إسلام ويب

جلسات رمضانية لعام 1411ه [4]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، جاءت في القرآن مقرونة بإقامة الصلاة وكذلك في سنة المصطفى، مما يدل على أهمية الزكاة، ولذلك جاء الوعيد الشديد، والتوعد بالعذاب الأليم في كتاب الله وسنة رسوله لمن لم يؤد الزكاة، سواء كان ذلك جاحداً لفرضيتها أو ممتنعاً عن أدائها بخلاً منه وتهاوناً، وقد بين الله على لسان رسوله المال الذي تجب فيه الزكاة، فليتعلم المسلم أمر دينه حتى يلقى الله على بصيرة.

    1.   

    تعظيم ركن الزكاة في الشرع

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعــد:

    فقد انتهى ما أردنا أن نتكلم فيه فيما يتعلق بالصوم.

    أما الآن فنتكلم في هذه الليلة وهي: الليلة العاشرة من شهر رمضان عام: (1411هـ) نتكلم عن الزكاة، والزكاة أَوْكد من الصيام، لكن لما كان الصيام يختص بهذا الشهر بدأنا به قبل الزكاة، وإلا فإن الزكاة باتفاق المسلمين أَوْكد من الصيام.

    والعجب أننا لو رأينا شخصاً مفطراً يوماً من رمضان؛ لأنكرنا عليه أشد الإنكار، ولو رأينا رجلاً لا يزكِّي لم يكن عندنا ذاك الإنكار الذي ننكره عليه إذا لم يصُم يوماً من رمضان! وهذا من قلب الحقائق، وعدم الفقه.

    لو رأينا شخصاً أفطر يوماً من رمضان، وشخصاً آخر لم يصلِّ العصر لأنكرنا على الأول أشد من إنكارنا على الثاني! وهذا أيضاً من قلة الفقه، وعدم الوعي، صلاة واحدة يتركها أشد من يوم واحد يتركه من رمضان، بل أشد من رمضان كله على رأي بعض العلماء الذين يقولون: إن الإنسان إذا ترك صلاة واحدة كفر، وارتد عن الإسلام، أعرفتُم؟

    الزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله، ما أكثر الآيات التي يقول الله فيها: أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ [الحج:41] .. وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43] وهي حق المال.

    وقد قاتل أبو بكر رضي الله عنه مَـن منعوا الزكـاة، قاتـلهم حتى يؤدوها، ولما رُوْفِع في ذلك قال: [والله لو منعوني عَناقاً -وهي: الصغيرة من المعز- أو قال: عقالاً -وهو: ما تُقَيَّد به البعير- كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على ذلك].

    انظر عِظَم الزكاة! وكثير من الناس اليوم يبخلون بها.

    حكم تارك الزكاة والوعيد الشديد المترتب عليه

    فالزكاة إذاً أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، وهي قرينة الصلاة في محكم القرآن.

    ومن جحد وجوبها وهو بين المسلمين كان كافراً خارجاً عن الإسلام، نعوذ بالله.

    ومن منعها بخلاً مع إقراره بوجوبها فللعلماء في تكفيره قولان، هما روايتان عن الإمام أحمد بن حنبل:

    رواية يقول: هو كافر، إذا تركها بخلاً.

    ورواية أخرى يقول: هو مسلم.

    والراجح: أنه مسلم؛ لأنه ليس شيء من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة؛ لكنه والعياذ بالله يعرِّض النفس للعقوبة العظيمة التي ذكرها الله في الكتاب، وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة.

    ففي الكتاب: يقول الله عزَّ وجلَّ: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ [آل عمران:180] الذي يبخل بما آتاه الله يظن أن هذا خيراً، أن ماله لا ينقص، فمثلاً: مائة ريال فيها من الزكاة كم؟

    ريالان ونصف، إذا أخرج ريالين ونصف من مائة بقي سبعة وتسعون ونصف، يقول: هذا نقص، إذا خَلِّها تبقى من أجل أن يبقى مالي غير ناقص، فيظن أن ذلك خيراً؛ ولكن الله يقول وهو أصدق القائلين: بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ [آل عمران:180] شر في الدنيا، وفي الآخرة:

    أما في الدنيا: فإن الإنسان أخل بركن من أركان الإسلام، وعرَّض ماله للنقص والآفات التي تأكله، رغماً عن أنفه، ربما يُسلَّط على هذا الرجل آفات في ماله؛ احتراق، أو غرق، أو سرقة، أو ظلم من الولاة، أو غير ذلك، فيهلك المال، وربما يُصاب هذا الإنسان بمرض يجعله يضطر إلى أن يطرق باب كل بلد ومدينة من أجل الشفاء، وهذا أمر مشاهَد، هذا شر الدنيا، وإذا تخلف شر الدنيا جاء شر الآخرة، ما هو؟

    استمع: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:180] هذا المال الذي بخلوا به يطوَّقون به يوم القيامة.

    يطوقون به يوم القيامة قلائد؟ زينة؟ أجيبوا. لا. ليس قلائد زينة، يطوق به كما فسره النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (من آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع، له زبيبتان، يأخذ بلهزمتيه، يقول: أنا كنْزُك، أنا مالُك) أعوذ بالله، هذا التقليد.

    الشجاع: قال العلماء هو: الذكر العظيم من الحيات، والغالب أن ذكور الجنس أقوى من إناثه في كل ذوات الأرواح، أن الذكور أقوى من الإناث.

    أقرع: قال العلماء: يعني: ليس في رأسه شعر، أقرع، ونحن نعرف الأقرع الرأس يعني: الذي ليس عليه شعر، لماذا؟ قالوا: من كثرة السم، والعياذ بالله. (له زبيبتان): الزبيبتان: غدتان في رأسه، مملوءتان من السم.

    (يأخذ بلهزمتيه) : يعني: شدقيه. (يقول: أنا مالُك، أنا كنْزُك): عذاب بدني، وعذاب قلبي.

    العذاب البدني: بماذا؟ نسأل الله العافية

    بأنه يعض شدقيه؛ لأن الشدق هو الذي يدخل منه الأكل، أكل المال يكون من طريق الشدقين، فهذان الشدقان اللذان هما طريق الأكل يأخذ بهما هذا الشجاع الأقرع. هذا عذاب بدني.

    العذاب القلبي: ما هو؟

    (يقول: أنا مالُك، أنا كنْزُك) لأنه إذا سمع هذا الكلام سوف يمتلئ قلبه غماً وحزناً، أن بخل بماله حين كان قادراً على إنفاقه، والآن يقدر وإلاَّ لا؟

    ما يقـدر: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ [المائدة:36] ما ينفعه الآن، فتجد قلبَه يمتلئ حسرة وندماً على ما حصل منه من هذا البخل، اللهم قِنا شُحَّ أنفسنا.

    أما الآية الثانية فقال الله تعالى فيها: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34-35] في هذه الآية -أيضاً يا إخواني- فيها عذابان: عذاب بدني، وعذاب قلبي.

    البدني: فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ : الجباه: من الأمام، والظهور: من الخلف، والجُنوب: من اليمين والشمال، من كل ناحية -والعياذ بالله-: فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا عذاب بدني.

    والعذاب القلبي: هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ توبيخ، تقريع، تنديم والعياذ بالله.

    هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ تصوَّر ماذا يكون قلبه والعياذ بالله! يتقطع حسرات؛ ولكن: وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ [سبأ:52] لا يمكن الآن -نسأل الله العافية- انتهى كل شيء.

    وقد جاءت السنة بتفسير هذا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام حين أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقَّها -وحقُّها أعظمُه: الزكاة- إلا إذا كان يوم القيامة صُفَّحَت له صفائح من نار، وأُحمي عليها في نار جهنم ...) صفائح يجوز فيها إعراباً وجهان:

    الأول: النصب.

    والثاني: الرفع.

    صُفِّحَت يعني: الذهب والفضة.

    أو صُفِّحَت صفائحُ من نار: (... فأحمي عليها في نار جهنم، فيُكوى بها جنبُه وجبينُه وظهره -جنبُه: يريد جنبيه؛ لكنه مفرد مضاف، فيكون ماذا؟ عامَّاً، حسناً!- كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد -وهو في هذا العذاب والعياذ بالله- ثم يرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار) هذا بيَّن كيف يُكوى بها.

    حسناً! نار الآخرة أعظم من نار الدنيا، فُضِّلت عليها بكم؟

    بتسعة وستين جزءاً، يعني: أن نار الدنيا كلها نارٌ تساوى (1 من 70) من نار الآخرة، هذه تُصَفَّح من نار، نفس هذه الصفيحة تكون ناراً مشتعلة، يكوى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، وإذا بردت لا تُترك، تعاد مرة ثانية، يُحمى عليها في نار جهنم، ويُكوى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، والمدة خمسون ألف سنة. يا إخوان! والله ما هي دقيقة ولا ساعة ولا يوم ولا شهر، خمسون ألف سنة وهو في هذا العذاب، نسأل الله العافية.

    ماذا ينفعنا المال وهذه نتيجتُه؟!

    ثم إذا خلَّفه الإنسان إلى مَن يخلِّفه؟!

    قد يخلِّفه إلى قوم لا يقولون: اللهم ارحمه، إلى قوم يأكلونه ولا يترحمون على مَن خلَّفه لهم، فيُعاقب، فيكون لهم غُنْمُه، وعليه غُرْمُه.

    ثم هذه الزكاة التي أوجب الله عليك ليست كثيرة، قليلة بالنسبة للمال، ومَن الذي أعطاك المال؟ الله، أعطاك الكثير، وطلب منك القليـل، وهو لنفسـك ليس لله، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15].

    وقال تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97].

    إنا لنعجب من قوم يقرءون القرآن، ويسمعون الأحاديث، وتجد الواحد منهم يتحيَّل بأنواع الحيل ليسقط الزكاة، وإذا أُفْتِي بشيء ذهب إلى مُفْتٍ آخر، لعله يفتيه بما هو أهون، ولا يقول لنفسه: خذي بالأحوط، خذي بالأحوط ما دمتِ في زمن الرخاء، لا، إذا سَمِع شيخاً يقول: يجب عليك زكاة الدَّين، قال: حسناً! نذهب إلى شيخ آخر يقول: لا يجب عليك زكاة الدَّين. عرفتم؟!

    حسناً! خُذ بالأحوط، إذا لم يكن هناك نص واضح يفصل بين الناس، فالأحوط أحسم؛ لأننا الآن في زمن سعة، نتصرف في أموالنا؛ لكن بعد الموت لا نتصرف، ما نستطيع.

    كذلك أيضاً نجد بعض الناس لا يحاسب نفسه محاسبة دقيقة في إخراج الزكاة، صاحب دكان، ولا يُحصي ماله الذي في دكَّانه، يأخذه جُزافاً، يعني: خرصاً، وليته إذا خرص أخذ بالأحوط، يأخذ بالأقل، هذا هو الغالب، أو يتهاون، أو إذا قوَّم السلعة التي للتجارة قوَّمها بأدنى القيمتين، كل هذا من الأمور التي سببها الشُّح والبخل، وهي ضرر عظيم على الإنسان في دينه، وفي دنياه.

    فالإنسان العاقل يعلم أن هذا المال من الله، وأن الذي أوجب فيه الزكاة مَن؟

    هو الله عزَّ وجلَّ.

    وأن الزكاة ولله الحمد جزء يسير بالنسبة لما أعطانا الله.

    المال الذي تجب فيه الزكاة

    ثم هذه الزكاة لا تجب في كل ما نملك، أكثر ما نملكه من الأموال ليس فيها زكاة، لا تجب الزكاة إلا في الأموال النامية حقيقة أو حكماً، هذا ضابط، الضابط في الزكاة: أنه لا تجب إلا في الأموال النامية حقيقة أو حكماً، كيف حقيقة؟

    حقيقة يعني: تزيد حقيقة.

    أو حكماً يعني: هي لا تزيد؛ لكن في حكم الزائدة.

    فمثلاً: المواشي يعني: الإبل والبقر والغنم تزيد أم لا؟ حقيقةً، التجارة تزيد حقيقةً، الدراهم التي أعدها الإنسان لزواجه، يجمع دراهم، ولا يبيع فيها ولا يشتري؛ لكنه قد أعدها لحاجة لزواج، أو شراء بيت، أو ما أشبه ذلك، هذه لا تزيد حقيقةً؛ لأنها لا تزيد، عنده عشرة آلاف ريال باقية ما زادت؛ لكنها حكماً تزيد؛ لأنه لو عمل بها لزادت.

    هذا هو الضابط في الأموال الزكوية، أنها لا تجب الزكاة إلا في المال النامي حقيقةً أو حكماً.

    الآن رجل عنده ضأن، وعنده دجاج، وعنده حمام، وعنده أرانب، وعنده ضباء، نعم، كم هذه؟

    خمسة أنواع.

    ما الذي يجب فيه الزكاة؟

    نوع واحد من الخمسة: الضأن، والباقي ما فيه زكاة؛ إلا إذا كان تجارة.

    ولو كان عند الإنسان ألف دجاجة، يعدها للنماء والتبييض، ما وجبت عليه زكاة فيها.

    لو عنده ألف رأس من الضباء، يريدها للتنمية، ليس بها زكاة.

    عنده ألف حمامة، الحمامة يقولون: إن في وقتنا هذا بعضُ الحمام يساوي ألفَي ريال، نعم، 1000×2000 من ألفين كم؟

    مليونان، نعم.

    هل عليه زكاة في هذا؟

    ما فيه زكاة إذا كان للتنمية، وليس للتجارة.

    إذاً: الحمد لله، الأموال أكثرها لا تجب فيها الزكاة، إنما تجب الزكاة في الأموال النامية حقيقةً أو حكماً، وهي أنواع خمسة.

    1.   

    الأسئلة

    تعظيم أمر الصيام

    السؤال: في أول كلامكم عن الزكاة تكلمتم أنها أهم من الصيام، وأن الإنسان لو أفطر يوماً من رمضان أو رمضان، فإن تارك الزكاة أعظم، أفلا بيَّنتم لنا عِظَم الذنب فيمن يُفطر يوماً من رمضان؛ لأنه ربما يفهم البعض أن ذلك هين. وفقكم الله لرضاه؟ الجواب: لا شك أن الإنسان إذا أفطر يوماً من رمضان فإنه أعظم من فعل الكبائر؛ لأن تَرْكَ ركنٍ من أركان الإسلام أعظم من الكبائر؛ يعني مثلاً: أعظم من الزنا، أعظم من شرب الخمر؛ لأن أركان الإسلام عليها مدار الإسلام، فهي بمنزلة الأعمدة للإسلام، لا يقوم إلا بها. ولا يجوز للإنسان أن يتساهل في أي يوم من أيام رمضان؛ لكننا ذكرنا أن الناس عندهم نقص في الفقه، أو عند بعضهم نقص في الفقه، يعظِّمون الصيام كثيراً؛ ولكنهم في الصلاة أو في الزكاة لا يرون لها عَظَمَة كعَظَمَة الصيام، حتى إن بعض الناس -يُقال لي، والله أعلم- يُقال: إنه يصوم ولا يصلي، نعم، يصوم ولا يصلي، أليس هذا من الجهل؟! لأن الذي يصوم ولا يصلي لا يُقبل صيامه، لو يصوم كل رمضان ما يفطر ولا في الليل مثلاً، يواصل كل رمضان، فإن الله لا يقبله منه إذا كان لا يصلي، لماذا؟ لأنه كافر، ومن شرط قبول الأعمال: أن يكون العامل مسلماً؛ لقوله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة:54] النفقات نفعها متعدد، ومع ذلك لا تقبل من الذي ينفق إذا كان كافراً، يعني: الآن الكافر، لو فرضنا واحداً من الكفار شق الطرق، ووضع ماءً للشرب، وبنى مساجد ومدارس، وطبع كتباً، هل تنفعه هذه؟ ما تنفعه أبداً، ولا تقبل منه؛ لأنه كافر. فالذي يصوم ولا يصلي بشِّروه بأن صومه مردود عليه، غير مقبول منه، فلا يُتعب نفسه؛ لكن هناك شيء هيِّن جداً، وهو ماذا؟ أن يتوب إلى الله، ويصلي، ويرجع إلى الإسلام، وحينئذٍ يُقبل صومه وسائر أعماله الصالحة.

    الشجاع الأقرع ليس خاصاً بتارك الزكاة

    السؤال: هل الشجاع الأقرع الذي جاء في مانع الزكاة ورد فيمن ترك الصلاة؟ أم أنه خاص في عقوبة تارك الزكاة؟ أرجو التوضيح! الجواب: تارك الصلاة له عقوبة أعظم من هذا؛ لأن الشجاع الأقرع إنما يكون تارك الزكاة معذباً به في عرصات القيامة، ثم يرى سبيله، كما جاء في حديث أبي هريرة : (إما إلى الجنة، وإما إلى النار). لكن تارك الصلاة معذَّب في نار جهنم بما فيها من أنواع العذاب أبد الآبدين والعياذ بالله. فهو أعظم بكثير من تارك الزكاة.

    ثبوت أجر من تصدق في رمضان إلى يد وكيل الفقراء ثم أخرجت بعد رمضان

    السؤال: لقد دفعتُ اليوم زكاة المال للمجاهدين الأفغان، وسألت المشرف: هل تصل للمجاهدين في رمضان، فقال: لا؛ لأنها تُجمع، فقد تصل في رمضان أو في شوال، فهل يُحسب لي أجرها في رمضان؟ الجواب: على كل حال أنت الآن أديتها إلى وكيل الأفغان، وما وصل إلى وكيل الشخص فكأنما وصل إلى الشخص نفسه، وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن يفهمها، ما وصل إلى وكيل الشخص فكأنما وصل إلى الشخص نفسه، هذه القاعدة تنفعك في عدة أبواب، منه مثلاً: زكاة الفطر، لو كان الفقير قال لك: إذا جاء وقت زكاة الفطر فإني موكِّلٌ فلاناً يقبض لي، ثم أعطيتَ وكيلَه في أيام دفع زكاة الفطر؛ ولكنها لم تصل إلى الفقير إلا بعد عشرة أيام من شوال، هل تكون مقبولة؟ الجواب: نعم. لماذا؟ لأن وكيل الإنسان قائم مقام الإنسان. فالذين يقبضون الصدقة للأفغان هم بمنزلة الأفغان؛ لأنهم ليسوا وكلاء لك، ولهذا لو قدِّر أن هذه الزكاة تلفت عند هؤلاء الذين قبضوها فهل يلزمك بدلها؟ لا. لا يلزمك زكاة بدلها، بل قد بلغت محلها. ولكن هاهنا أيضاً مسألة فيما يتعلق بصرف الزكاة في رمضان، هي الآن أصبحت مشكلة اجتماعية، كون الناس الآن يختارون رمضان لصرف الزكاة، أصبحت مشكلة اجتماعية، كيف ذلك؟ صار الناس لا يعرفون الفقراء في غير رمضان، في غير رمضان ما تجد أحداً يصرف زكاته اللهم إلا نادراً، فيكون على الفقراء حاجة في غير رمضان ولا يجدون من يتصدق عليهم. وهذه مشكلة. ثانياً: أن بعض الناس تحل زكاتُه مثلاً في رجب، ثم يقول: أؤخرها إلى رمضان؛ لأنه لو أخرجها في رجب يأتي رمضان ويريد أن يخرج زكاة أخرى وذلك لملاحقة الأغنياء عن عباداتهم، تجدهم دائماً شغالين يطلبون الأغنياء، ولا كأن رمضان إلا مجالاً للتسوُّل وملاحقة الأغنياء، ولا يلتفت كثير منهم إلى ما ينبغي أن يلتفتوا إليه من العبادة في هذا الشهر. فهي في الحقيقة مشكلة. ولذلك ينبغي لنا أن ندرسها تماماً، وأن ننظر هل من المصلحة أن نجعل زكواتنا كلها في رمضان؟! أو نجعلها في أوقات أخرى لأشد حاجة. والعلماء نصوا على أنه يجوز أن تؤخر الزكاة عن وقت وجوبها إلى وقت يكون فيه الناس أشد حاجة.

    التفصيل في زكاة المال المشترك به في جمعية

    السؤال: أنا مشترك في جمعية بحيث لا يأتيني الدور إلا في مدار السنة، فهل هذا المال الذي يُدار بيننا عليه زكاة أم لا؟ الجواب: مثلاً: هؤلاء عشرة موظفين، كل واحد راتبه (10.000) ريال، يُخصم من كل واحد (2000) ريال تُعطى لأول واحد، رقم (1). يأتيه (18.000) زيادة على راتبه، والثاني، والثالث، إلى آخره، هذا معناه أن كل واحد منهم لزمه لزملائه ديناً مقداره (18.000). فنقول: إن كان هذا الرجل قد أنفق هذه الأموال التي أخذها قبل تمام الحول فليس عليه زكاة. أما بالنسبة للذين أعطوا فعليهم الزكاة فيما أعطوا؛ لأن الدائن إذا ديَّن إنساناً غنياً وجب عليه الزكاة في هذا الدَّين، فصار الآن الآخذ إذا أنفق ما أخذ قبل تمام الحول فليس عليه شيء، والدافع عليه الزكاة؛ لأنه دائن طالب، والطالب إذا كان مطلوبه غنياً وجبت عليه الزكاة فيما يطلب منه.

    خطورة التساهل في الديون

    السؤال: تساهل كثير من الناس في الديون، وذلك بسبب أنهم يُسدَّد عنهم من الزكاة!

    الجواب: هذا صحيح، أن الناس صاروا يتساهلون في الديون؛ لأنه إذا جاء رمضان قال: الحمد لله، أنا عليَّ عشرين ألف ريال اذهب للتاجر الفلاني والفلاني والفلاني هكذا قدِّم كشفاً، ويُقضى عنك ما تيسَّر.

    وهذه أيضاً من المشاكل التي تحتاج إلى حل؛ ولكن الإنسان العاقل لا يُقدم على الاستدانة من أحد إلا في الضرورة القصوى، وأظن أن الضرورة القصوى عندنا والحمد لله غير موجودة؛ لأنه بإمكان الإنسان أن يكون عاملاً ولو من عمال البلدية من أجل أن يكتسب الرزق، الناس في الزمن الأول يخرج الإنسان إلى الأودية يأتي بالحشيش ويبيعه ويشتري عشاءًَ له ولعائلته، يذهب إلى المُحْتَطَبات، يعني: محل حطب، يحتطب ويأتي ويبيعه ويأكل وعائلته، والناس هم الناس، كلهم بشر، السابقون واللاحقون.

    فالإنسان العاقل لا يستدين إلا للضرورة القصوى، والضرورة القصوى الآن كما قلت لكم متعذرة، يعني: معدومة، بإمكانه يذهب ويكون عاملاً ولو بـ(300) ريال أو (400) ريال أو (1000) ريال؛ لكن الناس نسأل الله العافية، صار بعض الناس يريد أن يباهي الأغنياء، إنسان غني عنده عشرات الملايين، وبيته مُكَمَّل، يجيء فقيرٌ ما يجد شيئاً يقول: لازم يكون بيتي مثل بيت هذا، فيذهب ويستدين قيمة سيارة (كدْلَك) قيمتها (80.000) ألف، مع أنه يحصِّل سيارة داتسون بـ(20.000) ألف.

    لماذا هذا؟ أليس هذا سخافة؟!

    سخافة وسفه، والعامة يقولون مَثَلاً -في الحقيقة- مَثَلاً جيداً، يقولون: (مد رجليك على قدر لحافك) اللحاف الذي نتغطى به، مد رجليك على قدره، إن كان هو طويلاً مدِّد كل رجليك، إن كان قصيراً قَرْفِص؛ لأنك لو تمد رجليك وهو قصير تعرضت للبرد، فهذا مثل جيد لو أننا سرنا عليه في حياتنا لحصَّلنا خيراً كثيراً.

    على كل حال: هذه مشكلة من المشاكل الاجتماعية، ولا ندري كيف نحل هذه المشكلة؛ لكن حلها أن نوعي الناس، ونقول: احذروا الدين ما استطعتم، لا تستدينوا أبداً إلا عند الضرورة القصوى.

    حكم تأخير الزكاة عن وقتها

    السؤال: إذا كان الرجل عنده مال تَحُل زكاتُه في رمضان، فهل يجب عليه إخراج الزكاة كلها في رمضان؟ أو يجوز أن يعطيها الفقراء شيئاً فشيئاً على مدار السنة؟

    الجواب: يجب عليه أن يخرجها فوراً، ولا يجوز أن يعطيها الفقراء على مدار السنة إلا إذا كان يؤخرها يتحرى أهلها، يعني: بمعنى أنه لم يتهيأ له أن يجد المستحقين في رمضان؛ لكن يجدهم على واحد واحد، اثنين اثنين، وهكذا، فإذا كان يؤخرها من أجل أن يتحرى أن تكون في أهلها، فهذا لا بأس به، والغالب أن الإنسان لا يؤخرها إلا لهذا السبب، أو لما يشبهه، فإذا كان تأخيرها لهذا السبب فلا بأس.

    جواز إخراج زكاة الذهب على قدر قيمته وإن رخص

    السؤال: هذا صاحب محل للذهب يقول: رخص الآن بيع الذهب، وقد حال الحول، فهل لي أن أؤخر إخراج الزكاة حتى ترتفع أسعار الذهب، ثم أخرج الزكاة؟ الجواب: أقول: جزاه الله خيراً على هذه النية، ولكن الواجب عليه أن يقدر الذهب الآن، إذا كان لا يريد أن يخرج من عين الذهب فليقدره الآن، ويخرج زكاته من قيمته الحاضرة، ولو كانت أقل، وكونه يؤخر حتى ترتفع الأسعار هذه نية طيبة؛ لكنه قد تختلف الأمور، ربما تنزل الأسعار أكثر، ما يدري، فهل إذا نزلت بَعْدُ يقول: أنتظرْ حتى ترتفع؟ ثم تنزل ثالثة. فالحاصل: أنه يجب أن يبادر بإخراج الزكاة، ويَعْتَبِر القيمة في وقت وجوب الزكاة، قَلَّت أم كَثُرت.

    حكم زكاة الدين

    السؤال: استلف شخص مني مبلغاً من المال، ولم يرده إليَّ بَعْد، هل يجب عليَّ أن أخرج زكاة هذا المبلغ؟ الجواب: هذه تنبني على زكاة الدَّين، والدَّين اختلف العلماء رحمهم الله في وجوب الزكاة فيه: فقال بعض العلماء: إن الزكاة واجبة في الدَّين، سواء كان على معسر أو على موسر. وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله، أن الدَّين تجب فيه الزكاة ولو كانت على أعسر الناس. القول الثاني: أن الزكاة لا تجب في الدَّين، لا على غني، ولا على فقير؛ لأنه ليس بيدك. القول الثالث: الوسط، أنه إن كان على غني وجبت الزكاة فيه, وإن كان على فقير لم تجب؛ لأن الدَّين الذي على الفقير كالمعدوم تماماً؛ لأنك أنت لا تستطيع أن تطالبه وهو معسر، بل لا ترفع لسانك إلى لهاتك في مطالبته إذا كان معسراً، يجب عليك أن تُنْظِره كما أمر الله عزَّ وجلَّ: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280] إذاً: لست قادراً على هذا المال، وهذا لا تجب فيه الزكاة. وإن كان على موسر؛ ولكن أنت بنفسك أخَّرت الطلب فعليك الزكاة؛ لأن الذي على موسر وأنت الذي أخَّرته كأنه في مالك، فتجب فيه الزكاة. ثم إذا كان على معسر وقبضته، فهل تؤدي الزكاة عنه حالاً لسنة واحدة؟ أو تستأنف الحول؟ في هذا قولان للعلماء: منهم من قال: تستأنف الحول، ما عليك زكاة حتى يتم حوله. ومنهم من قال: تزكيه السنة التي قبضتها، ثم كل سنة تزكيه. وهذا القول أقرب للصواب.

    حكم دفع الزكاة إلى الابن لقضاء دينه

    السؤال: امرأة عندها زكاة من المال، ولها ولد مطلوب، وله معاش؛ ولكن لا يكفي سداد الدَّين، فهل تعطيه من الزكاة؟ الجواب: يجوز للأم وللأب إذا كان لهما ولد عليه دين لا يستطيع وفاءه أن يقضيا دينه من زكاتهما؛ لأنه غارم؛ ولكن الأحسن أن يذهب إلى الطالب الذي يطلب الولد، ويقول: أنت تطلب ابني كذا وكذا خُذ، ولا يعطيه الولد؛ لأن بعض الناس سفيه، إذا أُعطي لقضاء الدَّين صرفه في غيره، مع أن العلماء يقولون: إذا أُعطي الإنسان الزكاة لقضاء الدَّين فإنه يحرم أن يصرفها في غيره، لابد أن يصرفها في قضاء الدَّين، إلا إذا كان الدَّين الذي على الولد سببه نفقة واجبة على أبيه، يعني: أنه يقول -أبوه غني- فيقول لأبيه: أعطني النفقة، أبوه يماطل، فاحتاج الابن واستدان من أجل النفقة، ففي هذه الحال نقول للأب: لا يجوز أن تعطيه من زكاتك، بل يجب عليك أن تقضي دينه من مالك، لماذا؟ لأن إنفاقك عليه واجب. ولو قلنا: إنه يجوز دفع الزكاة في هذه الحال لقضاء دين الابن، لكان كل أب شحيح يمنع النفقة من أجل أن يضطر الولد إلى الدَّين، فإذا استدان قال: الآن أقضي دينك من زكاتي.

    كيفية التعامل مع امرأة مسنة لا تصلي ولا تصوم

    السؤال: توجد امرأة مسنة تبلغ من العمر أكثر من ستين سنة، وهي بكامل عقلها، ولكنها لا تصلي ولا تصوم، فماذا يجب على من يقوم برعايتها؟ نريد إفادتنا، جزاكم الله خيراً. الجواب: الواجب أن تؤمر هذه المرأة المسنة التي في كامل عقلها بالصلاة والصيام، وإذا لم تفعل يُرفع أمرها إلى ولاة الأمور من أجل أن يجبروها على الصلاة وعلى الصيام. أما إذا كانت (مُهَذْرِيَة) ما عندها عقل، فليس عليها صلاة ولا صيام. مع أني أظن أنه لا يمكن أن يوجد امرأة في كامل عقلها وهي في هذا السن، تأبى أن تصلي أو تصوم إلا وفي عقلها خلل، ما أظن أن امرأة عاقلة في مجتمعنا تأبى أن تصوم وتصلي.

    حكم الطواف بدون طهارة

    السؤال: ما حكم الطواف من غير طهارة، مع أنه لم يعلم بالحكم، أو كان ناسياً؟ الجواب: الذي نرى أن الطهارة في الطواف ليست بشرط، إلا الحيض، فإنه لا يمكن أن تطوف المرأة وهي حائض، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعائشة لما حاضت: (افعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت) ولما قيل له: إن صفية قد حاضت، قال: (أحابِسَتُنا هي؟!). أما الطهارة من الحدث الأصغر فالراجح أنها ليست بواجبة في الطواف؛ لكنها سنة مؤكدة، لا شك أنها أفضل. ولا ينبغي للإنسان أن يدع الطهارة إذا أراد أن يطوف؛ لكن لو فُرِض أن أحداً طاف وانتهى وجاء يسأل، فإننا لا نلزمه بالإعادة، لا سيما إذا كان قد رجع إلى بلده، وانتهى من نسكه.

    حكم طواف الوداع لصاحب العمرة

    السؤال: نحن أخذنا عمرة ووصلنا مكة قبل الفجر، فأخذنا عمرتنا، واشترينا سحوراً وتسحَّرنا، ثم صلينا بالحرم صلاة الفجر، ونمنا، وصلينا الظهر، وبعد صلاة الظهر خرجنا إلى بلدنا ولم نطف طواف الوداع، فهل علينا شيء؟ حيث أن حديث الرسول: (ليكن أحدكم آخر عهده بالحرم) ونحن خرجنا بعد صلاة الظهر مباشرة! الجواب: الحديث ليس لفظه كما قال السائل، وإنما لفظ الحديث على وجهين: الوجه الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: (كان الناس ينفرون من كل وجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينفر أحد؛ حتى يكون آخر عهده بالبيت). واللفظ الثاني: (أُمِر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خُفِّف عن الحائض) . وطواف الوداع للعمرة محل خلاف بين العلماء، فمن تركه مستنداً إلى فُتيا عالم موثوق بعلمه، فلا شيء عليه. أما من اعتقد أنه واجب -وهو القول الصحيح، أن طواف الوداع للعمرة واجب كما هو واجب في الحج- فإن المعروف عند العلماء أن تارك الواجب يلزمه فدية تُذبح في مكة وتوزَّع على الفقراء؛ إلا إذا كان الإنسان فقيراً لا يملك مالاً يشتري به الفدية، فإنها تسقط عنه؛ لقول الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] . ولا يلزمه أن يصوم عشرة أيام -كما قاله بعض العلماء: أن من عجز عن النسك الواجب لترك واجب يلزمه صيام عشرة أيام- فإن هذا القول لا دليل عليه، بل نقول: من ترك واجباً فإنه يحتاط بذبح فدية في مكة، توزع على الفقراء، ومن لم يجد فلا شيء عليه. أما بالنسبة لهؤلاء الذين رجعوا بعد أن بقوا في المسجد الحرام نصف النهار، ورجعوا بدون طواف، فأرى أن من الاحتياط وإبراء الذمة ما داموا لم يعتمدوا على قول لأحدٍ من العلماء أن يذبحوا فدية في مكة، كل واحد يذبح فدية في مكة، ويوزعها على الفقراء، ومن لم يجد فلا شيء عليه.

    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان

    السؤال: كَثُر في زماننا هذا وفي رمضان النوم بعد صلاة الفجر والسهر في الليل، فما رأيكم في هذا العمل؟ جزاكم الله خيراً، وما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا العمل؟ الجواب: لا شك أن ما عليه الناس اليوم، هذه السنة وقبل هذه السنة من كونهم يمضون ليالي رمضان في أشياء غير نافعة، يعني: ليسو يسهرون على قراءة القرآن، أو على الصلاة، أو ما أشبه ذلك، غالبهم يسهرون على لغو لا فائدة فيه، وبعضهم يسهرون على شيء محرم من استماعٍ إلى أغانٍ، أو ألعاب محرمة، أو ما أشبه ذلك، ثم في النهار ينامون، من حين أن يصلوا الفجر إلى أن يأتي الظهر، ولا شك أن هذا حرمان عظيم. والذي ينبغي للإنسان أن ينام في الليل ما شاء الله، وأن يقوم في الليل، وإذا اقتصر على التراويح مع الإمام حتى ينصرف فهو قد قام ليلته؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتِب له قيام ليلة). وعلى هذا فينام بعد التراويح إلى أن يأتي وقت السحور، فيقوم ويتسحَّر، وفي النهار يتعبد لله، إن كان موظفاً أو في عمل قام بما يجب عليه من العمل، وإذا كان فارغاً فليتعبد لله تعالى بأنواع العبادات، يحبس نفسه يومين وثلاثة في المسجد، في قراءة وصلاة، وسيجد مشقة أول يوم وثاني يوم؛ لكن بعد ذلك تكون عادة له يطمئن إليها قلبه، وينشرح بها صدره. أما هدي الرسول عليه الصلاة والسلام في رمضان فلا شك أن هديه أنه لا يمضيه إلا في أمر يقربه إلى الله، وكان يأتيه جبريل في الليل يدارسه القرآن كل سنة مرة واحدة فقط، كل الشهر يعرضه النبي عليه الصلاة والسلام مرة واحدة، إلا في العام الذي مات فيه، فإنه عارضه مرتين.

    حكم إعطاء الزكاة من يستعين بها على المعصية

    السؤال: هل يجوز إعطاء زكاة لشخص يعمل في عمل غير جائز، كبنك ربوي، أو يملك محلاً للحلاقة، ولكنه محتاج إلى تلك الزكاة، وهو يؤدي الصلاة؟ الجواب: ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا ينبغي أن تعطى الزكاة من يستعين بها على المعصية. كل إنسان فاسق لا ينبغي أن يعان على فسقه. فمثلاً إذا كان يشرب الدخان، ما نعطيه الزكاة؛ لأنه إذا أعطيناه، معروفٌ الْمُبتلى بهذا الدخان أول ما يشتري الدخان، فلا نعطيه. لكن من الممكن أن نعطي زوجته أو إذا كان له أولاد راشدون، نعطيهم ونقول: هذا أعطه أهلك، وما أشبه ذلك. أو نقول لهذا: إن عندنا زكاة، ما الذي يحتاجه البيت؟ يحتاج سكر، أرز، كذا .. كذا .. وكِّلنا نقبض الزكاة لك، ونشتري لك، في هذه الحال لا بأس. إذا قال: أنت وكيل، اقبض ما يأتيك من الزكاة لي، واشترِ به كذا وكذا، فهذا جائز. أما إذا كان الإنسان لا يستعين بالزكاة على المعصية؛ لكنه عاصٍ، فهذا يُعطى من الزكاة ما دام محتاجاً؛ ولكنه يُنصح عن المعصية، فلعل الله عزَّ وجلَّ أن يهديه على يد هذا الذي أعطاه.

    تقديم تحية المسجد على الإفطار إذا دخل وقت أذان المغرب

    السؤال: إذا دخلتُ المسجد أثناء وقت أذان المغرب في شهر رمضان أو غيره وكنتُ صائماً، فهل أصلي تحية المسجد أم أجلس للإفطار، ثم أصلي؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب: ماذا تقولون يا جماعة؟! الإفطار ما يحتاج تعب، تمرة يجعلها في فمه ويمضغها ويأكلها وهو واقف، ما هي مشكلة. هذا كسؤال يرِدْ أيضاً: هل يُفْطِر المؤذن قبل أن يؤذن المغرب أو يؤذن ثم يُفْطِر؟ ماذا تقولون؟ يُفْطِر ويؤذن مع بعض. الأذان بسيط. لا، هذا أسهل، هذا أيضاً يأكل التمرة وهو واقف ويصلي تحية المسجد. المهم على كل حال يبدأ بالإفطار؛ لأن الإفطار ما يضر، يعني: الإفطار لا يلزم منه الجلوس، هو يقول: يجلس يفطر، نقول: ما هو لازم، يأكل تمرة وهو واقف، ثم يصلي ركعتين، ثم يكمل الفطور.

    التفصيل في مرور المرأة أمام النساء أثناء الصلاة

    السؤال: هل تنقطع صلاة النساء وهنَّ يصلين التراويح إذا مرَّ بعض النساء أمام صفوفهنَّ أو لا تنقطع؟ الجواب: لا تنقطع إذا كنَّ مع الإمام؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه. فالمرأة لا تقطع الصلاة إذا مرت بين صفوف الرجال خلف إمامهم، ولا تقطع الصلاة إذا مرت بين صفوف النساء خلف إمامهن، أو خلف إمامتهنَّ أيضاً؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه. ودليل ذلك أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مرَّ -وهو على حمار في منى ، في حجة الوداع- مرَّ بين يدي بعض الصف ولم ينكر ذلك عليه أحد، مع أن الحمار يقطع الصلاة، وهذا دليل على أنه إذا مرَّ ما يقطع الصلاة بين أيدي المأمومين، فإن ذلك لا يضر. ولكن يبقى السؤال: هل يجوز للإنسان أن يمر بين يدي المأمومين؛ لأن المأمومين لن يدافعوه، يتركوه يمشي؛ لكن هل يجوز أن يمر بين أيديهم؟ أو نقول: إنه لا يجوز لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً من أن يمر بين يديه) ؟ قال أهل العلم أو قال بعض العلماء: إنه لا يجوز أن يمروا بين أيدي المأمومين. وقال آخرون: بل يجوز؛ لأن هذا لا يؤثر على صلاتهم شيئاً. لكن قد يقول قائل: هو لا يؤثر على الصلاة لكن يشوِّش على المأموم، إذا مرَّ الرجل بين أيدي المصلين يشوِّش عليهم، أو مرت امرأة لاسيما إذا كانت شابة جميلة تشوِّش عليهم. فنحن نقول: الأصل الجواز، وإذا كان يؤدي إلى تشويش على المصلين فليمتنع، ولا يمر من بيد أيديهم.

    حكم إعطاء الكفار من الزكاة الواجبة والمستحبة

    السؤال: يوجد في بلاد المسلمين كثيرٌ من العمال غير المسلمين من ديانات متعددة، فهل يجوز للإنسان أن يتصدق عليهم، سواء كانت صدقة واجبة كالزكاة، أو صدقة تطوُّع، أو ما يسمى عند العامة بالعشاء؟

    الجواب: أما الصدقة الواجبة: فلا تجوز أن تدفع إلى الكافر مهما كان جنسه؛ إلا إذا كان مؤلَّفاً، يعني: من المؤلفة قلوبهم.

    وأما صدقة التطوع: فقد قال الله عزَّ وجلَّ: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة:8] فإذا كان هذا الكافر من قوم لم يقاتلونا في الدين، ولم يخرجونا من ديارنا، والمراد: إخراج المسلمين، ما هو أنت بالذات، فإنه لا بأس أن نتصدق عليهم.

    أما إذا كان ممن يقاتل المسلمين ويخرجهم من ديارهم، فإننا لا نتصدق عليه؛ لأنه يلزم من التصدق عليه أن نوفر من ماله مقدار ما تصدقنا به عليه، ثم هذا المال أين يذهب، يذهب إلى جهة يُقاتَل بها المسلمون،ولهذا اشترط الله عزَّ وجلَّ أنهم لم يقاتلونا، ولم يخرجونا من ديارنا: أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ يعني: أن تعاملوهم بالبر والإحسان، أو بالقسط، بالعدل. فإذا كان هذا الإنسان الكافر من قوم لا يقاتلوننا، ولا يخرجونا من ديارنا فلا بأس بالصدقة عليه، وإلا فلا.

    إلى هنا تنتهي هذه الجلسة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768031272