أيها السادة المستمعون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في هذا اللقاء.
أيها الإخوة! ما وردنا منكم من أسئلة واستفسارات نعرضها في هذه الحلقة على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
====السؤال: سماحة الشيخ! هذه رسالة تتعلق بالحج، يقول المرسل أخوكم في الله جابر يحيى الشوفي المالكي رجل له مدة طويلة ولم يحج، مع أنه يملك الزاد والراحلة، ويزعم أنه لا يستطيع الحج، فما حكمه؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فإن حج بيت الله الحرام فرض على كل من استطاع السبيل إليه، من الرجال والنساء؛ لقول الله سبحانه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97].
فالذي يملك الزاد والراحلة، يملك القدرة على أداء الحج ثم يتخلف فإنه قد أتى كبيرة عظيمة، ومنكراً عظيماً، فالواجب عليه التوبة إلى الله والبدار للحج في أول فرصة تمكنه، وليس له التخلف عن ذلك أو التساهل في ذلك، مادام يستطيع الحج ببدنه وماله، وهذا أمر مجمع عليه بين أهل العلم ليس فيه خلاف، بل قد أجمع العلماء على وجوب الحج مع الاستطاعة على جميع المكلفين من الرجال والنساء، إذا استطاع ذلك ببدنه وماله.
الجواب: الحج مفرداً صحيح، والعمرة لابد منها، فإن ضمها إلى الحج وحج قارناً أجزأ ذلك وكفى، فإن حج حجاً مفرداً بأن أحرم بالحج وبقي على إحرامه حتى كمل مناسك الحج فإنه يحتاج إلى عمرة بعد ذلك، من التنعيم أو من الجعرانة أو غيرهما من الحل، فإذا أدى ذلك بأن أحرم من الجعرانة أو من التنعيم فطاف وسعى وقصر وحلق، تمت عمرته والحمد لله.
والعمرة واجبة في أصح قولي العلماء؛ لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، ومنها أنه لما سأله جبرائيل عن الإسلام ذكر له: (أنه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت وتعتمر)، فذكر العمرة في بيان الإسلام، فدل على فرضيتها، وقد روى هذا الحديث بهذه الزيادة ابن خزيمة في صحيحه وجماعة بإسناد صحيح.
الجواب: لا بأس بذلك، لا بأس أن يؤدي العمرة عن والده، ويكلف شخصاً ثقة يؤدي عنه الحج، لا بأس بذلك، وإن تولى بنفسه أداء العمرة والحج عن والده فهذا أكمل في البر، ويجوز أن يؤدي الحج عن والده شخص غيره وهو يؤدي العمرة.
كما يجوز أن يحج عن شخص ويعتمر عن شخص آخر، كل هذا لا بأس به.
الجواب: إذا كان قد طاف وسعى فلا حرج عليه في القص؛ لأنه حينئذ طاف وسعى، قد أدى الركن الأول والشيء الأول من الأمور التي يحصل بها التحلل وهو الطواف، وهي في العمرة السعي، فإذا فعل ذلك ساغ له حينئذ أن يحلق أو يقصر والحمد لله، وبهذا يحصل التحلل الأول، ثم بعد رمي الجمرة يحصل التحلل الثاني، وإن كان قد رمى الجمرة قبل الطواف فقد حصل التحلل الأول بالرمي والطواف، فيكون حينئذ مباحاً له الحلق والتقصير، والمشروع له أن يحلق أو يقصر، فلو قصر أو حلق جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه، لأنه محل، أولاً الجاهل لا شيء عليه، والناسي لا شيء عليه، ثم ثانياً لو تعمد ذلك فإنه جائز له حينئذ، لأنه قد فعل واحدة من الثلاثة، إذا رمى أو طاف، فقد شرع له أن يحلق ويقصر، فإن تعمد ذلك فهذا هو المشروع له، وإن فعله ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه حتى ولو كان قبل الطواف والسعي، حتى ولو كان قبل عرفة، لو قصر أو حلق من رأسه جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه على الصحيح.
الجواب: إذا كان قارناً فطوافه طواف قدوم، والعمرة قد دخلت في الحج، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة)، فإذا أحرم بهما جميعاً وقدم يطوف ويسعى، ويعتبر الطواف طواف القدوم، والسعي سعي الحج، ويبقى على إحرامه إذا كان معه هدي؛ من إبل، أو بقر، أو غنم، يبقى على إحرامه إلى الحج، فإذا جاء يوم عرفة فوقف بعرفات، ثم يوم العيد يرمي الجمرة؛ جمرة العقبة، ويحلق أو يقصر، ويحصل التحلل الأول، ثم يطوف حينئذ، ويكون بذلك قد أدى الحج والعمرة جميعاً، وأجزأه السعي السابق، وطوافه الأول طواف قدوم، هذا إذا كان قارناً؛ وهو الذي أحرم بالحج والعمرة جميعاً، وبقي على إحرامه، إما لأنه ساق الهدي، أو لأنه رأى أن هذا جائز ففعله واستمر على إحرامه، فإن هذا طوافه الأول يعتبر طواف قدوم، والعمرة دخلت في الحج، وصار الحكم للحج، والسعي هو سعي الحج مقدماً، وطواف الحج يكون بعد عرفات يوم العيد متأخراً طواف الحج، يوم العيد أو بعده، هذا طواف الحج، بخلاف من أحرم بالعمرة وحدها، فإن طواف القدوم هو طواف العمرة يجزئه، يكون طواف قدوم وطواف عمرة واحداً، فيطوف سبعة أشواط ويكفيه عن العمرة وعن القدوم، ولا يحتاج إلى طوافين: طواف القدوم، وطواف العمرة، إذا كانت العمرة مفردة.
المقدم: طيب إذا حج متمتعاً.
الشيخ: إذا كان اعتمر متمتعاً فكذلك عمرة مفردة، طوافها هو طواف القدوم يكفي.
الجواب: أما الميتة فجزاه الله خيراً إن استناب ليحج عنها من الثقات الطيبين، وإن أخر ذلك حتى يحج عن نفسه ثم يحج عنها فلا بأس، أولاً يحج عن نفسه، يبدأ بنفسه أولاً، هذا هو الواجب، ثم يحج عنها إذا شاء بعد ذلك، وإن أحب أن يعجل حجها فيعطي بعض الثقات مالاً يحج عنها فلا بأس، كله طيب.
الجواب: إذا احتلم وهو محرم يغتسل غسل الجنابة ولا شيء عليه؛ لأنه لم يتعمد هذا، هذا ليس باختياره، مثل الصائم في رمضان يحتلم في النهار يغتسل ولا شيء عليه، صومه صحيح وحجه صحيح، فإذا احتلم في عرفات أو في مزدلفة، أو في الطريق بعدما أحرم، كل ذلك لا حرج عليه، ولكن يلزمه الغسل، فإن لم يجد ماءً؛ لأنه في محل ما فيه ماء، أو كان مريضاً لا يستطيع استعمال الماء، استعمل التيمم التعفر بالتراب، فيأخذ التراب بيديه بنية الجنابة فيمسح وجهه وكفيه بنية الجنابة ويطهر بذلك، ولا شيء عليه وحجه صحيح تام؛ لأن هذا الاحتلام ليس باختياره، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها سبحانه وتعالى. نعم.
الجواب: الشك في الطواف مثل الشك في الصلاة، فإذا شك هل طاف شوطين أو ثلاثة؟ يجعلها شوطين، وإذا شك هل طاف ثلاثة أو أربعة؟ يجعلها ثلاثة، وإذا شك هل طاف ستة أو سبعة؟ يجعلها ستة ويأتي بالسابع، يعني: يبني على اليقين، حتى يكمل الأشواط السبعة بيقين، هذا الواجب عليه.
الجواب: إذا شك الرجل في زوجته واتهمها بأنها تأتي الفاحشة، أو أن لها صاحباً، هذا الشك لا يحرمها عليه، بل هذا من الشيطان، والواجب عليه الحذر من وساوس الشيطان، ومن التهمة بغير حق، ليس له أن يتهم زوجته، ولا غيرها بغير الحق، وهذه التهمة وهذا الشك لا يحرمها عليه، بل ذلك يوجب الإثم إذا كان شكه فيها ليس عن أساس صحيح، وإنما هو مجرد تهمة، فليس له ذلك، أما إن وجد أمارات وعلامات فإنه ينصحها ويوجهها ويحذرها، ولا تحرم عليه أبداً.
الجواب: ينبغي أن تعلم أيها السائل أن بر الوالدين من أهم الواجبات، ومن أعظم الفرائض، كما قال الله جل وعلا: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، وقال سبحانه: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: (أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله؟ قيل: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله)، فبر الوالدين من أهم المهمات حتى قدم على الجهاد، فكونك تقيم على والدك، وتحسن إليه، وترعاه، وتتلطف به، وتقضي حاجاته، هذا أعظم وأفضل من حجك ومجيئك إلى الأرض المقدسة، فنوصيك أيها الأخ بلزوم أبيك، والإحسان إليه، والاستمرار في بره حتى يشفيه الله أو يتوفاه الله، وبعد ذلك في إمكانك التوجه للحج أو العمرة، رزقنا الله وإياك التوفيق، وتقبل منا ومنك.
الجواب: قد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجزئ تقصير بعض الرأس، قيل: ربعه، وقيل: كل ما يسمى تقصيراً، والذي مضى يعفو الله عنه إن شاء الله ويكفي، ولكن في المستقبل ينبغي أن تعمم التقصير كما تعمم الحلق، فلا ينبغي الاقتصار على بعض الرأس بل ينبغي تعميمه، هذا هو القول المختار: أنه ينبغي تعميم الرأس بالتقصير كما يعم بالحلق، هذا هو الواجب، وهذا هو الأرجح، والذي مضى يعفو الله عنه ولا شيء عليه.
المقدم: أيها السادة! إلى هنا ونأتي على نهاية هذا اللقاء الذي استضفنا فيه سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
أيها الإخوة! حتى نلتقي بحضراتكم نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر