستقيم ومنهن من تزيد نشوزاً، وحينئذٍ يبت طلاقها ويدعها عند أهلها.

    فالمهم أن التزوج لتأديب الزوجة الناشز لا بأس به، وأما التزوج لمجاراة الناس فلا.

    حكم الزواج بالكتابية

    السؤال: ما حكم الزواج بالكتابية إما يهودية أو نصرانية؟

    الجواب: ليس لنا أن نحكم إلا بما حكم الله به يا أخي! وقد قال الله تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة:5] أي: حلال، فيجوز للرجل أن يتزوج اليهودية أو النصرانية، هذا هو الأصل، لكن إذا خاف الإنسان على نفسه أو ولده من أن يتزوج باليهودية أو النصرانية مُنع من ذلك لا لأن المرأة حرام، ولكن لخوف أن يقع في الحرام، فإذا كان رجلاً ضعيف الدين وأعجبته امرأة يهودية ولا يأمن نفسه أن تجره إلى دينها، فهنا نمنعه ونقول: يحرم عليك؛ لأن زواجك بها وهو حلال ذريعةٌ إلى الوقوع في الحرام، وكذلك لو خاف على أولاده؛ لأن بعض الناس أشباه الرجال وليسوا برجال .. رجلٌ في ثيابه، ورجلٌ في شماغه، ورجلٌ في مشلحه، لكن حقيقته امرأة، فإذا خاف أن يفسد أولاده على يدها فلا يتزوجها، وكذلك يقال في النصرانية.

    والحاصل: أن الأصل جواز تزوج المسلم باليهودية أو النصرانية ما لم يخش المحذور، فإن خشي المحذور منع.

    وهكذا -يا إخواني- كل شيء مباح، إذا كان يخشى منه المحذور فإنه ينقلب حراماً، انتبه إلى هذه القاعدة وخذها يا طالب العلم ويا العامي أيضاً؛ لأنها سهلة جداً: كل شيء مباح إذا خشي منه المحذور فإنه يكون حراماً.

    وهنا نكتة أقصها عليكم حتى تعلموا أن الإنسان الذي على فطرته عنده من الجواب ما ليس عند العالم المنحرف، يقال: إن رجلاً من أهل نجد اجتمع بنصراني أظنه في مصر، وجرى الحديث بينهما كما يجري الحديث بين الجالسين كثيراً، فقال له النصراني: أنتم أيها المسلمون ظلمة، قال: كيف؟ قال: لأنكم تبيحون لأنفسكم أن تتزوجوا منا ولا تبيحون لنا أن نتزوج منكم. هل هذا صحيح هذا أم غير صحيح؟ فيه تفصيل، فقوله: أنكم ظلمة، غير صحيح، وقوله: تبيحون ولا تبيحون، صحيح، فقال له العامي: نحن نؤمن بنبيكم وأنتم لا تؤمنون بنبينا، سبحان الله! جواب مفحم مقنع، آمنوا بنبينا ولكم أن تتزوجوا منا. وهذا جواب سليم.

    وآخر قدح في النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: إن زوجته فيها ما فيها، ورماها بالإفك، وهو نصراني، قال: نبيكم هذا -قاتله الله، قاتل الله النصراني- يقول: نبيكم هذا عنده زوجة، وذكر الإفك، المنافقون رموها بالإفك، رموا عائشة بأنها زانية والعياذ بالله! فقال له العامي: إن كان نبينا قد اتهمت زوجته ورميت بالزنا فإن نبيكم قد اتهمت أمه ورميت بالزنا. هل هذا صحيح أم غير صحيح؟ صحيح؛ لأن اليهود يرون أن مريم عليها السلام زانية، قالوا: يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً [مريم:28] فيا أخي: سبحان الله! الجواب على الفطرة يكون غالباً مقنعاً.

    السائل: نقرها على ما تفعله كشرب خمر وما إلى ذلك؟

    الشيخ: نعم. هل إذا تزوج امرأة يهودية أو نصرانية فإنه يقرها على ما تراه حلالاً في دينها.

    حكم سماع الشهود موافقة الزوجة

    السؤال: هل يشترط للشهود في النكاح سماع موافقة الزوجة؟ وهل يكون الشهود من محارمها أم من غيرهم؟ لأن الذي يحصل يا شيخ أن المأذون ووالد الزوجة والشهود يجتمعون في مكان ويقررون، ويذهب أحد محارم الزوجة ويأخذ توقيعها على هذا.

    الجواب: أولاً: لا بد أن نعلم أن المشهور من المذهب أن الشهود في النكاح يشترط ألا يكونوا من أصول الزوج ولا من فروعه، ولا من أصول الولي ولا من فروعه، ولا من أصول الزوجة ولا من فروعها، وعلى هذا فلو كان أحد الشهود والد الولي لم يصح، أو كان الشهود ابن الزوج لم يصح، ولكن هل تشترط الشهادة على رضى الزوجة أم لا؟ في ذلك خلاف، والمذهب أنه سنة وليس بواجب، لكن نظراً لما يحدث في وقتنا الحاضر من المخاصمات ونحوها نرى أنه لا بد أن يشهد الشهود على إذن الزوجة.

    السائل: هل يسمعون موافقتها يا شيخ؟

    الشيخ: إذنها يعني موافقتها، ولكن بعض النساء إذا كانت أختها التي تريد الزواج لا تعرف تكتب تحضر التي تعرف تكتب وتكتب اسم أختها وتوقع عليه، وهذا حرام لا يجوز، بل الواجب أن تحضر الزوجة وإن لم تعرف الكتابة ويؤخذ إذنها ويكتفى بذلك.

    منهج الرسول عليه الصلاة والسلام مع زوجاته عند الخلاف

    السؤال: أحياناً يحصل بين الرجل وزوجته سوء تفاهم فيهجرها في المضجع ولا يتكلم معها، وإذا دخل المنزل لا يسلم عليها، فهل هذا العمل موافق لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجر؟ وما هو منهج الرسول عليه الصلاة والسلام مع زوجاته عند الخلاف؟

    الجواب: من الخطأ والغلط أن تصل الحال بالزوجين إلى هذا، أن يهجرها في المضجع ويهجرها في الكلام، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بيته يقوم بأعمال البيت حتى تأتي الصلاة فيخرج إلى الصلاة، فلا ينبغي للإنسان أن يهجر أهله حتى لو أخطئوا فليتحمل وليصبر؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة -أي: لا يكرهها- إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن النساء خلقن من ضلع وأعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن استمتعت بها استمتعت بها على عوج) وهذا الهجر لا يزيد الأمر إلا شدة، بل عليه أن يصبر ويتحمل ويلاطف الزوجة ويكلمها على قدر عقلها حتى تتم الأمور، والزوجة يكفيها ابتسامة فقط تزيل عنها كل ما في قلبها، ويكفيها ضد ذلك عبوس في الوجه فتنفر، فليراعي الإنسان هذه الأحوال ليعيش مع زوجته عيشةً هنيةً رضية.

    وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767974582