أما بعــد:
فهذه هي الجلسة الثانية في شهر رمضان لعام: (1411هـ) للقاء بكم في الجامع الكبير في عنيزة ليلة الثلاثاء.
ولقد رأيتم ما صنعنا في صلاة الوتر، حيث قرأنا سوراً غير السور التي تقرأ في العادة، والتي هي السنة، وذلك لأجل أن يتبين للناس أن قراءة سورة الأعلى وسورة الكافرون وسورة الإخلاص ليس على سبيل الوجوب؛ لكنه على سبيل الاستحباب.
كما أنه ليس من شرط الوتر القنوت، أعني: الدعاء بعد الركوع، فالوتر: أن يأتي الإنسان بصلاة الوتر واحدة، أو ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو تسعاً، أو إحدى عشرة، والقنوت ليس بشرط لصحة الوتر، فإن قنت الإنسان فهو خير، وإن ترك فهو خير، وكلٌّ جاءت به السنة؛ لكن في رمضان يحب الإنسان أن يداوم على الدعاء لكثرة الجمع، وكثرة الجمع من أسباب إجابة الدعاء، أما في غير رمضان فالأولى ألا يداوِم الإنسان على القنوت، أي: على الدعاء بعد الركوع.
ثم إننا استمعنا في كتاب ربنا عزَّ وجلَّ إلى قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] فبين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أن الصيام فرض عيني يجب على كل مسلم، وسبق في الدرس الماضي بيان شروط الوجوب، وأنها ستة، وهذا الفرض هو الركن الرابع من أركان الإسلام، وقد ذكر فقهاء الحنابلة رحمهم الله عن الإمام أحمد بن حنبل: أن من ترك الصيام تهاوناً فهو مرتد كافر، كمن ترك الصلاة، وحجة هذا القول: أن كلاً منهما ركن من أركان الإسلام، والشيء لا يقوم إلا بأركانه، كأركان الخيمة وعمد الدار؛ ولكن القول الراجح أنه ليس شيء من أركان الإسلام سوى الشهادتين تحصل الردة بتركه إلا الصلاة، كما في حديث عبد الله بن شقيق قال: [كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة].
على كل حال هو فرض، وهذا الفرض ليس خاصاً بهذه الأمة بل بجميع الأمم، كما قال تعالى: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183] وهذا يدل على أهميته، أي: الصوم، وأنه مصلح لكل الأمم، وأنه لا بد للأمم من صوم.
والتقوى: اسم من الوقاية، فهي -أي: التقوى- أن يَتَّخِذ الإنسانُ وقاية من عذاب الله؛ ولكن بماذا يَتَّخِذ وقاية من عذاب الله؟
بفعل الأوامر، واجتناب النواهي.
وقد قيل في تعريف التقوى:
خلِّ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى |
واصنع كماشٍ فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى |
لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى |
يعني: أن تدع الصغائر والكبائر، هذه التقوى.
فالتقوى: أن يقوم الإنسان بما أوجب الله عليه، وأن يدع ما حرم الله عليه؛ لأن هذه هي الوقاية من عذاب الله سبحانه وتعالى.
ومن المعلوم أنه لا أحد يقوم بما أوجب الله عليه إلا وهو عالم به.
إذاً: فالعمل مسبوق بعلم، أليس كذلك؟ ولا يترك شيئاً محرماً عليه إلا وقد سبقه العلم بذلك، وهذا يغني عن قول بعضهم: التقوى: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تدع ما نهى الله على نور من الله، تخشى عقاب الله، كل هذه تعاريف؛ لكنها تنصب في هذا المعنى الجامع، وهي فعل الأوامر وترك النواهي.
ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) يعني: ليس لله إرادة وغرض في أن يعذب الخلق بحرمانهم من الأكل والشرب، إنما الحكمة من الصوم هي: أن يدع قول الزور، والعمل به، والجهل وهو: ليس عدم العلم، الجهل: العدوان على الغير، هذا هو الجهل، كما قال الشاعر الجاهلي:
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا |
فالجهل هو: العدوان على الغير.
إذاً: من فوائد الصوم: كف النفس عن محارم الله، وإلزامها بطاعة الله.
على أي شيء؟
الصبر عن المحبوب، وعلى المكروه.
فالصوم جامع لأنواع الصبر الثلاثة، ففيه:
صبر على طاعة الله.
وصبر عن معصية الله.
وصبر على أقدار الله المؤلمة.
الصبر على طاعة الله: لأن الإنسان يحبس نفسه على أن يقوم بهذا الأمر، هذا صبرٌ على ماذا؟
على طاعة الله.
صبرٌ عن محارم الله: يتجنب الصائم ما حرم الله عليه، سواءً كان محرماً لخصوص الصوم كالأكل والشرب، أو محرماً على سبيل العموم كالغيبة والكذب، فهو يصبر نفسه عن فعل المحرم.
صبر على أقدار الله المؤلمة: وهي ما يصيب الصائم من الهلع والعطش والجوع والخمول؛ لأن كل هذا يحصل للصائم، لاسيما في أيام الصيف الطويلة الحارة.
لذلك كان فيه تربية عظيمة للنفس على الصبر والتحمل.
فإن الفقراء يعجزون عن الأكل والشرب والنكاح، فيتذكر حال إخوانه فيعطف عليهم، ويرحمهم.
كثير من الناس في عهدنا -ولله الحمد- لا يجدون صعوبة في الأكل والشرب؛ لأنه ميسر؛ لكن يجدون صعوبة في النكاح، فإذا صام الإنسان وامتنع عن إتيان أهله تذكر حال الشباب الذين يحتاجون إلى نكاح، فعطف عليهم، وأعانهم، وساعدهم؛ لأن الشيء لا تعرف فائدته إلا بضده، إذا وُجد الضد عرف قدر النعمة، أما إذا كان دائماً في نعمة؛ فإنه لا يعرف قدرها.
كيف ذلك؟
لأننا نرى العبادات إما فعل أمر يحتاج إلى جهد، وإما ترك شيء محبوب إلى النفوس، وإما بذل محبوب إلى النفوس.
فالصلاة مثلاً جهد يحتاج إلى عمل، ولا يخفى علينا جميعاً أن الناس في أيام الشتاء يحتاجون إلى وضوء، وإلى خروج إلى المساجد في الأيام الشاتية الباردة، فيحصل في هذا نوع من المشقة، فيقول الإنسان: أنا عبد لله، أفعل ما أمر ولو شق عليَّ، ولهذا جعل النبي عليه الصلاة والسلام من الرباط: إسباغ الوضوء على المكاره، إسباغ الوضوء على المكاره جعله من الرباط، وجعل كثرة الخطا إلى المساجد من الرباط أيضاً.
وكفٌّ عن محبوب: لأن الإنسان قد يهون عليه الشيء من الجهد؛ لكن لا يصبر عن المحبوب، ففي الصيام كف النفس عن المحبوب: الأكل، والشرب، والنكاح؛ لاسيما الشاب الذي كان قريب عهد بالزواج، يشق عليه تركه؛ لكن إذا تركه طاعة لله في موضع لا يعلم عنه إلا الله، كان في هذا تحقيق العبودية.
الثالث ما هو؟
بذل المحبوب: وهذا في الزكاة، فالزكاة بذل محبوب إلى الإنسان، وبذل المحبوب شاق على النفس، قد يكون بعضُ الناس يهون عليه أن يصاب بدنُه، ولا يهون عليه أن يصاب مالُه، ولا يخفى عليكم قصة الرجل الذي عثر، فانجرحت إصبعه، فقال: (شُوَيْ وشخص لاَّ في النِّعْلَة) يعني: جرح رجله أهون عليه من قطع النِّعْلَة.
إذاً: المال صار حبيباً إليه، وكل شخص يحب المال.
فتجد أن العبادات -سبحانه الله! سبحان الذي شرعه!- متنوعة لأجل أن يُعرف تمام عبودية الإنسان لله؛ لأن الإنسان قد يهون عليه شيء، ولا يهون عليه الشيء الآخر.
البخيل ربما لو تقول: اركع لله واسجد طول النهار، ولا تبذل درهماً واحداً، يفعل ولا يبالي!
والكريم الكسول يقول: خذ مني من الدراهم ما شئت، ولا تكلفني بسجدة واحدة، نعم، لأنه كسول خامل!
فإذا تنوعت العبادات عُرف حقيقة عبودية الإنسان لله عزَّ وجلَّ.
فهذه أيضاً من فوائد الصيام.
نعم، إذا كان مدمناً على أكل شيء محرم، أو شرب شيء محرم، فإن الصوم يكون عوناً له على التخلي عن هذا الشيء، ولنضرب لهذا مثلاً بمن ابتلوا بشرب الدخان، فإن الصوم يعينهم على التخلي عنه، كيف؟ لأنهم في النهار لن يتناولوه، لن يشربوا، أيش يبقى عندنا؟ يبقى الليل، فيمكن أن يشتغل بالأكل المباح، وبالسمر مع إخوانه الذين لا يشربون الدخان, ويتلهى وإن شق عليه؛ لكن يتلهى ويصبر حتى يمرن نفسه، وهو إذا مرَّن نفسه في خلال شهر كامل عن شرب الدخان فسوف يسهل عليه الإقلاع عنه.
هذا من فوائد الصوم.
والله سبحانه وتعالى عليم حكيم، فقد تكون هناك حكم كثيرة فاتتنا؛ لكن أهم شيء أنه سبب للتقوى، ولذلك يجب على الصائم مراعاة الواجبات فعلاً والمحرمات تركاً ما لا يجب على غيره؛ حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، وإن أحد سابَّه أو شاتمََه فليقل: إني امرؤٌ صائم) إلى هذا الحد؟! حتى لو أن أحداً اعتدى عليك بالسب والشتم لا تقابله، قل: إني صائم.
وقال عليه الصلاة والسلام: (من غشنا فليس منا) .
وقال عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قالوا: من هم يا رسول الله؟! خابوا وخسروا، قال: المُسْبِل، والمنَّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) .
المنفق سلعته، يعني: المروج سلعته بالحلف الكاذب، مثل أن يقول: والله ما في السوق أحسن منها، أو يقول: والله لقد أعطيت بها كذا وكذا وهو كاذب، أو يقول: لقد اشتريتها بكذا وكذا وهو كاذب، أو ما أشبه ذلك، ثم يحلف على هذا الشيء، فيكون منفقاً سلعته بالحلف الكاذب، هذا من الذين لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم.
أما المسبل: فهو الذي أسبل ثوبه خيلاء، فإذا أسبل ثوبه خيلاء فإن الله تعالى لا يكلمه، ولا ينظر إليه، ولا يزكيه، وله عذاب أليم.
أما إذا أسبله لغير الخيلاء فإن عذابه أهون، ويعذَّب لكن أهون، قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (ما أسفل من الكعبين ففي النار) أي: أنه يعاقب بقدر مخالفته فقط، فإذا نزل عن الكعبين نحو (سنتيمتر) نعم يعذَّب من هذا القدم بمقدار (سنتيمتر) فقط، والباقي ليس فيه عذاب، ولا يلحقه الإثم بأن الله لا يكلمه، ولا ينظر إليه, ولا يزكيه.
ولا تستغرب أن يكون العذاب على بعض البدن؛ لأن هذا موجود حتى في الدنيا، إذا كوي الإنسان مع شيء من جسده صار الألم على نفس المكان؛ لكن الجسم كله يتألم لا شك؛ لكن المباشر هو ما وقع عليه الكي.
ولا تستغرب أيضاً وقوع ذلك شرعاً، هذا المثال الذي ذكرنا حسي؛ لكن شرعاً أيضاً؛ حيث إن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى أقدام بعض الصحابة بعد وضوئهم لم يمسها الماء، فنادى بأعلى صوته: (ويل للأعقاب من النار) فجعل الذي يعذب الأعقاب التي حصل فيها الإخلال بالواجب، وهو غسل القدم.
إذاً: يجب على الصائم وعلى غيره أن يتجنب المحرم، وأن يقوم بالواجب؛ لكن هو في حق الصائم أولى، ولهذا قال بعض السلف: ينبغي للصائم أن يكون عليه وقار الصوم في قوله ودلِّه وفعله -في قوله، وفي دلِّه يعني: هيئته ووقاره وسكونه، وفي فعله- ولا يجعل يوم صومه ويوم فطره سواء، ولكن نحن -نسأل الله أن يعاملنا بعفوه- نجعل يوم صومنا ويوم فطرنا سواء، بل بعض الناس يجعل يوم صومه أردى من يوم فطره، تجده ينام إلى الظهر، ومن الظهر إلى العصر، ومن العصر إلى الغروب، وربما يدع صلاة الظهر وصلاة العصر إلى أن يقوم عند غروب الشمس والعياذ بالله، أين الصوم؟! أين الصوم؟! صوم هذا لن ينفع، صوم هذا عذاب عليه فقط، حَرَم نفسه من الأكل والشرب؛ لكنه لم يأت بجوهر الصوم ولبه وحقيقته، صومه شكلي فقط، تبرأ به الذمة؛ لكنه ناقص جداً، مُخَرَّقٌ مُخَرَّق، ويوشك أن تجتاح أوزار هذه الأعمال ثواب صومه عند الموازنة يوم القيامة، تُوازَن الحسنات والسيئات، ربما تكون سيئات أعماله في هذا الصوم أكثر من حسناته بالصوم، فيضيع عليه، ويكون خاسراً لها.
إذاً: علينا أن نراعي هذه المسائل في صومنا، وأن نعرف ما هي الحكمة من الصوم، حتى نقوم بذلك، وأسأل الله أن يعيننا وإياكم عليها، أنا أشد الناس تقصيراً في هذا؛ ولكن أسأل الله العفو لنا ولكم.
هذه بعض ثمرات الصوم الذي أوجبه الله على عباده في كل ملة في هذا الدين الذي ختم الله به الأديان، وفي جميع الأديان السابقة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] .
ثم بين الله أن هذا الصوم ليس شهوراً ولا سنين، وإنما هو أيام معدودات، كم؟
إما ثلاثون يوماً أو تسعةٌ وعشرون يوماً، أيامٌ معدودة قليلة، فاصْبِر نفسَك، واتقِ الله في هذه الأيام، حتى تربي نفسك وتعتاد على التقوى فيما يُستقبل من عمرك.
وقد جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (إن للصائم دعوة لا ترد) .
وهذه فرصة؛ لأنه ذكر إجابة الدعاء بعد ذكر الصوم؛ لكن قال: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186] بماذا؟ بما فرضتُ عليهم من الصوم والتقوى: وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].
ويقول: أقرضني من فضلك عشرة آلاف ريال، وأنا أجيء بها لك إن شاء الله في أقرب فرصة ممكنة
ممكن ألا يجيء بها إلا يوم القيامة؛ لكن هو يقول: في أقرب فرصة ممكنة.
حسناً! تذهب لفلان يكتب بيننا، أو شهود.
قال: لا، ما تأمنِّي؟! أنا عندك خائن؟!
ثم يخجِّله حتى يعطيه عشرة آلاف ريال بدون شهود.
ثم بعد مدة يأتي يطلبه:
فيقول له: اصبر، يأتي الله بالرزق، أنا قلت لك: في أقرب فرصة ممكنة، ولم تحصل الفرصة حتى الآن.
وهكذا، وفي النهاية؟ يقول: ما عندي لك شيء.
اتق الله! كيف ما عندك لي شيء؟!
قال: نعم، عندك شهود؟ وإلا أنا وأنت إلى المحكمة.
إذا حضرا عند القاضي ماذا يقول؟
القاضي سيقول للذي قال: إني أقرضتُه عشرة آلاف، سيقول: هات الشهود، إذا ما عندك شهود يحلف خصمك.
الخصم سيحلف أو لا؟
الغالب أنه يحلف؛ لأن نيته سيئة، فيحلف.
فيقال للمدعي: في أمان الله، اخرج، ليس لك شيء.
إذاً: أكل المال بالباطل، مدلياً بذلك إلى الحكام: لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188].
وإن الإنسان -ختاماً لهذا الكلام على هذه الآية أو الآيات- إذا تأمل القرآن وجد فيه معانٍ عظيمة من كل زوج بهيج: في الأخبار، في الأحكام، في البلاغة، في كل شيء؛ لكن يحتاج إلى تأمل، خذ بعض الآيات في وقت فراغك، وصفاء ذهنك، وتأملها تجد فيها العجب العجاب؛ لأن الكلام كلام الله عزَّ وجلَّ، لا تنقضي عجائبه أبداً.
لكن الغفلة الحاصلة منا لا نرى هذه المعاني العظيمة في كتاب الله عزَّ وجلَّ؛ لأن أكثر من يقرأ القرآن يحب أن ينتهي منه ويختمه، ويجيء إلى آخر رمضان قال: ختمتُ القرآن عشر مرات، أو عشرين مرة، هذا ما هو المقصود، المقصود تدبُّرٌ: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ [ص:29] ماذا قال؟
لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص:29] لم يقل: ليقرءوه سرداً بدون تأمل: لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ [ص:29] هذا التدبر: تفكُّر في المعاني.
وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29] وهذا امتثال.
فأولاً: قراءة.
ثم تدبر وتفكُّر في المعاني.
ثم امتثال وتذكُّر.
الجواب: هذه لا تفطر؛ لأن جميع الإبر لا تفطر، إلا ما كان يغني عن الأكل والشرب، وهو الذي يُحقن في الإنسان عن طريق الأنف فيستغني به عن الأكل والشرب، أما ما سوى ذلك فإنه لا يفطِّر، ولا يمكننا أن نقول للناس: إن صومكم فسد بدون دليل شرعي، وليس عندنا دليل شرعي يدل على أن كل ما وصل إلى البدن فهو مفطِّر، لأن الله تعالى بيَّن قال: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا [البقرة:187] فما كان أكلاً وشرباً أو بمعنى الأكل والشرب، فهو مفطِّر، وما عدا ذلك فإن الإنسان لا يَجْسُر أن يقول: هذا مفطر، ولهذا نرى أن الذي يقول: إن هذه الأشياء مفطرة احتياطاً نرى أنه احتاط من وجه، ولكنه لم يحتط من وجه آخر، لم يحتط من حيث إبطال عبادة الناس بدون دليل؛ لأن إبطال عبادة الناس بدون دليل أيضاً يحتاج إلى احتياط، لا تبطل عبادة الناس إلا بدليل واضح تقابل به ربك، نعم، إذا استشارك وقال: ماذا تشير عليَّ؟ فحينئذ ربما نقول: أشر عليه بما ترى أنه أحوط، وهو تجنب هذا الشيء الذي فيه الشبهة، أما إذا قال: هل يفطِّر أو لا؟ فتقول: يفطِّر، هذا صعب إلا بدليل.
الجواب: بالمناسبة: قد أتتنا ورقة من الأوقاف اليوم بمنع سفر الأئمة إلى العمرة أو غيرها، وأنهم لا يرخصون لأحد، وهذا حقيقة، يعني: أنه قد يكون قراراً مفيداً؛ لأنه يوجد بعض الناس -الله يهدينا وإياهم- من اليوم إلى آخر رمضان يفرون، إما إلى مكة ، وإما إلى أفغانستان، وإما إلى غيره، فيَضِيْعون ويُضَيِّعون ما أوجب الله عليهم، وبعضهم إذا دخلت العشر يذهب.
ولكن الذي نرى أن المرتبط بأمر واجب يجب عليه أن يبقى في هذا الأمر؛ لأن الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] والعقد الذي بينك وبين الدولة إن صح أن نسميه عقداً أن تكون إماماً في كل وقت، لاسيما في حاجة الناس في رمضان.
ويقول: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء:34] .
وأنت يا أخي! لا يزين لك الشيطان القيام بالنافلة مع ترك الواجب، إن فعل الواجب أفضل بكثير من فعل النافلة، قال الله تعالى في الحديث القدسي: (وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضتُه عليه).
لكن قد تقولون: لماذا أنت تذهب أيضاً في العشر؟ أو بعد نصف الشهر؟
فأنا أقول: إننا نجد مصلحة كبيرة في تعليم الناس، ولولا أنه يتسنى لنا التعليم ما ذهبنا؛ لكن نظراً إلى أنه يحصل في التعليم استفادة كثيرة، يمكن بعضكم شاهدها، مع الاستئذان من إدارة الأوقاف، ومع وضع أحد يقوم باللازم إن شاء الله تهون علينا، وإن اعترضتم وسدَّدتم ما نذهب.
على كل حال أنا أرى إن شاء الله تعالى أنَّا في حِل؛ لأننا نذهب إلى مصلحة كبيرة، يعني: حتى بعض الناس من دخول الشهر وهم يقولون: ائتي الناس كثيرون، والناس كثيرون، والناس كثيرون؛ لكن ما هو بصحيح أن الواحد يذهب شهراً كاملاً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر