أما بعد:
فهذا هو اللقاء الرابع في شهر رمضان عام (1412هـ) في الجامع الكبير في مدينة عنيزة، وهو اللقاء الأخير في هذا الشهر، نسأل الله تعالى أن يجعل ما مر علينا من هذه اللقاءات خير وبركة.
إن لقاءنا هذا سيكون موضوعه أمراً غريباً، وذلك أن أكثر المسلمين يقولون ما لا يفقهون، بل إن كثيراً منهم قد أكون بالغت إذا قلت أكثر، ولكن كثيراً منهم يقولون ما لا يفقهون، وأضرب لكم مثلاً في أمر يتكرر علينا في اليوم أكثر من سبعة عشرة مرة، ففي الفاتحة مثلاً التي هم أم القرآن والسبع المثاني والتي فرض الله على عباده أن يقرءوها في كل ركعة من صلواتهم الفريضة والنافلة والتي جمعت جميع معاني القرآن، هذه الصورة لو أننا ناقشنا واحداً من الناس: ما معنى هذه السورة؟ ما معنى آياتها؟ ما الذي تشتمل عليه؟ ما الذي تشير إليه؟ لوجدته خلواً من ذلك، لا يفهم ولا يفقه، ولكنه يقرأ ألفاظ وآيات امتثالاً لأمر الله ورسوله، وهذا حسن لا شك، لكن ليس هذا هو المقصود.
كذلك أيضاً نحن نقرأ التشهد في كل صلاة إما مرة أو مرتين فهل نحن نعرف معاني ألفاظ التشهد؟
كثير من الناس لا يعرفون، إذاً كيف يدعون؟! كيف يثنون على الله بشيء لا يعرفونه؟!! هذا غريب.
كذلك أيضاً: نحن نسبح الله في الركوع وفي السجود، ولكن هل نحن نعرف معنى: سبحان ربي العظيم، معنى: سبحان ربي الأعلى؟ كثير من الناس لا يعرف.
نحن ندعو الآن في القنوت وتأمنون على الدعاء، لكن هل كل جملة معروفة لديكم؟ قد تكون بعض الكلمات غير معروفة لديكم، واضرب لهذا مثلا:
(أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا) ما معناه؟
قد يقول قائل: كيف أدعو بهذا الدعاء (أصلح لنا ديننا) أليس الدين صالحاً؟ كيف نسأل الله أن يصلح لنا ما هو صالح؟
يفهم بعض الناس المعنى على هذا الوجه فيبقى حيران، وهو مع ذلك إذا قال إمامه: أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ماذا يقول؟ يقول: آمين، والإشكال في نفسه.
إذاً.. هذه مشكلة -يا إخوان- ينبغي لنا إن لم أقل: يجب علينا أن نفهم معاني ما نقول، إذا كان الإنسان لو درس كتاباً في النحو أو البلاغة أو الفقه أو الحساب أو الطب أو الكيمياء أو الجغرافيا لابد أن يفهم معناه، فما بالنا لا نفهم معنى كلام الله عز وجل، ما بالنا لا نفهم معنى ما نثني به على ربنا عز وجل.
لابد أن نفهم، لابد أن نفهم.
ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: [كيف بكم إذا كثر قراؤكم وقَلَّ فقهاؤكم؟] القراء هم الذين يتلون لفظاً، والفقهاء هم الذين يعرفون المعنى (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين).
إذاً لابد أن نعرف، لابد أن نفقه، ولا حرج على الإنسان الذي لا يفهم أن يأخذ بيد طالب علم ويقول: جزاك الله خيراً ما معنى هذه الآية، ما معنى هذا الحديث، ما معنى هذا الدعاء، وإذا قال هكذا يكون طالب العلم ممنوناً بذلك، إذا علم أن صاحبه سأله مسترشداً فإنه سيفرح.
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] معنى الحمد: المدح المقرون بالمحبة التامة والتعظيم التام، وهذا هو الفرق بين المدح وبين الحمد، المدح قد يكون مع البغضاء ومع الاستهانة، لكن الحمد لا يكون أبداً إلا مع المحبة والتعظيم، قد يمدح الإنسان شخصاً وهو يبغضه لكن يمدحه خوفاً من شره أو رجاءً لما عنده، لكن الحمد مصحوب بالمحبة والتعظيم.
وما معنى: رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] أي: الخالق للعالم، المالك المدبر.
وما صلة: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]بـ رَبِّ الْعَالَمِينَ لأنها جاءت بعدها: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلتها: أن ربوبية الله عز وجل للعالمين .. ربوبية مبنية على الرحمة، فهو رب وفي نفس الوقت رحيم.
ثم ما صلة: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] بما قبلها، نحن إذا قرأنا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:2-3] فإننا نتصور ونتخيل الدنيا، فجاء ذكر الآخرة بعد ذلك: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ لينتقل الإنسان من حال الدنيا إلى حال الآخرة ويكون متعظاً.
ثم بعد هذا الثناء على الله والتعظيم لله، يأتي دور العبادة، إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] ثم هل العبادة يقوم بها الإنسان بلا معونة الله؟
الجواب: لا. فيأتي بعد ذكر العبادة الاستعانة: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5].
ثم بعد إخلاص العبادة لله والاستعانة به يأتي دور الدعاء: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7].
اهْدِنَا الصِّرَاطَ لم يقل (إلى) ولا (في) ما قال: اهدنا فيه، ولا اهدنا إليه، من أجل أن تشمل الهداية هداية الدلالة وهداية التوفيق، الإنسان بالنسبة للصراط المستقيم قد يكون بعيداً منحرفاً يميناً أو يساراً يحتاج هنا إلى ماذا؟ إلى هداية إليه أم هدايه فيه؟
إنسان بعيد عن الصراط المستقيم منحرف يمين أو يسار، يحتاج إلى هداية إليه أول يدله، نقربه إلى الصراط المستقيم، ثم بعد ذلك إذا دخل الصراط المستقيم يحتاج إلى هداية فيه، ولهذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ [الفاتحة:6] ولم يقل: إلى الصراط، ليشمل الهداية التي هي الدلالة، والهداية التي هو التوفيق والثبات على الدين.
وصراط من؟
صراط الذين أنعم الله عليهم، ووصف الصراط أولاً بأنه مستقيم ثم أثنى على سالكيه: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7].
الناس ثلاثة أقسام:
منعم عليهم، ومغضوب عليهم، وضالون.
وتأمل البلاغة العظيمة قال: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ولم يقل: المنعم عليهم.
والأمة الغضبية ماذا قال؟ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولم يقل: الذين غضبت عليهم، لأن هذه الأمة الغضبية مغضوب عليها من قبل الله ومن قبل أولياء الله.
والضال ضد المهتدي، فالناس ثلاثة أقسام:
- القسم الأول: عالم بالحق وعامل به: هذا منعم عليه، فكأن الذي يقول: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ كأنه يسأل الله العلم والعمل.
- القسم الثاني: عالم بالحق مستكبر عنه وهذا مغضوب عليهم.
- الثالث: جاهل بالحق وهذا ضال.
المغضوب عليهم اليهود، والمغضوب عليهم النصارى بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام، النصارى قبل بعثة الرسول ضالون، لكن بعد بعثة الرسول وعلمهم بالحق صاروا من قسم المغضوب عليهم، لاحظوا أنكم تجدون في كثير من كتب المفسرين أن المغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى، هذا قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن اليهود جاءهم عيسى بالحق واستكبروا، فعلموا الحق واستكبروا عنه، النصارى ما جاءهم بعد عيسى رسول لكن تاهوا.
بعد مجيء محمد صار النصارى مثل اليهود بعد مجيء عيسى، يعني: قامت عليهم الحجة، فهم مغضوب عليهم ملعونون، كما لعن اليهود وغضب عليهم، قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (لعنة الله على اليهود والنصارى) ومع الأسف أنه يوجد الآن بيننا وفي بيوتنا خدم ومربيات كما يزعمون من أمة غضب الله عليها ولعنها والعياذ بالله!
وإني لأعجب كيف تتردى أحوال المسلمين إلى هذه الحال، يربون أعداءهم بالمال وبالحفاوة، إلى حد أن وصل ضعف الدين ونقص العقل فصار الواحد يقول: إخواننا اليهود والنصارى -نعوذ بالله- إذا رأيت أن يكونوا إخوانك فأنت مثلهم.
يقول: أصحاب الأديان الثلاثة السماوية، دين اليهود والنصارى هل هو قائم الآن؟
لا منسوخ. والذي نسخه هو الذي شرعه، رضيه لعباده ديناً في وقته وبعد مجيء الرسول عليه الصلاة والسلام لا يرضى إلا الإسلام، وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85] إذاً هي ليست ديانة قائمة الآن، لا قائم من هذه الأديان الثلاثة إلا دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) المراد بالصلاة هنا الفاتحة، لكن لعظمها في الصلاة وكون الصلاة لا تصح إلا بها، أطلق عليها الصلاة، كأن الفاتحة هي الصلاة كلها.
(قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: (الحمد لله رب العالمين) قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرحمن الرحيم) قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: (مالك يوم الدين) قال: مجدني عبدي، وإذا قال: (إياك نعبد وإياك نستعين) قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين، وإذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) الحمد لله. نعمة، والله! ليتنا نستحضر هذا المعنى، ليتنا نستحضر هذا المعنى ونحن نصلي، يكون للقراءة طعم ولذة وذوق، لا ننساه أبداً، لكن نسأل الله أن يعفو عنا، نقرأ تلاوة على اللسان ولا نستحضر هذه المعاني العظيمة.
أصل التحية: كل لفظ دل على الإكرام، إذاً: كل لفظ للتعظيم والإكرام مستحق لله عز وجل، لا أحد يستحق أن يعظم غاية التعظيم إلا الله عز وجل، إذاً: جميع التعظيمات لله، (الصلوات لله) أي: لا يصلى إلا لله، ولهذا من صلى لغير الله فهو كافر.
أي: أقر وأعترف اعترافاً يقينياً كأنما أشاهده رأي العين، ولهذا جاءت بلفظ (أشهد).
ومعنى: (أن لا إله إلا الله):
أي: لا معبود حق إلا الله.
(وأن محمداً عبده ورسوله):
يعني: أنه عبد لا يعبد، بل هو مرهوب، ورسول لا يكذب صلوات الله وسلامه عليه.
ثم تدعو الله بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى وآله، والتبريك عليه وعلى آله، ثم تقول: (أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنية المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال) لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن نستعيذ بالله في التشهد الأخير من هذه الأربع: من عذاب جهنم، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال.
عذاب جهنم هو عذاب النار.
وعذاب القبر: هو ما يكون في قبر الإنسان إذا مات، وسواء دفن أم لم يدفن؛ لأن القبر يعبر به عن الحفرة التي يدفن بها الإنسان ويعبر به عن البرزخ الذي بين موته وقيام الساعة، وأيهما المراد؟
البرزخ حتى وإن لم يذكر، لو فرض أن إنساناً مات في البر وأكلته السباع، أو ألقي البحر فهو قبر.
فتنة الممات: لها معنيان:
المعنى الأول: فتنة الإنسان في قبره، لأن كل إنسان ميت يفتن في قبره يأتيه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه، أسأل الله أن يثبتني وإياكم بالقول الثابت، وفتنة الممات الفتنة التي تكون عند الموت، وإنما نص عليها مع أنها في حال الحياة لعظمها، لأن أشد ما يكون الشيطان حرصاً على إغواء بني آدم في تلك اللحظة نسأل الله أن ينجينا وإياكم منه، وأشد ما يكون الإنسان ضعفاً في تلك اللحظة قد ضاقت عليه الأرض وضاقت عليه النفس، ووصلت الحلقوم فهو في أمر لا نتصوره، لا يتصوره إلا من وقع فيه، والشيطان في هذه الحال يحرص غاية الحرص على إغواء بني آدم، حتى إنه ورد في بعض الآثار أن الشيطان يتمثل بأب الإنسان أمامه ويقول: يا بني! يا بني! يا بني! كن يهودياً تابعاً لموسى، فيكون يهودياً، يختم له بسوء الخاتمة، وكذلك يقول: كن نصرانياً تابعاً للمسيح، فيفعل نسأل الله أن يثبتنا وإياكم فالمسألة خطيرة.
وذكر في ترجمة الإمام أحمد رحمه الله إمام أهل السنة الذي نشهد الله على محبته هو وإخوانه من الأئمة، ذُكر أنه كان في سياق الموت يغمى عليه، فيقول: بعد، بعد، فلما أفاق قيل له: يا أبا عبد الله! ما هذا الذي تقول: بعد، بعد؟ قال: إن الشيطان إمامي يعض أنامله يقول: فتني يا أحمد -ما شاء الله- ولكني أقول: بعد بعد، لماذا؟
لأن الإنسان ما دامت روحه في جسده لا تؤمن عليه الفتنة، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: [من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة] وكم من أناس كانوا على الهدى المستقيم ثم ضلوا والعياذ بالله، نسأل الله أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت.
(أصلح لنا ديننا) نقول: كيف أصلح لك دينك، ودينك صالح؟ فالجواب: أنه ليس المعنى أن يصلح الإسلام من حيث هو إسلام، أن يصلح دين الإسلام نفسه، هل أنت صالح في دينك؟
نعم قد يكون الإنسان صالحاً وقد يكون فاسداً، فمعنى: أصلح لنا ديننا يعني: اجعلنا صالحين في ديننا، ليس المعنى أصلح الدين الذي نحن عليه، لأن الدين الذي نحن عليه هو الإسلام هو صالح، لكن المعنى دين الإسلام نفسه هل هو صالح أو غير صالح؟
ثم اعلم -يا أخي- أن الدين ما يدين به الإنسان، قد يكون حقاً وقد يكون باطلاً، الشرك يسمى دين: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [الكافرون:1-2] ... إلى أن قال:لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6].
إذاً: أصلح لي ديني الدين الذي أنا أعمل به، أصلحه يعني اجعلني صالحاً فيه، فالصلاح هنا يعود على الدين أم على عمل الإنسان؟ على عمل الإنسان، إذاً: لا إشكال في الموضوع.
يقول بعض الناس: والله نحن نؤمّن على قول القائل: (متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أبقيتنا واجعله الوارث منا) ما معنى: اجعله الوارث منا؟
أسألكم أنا -أنتم جمع ما شاء الله- ما معنى: واجعله الوارث منا؟
مداخلة: ...
الشيخ: معناه: أن تبقى هذه الأسماع والأبصار والقوات إلى الممات حتى تكون وارثاً بعده.
إذاً: ينبغي لنا أن نعرف معاني ما نقول، وأن نفقه ما نتكلم به، حتى يكون ذلك نافعاً، أما أن أقرأ القرآن كأنما أقرأه للتبرك، أو أن أدعو بدعاء لا أدري ما هو، يعني ما هو صحيح، نحن ننكر على المطوفين الذين يطوفون عند الكعبة ويقول بعضهم: اللهم اغنني بجلالك عن جرامك، لخطأ في النسخة، جعل الحاء تحتها نقطة، وقد تكون هذه النقطة قيء ذباب، الله أعلم، وكذلك حرام، ويدعو رافعاً صوته: بجلالك عن جرامك، الله المستعان، لماذا؟
لأن هؤلاء الذين يطوف بهم لا يدرون ماذا يقولون، نحن مثلهم وإن كنا نقول نحن بأنفسنا بلا مطوف لكن إذا كنا لا نعرف المعنى لا فرق.
فالذي أدعو نفسي وإياكم إليه: أن نحرص أن نعرف معنى ما نقول، إما بمطالعة الكتب الموثوقة أو بسؤال أهل العلم، الحمد لله العلماء فيهم خير.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في دينه، والعمل بما يرضيه واجتناب معاصيه.
الجواب: هذا السؤال متضمن عدة جمل لكن المهم منها: أن المعتكف يلتزم المسجد لطاعة الله عز وجل، ليتفرغ للطاعة، لأن الإنسان في بيته وسوقه يلهو عن الطاعة، فيتفرغ للطاعة، ويتفرغ لانتظار ليلة القدر لأن نبينا صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول يعني: يلتمس ليلة القدر، ثم اعتكف الأوسط يلتمس ليلة القدر أيضاً، ثم قيل له: إنها في العشر الأواخر فاعتكف العشر الأواخر، فينبغي أن يعلم المعتكف أنه ليس المراد من الاعتكاف أن يكون سحوره وفطوره في المسجد فقط، لا، المراد بالاعتكاف أن يتفرغ للطاعة، وأن ينتظر ليلة القدر.
ويدخل المعتكف من غروب الشمس يوم عشرين، ويخرج منه بغروب الشمس آخر يوم من رمضان سواء ثلاثين أو تسعة وعشرين، متى ثبت دخول شوال انتهى زمن الاعتكاف.
فالاعتكاف مشروع في العشر الأواخر من رمضان في أي مسجد من المساجد سواء في المسجد الحرام أو في المسجد النبوي أو في المسجد الأقصى أو في مساجد القرية أو في مساجد المدينة، قال الله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187].
وأما ما روي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) فهذا إن صح الحديث -وأقول إن صح- لأن ابن مسعود رد على حذيفة لما جاء حذيفة يقول لـابن مسعود : [إن قوماً اعتكفوا في مساجد الكوفة وإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة] قال: [لعلهم ذكروا ونسيت، وحفظوا وغفلت] أو كلمة نحوها، وهذا ولا شك أنه يعتبر لمزاً من ابن مسعود لـحذيفة رضي الله عنه، يعني: أنت تقول وهم ربما حفظوا وأنت لم تحفظ، فأقول على تقدير صحة هذا الحديث: يحمل على الاعتكاف الكامل يعني لا اعتكاف كامل إلا في هذه المساجد الثلاثة، لأن هذه المساجد أفضل مساجد على وجه الأرض وهي التي تشد إليها الرحال، وأما أن نقول لمن اعتكفوا في المساجد ليس لكم اعتكاف فهذا بعيد من الصواب، وكيف يقول الله عز وجل: وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] بـ(ال) الدالة على الجمع وبـ(مساجد) الدالة على صيغة منتهى الجموع، ثم نقول: لا يدخل في هذا العموم إلا ثلاث مساجد، هذا ليس بصحيح.
أما ما ينبغي أن يفعله المعتكف: فيشتغل بالقراءة والذكر والصلاة، ولا بأس أن يتحدث قليلاً إلى أصحابه الذين معه في الاعتكاف أو الذين يدخلون لزيارته فإنه قد ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام كان معتكفاً فزارته صفية إحدى زوجاته رضي الله عنهن، ولكن لا يعني ذلك أن يجعل الإنسان أكبر وقت في اعتكافه أن يتحدث إلى أصحابه كما يوجد في بعض المعتكفين في المسجد الحرام أكثر أوقاتهم التحدث فيما بينهم فإن لم يكن فالنوم، نوم وحديث، أين الاعتكاف؟ الاعتكاف تفرغ لعبادة الله عز وجل.
أما ما يبطل الاعتكاف: فمباشرة النساء تبطل الاعتكاف، البيع والشراء يبطل الاعتكاف، وطبعاً المباشرة والبيع والشراء خارج المسجد يعني لو خرج الإنسان من المسجد لحاجة ثم باع أو اشترى أو باشر أهله فإن اعتكافه يبطل، يبطل أيضاً بالخروج لغير حاجة، فأما إذا خرج لحاجة مثل أن وجب عليه غسل فخرج يغتسل أو وضوء فخرج يتوضأ أو لئن لم يكن عنده من يأتي بطعامه وشرابه فخرج ليأكل ويشرب فهذه حاجة ولا بأس بها.
أما الخروج للطاعة: كشهود الجنازة، وعيادة المريض، واستماع الذكر والمحاضرات وما أشبهها، فهذه لا تجوز إلا إذا اشترطها عند دخوله الاعتكاف، كأن قال: يا رب! إني اشترط أن أعود فلاناً، أو أن أشيع فلاناً لو مات، أو ما أشبه ذلك.
وقد قسم العلماء رحمهم الله خروج المعتكف إلى ثلاثة أقسام:
قسم يجوز بلا شرط.
وقسم يجوز بشرط.
وقسم لا يجوز لا بشرط ولا بغيره.
فالذي يجوز بغير شرط هو الخروج لما لابد منه شرعاً أو لابد منه طبعاً.
الذي لابد منه شرعاً كأن يخرج إلى الوضوء أو إلى صلاة الجمعة إذا كان في غير مسجد جامع أو ما أشبه ذلك.
والذي لابد منه طبعاً كأن يخرج للبراز أو الأكل أو للشرب إذا تعذر من يأتي بهما، هذا جائز سواء اشترطه أم لم يشترطه.
الثاني: جائز بشرط، وهو العبادة التي لا تنافي الاعتكاف: كعيادة المريض، تشييع الجنازة، حضور محاضرة أو ذكر وما أشبه ذلك.
الثالث: ما لا يجوز لا بشرط ولا بغيره كأن يخرج لشيء ينافي الاعتكاف مثل أن يخرج لدكانه يبيع ويشتري يقول: الأيام هذه أيام موسم أيام عيد، أخرج أبيع وأشتري، أو إنسان يخرج ليتمتع بأهله يقول: إنه حديث عهد بعرس ويحب أن يتمتع بأهله نقول: لا بأس أن تتمتع بأهلك لكن لا تعتكف، فهذا لا يجوز لا بشرط ولا بغير شرط، لأنه يبطل الاعتكاف.
ولعلنا نقتصر على هذا الجزء، ونحتفظ بالأسئلة عند الأخ حمود، ونستودعكم الله إلى السنة القادمة إن شاء الله، ومن أراد أن يأتي بالعمرة فسيكون إن شاء الله لنا دروس في المسجد الحرام إن شاء الله تعالى.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر