أما بعــد:
فهذا هو اللقاء الرابع في هذا الشهر، شهر رمضان عام (1415هـ) الذي يتم في الجامع الكبير في عنيزة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكثر من مثل هذه اللقاءات بين أهل العلم وعامة الناس حتى ينتفع الناس بذلك، وحتى ينتفع العلماء بعلمهم؛ لأن العلم إنما ينتفع به إذا عمل الإنسان به في نفسه، وعمل الناس به من أجله. نسأل الله أن يرزقنا جميعاً علماً نافعاً، وعملاً صالحاً متقبلاً، ورزقاً طيباً واسعاً يغنينا به عن خلقه.
لقاؤنا هذا تكملة لما سبق من بيان الزكاة، وقد سبق في اللقاء الماضي أن تكلمنا على الزكاة من حيث رتبتها في الإسلام، وفضلها، والوعيد فيمن بخل بها، وعلى الأموال الزكوية وذكرنا ضابطاً فيما تجب فيه الزكاة، وهذا الضابط هو أنها تجب في الأموال النامية حقيقة أو حكماً، والنمو يعني: الزيادة، وقولنا: حقيقة يعني أن المال ينمو حقيقة، وقولنا: حكماً يعني أنه لا ينمو ولكن في حكم النامي كعروض التجارة مثلاً، فإن عروض التجارة ربما تخسر وربما تزيد، وكالنقود التي أودعها الإنسان ولا يشتغل بها.
وتكلمنا على أن الزكاة أيضاً لا تجب إلا في الأموال النامية وبينا شيئاً منها، وهو وجوب زكاة الذهب والفضة على أي حال كانت، وعروض التجارة أيضاً، فما هي عروض التجارة؟
كل مال أعد للتجارة حتى وإن كانت الزكاة لا تجب في عينه فهو عروض تجارة، الآن هذه الأكواب من الماء ليس فيها زكاة، لكن لو يتخذ الإنسان تجارته من هذه الأكواب وجبت فيه الزكاة، ثيابنا التي علينا ليس فيها زكاة لكن لو أن الإنسان اتخذ متجراً للثياب وجبت فيها الزكاة، هذه عروض تجارة.
والرابع: المواشي وهي خاصة في ثلاثة أنواع: الإبل والبقر والغنم، وأما الخيل فلا زكاة فيه، وأما الضبـي فلا زكاة فيه، وأما الدجاج فلا زكاة فيه، وأما الحمام فلا زكاة فيه، إنما الزكاة في قيمته إن أعد للتجارة، وأما عينه فلا، لا تجب الزكاة في البهائم بأعيانها إلا في ثلاثة أصناف هي: الإبل والبقر والغنم، لكن لا تجب فيها إلا بشرطين: أن تكون سائمة، وأن تبلغ النصاب، فما هي السائمة؟
السائمة: التي ترعى مما أنبته الله عز وجل من العشب ونحوه السنة كلها أو أكثر السنة، هذه السائمة، فأما التي تعلف السنة كلها أو أكثرها فليست سائمة، يعني ما فيها زكاة.
لو كان الإنسان عنده مائة شاة يعدها للنماء ينميها وكلما توالدت باع أولادها أو أبقى أولادها للنماء ولكنه يعلفها فإنه لا زكاة فيها ولو بلغت قيمتها آلافاً، لماذا؟ لفقد شرطٍ من شروط وجوب الزكاة. ما هو؟ السائمة، ليست تسوم هذه لأن السوم هو الرعي، قال تعالى: وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ [النحل:10].
حسناً.. إنسان عنده تسعٌ وثلاثون شاة سائمة من نماء فهل فيها زكاة؟ لا. لماذا؟ لأنها لم تبلغ النصاب، إذ أن النصاب أربعون شاة، فأول نصاب في الغنم أربعون شاة، وأول نصاب في الإبل خمس، وأول نصاب في البقر ثلاثون.
إنسان عنده خمس شياه يتجر فيها، ويبيع ويشتري، اليوم يكون عنده خمس وغداً عشر وبعد غدٍ ما عنده شيء؛ لأنه باع .. فهل فيها زكاة؟ ما بلغت أربعين، ولكن هذه عروض تجارة فيها الزكاة إذا كانت تبلغ نصاباً أو عنده ما يكمل به النصاب.
هذا ما نريد أن نتكلم عليه من الأموال الزكوية، الذهب والفضة وعروض التجارة وبهيمة الأنعام، وهي ثلاثة أصناف: إبل وبقر وغنم.
أما زكاة الزروع والثمار فلا نطيل الكلام فيها لأنها لطائفة مخصوصة ولا تأتي إلا في السنة مرة.
وقد فرض الله تعالى للزكاة ثمانية أصناف، بينها جل وعلا في قوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60] كم هؤلاء؟ ثمانية.
فإن قال قائل: هذا لا ينضبط لأن الإنسان لو فرضنا عنده مائة ألف وعنده عائلة هل يتيقن أن هذه المائة الألف تكفيه لمدة سنة؟ لا. لأنه قد يسرق، وقد تزيد الأشياء غلاءً فاحشاً وترتفع، وفي تقديرنا أنه يكفيه لكن مع ارتفاع الأسعار لا يكفيه، إذاً: ما هو الضابط؟
الضابط يمكن أن يقرب فيقال مثلاً: إنسان عنده راتب ولا يكفيه الراتب للسنة، لنفرض أن راتبه ثلاثة آلاف ريال، ولكنه ينفق في الشهر خمسة آلاف ريال ماذا تقولون في هذا؟ أفقير هو؟ نعم فقير، لأنه لا يجد الكفاية، كفايته خمسة آلاف وراتبه ثلاثة، نعطيه.
إنسان راتبه سبعة آلاف لكن عنده جماعة كثيرة، لا يكفيه إلا عشرة نعطيه؟
الراتب سبعة لكن الإنفاق أكثر، كم نعطيه إذا كان ينفق عشرة آلاف في الشهر وعنده سبعة؟ نعطيه ثلاثة آلاف في الشهر، اضربها في اثني عشر، فنعطيه ستة وثلاثين ألفاً، نكمل سنة.
لماذا نكمل له سنة لا نكمل له بقية حياته، ما هو الجواب؟
أولا: لا ندري متى يموت.
ثانياً: يكون في هذا إجحاف على بقية الفقراء، لكن نعطيه لمدة سنة؛ لأنه بعد السنة سوف يعطى من الزكاة مرة ثانية فتزول حاجته.
أقول: لا. المؤلفة قلوبهم هم الذين يعطون لتأليف قلوبهم على الإسلام، هؤلاء هم المؤلفة قلوبهم، تؤلف قلوبهم على الإسلام، إنسان كافر لكن نرى أنه يحب أن يسلم، فنعطيه من الزكاة لعل الله أن يهديه، إنسان مؤمن لكن ضعيف الإيمان، عنده شيء من الفسوق، والخروج عن الطاعة نعطيه ونؤلف قلبه من الزكاة.
لكن اشترط أكثر العلماء أن يكون المؤلف من ذوي السيادة، يعني: أنه سيد في قومه، لأن هذا السيد إذا قوي إيمانه نفع الله به أمته، وأما الفرد من الناس فلا يعطى لتأليف قلبه ولو على الإسلام، وهذا قول جمهور العلماء، والصحيح أن الإنسان الفرد يعطى لتقوية إسلامه، لأننا إذا أعطيناه من أجل أن يشتري ثوباً يلبسه، أو رغيفاً يأكله، أو كأساً يشربه، وهذا غذاءٌ جسدي، فلماذا لا نعطيه لنغذيه غذاءً قلبياً دينياً، فالصحيح أن المؤلف لا يشترط به أن يكون ذا سيادة وشرف في قومه، ذكرنا الآن إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ [التوبة:60] أربعة أصناف، هؤلاء لابد أن تسلمهم الزكاة وإذا سلمتهم الزكاة ملكوها ملكاً تاماً، لأن الله تعالى ذكر استحقاقهم باللام (للفقراء) واللام تدل على التمليك.
الغارم: من في ذمته حق ماليٌ لا يستطيع وفاءه.
مثلاً: إنسان اقترض من شخص مالاً، وعجز عن وفائه، هذا غارم أم غير غارم؟
غارم.
إنسان آخر اشترى من شخص سيارة ثم عجز عن وفائها هذا أيضاً غارم، إنسان اشترى حوائج لبيته وعجز عن تسديدها هو أيضاً غارم، إنسان تزوج واستقرض لزواجه وعجز عن الوفاء، هل هو غارم؟ نعم.
إذاً: الغارم هو كل من في ذمته حق مالي عجز عن وفائه من ثمن مبيع، أو أجرة، أو قرض، أو ضمان متلف، أو غير ذلك، هذا الغارم.
هل يشترط تمليك الغارم؟ بمعنى أن أقول للغارم: خذ هذه الزكاة أوف بها، أو لا يشترط؟
لا يشترط لأن الله قال (الغارمين) عطفاً على قوله: (في الرقاب) ومعلوم أن الرقاب لا يشترط تمليكها، أنت تشتري العبد، ولا تملكه هذا المال، تشتري العبد بالزكاة وتعتقه، ولا تملكه الزكاة، إذاً: الغارم لا يشترط تمليكه، وعلى هذا فلو ذهبت أنت إلى الطالب الذي يطلب الغارم وقلت: يا فلان! أنت تطلب فلاناً كذا وكذا فيقول: نعم، تقول: تفضل، هذا الطلب تبرأ بذلك ذمتك أو لا، إذا قال قائل: الغارم ما علم ولا درى، نقول: وإن لم يكن يعلم لأنه لا يشترط تمليك الغارم.
هل يجوز إسقاط الدين عن الغارم من الزكاة؟
بمعنى أن يكون علي زكاة تبلغ ألف ريال، ولي غارم مطلوب بألف ريال لكنه فقير، فأقول يا فلان! أسقطت عنك ألف ريال عن زكاتي هل يجزئ؟ لا يجزئ، لماذا؟ أولاً: لأن الزكاة أخذ وإعطاء خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103] هذا في القرآن، وفي السنة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـمعاذ بن جبل : (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم) لابد من أخذ وإعطاء.
ثانياً: الزكاة عن شيء معين بيدك تملكه، والدين في ذمة الفقير هل هو بيدك؟ لا. ولا تملكه، لكن كما يقول العوام: عبد ابن غنام يوم ألوى في البئر قال له السيد: أنت عتيق، وتعرفون هذه القصة.. قصة عبد رقيق عند سيده، يؤذيه سيده ويكده ويتعبه ليلاً ونهاراً فيطلب منه العتق، يا سيدي! أعتقني .. حررني .. فكني، ولكن يأبى، وفي يوم سولت لهذا العبد نفسه قال: البئر أو ابن غنام -ابن غنام سيده- فوقف على البئر وألقى نفسه في البئر، وفي حال هويه في البئر إذا سيده ينظر قال: أنت عتيق حر لله، حسناً.. متى قالها؟ بعد أن سقط في البئر، فلذلك صارت مضرب المثل إن صحت القصة فالله أعلم.
على كل حال هذا الإنسان الذي عنده مثلاً مائة ألف وزكاتها بقدر ما في ذمة الفقير إذا أسقط عن الفقير وقال: أريدها من الزكاة نقول ما يصير هذا، المال الذي بيد الفقير مثل التالف ولا يجزي، قال شيخ الإسلام رحمه الله: والدين لا يجزئ زكاة عن العين بلا نزاع.
سؤال ثان: هل يجوز أن أقضي دين الميت من الزكاة؟
إنسان ميت ليس له تركة، عليه دين هل يجوز أن أؤدي دين هذا الميت من الزكاة؟ لا. لا يجوز لماذا؟
أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقضي دين الأموات من الزكاة، أبداً، ولهذا كان إذا قدمت له الجنائز قال: هل عليه دين؟ إن قالوا: نعم، قال: له وفاء؟ إن قالوا: لا. قال: ما أصلي عليه، صلوا عليه أنتم ولا يصلي عليه مع أن الزكاة عنده، والصدقة عنده، لما فتح الله عليه وكثرت المغانم وكثرت الأموال صار يقول: إذا قيل هذا الميت عليه دين، قال: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم) كما قال ربه عز وجل: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب:6] ثم قال: (من ترك ديناً فعلي، ومن ترك مالاً وضياعاً فلورثته) إذاً قضاء الدين على الميت من الزكاة لا يجزي، لأن الرسول ما كان يقضيه. هذه واحدة.
ثانياً: أيهما أولى أن نقضي دين الميت الذي قدم على ربه، وإذا كان قد أخذ أموال الناس يريد أداءها فإن الله يؤدي عنه كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه)، أو أقضي دين الأحياء الذين ذل الدين على وجوههم؟ أيهم أولى؟ الأحياء لا شك، ولهذا يقال: الدين هَمٌّ في النهار، وسهر في الليل، هذا صحيح، وذل أيضاً، ولهذا تجد الإنسان المستغرق بالدين يتحاشى الناس، إذاً من الأولى: هذا الميت الذي قدم على ربه وربما يكون أخذ أموال ناس يريد أداءها فيؤدي الله عنه أو هذا الحي؟ الحي.
ثالثاً: لو قلنا بجواز صرف الزكاة في ديون الأموات لكان الناس يفتشون في الدفاتر القديمة يكون سابع جد من أجداده عليه دين، يقول: والله بقي أن أؤدي الزكاة لهذا المدين، ثم إذا تابع السابع .. السادس .. الخامس .. الرابع .. الثالث .. الثاني .. الأول؛ تذهب أموال الناس كلها في قضاء ديون الأموات؛ لأن عاطفة الناس على الأموات أكثر من عاطفتهم على الأحياء فيقول: ارحم هذا الفقير المرتهن بدينه في قبره، ارحمه وأعطه زكاتك واقض ديون الأموات، ثم يذهب الرجل ينظر في دفاتر الناس هل على أبيك دين، أو جدك، أو جدتك، أو أمك، أو أختك؛ فتنتهي الزكاة للأموات.
لذلك حكى بعض العلماء -كـابن عبد البر رحمه الله- إجماع العلماء على أن الزكاة لا تدفع في دين الميت، لكن الصحيح أن فيها خلافاً لكنه خلاف مرجوح، فالراجح أنها لا يقضى بها على ميت، وقد عرفتم وجه ذلك من دلالة السنة على هذا ودلالة النظر، هذا في الغارمين.
أولاً: واقع النساء في الأسواق حيث إن بعض المحلات لا تغلق إلا في الساعة الثانية ليلاً.
ثانياً: الشباب على الأرصفة وفي البراري يسهرون الليل مع طوله على الورق واللعب والدشوش، أرجو إحياء نفوسنا بنصيحة ينفع الله بها، وما هو دور طلبة العلم وأهل الصلاح في مثل هذه الأمور؟
الجواب: نحن نشكر الأخ على هذا السؤال ونرى أنه لابد من معالجة المشاكل الاجتماعية؛ وذلك لأن الله تعالى قال: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي [يوسف:53] ولكن يا إخوان! المواضع لها أناس، والأحكام لها أناس، فكم من إنسان عنده فقه كبير في الدين، والفقه في الدين هو الفقه المحمود، وهو الذي قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) والفقه في الواقع وسيلة فقط لتطبيق الأحكام الشرعية عليه، لكن الفقه المحمود الذي يرفع الله به الدرجات إنما هو فقه الدين، فالناس يختلفون، هذا رجل عالم بأحكام الدين يعلم الناس، ويفتح للناس باب الاستدلال في الكتاب والسنة، وهذا إنسان عالم بالواقع يتتبع أحوال الناس وينظر فيها؛ لكن قد يكون قاصراً في الفقه في الدين، وكل واحد من الفقهين يكمل الآخر، لكن من الناس من يعطيه الله تعالى حسن إلقاء في الوعظ، تجده يحرك القلوب، وينشط أهل الخير، وبضاعته من العلم الشرعي مزجاة، لكن أعطاه الله تعالى بياناً وفصاحة وقدرة، وأهم شيء عندي أنا هو معرفة الناس بأحكام الشريعة، حتى لا يعبد الله على جهل، ولا سيما في هذا الوقت الذي كثر فيه المتعالمون، الذين يقدمون على الفتوى وكأنها لعقة عسل، أو حبة حلاوة، ويستشرفون لها ويتطلعون، ويريدون أن يتصدروا المجالس، وأن يتزببوا قبل أن يتحصرموا.
لذلك كان واجباً على طلبة العلم العناية بمعرفة الأحكام الشرعية قبل أن يسحب البساط من تحت أرجلهم، ويتولى الفتيا من ليس أهلاً لها، وهناك أناس عندهم قدرة على الموعظة والتأثير أكثر من غيرهم، ونحن نضرب لكم مثلاً برجلين من العلماء المشهورين، ابن الجوزي رحمه الله صاحب التبصرة الواعظ المشهور، عنده قدرة على الموعظة مؤثرة، يجتمع عند موعظته آلاف الناس، وإذا تكلم في الوعظ ربما يصعق بعض الناس ويموت من قوة التأثير، وشيخ الإسلام ابن تيمية لا يستطيع مثل ذلك مع أن انتفاع المسلمين ونفع الإسلام بـشيخ الإسلام أكثر بكثير؛ لأن عنده من العلم والفقه ما ليس عند ابن الجوزي فالله تعالى خلق وفرق، وليس الناس سواء، أنا من الذين لا يستطيعون المواعظ المؤثرة مثل بعض الناس، ولكن مع ذلك الذي طلبه الأخ السائل سهل ولا يحتاج إلى كبير عناء.
أقول: إن مشكلة النساء في الواقع من عدة أوجه:
أولاً: أن بعضهن نزع منهن الحياء -والعياذ بالله- فصارت الأنثى تتطلب الأزياء الكاشفة العارية من حيث لا تشعر، تشتري المرأة ما يسمى بالبردة لتطلع على لباس الكافرات وتقلدها، ثم تدعي أنها تخيطها خياطة إسلامية، إذا كانت خياطة إسلامية ليس مضاهاة لها، وإذا قدر أنها في هذه السنة خيطت خياطة إسلامية؛ في السنة الأخرى لا تخاط، لأننا نعرف أن الشر يتصاعد ولا يتناقض، هذه محنة إلى حد أن المرأة ذهبت تطلب أن تلبس البنطلون، امرأة تلبس البنطلون!! نحن رجال نستحي أن نمشي بالبنطلون حتى فيما بيننا، لا يستطيع الإنسان أن يمشي بالبنطلون؛ إلا أناس اعتادوها فيما بينهم في بلادهم، يا شباب! ما الفائدة من البنطلون للمرأة، إلا أنه يصف الحجم فخذها كبير! فخذه صغير! عجيزتها كبيرة! عجيزتها صغيرة! ثديها صغير! ثديها كبير! هذا هو حتى لو كانت المرأة في الوقت الحاضر تلبس بنطلوناً واسعاً؛ سيجيء الوقت عن قريب الذي تلبس فيه البنطلون الضيق، كما هي العادة الجارية.
ثم إن البنطلون من لباس الرجال، يعني: على فرض أنه ساتر من كل وجه؛ واسع، وفضفاض، وطويل فإن فيه التشبه بالرجال، من الذي يلبس البنطلون حتى في البلاد الأخرى؟ إما كافرات، وإما رجال اعتادوه، ففيه تشبه إما بالكافرات، وإما بالرجال.
ثانياً: عند النساء أيضاً قلة حياء في كشف الوجه، فتجد بعض النساء تلبس (ردفة) خفيفة جداً يظهر منها الوجه، وربما تكسو الوجه جمالاً أكثر مما لو كان مكشوفاً، وتدعي أن هذا هو الحجاب الشرعي، الحجاب الشرعي هو ما شرعه الله ورسوله، وأين في كتاب الله أو سنة رسوله جواز كشف الوجه للأجانب؟ أين ذلك؟
نقول لكل امرأة: أرينا آية من كتاب الله، أو حديثاً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام صحيحاً يدل على جواز كشف الوجه؟ أبداً ما هناك إلا حديث أسماء بنت أبي بكر المنكر متناً الضعيف سنداً، وهذا لا عبرة به بإجماع العلماء، أن الحديث الضعيف سنداً أو المنكر متناً لا يحتج به، لأن من شرط الصحيح أن يكون رواه عدل تام الضبط بسند متصل، وأن يسلم من الشذوذ والعلة القادحة، وإنكار المتن علة قادحة لا شك.
يقول هذا الحديث أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على الرسول عليه الصلاة والسلام بثياب رقاق -انظر بثياب رقاق يعني تصف ما وراءها- فأعرض عنها، وأسماء بنت أبي بكر في ذلك الوقت يمكن لها ثمانية عشر سنة، هل يمكن لامرأة بهذا الشباب تدخل على سيد المرسلين بثياب رقاق تصفها، يقول: فأعرض عنها ثم قال: (إن المرأة إذا بلغت سن المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى الوجه والكفين) هل يعقل هذا؟
لا يعقل، فالمتن منكر، ثم يسأل كل إنسان نفسه، أيهما أشد فتنة القدم أو الكف؟ القدم أشد فتنة؟ الله لا يقلب رءوسنا! لو أن امرأة أخرجت كفها وامرأة أخرجت قدمها أيهما أشد فتنة؟ الكف لا شك، ثم نقول: أيهما أشد فتنة امرأة ظهر قدمها أو ظهر وجهها؟ الثاني لا شك، هل يعقل أن الشريعة التي نزلت من لدن حكيم عليم أن تبيح للمرأة إظهار الوجه الجميل، ويجب عليها أن تستر الرجل المشوهة، هل يعقل؟ الشريعة من لدن حكيم خبير، لا يمكن أبداً أن يفرق الله بين متماثلين، أو يجمع بين مختلفين، فكيف بين شيئين متباعدين، فرق بين إظهار الوجه وإظهار القدم، ولهذا كلما تدبر الإنسان هذا القول وجده في غاية الضعف، أعني القول بأنه يجوز كشف الوجه.
ثم على فرض أنه جاز كشف الوجه، يجب أن يمنع لأنه ذريعة لكشف ما وراء الوجه، وانظر البلاد التي رخص علماؤها بكشف الوجه للمرأة هل اقتصرت المرأة على الوجه؟ أبداً، أخرجت الوجه والرأس والرقبة والساق والرجل، وسد الذرائع من الطرق الشرعية الثابتة.
انظر إلى قول الله تعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108] سب آلهة المشركين مطلوب، والله تعالى يسبها بأنها لا تسمع ولا تبصر ولا تجيب دعاءً، ومع ذلك إذا كان سب آلهة المشركين يؤدي إلى سب الله فيمنع لأنه ذريعة، وليس هو بعلة وسبب، بمعنى: متى وجد سب الآلهة وجد سب الله؛ فهو في هذه الحال ذريعة، فحرم الله هذه الذريعة؛ لأنها تؤدي إلى محرم.
كشف الوجه لو قلنا بجوازه، لقلنا بمنعه؛ لأنه يؤدي إلى شيء محرم لا شك فيه، ولهذا نسأل دائماً عن النقاب -وهو البرقع- وهل تغطي المرأة وجهها بشيء ليس فيه إلا نقب للعينين، ولهذا يسما نقاباً، هل يجوز أم لا؟ إن قلت: لا يجوز مشكلة، وإن قلت: يجوز مشكلة أيضاً، فنقول: النقاب في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام معروف، كان النساء ينتقبن في عهد الرسول لا شك، والدليل على ذلك أنه قال في المحرمة: (لا تنتقب) فدل ذلك على أنه لباسٌ معروف؛ وإلا لم يكن لنهي المحرمة عن الانتقاب فائدة.
ولكن إذا كان النقاب ذريعة إلى شيء لا يجوز؛ فيمنع، وإن كان جائزاً وهو ذريعة إلى ما لا يجوز تفتح المرأة هذه السنة لعينيها فقط، وبعدئذٍ يتوسع النقب، إلى الحاجب، والوجنة، وبعد ذلك لا يشعر، أوسع، حتى يزول الحياء عن المرأة، وإذا زال الحياء عن المرأة فلا تسأل! كل شيء يمكن يسهل معها.
فنقول نحن: النقاب جائز ولا إشكال فيه عندنا لكننا نمنعه ونقول: تغطي المرأة وجهها كاملاً خوفاً من أن يترقى الأمر إلى شيء محرم.
ثالثاً: ومما نعانيه من النساء كثرة تجولهن في الأسواق بدون حاجة، وهذا خطر عليهن من الفساق، وخطر منهن على المعتدلين، لماذا تتجول في السوق، بيتها خير لها، إذا كانت تريد حاجة فلتطلب من محرمها أن يقضي لها هذه الحاجة، أو تذهب على الأقل مع المحرم ويقف هو على صاحب الدكان ويقول: هاتي الحاجة الفلانية ويعرضها عليها.
وكذلك أيضاً من مشاكل النساء أن بعضهن تمشي في الأسواق مشية الرجال .. بقوة .. وكلام .. وحديث، وهذا من المشاكل.
رابعاً: من المشاكل أيضاً ما أشار إليه السائل أنها تخرج في الليل -بعد منتصف الليل- ربما تخرج معها امرأة أخرى وتكلم الرجل، ورأيت بعض النساء يدخلن في الدكان وليس في الدكان إلا البائع فقط، وكل هذا خطر عظيم.
المسئول الأول: كل امرأة مسئولة عن نفسها، عليها أن تتقي الله عز وجل، وأن تحذر من هذا، ثم المسئول بالدرجة الثانية وليها من الرجال؛ لأن الله قال: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34] وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً [التحريم:6] فالواجب على الرجال أن ينتبهوا، سبحان الله بعض الرجال لو ضاعت له غنمة واحدة سهر الليل يطلبها، أين ذهبت؟ ماذا فيها؟ بينما هو مهمل أبناءه وبناته الذين بصلاحهم فلاحه، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
وأما ما أشار إليه السائل من جلوس الشباب على الأرصفة، وضياع الوقت ليس في أمر مباح فقط؛ بل في أمر محرم، فهذا أيضاً مشكلة اجتماعية، ويجب على أهل العقل والدين من أهالي البلاد أن يدرسوا هذا بعناية، وأن يتصلوا بالمسئولين، ويقولوا: نحن إن قدرنا أننا نقدر على أولادنا؛ فلا نقدر على أولاد الناس، ويجب على المسئولين أن يتخذوا الاحتياط التام لمراقبة هؤلاء، فالجلوس على المحرم لا يمكن إقراره، أما الجلوس على غير المحرم فلا نقول: إنه حرام، لكن نقول: إنه ضياع وقت، ولقد كان نبينا صلوات الله وسلامه عليه يكره الحديث بعد صلاة العشاء، فكيف بإمضاء نصف الليل أو أكثر من نصف الليل بدون فائدة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر