الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعــد:
فإننا في هذه الليلة نلتقي اللقاء الثاني للكلام على ما يتعلق بالعمرة والحج؛ وذلك لأن معرفة ما يتعلق بالعمرة والحج أمر مهم جداً، فإن مسائله كثيرة متشابهة تشتبه حتى على طلاب العلم، ولهذا ينبغي أن يعتني الإنسان بمعرفة أحكام الحج والعمرة وما يتعلق بذلك حتى يؤدي هذا النسك على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى.
سبق لنا أن قلنا: إن الحج والعمرة لا يجبان إلا بشروط وهي: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والاستطاعة، خمسة شروط لا يجب حج ولا عمرة إلا باستكمال هذه الشروط.
الإسلام والعقل شرطان للوجوب وللصحة، ولهذا لا يصح الحج ولا العمرة من كافر، ولا يصح الحج ولا العمرة من مجنون، والبلوغ شرط للوجوب والإجزاء وليس شرطاً للصحة، فما هو الدليل أن البلوغ ليس شرطاً للصحة؟
حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة رفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبياً، فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم. ولك أجر)، والحرية شرط للوجوب والإجزاء وليست شرطاً للصحة؛ لأن الرقيق عاقل مسلم فيكون حجه وعمرته صحيحاً ولكن لا يجب عليه الحج ولا العمرة ولا يجزئ عنه، وهذه المسألة فيها خلاف، والقول الراجح: أن الرقيق إذا حج فحجه صحيح مجزئ إذا كان بالغاً عاقلاً مسلماً، والاستطاعة شرط للوجوب فقط، فلو أن الإنسان تكلف الحج وحج مع المشقة فحجه صحيح مبرئ للذمة، وذكرنا فيما سبق أن الاستطاعة وضدها العجز تكون بالمال وبالبدن، فالاستطاعة بالمال والبدن شرط للوجوب والأداء، والاستطاعة بالمال دون البدن شرط للوجوب دون الأداء، ولهذا من كان عاجزاً عن الحج والعمرة عجزاً لا يرجى زواله وعنده مال فإنه يلزمه أن يقيم من يحج عنه وأن يعتمر.
ثم إن الإنسان إذا أراد الإحرام فإن له آداباً ينبغي له أن يقوم بها، منها:
الاغتسال
أن يغتسل كما يغتسل للجنابة، ولا فرق في هذا بين الذكر والأنثى ولا بين المرأة الحائض والطاهر، ولهذا لما ولدت
أسماء بنت عميس زوجة
أبي بكر رضي الله عنه
محمد بن أبي بكر في
ذي الحليفة أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم كيف تصنع، قال: (
اغتسلي واستذفري بثوب وأحرمي) فالاغتسال سنة لا يجب للإنسان أن يدعها إلا إذا لم يجد الماء أو خاف ضرراً باستعماله، وإذا لم يجد الماء أو خاف ضرراً باستعماله، فهل يتيمم لأنه غير قادر على الماء أو لا يتيمم؟ في هذا أيضاً خلاف بين العلماء، وذكرنا فيما سبق أن شيخ الإسلام
ابن تيمية يقول: إنه لا يتيمم؛ لأن هذا ليس عن جنابة والتيمم إنما ورد فيما إذا كان الغسل عن حدث أو الوضوء عن حدث.
التطيب
التجرد من الثياب ولبس الإزار
وينبغي أيضاً: أن يتجرد من الثياب ليلبس إزاراً ورداءً، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (
ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين) فيلبس الإزار والرداء، ويتجرد من المخيط، والأفضل أن يكون الإزار والرداء أبيضين نظيفين أو جديدين.
هذا بالنسبة للرجل، أما بالنسبة للمرأة فلتلبس ما شاءت من الثياب، غير أنها لا تتبرج بالزينة، بل تلبس ثيابها العادية ولا حرج عليها.
هل يشرع أن يطيب ثوب الإحرام؟
الجواب: لا. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس) فلا يجوز للإنسان أن يطيب الإزار والرداء، ولا أن تطيب المرأة ثيابها التي تحرم بها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس) وبعد هذا يَشْرَعُ في النسك، أي: ينوي الدخول فيه كما ينوي الإنسان الدخول في الصلاة، فينوي أنه دخل وتلبس بالنسك، ويلبي ويذكر نسكه فيقول: لبيك اللهم عمرة إذا كان معتمراً، ويقول: لبيك اللهم حجاً إذا كان حاجاً، وإن كان قارناً قال: لبيك عمرة وحجاً، وهل يقول: لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج؟ الجواب: لا. لا حاجة أن يقول هذا لأن مجرد نية الإنسان الحج في هذا العام هو التمتع في الواقع، فالتمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ثم يحرم بالحج في عامه، ولا حاجة أن يقول: متمتعاً بها إلى الحج. بل يقول: لبيك عمرة. وإذا كان من نيته أن يحج فهذا هو التمتع.
وهل يشترط عند الإحرام أن محله حيث حبس فيما لو حبسه حابس؟ فيه خلاف بين العلماء، والقول الراجح: أنه لا يشترط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط، إلا إذا كان يخشى من عائق يمنعه من إتمام النسك، فإذا كان يخشى من ذلك كما لو كان يخشى أن يفوته الوقوف بـعرفة أو يخشى أن يمرض أو ما أشبه ذلك فإنه لا بأس أن يشترط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـضباعة بنت الزبير وقد أتت إليه تخبره أنها تريد الحج وأنها شاكية، قال: (حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني فإن لك على ربك ما استثنيت).
أما من كان لا يخاف من عائق فالأفضل ألا يشترط وأن يعتمد على الله وأن يحسن الظن بالله، فإن هذا هو الأتبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قال قائل: الحوادث يخشى منها؛ كحوادث السيارات، والإنسان إذا أصيب بالحادث ربما لا يتمكن من إتمام النسك أفلا نقول أنه يشرع الاشتراط على كل حال؟
فالجواب: لا. أولاً: لأن الحوادث لو نسبتها إلى السيارات لوجدت أنها قليلة جداً، آلاف السيارات وتجد الحوادث لا تتجاوز المائة، فالحوادث قليلة، ثم إن الحوادث موجودة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ومع ذلك لم يشرع لأمته أن يشترطوا على كل حال، ألم تسمعوا قصة الرجل الذي وقصته ناقته وهو واقف بـعرفة حتى مات، فهذه حادثة، فالحوادث موجودة حتى في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وإلى يومنا هذا، لكن الأصل السلامة فالأفضل إذاً ألا تشترط إلا إذا خفت من عائق يمنعك من إكمال النسك.
وهل تهل بالنسك إذا ركبت أو إذا علوت على البيداء إن كنت محرماً من ذي الحليفة أو من مكان الصلاة التي عقدت الإحرام بعدها؟ في هذا خلاف بين أهل العلم أيضاً بناء على اختلاف الروايات في هذا، والراجح: أن الروايات المختلفة يمكن الجمع بينها بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَهلَّ دبر الصلاة فسمعه قوم، فقالوا: أهل دبر الصلاة، ولما ركب أهل فسمعه قوم، فقالوا: أهل حين ركب، ولما علا على البيداء أهل فسمعه قوم، فقالوا: أهل حين علت به ناقته على البيداء، وهذا الجمع جمع حسن، وعلى هذا فيكون الإهلال من حين أن تنتهي الصلاة؛ لأن المشروع أن يهل الإنسان عقب صلاة، فإذا وصلت إلى الميقات مثلاً في الضحى وتغسلت وحان وقت صلاة الظهر فصل الظهر ثم أحرم إذا فرغت من الصلاة، وإن لم تبق حتى صلاة الظهر فصل ركعتين سنة الضحى مثلاً وأحرم بعد هاتين الركعتين، وإن لم يكن وقت ضحى فصل ركعتين تنوي بهما سنة الوضوء، وأحرم بعدهما، وإن لم تفعل وأحرمت بدون دبر الصلاة فإحرامك صحيح.
ثم تسير إلى مكة متجهاً إليها، وتلبي إلى أن تشرع في الطواف إن كنت في العمرة، أو إلى أن ترمي جمرة العقبة يوم العيد إن كنت في حج، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان صفة الحج والعمرة في مكان آخر، ولكننا الآن نتكلم على الذي يترتب على الإحرام.
ما الذي يترتب على الإحرام؟
يترتب على الإحرام اجتناب محظورات الإحرام، واجتناب جميع المحرمات، لقول الله تعالى فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197] فمن حين أن يحرم الإنسان بحج أو عمرة تترتب عليه أي: على إحرامه أحكام الإحرام من تجنب المحظورات، ولنبدأ بالمحظورات حتى نعرفها ونتجنبها، فالمحظورات:
الطيب
أولاً: الطيب، فلا يجوز للإنسان بعد نية الإحرام أن يتطيب، والدليل على ذلك: حديث
ابن عباس رضي الله عنهما في الرجل الذي وقصته ناقته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (
لا تحنطوه) أي: لا تجعلوا فيه طيباً، لأن الحنوط أخلاط من الطيب يطيب بها الميت، وهذا دليل على أنه لا يجوز للإنسان بعد نية الإحرام أن يتطيب، ولكنه قبل نية الإحرام يتطيب، وإذا بقي الطيب بعد نية الإحرام فلا حرج عليه، كما قالت
عائشة رضي الله عنها: (
كنت أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم) فإذا قال قائل: ما تقولون فيما إذا تطيب الإنسان قبل الإحرام وبقي الطيب ومسه الإنسان، أي: مس الطيب لغرض صحيح؛ كمسح رأسه في الوضوء وتخليل شعره في الغسل، وفي هذه الحال لابد أن يمس الطيب فهل يلزمه فدية ذلك؟
الجواب لا. لا يلزمه في ذلك فدية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتطيب قبل إحرامه وينظر إلى وبيص المسك في مفارقه، وهو يتوضأ بلا شك ويغتسل ويفرك رأسه، ولابد أن يعلق بيده شيء من الطيب، لكنه لم يستأنف الطيب بعد الإحرام، فهذا لا يضر، أولاً: لأن ذلك ظاهر السنة، والثاني: لأن التحرز منه شاق؛ لا يمكن للإنسان أن يتحرز من الطيب الذي تطيب به قبل الإحرام.
الطيب الذي يجب على المحرم أن يتجنبه، هل هو خاص بطيب الثوب أو بطيب البدن، أو بطيب المأكول أو المشروب أو المفروش أم ماذا؟
نقول: هو عام، فلا يجوز للإنسان أن يستعمل الطيب بعد نية الإحرام لا في ثيابه ولا في بدنه، ولا في أكله ولا في شربه، ولا في أدوات التغسيل، وعلى هذا: فلا يجوز للمحرم أن يشرب قهوة فيها زعفران؛ لأن الزعفران من الطيب، وإذا شربها فقد مس الطيب، وكذلك أيضاً: لا يجوز أن يرش على فراشه شيئاً من الطيب ثم يضطجع عليه لأن هذا استعمال للطيب، هذا واحد من محظورات الإحرام.
الجماع ووسائله وذرائعه
الثاني: الجماع ووسائله وذرائعه، لقول الله تعالى:
فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ -والرفث هو: الجماع- وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197] فلا يجوز للمحرم أن يجامع زوجته بعد نية الإحرام، ولا تجوز مقدمات الجماع كالتقبيل واللمس بشهوة وما أشبه ذلك، بل ولا يجوز عقد النكاح الذي قد يكون ذريعة إلى الجماع وانشغال القلب بالزوجة الجديدة، بل ولا يجوز أن يخطب الإنسان امرأة؛ لأن هذا ذريعة إلى العقد ثم الدخول؛ ولأن هذا يوجب انشغال القلب عن النسك، فهذه أربعة أشياء: الجماع، ومقدمات الجماع، وعقد النكاح، والخطبة، كل هذا حرام وهو من محظورات الإحرام وأعظمها الجماع، قال أهل العلم: والجماع إذا كان قبل التحلل الأول ترتبت عليه أحكام:
أولا: الإثم، ثانياً: فساد النسك، ثالثاً: وجوب المضي فيه، رابعاً: وجوب قضائه من العام القادم، خامساً: الفدية: وهي بدنة يذبحها ويفرقها على المساكين، إذاً: الجماع أعظم محظورات الإحرام، وليس في محظورات الإحرام شيء يفسد النسك إلا الجماع قبل التحلل الأول، فإن وقع أعني الجماع بعد التحلل الأول تعلق فيه: أولاً: الإثم، ثانياً: فساد الإحرام، ثالثاً: فدية يخير فيها بين ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام، والفدية على ما قال العلماء كفدية الأذى، أي يخير فيها بين أن يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يذبح شاة يتصدق بها على الفقراء، المثال:
رجل رمى جمرة العقبة يوم العيد وحلق وجامع زوجته قبل أن يطوف طواف الإفاضة، هذا الجماع حصل بعد التحلل الأول، فيكون آثماً بذلك، ويفسد الإحرام دون النسك، إذاً: ماذا يصنع إذا فسد الإحرام؟ قال العلماء: يجدد إحرامه من الحل، أي: يذهب إلى
التنعيم أو إلى
عرفة ويحرم بإزار ورداء، ثم يطوف طواف الإفاضة وعليه الإزار والرداء ويسعى كذلك.
المباشرة والتقبيل من المحظورات لأنها وسائل للجماع، فإن الإنسان إذا قبل أو باشر كان من اليسير عليه أن يجامع؛ لأنها تثور شهوته فيجامع وقد لا يملك نفسه، ولهذا منع المحرم من المباشرة والتقبيل، فإن فعل باشر أو قبل ولم ينـزل فعليه فدية مخير فيها بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو ذبح شاة، وإن أنزل فإن كان قبل التحلل الأول فقد قال بعض العلماء: إن عليه بدنة، وقال آخرون: إنه ليس عليه بدنة بل عليه فدية أذى، فيخير بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين أو ذبح شاة. وهذا القول هو الصحيح لأنه لا سواء بين الجماع وبين الإنزال بالمباشرة، بل بينهما فرق عظيم، فيكف نلزمه بفدية الجماع بدون دليل؟
الثالث: مما تعلق في الجماع: عقد النكاح، فلا يجوز للمحرم أن يعقد النكاح لنفسه ولا لغيره، ولا يجوز أن يعقد عليه، فلو زوج الرجل ابنته وهو محرم فإن ذلك حرام عليه والنكاح فاسد غير صحيح، ولو تزوج هو بنفسه فإنه حرام عليه والنكاح فاسد، ولو عقد على ابنته المحرمة وهو محل فهو آثم والنكاح فاسد غير صحيح.
بقي الأمر الرابع وهو: الخطبة، فلا يحل للإنسان أن يخطب امرأة وهو محرم، لحديث
عثمان بن عفان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب) ولا يخطب عليه أيضاً، فلا يجوز للإنسان المحرم أن يخطب امرأة، ولا يجوز أن تخطب المرأة المحرمة، فإن فعل وخطب امرأة وهو محرم فليس له حق في هذه الخطبة، فيجوز لإنسان آخر أن يخطب هذه المرأة؛ لأن خطبة هذا الرجل المحرم فاسدة غير مشروعة فلا حق له، مع أن الخطبة على خطبة أخيه في الأصل حرام، لكن لما كانت خطبة المحرم خطبة فاسدة صار لا حق له في ذلك، وجاز لغيره أن يخطب هذه المرأة؛ لأن خطبة المحرم لها خطبة منهي عنها لا أثر لها ولا يترتب عليها أحكام الخطبة.
تغطية الرأس
الثالث: تغطية الرجل رأسه، فلا يحل للرجل أن يغطي رأسه بملاصق وهو محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل الذي وقصته ناقته فمات: (
لا تخمروا رأسه) فلا يجوز للمحرم أن يغطي رأسه بملاصق حال الإحرام؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
فإذا قال قائل: هذا في الميت؟
فإننا نقول: لا فرق بين الميت والحي، لقوله صلى الله عليه وسلم: (
فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) فدل هذا على أن من كان حاله التلبية يثبت له هذا الحكم.
وقولنا: أن يغطي رأسه بملاصق، هل يشترط أن يكون معتاداً أم لا؟ يعني: لو ضع منديلاً على رأسه هل يحرم أو لا يحرم؟ يحرم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (
لا تخمروا رأسه) فالفرق بين المعتاد كالطاقية والغترة والعمامة، وغير المعتاد كالمنديل مثلاً، فإن كان غير ملاصق فهو جائز، مثل الشمسية والخيمة ونحو ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن تغطية الرأس لا عن تظليل الرأس، والشيء البائن عن الرأس المبتعد عنه لا يقال: إنه غطى الرأس بل ظلل الرأس، ولهذا قالت
أم الحصين : (
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضحى يوم العيد راكباً على ناقته ومعه بلال و
أسامة وأحدهما يظلله بثوب من الحر حتى رمى جمرة العقبة) فدل هذا على أن التضليل ليس تغطية، وإذا قال قائل: لو وضع الإنسان يده على رأسه، هل يحرم؟
الجواب: لا. لأن هذا لا يعد ستراً في العادة ولا تغطية، فلو وضع إنسان يده على رأسه من شدة الحر مثلاً وهو محرم فلا بأس، ولو حمل عفشه على رأسه وهو محرم، فهل يجوز؟ نعم يجوز؛ لأن هذا لا يسمى ستراً في العادة ولا جرت العادة أن الإنسان إذا أراد أن يخمر رأسه ذهب يحمل المتاع، ولكن بعض أهل العلم قال: إن أراد بالحمل أي بحمل المتاع على رأسه الستر فإن ذلك حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (
إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) ولكن الظاهر أن ذلك لا يضر مطلقاً؛ لأن هذا يسمى حملاً ولا يسمى ستراً.
أما المرأة فإنها تغطي رأسها وتغطي كذلك وجهها إذا مر الرجال قريباً منها، كما سيأتي إن شاء الله.
قتل الصيد
الرابع: قتل الصيد، لقول الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95] أي: محرمون، فلا يجوز للمحرم أن يقتل الصيد سواء في داخل الحرم أو في خارج الحرم، وعلى هذا: فلو أنه رأى صيداً وهو واقف بـ
عرفة وأراد أن يصطاده، قلنا: إن هذا حرام، ولو رآه وهو في الحرم وأراد أن يصطاده، قلنا: هذا حرام من وجهين: من جهة أنك محرم، ومن جهة أنك في الحرم.
ما هو الصيد؟ قال العلماء: الصيد هو حيوان البر الحلال المتوحش أصلاً.
فقولنا: (حيوان البر) خرج به حيوان البحر فلا يحرم على المحرم أن يصطاد السمك، فلو فرض أن هذا الرجل أحرم في جدة وذهب إلى البحر واصطاد سمكاً فإن هذا جائز لأنه ليس حيوان بر بل هو حيوان بحر، ولهذا قال الله تعالى:
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [المائدة:96]، واشترطنا أن يكون حلالاً: (حيوان البر الحلال) احترازاً من الحرام، فلا يحرم على المحرم أن يقتل حيواناً حراماً، كالذئاب والسباع وشبهها؛ لأنها ليست صيداً شرعاً، اشترطنا أن يكون (متوحشاً أصلاً) المتوحش: هو الذي ليس بأليف، هو الذي ينفر من الناس ولا يألفهم ولا يركنوا إليه، بل يفر ويهرب مثل الضباء والأرانب والحمام والوز وغير ذلك من الأشياء التي تعتبر متوحشة.
وقولنا: (أصلاً) دخل فيه ما لو استأنس الصيد وصار أليفاً فإنه لا يجوز صيده أو لا يجوز ذبحه، فلو استأنس الأرنب فهل يجوز للمحرم أن يذبحه؟
الجواب: لا. لأن أصله صيد، ولهذا قلنا: (المتوحش أصلاً) فأصل هذا صيد فلا يجوز للمحرم أن يذبحه، ولو توحش صيد أليف أو حيوان أليف، مثل أن يهرب الكبش ويكون كالصيد يفر إذا رأى الناس، فهل يعتبر صيداً يحرم صيده للمحرم؟ الجواب: لا. لماذا؟ لأنه غير متوحش في أصله، والتوحش طارئ عليه، فإذا ند البعير أو هرب الكبش وأدركه إنسان وهو محرم فإنه يحل له أن يرميه ويكون حلالاً؛ لأنه ليس بصيد لأن الصيد هو المتوحش أصلاً.
لبس الثياب على الوجه المعتاد
الخامس: لبس الثياب على الوجه المعتاد، مثل: القميص والسراويل والبرانس والعمائم والخفاف، واخترت أن أقول: لبس الثياب دون لبس المخيط؛ لأن لبس المخيط لم تأت به السنة، وقد قيل أن أول من قاله
إبراهيم النخعي ، أحد فقهاء التابعين، والتعبير به موجب للإشكال طرداً وعكساً، كيف ذلك؟ لأن بعض الناس يفهم من كلمة المخيط أي ما فيه خياطة، وعلى هذا فإذا كان هناك قميص قد نسج على صفة القميص بدون خياطة يكون على هذا الفهم جائزاً لأنه ليس فيه خياطة، ولو رقع الإزار أو الرداء لظن بعض الناس أو لتوهمهم أن ذلك حرام لا يجوز لأنه مخيط، فهذا التعبير موهم لخلاف المقصود طرداً وعكساً.
ولهذا نقول: أفضل ما نذكر هذا المحظور بما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: (
ما يلبس المحرم؟ قال: لا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرانس ولا العمائم ولا الخفاف) فقط، ولم يتعرض للخياطة وغير الخياطة، وما أكثر الذين يسألون عن النعال المخروزة: هل يجوز للمحرم أن يلبسها؟ لماذا؟ لأنهم يظنون أن المحرم لبس ما فيه خياطة، لبس المخيط، ولكن إذا عبرنا بما عبر به أفصح الخلق محمد صلى الله عليه وسلم سلمنا من هذا الوهم، فلا يلبس القميص، والقميص هو: الثوب الشامل للبدن كله المكمم، كثيابنا هذه لا يجوز للمحرم أن يلبسها، ولا يلبس السراويل، والسراويل: هو اللباس الذي يكون على أسفل البدن وله أكمام، يعني: له حجول، ولا يلبس البرانس، والبرانس: ثياب واسعة يتصل بها غطاء للرأس، ولا يلبس العمائم، والعمائم هي: ما يدور على الرأس من الخرق وهي لباس الرأس، ولا الخفاف، وهي: ما يلبس في الرجل، هذه الأشياء الخمسة هي المحرمة على المحرم.
طيب فإذا قال قائل: ما تقولون في (الفنيلة) هل تحرم؟
الجواب: نعم. تحرم؛ لأنها لباس على بعض البدن فهي كالسراويل، وهي أيضاً كالعمامة التي نهى الشارع عنها، فلا يجوز للرجل المحرم أن يلبس (الفنيلة) وإن لم يكن فيها خياط؛ لأنها مصنوعة على بعض البدن فأشبهت السراويل، ولو قال قائل: هل يجوز لباس المشلح للمحرم؟
الجواب: لا. لأنها تشبه البرانس -الثياب الفضفاضة- فلا يجوز أن يلبسها الإنسان.
ولا يلبس الخفاف أيضاً، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (
إلا من لا يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل) فإذا كان الإنسان لا يجد إزاراً فإنه يلبس السراويل، وإذا لم يجد نعلين فإنه يلبس الخفين، وهنا مسألة تقع ولننظر كيف نحلها: رجل سافر بالطائرة يريد أن يحرم إذا حاذى الميقات، ولكن كانت ثياب الإحرام في الشنطة في خزينة العفش في الطائرة لا يمكنه أن يصل إليها، فماذا يصنع؟
نقول: يخلع ثوبه ويخلع غترته وطاقيته ويبقى في سرواله؛ لأنه لم يجد إزاراً، والثوب يجعله رداءً، أي: يلفه لفاً لا يلبسه لبساً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (
لا يلبس القميص) ولم يقل: (لا يرتدِ بالقميص) فتزول هذه المشكلة في هذا العمل، نقول: اخلع الثوب والقميص والغترة والطاقية وأبق السروال واجعل الثوب رداءً ارتدِ به، أي: لفه على صدرك وعلى كتفيك، وحينئذ لا يبقى علينا إشكال في هذا الأمر.
حكم استخدام الخيام وسائر خدمات الحج دون مقابل
السؤال: هناك مخيمات خاصة في الحج ببعض الجهات وفيها جميع الخدمات حتى الأكل والشرب يكون بدون مقابل، وقد يحدث أني أعرف شخصاً من منسوبي هذه الجهات، فيستطيع أن يدخلني ضمن مخيمات الحج، فهل يحق لي هذا ويجوز فعله أو عدمه أو لا؟ وهل حجي صحيح؟ أفيدونا أثابكم الله.
الجواب: الحمد لله رب العالمين المخيمات بل فيما يظهر الخيام التي تحجر ويتحجرها أصحابها في
منى لا حرج على الإنسان أن يطلب خيمة منه؛ لأن له الحق في أن ينـزل في
منى ، وأما الأكل والشرب والكهرباء وما أشبهه فإن أذن المسئول عن هذه المخيمات فلا بأس بذلك، وإن لم يأذن فإنه لا يجوز أن يأكل أو أن ينتفع بالكهرباء والمكيفات التي جعلت لهذه الأماكن، والغالب أن المسئول عن هذه الخيام يسمح للإنسان أن ينتفع وأن يأكل ويشرب ضمن الناس، وتكون هذه بمنزلة الضيافة، وحينئذ يكون الأكل والشرب والانتفاع بالكهرباء وكذلك بالنـزول في الخيمة يكون أمراً جائزاً إذا ما صدر الإذن به عن المسئول عنه.
حكم الإنابة في الحج للمستطيع
السؤال: هل يجوز إعطاء المال لشخص يحج عني وأنا مستطيع؟
الجواب: أما إذا كان الحج فريضة فإنه لا يجوز أن تعطي من يحج عنك وأنت مستطيع؛ لأن الفرض مطالب به الإنسان أن يقوم به بنفسه، وأما إذا كان نفلاً فقد اختلف العلماء في ذلك: فمنهم من قال: إنه لا استنابة في النفل؛ لأن الاستنابة إنما وردت في الفرض والفرض أمر ملزم به الإنسان، فإذا تعذر قيامه به فلينب عنه من يقوم به، أما النفل فليس هناك ضرورة إلى أن تنيب عنك من يحج عنك أو يعتمر، وعلى هذا: فلا يجوز أن تنيب عنك من يحج عنك أو يعتمر نفلاً وأنت قادر على ذلك، وهذا القول هو الصحيح؛ لأن الشرع له حكمة وهدف في أن يقوم الإنسان بنفسه في عبادة الله عز وجل، وكما أنه لا يجوز أن تقول لإنسان: صل عني تطوعاً بدراهم، أو صم عني تطوعاً بدراهم، فكذلك لا يجوز أن تقول: حج عني تطوعاً بدراهم وأنت قادر على أن تحج، أما إذا كنت عاجزاً عن الحج ولا يمكنك أن تحج لا حاضراً ولا مستقبلاً، فهو أيضاً محل نظر: هل يجوز أن تقيم من يحج ويعتمر عنك أو لا يجوز، وذلك أنه قد يقول قائل: إنه لا يجوز؛ لأن الاستنابة وردت في حج الفرض دون حج النفل، وليس هناك ضرورة في أن تقيم من يحج عنك حج نفل، وقد يقول قائل: إذا كانت الاستنابة قد جازت في حج الفرض وهو أوكد للعاجز فجوازها في حق النفل الذي هو أخف من باب أولى، والذي أرى أنه للاحتياط لا يوكل من يحج عنه النفل ولو كان غير قادر، وإذا أحب أن يكون له أجر الحج، فليعن عليه، أي: فليدفع دراهم لإنسان يحج بها لنفسه فإن: (
من جهز غازياً فقد غزا) وكذلك من جهز حاجاً فقد حج؛ لأن الحج نوع من الجهاد في سبيل الله عز وجل.
حكم إفراد النساء في مركب مستقل أثناء السفر
السؤال: إذا سافر الزوج معه زوجته في الحج أو غيره، هل يجب عليه أن يركب معها في نفس السيارة التي فيها الزوجة إذا كان هناك أكثر من سيارة لهذه السفرة؟
الجواب: لا شك أن ركوب الإنسان مع محرمه من زوجة أو قريبة في نفس السيارة أحسن وأحوط، ولكن إذا كانت القافلة سيارات تمشي جميعاً تنـزل منـزلاً واحداً وتسير مسيراً واحداً فلا بأس أن يجعل النساء في سيارة وأن يجعل الرجال في سيارة أخرى، ولكن لا بد أن يحرص قائد السيارة على ألا يغيب عن السيارة التي فيها الرجال المحارم حتى يكون المحرم مراقباً للسيارة التي فيها محرمه.
حكم لبس المرأة للثوب الأخضر أو الأصفر أو غيرهما في الحج
السؤال: لبس الثوب الأخضر أو الأصفر أو غيرهما من الألوان للمرأة في الحج ما حكمه؟
الجواب: لا بأس به، أي: لا بأس على المرأة أن تلبس ما شاءت من الثياب بأي لون كان إلا ما يعد تبرجاً وتجملاً فإنها لا تفعل؛ لأنها سوف تلاقي رجالاً ويشاهدها الرجال، وقد قال الله تعالى:
وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ [الأحزاب:33] فمثلاً: الثوب الأبيض يعتبر في عرفنا نحن من ثياب الجمال بالنسبة للمرأة، فلا تلبس المرأة في حال الإحرام ثوباً أبيض؛ لأن ذلك يلفت النظر إليها ويرغب النظر إليها؛ ولأن المعروف عندنا أن الثوب الأبيض بالنسبة للمرأة ثوب تجمل والمرأة مأمورة بأن لا تتبرج في لباسها.
حكم السفر مع من يفعل مُحرماً وبيان أن شرب الدخان من الفسوق
السؤال: هل يجب على الشخص إذا أراد الحج أن يختار من يثق بعلمه ودينه وهل عليه إثم لو حج مع أشخاص يدخنون ويغتابون وغير ذلك؟
وهل شرب الدخان من الفسوق الذي ورد في قوله تعالى:
فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]؟
الجواب: لا شك أن من الفقه والعقل أن يختار الإنسان رفقة ذات علم ودين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (
مثل الجليس الصالح كحامل المسك، إما أن يبيعك أو يحذيك أو تجد منه رائحة طيبة) ولا سيما في سفر الطاعة كسفر الحج، فإن الإنسان محتاج إلى أن يكون معه طالب علم يرجع إليه عند الإشكال، ويوجهه طالب العلم عند المشاعر، ولكن لا حرج أن يحج مع أناس دون ذلك بشرط ألا يفعلوا محرماً في سفرهم، فإن فعلوا محرماً حرم السفر معهم إلا لمن أراد أن يمنعهم من المحرم، فلو اصطحبت رفقة تفتح الأغاني المحرمة، أو يشربون الدخان فإن ذلك حرام عليك، إلا إذا كان يسعك أن تمنعهم من هذا فلا بأس لأنك تكسب منعهم من المحرم وصحبتهم.
وأما السؤال الثاني: فهل شرب الدخان في حال الإحرام من الفسوق الذي نهى الله عنه في قوله:
فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197] فجوابه أن نقول: نعم. شرب الدخان من الفسوق، فالإنسان المحرم إذا كان يشرب الدخان لم يمتثل حكم الله عز وجل لأنه فسق في شربه للدخان، فإن الإصرار على شرب الدخان يجعل شرب الدخان من الفسوق، وكذلك لو ابتلي الإنسان بقوم يغتابون الناس ويسخرون بهم فإنه لا يجوز أن يصحبهم إلا إذا كان -كما قلت أولاً- يمكنه أن يمنعهم من ذلك.
حكم من اعتمر في رمضان ثم خرج إلى التنعيم ليكون متمتعاً
السؤال: من اعتمر في رمضان ثم جلس في
مكة ولكنه يريد أن يحج متمتعاً، فهل يشرع له أن يخرج إلى
التنعيم ليعتمر في أشهر الحج ويجعل حجه تمتعاً؟
الجواب: هذا لا يمكن لأن التمتع لابد أن يحرم الإنسان بالعمرة من الميقات، ومن أحرم من أدنى الحل لم يكن متمتعاً بل ولا يشرع له أن يخرج ليحرم من
التنعيم ، فهذا الرجل الذي أتى إلى
مكة في رمضان وأحرم بالعمرة وانتظر إلى الحج نقول: إنه مفرد؛ لأنه أتى بالعمرة في غير أشهر الحج، وأتى بالحج مفرداً، وفي هذه الحال يرى بعض العلماء أن هذا أفضل من التمتع؛ لأنه أتى بعمرة منفردة عن الحج، ولكن في النفس من هذا شيء، والصواب أن التمتع لا يعدله شيء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه به، إلا من ساق الهدي فإن القران في حقه أفضل.
حكم من أراد أن يبر بوالديه بعد موتهما بحج أو يضحي عنهما
السؤال: فضيلة الشيخ! هل الأفضل لمن أراد أن يبر بوالديه بعد موتهما أن يحج عنهما بنفسه أو ماله أو أحد أبنائه أو يضحي عنهما؟ وكل ذلك تطوعاً وليس بوصية، أو يصرف ذلك في بناء المساجد والجهاد في سبيل الله؟
الجواب: أحسن ما يُبر به الوالدان ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الدعاء والاستغفار لهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا صلة لك فيها إلا بهما، هذه هي التي نص عليها الرسول صلى الله عليه وسلم حين سأله السائل فقال: يا رسول الله! هل علي من بر أبوي شيء بعد موتهما؟ فأجابه بذلك، وأما الحج عنهما والأضحية عنهما والصدقة عنهما فهي جائزة لا شك، ولا نقول: إنها حرام، لكنها مفضولة؛ لأن الدعاء لهما أفضل من هذا، وهذه الأعمال التي تريد أن تجعلها لوالديك اجعلها لنفسك، حج أنت لنفسك، تصدق لنفسك، ضح لنفسك وأهلك ابذل في المساجد والجهاد في سبيل الله لنفسك؛ لأنك أنت سوف تكون محتاجاً إلى العمل الصالح كما احتاج إليه الوالدان، والوالدان قد أرشدك النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما هو أنفع وأفضل، هل تظنون أن الرسول عليه الصلاة والسلام غاب عنه أن الأفضل أن تحج أو تتصدق؟ أبداً. لا نعتقد أن الرسول غاب عنه ذلك، بل نعلم أن الرسول اختار هذه الأشياء الأربعة: الدعاء، والاستغفار، وإكرام الصديق، وصلة الرحم لأنها هي البر الحقيقة، ولهذا صح عنه أنه قال: (
إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) لم يقل: أو ولد صالح يتصدق عنه أو يضحي عنه، أو يحج عنه أو يصوم عنه مع أن الحديث عن الأعمال، فعدل النبي عليه الصلاة والسلام عن جعل الأعمال للميت إلا الدعاء، ونحن نشهد الله ونعلم علم اليقين أن الرسول صلى الله عليه وسلم لن يعدل إلى شيء مفضول ويدع الشيء الفاضل أبداً؛ لأنه صلوات الله وسلامه عليه أعلم الخلق وأنصح الخلق، فلو كانت الصدقة أو الأضحية، أو الصلاة أو الحج أو الصيام مشروعة لأرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأنا أقول: إنه ينبغي لطلبة العلم في مثل هذه الأمور التي يكون فيها العامة سائرين على الطريق المفضول أن يبين وأن يوضح وأن يقول هذه النصوص.
ائتوني بنص واحد يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتطوع الإنسان لوالديه بصوم أو صدقة، أبداً لا يوجد، لكن قال: (
من مات وعليه صيام -عليه صيام!- صام عن وليه) فأمر النبي عليه الصلاة والسلام أن نصوم الفرض عن الميت، لكن التطوع أبداً وقلب في السنة كلها من أولها إلى آخرها، هل تجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر أن يتصدق الإنسان عن والديه، أو أن يصوم تطوعاً عن والديه، أو يحج تطوعاً عن والديه، أو يبذل دراهم في المصالح العامة لوالديه؟ أبداً. لا يوجد، وغاية ما هنالك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر هذا الشيء، وإقرار الشيء لا يعني أنه مشروع، فقد أقر
سعد بن عبادة حين استأذن منه أن يجعل مخرافه أي: بستانه الذي أوقفه صدقة لأمه، قال: نعم، وكذلك أقر النبي عليه الصلاة والسلام الرجل الذي قال: إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها، قال: نعم، لكن أمر أمته أن يتطوعوا لله وأن يجعلوها للأموات .. هذا لا يوجد، ومن عثر على شيء من ذلك فليتحفنا به، إلا بشيء واجب فالواجب لا بد منه.
حكم تثبيت الإحرام بدبابيس أو نحوها
السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم ما يفعله الناس من مسك الإحرام بالدبابيس أو المشابك حتى يصل البعض أن يجعلها كالثياب؟
الجواب: الأولى ألا يشبك الإنسان رداءه، بل يلفه على كتفيه، أما إذا كان يعمل كالطباخ والقهوجي وما أشبه ذلك وأراد أن يزره بمشبك فلا بأس بذلك، أما ما أشار إليه في السؤال من أن بعض الناس يزره بمشابك من الرقبة إلى السرة، حتى يكون كأنه قميص فأنا أشك في جواز هذا؛ لأنه حينئذ يشبه القميص، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم: (لا يلبس القميص).
حكم الحج عن العاصي إذا كان غير قادر على الحج
السؤال: لدي قريب يبلغ من العمر سبع عشرة سنة، وهو مشلول لا يستطيع المشي، فهل أحج عنه رغم أن عليه بعض الملاحظات مثل: تأخير الصلاة أحياناً عن وقتها، أم أؤخر الحج إلى الأعوام القادمة بعد أن يكبر ويعقل؟
الجواب: لا بأس أن تحج عن هذا المشلول الذي أيس من قدرته على الحج في المستقبل، ولكن الأولى أن تستأذن منه لتكون نائباً عنه قائماً مقامه في أداء النسك، وإن لم تفعل فلا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفسر المرأة التي قالت: إن أباها أدركته فريضة الله على عباده في الحج لا يستطيع الركوب على الراحلة، لم يقل: هل استأذنت منه فدل هذا على أنه يجوز للإنسان أن ينوب عن غيره في أداء النسك وإن لم يستأذن منه، لكن الأفضل أن يستأذن.
أما كون هذا الرجل المشلول مقصراً في بعض الطاعات، فإنه ربما إذا رأى أن هذا الرجل حج عنه يكون ذلك سبباً في هدايته على يده.
حكم التمتع بعد العمرة في اليوم الثامن من ذي الحجة
السؤال: هل لي أن أؤدي العمرة في اليوم الثامن من ذي الحجة، وبعد أن أحل من العمرة أحرم مباشرة بالحج ولو لم يكن هناك وقت طويل بين التحلل من العمرة والإحرام في الحج؟
الجواب: الذي يظهر لي أن الإنسان إذا قدم
مكة بعد أن خرج الناس إلى الحج فلا يعتمر؛ لأن الله قال:
فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196] فدل هذا على أن هناك مسافة بين العمرة والحج يحصل بها التمتع، أما أن تقدم
مكة في ضحى اليوم الثامن حين يخرج الناس إلى الحج أو بعد ذلك ثم تأتي بعمرة ففي نفسي من هذا شيء، وإن كان ظاهر كلام أهل العلم الجواز لكني في نفسي من هذا شيء؛ لأن الآية:
فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وإذا لم يكن هناك مسافة يحصل بها التمتع لم يكن مشروعاً للإنسان أن يتمتع، وعلى هذا فنقول: إذا قدمت في هذا الوقت بعد أن خرج الناس إلى منى فاجعل نسكك قراناً لتحصل على العمرة والحج جميعاً.
حكم التنفل في السفر
السؤال: إذا كان الإنسان يقيم في
مكة وهو في حكم المسافر، هل الأولى أن يصلي رواتب الظهر والمغرب والعشاء أم الأفضل تركها؟
الجواب: الأفضل للإنسان المسافر حقيقة أو حكماً ألا يتطوع براتبة الظهر والمغرب والعشاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتطوع بذلك في حجه، أما غير هذه الثلاث من التطوع فإنه يفعله ولا حرج عليه، كسنة الضحى وصلاة الليل، والوتر وسنة الفجر، وغير ذلك من النوافل، لكن راتبة الظهر والمغرب والعشاء لا تفعل في حال السفر سواء كان حقيقة كما لو كان في البر، أو حكماً كما لو كان مقيماً ينتظر الحج ثم إذا حج رجع إلى بلده.