أيها السادة المستمعون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في لقائنا هذا مع رسائلكم التي تحمل استفساراتكم.
أيها السادة! لقاؤنا هذا يتم مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مرحباً بسماحة الشيخ.
الشيخ: حياكم الله وبارك الله فيكم.
====
السؤال: هذه الرسالة وردتنا من الشرقية بالطائف من المحتارة خضراء من شارع خالد بن الوليد تقول: كنت حاملاً في ثمانية أشهر، فحملت جهازاً في المنزل بغير قصد، وتأذى الجنين، وتوفي بسبب حمل هذا الجهاز، وأنا لم أقصد أذى الجنين بل بقصد التنظيف المنزلي، فهل أنا مذنبة؟ وما هي كفارة ذلك إن وجد أفيدوني؟ جزاكم الله عني وعن المسلمين خيراً؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فهذا الذي وقع للسائلة وهو أنها حملت جهازاً في البيت في المنزل لقصد الحاجات المنزلية والتنظيف، ثم تأثر الجنين، لم يظهر لي ما يوجب شيئاً من الكفارة؛ لأنها في أمور عادية قد يبتلى الإنسان بهذا الشيء في منزله، فلا يكون به إن شاء الله شيء من الواجب من جهة الكفارة أو الدية؛ لأن هذه أمور عادية، فنرجو أن تكون مغتفرة في مثل هذا الأمر، اللهم إلا أن يكون شيء واضح الخطر ثم حملت عليه، فهذا إذا كفرت عن ذلك بصوم شهرين متتابعين، وإذا كانت تحققت أنه بسبب هذا الحمل فهذا فيه احتياط وعمل بما هو أبرأ للذمة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) وقوله عليه الصلاة والسلام: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) أما إذا كان شيئاً عادياً ولكن أراد الله أنه يكون سبباً لهذا الأمر فالظاهر أنه لا حرج إن شاء الله، ولا كفارة في ذلك إن شاء الله.
الجواب: الظاهر أنه لا يضر ذلك شيئاً؛ لأن هذا عادة جارية في كثير من البلدان يدفنون حول المساجد، فلا يضر ذلك شيئاً، المقصود أن من عادة بعض الناس في بعض البلدان أنهم يدفنون حول المساجد؛ لأنه أسهل عليهم، إذا خرجوا من المسجد دفنوا حول المسجد، فلا يضر ذلك شيئاً ولا يؤثر في صلاة المصلين، لكن إذا كان في قبلة المسجد شيئاً من القبور فالأحوط أن يكون بين المسجد وبين المقبرة جدار آخر غير جدار المسجد، هذا هو الأحوط والأولى، ليكون ذلك أبعد عن استقبالهم للقبور، وإن كان عن يمين المسجد وعن شماله، عن يمين المصلين أو عن شمالهم فلا يضر ذلك شيئاً؛ لأنهم لا يستقبلونها، أما إذا كان في القبلة فالأولى أن يكون هناك جدار آخر غير جدار المسجد إذا تيسر ذلك؛ لأن هذا أبعد عن استقبالها وعن شبهة الاستقبال.
المقدم: لكن بالنسبة لما سأل عنه المستمع وهو إيقاف السيارات؟
الشيخ: أما السيارات فلا يجوز إيقافها على القبور، بل تكون بعيدة عن القبور، تكون في الأراضي السليمة التي ليس فيها قبور، أما كونهم يمتهنون القبور، ويقفون السيارات على القبور فهذا منكر لا يجوز، بل الواجب أن يبعدوها عن القبور وأن تكون في محلات سليمة ليس فيها قبور.
الجواب: لا حرج في ذلك، لا بأس في ذلك يغتسل، إذا كان فيه ماء، وتيسر له الغسل فيه فلا بأس؛ لأن جعله للمطالعين والمراجعين نوع من الإذن في استعمال الماء في الوضوء والغسل والشرب، لما ترك للمطالعين والمراجعين في هذه الكتب، فالمعنى أنهم يتوضئوا من هذا الماء ويغتسلون منه، ولا حرج في ذلك.
الجواب: ما دام أخذه والدها فالوالد يملك أخذه إذا كانت بالمستغني عنه، أو كان يقوم بنفقتها، فالمال الذي أخذه والدها لا حرج فيه، والمال ماله حينئذ؛ لأن الرسول عليه السلام قال: (أنت ومالك لأبيك) وقال عليه الصلاة والسلام: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم) فللوالد أن يأخذ من البنت أو من الذكر الذي هو ولده، له أن يأخذ من ماله ما لا يضره، فإذا أخذ من مال بنته ما لا يضرها، أو من مال ابنه ما لا يضره فلا حرج في ذلك على الصحيح، وإذا كانت هذه البنت يضرها هذا الذهب وهي في ضرورة إليه، ففي إمكانها أن ترفع الأمر للمحكمة، والمحكمة تنظر في ذلك، أما إن كانت لا يضرها ذلك؛ لأنها غنية عنه أو لأن والدها يقوم بحالها وينفق عليها، أو لأن زوجها يقوم بحالها، ولا تحتاج لهذا المال فإن والدها لا حرج عليه في ذلك، والأولى بها ألا تخاصم، فإن تيسر ذلك من دون مخاصمة فهذا هو الأولى بالسائلة، وإن كانت هناك حاجة للخصومة فالأولى ترك ذلك؛ لأن والدها له حق عظيم، وبره واجب، وقد يكون محتاجاً لهذا المال، وهي إذا كانت مستغنية عنه أو يمكن أن تستغني عنه فهذا أولى لها وخير لها ألا تخاصم.
الجواب: أما ما يقول الناس من أنه خلق من النور فهذا كله لا أصل له، كونه خلق من النور، (أول ما خلق نور محمد) هذه أخبار موضوعة لا أصل لها ولا أساس لها عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي موضوعة ومكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك قوله: (خلق من النور) لا أصل له، بل خلق من ماء مهين مثل ما خلق الناس الآخرون، خلق من ماء عبد الله بن عبد المطلب ومن ماء آمنة أمه، ولم يخلق من النور، ولكن الله جعله نوراً عليه الصلاة والسلام، جعله سراجاً منيراً بما أعطاه الله من الوحي، بما أنزل الله عليه من الوحي من القرآن والسنة، جعله الله نوراً للناس، جعله الله سراجاً منيراً بالدعوة إلى الله وبيان الحق للناس وإنذارهم وتوجيههم إلى الخير، فهو نور جاءه بعدما أوحى الله إليه عليه الصلاة والسلام.
وإلا فهو بشر من بني آدم خلق من ماء مهين، من ماء أبيه وأمه، وأما ما يقوله بعض الناس وبعض المخرفين وبعض الصوفية: إنه خلق من نور، أو أن أول شيء خلق هو نور محمد، فهذه كلها لا أصل لها، وكلها باطلة، ويروى في أخبار موضوعة لا أساس لها.
الجواب: هذا لا أصل له أيضاً، إهداء القرآن ليس بمشروع ولا فعله الصحابة رضي الله عنهم، والخير في اتباعهم، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعطى مثل أجورنا، ما فعلنا من خير فله من أجورنا؛ لأنه الدال على الخير عليه الصلاة والسلام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) فهو الذي دل أمته على الخير وأرشدهم إلى الخير، فإذا قرأ الإنسان أو صلى أو صام أو تصدق فالرسول يعطى مثل أجور هؤلاء من أمته؛ لأنه هو الذي دلهم على الخير وأرشدهم إليه عليه الصلاة والسلام.
أما أن يقرأ ويهدي له فليس لهذا أصل، والأولى ترك ذلك.
كذلك الإهداء للأموات ليس له أصل، فالأولى ترك ذلك، وبعض أهل العلم يجوز أن يقرأ الإنسان الحزب من القرآن أو الختمة، ثم يقول: (اللهم اهد ثوابها لأبي أو لأمي) أجاز هذا جمع من أهل العلم، وآخرون قالوا: ترك ذلك أولى؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، فالأولى تركه، وهذا هو الأرجح، الأرجح والأولى ترك تثويب القرآن للناس؛ لأنه ليس عليه دليل، وليس من فعل السلف الصالح، فالأولى ترك ذلك، إنما جاءت الصدقة عن الميت، والدعاء له، والحج عنه، والصوم عنه، إذا كان عليه صوم هذا لا بأس به.
أما كونه يقرأ قراءة ويثوبها للميت أو يصلي فهذا لا، وليس له أصل معروف، فالأولى تركه، فلا يصلي أحد لأحد، ولا يقرأ أحد لأحد، هذا هو الأفضل وهذا هو الأحوط، لأنه لم يرد عن السلف الصالح، والخير في اتباعهم والسير على منهاجهم رضي الله عنهم.
الجواب: كلام من المخرفين، اللوح المحفوظ لا يطلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى، هذا من كلام مخرفي الصوفية الذين يلبسون على الناس ويغشونهم، نسأل الله العافية، علم اللوح المحفوظ إلى الله عز وجل هو الذي يعلمه ويطلع عليه سبحانه وتعالى.
الجواب: كل هذا لا بأس به، لا بأس أن يأخذ الأشجار ويقطعها، ولا بأس أن يأخذ من ثمارها إن كان فيها ثمرة كالسدر ونحوه، ولا بأس أن يقطعها ويستفيد منها إذا كانت ما هي مملوكة لأحد، ولا في أرض مملوكة لأحد، إنما نبتت على المطر -مثلاً- فلا بأس أن تقطع وينتفع بها، ولكن إذا كان هناك فتنة تقع بهذا الشيء فينبغي أن لا يقدم على هذا إلا بمشاورة ولاة الأمور حتى لا تقع فتنة بينه وبين الناس، ولاة الأمور لهم التصرف، يشاورهم في قطعها لمصلحة المسلمين أو الفقراء أو ما أشبه ذلك، أما إذا كان لا يترتب على قطعها فتن ولا قتال ولا شرور وأحب الإنسان أن يقطعها ليستفيد منها وينتفع بها فلا بأس بذلك.
أما قوله هنا: لحرمة القبور أو لكرامات الأولياء أو لكذا أو لكذا، هذا لا أصل له، أو أن من أخذ منها يصيبه حنش أو كذا فهذا من تلبيس الملبسين ولا أصل لهذا الشيء، فلا بأس أن تؤخذ وتقطع، ولا بأس أن تؤكل ثمارها إذا كان فيها ثمر، ولكن إذا كان قطعها قد يترتب عليه شيء من النزاع بينه وبين الناس أو القتال أو شيء من الفتن، فينبغي له أن لا يعجل في الأمور حتى يستشير أهل العلم وأهل البصيرة وأهل الهدى والاستقامة، وحتى يتفق مع ولاة الأمور، إما أمير البلد أو قاضي البلد، حتى يكون هذا على بصيرة وحتى لا تقع فتن بينه وبين الناس.
الجواب: الصواب في هذا أن لهم الخيار، إذا انفتل الإمام أو أصابه الحدث -يعني: سبقه الحدث- فهم بالخيار، إن شاءوا قدموا واحداً منهم إن كان ما قدم هو أحدا، إن شاءوا قدموا أحداً وصلى بهم وبنى على الصلاة، وإن شاءوا بدءوها من أولها واستأنفوها من أولها، فهم بالخيار، ولكن الأولى والأفضل أن يقدموا واحداً يكمل بهم، وأحد القريبين من الإمام يقدم ويكمل بهم الصلاة والحمد لله، هذا هو الأرجح، ولا حرج في ذلك إن شاء الله.
المقدم: يعني ولو كان الإمام هارباً؟
الشيخ: ولو، قد طعن عمر رضي الله عنه فاستخلف عبد الرحمن ، وصلى بهم بقية الصلاة عبد الرحمن بن عوف.
المقدم: أحسنتم.
أيها السادة! إلى هنا نأتي على نهاية لقائنا هذا، الذي استعرضنا فيه أسئلة السادة: المحتارة خضراء من الشرقية بالطائف، والطالب صالح عواد خلف من العراق، والأخت في الإسلام (ع. م. ز) وتسأل عن مطالبة أبيها بمالها، وأحمد سعيد العمري من القنفذة من معهد المعلمين، وأخيراً حمد محمد من الرياض، استعرضنا ما وردنا منكم من أسئلة واستفسارات على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لسماحة الشيخ، وشكراً لكم أيها الإخوة، وإلى أن نلتقي نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر