أما بعــد:
فقد سبق الكلام على شيء من محظورات الإحرام فلنستذكر ما تكلمنا عليه، منها:
الأول: الطيب، أي: أن يتطيب الإنسان بالبخور أو بالتدهن، أو استعمال الطيب على أي وجه كان من الاستعمال وبأي نوع كان من الطيب، والدليل: الرجل الذي وقصته ناقته وهو واقف بـعرفة فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحنطوه) والحنوط: أطياب تجعل على الميت.
الثاني: تغطية الرأس بأي غطاء كان، والدليل: حديث الرجل الذي وقصته ناقته فمات فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تخمروا رأسه) أي: لا تغطوه.
الثالث: قتل الصيد وهو: الحيوان البري المتوحش أصلاً.
صيد البحر هل هو من محظورات الإحرام أو لا؟
ليس من محظورات الإحرام، كيف يخرج من الصيد؟ نحن قلنا: إن الصيد: هو الحيوان البري، وهذا حيوان بحري، الدليل: قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [المائدة:96]، ومن الصيد الأرانب، أما الدجاج فلا يدخل لأنه ليس متوحشاً.
ما حكم نعجة هربت ولم يقدر عليها صاحبها حتى صارت كالضباء: هل يجوز ذبحها أو لا وهو محرم؟
الكبش إذا ند فهو مستوحش استيحاشاً غير أصلي؛ لأن الأصل في الكبش أن يكون مستأنساً فلهذا لا يدخل في الصيد.
كذلك من محظورات الإحرام: الجماع ومقدماته ووسائله وذرائعه.
أيضاً من المحظورات التي أخذنا: لبس الثياب المنصوص على تحريمه، والمنصوص على منع لبسه خمسة أشياء، عبر بعض العلماء عن هذه الخمسة بتعبير قد يكون فيه نظر وهو تعبيرهم عنه بـلبس المخيط، وهو يصح طرداً وعكساً، يعني: لو أخذنا بظاهر هذا اللفظ لقلنا كل لباس فيه خياط فهو حرام، وكل لباس لا خياطة فيه بل نسج نسجاً فهو حلال والعلماء لا يريدون هذا المعنى وهو غير مراد أيضاً، نقول: إذا كنا لا نريد به هذا المعنى فلنقل كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرانس ولا العمائم ولا الخفاف) ويدخل فيها ما كان مثلها بالقياس؛ لأن الشرع لا يفرق بين متماثلين.
من محظورات الإحرام: حلق الرأس، لقوله تعالى: وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196] انتبه! (لا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله) ففهم من هذه الآية الكريمة أن حلق الرأس محرم إلى أن يحل الإنسان، لقوله: حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196] وبلوغ الهدي محله يكون يوم العيد، وقد بينت السنة أن الحل يكون برمي جمرة العقبة يوم العيد والحلق، فمن رمى وحلق يوم العيد فقد حل التحلل الأول، ولكن حلق بعض الرأس، هل هو حرام؟
الجواب: نعم. هو حرام لأن الشرع إذا نهى عن الشيء فالمطلوب ترك جميعه، ولا يرتكب ولا شيء منه إلا ما أباحته الضرورة، كما أنه إذا أمر بشيء فهو أمر بجميعه ويأتي الإنسان منه ما يستطيع، وإذا نهى الشرع عن شيء فهو نهي عن جميعه وكل أجزائه إلا ما أباحته الضرورة منه، وما أمر به الشرع فهو أمر بجميعه وجميع أجزائه إلا ما لا يقدر عليه منه.
إذاً: حلق بعض الرأس كحلق جميع الرأس، فلا يجوز للإنسان أن يحلق وهو محرم رأسه ولا شيئاً منه إلا ما أباحته الضرورة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه احتجم وهو محرم، ومن المعلوم أنه لا يحجم الرأس إلا بإزالة الشعر لموضع المحاجم، لا بد أن يحلق شيئاً لموضع المحاجم، وهذا من باب الضرورة، وكذلك أيضاً ثبت من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه أنه حمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهه من رأسه، فأذن له أن يحلق رأسه وأن يفدي بما ذكر الله عز وجل في الفدية من صيام أو صدقة أو نسك، ففعل رضي الله عنه، هذا دعت إليه الضرورة لأنه أذى، وكل إنسان يتأذى من القمل عندما يتناثر على وجهه من رأسه، وقد قال الله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] يعني: فليحلق وعليه الفدية من الصيام أو الصدقة أو النسك.
هل حلق شعر غير الرأس كحلق الرأس؟ فلو حلق الإنسان عانته وهو محرم أو نتف إبطه وهو محرم، فهل هذا حرام؟ الجواب: جمهور العلماء على أنه حرام، وأن الإنسان لا يجوز أن يأخذ من بقية شعر البدن، قالوا: لأن العلة من النهي عن حلق الرأس هو الترفه؛ فالإنسان يترفه بحلق رأسه ليزيل عنه الأذى، والترفه بحلق العانة ونتف الإبط كالترفه بحلق الرأس، وإلا فليس هناك دليل يدل على تحريم حلق شعر غير الرأس.
هل تقليم الأظفار كإزالة شعر الرأس؟
الجواب: نعم. جمهور العلماء على ذلك، قالوا: إن تقليم الأظفار كحلق شعر الرأس، وعللوا هذا بأن الجامع بينهما هو الترفه. هل إزالة الشعر بغير الحلق كإزالته بالحلق؟ يعني: لو قص الشعر قصاً دون حلق، هل يكون كالحلق؟
الجواب: نعم. لأن العلة واحدة وهو زوال الشعر.
حينئذ يتلخص لنا أن نقول: من محظورات الإحرام: إزالة الشعر وتقليم الأظافر، وإن كان النص لم يرد إلا بحلق الرأس فقط.
بقي علينا من المحظورات: انتقاب المرأة، دليله: قول النبي صلى الله عليه وسلم: { لا تنتقب المرأة } وكذلك لبسها القفازين -وهو: شراب اليدين- لقوله: { ولا تلبس القفازين } وعلى هذا فنقول: من محظورات الإحرام: انتقاب المرأة ولبسها القفازين.
هذه هي محظورات الإحرام، فإذا جاءنا آت، وقال: هذا من محظورات الإحرام. قلنا له: هات الدليل وإلا فالأصل الحل، ولهذا لما سئل الرسول عليه الصلاة والسلام عن الحلال فيما يلبسه المحرم أجاب بالحرام الخارج عن الأصل؛ ليفهم السامع أن الأصل الحل، لأنك إذا عرفت الممنوع عرفت ما يقابله وهو الحلال، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل: ماذا يلبس المحرم؟ أجاب بما لا يلبس؛ لأن الأصل حل اللباس كله للمحرم.
إذا أتانا آت، وقال: ما تقولون في لبس الساعة للمحرم في يده، هل هو من محظورات الإحرام أم لا؟
الجواب: لا. ليس من المحظورات؛ لأن الأصل هو الحل. ونقول لمن قال: إنه من المحظورات: هات الدليل، إن جاء بالدليل وإلا فإن الرسول قال: لا يلبس كذا ولا يلبس كذا ولا يلبس كذا، ومعناه: أن ما سوى ذلك فهو حلال يلبس، ولا يجوز لأحد أن يضيق على عباد الله فيمنعهم مما لم يحرمه الله؛ لأن الله يقول: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ [النحل:116].
ومن الحاكم بين عباده؟ الله عز وجل هو الحاكم بين عباده والحاكم على عباده، فليس لنا أن نقول: هذا ممنوع إلا بدليل؛ لأن الله سوف يسألنا، ويقول: لماذا منعتم عبادي من كذا وأنتم لا تعلمون؟
ونقول أيضاً: لبس الخاتم جائز عندكم، أنتم تقولون: لبس الخاتم جائز. أي: فرق بين لبس الخاتم الذي يوضع على الإصبع محيطاً به، وبين وضع الساعة التي توضع على الذراع محيطة به؟ هل هناك فرق؟ كل منهما محيط.
ولو جاءنا آت، وقال: ما تقولون في لبس نظارة العين هل هي حلال أو حرام؟
الجواب: حلال.
ما هو الدليل؟
الجواب: نقول: الدليل عدم الدليل؛ لأنه ليس عندك دليل على المنع، فإذا لم يكن عندك دليل على المنع فالأصل الحل.
ولو جاءنا رجل آخر وقال: إنه لا يسمع سماعاً قوياً وإنه يلبس سماعة في أذنه، هل يجوز أم لا؟
لو علقها على رقبته نعم يجوز، فإذا قال قائل: هذا ممنوع. قلنا: عليك بالدليل، وإلا فالأصل الحل.
جاءنا آت، وقال: أنا أسناني ساقطة وقد اتخذت أسناناً مركبة صناعية، فهل يجوز أن ألبسها وأنا محرم؟
نقول: يجوز.
إذا قال قائل: ما الدليل؟
أقول: الدليل عليك أنت، أنت إن قلت: إنها ممنوعة فعليك الدليل وإلا فالأصل الحل.
المهم أنا قد لا أستطيع الإحاطة بكل ما يفعل لكن أعطيكم أصلاً، ما هو الأصل فيما يلبسه المحرم: أهو الحلال أو الحرام؟ الأصل الحلال، ما الدليل؟
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: ماذا يلبس المحرم؟ أجاب عما لا يلبس، فكأنه قال للسائل: البس كل شيء ما عدا هذه الأشياء، فإذا ادعى مدع أن هذا ممنوع فإن كان من هذه الأشياء أو بمعنى هذه الأشياء قبلنا قوله: إنه ممنوع أو رفضنا قوله: إنه ممنوع، وليعلم أن العطاء أحب إلى الله من المنع، وأن الحل أحب إلى الله من التحريم، وأن التيسير أحب إلى الله من التعسير، هذه ثلاث قواعد أحب أن تفهموها، لأنها تفيدكم فائدة عظيمة في كثير من مسائل الدين.
نقول: هذه المحظورات تنقسم إلى أقسام أربعة:
منها: ما له فدية معينة لا يشركه فيها غيره، الجماع له فدية معينة، ما هي؟
البدنة إن كان قبل التحلل الأول في الحج، البدنة بشرطين: أن يكون قبل التحلل الأول في الحج، إذاً: الجماع في العمرة لا يوجب البدنة أبداً، الجماع في العمرة لا يوجب البدنة أصلاً، الجماع في الحج بعد التحلل الأول لا يوجب البدنة؛ لأننا اشترطنا لوجوب البدنة شرطين: أن يكون الجماع قبل التحلل الأول وأن يكون في الحج، هل يجزئ عن البدنة الغنم أو البقر؟
نعم. يجزئ عن البدنة بقرة أو سبع من الغنم.
القسم الثاني: ما فديته معينة ولا يشركه فيها غيره، لكن تعيينها خلاف تعين البدنة وهو الصيد، الصيد إن كان له مثل فالإنسان مخير بين أن يذبح مثله ويتصدق به على الفقراء، أو يقوم بدراهم يشترى بها طعاماً، أو إن كان عنده طعام أخذ من بيته بقيمة ما قومه ويطعمه الفقراء لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً، كم شيئاً يخير به إذا كان الصيد من ماله؟
ثلاثة:
الأول: ذبح النسك.
الثاني: تقويمه وإطعام المساكين طعاماً بقيمته.
الثالث: الصيام.
الدليل: قوله تعالى: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً [المائدة:95] هذه ثلاثة أشياء؟
إذا لم يكن له مثل فالإطعام أو الصيام، بمعنى: أن يقوّم هذا الصيد بما يساويه ويدفع بدل قيمته طعاماً للفقراء، لكل مسكين نصف صاع، أو يصام عن إطعام كل مسكين يوماً، هذان قسمان.
القسم الثالث: ما لا فدية فيه، وهو عقد النكاح والخطبة، هذا ليس فيه فدية، ليس فيه إلا الإثم فقط.
القسم الرابع: ما فديته على التخيير بين أمور ثلاثة: إما إطعام ستة مساكين، أو لكل مسكين نصف صاع، أو ذبح شاة يوزعها على الفقراء، أو صيام ثلاثة أيام، كم المخيرات فيها؟
ثلاثة، هي: ذبح شاة، صيام ثلاثة أيام، إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، والدليل: قوله تعالى في حلق الرأس: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم مقدار هذه المكفرات، فقال في الإطعام: إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وقال في الصيام: صيام ثلاثة أيام، هذه الفدية في جميع محظورات الإحرام سوى ما ذكرنا وهي ثلاثة أشياء: ما لا فدية فيه، وما فديته معينة ببدنة، وما فديته معينة بين ثلاثة أشياء أو شيئين، ما عدا هذه فإن فديته التخيير بين هذه الأمور الثلاثة.
وحلق الرأس فديته التخيير بين هذه الثلاثة، وفدية استعمال الطيب: التخيير بين هذه الأمور الثلاثة، أما الجماع في العمرة ففديته أيضاً التخيير بين هذه الأشياء الثلاثة، لأنا ذكرنا لكم أن البدنة واجبة في الجماع في الحج قبل التحلل الأول فالآن هذا جماع في عمرة، فما الذي فيه؟ التخيير بين الأمور الثلاثة، فإذا جاءنا رجل يسأل عن جماعه في العمرة ما فديته؟ قلنا: أنت مخير بين الصيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة، والجماع في الحج بعد التحلل الأول ما فديته؟
التخيير بين هذه الأمور الثلاثة.
وأما فدية لبس المخيط على رأي الجمهور، وأنا قلت: لبس المخيط تبعاً لما يعبر به وإلا فلبس ما ينهى عنه من اللباس، التخيير بين هذه الأشياء الثلاثة، اتضحت أقسام المحظورات بالنسبة للفدية.
وهل يجوز إخراج غير المثل في الصيد؟ هذه المسألة فيها خلاف والراجح المنع؛ لأن الله عين، قال تعالى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95] فلا بد من المماثلة والله حكيم عز وجل، لولا أن هناك حكمة في أنه يجب المثل ما أوجب الله المثل.
السائل: هل وضح الرسول صلى الله عليه وسلم مثل هذا؟
الشيخ: الصحابة بينوا هذا قالوا: في النعامة بدنة والحمامة شاة، وقضى النبي صلى الله عليه وسلم في الضبع بشاة.
نقول: هذا ينقسم الناس فيه إلى ثلاثة أقسام:
أتانا رجل، فقال إنه مضطر إلى لبس القميص وهو محرم مضطر، وأتانا رجل آخر وقال إنه مضطر للبس السراويل وهو محرم، فما الحكم؟
نقول: البس هذا وعليك على رأي جمهور العلماء الفدية.
اضطر رجل إلى قتل الصيد ضرورة؛ يموت إن لم يصده ويقتله، نقول له: صده وعليك الفدية، لكن عليك إثم أو لا؟ ليس عليك إثم، إذاً: القسم الثاني: من فعل شيئاً من هذه المحظورات لعذر يبيحه فهذا متعمد فعليه الفدية ولا إثم عليه.
هذا هو خلاصة القول فيما يتعلق بمحظورات الإحرام.
نقول: لا يجوز للرجل أن يلبس القفازين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه أن يلبس الخفين، ففي الخفين ستر الرجلين وفي القفازين ستر اليدين.
فإذا قال قائل: إذاً: ما وجه تخصيص النهي للمرأة؟
نقول: لأن المرأة جرت العادة بأنها تلبس القفازين، أما الرجل فلم تجر العادة بأنه يلبس القفازين، ولهذا كان النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يعتدن لبس القفازين لأجل ستر اليد، وقد بدأ النساء ولله الحمد منذ عهد قريب يلبسن القفازين لستر اليد كعادة نساء الصحابة.
فالجواب: نعم. يجوز أن يغيره لكن إلى ثوب يجوز لبسه فيجوز أن يغير الرداء إلى رداء آخر، أو الإزار إلى إزار آخر، أو المرأة تغير ثيابها، ولا حرج في ذلك ما دام قد غيره إلى لباس جائز؛ لأن الأصل الحل والجواز حتى يقوم دليل على المنع، رجل اتسخ رداؤه فأراد أن يخلعه ليغسله، هل هذا جائز؟ نعم. هل يجوز أن يجعل فيه طيباً قبل أن يلبسه ثانياً؟ لا يجوز. لأنه لا يجوز للمحرم أن يستعمل الطيب ابتداءً، فإذا خلع رداءه ليغسله فلا يجوز أن يعيده مطيباً لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس).
يقول بعض العلماء: نعم. يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن الانتقاب، والانتقاب لباس الوجه، ولم ينه عن تغطية الوجه، بل نهى عن النقاب، فيجوز للمرأة أن تغطي وجهها وهي محرمة، ولهذا لو أن الإنسان لف على رجليه خرقة، هل يحرم عليه ذلك أو لا؟
لا يحرم عليه، لأنها ليست خفاً، والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ستر الرجل بل نهى عن لبس الخف، وفرق بين الأمرين، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تنتقب المرأة، أي: أن تلبس النقاب، فإنه لا يلزم من ذلك أن تنهى عن ستر الوجه، لكن أكثر أهل العلم يرون أنها منهية عن ستر الوجه، إلا إذا كان حولها رجال غير محارم فيجب عليها أن تستر الوجه، لأنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها ورجل أجنبي ينظر إليها أو يمكن أن ينظر إليها، بل عليها أن تستره لأنها مأمورة بذلك، وقد روي عن عائشة رضي الله عنها: [أن النساء كن يسترن وجوههن إذا مر الركبان قريباً منهن].
نعم. يجوز، ما الدليل؟ الدليل: عدم الدليل؛ لأنه لا يوجد دليل على المنع بل ثبت الجواز عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يغتسل وهو محرم وهذا يؤيد الأصل. هل يجوز للمحرم أن ينغمس في الماء لأنه إذا انغمس تغطى رأسه؟ نقول: يجوز أن ينغمس في الماء؛ لأن هذا لا يسمى ستراً للرأس، ولم يعتد الناس بأن يستروا رءوسهم بالانغماس في الماء، فإذا كان الإنسان مثلاً عنده بركة عميقة ونزل يسبح بها وغمس نفسه فيها فلا حرج عليه ولو كان محرماً، لأن الأصل الحل وليس هذا من تغطية الرأس، وأظن أن الرأس يُرى في وسط الماء، لكن هذا ليس هو السبب؛ لأن الإنسان لو غطى رأسه بزجاجة يجوز أو لا؟ لا يجوز، ولو كان الرأس يرى من وراء الزجاجة، إنما العلة في ذلك أن الانغماس في الماء لا يعد ستراً للرأس والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا تخمروا رأسه).
نكتفي بهذا القدر ونسأل الله تعالى أن يجعل فيه خيراً وكفاية لنتلقى الأسئلة الواردة حول هذا الموضوع.
الجواب: الصحيح في هذه المسألة أنه لا بأس إذا أحرم الصبي أو الصبية التي لم تبلغ أن تلغي الإحرام بالحج أو العمرة فإذا أحرم الصبي بالعمرة أو بالحج رأى وليه أنه يتعب ويشق عليه ففسخ النية فلا حرج في ذلك؛ لأن الصبي غير مكلف، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (رفع القلم عن ثلاثة ...) وكما أنه لو شَرَعَ الصبي في الصلاة؛ صلاة الظهر ثم خرج منها لم يأثم، فكذلك إذا شرع في الحج ثم خرج منه أو في العمرة ثم خرج منها لم يأثم، وقوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] إنما يتوجه الخطاب للمكلف، أما غير المكلف فلا يتوجه إليه الخطاب على سبيل الإلزام وهذا هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وإليه ميل صاحب الفروع تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية ، وفيه توسعة على الناس في الواقع، لأنه أحياناً مع الزحام والمشقة والحر يتعب الصبي، يبدأ يصيح ويصرخ يتضجر وربما يهتك إحرامه ويمزقه، فكونه يلزم هذا بإتمام النسك مع أنه غير مكلف لم يجب عليه الحج ولا يتوجه إليه الخطاب إلزاماً بدون دليل قطعي أو ظني غالب يكون في نفوسنا شيء، وما دامت المسألة ليست فيها دليل من القرآن والسنة وليست فيها إجماع يجب اتباعه فإن القول الراجح أنه لا يلزم غير البالغ إكمال النسك.
الجواب: ربما يفهم جواب السؤال مما سبق أن شرحناه، مقدمات الجماع فيها الفدية لأن مقدمات الجماع هي التقبيل والمباشرة وما أشبه ذلك وفديتها من القسم الرابع الذي فيه التخيير بين ثلاثة أشياء.
الجواب: هذا أيضاً الظاهر أنا أجبنا عليه وقلنا: إنه يجوز؛ يجوز أن يلبسه دفعاً للضرورة ولكن هل فيه الفدية على قول من يلزم الفدية بلبس الثياب الممنوعة؟ أو نقول: إن الضرورة إلى لبسه لدفع الحروق أو الانسلاخ؛ انسلاخ الجلد تبيح لبسه؟ وإذا أبيح لبس السروال فلا فدية فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل) ولم يذكر فدية؟ الظاهر أنه لا فدية عليه؛ لأن هذه ضرورة، فإذا كان مضطراً إلى لبس السروال فكأنه عادم للإزار.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر