أما بعد:
فقد ندب الله عباده إلى التوحيد بحقه، والدعوة إلى سبيله، وأرسل الرسل لذلك، وأوجب على الأمة التعلم والتفقه في الدين، قال جل وعلا: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55]، وقال سبحانه: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21]، فالرسل عليهم الصلاة والسلام بعثهم الله مبشرين ومنذرين ومذكرين بحقه، والدعوة إليه، والتحذير مما يغضبه سبحانه وتعالى، والعلماء خلفاؤهم في الدعوة إليه والتبصير بحقه، والإرشاد إلى أسباب النجاة، والتحذير من أسباب الهلاك.
والله عز وجل خلق الخلق ليعبدوه، وأرسل الرسل لبيان العبادة، وإيضاح أنواعها وأحكامها والدعوة إلى ذلك، كما قال الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فقد خلقهم الله ليعبدوه، وأرسل الرسل لهذا الأمر.. للدعوة إلى العبادة، وتفسيرها وإيضاحها، والأمر بالتزامها، كما قال الله عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36].
وكلمتي الآن في بيان العبادة وأثرها في الفرد والمجتمع، فالعبادة هي حق الله على عباده من أولهم إلى آخرهم، ولها خلقوا وبها أمروا، يقول عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58]، ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، وهناك آيات كثيرات، منها قوله سبحانه: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً [النساء:36]، ومنها قوله عز وجل: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، ومنها قوله سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، ومنها قوله عز وجل: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2-3].
فجدير بالمؤمن وجدير بالمؤمنة العناية بالعبادة والتفقه فيها، وذلك بالتفقه في الدين عن طريق كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وعن طريق أهل العلم، بسؤالهم واستفسارهم، والتفقه عليهم؛ حتى يرشدوك إلى ما قاله الله ورسوله، وحتى يعلموك ما جهلت مما أوجب الله ومما حرم الله، وحتى يوضحوا لك أنواع العبادة، لتكون على بينة وبصيرة، وحتى تعبد الله كما أمر سبحانه وتعالى.
وعلى حسب استمساك العبد بعبادة ربه، وأدائه حقه، والمسابقة إلى مراضيه، تكون منزلته عند الله، فمن استكمل الفرائض، واجتنب المحارم؛ فهو من عباد الله الأبرار، ومن عباد الله المتقين، ومن خيرة عباد الله، وممن وعدهم الله بالجنة، والنجاة من النار، وإذا أضاف إلى ذلك المسابقة إلى الطاعات، والاستكثار من الحسنات، والحذر من المكروهات، وما قد يعوقه عما شرع الله له؛ كان بذلك من السابقين ومن المقربين، من الطبقة العليا من عباد الله، فإن الطبقات ثلاث:
الطبقة الأولى: الظالم لنفسه، وهو المؤمن العاصي.
الطبقة الثانية: المقتصد الذي استقام على أداء الفرائض وترك المحارم، وهو من المقتصدين ومن الأبرار، ولكنه لم يتوسع في الطاعات المستحبة، ولم يستكثر منها، بل اقتصر على الواجبات وترك المحارم، ولم يكن له نشاط في المسابقة إلى أنواع الفضائل، فهذا من الطبقات الوسطى ومن الأبرار، وله الجنة والنجاة من النار.
الطبقة الثالثة: طبقة السابقين المقربين، المسابقين في الخيرات، والمنافسين في الطاعات، بكل ما يستطيعون من الطاعات القولية والعملية، من طاعات القلوب وطاعات الجوارح، ومن الطاعات البدنية والقولية والمالية، فهم مسابقون إلى كل خير، ومنافسون في كل طاعة، فهؤلاء هم السابقون المقربون، جعلنا الله وإياكم منهم.
وهكذا المجتمعات كلها، إذا استقامت على طاعة الله وترك محارمه، وتعاونت على البر والتقوى، وصارت مجتمعات صالحة حرية بتوفيق الله ونصره وتأييده، وحرية بكل خير؛ لكونها استقامت على طاعة الله، وابتعدت عن محارم الله، ووقفت عند حدود الله، هذا المجتمع الذي قال الله فيه وفي أمثاله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، وقال فيه سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]، وقال فيه سبحانه: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:35] هذه حالة الأخيار والأتقياء والسعداء، وقال الله فيهم وفي أمثالهم: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:1-11] هذه حال الأخيار من عباد الله، الذين عبدوه كما أمر، فأطاعوا أوامره، وتركوا نواهيه، ووقفوا عند حدوده عن ذل وخضوع، وانكسار وتواضع، يرجون رحمته، ويخشون عقابه سبحانه وتعالى.
والواجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعنى بهذا الأمر في جميع الأوقات حتى يلقى ربه -حتى يموت- كما قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، أي: حتى يأتي الموت، فإذا كان سيد ولد آدم، وأفضل الخلق مأموراً بأن يعبد ربه حتى يلقاه -حتى يموت- فهكذا الناس يجب عليهم أن يلتزموا بالإسلام، وأن يستقيموا على عبادة الله وطاعته وترك معصيته؛ حتى يلقوا ربهم، كما قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، فأمرهم بالتقوى حق التقوى، وألا يموتوا إلا على الإسلام، (حق تقاته) معناها: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] الآيات تفسر بعضها بعضهاً، والتقوى: هي الدين كله، أي: أن الدين كله تقوى؛ لأنه يقي أهله من عذاب الله وغضبه، ولهذا سماه الله تقوى، فالإيمان بالله ورسوله، بترك ما نهى الله، والالتزام بأمر الله، والوقوف عند حدود الله، والمنافسة في ذلك عن بصيرة وعلم، وعن إخلاص لله وإيمان به، وعن متابعة صادقة لرسوله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الدين، وهذا هو الإسلام، وهذا هو الإيمان، وهذا هو التقوى، وهذا هو الهدى، فإن ديننا الإسلامي يسمى إيماناً، ويسمى تقوى، ويسمى هدى، ويسمى صلاحاً، ويسمى براً.. إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ [آل عمران:19]، أي: هو الإيمان، فالدين عند الله هو الإسلام، هو البر.. هو التقوى.. هو الهدى.. هو الصلاح والإصلاح.. هو طاعة الله ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله.
وسمي إسلاماً؛ لأن أهله يؤدون ما أمر الله به وما نهى الله عنه عن ذل وخضوع وانقياد، فالإسلام انقياد لله ذل له، بترك النواهي وفعل الأوامر، عن إخلاص لله، ومحبة له، وإيمان به، وخوف منه، ورجاء له سبحانه وتعالى، هذا هو الإسلام، أن تسلم قلبك وجوارحك لله، ذليلاً منقاداً لأمر الله، متواضعاً، مطيعاً أوامر ربك، تاركاً لنواهيه، واقفاً عند حدوده.. تخشاه وترجو رحمته.. تخلص له العمل، وتقف عند الحدود.. لا تبتدع في الدين ما لم يأذن به الله، ولا تقصر بما أوجب الله، فالعاصي مقصر وجاهل، والمبتدع غالٍ وزائد، والواجب الوسط وهو لزوم الحق، فلا زيادة ولا نقصان.. لزوم طاعة الله ورسوله، والسير على منهج الله ورسوله، وعدم النقص بالمعاصي والجفاء، وعدم الزيادة بالبدع والتنطع والغلو.
وأعظم ذلك وأهمه: تحقيق الشهادتين، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هاتان الشهادتان هما أصل العبادة، وهما أفضل العبادة، وهما الأساس الذي تنبني عليه جميع العبادات، فشهادة أن لا إله إلا الله معناها: إخلاص العبادة لله وحده، والإيمان بأنه مستحق للعبادة، وأنه لا معبود بحق سواه جل وعلا، وجميع ما عبده الناس من دون؛ الله، من أصنام، أو أنبياء، أو ملائكة، أو أشجار، أو كواكب، أو أموات في قبورهم، أو غير ذلك.. كله معبود بالباطل، والمعبود بالحق هو الله وحده سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62]، وقال سبحانه: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163].. إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً [طه:98] .. شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18] .. فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19]. فهذه الكلمة هي الأساس، ومعناها: لا معبود بحق إلا الله، فهي تنفي العبادة بجميع أنواعها عن غير الله بقولك: لا إله، وتثبت العبادة لله وحده في قولك: إلا الله، فهو سبحانه المستحق للعبادة؛ من صلاتك، وصومك، وسجودك، وصدقاتك، وحجك، وصيامك، وجميع سائر العبادات؛ من دعاء، وخوف، ورجاء، واستغاثة، واستعانة.. وغير ذلك، يجب أن يكون هذا لله وحده، حيث قال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة)، فالدعاء يكون باللسان، كاغفرلي، وارحمني، وانصرني.. ونحو ذلك، ويكون بالفعل؛ كالصلاة، والصوم، فإنها دعاء، دعاء عبادة. وقال عز وجل: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً [لنساء:36] .. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، أي: وحدوه وخصوه بكل ما أمركم به، عن إيمان به، وعن رغبة فيما عنده، وهكذا ترك ما نهاكم عنه، عن إيمان به، ورغبة فيما عنده، فهو يصلي ليعبد الله، ويرجو فضله وإحسانه، يصوم كذلك.. يزكي كذلك.. يتصدق.. يحج.. يبر والديه.. يصل أرحامه.. يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.. يقرأ القرآن.. إلى غير ذلك، فيعبد الله بذلك، يقصد وجهه الكريم سبحانه وتعالى، ويتقرب إليه يرجو فضله وإحسانه.
وهكذا في تركه المحارم، يبتعد عما حرم الله عليه من الزنا، وشرب المسكر، وأكل الربا، والعقوق للوالدين، وقطيعة الرحم، والغيبة، والنميمة.. إلى غير ذلك من المعاصي، يتركها لله خوفاً من الله، لا من أجل مجاملة الناس، أو رياء الناس، أو لمقاصد أخرى، بل يدع ما حرم الله عن إخلاص لله، وعن تعظيم لله؛ لأن الله حرمها عليه، وأمره بتركها، فهو يدع المحارم إخلاصاً لله، ومحبة له، وتعظيماً له، وطاعة له، كما يؤدي الفرائض طاعة لله وتعظيماً له، ورغبة فيما عنده سبحانه وتعالى.
هذه هي العبادة، أوامر تفعل ونواهي تترك، ويضاف إلى ذلك كل ما شرعه الله من العبادة غير الواجبة، من تسبيح وتهليل، وصدقات تطوع، وصيام تطوع، وصلاة تطوع، وحج تطوع، كله تبع العبادة.
أما العصاة من المسلمين فهم بين ذلك، لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء في الجملة، ولكن نهايتهم ومصيرهم إلى دار النعيم مع إخوانهم المتقين، لكن قد يصيبهم عذاب قبل ذلك، فقد يدخلون النار قبل ذلك بمعاصيهم، فيعذبون قبل دخول الجنة بمعاصيهم التي ماتوا عليها، إلا أن يعفو الله سبحانه وتعالى عمن شاء منهم، كالذي مات على الزنا، أو مات على عقوق الوالدين، أو مات على شرب الخمر، أو مات على أكل الربا، أو مات على غير ذلك من المعاصي التي حرمها الله عليه، فهم تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عنهم وأدخلهم الجنة بتوحيدهم وإيمانهم وأعمالهم الصالحة التي معهم، وإن شاء سبحانه عذبهم على قدر المعاصي التي ماتوا عليها، ثم بعد التطهير والتمحيص في النار يخرجهم الله من النار إلى الجنة بعد ذلك، كما قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فما دون الشرك من المعاصي لمن يشاء.
وتواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كثيراً من العصاة يعذبون في النار، يعذبون على معاصيهم، ثم يشفع فيهم الشفعاء.. يشفع فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، ويشفع فيهم الشفعاء من الملائكة والمؤمنين والأفراط، فيخرجون من النار بعد امتحاشهم واحتراقهم فيها، بعد تعذيبهم فيها على قدر معاصيهم، يخرجهم الله من النار إلى نهر يقال له: نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة في حميل السيل، فإذا تم خلقهم أدخلهم الله الجنة بعد ذلك بإسلامهم الذي ماتوا عليه، وتوحيدهم الذي ماتوا عليه، بعد أن طهروا في النار من معاصيهم وأرجاسهم التي ماتوا عليها ولم يتوبوا منها.
فالواجب التناصح بين المسلمين من النساء والرجال، الواجب التناصح دائماً، كل واحد يقول: يا أخي! اتق الله، فعلت كذا وكذا.. يا أخي! راقب الله، والله إني أخاف عليك من كذا وكذا، والله إني أخاف عليك النار، أخاف عليك من غضب الله، وهكذا الأخت مع أخيها في الله، ومع أختها في الله، مع أبيها.. مع أمها.. مع بنتها.. مع خالتها، والرجل كذلك، يتناصحون، ويتواصون بالحق، فإن هذه الدار دار تناصح.. دار التواصي بالحق.. دار التعاون على البر والتقوى، كما قال سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، وكل هذا عبادة من عبادات الله التي أمر بها في قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21].
فالتناصح والتواصي بالحق والتعاون على الخير كله من العبادات التي أمر الله بها عز وجل، وهي من وسائل السعادة، فالمؤمنون إخوة رجالهم ونساؤهم، حقٌ عليهم أن يتناصحوا، وأن يتواصوا بالحق، وأن ينصح بعضهم بعضاً، وأن يعين بعضهم بعضاً على الخير، كما قال عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]، وعدهم الرحمة على أعمالهم الطيبة، على تناصحهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله، وعدهم الرحمة، قال: أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ [التوبة:71] بأعمالهم الطيبة، ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32] فالأعمال الطيبة هي سبب الرحمة، وهي سبب المغفرة، وهي المعول على عفو الله ورحمته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أنه لن يدخل الجنة أحد منكم بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل )،فالأعمال أسباب لرحمة الله، والمعول على فضله ورحمته سبحانه وتعالى ومغفرته، فأنت تعمل وتجتهد وتسأل ربك القبول والمغفرة والرحمة، ويفسر سبحانه الرحمة في الآخرة بقوله: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:72]، هذا وعده للمؤمنين في الدنيا والآخرة، رحمة من الله في الدنيا بها يوفقهم للطاعة ويعينهم عليها، ورحمة في الآخرة بها دخول الجنة والنجاة من النار.
فلا يجوز للمؤمن ولا للمؤمنة الغفلة عن أخيه، وتركه على المعصية وعدم نصحه، فالواجب التناصح، والتعاون، والتواصي بالحق، لا ترض أن يكون أخوك في النار وأنت تستطيع أن تنقذه بتوفيق الله بدعوتك ونصيحتك، لا تدعه للشيطان وأنت تستطيع أن تخلصه منه بالدعوة إلى الله، والتوجيه إلى الخير، والتحذير من أسباب الشر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه) ويقول عليه الصلاة والسلام: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، هكذا أنتم، هكذا المؤمنون والمؤمنات مثل الجسد، إذا صلح المجتمع واستقام صار كالجسد الواحد، إذا تألمت عينه تألم كله، وإذا تألم رأسه تألم كله، وإذا تألمت يده تألم كله، وهكذا المجتمع الإيماني إذا تألم أخوك فأنت متألم أيضاً؛ لأنك كالجزء منه، فإذا مرض كأنك المريض، وإذا افتقر كأنك الفقير، وإذا ظُلم كأنك المظلوم، تعينه على الخير، وإذا عصى تعينه على طاعة الله وترك المعصية، ترحمه لأنه أخوك.
فالمسلمون فيما بينهم إخوة متراحمون، متناصحون، متواصون بالحق والصبر عليه، رجالهم ونساؤهم، عربهم وعجمهم، كلهم على هذا المنوال، كلهم يجب أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يتناصحوا، وأن يتآمروا بالمعروف، وأن يتناهوا عن المنكر، بنية صالحة رجاء ثواب الله ومغفرته، ورجاء أن ينفع الله بهذا العمل، وأن يهدي الله على يديك أخاك المسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لـعلي رضي الله عنه لما بعثه داعية إلى خيبر : (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر النعم)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيء)، فالذي يدعو إلى الهدى له مثل أجور أتباعه، الذي يدعو إلى الصلاة له مثل أجور من صلى بسببه، أو إلى الصيام، أو إلى الحج، أو بر الوالدين، أو صلة الرحم، أو إكرام الضيف، أو صدق الحديث، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو غير هذا، يكون له مثل أجور أتباعه، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله).
والعكس.. كذلك إذا دعاه إلى الزنا فزنا بسببه صار عليه مثل إثمه، نسأل الله العافية! وإذا دعاه إلى شرب مسكر يكون عليه مثل إثمه، وإذا دعاه إلى أن يعق والديه يكون عليه مثل إثمه، وإذا دعاه إلى الربا يكون عليه مثل إثمه.. وهكذا نسأل الله السلامة! من دعاه إلى البدعة في الدين يكون عليه مثل إثمه.
فالواجب التفقه في الدين، والتعلم والتبصر، والسؤال عما أشكل، والعناية بالقرآن الكريم، فهو أصل الدين وأصل الخير.. العناية بالقرآن والإكثار من تلاوته، والتدبر والتعقل، فهو الهادي إلى كل خير، وهذا في حق الرجال والنساء، أوصي الجميع بالعناية بالقرآن والإكثار من تلاوته، والتدبر لمعانيه، كما قال الله سبحانه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] .. قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ [فصلت:44] .. كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29] .. وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155].
أيها الإخوة والأخوات في الله: على الجميع العناية بهذا الكتاب العظيم، تلاوةً وتدبراً وتعقلاً، وإنصاتاً لتاليه، حتى تستفيد، وحتى تعلم مراد ربك من هذه الأوامر والنواهي، فتعمل بأوامر الله، وتنتهي عن نواهي الله، وتقف عند حدود الله، ترجو ثوابه وتخشى عقابه، وهكذا السنة، سنة الرسول صلى الله عليه وسلم هي الوحي الثاني، وهي الأصل الثاني، وهي مفسرة لكتاب الله، ومبينة لأحكامه، فأوصي الجميع بالعناية بالسنة، بحفظ ما تيسر منها، وسؤال أهل العلم عما أشكل.. فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7]، يحفظ ما تيسر من الأحاديث.. عمدة الأحكام وبلوغ المرام كتابان عظيمان نافعان، وهكذا ما تيسر مثل: الأربعين النووية ، وتتمته للحافظ ابن رجب، فهي أحاديث مهمة من جوامع الكلم يحفظها ويستفيد منها، ويحفظ كتاب التوحيد وما فيه من الأحاديث، ويحفظ الثلاثة أصول ، والعقيدة الواسطية ، وكشف الشبهات للشيخ محمد رحمه الله، هذه الكتب وما أشبهها فيها الخير العظيم، وفوائد جمة في العقيدة وفي الحديث الشريف، وفيما يتعلق بكتاب الله عز وجل، كل هذه أسباب للعلم والفقه في الدين، ومن أسباب التعاون على البر والتقوى، والدعوة إلى الله على بصيرة.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يمنحنا وإياكم الفقه في الدين، وأن يثبتنا وإياكم عليه، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، كما أسأله سبحانه أن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعاً، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يوفق ولاة أمرنا لكل ما فيه رضاه وصلاح عباده، وأن يعينهم على كل خير، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين لكل ما فيه صلاح الأمة ونجاتها وسعادتها في الدنيا والآخرة، كما أسأله سبحانه أن يوفق جميع ولاة المسلمين في كل مكان، نسأل الله أن يوفقهم لتحكيم شريعته، والتحاكم إليها، وإلزام الشعوب بها، والثبات عليها حتى الموت، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يصلح جميع المسلمين في كل مكان، وأن يعينهم على كل خير، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يكثر بينهم دعاة الهدى، إنه جل وعلا سميع قريب، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
الجواب: إيداع الأموال في البنوك للضرورة أمر جائز، وقد صدرت منا فتاوى في ذلك ومن اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء، وذلك للضرورة؛ لأن بعض الناس لا يأمن على أهل البيت، فإذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس بإيداعها في البنوك من دون أخذ فائدة حتى يأخذها، وإذا تيسر إيداعها في مكان آخر أمين غير البنوك فهو الذي ينبغي له والأولى، وإذا لم يتيسر ذلك فلا حرج في إيداعها، وليس معناه المراباة فيها، وليس عليه إثم، فهو إنما أودعها لحفظها حذراً من الخطر عليها، أما من تعاطى الربا فيها فالإثم عليه.
الجواب: هذا فيه تفصيل.. الإمام الذي جماعته يرغبون في قراءته وهو يفيدهم بعلمه وفضله، وحسن تلاوته، فينبغي له ألا يهملهم، وإذا أراد العمرة ذهب لها يوماً أو يومين ورجع، حتى يجمع بين المصالح، ويصلي بهم ويذكرهم ويعلمهم، أما الإمام الذي قد يجد من هو أفضل منه، أو من يقوم مقامه ويكون مثله، فلا حرج، إذا وجد نائباً يقوم مقامه قد يكون مثله أو أفضل منه فلا بأس في ذلك، فليذهب وليستفد، وذلك إذا قام مقامه من هو أفضل منه في الوعظ والتذكير والصلاة والقراءة ونحو ذلك، فالمسألة مسألة ترجيح المصالح.
فالإمام ينظر ويتأمل، فإن كان هناك من يقوم مقامه وقد يكون أفضل منه في العلم والعمل فلا بأس، وإذا كان يصلي بجماعته، وينفعهم ويعينهم على طاعة الله، ويذكرهم بالله، فهذا أفضل من ذهابه إلى هناك؛ لأن هذا نفعه متعدٍ، وذهابه إلى مكة لنفع نفسه، لكنه هنا في مسجده يدعو إلى الله، ويعلم ويرشد، ويعينهم على طاعة الله، هذه أنواع من النفع المتعدية، ولا مانع من العمرة، إن كان القصد العمرة، فبالإمكان أن يذهب يوماً أو يومين يأخذ العمرة ويرجع، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (العمرة في رمضان تعدل حجة)، وهذا الشهر الكريم شهر رمضان، شهر عظيم، تضاعف فيه الأعمال الصالحة، فينبغي للمؤمن أن يكون له الحظ من الاجتهاد في رمضان في أعمال الخير؛ لأنه شهر تضاعف فيه الحسنات، وترفع فيه الدرجات، وتكفر فيه السيئات، وتفتح فيه أبواب السماء وأبواب الرحمة وأبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، فهو شهر عظيم ينبغي فيه المنافسة على الخيرات، والمسارعة في أنواع الطاعات في كل مكان، في بلده وغير بلده، فإذا تيسرت العمرة في رمضان، أو جلس هناك في رمضان في المسجد الحرام لمضاعفة الصلاة ومضاعفة الأعمال الصالحة، ولا يترتب على ذهابه إلى هناك تركه لما هو أهم فلا بأس، أما إذا كان يترك ما هو أهم في بلده، من صلاته بجماعته وتعليمه لهم، وإعانته إياهم، أو ما يتعلق به من أمر بمعروف أو نهي عن منكر، ونفع الناس، ويروح ويذهب هناك كواحد من الناس يصلي، فجلوسه في بلده لينفع النفع العام أولى من ذهابه إلى هناك ليصلي مع الناس في الحرم الشريف؛ لأن هذا النفع متعدٍ، والعمرة التي يريدها يمكن أن يأتي بها في وقت قصير في يوم أو يومين.
والمقصود بمناسبة هذا الشهر الكريم وقربه، ينبغي للمؤمن أن يسأل الله عز وجل أن يبلغه إياه، وأن يبلغه صيامه وقيامه إيماناً واحتساباً، وينبغي لكل مؤمن ومؤمنة في هذا الشهر الكريم -إذا بلغنا الله وإياكم إياه- الاجتهاد فيه، وبذل الوسع في أنواع الخير وأنواع الطاعات؛ لأنه شهر عظيم، وهو سيد الشهور، ينبغي فيه الاستكثار من الحسنات، والأعمال الصالحات، والحذر من السيئات. ومزيداً على ما تقدم كل وقت ينبغي فيه الاستكثار من الحسنات، وينبغي فيه بل يجب فيه ترك السيئات، لكن في رمضان ينبغي للمؤمن أن يضاعف الجهود في طاعة الله، والاستكثار من الحسنات، وأن يحذر غاية الحذر من الإكثار من السيئات، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
الجواب: فيه خلاف بين أهل العلم، والصواب أنه لا بأس، إذا كان فقيراً وأعطته زكاة مالها فلا بأس على الصحيح.
الجواب: تشريح المسلم للعبث لا يجوز، تشريح جثته وهو ميت، بل يجب احترامه، وأن يكفن ويغسل ويصلى عليه ويدفن محترماً، أما الانتفاع بشيء من أجزائه بعد موته فهذا فيه خلاف بين العلماء؛ علماء العصر ومن قبلهم، منهم من أجاز أن ينتفع بشيء منه؛ لأنه يئول إلى التراب ويذهب إلى التراب إذا أوصى بذلك، كأن يوصي بكليته أو يوصي بشيء آخر من أجزاء بدنه، فذلك عند جمع من أهل العلم جائز، وقد قرر مجلس هيئة كبار العلماء بالأكثرية، ومجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع للرابطة بالأكثرية، جواز ذلك لمصلحة المسلمين إذا أوصى بشيء لأخيه المسلم، من كلية أو غير ذلك لإتلاف ما به من المرض والخلل في كليته ونحوها، فإذا أوصى بذلك ولم يترتب على هذا فتنة بين الموصى له وبين الورثة، أجاز ذلك الأكثرون من علمائنا الموجودين؛ نظراً للمصلحة العامة، كما يتبرع في صحته بماله ويساعد إخوانه ببدنه، ويدافع عن إخوانه ببدنه وهو حي، فهكذا إذا تبرع لهم بشيء من جسمه الذي سوف يكون إلى التراب وسوف يذهب لينفع به بعض إخوانه.
وقال آخرون من أهل العلم: لا يتصرف في جسده، ولا يتبرع منه بشيء؛ لأنه لا يملك جسده فلا يتصرف فيه، ولا يقطع منه شيئاً لا بإذنه ولا بغير إذنه، احتراماً له، والأفضل الأول، ومنهم الأكثر من أهل العلم الذين قد درسوا هذا الموضوع واعتنوا به، ورأوا أن من الصالح العام ومن الفوائد أن يتبرع لأخيه المحتاج إلى شيء من جسمه بعد وفاته، والله جل وعلا أعلم.
السائل: وهل يجوز الأخذ من الكافر؟
الشيخ: من باب أولى.
الجواب: الحديث لا بأس به وإسناده جيد، ومعناه عند أهل العلم: (ملعونة)، أي: مذمومة، كما قال تعالى: إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ [الدخان:43-44]، وسماها في موضع آخر: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ [الإسراء:60]، بمعنى: مذمومة.. فالدنيا مذمومة ومذموم ما فيها، إلا ذكر الله، وتوحيده وطاعته سبحانه، وما والى ذلك من المؤمنين والأخيار المطيعين لله من أهل الإسلام، وعالماً ومتعلماً، فما كان لله وفي طاعة الله وفي الخير، وما كان يعين على طاعة الله؛ فليس بمذموم، وما كان في سبيل الكفر والضلال والإعانة على المعاصي فهذا هو المذموم، ولهذا قال: (إلا ذكر الله وما والاه)، ما والاه من طاعة الله ورسوله، وما يعين العبد على طاعة الله ورسوله، هذا هو الذي ليس بمذموم، وأما ما أعان على طاعة الشيطان ومعصية الرحمن من مال أو غيره فهو المذموم، وهكذا الجاهل الذي يعين على معاصي الله، وهكذا كل شيء يستعان به على معاصي الله فهو مذموم، وإنما الممدوح المثني عليه ما أعان على طاعة الله، ونفع عباد الله من مال وغيره.
الجواب: هذا منكر عظيم، وفساد كبير، وآفة عظمى، لا يجوز للمسلم أن يفعل ذلك؛ لأن معناه: العزم على تأخيرها عن وقتها، وهذا منكر لا يجوز، بل يجب ترك ذلك.
ونصيحتي لمن فعل ذلك أن يوقت الساعة على الوقت عند آذان الفجر؛ حتى يصلي مع المسلمين، وحتى يؤدي حق ربه في وقته مع إخوانه المؤمنين، وهكذا المرأة يجب عليها أن تؤدي الصلاة في وقتها، ولا يجوز التأخير إلى بعد طلوع الشمس، ولا غيرها، كالظهر إلى وقت العصر، والعصر إلى وقت المغرب، أو إلى أن تصفر الشمس، كل هذا لا يجوز، وهكذا المغرب لا يجوز تأخيرها إلى أن يغيب الشفق، وهكذا العشاء لا يجوز تأخيرها إلى نصف الليل، بل يجب أن تؤدى قبل نصف الليل.
والمقصود أن الواجب أن تؤدى الصلوات في أوقاتها، ولا يجوز تأخيرها لا للرجل ولا للمرأة، وتأخيرها عن أوقاتها من أكبر الكبائر، وقد ذم الرسول صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك، وأمر أن تؤدى الصلاة في وقتها، وقال: (إنه يأتي عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، فمن أدرك ذلك فليصل الصلاة لوقتها، فإن أدركته الصلاة وهو معهم صلى معهم نافلة).
والمقصود أن الواجب على المؤمنين والمؤمنات أداء الصلوات في أوقاتها، والحذر غاية الحذر من تأخيرها عن أوقاتها، ومن فعل ذلك استحق أن يعزر ويؤدب من جهة ولاة الأمور، ومن جهة أهل الحسبة أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا ثبت أنه يؤخرها عن وقتها استحق أن يؤدب ويعاقب.
السائل: ورد أنكم كفَّرتم من تعود على ذلك، فما صحة ذلك؟
الشيخ: من عزم على الترك يكفر على الصحيح .. من عزم على تركها وليس على تأخيرها، من عزم على تركها بالكلية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) فالذي يعزم على تركها، أو يتركها إلا يوم الجمعة، أو إلا في رمضان؛ فهذا كافر، على الصحيح من قولي العلماء.
وقال آخرون من أهل العلم: إنه يكون كافراً كفراً أصغر لا كفراً أكبر إذا لم يجحد الوجوب، أما إذا جحد وجوبها كفر إجماعاً، لكن الصواب والأرجح من القولين: أنه متى تركها عامداً عازماً على تركها فإنه يكفر بذلك وإن لم يجحد وجوبها، ولو فعلها بعض الأحيان، أو فعلها يوم الجمعة، أو فعلها في رمضان، فلا يغنيه ذلك، نسأل الله السلامة والعافية!
الجواب: بيع آلات الملاهي وما حرم الله أمر منكر، وثمنه حرام؛ لأنه ثمن لما حرم الله بيعه، وكذلك من يؤجر عليهم وهو يعرف أنهم يفعلون هذه الأشياء فلا يجوز أن يؤجر عليهم، كما لا يجوز أن يؤجر على من يستأجر لجمع البغايا والزناة أو شراب الخمر أو نحو ذلك؛ لأنه معين على معاصي الله، والله يقول: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، فلا يجوز أن يؤجر محله لبيع خمر، أو لتصوير، أو لآلات الملاهي، أو لغيرها من معاصي الله؛ لأنه قد أعانهم على الإثم والعدوان، ومن كان يقبل هذا يأكل سحتاً وإثماً، نسأل الله العافية!
الجواب: الذكر بعد الصلاة يستحب رفع الصوت به، قال ابن عباس رضي الله عنهما: [كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم]، وقال : [كنت أعلم أنه انصرف من الصلاة إذا سمعته]، وقال : [ما كنا نعرف انتهاء صلاة رسول الله إلا بالتكبير]، أي: إذا أتى الصبيان من عند الأبواب يسمعونهم فيعرفون أنهم قد انتهوا من الصلاة.
فالسنة بعد الصلاة أن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، كل هذه يستحب رفع الصوت بها بعد الصلوات الخمس، ويزيد في الفجر تكرار عشر مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، بعد الفجر وبعد المغرب بزيادة، ويكررها بعد السلام وبعد الانصراف إلى الناس إذا كان إماماً عشر مرات، بعد قوله: أستغفر الله ثلاثاً، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، كل هذا مستحب، ويرفع الصوت به كما كان يرفع به في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ولأن الناس يحتاجون إلى التنبيه والتعليم والتذكير، فإذا رفع الصوت بذلك ذكر الناس ونبه الجاهل، حتى يشتركوا في ذلك ويتعاونوا عليه.
وبعض الناس يظن أن هذا غير مشروع لجهله؛ ولأنه عاش في بيئة لا ترفع، فيظن أنه غير مشروع، والسنة رفع الصوت بذلك، رفعاً متوسطاً ليس فيه إزعاج، بحيث يسمعه من حول الأبواب وحتى يعرفوا أنهم سلموا من الصلاة، هذا هو المشروع، لا يكون سراً بينه وبين نفسه.
السائل: في جميع الأوقات؟
الشيخ: يكون في جميع الأوقات الخمسة، لكنه يزيد في الفجر والمغرب تكرار: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، زيادة على ما هو معروف في الصلوات الأخرى: الظهر والعصر والعشاء، فإن السنة بعد السلام للإمام والمنفرد والمأموم أن يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، هذا مشروع للجميع، الرجال والنساء، والإمام والمنفرد والمأموم.
ثم بعد ذلك ينصرف الإمام إلى الناس ويعطيهم وجهه، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وهكذا المأموم والمنفرد، يقول هذا الذكر بعد قوله: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، قال ابن الزبير رضي الله عنه: )كان النبي عليه الصلاة والسلام يقولها إذا سلم)، وهكذا قال المغيرة: (كان إذا سلم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، والمراد فيما بعد قوله: أستغفر الله ثلاثاً، اللهم أنت السلام...
ولما اشتكى فقراء المهاجرين إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس عندهم صدقات يتصدقون بها كالأغنياء، وليس عندهم عبيد يعتقون كالأغنياء، قال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: (ألا أدلكم على شيء تدركون به من سبقكم، وتسبقون من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثلما صنعتوا؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين)، وقال في حديث أبي هريرة: ( يقول بعد ذلك: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)، وفي الحديث: (من قالها غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر)، وهذا وعد عظيم وفضل كبير، ينبغي المحافظة عليه رجاء هذا الوعد، ورجاء حصول المغفرة، مع الاستقامة على طاعة الله، ومع الحذر من معاصيه.
السائل: اللهم أجرني من النار، هل العبارة صحيحة؟
الشيخ: هذه تقال في الفجر والمغرب، لكن الحديث في سنده ضعف، وإذا فعله الإنسان فهو حسن إن شاء الله؛ لأن سنده مقارب للحسن، وفيه لين، فإذا فعله الإنسان فلا حرج إن شاء الله.
الجواب: المصارعة فيها خطر، ولا سيما إذا كان معها ملاكمة، فالملاكمة منكرة؛ لأنها خطر على الناس، وإذا كانت مصارعة بدون ملاكمة فلا بأس به، لكن مع الرفق والبعد عن الخطر الذي يضر به أحدهما الآخر، أما إذا كان فيه بدو عورات فلا يجوز للمتصارعين ولا للمشاهدين، إذا كان مع بدو الأفخاذ أو العورة الشديدة القبيحة فهذا محرم، المقصود أن جنس المصارعة لا بأس بها على الطريقة التي ليس فيها خطر، فقد صارع النبي صلى الله عليه وسلم يزيد بن ركانة فصرعه، وهذا الأمر معروف عند العرب، وفيها تمرن على القوة، لكن بشرط أن يكون ذلك على طريقة سليمة ليس فيها تعرض لأسباب الهلاك، ولا يكون فيها كشف للعورات، ومشاهدتها لا تجوز إذا كان فيها كشف للعورات، كالفخذ، أو السوأة العظمى، فلا يجوز ذلك.
السائل: إذا كان الذين يفعلون المصارعة كفاراً؟
الشيخ: سواء كانوا كفاراً أو مسلمين، إذا لم تكن فيها ظهور عورات فلا بأس بها والنظر إليها إذا لم تصد عن ذكر الله، ولم تشغل عن صلاة ولا عن واجب.
الجواب: الوضوء يكفي، والغسل مستحب وليس بواجب، الغسل لمن غسل ميتاً مستحب، والوضوء يكفي وليس بواجب على الصحيح إذا كان المغسل لم يمس عورة الميت، إنما يشرع الوضوء، وقال بعض أهل العلم بوجوبه، ولكن إذا كان المغسل ما مس العورة فليس هناك دليل على الوجوب، فإذا توضأ واغتسل كان ذلك أفضل؛ لأن عائشة رضي الله عنه قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل من غسل الميت)، وكان معروفاً بين الصحابة الغسل من غسل الميت.
أما الوضوء فاختلف العلماء فيه، فقال بعضهم: يجب، وقال بعضهم: لا يجب، والصواب: أنه يجب إذا كان المغسل مس عورة الميت، أما إذا ما مسها فلا يجب، لكن إذا توضأ احتياطاً وخروجاً من خلاف العلماء فإن ذلك يكون أحسن، وليس له أن يمس العورة، بل يغسلها من وراء حائل، المغسل يجعل على يديه خرقه يغسل بها العورة ولا يمسها.
الجواب: باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه، أما بعد: فالصواب أنما يدركه المأموم مع الإمام هو أول صلاته، ما أدركته مع الإمام هو أول صلاتك، فإذا أدركت معه ثنتين فهاتان الثنتان اللتان أدركتهما هما أول صلاتك، تقرأ الفاتحة وما تيسر معها إذا أمكنك ذلك، وما تقضيه هو آخر صلاتك؛ لأن الصلاة لا تنعكس، فلا يكون آخرها أولها، فما أدركته فهو أولها، وما تقضيه فهو آخرها، وعلى هذا إذا كنت أدركت ركعتين في الرباعية أو الثلاثية فإنك تقرأ الفاتحة فقط دون الزيادة، هذا هو الأفضل، لكن في الظهر لو زدت شيئاً بعد الفاتحة فلا بأس؛ لأنه جاء في حديث أبي سعيد ما يدل على أن الرسول عليه السلام كان يزيد في الثالثة والرابعة في الظهر زيادة على الفاتحة في بعض الأحيان.
والمقصود أن ما أدركته هو أول صلاتك، وما تقضيه هو آخر صلاتك، والسنة في الأخيرتين الفاتحة فقط في العصر وفي العشاء وفي الظهر، وفي المغرب الركعة الأخيرة الفاتحة فقط، لكن لو قرأ زيادة في الظهر بعض الأحيان آيات أو بعض السور القصيرة في الثالثة والرابعة فلا بأس؛ لما جاء في حديث أبي سعيد ما يدل على أنه كان ربما فعله بعض الأحيان.
أما أبو قتادة رضي الله عنه فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب، كما رواه الشيخان من حديث أبي قتادة .
السؤال: لقد سررنا كثيراً بصدور مجلة البحوث ، ولكننا تألمنا بما صدر أخيراً وهو ألا تباع إلا بالإفتاء، ولا يخفى على سماحتكم مدى المشقة التي تحصل بهذا؛ لأنه ليس كل الناس يستطيع الحضور للإفتاء، فنأمل من سماحتكم معالجة هذا الأمر.
الجواب: هذا الأمر قد درسه المجلس الاستشاري، ورأى أن من المصلحة أن تباع عن طريق مكاتب الدعوة ومراكز الدعوة في الرياض وفي غيرها من البلدان، ومن أرادها وجدها عند المراكز، والذي يباع منها قليل، والباقي يوزع، لكن هذا الذي يباع قليل حتى يتمكن من أرادها من وجودها، وإلا فأكثرها يوزع مجاناً، وإنما بيع منها بعض الشيء بثمن يسير ليتيسر للراغبين فيها الحصول عليها ممن لا يجدها بالتبرع.
الجواب: ليس لهذا أصل، لم أشرحه وإنما علقت على أحاديث ولا أزال الآن أتابع ذلك، لكن بعض الإخوان صور تقريري على البلوغ من أوله إلى آخره في الجامع الكبير، فاعتبر هذا شرحاً، ويمكن أنه تكلم بهذا عند بعض الناس، وأنا لم أشرحه، ولكن بعض الطلبة سجل التقرير من أول البلوغ إلى آخره في درس الإخوان في الجامع الكبير، وهو يحتاج إلى عناية، وقد قرأ علي بعضه وأصلحت بعضه، ولكنه حتى الآن لم يقرأ علي منه إلا القليل، ولعل الله يمن بمراجعة هذا التقرير حتى يتم تعديله وإصلاحه، وإزالة ما ينبغي إزالته أو زيادة بعض الأشياء التي تحسن زيادتها، ثم يكون بهذا شرحاً كاملاً، لكن مثلما تقدم أنه يحتاج إلى عناية، ولعل صاحبه يعرضه علي -إن شاء الله- بعد رمضان، وننظر في الموضوع من أوله إلى آخره.
الجواب: العادة السرية هي الاستمناء، ويسميها بعضهم: (جلد عميره)، وهي: استخراج المني بيده أو بآلة أخرى، هذه العادة السرية وهي الاستمناء أو (جلد عميره) كلها أسماء لمسمى واحد، وهو إخراج المني عن طريق المعالجة، وهذه لا تجوز، ومنكرة، وفيها ضرر عظيم، قرر الأطباء أن فيها أضراراً كثيرة، مع أنها عادة مخالفة للشرع المطهر، ودليل ذلك قوله جل وعلا في وصف أهل الإيمان: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7] العادون: الظالمون، احتج بهذا جمع من المفسرين وأهل العلم على أن هذه العادة عدوان ولا تجوز؛ لأنها ليست مع الزوجة، ولا مع السرية -مع الأمة- بل هي عدوان زائد، وتصرف بهذا الماء يضر صاحبه وربما أفضى إلى ذهابه بالكلية ونقصه بالكلية، حتى لا يستطيع بعد ذلك الجماع، وحتى لا يحصل له نسل بعد ذلك، فهو من العادات القبيحة، وفيه من الأضرار ما لا يحصى بشهادة الأطباء العارفين بهذه العادة القبيحة.
ونصيحتي لكل واحد من الشباب والشابات الحذر؛ لأن هذه العادة يتعاطاها النساء والرجال جميعاً، فيجب الحذر من هذه العادة القبيحة، ولا يجوز تعاطيها لا للرجال ولا للنساء، لا للشباب ولا للشيب، بل يجب تركها والحذر منها؛ لأنها مخالفة لنص كتاب الله؛ ولأنها تشتمل على أضرار كثيرة لا نحصيها الآن، وقد ألف بعض علماء المغرب في ذلك رسالة جيدة شرح فيها أضرار هذه العادة السرية، وهي رسالة مطبوعة موجودة، لعلها موجودة في المكتبات هنا في الرياض ، فالمقصود أن أضرارها معروفة عند أهل العلم، وعند أهل الطب.
الجواب: بيع الدم لا يجوز، ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن ثمن الدم)، فالدم لا يجوز بيعه؛ لأنه محرم، ولكن لا بأس بالإسعاف به، لا بأس أن يسعف الإنسان أخاه بالدم إذا اضطر إلى ذلك، يسعفه بواسطة الأطباء العارفين، فيأخذ من الصحيح دماً لا يضره لإسعاف المريض المحتاج إلى الدم، لكن بغير الثمن، لكن لو اضطر المسعف لشرائه جاز له وحرم على البائع الثمن، ولو اضطر المريض إلى الإسعاف، ولكنه لم يحصل عليه إلا بثمن جاز له بذل الثمن وحرم على الآخذ البائع الثمن؛ لأنه بيع دم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الدم.
السائل: وما حكم عقد الجوائز على التبرع بالدم؟
الشيخ: هذا أسهل من المبايعة، الهدية التي تهدى إليه أو الجائزة التي تهدى إليه من غير مشارطة بالهدية أمرها أسهل، أجازها جمع من أهل العلم؛ لأنها ليست مشارطة ولا مبايعة، إنما هي هدية، كما يُهدى لصاحب التيس أو الجمل أو الحصان الذي يضرب به ما عنده من الإناث، فإذا أهدى إليه شعيراً أو أهدى إليه قتاً أو شيئاً للدابة هذه من دون أن يشارطه على شيء؛ لأنه لا يجوز بيع عسب الفحل، ولا يجوز بيع غراب الفحل، لكنه لو أهدى إليه شيئاً لتيسه أو حصانه أو ثوره أو جمله، فلا بأس من باب الهدية لا من باب المشارطة.
الجواب: المسابقات فيها تفصيل.. إذا كانت على وجه الغرر والقمار فلا تجوز، كالذين يعدّون جوائز بالرقم، فمن وافق الرقم يأتي بالجائزة، ويسلم خمسين ريالاً أو مائة ريال أو أكثر يساهم بها، فإذا وجد الرقم في البطاقات التي يحصلها ويشتريها حصل على الجائزة، هذا فيه قمار، وفيه إضاعة للأموال، وفيه غرر، فلا يجوز، وقد صدر منا ومن اللجنة الدائمة فتاوى بذلك، وكتبنا كتابات كثيرة في المنع من هذا.
أما جائزة معلومة، من فعل كذا وكذا، من حفظ كذا وكذا فيعطى كذا، من أدرك الجواب الصحيح في حكم كذا وكذا، حتى يفتش وحتى ينظر في الكتب ويستفيد، فهذه ليس فيها غرر، متى أدرك الوصف حصلت له الجائزة.
الجواب: هذه جمعية القروض، هذه مسألة معناها الاشتراك في القروض، هذا يقرض وهذا يقرض، يجتمعون وهم عشرة كل واحد منهم يسلم من معاشه ألفين كل شهر، فتكون عشرون ألفاً لكل واحد منهم كل شهر يستفيدون منها، وهذه مسألة اختلف إخواننا العلماء في جوازها وعدم جوازها، وقد عرضت على مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الأخيرة التي انتهت في هذه الأيام القريبة، واشتبه أمرها، وحصل فيها بعض التداول للرأي، وأجِّلت إلى ما بعد رمضان إلى دورة آتية بعد رمضان للبت فيها، والأحوط للمؤمن تركها؛ لأنها قرض في قرض، عقد في عقد، وقد أجمع العلماء على أن كل قرض يشترط فيه فائدة لا يجوز، وأنت حين أقرضت أخاك لم تقرضه إلا بشرط أنه يقرضك، وهكذا كلهم مجتمعون على أن هذا يقرض وهذا يقرض وهذا يقرض، حتى ينتهي العدد، فهي قروض مشروطة، فتركها هو الأحوط وهو الذي ينبغي؛ حذراً من الوقوع فيما حرم الله من العقود الربوية التي جاء المنع فيها، وهو ما أقرضه لله وإنما أقرضه ليقرضه.
الجواب: الجماع في رمضان من الكبائر، ولا يجوز للرجل ولا للمرأة، وإذا أرادها يجب عليها الامتناع، ولو بدفعه بالقوة، ولا يجوز لها أن ترضى بذلك ولا أن تعين على ذلك، وإذا وقع وجبت التوبة والكفارة معاً والقضاء، إذا وقع هذا الجماع وجبت أمور ثلاثة:
الأمر الأول: قضاء اليوم الذي وقع فيه الجماع مع الإمساك، فعليهما الإمساك فيه وإتمام الصوم مع القضاء.
الأمر الثاني: التوبة إلى الله من ذلك والندم والإقلاع، وعدم العودة إلى ذلك؛ لأنه جريمة وكبيرة، والله حرم على المسلمين الجماع في نهار الصيام، وإنما أحل لهم الجماع في الليل.
الأمر الثالث: الكفارة، وقد ثبت أن رجلاً قال: (يا رسول الله! هلكت، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: أتجد رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: هل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا.)، رجل فقير، فبين عليه الصلاة والسلام أن الواجب عليه العتق أولاً إن قدر، فإن عجز فصيام شهرين متتابعين ستين يوماً، فإن عجز فإطعام ستين مسكيناً، لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد من تمر أو غيره، مقداره كيلو ونصف تقريباً، هذه هي الكفارة في الجماع في رمضان، وفي الظهار إذا حرم زوجته، الكفارة واحدة مرتبة، العتق، ثم الصيام، ثم الإطعام حسب الطاقة.
والمرأة كذلك، فالقاعدة: أن الأحكام الثابتة في حق الرجال تثبت في حق النساء، وهكذا العكس؛ ما ثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال، إذا ما قام عليه الدليل بأنه خاص بهذا أو بهذا، وإلا فالأصل أنهما سواء في الأحكام؛ لأنهما مكلفان، فهما سواء في الأحكام إلا ما خصه الدليل.
ولو كان عليها أو عليه أيام من رمضان وحصل الجماع في أيام القضاء في شوال أو في أشهر أخرى، فيجب قضاء اليوم الذي فسد بالجماع، وعليهما التوبة، ولكن لا يجب فيه كفارة، إنما الكفارة على الصحيح إذا وقع الجماع في نفس رمضان في زمانه؛ لهتك الحرمة، أما في القضاء فلا تجب الكفارة، لكن يجب القضاء؛ لكونه أفسد الصوم، مع التوبة إلى الله من ذلك.
الجواب: الحُلي من الذهب والفضة للنساء فيه خلاف بين العلماء، منهم من رأى فيه الزكاة، ومنهم من رأى فيه عدم الزكاة، وأنه كالملابس، والفرش، والحيوانات العاملة، والأرجح من حيث الدليل أن فيه زكاة، لذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن فيه زكاة إذا بلغ النصاب، وهو إحدى عشرة جنيه ونصف، فإذا بلغت الحلي هذا النصاب من الذهب وجبت الزكاة فيه وهي ربع العشر، من كل ألف خمسة وعشرون، ومن الألفين خمسون.. وهكذا إذا بلغ النصاب وحال الحول، كلما حال الحول عليها هي وليس على زوجها، إلا إذا تبرع زوجها بذلك أو أبوها أو أخوها تبرع لها بذلك ووافقت وسمحت، فلا بأس أن ينوبوا عنها في ذلك برضاها.
ومن الأدلة على ذلك: عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من النار فيكوى به جبينه وجنبه وظهره)، وحديث عبد الله بن عمرو: (أن امرأة دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فوجد على ابنتها مسكتين من ذهب -أي: سوارين من ذهب- فقال: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ فألقتهما، وقالت: هما لله ولرسوله)، وحديث أم سلمة : (أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب، فقالت: يا رسول الله! أكنز هذا؟ فقال: ما بلغ أن يزكى فزكي فليس بكنز)، ولم يقل لها: لا زكاة فيه، وأما حديث: (ليس في الحلي زكاة)، فهو حديث ضعيف لا يعول عليه.
وأما غير الذهب والفضة كالماس والجواهر الأخرى فليس فيها زكاة، إذا كانت للبس فليس فيها زكاة، إلا إذا كانت للتجارة فهي تزكى زكاة التجارة، أما اللبس من الماس وأشباهها من الجواهر الكريمة التي يلبسها النساء فليس فيها زكاة؛ لأنها ليست للبيع، وإنما هي للبس فلا زكاة فيها، بخلاف الذهب والفضة فإنهما معدنان فيهما الزكاة بالنص.
الجواب: لا حرج في استعمال، الحبوب في رمضان لأجل الصوم مع الناس والصلاة مع الناس، إذا كانت لا تضرها بعد استشارة الطبيب، فإذا أشار الطبيب بأنها لا تضر، وعرف عنها أنها لا تضر، فلا بأس، حتى تصوم مع الناس، وحتى تصلي مع الناس، فلا حرج في ذلك إن شاء الله.
أما رفع صوتها على زوجها، وسوء أدبها مع زوجها فهذا لا يجوز، والواجب عليها السمع والطاعة لزوجها، وحسن الكلام وطيب الكلام منه ومنها، عليه أن يطيب الكلام هو وعليها أن تطيب الكلام، كل منهما عليه ذلك، يقول الله : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، ويقول سبحانه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228]، فعلى الزوج أن يخاطبها بالمعروف، وأن يكون طيب الكلام، حسن البشر، لا فظاً ولا غليظاً، ولا عنيفاً، ولا خبيث الكلام واللعن، ولكن يكون طيب الكلام، طيب البشر، طيب الملاقاة، حسن الخلق مع أهله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (خياركم خياركم لنسائهم، وأكملكم إيماناً أحسنكم خلقاً)، وعليها هي أيضاً حسن الخلق، والكلام الطيب، وحسن الأدب مع زوجها، والتواضع، وعدم التكبر عليه، وعدم العصيان، وإذا طلبها لحاجته أجابت إلى ذلك في الليل أو النهار، وإذا طلبها إلى فراشه وجب عليها الإجابة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح)، وفي اللفظ الآخر: (حتى يرضى عنها)، فالواجب عليها السمع والطاعة والاستجابة، إلا إذا عجزت لضرر بها أو لمرض بها فالله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] .. لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، أما أن تعصيه في ذلك من دون عذر فلا يجوز لها لا في الليل ولا في النهار؛ لأنها سكن له، ومن أسباب عفته، وهو من أسباب عفتها أيضاً، فعليهما التعاون فيما يعفهما جميعاً، وفيما يطيب عيشهما، وفيما يريحهما جميعاً، وعليه أن ينصفها من نفسه، وعليها أن تنصفه، كل منهما عليه أن ينصف أخاه في الله عز وجل، بالتعاون على الخير، والكلام الطيب، وحسن الكلام، وعدم السب والعنف، وعدم اللعن لا منه ولا منها، كل منهما يتحرى الخير، ويحرص أن يكون خيراً من الآخر في عشرته وفي أخلاقه وفي جميع شئونه، والله المستعان.
الجواب: أنصحك أولاً: أن تحمد الله على أن هداك ورجعت إلى الصواب، تحمد الله وتثني عليه، وتسأله الثبات على الحق في صلاتك .. في سجودك .. في آخر التحيات .. في آخر الليل .. بين الأذان والإقامة، في كل وقت تسأل ربك أن يثبتك على الحق، وأن يعيذك من جلساء السوء.
وأوصيك ثانياً: بالتفقه في الدين, وطلب العلم، والإكثار من قراءة القرآن، وحفظ ما تيسر من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: كتاب التوحيد ، وبلوغ المرام ، والعقيدة الواسطية ، وعمدة الأحكام ، والأربعين النووية ، وما أشبه ذلك مما ينفعك.
وأوصيك ثالثاً: بصحبة الأخيار، والحذر من صحبه الأشرار، عليك بصحبه الأخيار دائماً، والبعد عن الأشرار الذين يجرونك إلى الباطل، فالجلساء لهم خطر عظيم إذا كانوا أشراراً، فيجب الحذر منهم، وعليك بالحرص على التماس الأخيار، فإن لم تجد أصحاباً أخياراً فالزم بيتك، من المسجد إلى بيتك، أو إلى حاجتك في السوق، واحذر صحبة الأشرار، واجلس في بيتك إلا وقت الصلوات ووقت الخروج للحاجات.
وعليك أن تتفقه في الدين، وأن تجتهد في التفقه في الدين؛ حتى تكون على بصيرة، مع الدعوة إلى الله، والنصح لعباد الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حسب علمك وحسب بصيرتك، وسؤال الله الثبات على الحق دائماً دائماً.
الجواب: إذا قال: إذا كلمتيني خلال كذا وكذا، ساعة أو ساعتين أو اليوم أو هذه الليلة فأنت حرام علي، وكلمتيه ناسية فلا شيء عليكِ، فالله يقول: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، فلا شيء عليك ولا تقع يمينه، هذا التحريم لا يقع، وهكذا إذا كان قصده منعك وليس قصده تحريمك، وإنما قصده منعك من الكلام فقط، وليس قصده التحريم لو فعلت، أو قال: إذا خرجت من البيت فأنت حرام، أو إذا زرت آل فلان فأنت حرام، وقصده منعك وليس قصده تحريمك، فهذا كله فيه كفارة اليمين ولا يقع به التحريم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، فإذا قال: إن خرجت فأنتِ حرام أو أنتِ طالق، أو كلمت فلاناً فأنت طالق أو أنت حرام، أو إن زرت آل فلان فأنت طالق أو حرام، والمقصود منعك وليس قصده تحريمك ولا طلاقك، إنما قصده أن يمنعك من هذا الشيء، فهذا له نيته والله أعلم بنيته، وعليه كفارة اليمين، إذا فعلتِ ما قال لك وخالفتيه ولا يقع شيء من التحريم، ولا يقع شيء من الطلاق في أصح قولي العلماء رحمهم الله.
الجواب: عليك أن تجتهد في طلب العلم، وصحبة الأخيار، والحرص في حفظ نفسك عن صحبة الأشرار، وعن الذهاب إلى مواضع النساء، أو مواضع الخمور، أو مواضع الفساد، لا تذهب إليها لا وحدك ولا مع الفساق، ابتعد عن مواضع الشر، ومواضع الفسوق، وأصحاب السوء، والزم بيتك ومدرستك، واجتهد في طاعة الله، والمحافظة على الصلاة في الجماعة، واسأل ربك العافية، وتسلم إن شاء الله.
وعليك أن تحرص على الزواج مهما استطعت أنت وأولياؤك، يساعدونك حتى تتزوج، ولو بالاستدانة والله يقضي عنك، ويوفي عنك سبحانه وتعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه)، ويقول: (ثلاثة حق على الله عونهم... وذكر منهم: المتزوج يريد العفاف)، فبادر بالزواج وأبشر بالخير، واستعن بالله ثم بأهلك من أبيك أو أخيك ولو بالقرض حتى يوفي الله عنك، تتسبب في البيع والشراء، أو تعمل، أو تتوظف ويوفي الله عنك إن شاء الله.
السائل: نرجو نصيحة في عدم المغالاة في المهور.
الشيخ: ننصح جميع ولاة أمور النساء، وننصح النساء أيضاً ألا يغالوا في المهور، لا الرجل ولا المرأة، لا وليها ولا هي، نوصي الجميع بالتسامح في المهور وفي الولائم حتى يتيسر الزواج، نوصي الجميع بتخفيف المهور وعدم التكلف في ذلك، وتخفيف الولائم، يكفي الوليمة القليلة الشاة والشاتان ويدعو الأقربين ويكفي، إعلان النكاح وإظهاره مطلوب وهو من السنة، ولكن لا ينبغي التكلف الذي يشق على الزوج ويحرجه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعبد الرحمن بن عوف : (أولم ولو بشاة).
السائل: التكلف من الأمهات.
الشيخ: كله من الرجل والمرأة، على الأم وعلى الخالة والأخت أن يساعدوا على التخفيف والتسهيل في الزواج، وعلى ولي الأمر أيضاً أن يتعاون مع أهل بيته، ولا يطيع امرأته في المغالاة ولا في الولائم، مهما تيسر له ذلك، ونسأل الله لنا ولهم التوفيق.
الجواب: المشارطة لا تجوز، المشارطة على ذلك لا تنبغي، أما إذا صلى بهم وأهدوا إليه شيئاً أو أعطته الأوقاف شيئاً فلا بأس، أما أن يقول: لا أصلي بكم إلا بكذا وكذا، فهذا لا ينبغي، لا ينبغي للمؤمن أن يفعل ذلك، ولكن يحتسب ويصلي بهم، فإن أهدوا إليه شيئاً قبله.
الجواب: زوجك مأجور، والأصل أنه صالح، وهو يخاف عليكن من الشر، فهو مشكور على اجتهاده وعلى قصده الصالح، ولكن لا مانع إذا أحضر عندكن أشرطة مفيدة، أو مسجلات مفيدة تنفعكن بدلاً من رؤية التلفاز وما فيه من الشر، وإذا كان عندكن وفتحه ولا شيء ينفعكن وينفعه ثم أغلقه عما يضر فلا بأس بذلك، المقصود أنه يتحرى الشيء الذي ينفعكن ولا يضركن ولا يضره، أو يأتي إليكن بشيء ينفعكن من تسجيلات مفيدة، وأشرطة مفيدة تنفع، وهكذا ينبغي سماع إذاعة القرآن، لأنها مفيدة، ونور على الدرب برنامج مفيد، أرى أن المرأة والرجل يسمعوا ذلك، ولا ينبغي للزوج أن يمنع امرأته من سماع إذاعة القرآن، أو برنامج نور على الدرب، أو المحاضرات المفيدة التي تنفعهن، هذا شيء مطلوب، ينبغي أن يعين على ذلك، ولكن يمنعهن مما يضرهن من سماع الأغاني والملاهي والمسلسلات الخبيثة التي تضرهن وتضر غيرهن، نسأل الله العافية والسلامة.
الجواب: النكت فيها تفصيل.. إن كانت على سبيل الكذب فلا تجوز، أما إذا كان يحكي أشياء واقعية، أو يصور أشياء لو وقعت كيف الحكم، لو وقع كذا أو صار كذا كيف الحكم، أو يحكي حكايات فيها فائدة للناس وليس من أجل الضحك إنما للفائدة والنصيحة فلا بأس، أما النكت التي مضمونها كذب واختراع أشياء لم تقع كأنها واقعة، فهذا لا أراه جائزاً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له ثم ويل له) ويقول: (أنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وأنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وأنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)، هذه ثلاثة أشياء أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث صحيح جيد لا بأس به، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة -أي: ظاهرها وما حولها- لمن ترك المراء وإن كان محقاً -الجدال والمخاصمة الشديدة؛ لأنها قد تفضي إلى العداوة والشحناء والباطل- وأنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وأنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)، حسن الخلق له شأن عظيم، ويقول عليه الصلاة والسلام: (ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له ثم ويل له).
الجواب: يأخذ الأسهم ويبيعها ويتصدق بالزائد إذا كانت الشركة تتعامل بالربا فتيصدق بالزائد، ويأخذ سهمه، وإذا أخذ سهمه كله فهو إنما باع نصيبه وما باع الربا، فلا حرج عليه، لكنه لا يأخذ الأرباح التي جاءت إليه من الربا، فإن دخلت عليه تصدق بها إذا علم أنها ربا، فإذا كان دخل عليه -مثلاً- عشرة آلاف يعرف أن منها ألفاً أو ألفين من الربا، فعليه أن يتصدق بالزائد إذا عرف أنه من الربا.
الجواب: إذا جامع الرجل زوجته وأولج الذكر في فرجها وجب عليه الغسل وصار في حكم الجنب، وهي كذلك عليها الغسل، وهكذا لو فعل ذلك زناً وجب عليه حد الزنا -نسأل الله العافية- مع الغسل، وإذا أنزل وجب عليه الغسل أيضاً وإن لم يولج، إذا لامسها أو دنا منها أو قبلها فأنزل وجب عليه الغسل إذا أنزل المني وإن لم يجامع.
أما هي ففيها تفصيل: إن أنزلت مثله فعليها الغسل، وإن لم تنزل فلا غسل عليها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الماء من الماء)، أي: ماء الغسل من ماء المني، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل)، وفي لفظ: (إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل)، أي: إذا مس ختانه ختانها، إذا أولج الحشفة، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل)، أي: وإن لم ينزل المني، فالمجامع تارة ينزل وتارة لا ينزل، وعليه الغسل مطلقاً أنزل أم لم ينزل، إن أنزل وجب الغسل بالأمرين: بالجماع وبالإنزال، صار واجباً بالأمرين، وإن لم ينزل وجب بالإيلاج، وإن أنزل ولم يولج وجب الغسل بالإنزال، فالغسل يجب عليه بالإنزال والإيلاج، وبالإنزال وحده، وبالإيلاج وحده، كلها موجبة للغسل.
الجواب: تخفيف شعر الرأس إذا كان ليس لقصد التشبة بالكافرات ولا بالرجال لتخفيف الشعر فلا بأس به، وتركه أولى؛ لأنه جمال، وإن كان لها زوج فلا تقصه حتى تستشيره، وقد ثبت أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي صلى الله عليه وسلم قصصن من شعورهن للتخفيف، وتعب المئونة في مشطه ونقضه وفتله ونحو ذلك، فإذا قصته للزينة أو لتخفيف التعب بإذن زوجها إن كان لها زوج فلا بأس، أما للتشبه بالكافرات أو لقصد التشبه بالرجال فلا.
الجواب: عليك العتق، يوجد في بعض أفريقيا عبيد يباعون، فإن كان لك قدرة تكتب إلينا وتخبر مندوبنا هناك أن يشتري لك في حدود عشرة آلاف وما حولها، وإذا كنت لا تستطيع تصوم شهرين متتابعين، فإن عجزت يبقى ديناً في ذمتك حتى تستطيع العتق أو الصيام، ولو بعد مدة، عليك بتقوى الله ما استطعت، بادر بالصيام أو بالعتق، وما دمت عاجزاً فهو دين في ذمتك، وليس في ذلك إطعام، ليس في القتل إطعام.
الجواب: الزواج بغير المسلمات فيه تفصيل.. الوثنيات والشيوعيات لا يجوز، وهكذا البوذيات لا يجوز، أما بالكتابيات المحصنات المعروفات بالإحصان والعفة والبعد عن وسائل الزنا، وهن محصنات، فيجوز للمسلم نكاح المحصنة، لكن ترك ذلك أفضل وأولى وأبعد عن الشر؛ لأن زواجها قد يفضي به إلى التنصر، وقد يفضي بأولادها إلى التنصُر، ولهذا كره ذلك عمر وجماعة خوفاً على الإنسان من شر ذلك، وإلا فالأصل أنه حلال، كما قال جل وعلا في كتابه الكريم في سورة المائدة:الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ [المائدة:5]، فأباح المحصنات من أهل الكتاب، والمحصنة هي الحرة العفيفة المعروفة بالعفة، فمتى يعرف هذا منها ؟! متى يعرف أنها عفيفة في أمريكا أو في إنجلترا أو في أي مكان ؟! هذا خطر عظيم.
النصيحة ألا يتزوجها، لكن لو وجدت امرأة عفيفة مشهود لها بالعفة جاز، لكن ترك ذلك أفضل؛ لأنه وسيلة إلى أن يتنصر بحبه لها، أو يتنصر أولاده بعده في حياته أو بعد وفاته، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر