أما بعــد:
فقد انتهى ما أردنا أن نتكلم فيه فيما يتعلق بالصوم.
أما الآن فنتكلم في هذه الليلة وهي: الليلة العاشرة من شهر رمضان عام: (1411هـ) نتكلم عن الزكاة، والزكاة أَوْكد من الصيام، لكن لما كان الصيام يختص بهذا الشهر بدأنا به قبل الزكاة، وإلا فإن الزكاة باتفاق المسلمين أَوْكد من الصيام.
والعجب أننا لو رأينا شخصاً مفطراً يوماً من رمضان؛ لأنكرنا عليه أشد الإنكار، ولو رأينا رجلاً لا يزكِّي لم يكن عندنا ذاك الإنكار الذي ننكره عليه إذا لم يصُم يوماً من رمضان! وهذا من قلب الحقائق، وعدم الفقه.
لو رأينا شخصاً أفطر يوماً من رمضان، وشخصاً آخر لم يصلِّ العصر لأنكرنا على الأول أشد من إنكارنا على الثاني! وهذا أيضاً من قلة الفقه، وعدم الوعي، صلاة واحدة يتركها أشد من يوم واحد يتركه من رمضان، بل أشد من رمضان كله على رأي بعض العلماء الذين يقولون: إن الإنسان إذا ترك صلاة واحدة كفر، وارتد عن الإسلام، أعرفتُم؟
الزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله، ما أكثر الآيات التي يقول الله فيها: أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ [الحج:41] .. وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43] وهي حق المال.
وقد قاتل أبو بكر رضي الله عنه مَـن منعوا الزكـاة، قاتـلهم حتى يؤدوها، ولما رُوْفِع في ذلك قال: [والله لو منعوني عَناقاً -وهي: الصغيرة من المعز- أو قال: عقالاً -وهو: ما تُقَيَّد به البعير- كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على ذلك].
انظر عِظَم الزكاة! وكثير من الناس اليوم يبخلون بها.
ومن جحد وجوبها وهو بين المسلمين كان كافراً خارجاً عن الإسلام، نعوذ بالله.
ومن منعها بخلاً مع إقراره بوجوبها فللعلماء في تكفيره قولان، هما روايتان عن الإمام أحمد بن حنبل:
رواية يقول: هو كافر، إذا تركها بخلاً.
ورواية أخرى يقول: هو مسلم.
والراجح: أنه مسلم؛ لأنه ليس شيء من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة؛ لكنه والعياذ بالله يعرِّض النفس للعقوبة العظيمة التي ذكرها الله في الكتاب، وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة.
ففي الكتاب: يقول الله عزَّ وجلَّ: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ [آل عمران:180] الذي يبخل بما آتاه الله يظن أن هذا خيراً، أن ماله لا ينقص، فمثلاً: مائة ريال فيها من الزكاة كم؟
ريالان ونصف، إذا أخرج ريالين ونصف من مائة بقي سبعة وتسعون ونصف، يقول: هذا نقص، إذا خَلِّها تبقى من أجل أن يبقى مالي غير ناقص، فيظن أن ذلك خيراً؛ ولكن الله يقول وهو أصدق القائلين: بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ [آل عمران:180] شر في الدنيا، وفي الآخرة:
أما في الدنيا: فإن الإنسان أخل بركن من أركان الإسلام، وعرَّض ماله للنقص والآفات التي تأكله، رغماً عن أنفه، ربما يُسلَّط على هذا الرجل آفات في ماله؛ احتراق، أو غرق، أو سرقة، أو ظلم من الولاة، أو غير ذلك، فيهلك المال، وربما يُصاب هذا الإنسان بمرض يجعله يضطر إلى أن يطرق باب كل بلد ومدينة من أجل الشفاء، وهذا أمر مشاهَد، هذا شر الدنيا، وإذا تخلف شر الدنيا جاء شر الآخرة، ما هو؟
استمع: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:180] هذا المال الذي بخلوا به يطوَّقون به يوم القيامة.
يطوقون به يوم القيامة قلائد؟ زينة؟ أجيبوا. لا. ليس قلائد زينة، يطوق به كما فسره النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (من آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع، له زبيبتان، يأخذ بلهزمتيه، يقول: أنا كنْزُك، أنا مالُك) أعوذ بالله، هذا التقليد.
الشجاع: قال العلماء هو: الذكر العظيم من الحيات، والغالب أن ذكور الجنس أقوى من إناثه في كل ذوات الأرواح، أن الذكور أقوى من الإناث.
أقرع: قال العلماء: يعني: ليس في رأسه شعر، أقرع، ونحن نعرف الأقرع الرأس يعني: الذي ليس عليه شعر، لماذا؟ قالوا: من كثرة السم، والعياذ بالله. (له زبيبتان): الزبيبتان: غدتان في رأسه، مملوءتان من السم.
(يأخذ بلهزمتيه) : يعني: شدقيه. (يقول: أنا مالُك، أنا كنْزُك): عذاب بدني، وعذاب قلبي.
العذاب البدني: بماذا؟ نسأل الله العافية
بأنه يعض شدقيه؛ لأن الشدق هو الذي يدخل منه الأكل، أكل المال يكون من طريق الشدقين، فهذان الشدقان اللذان هما طريق الأكل يأخذ بهما هذا الشجاع الأقرع. هذا عذاب بدني.
العذاب القلبي: ما هو؟
(يقول: أنا مالُك، أنا كنْزُك) لأنه إذا سمع هذا الكلام سوف يمتلئ قلبه غماً وحزناً، أن بخل بماله حين كان قادراً على إنفاقه، والآن يقدر وإلاَّ لا؟
ما يقـدر: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ [المائدة:36] ما ينفعه الآن، فتجد قلبَه يمتلئ حسرة وندماً على ما حصل منه من هذا البخل، اللهم قِنا شُحَّ أنفسنا.
أما الآية الثانية فقال الله تعالى فيها: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34-35] في هذه الآية -أيضاً يا إخواني- فيها عذابان: عذاب بدني، وعذاب قلبي.
البدني: فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ : الجباه: من الأمام، والظهور: من الخلف، والجُنوب: من اليمين والشمال، من كل ناحية -والعياذ بالله-: فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا عذاب بدني.
والعذاب القلبي: هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ توبيخ، تقريع، تنديم والعياذ بالله.
هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ تصوَّر ماذا يكون قلبه والعياذ بالله! يتقطع حسرات؛ ولكن: وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ [سبأ:52] لا يمكن الآن -نسأل الله العافية- انتهى كل شيء.
وقد جاءت السنة بتفسير هذا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام حين أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقَّها -وحقُّها أعظمُه: الزكاة- إلا إذا كان يوم القيامة صُفَّحَت له صفائح من نار، وأُحمي عليها في نار جهنم ...) صفائح يجوز فيها إعراباً وجهان:
الأول: النصب.
والثاني: الرفع.
صُفِّحَت يعني: الذهب والفضة.
أو صُفِّحَت صفائحُ من نار: (... فأحمي عليها في نار جهنم، فيُكوى بها جنبُه وجبينُه وظهره -جنبُه: يريد جنبيه؛ لكنه مفرد مضاف، فيكون ماذا؟ عامَّاً، حسناً!- كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد -وهو في هذا العذاب والعياذ بالله- ثم يرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار) هذا بيَّن كيف يُكوى بها.
حسناً! نار الآخرة أعظم من نار الدنيا، فُضِّلت عليها بكم؟
بتسعة وستين جزءاً، يعني: أن نار الدنيا كلها نارٌ تساوى (1 من 70) من نار الآخرة، هذه تُصَفَّح من نار، نفس هذه الصفيحة تكون ناراً مشتعلة، يكوى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، وإذا بردت لا تُترك، تعاد مرة ثانية، يُحمى عليها في نار جهنم، ويُكوى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، والمدة خمسون ألف سنة. يا إخوان! والله ما هي دقيقة ولا ساعة ولا يوم ولا شهر، خمسون ألف سنة وهو في هذا العذاب، نسأل الله العافية.
ماذا ينفعنا المال وهذه نتيجتُه؟!
ثم إذا خلَّفه الإنسان إلى مَن يخلِّفه؟!
قد يخلِّفه إلى قوم لا يقولون: اللهم ارحمه، إلى قوم يأكلونه ولا يترحمون على مَن خلَّفه لهم، فيُعاقب، فيكون لهم غُنْمُه، وعليه غُرْمُه.
ثم هذه الزكاة التي أوجب الله عليك ليست كثيرة، قليلة بالنسبة للمال، ومَن الذي أعطاك المال؟ الله، أعطاك الكثير، وطلب منك القليـل، وهو لنفسـك ليس لله، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15].
وقال تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97].
إنا لنعجب من قوم يقرءون القرآن، ويسمعون الأحاديث، وتجد الواحد منهم يتحيَّل بأنواع الحيل ليسقط الزكاة، وإذا أُفْتِي بشيء ذهب إلى مُفْتٍ آخر، لعله يفتيه بما هو أهون، ولا يقول لنفسه: خذي بالأحوط، خذي بالأحوط ما دمتِ في زمن الرخاء، لا، إذا سَمِع شيخاً يقول: يجب عليك زكاة الدَّين، قال: حسناً! نذهب إلى شيخ آخر يقول: لا يجب عليك زكاة الدَّين. عرفتم؟!
حسناً! خُذ بالأحوط، إذا لم يكن هناك نص واضح يفصل بين الناس، فالأحوط أحسم؛ لأننا الآن في زمن سعة، نتصرف في أموالنا؛ لكن بعد الموت لا نتصرف، ما نستطيع.
كذلك أيضاً نجد بعض الناس لا يحاسب نفسه محاسبة دقيقة في إخراج الزكاة، صاحب دكان، ولا يُحصي ماله الذي في دكَّانه، يأخذه جُزافاً، يعني: خرصاً، وليته إذا خرص أخذ بالأحوط، يأخذ بالأقل، هذا هو الغالب، أو يتهاون، أو إذا قوَّم السلعة التي للتجارة قوَّمها بأدنى القيمتين، كل هذا من الأمور التي سببها الشُّح والبخل، وهي ضرر عظيم على الإنسان في دينه، وفي دنياه.
فالإنسان العاقل يعلم أن هذا المال من الله، وأن الذي أوجب فيه الزكاة مَن؟
هو الله عزَّ وجلَّ.
وأن الزكاة ولله الحمد جزء يسير بالنسبة لما أعطانا الله.
حقيقة يعني: تزيد حقيقة.
أو حكماً يعني: هي لا تزيد؛ لكن في حكم الزائدة.
فمثلاً: المواشي يعني: الإبل والبقر والغنم تزيد أم لا؟ حقيقةً، التجارة تزيد حقيقةً، الدراهم التي أعدها الإنسان لزواجه، يجمع دراهم، ولا يبيع فيها ولا يشتري؛ لكنه قد أعدها لحاجة لزواج، أو شراء بيت، أو ما أشبه ذلك، هذه لا تزيد حقيقةً؛ لأنها لا تزيد، عنده عشرة آلاف ريال باقية ما زادت؛ لكنها حكماً تزيد؛ لأنه لو عمل بها لزادت.
هذا هو الضابط في الأموال الزكوية، أنها لا تجب الزكاة إلا في المال النامي حقيقةً أو حكماً.
الآن رجل عنده ضأن، وعنده دجاج، وعنده حمام، وعنده أرانب، وعنده ضباء، نعم، كم هذه؟
خمسة أنواع.
ما الذي يجب فيه الزكاة؟
نوع واحد من الخمسة: الضأن، والباقي ما فيه زكاة؛ إلا إذا كان تجارة.
ولو كان عند الإنسان ألف دجاجة، يعدها للنماء والتبييض، ما وجبت عليه زكاة فيها.
لو عنده ألف رأس من الضباء، يريدها للتنمية، ليس بها زكاة.
عنده ألف حمامة، الحمامة يقولون: إن في وقتنا هذا بعضُ الحمام يساوي ألفَي ريال، نعم، 1000×2000 من ألفين كم؟
مليونان، نعم.
هل عليه زكاة في هذا؟
ما فيه زكاة إذا كان للتنمية، وليس للتجارة.
إذاً: الحمد لله، الأموال أكثرها لا تجب فيها الزكاة، إنما تجب الزكاة في الأموال النامية حقيقةً أو حكماً، وهي أنواع خمسة.
الجواب: هذا صحيح، أن الناس صاروا يتساهلون في الديون؛ لأنه إذا جاء رمضان قال: الحمد لله، أنا عليَّ عشرين ألف ريال اذهب للتاجر الفلاني والفلاني والفلاني هكذا قدِّم كشفاً، ويُقضى عنك ما تيسَّر.
وهذه أيضاً من المشاكل التي تحتاج إلى حل؛ ولكن الإنسان العاقل لا يُقدم على الاستدانة من أحد إلا في الضرورة القصوى، وأظن أن الضرورة القصوى عندنا والحمد لله غير موجودة؛ لأنه بإمكان الإنسان أن يكون عاملاً ولو من عمال البلدية من أجل أن يكتسب الرزق، الناس في الزمن الأول يخرج الإنسان إلى الأودية يأتي بالحشيش ويبيعه ويشتري عشاءًَ له ولعائلته، يذهب إلى المُحْتَطَبات، يعني: محل حطب، يحتطب ويأتي ويبيعه ويأكل وعائلته، والناس هم الناس، كلهم بشر، السابقون واللاحقون.
فالإنسان العاقل لا يستدين إلا للضرورة القصوى، والضرورة القصوى الآن كما قلت لكم متعذرة، يعني: معدومة، بإمكانه يذهب ويكون عاملاً ولو بـ(300) ريال أو (400) ريال أو (1000) ريال؛ لكن الناس نسأل الله العافية، صار بعض الناس يريد أن يباهي الأغنياء، إنسان غني عنده عشرات الملايين، وبيته مُكَمَّل، يجيء فقيرٌ ما يجد شيئاً يقول: لازم يكون بيتي مثل بيت هذا، فيذهب ويستدين قيمة سيارة (كدْلَك) قيمتها (80.000) ألف، مع أنه يحصِّل سيارة داتسون بـ(20.000) ألف.
لماذا هذا؟ أليس هذا سخافة؟!
سخافة وسفه، والعامة يقولون مَثَلاً -في الحقيقة- مَثَلاً جيداً، يقولون: (مد رجليك على قدر لحافك) اللحاف الذي نتغطى به، مد رجليك على قدره، إن كان هو طويلاً مدِّد كل رجليك، إن كان قصيراً قَرْفِص؛ لأنك لو تمد رجليك وهو قصير تعرضت للبرد، فهذا مثل جيد لو أننا سرنا عليه في حياتنا لحصَّلنا خيراً كثيراً.
على كل حال: هذه مشكلة من المشاكل الاجتماعية، ولا ندري كيف نحل هذه المشكلة؛ لكن حلها أن نوعي الناس، ونقول: احذروا الدين ما استطعتم، لا تستدينوا أبداً إلا عند الضرورة القصوى.
الجواب: يجب عليه أن يخرجها فوراً، ولا يجوز أن يعطيها الفقراء على مدار السنة إلا إذا كان يؤخرها يتحرى أهلها، يعني: بمعنى أنه لم يتهيأ له أن يجد المستحقين في رمضان؛ لكن يجدهم على واحد واحد، اثنين اثنين، وهكذا، فإذا كان يؤخرها من أجل أن يتحرى أن تكون في أهلها، فهذا لا بأس به، والغالب أن الإنسان لا يؤخرها إلا لهذا السبب، أو لما يشبهه، فإذا كان تأخيرها لهذا السبب فلا بأس.
الجواب: أما الصدقة الواجبة: فلا تجوز أن تدفع إلى الكافر مهما كان جنسه؛ إلا إذا كان مؤلَّفاً، يعني: من المؤلفة قلوبهم.
وأما صدقة التطوع: فقد قال الله عزَّ وجلَّ: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة:8] فإذا كان هذا الكافر من قوم لم يقاتلونا في الدين، ولم يخرجونا من ديارنا، والمراد: إخراج المسلمين، ما هو أنت بالذات، فإنه لا بأس أن نتصدق عليهم.
أما إذا كان ممن يقاتل المسلمين ويخرجهم من ديارهم، فإننا لا نتصدق عليه؛ لأنه يلزم من التصدق عليه أن نوفر من ماله مقدار ما تصدقنا به عليه، ثم هذا المال أين يذهب، يذهب إلى جهة يُقاتَل بها المسلمون،ولهذا اشترط الله عزَّ وجلَّ أنهم لم يقاتلونا، ولم يخرجونا من ديارنا: أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ يعني: أن تعاملوهم بالبر والإحسان، أو بالقسط، بالعدل. فإذا كان هذا الإنسان الكافر من قوم لا يقاتلوننا، ولا يخرجونا من ديارنا فلا بأس بالصدقة عليه، وإلا فلا.
إلى هنا تنتهي هذه الجلسة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر